كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس


مراجع في المصطلح واللغة

مراجع في المصطلح واللغة

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 مايو 2022

مجلد 13. الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 81 .

 

13.

مجلد 13. الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 81 .

 -------
الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ الكتاب : التوراة. والفرقان ، هو الكتاب ، أعيد ذكره باسمين تأكيدا. وقيل الواو ، صلة ، والمعنى : آتينا موسى الكتاب الفرقان ، والواو قد تزاد فى النعوت.
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي : لكى تهتدوا من الضلالة.
[سورة البقرة (2) : الآيات 54 الى 55]
وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)
54 - وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ :
لِقَوْمِهِ القوم : الجماعة من الرجال دون النساء ، وقد يقع على الرجال والنساء ، وهو المراد هنا.
يا قَوْمِ منادى مضاف ، وحذفت الياء لأنه موضع حذف ، والكسرة تدل عليها ، وهى بمنزلة التنوين فحذفت كما يحذف التنوين ، ويجوز فى غير القرآن إثباتها ساكنة.
إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ استغنى بالجمع القليل عن الكثير ، والكثير :
نفوس. وقد يوضع الجمع الكثير موضع جمع القلة ، والقليل موضع الكثرة.
وأصل الظلم : وضع الشيء فى غير موضعه.
فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ لما قال لهم : فتوبوا الى ، قالوا : كيف؟
فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أي ذللوها بالطاعات وكفوها عن الشهوات.
والبارئ : الخالق.
فَتابَ عَلَيْكُمْ فى الكلام حذف ، تقديره : ففعلتم فتاب عليكم ، أي نتجاوز عنكم.
55 - وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ :

(1/3802)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 82
وَ إِذْ قُلْتُمْ معطوف ، وهم السبعون الذين اختارهم موسى.
يا مُوسى نداء مفرد.
لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ أي لن نصدقك.
جَهْرَةً مصدر فى موقع الحال ، أي علانية ، أو عيانا.
فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وقرىء : الصعقة.
وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ جملة فى موضع الحال.
[سورة البقرة (2) : الآيات 56 الى 58]
ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)
56 - ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ :
ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ أي أحييناكم.
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ما فعل بكم من البعث بعد الموت.
57 - وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ :
وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ أي جعلناه عليكم مظلة.
والغمام ، جمع غمامة ، ويجوز غمائم ، وهى السحاب.
وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى :
المن : صمغة حلوة.
السلوى : السمانى ، طير.
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ كلوا ، فيه حذف ، تقديره : وقلنا :
كلوا ، فحذف اختصارا لدلالة الظاهر عليه.
والطيبات : الحلال اللذيذ.
وَ ما ظَلَمُونا يقدر قبله : فعصوا ولم يقابلوا النعم بالشكر.
وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ لمقابلتهم النعم بالمعاصي.
58 - وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً

(1/3803)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 83
وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ
:
قُلْنَا حذفت الألف منها نطقا لسكونها وسكون الدال بعدها ، والألف التي يبتدأ بها ألف وصل.
هذِهِ الْقَرْيَةَ أي المدينة.
فَكُلُوا اباحة.
رَغَداً كثيرا واسعا ، وهو نعت لمصدر محذوف ، أي أكلا رغدا.
وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً الباب ، يعنى بابا فى بيت المقدس يعرف بباب حطة وقيل باب القبة التي كان يصلى إليها موسى وبنو إسرائيل.
سُجَّداً أي منحنين ركوعا.
وقيل : متواضعين خضوعا.
وَ قُولُوا عطف على ادْخُلُوا.
حِطَّةٌ بالرفع ، على إضمار مبتدأ ، أي مسألتنا حطة ، أو يكون حكاية.
وقرىء (حطة) بالنصب ، على معنى : احطط عنا ذنوبنا حطة.
وقيل : حطة : كلمة أمر بها بنو إسرائيل لو قالوها لحطت أوزارهم ، ولكنهم دخلوا الباب يزحفون على أستاههم وقالوا : حبة فى شعرة ، أو حنطة فى شعر.
وقيل : قالوا : حطا سمهانا ، وهى لفظة عبرية ، ومعناها حنطة حمراء.
وكان قصدهم خلاف ما أمرهم اللّه به ، فعصوا وتمردوا واستهزءوا ، فعاقبهم اللّه بالرجز ، وهو العذاب.
نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ الخطايا جمع خطيئة ، على التكسير.

(1/3804)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 84
وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ أي وسنزيد فى احسان من هو محسن.
[سورة البقرة (2) : الآيات 59 الى 60]
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (59) وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)
59 - فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ :
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا تبديل الشيء : تغييره ، وان لم يأت ببدل.
والذين فى موضع رفع ، أي فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم : قولوا حطة ، فقالوا : حنطة.
فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا كرر لفظ ظَلَمُوا ولم يضمره ، تعظيما للأمر.
رِجْزاً أي عذابا.
60 - وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.
وَ إِذِ كسرت الذال لالتقاء الساكنين.
اسْتَسْقى السين سين السؤال ، أي طلب وسأل السقي.
فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ العصا ، معروفة ، وهو اسم مقصور مؤنث ، وألفه منقلبة عن واو.
فَانْفَجَرَتْ فى الكلام حذف ، تقديره : فضرب فانفجرت.
اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً اثنتا فى موضع رفع ، فعلها فَانْفَجَرَتْ وعلامة الرفع فيها الألف. والعين : عين الماء.
قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ يعنى أن لكل سبط منهم عينا قد عرفها لا يشرب من غيرها. والشرب : موضع الشرب.
كُلُوا وَاشْرَبُوا فى الكلام حذف ، تقديره : وقلنا لهم : كلوا المن والسلوى ، واشربوا الماء المتفجر من الحجر.
وَ لا تَعْثَوْا أي لا تفسدوا. والعيث : شدة الفساد.

(1/3805)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 85
مُفْسِدِينَ حال ، وتكرر المعنى تأكيدا لاختلاف اللفظ.
[سورة البقرة (2) : آية 61]
وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61)
61 - وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ :
وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ كان هذا القول منهم فى التيه حين ملوا المن والسلوى ، وتذكروا عيشهم الأول فى مصر.
والطعام ، يطلق على ما يطعم ويشرب.
فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ يخرج ، مجزوم على معنى : سله وقل له أخرج ، يخرج.
وقيل : هو على معنى الدعاء على تقدير حذف اللام.
مِنْ بَقْلِها بدل من (ما) باعادة الحرف.
وَ قِثَّائِها عطف عليه ، وكذا ما بعده.
والبقل : كل نبات ليس له ساق. والقثاء ، معروف.
وَ فُومِها الفوم : الثوم ، وقيل الحمص.
قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ الاستبدال :
وضع الشيء موضع الآخر. يعنى : أتستبدلون البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل ، الذي هو أدنى بالمن والسلوى الذي هو خير.
اهْبِطُوا مِصْراً الأمر للتعجيز. واهبطوا : انزلوا. ومصرا ، بالتنوين منكرا أي مصرا من الأمصار. وقيل : أراد مصر فرعون.
فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ ما ، نصب ، والعامل (ان).

(1/3806)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 86
وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ أي قضى عليهم بهما.
وَ باؤُ أي انقلبوا ورجعوا.
ذلِكَ تعليل.
بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ أي يكذبون.
بِآياتِ اللَّهِ أي بكتابه ومعجزات أنبيائه.
وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ معطوف على يَكْفُرُونَ.
بِغَيْرِ الْحَقِّ تعظيم الشنعة والذنب الذي أتوه.
ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ذلك رد على الأول وتأكيد للاشارة اليه. والباء فى (بما) باء السبب ، أي بعصيانهم. والعصيان :
خلاف الطاعة. والاعتداء : تجاوز الحد فى كل شىء ، وعرف فى الظلم والمعاصي.
[سورة البقرة (2) : آية 62]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
62 - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ :
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا : أي صدقوا بمحمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَ الَّذِينَ هادُوا ، أي صاروا يهودا ، نسبوا الى يهوذا ، وهو أكبر ولد يعقوب عليه السّلام.
وَ النَّصارى جمع ، واحدة : نصرانى ، سموا بذلك لقرية تسمى :
ناصرة كان ينزلها عيسى عليه السّلام فنسب إليها فقيل : عيسى الناصري ، فلما نسب أصحابه اليه قيل : النصارى.
وَ الصَّابِئِينَ جمع صابىء ، وهو من خرج ومال من دين الى دين.
مَنْ آمَنَ أي من صدق. ومن ، فى موضع نصب بدل من الَّذِينَ.
فَلَهُمْ الفاء داخلة بسبب الإبهام الذي فى مَنْ.

(1/3807)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 87
فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ ابتداء وخبر ، فى موضع خبر إِنَّ والعائد على الَّذِينَ محذوف تقديره : من آمن منهم باللّه.
[سورة البقرة (2) : الآيات 63 الى 64]
وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (64)
63 - وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ :
وَ إِذْ أَخَذْنا هذه الآية تفسر معنى قوله تعالى وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ.
الطُّورَ : اسم للجبل الذي كلم اللّه عليه عيسى عليه السّلام وأنزل عليه فيه التوراة دون غيره.
خُذُوا أي فقلنا : خذوا ، فحذف.
ما آتَيْناكُمْ ما أعطيناكم.
بِقُوَّةٍ أي بجد واجتهاد ، وقيل : بنية واخلاص. وقيل : القوة :
العمل بما فيه.
وقيل : بقوة ، بكثرة درس.
وَ اذْكُرُوا ما فِيهِ أي تدبروه واحفظوا أوامره ووعيده ، ولا تنسوه ولا تضيعوه.
64 - ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ :
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ التولي ، الاعراض والأدبار عن الشيء بالجسم ، ثم استعمل فى الاعراض عن الأوامر والأديان والمعتقدات اتساعا ومجازا.
مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي من بعد البرهان ، وهو أخذ الميثاق ورفع الجبل.
فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فضل ، مرفوع بالابتداء ، والخبر محذوف لا يجوز إظهاره ، وإذا أريد إظهاره جىء بأن. والتقدير : فلو لا فضل اللّه تدارككم.
وَ رَحْمَتُهُ عطف على فَضْلُ أي لطفه وامهاله.

(1/3808)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 88
لَكُنْتُمْ جواب فَلَوْ لا.
مِنَ الْخاسِرِينَ خبر لَكُنْتُمْ. والخسران : النقصان.
وقيل : فضله : قبول التوبة. ورحمته : العفو.
والفضل : الزيادة على ما وجب.
[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]
وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)
65 - وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ :
عَلِمْتُمُ : عرفتم أعيانهم ، وعلمتم أحكامهم ، والفرق بينهما :
أن المعرفة متوجهة الى ذات المسمى. والعلم متوجه الى أحوال المسمى ، وعلى الأول يتعدى الفعل الى مفعول واحد ، وعلى الثاني يتعدى الفضل الى مفعولين.
الَّذِينَ اعْتَدَوْا صلة الَّذِينَ والاعتداء تجاوز الحد.
فِي السَّبْتِ أي فى يوم السبت ، يعنى أنهم أخذوا فيه الحيتان على جهة الاستحلال.
قِرَدَةً خبر (كنتم).
خاسِئِينَ نعت ، ويصح أن يكون خبرا ثانيا ، أو حالا من الضمير فى كُونُوا. وخاسئين ، أي مبعدين ، أو صاغرين أو أذلاء.
66 - فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ :
فَجَعَلْناها أي العقوبة ، وقيل : القرية. وقيل : الأمة التي مسخت.
نَكالًا نصب على المفعول الثاني. والنكال : الزجر والعقاب.
لِما بَيْنَ يَدَيْها أي لما بين يدى المسخة ، يعنى ما قبلها من ذنوب القوم.
وَ ما خَلْفَها أي لمن يعمل بعدها مثل تلك الذنوب.

(1/3809)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 89
و قيل : جعلت المسخة نكالا لما مضى من الذنوب ، ولما يعمل بعدها ، ليخافوا المسخ بذنوبهم.
وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ عطف على نَكالًا.
والوعظ : التخويف والتذكير بالخير فيما يرق له القلب.
وخص (المتقين) ، وان كانت موعظة للعالمين ، لتفردهم بها عن الكافرين المعاندين.
[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 68]
وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (68)
67 - وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ :
أَنْ تَذْبَحُوا فى موضع نصب بالفعل يَأْمُرُكُمْ ، أي بأن تذبحوا.
بَقَرَةً نصب بالفعل تَذْبَحُوا. وانما أمروا بذبح بقرة دون غيرها لأنها من جنس ما عبدوه من العجل ، ليهون عندهم ما كان يرونه من تعظيمه.
قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً هذا جواب منهم لموسى عليه السّلام.
هُزُواً مفعول ثان ، أي مما يستهزأ به ويسخر منه.
مِنَ الْجاهِلِينَ الجهل : عدم المعرفة.
68 - قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ :
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ هذا تعنيت منهم وقلة طواعية.
وادع : اسأل.
يُبَيِّنْ مجزوم على جواب الأمر.
ما هِيَ ابتداء وخبر. وماهية الشيء : حقيقته وذاته التي هو عليها.
قالَ فى هذا دليل على جواز النسخ قبل وقت الفعل ، لأنه لما

(1/3810)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 90
أمر ببقرة اقتضى أي بقرة كانت ، فلما زاد فى الصفة نسخ الحكم الأول بغيره.
لا فارِضٌ الفارض : المسنة.
وَ لا بِكْرٌ البكر : الأول من الأولاد.
عَوانٌ العوان من البقر : التي قد ولدت مرة بعد مرة.
بَيْنَ ذلِكَ أي لا هى صغيرة ولا هى مسنة.
فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ تجديد للأوامر وتأكيد وتنبيه على ترك التعنت.
[سورة البقرة (2) : الآيات 69 الى 70]
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)
69 - قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ :
ما لَوْنُها ما ، استفهامية ، مبتدأ ، ولونها ، الخبر. ويجوز نصب لَوْنُها بالفعل يُبَيِّنْ وتكون (ما) زائدة.
واللون ، واحد الألوان ، وهو صيغة كالسواد والبياض والحمرة.
صَفْراءُ ، أي صفراء اللون ، من الصفرة المعروفة.
فاقِعٌ لَوْنُها أي خالص لونها الأصفر ليس معه ما يشوبه.
تَسُرُّ النَّاظِرِينَ أي تعجب الناظرين.
70 - قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ :
تَشابَهَ أي يشبه بعضه بعضا.
وَ إِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ استثناء منهم ، وتقدير الكلام : وانا لمهتدون ان شاء اللّه ، فقدم على ذكر الاهتداء اهتماما به.
وشاء ، فى موضع جزم ، فعل الشرط ، وجوابه الجملة من (ان) وما حملت فيه ، وقيل : الجواب محذوف.

(1/3811)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 91
[سورة البقرة (2) : آية 71]
قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (71)
71 - قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ :
لا ذَلُولٌ بالرفع ، نعت. وقرئت بالنصب على النفي ، والخبر مضمر ، ويجوز : لا هى ذلول ، لا هى تسقى الحرث ، هى مسلمة.
ولا ذلول ، أي لم يذللها العمل ، أي هى بقرة صعبة غير ريضة لم يذللها العمل.
تُثِيرُ الْأَرْضَ تثير ، فى موضع رفع على الصفة ، أي هى بقرة لا ذلول مثيرة.
وقيل : تثير ، فعل مستأنف ، والمعنى : إيجاب الحرث لها ، وأنها كانت تحرث ولا تسقى ، ويكون الوقف مع هذا القول على ذَلُولٌ.
وقيل : لا يجوز أن يكون تُثِيرُ مستأنفا ، لأن بعده وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ فلو كان مستأنفا لما جمع بين الواو و(لا).
ثم انها لو كانت تثير الأرض لكانت الاثارة قد ذللتها ، واللّه تعالى قد نفى عنها ذلك.
واثارة الأرض : تحريكها وبحثها وقبلها للزراعة.
وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ أي لا يسنى عليها لسقى الزرع ولا يسقى عليها.
مُسَلَّمَةٌ أي هى مسلمة ، ويجوز أن يكون وصفا ، أي إنها بقرة مسلمة من العيوب.
لا شِيَةَ فِيها أي ليس فيها لون يخالف معظم لونها. والشية مأخوذة من وشى الثوب ، إذا نسج على لونين مختلفين.
قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ أي بينت الحق.

(1/3812)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 92
وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ هذا اخبار عن تثبيطهم فى ذبحها ، وقلة مبادرتهم الى أمر اللّه ، خوفا من الفضيحة على أنفسهم فى معرفة القاتل منهم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 72 الى 74]
وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
72 - وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ :
هذا الكلام مقدم على أول القصة ، والتقدير : وإذ قتلتم نفسا فادرأتم فيها ، فقال موسى : أن اللّه يأمركم بكذا.
فَادَّارَأْتُمْ : اختلفتم وتنازعتم.
وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ ابتداء وخبر.
ما كُنْتُمْ فى موضع نصب بقوله مُخْرِجٌ ويجوز حذف التنوين على الاضافة.
تَكْتُمُونَ جملة فى موضع خبر (كان) ، والعائد محذوف ، تقديره :
تكتمونه.
73 - فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
:
بِبَعْضِها
أي بعضو من أعضائها أو بجزء منها.
كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
كما أحيا هذا بعد موته كذلك يحيى اللّه كل من مات ، فالكاف فى كَذلِكَ
فى موضع نصب ، لأنه نعت لمصدر محذوف.
وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ
أي علاماته وقدرته.
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
كى تعقلوا وتمتنعوا من عصيانه.
74 - ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ القسوة : الصلابة والشدة واليبس ، يعنى خلوها من الانابة والإذعان لآيات اللّه تعالى.
فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً أو ، بمعنى الواو ، وقيل : بمعنى

(1/3813)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 93
(بل) ، وقيل : معناها الإبهام على المخاطب. وقيل : معناها : التمييز ، أي شبهوها بالحجارة تصيبوا ، أو بأشد من الحجارة تصيبوا ، وقيل :
بل هى على بابها من الشك ومعناها عندكم أيها المخاطبون وفى نظركم أن لو شاهدتم قسوتها لشككتم : أهى كالحجارة ، أو أشد من الحجارة.
وقيل : انما أراد اللّه تعالى أن فيهم من قبله كالحجر ، وفيهم من قلبه أشد من الحجر ، أي هم فرقتان.
أَوْ أَشَدُّ مرفوع بالعطف على موضع الكاف فى قوله كَالْحِجارَةِ ، لأن المعنى : فهى مثل الحجارة أو أشد.
ويجوز : أو أشد ، بالفتح ، عطف على كَالْحِجارَةِ.
قَسْوَةً نصب على التمييز.
يَشَّقَّقُ أصله : يتشقق ، أدغمت التاء فى الشين.
وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فى لفظ الهبوط مجاز ، وذلك أن القلوب لما كانت تعتبر بخلقها ، وتخشع بالنظر إليها ، أضيف تواضع الناظر إليها.
وقيل ان الضمير فى مِنْها راجع الى القلوب لا الى الحجارة ، أي من القلوب لما يخضع من خشية اللّه.
بِغافِلٍ بغافل ، فى موضع نصب ، وقيل : فى موضع رفع ، والباء توكيد.
عَمَّا تَعْمَلُونَ أي عن عملكم حتى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا يحصيها عليكم.
[سورة البقرة (2) : آية 75]
أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)
75 - أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ :
أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ هذا استفهام فيه معنى الإنكار ، كأنه أيأسهم من ايمان هذه الفرقة من اليهود ، أي ان كفروا فلهم سابقة فى ذلك ، والخطاب لأصحاب النبي ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وذلك لأن الأنصار كان لهم حرص على اسلام اليهود ، للحلف والجوار الذي كان بينهم.

(1/3814)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 94
وَ قَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ الفريق ، اسم جمع لا واحد له من لفظه ، وجمعه فى أدنى العدد أفرقة ، وفى الكثرة : أفرقاء. والمراد السبعون الذين اختارهم موسى عليه السّلام ، فسمعوا كلام اللّه فلم يمتثلوا أمره وحرفوا القول فى أخبارهم لقولهم.
يَسْمَعُونَ فى موضع نصب خبر كانَ.
كَلامَ اللَّهِ مفعول يَسْمَعُونَ ما عَقَلُوهُ أي عرفوه وعلموه.
[سورة البقرة (2) : الآيات 76 الى 78]
وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (76) أَوَ لا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78)
76 - وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ :
وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا هذا فى المنافقين.
فَتَحَ حكم.
لِيُحَاجُّوكُمْ ، أي ليحتجوا عليكم بقولكم. وحاججت فلانا فحججته ، أي غلبته بالحجة.
عِنْدَ رَبِّكُمْ قيل فى الآخرة. وقيل عند ذكر ربكم. وقيل : عند بمعنى : فى ، أي ليحاجوكم به فى ربكم ، فيكونوا أحق به منكم لظهور الحجة عليكم.
77 - أَوَ لا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ :
أَ وَلا يَعْلَمُونَ استفهام معناه التوبيخ والتقريع.
ما يُسِرُّونَ أي ما يخفونه من كفر.
وَ ما يُعْلِنُونَ من الجحد به.
78 - وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ :
وَ مِنْهُمْ أي من اليهود ، وقيل من اليهود والمنافقين.
أُمِّيُّونَ لا يكتبون ولا يقرءون ، واحدهم : أمي.

(1/3815)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 95
إِلَّا أَمانِيَّ الا ، بمعنى : لكن ، فهو استثناء منقطع. والأمانى جمع أمنية ، وهى التلاوة.
وَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ان بمعنى (ما) النافية. ويظنون : يكذبون ، لأنهم لا علم لهم بصحة ما يتلون ، وانما هم مقلدون لأحبارهم فيما يقرءون.
[سورة البقرة (2) : الآيات 79 الى 80]
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (80)
79 - فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ :
فَوَيْلٌ الويل : المشقة من العذاب ، وشدة الشر ، والحزن.
بِأَيْدِيهِمْ تأكيد.
لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا يشير الى ما كانوا يغنمونه من مكاسب من وراء تغييرهم وتبديلهم ، كانوا حريصين على ألا تذهب عنهم إذا لم يغيروا.
مِمَّا يَكْسِبُونَ من المعاصي.
80 - وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ :
وَ قالُوا أي اليهود.
لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً يعنى قول اليهود : ان اللّه لن يدخلهم النار الا أربعين يوما عدد عبادتهم العجل.
قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً أي أأسلفتم عملا صالحا فآمنتم وأطعتم فتستوجبون بذلك الخروج من النار ، أو هل عرفتم بوحيه الذي عهده إليكم.

(1/3816)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 96
فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ توبيخ وتقريع.
[سورة البقرة (2) : الآيات 81 الى 83]
بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)
81 - بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ :
بَلى أي ليس الأمر كما ذكرتم ، وهو قولهم : لن تمسنا النار.
سَيِّئَةً السيئة : الشرك.
وَ أَحاطَتْ بِهِ شملته فليس له منها مخرج.
خَطِيئَتُهُ الخطيئة : الكبيرة.
82 - وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ :
خالِدُونَ لا يرحونها أبدا.
83 - وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ :
(الميثاق) : العهد.
لا تَعْبُدُونَ متعلق بقسم ، والمعنى : وإذ استحلفناهم واللّه لا تعبدون.
وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً أي وأمرناهم بالوالدين إحسانا. والإحسان الى الوالدين : معاشرتهما بالمعروف ، والتواضع لهما ، وامتثال أمرهما.
وَ ذِي الْقُرْبى القربى : القرابة ، مصدر.
وَ الْيَتامى جمع يتيم ، واليتيم فى بنى آدم بفقد الأب.
وَ الْمَساكِينِ وهم الذين أسكنتهم الحاجة وأذلتهم.
وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً حسنا ، نصب على المصدر على المعنى ، لأن المعنى : ليحسن قولكم.

(1/3817)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 97
و قيل : التقدير : وقولوا للناس قولا ذا حسن. فهو مصدر لا على المعنى.
وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ الخطاب لبنى إسرائيل ، وزكاتهم هى التي كانوا يضعونها فتنزل النار على ما يتقبل ولا تنزل على ما لم يتقبل.
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ الخطاب لمعاصرى محمد ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم. وأسند إليهم تولى أسلافهم ، إذ هم كلهم بتلك السبيل فى اعراضهم عن الحق مثلهم.
إِلَّا قَلِيلًا قليلا ، نصب على الاستثناء وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ابتداء وخبر. والاعراض والتولي واحد فخالف بينهما فى اللفظ.
وقيل : التولي بالجسم ، والاعراض بالقلب. وأنتم معرضون ، حال ، لأن التولي فيه دلالة على الاعراض.
[سورة البقرة (2) : الآيات 84 الى 85]
وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)
84 - وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ :
لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ المراد بنو إسرائيل.
وَ لا تُخْرِجُونَ معطوف.
أَقْرَرْتُمْ من الإقرار ، أي بهذا الميثاق الذي أخذ عليكم وعلى أوائلكم.
وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ من الشهادة ، وهى الحضور.
85 - ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.

(1/3818)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 98
ثُمَّ أَنْتُمْ أنتم ، بمعنى فى موضع رفع بالابتداء.
هؤُلاءِ التقدير : يا هؤلاء ، وقيل : هؤلاء ، بمعنى : الذين.
تَقْتُلُونَ داخل فى الصلة ، أي ثم أنتم الذين تقتلون.
وقيل : هؤلاء ، رفع بالابتداء ، وأنتم خبر مقدم ، وتقتلون ، حال من : أولاء.
وقيل : هؤلاء ، نصب بإضمار : أعنى.
تَظاهَرُونَ : تتعاونون.
وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى شرط ، وجوابه : تفادوهم. وأسارى ، نصب على الحال.
تُفادُوهُمْ من الفداء.
وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ هو ، مبتدأ ، وهو كناية عن الإخراج.
ومحرم ، خبره وإخراجهم بدل من (هو).
فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ابتداء وخبر. والخزي : الهوان.
[سورة البقرة (2) : الآيات 86 الى 87]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87)
86 - أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ :
أي جعلوا الحياة غايتهم ، فكأنهم باعوا الآخرة.
87 - وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ :
الْكِتابَ : التوراة.
وَ قَفَّيْنا : أتبعنا.
الْبَيِّناتِ : الحجج والدلالات.

(1/3819)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 99
وَ أَيَّدْناهُ أي قويناه.
بِرُوحِ الْقُدُسِ : جبريل عليه السّلام.
اسْتَكْبَرْتُمْ عن اجابته احتقارا للرسل واستبعادا للرسالة.
فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ فريقا ، منصوب بالفعل : كذبتم.
وَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ فريقا ، منصوب بالفعل : تقتلون ، وممن قتلوه :
يحيى وزكريا ، عليهما السلام.
[سورة البقرة (2) : الآيات 88 الى 90]
وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90)
88 - وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ :
وَ قالُوا يعنى اليهود.
قُلُوبُنا غُلْفٌ غلف ، أي عليها غشاوة.
بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ ثم بين السبب فى نفورهم عن الايمان انما هو أنهم لعنوا بما تقدم من كفرهم واجترائهم ، وهذا هو الجزاء على الذنب بأعظم منه.
وأصل اللعن : الطرد.
89 - وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ :
وَ لَمَّا جاءَهُمْ يعنى اليهود.
كِتابٌ يعنى القرآن.
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ نعت لكتاب.
لِما مَعَهُمْ يعنى التوراة والإنجيل يخبرهم بما فيهما.
وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ أي يستنصرون.
90 - بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ :

(1/3820)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 100
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بئس ، الذم. وما ، فاعله. أي بئس الشيء اشتروا به أنفسهم أن يكفروا.
بَغْياً حسدا.
فَباؤُ أي رجعوا ، وأكثر ما يقال فى الشر.
بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ الغضب : عقابه تعالى. والغضب الأول ، لعبادتهم العجل ، والغضب الثاني لكفرهم بمحمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
مُهِينٌ مأخوذ من الهوان ، وهو ما اقتضى الخلود فى النار دائما.
[سورة البقرة (2) : آية 91]
وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)
91 - وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ :
آمِنُوا : صدقوا.
بِما أَنْزَلَ اللَّهُ يعنى القرآن.
نُؤْمِنُ أي نصدق.
بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا يعنى التوراة.
بِما وَراءَهُ أي بما سواه.
وَ هُوَ الْحَقُّ ابتداء وخبر.
مُصَدِّقاً حال مؤكدة.
لِما مَعَهُمْ ما ، فى موضع خفض باللام. ومعهم ، صلتها.
قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ رد من اللّه تعالى عليهم فى قولهم : إنهم آمنوا بما أنزل عليهم ، وتكذيب منه لهم وتوبيخ. والمعنى :
فكيف قتلتم وقد نهيتم عن ذلك.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي ان كنتم معتقدين الايمان فلم رضيتم بقتل الأنبياء.

(1/3821)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 101
[سورة البقرة (2) : الآيات 92 الى 94]
وَ لَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94)
92 - وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ :
وَ لَقَدْ اللام لام القسم.
بِالْبَيِّناتِ قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ.
ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ توبيخ. وثم أبلغ من الواو فى التقريع ، أي بعد النظر فى الآيات والإتيان بها اتخذتم ، وهذا يدل على أنهم فعلوا ذلك بعد مهلة من النظر فى الآيات ، وذلك أعظم لجرمهم.
93 - إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ :
اسْمَعُوا : أطيعوا ، وليس معناه الأمر بإدراك القول فقط ، وانما المراد اعملوا بما سمعتم والتزموه.
قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا يحتمل أنهم صدر منهم هذا اللفظ حقيقة باللسان نطقا ، كما يحتمل أن يكونوا فعلوا فعلا قام مقام القول ، فيكون مجازا.
وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ أي حب العجل ، والمعنى : جعلت قلوبهم تشربه ، وهذا تشبيه ومجاز عبارة عن تمكن أمر العجل فى قلوبهم.
قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ أي ايمانكم الذي زعمتم فى قولكم :
نؤمن بما أنزل علينا.
94 - قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ :

(1/3822)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 102
خالِصَةً نصب على خبر (كان). وإن شئت كان حالا. ويكون عِنْدَ اللَّهِ خبرا.
أكذبهم اللّه عز وجل وألزمهم الحجة فيما ادعوه.
[سورة البقرة (2) : الآيات 95 الى 97]
وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (96) قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)
95 - وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ :
أَبَداً : ظرف زمان يقع على القليل والكثير ، وهو هنا من أول العمر الى الموت.
بِما ما ، بمعنى : الذي ، والعائد محذوف ، والتقدير : قدمته ، وقد تكون مصدرية فلا تحتاج الى عائد.
أَيْدِيهِمْ فى موضع رفع.
وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ابتداء وخبر.
96 - وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ :
وَ لَتَجِدَنَّهُمْ يعنى اليهود.
يَوَدُّ يتمنى.
وَ ما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ التقدير : ما أحدهم بمزحزحه. والزحزحة :
الابعاد والتنحية.
وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ أي بما يعمل هؤلاء الذين يود أحدهم أن يعمر ألف سنة.
97 -
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ :
سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبى صلّى اللّه عليه وآله وسلم : انه ليس نبى من الأنبياء الا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحى ، فمن صاحبك حتى نتابعك؟ قال : جبريل.

(1/3823)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 103
قالوا : ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال ، ذاك عدونا ، لو قلت :
ميكائيل الذين ينزل بالقطر والرحمة تابعناك. فأنزل اللّه الآية.
فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ الضمير فى (انه) يحتمل معنيين :
الأول : فان اللّه نزل جبرئيل على قلبك.
الثاني : فان جبريل نزل بالقرآن على قلبك.
وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقى المعارف.
بِإِذْنِ اللَّهِ أي بإرادته وعلمه.
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يعنى التوراة.
[سورة البقرة (2) : الآيات 98 الى 99]
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (99)
98 - مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ :
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ شرط ، وجوابه فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ.
99 -
وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ :
هذا جواب لابن صوريا حيث قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم : يا محمد ما جئتنا بشىء نعرفه وما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك بها ، فأنزل هذه الآية.
[سورة البقرة (2) : آية 100]
أَ وَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (100)
100 - أَوَ كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ :
أَ وَكُلَّما الواو واو العطف ، دخلت عليها ألف الاستفهام. وقيل :
الواو زائدة ، وقيل : انها (أو) حركت الواو منها تسهيلا.
وقرئت ساكنة الواو ، فتكون بمعنى : بل.
كُلَّما نصب على الظرف.
عاهَدُوا عَهْداً أخذوا على أنفسهم عهدا. يشير الى ما كان بين النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم وبين اليهود من عهود.
نَبَذَهُ النبذ : الطرح والإلقاء.
بَلْ أَكْثَرُهُمْ ابتداء.

(1/3824)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 104
لا يُؤْمِنُونَ فعل مستقبل فى موضع الخبر.
[سورة البقرة (2) : الآيات 101 الى 102]
وَ لَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102)
101 - وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ :
مُصَدِّقٌ نعت ، ويجوز نصبه على الحال.
نَبَذَ جواب لَمَّا.
كِتابَ اللَّهِ نصب بالفعل نَبَذَ. والمراد : التوراة ، لأن كفرهم بالنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم وتكذيبهم له انتباذ لها ، وأخذوا بغيره مما سيجيئ ذكره فى الآية الآتية.
ويجوز أن يعنى به القرآن.
كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ تشبيه بمن لا يعلم ، إذ فعلوا فعل الجاهل.
102 - وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ :
وَ اتَّبَعُوا هذا اخبار من اللّه تعالى عن الطائفة الذين نبذوا الكتاب.
ويروى أن اليهود عارضت محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلم بالتوراة ، فاتفقت التوراة والقرآن فنبذوها وأخذوا بكتاب آصف وبسحر هاروت وماروت.
وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ تبرئة من اللّه لسليمان.
وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا بتعليمهم الناس السحر.
يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ السحر : هو ما يتراءى للعين من تمويه تخال به الأشياء على غير حقيقتها.

(1/3825)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 105
وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ما ، نفى ، والواو للعطف على قوله وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وذلك أن اليهود قالوا : ان اللّه أنزل جبريل وميكائيل بالسحر ، فنفى اللّه ذلك.
وفى الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت.
بِبابِلَ لا تنصرف ، للتأنيث والعجمة ، وهى العراق وما والاه.
هارُوتَ وَمارُوتَ بدل من الشياطين فى قوله وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا. وجاز أن يبدل الاثنان من الجمع ، لأن الاثنين قد يطلق عليهما اسم الجمع ثم انهما لما كانا الرأس فى التعليم فهى عليهما دون أتباعهما.
وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ من ، زائدة للتوكيد ، والتقدير : وما يعلمان أحدا.
حَتَّى يَقُولا نصب الفعل بالحرف حَتَّى.
إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فتنة ، أي محنة وابتلاء.
فَلا تَكْفُرْ ايمانا منهما بأن ما يأتيانه باطل ، ويكون هذا منهما على سبيل الاستهزاء بمن قد تحقق ضلاله.
فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما التقدير يتعلمون منهما ، وهو معطوف على موضع ما يُعَلِّمانِ لأن وَما يُعَلِّمانِ وان دخلت عليه (ما) النافية فمضمنة الإيجاب فى التعليم.
وقيل : هى مردودة على قوله يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فيتعلمون ، ويكون فَيَتَعَلَّمُونَ متصلة بقوله إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فيأتون فيتعلمون.
وَ ما هُمْ اشارة الى السحرة.
بِضارِّينَ بِهِ أي بالسحر.

(1/3826)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 106
مِنْ أَحَدٍ أي أحدا ، و(من) زائدة.
إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بإرادته وقضائه لا بأمره ، لأنه تعالى لا يأمر بالفحشاء ويقضى على الخلق بها.
وَ يَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ يريد فى الآخرة ، وان أخذوا به نفعا قليلا فى الدنيا.
وقيل : فى الدنيا ، لأنه سرعان ما ينكشف زيفه.
وَ لَقَدْ عَلِمُوا لام التوكيد.
لَمَنِ اشْتَراهُ لام يمين ، وهى للتوكيد أيضا. وموضع (من) رفع بالابتداء ، لأنه لا يعمل ما قبل اللام فيما بعدها. و(من) بمعنى الذي.
مِنْ خَلاقٍ من ، زائدة ، والتقدير : ما له فى الآخرة خلاق.
والخلاق : النصيب ولا يكاد يستعمل الا فى الخير.
شَرَوْا : باعوا.
[سورة البقرة (2) : الآيات 103 الى 104]
وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (103) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (104)
103 - وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ :
وَ لَوْ أَنَّهُمْ أن ، فى موضع رفع ، أي لو وقع ايمانهم ، لأن (لو) لا يليها الا الفعل ظاهرا أو مضمرا ، لأنها بمنزلة حرف الشرط إذ كان لا بد له من جواب. و(أن) يليه فعل.
وَ اتَّقَوْا أي اتقوا السحر واطرحوه.
لَمَثُوبَةٌ المثوبة : الثواب ، وهى جواب وَلَوْ أَنَّهُمْ.
104 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ.
لا تَقُولُوا نهى يقتضى التحريم.

(1/3827)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 107
راعِنا أي : ارعنا ولنرعك ، لأن المفاعلة من اثنين ، فتكون من :
رعاك اللّه ، أي : احفظنا لنحفظك وارقبنا لنرقبك.
ويجوز أن يكون من : أرعنا سمعك ، أي فرغ سمعك لكلامنا.
وفى المخاطبة بهذا جفاء ، فأمر المؤمنين أن يتخيروا من الألفاظ أحسنها ومن المعاني أرقها.
وَ قُولُوا انْظُرْنا أي أقبل علينا وانظر إلينا ، فحذف حرف التعدية.
وقرىء : أنظرنا ، بقطع الألف وكسر الظاء ، بمعنى : أمهلنا وأخرنا حتى نفهم عنك.
وهذه وتلك مما تقتضى الإجلال.
وَ اسْمَعُوا حض على السمع الذي فى ضمنه الطاعة.
[سورة البقرة (2) : الآيات 105 الى 106]
ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)
105 - ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ :
ما يَوَدُّ ما يتمنى.
وَ لَا الْمُشْرِكِينَ معطوف على أهل الكتاب.
أَنْ يُنَزَّلَ فى موضع نصب ، أي بأن ينزل.
مِنْ خَيْرٍ من ، زائدة. وخير ، اسم ما لم يسم فاعله.
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ أي بنبوته. وقيل : الرحمة : القرآن ، وقيل :
هى عامة.
ذُو الْفَضْلِ أي صاحب الفضل.
106 - ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :
ما نَنْسَخْ النسخ ، هنا ، بمعنى الابطال والازالة واقامة آخر مقامه.

(1/3828)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 108
أَوْ نُنْسِها أي نؤخر نسخ لفظها.
نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها بخير ، صفة تفضيل ، والمعنى : بأنفع لكم أيها الناس فى عاجل ، ان كانت الناسخة أخف ، وفى آجل ان كانت أثقل ، وبمثلها ان كانت مستوية.
[سورة البقرة (2) : الآيات 107 الى 108]
أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (108)
107 - أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ :
أَ لَمْ تَعْلَمْ جزم بالحرف (لم) ، وحروف الاستفهام لا تغير عمل العامل.
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي بالإيجاد والاختراع ، والملك والسلطان ، ونفوذ الأمر والارادة. وارتفع مُلْكُ بالابتداء ، والخبر لَهُ ، والجملة خبر أَنَّ ، والخطاب للنبى صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، والمراد أمته ، لقوله بعد ما لَكُمْ.
مِنْ دُونِ اللَّهِ : سوى اللّه.
وَ لا نَصِيرٍ بالرفع عطفا على الموضع ، لأن المعنى ، ما لكم من دون اللّه ولى ولا نصير.
108 - أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ :
أَمْ تُرِيدُونَ أم ، هنا ، منقطعة بمعنى : بل ، أي : بل تريدون.
ومعنى الكلام : التوبيخ.
أَنْ تَسْئَلُوا فى موضع نصب بالفعل تُرِيدُونَ.
كَما سُئِلَ الكاف ، فى موضع نصب نعت لمصدر ، أي سؤالا كما.
مُوسى فى موضع رفع على ما لم يسم فاعله.
مِنْ قَبْلُ سؤالهم إياه أن يريهم اللّه جهرة.

(1/3829)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 109
[سورة البقرة (2) : الآيات 109 الى 111]
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (111)
109 - وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :
وَدَّ : تمنى.
كُفَّاراً مفعول ثان للفعل يَرُدُّونَكُمْ.
مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ متعلق بالفعل وَدَّ ، وقيل بقوله حَسَداً ، فالوقف على قوله : كُفَّاراً. والمعنى : من عند تلقائهم من غير أن يجدوه فى كتاب ولا أمروا به.
حَسَداً مفعول له ، أي ودوا ذلك للحسد ، أو مصدر دل ما قبله على الفعل.
مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ أي من بعد ما تبين الحق لهم ، وهو محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم والقرآن الذي جاء به.
فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا العفو : ترك المؤاخذة بالذنب. والصفح :
ازالة أثره من النفس.
حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ يعنى قتل قريظة وجلاء بنى النضير.
110 - وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ :
وَ ما تُقَدِّمُوا أي ما تخلفوا.
111 - وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ :
أي قالت اليهود : لن يدخل الجنة الا من كان يهوديا ، وقالت النصارى : لن يدخل الجنة الا من كان نصرانيا.
قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ أي قدموا حجتكم ودليلكم.
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي فى قولكم أنكم تدخلون الجنة.

(1/3830)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 110
[سورة البقرة (2) : الآيات 112 الى 114]
بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (114)
112 - بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ :
بَلى ردا عليهم وتكذيبا لهم ، أي ليس كما تقولون.
أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ استسلم وخضع ، وقيل : أخلص عمله. وخص الوجه بالذكر لكونه أشرف ما يرى الإنسان ، والعرب تخبر بالوجه عن جملة الشيء. ويصح أن يكون (الوجه) فى هذه الآية : المقصد.
وَ هُوَ مُحْسِنٌ جملة فى موضع الحال.
فَلَهُ الضمير يعود على لفظ مَنْ.
أَجْرُهُ الضمير يعود على لفظ مَنْ.
عَلَيْهِمْ الضمير يعود على معنى مَنْ.
يَحْزَنُونَ الضمير يعود على معنى مَنْ.
113 - وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ :
وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ يعنى التوراة والإنجيل ، والجملة فى موضع الحال.
الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ هم كفار العرب.
114 - وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ :
وَ مَنْ من ، رفع بالابتداء.
أَظْلَمُ خبر المبتدأ مَنْ.
والمعنى : لا أحد أظلم.

(1/3831)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 111
أَنْ يُذْكَرَ فى موضع نصب على البدل من مَساجِدَ.
ويجوز أن يكون : كراهية أن يذكر ، ثم حذف.
ويجوز أن يكون التقدير : من أن يذكر ، وحرف الخفض يحذف مع أَنْ لطول الكلام.
فِي خَرابِها بتعطيل المساجد عن الصلاة أو هدمها.
أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها أولئك ، مبتدأ ، وما بعده خبره.
إِلَّا خائِفِينَ حال.
يعنى إذا استولى عليها المسلمون فلا يمكن الكافر حينئذ من دخولها ، فان دخلوها فعلى خوف. وفى هذا دليل على أن الكافر ليس له دخول المسجد بحال.
لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ ما ينالهم من انكسار يعز الإسلام.
[سورة البقرة (2) : آية 115]
وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (115)
115 - وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ :
وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ المشرق : موضع الشروق. والمغرب :
موضع الغروب. أي هما له ملك وما بينهما من الجهات والمخلوقات بالإيجاد والاختراع ، وخصهما بالذكر والاضافة اليه تشريفا.
فَأَيْنَما تُوَلُّوا شرط. و(ما) زائدة. والجواب : فثم وجه اللّه. وتولوا ، أي تتولوا ، أي تتجهوا.
فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ثم ، فى موضع نصب على الظرف ، ومعناها : البعد ، مبنية غير معربة ، لأنها مبهمة.
وقيل : المراد : فثم اللّه ، والوجه ، صلة.
إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ أي يوسع على عباده فى دينهم ولا يكلفهم ما ليس فى وسعهم.

(1/3832)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 112
و قيل : واسع ، يسع علمه كل شىء.
وقيل : واسع المغفرة لا يتعاظمه ذنب.
وقيل : متفضل على عباده وغنى عن أعمالهم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]
وَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)
116 - وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ :
وَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً اخبار من النصارى فى قولهم : المسيح ابن اللّه.
وقيل : عن اليهود فى قولهم : عزيز ابن اللّه.
وقيل : عن كفرة العرب فى قولهم : الملائكة بنات اللّه.
سُبْحانَهُ منصوب على المصدر ، ومعناه التبرئة والتنزيه والمحاشاة من قولهم : اتخذ اللّه ولدا.
بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ما ، رفع بالابتداء. والخبر فى المجرور ، أي كل ذلك له ملك بالإيجاد.
كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ ابتداء وخبر ، والتقدير : كلهم.
قانِتُونَ : مطيعون خاضعون.
117 - بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ :
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فعيل للمبالغة ، وارتفع على خبر ابتداء محذوف.
وبديع السماوات والأرض ، أي منشئها وموجدها على غير حد ولا مثال ، وكل من أنشأ ما لم يسبق اليه ، قيل له : مبدع.
وَ إِذا قَضى أَمْراً أي إذا أراد أحكامه وإتمامه ، كما سبق فى علمه ، أي إذا أراد خلق شىء.

(1/3833)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 113
كُنْ أمر من (كان) بمعنى : وجد.
فَيَكُونُ أي فهو يكون ، أو فإنه يكون ، أي يوجد لوفق أمره ومشيئته.
[سورة البقرة (2) : الآيات 118 الى 120]
وَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119) وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120)
118 - وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ :
وَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ هم اليهود. وقيل النصارى : مشركو العرب.
لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ لو لا ، بمعنى : هلا ، تحضيض.
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ : الأمم السالفة.
تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ فى التعنيت والاقتراح ، أو فى اتفاقهم على الكفر.
119 - إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ :
بَشِيراً نصب على الحال.
وَ نَذِيراً عطف عليه.
وَ لا تُسْئَلُ بالرفع ، ويكون فى موضع الحال بعطفه على بَشِيراً وَنَذِيراً. والمعنى : انا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا غير مسئول ، ولا تكون مؤاخذا بكفر من يكفر بعد التبشير والانذار.
120 - وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ :
وَ لَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ.
أي انه ليس غرضهم يا محمد بما يقترحون من الآيات أن يؤمنوا بل لو أتيتهم ما يسألونه لم يرضوا عنه. وانما يرضيهم ترك ما أنت عليه من الإسلام واتباعهم.

(1/3834)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 114
قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أي ما أنت عليه يا محمد من هدى اللّه الحق الذي يضعه فى قلب من يشاء هو الهدى الحقيقي ، لا ما يدعيه هؤلاء.
وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ الأهواء ، جمع هوى ، وهو ما تميل اليه النفس.
مِنَ الْعِلْمِ أي القرآن.
[سورة البقرة (2) : الآيات 121 الى 123]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (121) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)
121 - الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ :
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ هم أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم. والكتاب ، هو القرآن. والذين ، رفع بالابتداء ، وآتيناهم ، صلته.
يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ يتلونه ، خبر الابتداء ، أي يتبعونه حق اتباعه ، باتباع الأمر والنهى ، فيحلون حلاله ، ويحرمون حرامه ، ويعملون بما تضمنه.
122 - يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ :
يا بَنِي إِسْرائِيلَ آمنوا.
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ واذكروا نعمتى العظيمة.
الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ التي أنعمت بها عليكم بإخراجكم من ظلم فرعون وإغراقه ، وإعطائكم المن والسلوى ، وغير ذلك مما شرفتكم به.
وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ وقتا من الزمان على الناس فى جعل مصدر النبوات منكم.
123 - وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ :
وَ اتَّقُوا يَوْماً وخافوا عقاب اللّه فى يوم.
لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً لا تدفع فيه نفس عن نفس شيئا.
وَ لا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ ولا يقبل منها نداء.

(1/3835)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 115
وَ لا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ من شافع.
وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ ولا يجد الكافرون نصيرا لهم من دون اللّه.
[سورة البقرة (2) : الآيات 124 الى 125]
وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
124 - وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ :
بِكَلِماتٍ أي الوظائف التي كلفها ابراهيم عليه السلام ، ولما كان تكليفها بالكلام سميت به.
إِماماً الامام : القدوة. والمعنى : جعلناك للناس اماما يأتمون بك.
وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي دعاء ، أي من ذريتى يا رب فاجعل.
وقيل : هذا منه على جهة الاستفهام عنهم أي ومن ذريتى يا رب ماذا يكون؟ فأخبره اللّه تعالى أن فيهم عاصيا وظالما لا يستحق الامامة.
لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ العهد ، أي النبوة ، وقيل : الايمان.
125 - وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ :
وَ إِذْ جَعَلْنَا : وإذ صيرنا ، والتعدية إلى مفعولين.
الْبَيْتَ : الكعبة.
مَثابَةً : مرجعا.
وَ أَمْناً تأكيد للأمر باستقبال الكعبة ، ومن استعاذ بالحرم أمن من أن يغار عليه.
وَ اتَّخِذُوا بالرفع على جهة الخبر عمن اتخذه من متبعى ابراهيم ، وهو معطوف على جَعَلْنَا أي جعلنا البيت مثابة واتخذوه مصلى.
وقرىء وَاتَّخِذُوا على صيغة الأمر ، قطعوه من الأول وجعلوه معطوفا جملة على جملة.
مِنْ مَقامِ المقام : موضع القدمين.

(1/3836)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 116
وَ عَهِدْنا أي أمرنا ، أو أوحينا.
أَنْ طَهِّرا أن ، فى موضع نصب ، على تقدير حذف الخافض.
وقيل : انها بمعنى : أي ، فلا موضع لها من الاعراب.
طَهِّرا من الأوثان ، أو من الآفات والريب ، أو من الكفار.
بَيْتِيَ أضاف البيت الى نفسه اضافة تشريف وتكريم.
لِلطَّائِفِينَ الذين يطوفون بالبيت.
وَ الْعاكِفِينَ : المجاورين أو الجالسين بغير طواف.
وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ أي المصلين عند الكعبة ، وخص الركوع والسجود بالذكر لأنهما أقرب أحوال المصلى الى اللّه تعالى.
[سورة البقرة (2) : الآيات 126 الى 128]
وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)
126 - وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ :
بَلَداً آمِناً يعنى مكة.
مَنْ آمَنَ بدل من (أهل) بدل البعض من الكل. والايمان :
التصديق.
وَ مَنْ كَفَرَ من ، فى موضع رفع بالابتداء ، وهى شرط ، والخبر فَأُمَتِّعُهُ وهو الجواب.
127 - وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ :
الْقَواعِدَ : أساس البيت.
رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا أي : ويقولان : ربنا ، فحذف.
إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ اسمان من أسماء اللّه تعالى.
128 - رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ :

(1/3837)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 117
وَ اجْعَلْنا أي صيرنا.
مُسْلِمَيْنِ مفعول ثان.
سألا التثبيت والدوام.
والإسلام ، هنا ، الايمان والأعمال جميعا.
وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ أي : ومن ذريتنا فاجعل.
وَ أَرِنا مَناسِكَنا أرنا ، من رؤية البصر ، فتعدى الى مفعولين.
والنسك : العبادة. والمناسك : المتعبدات ، وكل ما يتعبد به الى اللّه تعالى فهو منسك.
وَ تُبْ عَلَيْنا طلبا التثبيت والدوام.
[سورة البقرة (2) : الآيات 129 الى 130]
رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)
129 - رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ :
رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يعنى محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ الكتاب : القرآن. والحكمة : المعرفة بالدين.
وَ يُزَكِّيهِمْ أي يطهرهم من وضر الشرك.
الْعَزِيزُ : المنيع الذي لا ينال ولا يغالب.
130 - وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ :
وَ مَنْ يَرْغَبُ استفهام فى موضع رفع بالابتداء. ويرغب ، صلة مَنْ.
إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ فى موضع الخبر ، وهو تقريع وتوبيخ وقع فيه معنى النفي ، أي وما يرغب. وسفه : جهل ، أي جهل أمر نفسه فلم يفكر فيها. وقيل : أهلك نفسه.
وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ أي اخترناه للرسالة فجعلناه صافيا من الأدناس.
وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ الصالح فى الآخرة : هو الفائز.

(1/3838)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 118
[سورة البقرة (2) : الآيات 131 الى 134]
إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134)
131 - إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ :
إِذْ العامل فيها قوله (اصطفينا) أي اصطفيناه إذ قال له ربه أسلم.
132 - وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ :
بِها أي بالملة ، وقيل : بالكلمة التي هى قوله أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ.
يا بَنِيَّ معناه : أن يا بنى.
إِنَّ اللَّهَ كسرت (ان) لأن (أوصى) وقال ، واحد ، على إضمار القول.
اصْطَفى : اختار.
لَكُمُ الدِّينَ أي الإسلام.
فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ إيجاز بليغ ، والمعنى : الزموا الإسلام وداوموا عليه ولا تفارقوه حتى تموتوا.
133 - أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
شُهَداءَ خبر (كان) ولم يصرف لأن فيه ألف التأنيث ، ودخلت لتأنيث الجماعة كما تدخل الهاء. والخطاب لليهود والنصارى الذين ينسبون الى ابراهيم ما لم يوص به بنيه ، وأنهم على اليهودية والنصرانية ، فرد اللّه عليهم قولهم وكذبهم ، وقال لهم على جهة التوبيخ : أشهدتم يعقوب وعلمتم ما أوصى به فتدعون عن علم ، أي لم تشهدوا بل أنتم مفترون.
وأم ، بمعنى : بل.
وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ابتداء وخبر.
134 - تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ :

(1/3839)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 119
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ تلك ، مبتدأ. أمة ، خبره. قَدْ خَلَتْ نعت لأمة.
لَها ما كَسَبَتْ ما ، فى موضع رفع بالابتداء.
وَ لا تُسْئَلُونَ أي لا يؤاخذ أحد بذنب أحد.
[سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 136]
وَ قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)
135 - وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ :
وَ قالُوا دعت كل فرقة الى ما هى عليه ، فرد اللّه تعالى ذلك عليهم فقال :
بَلْ مِلَّةَ أي : قل يا محمد بل نتبع ملة ، فلهذا نصب.
وقيل : المعنى : بل نهتدى بملة ابراهيم ، فلما حذف حرف الجر صار منصوبا.
وقرىء (بل ملة) بالرفع ، والتقدير : بل الهدى ملة.
حَنِيفاً أي مائلا عن الأديان المكروهة الى الحق دين ابراهيم ، وهو فى موضع نصب على الحال.
136 - قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ :
قُولُوا الخطاب لهذه الأمة.
وَ الْأَسْباطِ : ولد يعقوب عليه السلام ، وهم اثنا عشر ولدا ، لكل واحد منهم أمة من الناس ، واحدهم : سبط. والسبط فى بنى إسرائيل بمنزلة القبيلة فى ولد إسماعيل. وسموا الأسباط من السبط ، وهو التتابع.
لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أي لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعض ، كما فعلت اليهود والنصارى.

(1/3840)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 120
[سورة البقرة (2) : الآيات 137 الى 139]
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)
137 - فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ :
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ الخطاب لمحمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم وأمته ، أي فان آمنوا مثل ايمانكم ، وصدقوا مثل تصديقكم ، فقد اهتدوا ، فالمماثلة وقعت بين الايمانين.
وقيل : ان الباء فى بِمِثْلِ زائدة مؤكدة.
وَ إِنْ تَوَلَّوْا أي أعرضوا عن الايمان.
فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ الشقاق : المنازعة والمجادلة ، والمخالفة والتمادي.
فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ أي فسيكفى اللّه رسوله عدوه ممن عانده وخالفه.
والكاف والهاء والميم فى موضع نصب مفعولان.
السَّمِيعُ لقول كل قائل.
الْعَلِيمُ بما ينفذه فى عباده ويجريه عليهم.
138 - صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ :
صِبْغَةَ اللَّهِ منصوبة على تقدير : اتبعوا ، أو على الإغراء ، أي الزموا.
وذلك أن النصارى كان إذا ولد لهم ولد ، فأتى عليه سبعة أيام غمسوه فى ماء لهم يقال له : ماء المعمودية ، فصبغوه بذلك ليطهروه به ، فاذا فعلوا ذلك قالوا : الآن صار نصرانيا حقا. فرد اللّه تعالى ذلك عليهم بأن قال صِبْغَةَ اللَّهِ ، أي صبغة اللّه ، وهى الإسلام ، أحسن صبغة.
وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ ابتداء وخبر.
139 - قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ :
قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ كانت المحاجة أن قالوا : نحن أولى باللّه منكم ، لأنا أبناء اللّه وأحباؤه ، ولقدم كتبهم وآبائهم.

(1/3841)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 121
فقيل لهم : قل لهم يا محمد ، أي لهؤلاء اليهود والنصارى ، الذين زعموا أنهم أبناء اللّه وأحباؤه ، وادعوا أنهم أولى باللّه منكم لقدم كتبهم وآبائهم : أتحاجوننا ، أي تجاذبوننا الحجة على دعواكم ، والرب واحد ، وكل مجازى بعمله ، فأى تأثير لقدم الدين.
ومعنى فِي اللَّهِ أي فى دينه والقرب منه والحظوة عنده.
وَ نَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ أي مخلصون العبادة ، وفيه معنى التوبيخ ، أي ولم تخلصوا أنتم ، فكيف تدعون ما نحن أولى به منكم.
والإخلاص : تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين.
[سورة البقرة (2) : الآيات 140 الى 141]
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (141)
140 - أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ :
أَمْ تَقُولُونَ أي أتحاجوننا فى اللّه أم تقولون ان الأنبياء كانوا على دينكم ، وأم ، هنا ، المتصلة.
وقيل : تقولون ، بمعنى : قالوا ، وتكون أَمْ هنا المنقطعة.
هُوداً خبر (كان).
قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ تقرير وتوبيخ فى ادعائهم بأنهم كانوا هودا أو نصارى ، فرد اللّه عليهم بأنه أعلم بهم منكم ، أي لم يكونوا هودا ولا نصارى.
وَ مَنْ أَظْلَمُ لفظه الاستفهام ، والمعنى : لا أحد أظلم.
مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً يريد علمهم بأن الأنبياء كانوا على الإسلام.
وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وعيد واعلام بأنه لم يترك أمرهم سدى ، وأنه يجازيهم على أعمالهم.
141 - تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ :

(1/3842)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 122
كررها لأنها تضمنت معنى التهديد والتخويف ، أي إذا كان أولئك الأنبياء على إمامتهم وفضلهم يجازون بكسبهم فأنتم أحرى ، فوجب التوكيد ، فلذلك كررها.
[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 143]
سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143)
142 - سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ :
سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ سيقول ، بمعنى (قال) جعل المستقبل موضع الماضي ، دلالة على استدامة ذلك وأنهم يستمرون على ذلك القول.
والسفهاء ، جمع ، واحده : سفيه ، وهو الخفيف العقل. ويعنى اليهود والنصارى. وقيل : كفار قريش لما أنكروا تحويل القبلة.
ما وَلَّاهُمْ أي ما صرفهم.
عَنْ قِبْلَتِهِمُ عن اتخاذهم بيت المقدس قبلة يستقبلونها فى صلاتهم ، وانصرافهم الى استقبال الكعبة بمكة.
قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ اقامه حجة ، أي له ملك المشارق والمغارب وما بينهما ، فله أن يأمر بالتوجه الى أي جهة شاء.
يَهْدِي مَنْ يَشاءُ اشارة الى هداية اللّه تعالى هذه الأمة الى قبلة ابراهيم.
إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ الصراط : الطريق. والمستقيم الذي لا اعوجاج له.
143 - وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ :

(1/3843)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 123
وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ، أي وكما أن الكعبة وسط الأرض جعلناكم أمة وسطا ، أي جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم. والوسط العدل ، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها.
لِتَكُونُوا ، نصب بلام (كى) ، أي لأن تكونوا.
شُهَداءَ
خبر (كان).
عَلَى النَّاسِ أي فى المحشر للأنبياء على أممهم.
وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً أي بأعمالكم يوم القيامة.
وقيل عَلَيْكُمْ بمعنى : لكم ، أي يشهد لكم بالايمان.
وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها أي القبلة الأولى ، لقوله كُنْتَ عَلَيْها.
وقيل : الكاف زائدة ، ويكون المراد الثانية ، أي التي أنت الآن عليها.
إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ لنعلم : لنرى ، والعرب تضع العلم مكان الرؤية ، والرؤية مكان العلم.
وقيل : المعنى : إلا لتعلموا أنا نعلم.
ويتبع الرسول : أي فيما أمر به من استقبال الكعبة.
مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ أي ممن يرتد عن دينه.
وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً ان واللام بمعنى (ما) و(الا).
وقيل : هى (ان) الثقيلة خففت.
أي : وان كان القبلة ، أو التحويلة ، لكبيرة.
إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ أي خلق الهدى الذي هو الايمان فى قلوبهم.
وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ نزلت فيمن مات وهو يصلى الى بيت المقدس.

(1/3844)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 124
إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ الرأفة أكثر من الرحمة وأشد.
[سورة البقرة (2) : الآيات 144 الى 145]
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)
144 - قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ :
هذه الآية مقدمة فى النزول على قوله تعالى سَيَقُولُ السُّفَهاءُ.
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ أي تحول وجهك الى السماء.
وخص السماء بالذكر إذ هى مختصة بتعظيم ما أضيف إليها.
وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم إذا صلى نحو بيت المقدس رفع رأسه الى السماء ينظر ما يؤمر به ، وكان يحب أن يصلى الى الكعبة.
تَرْضاها تحبها.
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الشطر : الناحية. والمسجد الحرام ، يعنى الكعبة.
وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يريد اليهود والنصارى.
لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ يعنى تحويل القبلة من بيت المقدس.
وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ اعلام بأن اللّه تعالى لا يهمل أعمال العباد ولا يغفل عنها.
145 - وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ :
وَ لَئِنْ تطلب الاستقبال ، وأجيبت بجواب (لو) لأن المعنى :
و لو أتيت ، وكذا تجاب (لو) بجواب لَئِنْ.
وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ لفظ خبر ويتضمن الأمر ، أي فلا تركن الى شىء من ذلك.

(1/3845)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 125
وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ أي ان اليهود ليست متبعة قبلة النصارى ، ولا النصارى متبعة قبلة اليهود ، وهذا اعلام باختلافهم وتدابرهم وضلالهم.
وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ الخطاب للنبى صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، والمراد أمته ممن يجوز أن يتبع هواه فيصير باتباعه هواه ظالما ، وليس يجوز أن يفعل النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم ما يكون به ظالما.
[سورة البقرة (2) : الآيات 146 الى 148]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)
146 - الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ :
الَّذِينَ فى موضع رفع بالابتداء ، والخبر جملة يَعْرِفُونَهُ.
و يصح أن يكون فى موضع خفض على الصفة لقوله الظَّالِمِينَ وتكون جملة يَعْرِفُونَهُ فى موضع الحال ، أي يعرفون نبوته وصدق رسالته ، والضمير عائد على محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
أَبْناءَهُمْ خص الأبناء فى المعرفة بالذكر دون الأنفس ، وإن كانت ألصق ، لأن الإنسان يمر عليه من زمنه برهة لا يعرف فيها نفسه ، ولا يمر عليه وقت لا يعرف فيه ابنه.
لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ يعنى محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلم. وقيل : استقبال الكعبة.
وَ هُمْ يَعْلَمُونَ ظاهر فى صحة الكفر عنادا.
147 - الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ :
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ يعنى استقبال الكعبة لا ما أخبرك به اليهود من قبلتهم.
فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ أي من الشاكين ، والخطاب للنبى ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، والمراد أمته.
148 - لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
:

(1/3846)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 126
لِكُلٍّ وِجْهَةٌ
الوجهة : الجهة ، والمراد : القبلة ، أي لا يتبعون قبلتك وأنت لا تتبع قبلتهم ولكل وجهة ، اما بحق واما بهوى.
َ مُوَلِّيها
هو ، عائد على لفظ (كل) لا على معناه. أي موليها وجهه.
سْتَبِقُوا الْخَيْراتِ
أي الى الخيرات ، فحذف الحرف ، أي بادروا الى ما أمركم اللّه عز وجل من استقبال البيت الحرام ، وان كان يتضمن الحث على المبادرة والاستعجال الى جميع الطاعات بالعموم.
ْنَ ما تَكُونُوا
شرط.
ْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً
جواب الشرط ، يعنى يوم القيامة.
[سورة البقرة (2) : الآيات 149 الى 150]
وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)
149 - وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ :
وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ يعنى وجوب الاستقبال فى الأسفار.
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أمر باستقبال الكعبة.
150 - وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ :
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ تأكيد للأمر باستقبال الكعبة والاهتمام بها لأن موقع التحويل كان صعبا فى نفوسهم ، فأكد الأمر ليرى الناس الاهتمام فيخفف عليهم وتسكن نفوسهم اليه.
وقيل أراد بالأول : ول وجهك شطر الكعبة ، أي غايتها إذا صليت تلقاءها.
وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ معاشر المسلمون فى سائر المساجد فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ.

(1/3847)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 127
فَلا تَخْشَوْهُمْ يريد الناس.
وَ اخْشَوْنِي الخشية : طمأنينة فى القلب تثبت على المتوقى.
وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ معطوف على لِئَلَّا يَكُونَ أي : ولأن أتم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 153]
كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)
151 - كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ :
كَما أَرْسَلْنا الكاف ، فى موضع نصب على النعت لمصدر محذوف ، والمعنى : ولأتم نعمتى عليكم إتماما مثل ما أرسلنا.
152 - فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ :
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ أمر وجوابه ، وفيه معنى المجازاة ، ولذلك جزم.
وأصل الذكر : التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له ، وسمى الذكر باللسان ذكرا لأنه دلالة على الذكر القلبي ، غير أنه لما كثر اطلاق الذكر على القول اللساني صار هو السابق للفهم. والمعنى : اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة.
وَ اشْكُرُوا لِي الشكر : معرفة الإحسان والتحدث به.
وَ لا تَكْفُرُونِ نهى ، ولذلك حذفت منه نون الجماعة ، وهذه نون المتكلم. وحذفت الياء ، لأنها رأس آية.
153 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ :
اسْتَعِينُوا فى كل ما تأتون وما تذأرون.
بِالصَّبْرِ على الأمور الشاقة.
وَ الصَّلاةِ التي هى أم العبادات.

(1/3848)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 128
إِنَّ اللَّهَ بقدرته القاهرة.
مَعَ الصَّابِرِينَ فهو وليهم وناصرهم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 154 الى 157]
وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
154 - وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ :
أَمْواتٌ ارتفع على إضمار مبتدأ.
بَلْ أَحْياءٌ أي بل هم أحياء.
155 - وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ :
وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ البلاء : المحنة.
بِشَيْءٍ لفظ مفرد ، ومعناه الجمع.
مِنَ الْخَوْفِ أي خوف العدو والفزع فى القتال.
وَ الْجُوعِ من المجاعة بالجدب والقحط.
وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ بسبب الاشتغال بقتال الكفار.
وَ الْأَنْفُسِ بالقتل والموت فى الجهاد.
الثَّمَراتِ أي موت الأولاد ، فالولد ثمرة قلب الرجل.
وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ أي بالثواب على الصبر.
156 - الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ :
مُصِيبَةٌ المصيبة : كل ما يؤذى المؤمن ويصيبه.
قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ جعل اللّه هذه الكلمات ملجأ لذوى المصائب ، وعصمة للممتحنين.
157 - أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ :

(1/3849)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 129
هذه نعم من اللّه عز وجل على الصابرين المسترجعين.
و صلاة اللّه على عبده : عفوه ورحمته وبركته وتشريفه إياه فى الدنيا والآخرة.
[سورة البقرة (2) : الآيات 158 الى 159]
إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (158) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (159)
158 - إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ :
إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ الصفا والمروة : جبلان بمكة يكون بينهما السعى فى الحج.
مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ أي من معالمه ومواضع عباداته ، الواحدة :
شعيرة.
فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أي قصد.
أَوِ اعْتَمَرَ أي زار. والعمرة : الزيارة.
فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أي فلا اثم عليه.
أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما أن يسعى بينهما.
وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً التطوع : ما يأتيه المؤمن من قبل نفسه ، فمن أتى بشىء من النوافل فاللّه يشكر.
159 - إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ :
مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى يعم المنصوص عليه والمستنبط لشمول اسم الهدى للجميع.
مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ الكناية فى بَيَّنَّاهُ ترجع الى ما أنزل من البينات والهدى.
فِي الْكِتابِ اسم جنس ، والمراد جميع الكتب المنزلة.
أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ أي يتبرأ منهم ويبعدهم من ثوابه. وأصل اللعن فى اللغة : الطرد.

(1/3850)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 130
وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ أي الملائكة والمؤمنون.
[سورة البقرة (2) : الآيات 160 الى 163]
إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163)
160 - إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ :
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا استثنى اللّه تعالى التائبين الصالحين لأعمالهم وأقوالهم المنيبين لتوبتهم.
وَ بَيَّنُوا أي بينوا خلاف ما كانوا عليه.
161 - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ :
وَ هُمْ كُفَّارٌ الواو واو الحال.
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ أي ابعادهم من رحمته.
وَ الْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وقرىء (والملائكة والناس أجمعون) بالرفع ، وتأويلها :
(أولئك جزاؤهم أن يلعنهم الله ويلعنهم الملائكة ويلعنهم الناس أجمعون).
162 - خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ :
خالِدِينَ فِيها أي فى اللعنة ، أي فى جزائها ، وخلودهم فى اللعنة أنها مؤبدة عليهم. وخالدين نصب على الحال من الهاء والميم فى عَلَيْهِمْ والعامل فيه الظرف من قوله عَلَيْهِمْ لأن فيه معنى استقرار اللعنة.
وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ أي لا يؤخرون عن العذاب وقتا من الأوقات.
163 - وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ :
وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لما حذر تعالى من كتمان الحق بين أن أول ما يجب إظهاره ، ولا يجوز كتمانه ، أمر التوحيد.

(1/3851)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 131
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ نفى واثبات ، أولها كفر وآخرها ايمان. ومعناه لا معبود الا اللّه.
[سورة البقرة (2) : آية 164]
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)
164 - إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ :
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كأنهم طلبوا الدليل على وحدانية اللّه فنزلت هذه الآية ، أي ان هذا العالم والبناء العجيب لا بد له من بان وصانع.
وجمع السماوات لأنها أجناس مختلفة كل سماء جنس من غير جنس الأخرى.
وآية السماء ، ارتفاعها بغير عمد من تحتها. وآية الأرض بحارها وأنهارها ومعادنها وشجرها وسهلها ووعرها.
وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ بإقبال أحدهما وادبار الآخر.
وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ الفلك : السفن ، وافراده وجمعه بلفظ واحد ، ويذكر ويؤنث. يعنى تسخير اللّه إياها حتى تجرى على وجه الماء ووقوفها فوقه مع ثقلها.
بِما يَنْفَعُ النَّاسَ أي بالذي ينفعهم من التجارات وسائر المآرب التي تصلح بها أحوالهم.
وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ أي الأمطار التي بها انعاش العالم وإخراج النبات.
وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ أي فرق ونشر. ودابة تجمع الحيوان كله.
وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ أي إرسالها عقيما وملقحا ، وحارة وباردة ، ولينة وعاصفة.
وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ المسخر : المذلل.

(1/3852)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 132
لَآياتٍ أي دلالات تدل على وحدانيته وقدرته.
[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (166) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)
165 - وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ :
أَنْداداً جمع ند. والمراد الأوثان والأصنام التي كانوا يعبدونها كعبادة اللّه مع عجزها.
يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ أي يحبون أصنامهم على الباطل كحب المؤمنين للّه على الحق.
وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ لأن اللّه تعالى أحبهم أولا ثم أحبوه ، ومن شهد له محبوبه بالمحبة كانت محبته أتم.
وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أي لو يرى الذين ظلموا فى الدنيا عذاب الآخرة لعلموا حين يرونه أن القوة للّه جميعا.
166 - إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ :
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا من السادة والرؤساء ، تبرءوا ممن اتبعهم على الكفر.
وَ رَأَوُا الْعَذابَ يعنى التابعين والمتبوعين عند العرض والمساءلة فى الآخرة.
وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ أي الوصلات التي كانوا يتواصلون بها فى الدنيا من رحم وغيره.
167 - وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ :
لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً أن ، فى موضع رفع ، أي لو ثبت أن لنا رجعة وعودة.

(1/3853)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 133
فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ جواب التمني. أي قال الأتباع : لو رددنا الى الدنيا حتى نعمل صالحا ونتبرأ منهم.
كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا أي تبرءا ، فالكاف فى موضع نصب على النعت لمصدر محذوف.
كَذلِكَ الكاف فى موضع رفع ، أي الأمر كذلك.
أي كما أراهم اللّه العذاب كذلك يريهم اللّه أعمالهم.
وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ دليل على خلود الكفار فيها وأنهم لا يخرجون منها.
[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 169]
يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (169)
168 - يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ :
طَيِّباً الطيب : الحلال ، فهو تأكيد لاختلاف اللفظ.
وقيل : الطيب : المستلذ ، فهو تنويع.
حَلالًا طَيِّباً حلالا ، حال. وقيل : مفعول. وسمى الحلال حلالا لانحلال عقدة الحظر عنه.
وَ لا تَتَّبِعُوا نهى.
خُطُواتِ الشَّيْطانِ خطوات ، جمع خطوة ، وهى ما بين القدمين.
وخطوات الشيطان : أعماله.
وقيل : خطاياه.
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ أخبر تعالى بأن الشيطان عدو ، وخبره حق صدق.
169 - إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ :
إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ سمى السوء سوءا لأنه يسوء صاحبه بسوء عواقبه.

(1/3854)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 134
و الفحشاء ، أصله : قبح المنظر ، ثم استعمل اللفظ فيما قبح من المعاني.
وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أي ما حرموا من الحيرة والسائبة ونحوها مما جعلوه شرعا.
[سورة البقرة (2) : الآيات 170 الى 173]
وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)
170 - وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا ب
لراعي إذا نعق وهو لا يدرى أين هى.
ثم شبه اللّه الكافرين بأنهم صم بكم عمى.
172 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ :
خص المؤمنين لأنهم المعنيون بمعرفة ما يحل وما يحرم من المطعومات والمشروبات. والأمر هنا للعموم الا ما سوف يستثنيه تعالى.
173 - إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ انما كلمة موضوعة للحصر ، تتضمن النفي والإثبات ، فتثبت ما تناوله الخطاب وتنفى ما سواه ، وقد حصرت هاهنا

(1/3855)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 135
التحريم ، لا سيما وقد جاءت عقيب التحليل فى قوله تعالى فى الآية السابقة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ فأفادت الإباحة على الإطلاق ، ثم بذكر المحرم بكلمة إِنَّما الحاصرة ، فاقتضى ذلك الإيجاب للقسمين. و(ما) كافة ، ويجوز أن تجعلها بمعنى : الذي ، منفصلة خطاّ وترفع الميتة والدم ولحم الخنزير على خبر (إن).
الْمَيْتَةَ ما فارقته الروح من غير ذكاة مما يذبح ، وما ليس بمأكول فذكاته كموته ، كالسباع وغيرها.
وَ الدَّمَ يراد به الدم المسفوح ، لأن ما خالط اللحم فغير محرم بإجماع.
وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ فعينه محرمة ذكى أو لم يذك.
وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ أي ذكر عليه غير اسم اللّه تعالى ، وهى ذبيحة المجوسي والوثني والمعطل فالوثنى يذبح للوثن ، والمجوسي للنار ، والمعطل لا يعتقد شيئا فيذبح لنفسه.
فَمَنِ اضْطُرَّ أي فمن اضطر الى شىء من هذه المحرمات ، أي أحوج إليها.
غَيْرَ باغٍ فى أكلها شهوة وتلذذا.
وَ لا عادٍ باستيفاء الأكل الى حد الشبع.
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي يغفر المعاصي ، فأولى ألا يؤاخذ بما رخص فيه ، ومن رحمته أنه رخص.
[سورة البقرة (2) : آية 174]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (174)
174 - إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ :
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ يعنى علماء اليهود كتموا ما أنزل اللّه فى التوراة من صفة محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم وصحة رسالته.

(1/3856)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 136
أَنْزَلَ : أظهر ، وقيل : هو على بابه من النزول.
وَ يَشْتَرُونَ بِهِ أي بالمكتوم.
ثَمَناً قَلِيلًا يعنى أخذ الرشاء ، وسماه قليلا لانقطاع موته وسوء عاقبته.
فِي بُطُونِهِمْ فى ذكرها دلالة وتأكيد على حقيقة الأكل.
وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ عبارة عن الغضب عليهم وازالة الرضا عنهم.
وَ لا يُزَكِّيهِمْ ولا يصلح أعمالهم الخبيثة فيطهرهم.
أَلِيمٌ مؤلم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 175 الى 177]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (176) لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)
175 - أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ :
كأنه قال : اعجبوا من صبرهم على النار.
176 - ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ :
ذلِكَ فى موضع رفع ، وهو اشارة الى الحكم ، كأنه قال : ذلك الحكم بالنار ، وقيل : تقديره : الأمر ذلك ، وذلك الأمر ، أو ذلك العذاب لهم.
وخبر (ذلك) مضمر ، معناه : ذلك معلوم لهم.
وقيل : محل (ذلك) النصب ، ومعناه : فعلنا ذلك بهم.
بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ يعنى القرآن.
بِالْحَقِّ أي بالصدق ، أو بالحجة.
وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ يعنى التوراة ، فادعى النصارى أن فيها صفة عيسى ، وأنكر اليهود صفته.
177 - لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ

(1/3857)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 137
عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
:
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا البر ، خبر لَيْسَ مقدم ، وأَنْ تُوَلُّوا الاسم.
والخطاب لليهود والنصارى ، فاليهود يتجهون الى المغرب قبل بيت المقدس ، والنصارى الى المشرق مطلع الشمس.
وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ البر : اسم جامع للخير ، والتقدير : ولكن البر بر من آمن ، فحذف المضاف.
عَلى حُبِّهِ دليل على أن فى المال حقا سوى الزكاة وبه كمال البر.
وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا أي فيما بينهم وبين اللّه تعالى وفيما بينهم وبين الناس. وهو عطف على مَنْ لأن مَنْ فى موضع جمع ومحل رفع ، كأنه قال : ولكن البر المؤمنون والموفون.
وَ الصَّابِرِينَ نصب على المدح ، أو بإضمار فعل.
فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ البأساء : الشدة والفقر. والضراء : المرض والزمانة.
وَ حِينَ الْبَأْسِ أي وقت الحرب.
أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ وصفهم بالصدق والتقوى فى أمورهم والوفاء بها ، وأنهم كانوا جادين فى الدين.
[سورة البقرة (2) : آية 178]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178)
178 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ :
كُتِبَ عَلَيْكُمُ أي فرض عليكم.

(1/3858)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 138
الْقِصاصُ : أن يجرحه مثل جرحه أو يقتله به ، وهذا الى أولى الأمر.
الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى :
قيل : جاءت هذه الآية مبينة لحكم النوع إذا قتل نوعه. وفيها إجمال يبينه قوله تعالى وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ويبينه النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم لما قتل اليهودي بالمرأة.
فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ من ، يراد بها القاتل. وعفى ، تتضمن عافيا وهو ولى الدم ، والأخ ، هو المقتول.
و شَيْءٌ هو الدم يعفى عنه ويرجع الى أخذ الدية. والعفو على بابه ، الذي هو الترك ، والمعنى : أن القاتل إذا عفا عنه ولى المقتول عن دم مقتوله وأسقط القصاص ، فانه يأخذ الدية ، ويتبع بالمعروف ، ويؤدى اليه القاتل بإحسان.
وقيل : ان (من) يراد به الولي. وعفى : يسر ، لا على بابها فى العفو. والأخ ، يراد به القاتل ، وشىء ، هو الدية.
أي ان الولي إذا جنح الى العفو عن القصاص على أخذ الدية ، فان القاتل مخير بين أن يعطيها أو أن يسلم نفسه.
وقيل : إذا رضى الأولياء بالدية فلا خيار للقاتل بل تلزمه.
ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ أي فمن شاء قتل ، ومن شاء أخذ الدية ، ومن شاء عفا.
فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ شرط وجوابه ، أي قتل بعد أخذه الدية قاتل وليه.
[سورة البقرة (2) : آية 179]
وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)
179 - وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ :
وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ أي ان القصاص إذا أقيم وتحقق الحكم فيه ازدجر من يريد قتل آخر ، مخافة أن يقتص منه.

(1/3859)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 139
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أي تتقون القتل وتحذرونه فتسلمون من القصاص.
[سورة البقرة (2) : آية 180]
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)
180 - كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ :
هذه آية الوصية ، وليس فى القرآن ذكر الوصية الا فى هذه الآية ، وفى النساء : مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ وفى المائدة حِينَ الْوَصِيَّةِ ، والتي فى البقرة أتمها وأكملها.
كُتِبَ عَلَيْكُمْ فى الكلام تقدير واو العطف ، أي : وكتب عليكم ، فالآية مرتبطة بما قبلها متصلة بها.
وكتب : فرض وأثبت.
إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حضور الموت : أسبابه ، ومتى حضر السبب كنّت به العرب عن المسبب.
إِنْ تَرَكَ خَيْراً ان ، شرط ، وتقدير جوابه : فالوصية ، ثم حذف الفاء. وقيل : ان الماضي يجوز أن يكون جوابه قبله وبعده ، فيكون التقدير : الوصية للوالدين والأقربين ان ترك خيرا.
فان قدرت الفاء ، فالوصية رفع بالابتداء ، وان لم تقدر الفاء جاز أن ترفعها بالابتداء وأن ترفعها على ما لم يسم فاعله ، أي كتب عليكم الوصية.
ولا يصح أن تعمل الْوَصِيَّةُ فى إِذا لأنها فى حكم الصلة للمصدر ، الذي هو الوصية ، فلا يجوز أن تعمل فيها متقدمة.
ويجوز أن يكون العامل فى إِذا : كُتِبَ والمعنى توجه إيجاب اللّه إليكم ومقتضى كتابه إذا حضر ، فعبر عن توجه الإيجاب بالفعل كُتِبَ لينتظم الى هذا المعنى أنه مكتوب فى الأزل.
ويجوز أن يكون العامل فى إِذا الإيصاء ، يكون مقدرا ، دل عليه الوصية ، والمعنى : كتب عليكم الإيصاء إذا.

(1/3860)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 140
خَيْراً الخير ، هنا : المال الكثير.
الْوَصِيَّةُ ما يؤمر بفعله ويعهد به فى الحياة وبعد الموت. وقد خصصها العرف بما يعهد بفعله بعد الموت.
بِالْمَعْرُوفِ أي بالعدل ، لا وكس فيه ولا شطط.
حَقًّا منصوب على المصدر المؤكد ، أي ثابتا ثبوت نظر وتحصين ، لا ثبوت فرض ووجوب ، بدليل قوله تعالى عَلَى الْمُتَّقِينَ وهذا يدل على كونه ندبا ، لأنه لو كان فرضا لكان على جميع المسلمين ، فلما خص اللّه من يتقى ، أي يخاف تقصيرا ، دل على أنه غير لازم الا فيما يتوقع تلفه ان مات.
[سورة البقرة (2) : الآيات 181 الى 182]
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)
181 - فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ :
فَمَنْ بَدَّلَهُ شرط ، وجوابه فَإِنَّما إِثْمُهُ. والضمير فى بَدَّلَهُ يرجع الى الإيصاء ، لأن الوصية فى معنى الإيصاء.
بَعْدَ ما سَمِعَهُ الضمير يرجع الى الإيصاء.
عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ موضع الخبر.
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ صفتان للّه تعالى لا يخفى معهما شىء من جنف الموصين ، وتبديل المعتدين.
182 - فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
فَمَنْ خافَ من ، شرط. وخاف : خشى ، وقيل : علم.
جَنَفاً أي جورا.
فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ عطف على خافَ. وبينهم ، أي الورثة ، ولم يجر لهم ذكر ، لأنه قد عرف المعنى ، والإصلاح فرض على الكفاية ، فاذا قام به أحدهم سقط عن الباقين ، وان لم يفعلوا أثم الكل.

(1/3861)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 141
فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ جواب الشرط. وإذا وقع الصلح سقط الإثم عن المصلح.
[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 184]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)
183 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ :
كَما كُتِبَ فى موضع نصب على النعت ، والتقدير : كتابا كما ، أو صوما كما. أو على الحال من الصيام ، أي كتب عليكم الصيام شبها كما كتب على الذين من قبلكم.
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لعل ، ترج فى حقهم. وتتقون ، أي تضعفون ، فانه كلما قل الأكل ضعفت الشهوة وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي ، وهذا من المجاز.
وقيل : لتتقوا المعاصي.
وقيل : هو على العموم.
184 - أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ :
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ أياما ، مفعول ثان للفعل كُتِبَ.
وقيل : نصب على الظرف للفعل كُتِبَ أي كتب عليكم الصيام فى أيام ، والأيام المعدودات ، شهر رمضان.
مَرِيضاً للمريض حالتان :
إحداهما : ألا يطيق الصوم بحال ، فعليه الفطر واجبا.
الثانية : أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة ، فهذا يستحب له الفطر.
أَوْ عَلى سَفَرٍ أي سفر يطول ويشق.
فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ :

(1/3862)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 142
فى الكلام حذف ، أي من يكن مريضا أو مسافرا فليقض.
فَعِدَّةٌ يقتضى عدد ما أفطر فيه. وارتفع على خبر الابتداء ، تقديره : فالحكم أو فالواجب عدة ، أو فعليه عدة.
وأخر ، لم ينصرف ، لأنه معدول عن الألف واللام ، لأن سبيل (فعل) من هذا الباب أن يأتى بالألف واللام.
وقيل : هو معدول عن : آخر.
وفيه : دليل على وجوب القضاء من غير تعيين الزمان ، لأن اللفظ مسترسل على الأزمان لا يختص ببعضها دون بعض.
وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ يطيقونه ، أي يكلفونه مع المشقة اللاحقة لهم.
فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ أي ان لكل يوم اطعام واحد.
فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً أي أطعم مسكينا آخر.
فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ خير ، صفة تفضيل.
وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ أي والصيام خير لكم ، أي من الإفطار مع الفدية.
[سورة البقرة (2) : آية 185]
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)
185 - شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ :
شَهْرُ بالرفع على الابتداء.
رَمَضانَ لا يذكر دون أن يضاف الى شهر.
الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ خبر. وهذا نص على أن القرآن نزل فى شهر رمضان. والقرآن اسم لكلام اللّه تعالى ، وهو بمعنى المقروء.

(1/3863)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 143
هُدىً لِلنَّاسِ فى موضع نصب على الحال من الْقُرْآنُ ، أي هاديا لهم.
وَ بَيِّناتٍ عطف عليه.
الْهُدى : الإرشاد والبيان.
وَ الْفُرْقانِ : ما فرق بين الحق والباطل.
فَلْيَصُمْهُ اللام لام الأمر ، وحقها الكسر إذا أفردت ، وإذا وصلت بشىء ففيها الجزم والكسر ، وانما توصل بأحرف ثلاثة : الفاء والواو وثم.
الْيُسْرَ أي الفطر فى السفر.
الْعُسْرَ : الصوم فى السفر.
وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ أي إكمال عدة الأداء لمن أفطر فى سفره أو مرضه ، أو عدة الهلال سواء كانت تسعا وعشرين أو ثلاثين.
وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عطف عليه ، ومعناه الحض على التكبير فى آخر رمضان ، ولفظ التكبير : اللّه أكبر ثلاثا.
عَلى ما هَداكُمْ على ما أرشدكم اليه من الشرائع.
[سورة البقرة (2) : آية 186]
وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
186 - وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ :
وَ إِذا سَأَلَكَ أي إذا سألوك عن المعبود فأخبرهم أنه قريب يثيب على الطاعة ويجيب الداعي.
فَإِنِّي قَرِيبٌ أي بالاجابة. وقيل بالعلم. وقيل : قريب من أوليائى بالإفضال والانعام.
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ أي أقبل عبادة من عبدنى. فالدعاء بمعنى العبادة ، والاجابة بمعنى القبول.
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي أي فليطلبوا أن أجيبهم ، وهذا هو باب استفعل.

(1/3864)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 144
و قيل : فليجيبوا الى فيما دعوتهم اليه من الايمان ، أي الطاعة والعمل.
[سورة البقرة (2) : آية 187]
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
187 - أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ :
أُحِلَّ يقتضى أنه كان محرما قبل ذلك ثم نسخ.
لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ ليلة ، نصب على الظرف ، وهى اسم جنس فلذلك أفردت.
والرفث ، كناية عن الجماع.
إِلى نِسائِكُمْ وتعدى الرفث بحرف الجر إِلى ، لأنه محمول على الإفضاء الذي يراد به الملابسة.
هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ ابتداء وخبر. وأصل اللباس فى الثياب ، ثم سمى امتزاج كل واحد من الزوجين يصاحبه لباسا ، لانضمام الجسد وامتزاجهما وتلازمهما تشبيها بالثوب.
تَخْتانُونَ يستأمر بعضكم بعضا فى مواقعة المحظور من الجماع والأكل بعد النوم فى ليالى الصوم.
فَتابَ عَلَيْكُمْ أي قبل التوبة من خيانتهم لأنفسهم ، أو خفف عنهم بالرخصة والإباحة.
وَ عَفا عَنْكُمْ يحتمل العفو عن الذنب ، ويحتمل التوسعة والتسهيل.
فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ كناية عن الجماع.

(1/3865)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 145
وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ أي ابتغوا القرآن بما أبيح لكم فيه وأمرتم به.
حَتَّى يَتَبَيَّنَ حتى غاية للتبيين.
الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ : بياض النهار.
الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ : سواد الليل.
مِنَ الْفَجْرِ وسمى الفجر خيطا لأن ما يبدو من البياض يرى ممتدا كالخيط.
ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ أي صوموا نهاركم الى أن يطل الليل. وفيه نهى عن الوصال ، إذ الليل غاية الصيام.
وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ جملة فى موضع الحال. والعكوف : الملازمة.
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ أي هذه الأحكام حدود اللّه فلا تخالفوها.
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ أي كما بين هذه الحدود يبين جميع الأحكام لتتقوا مجاوزتها. والآيات : العلامات الهادية الى الحق.
لَعَلَّهُمْترج فى حقهم.
[سورة البقرة (2) : آية 188]
وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)
188 - وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ :
بِالْباطِلِ لا على وجه أذن به الشرع.
وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ أي وترفعونها الى الحكام بالحجج الباطلة.
لِتَأْكُلُوا منصوب بحذف النون.
فَرِيقاً أي قطعة وجزءا.
بِالْإِثْمِ أي بالظلم.
وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بطلان ذلك.

(1/3866)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 146
[سورة البقرة (2) : الآيات 189 الى 190]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)
189 - يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ :
عَنِ الْأَهِلَّةِ الأهلة ، جمع هلال ، وجمع وهو واحد فى الحقيقة من حيث كونه هلالا واحدا فى شهر ، غير كونه هلالا فى آخر ، فانما جمع أحواله من الأهلة. ويريد بالأهلة : شهورها. وقد يعبر بالهلال عن الشهر لحوله فيه.
قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ تبيين لوجه الحكمة فى زيادة القمر ونقصانه ، وهو زوال الاشكال فى الآجال والمعاملات والأيمان والحج والعدد والصوم والفطر الى غير ذلك من مصالح العباد.
والمواقيت ، جمع ميقات ، وهو الوقت ، وقيل : منتهى الوقت.
والحج ، بالفتح ، مصدر ، وبالكسر : الاسم. وأفرد بالذكر لأنه مما يحتاج فيه الى معرفة الوقت ، وأنه لا يجوز النسيء فيه عن وقته.
وَ لَيْسَ الْبِرُّ اتصل هذا بذكر مواقيت الحج لاتفاق ونوع القضيتين فى وقت السؤال عن الأهلة ، وعن دخول البيوت من ظهورها ، فنزلت الآية فيهما جميعا ، وكان الأنصار إذا حجوا وعادوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم.
و قد قيل : ان الآية خرجت مخرج التنبيه من اللّه تعالى على أن يأتوا البر من وجهه ، وهو الوجه الذي أمر اللّه تعالى به ، فذكر إتيان البيوت من أبوابها مثلا ليشير به الى أن نأتى الأمور من مأتاها الذي ندبنا اللّه تعالى اليه.
190 - وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ :

(1/3867)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 147
هذه الآية نزلت فى الأمر بالقتال ، ولقد كان القتال محظورا قبل الهجرة ، فلما هاجر النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم الى المدينة أمر بالقتال ، فنزلت الآية ، فالآية متصلة بما سبق من ذكر الحج ، وإتيان البيوت من ظهورها.
وَ لا تَعْتَدُوا فى القتال لغير وجه اللّه ، وقيل : أي لا تقاتلوا من لم يقاتل ، وعلى هذا تكون الآية منسوخة بالأمر بالقتال لجميع الكفار.
[سورة البقرة (2) : الآيات 191 الى 193]
وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193)
191 - وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ :
ثَقِفْتُمُوهُمْ : صادفتموهم وظفرتم بهم.
مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ أي مكة ، والضمير لكفار قريش.
وَ الْفِتْنَةُ أي الفتنة التي حملوكم عليها وراموا رجوعكم بها الى الكفر.
أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ أي من أن يقتل المؤمن ، فالقتل أشد عليه من الفتنة.
وقيل : أي شركهم باللّه وكفرهم به أعظم جرما وأشد من القتل الذي عيروكم به.
وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي لا يجوز قتال أحد فى المسجد الحرام الا بعد أن يقاتل ، وهو الذي يقتضيه نص الآية.
192 - فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي فان انتهوا عن قتالكم بالايمان فان اللّه يغفر لهم جميع ما تقدم ، ويرحم كلا منهم بالعفو عما اجترم.
193 - وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ :

(1/3868)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 148
وَ قاتِلُوهُمْ أمر بالقتال لكل مشرك فى كل موضع ، على من رآها ناسخة ، ومن رآها غير ناسخة. قال : المعنى : قاتلوا هؤلاء الذين قال اللّه فيهم فَإِنْ قاتَلُوكُمْ.
وعلى الأول ، فهو أمر بقتال مطلق لا بشرط أن يبدأ الكفار.
حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ أي كفر ، وهذا يعنى أن سبب القتال هو الكفر.
فَإِنِ انْتَهَوْا عن الكفر ، اما بالإسلام ، أو بأداء الجزية ، فى حق أهل الكتاب.
فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ سمى ما يصنع بالظالمين عدوانا ، من حيث هو جزاء عدوان ، إذ الظلم يتضمن العدوان ، فسمى جزاء العدوان عدوانا.
[سورة البقرة (2) : آية 194]
الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)
194 - الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ :
نزلت فى عمرة القضية وعام الحديبية ، وذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم خرج معتمرا حتى بلغ الحديبية فى ذى القعدة سنة ست ، فصده كفار قريش عن البيت فانصرف ، ووعده اللّه أنه سيدخله ، فدخله سنة سبع وقضى نسكه.
وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ الحرمات جمع حرمة ، وانما جمعت الحرمات لأنه أراد حرمة الشهر الحرام ، وحرمة البلد الحرام ، وحرمة الإحرام ، والحرمة : ما منعت من انتهاكه. والقصاص : المساواة. أي اقتصصت لكم منهم إذ صدوكم سنة ست فقضيتم العمرة سنة سبع.
فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ، عموم متفق عليه ، اما بالمباشرة ان أمكن ، واما بالحكام.

(1/3869)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 149
أي فمن ظلمك فخذ حقك منه بقدر مظلمتك ، لا تتجاوز ذلك.
[سورة البقرة (2) : الآيات 195 الى 196]
وَ أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196)
195 - وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ :
وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ أي لا تمسكوا بأيديكم عن الصدقة فتهلكوا. والباء فى بِأَيْدِيكُمْ زائدة ، والتقدير : ولا تلقوا أيديكم.
وقيل : بأيديكم ، أي بأنفسكم.
وَ أَحْسِنُوا أي فى الانفاق فى الطاعة.
196 - وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ :
وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إتمام الحج والعمرة للّه : أداؤهما والإتيان بهما.
فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ الإحصار ، هو المنع من الوجه الذي تقصده جملة ، أي بأى عذر كان.
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ما ، فى موضع رفع ، أي فالواجب ، أو فعليكم ما استيسر ، أي فانحروا ، أو اهدوا.
والهدى : ما يهدى الى بيت اللّه من بدنة أو غيرها.
وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ أي لا تتحللوا من الإحرام حتى ينحر الهدى.
مَحِلَّهُ : الموضع الذي يحل فيه ذبحه.

(1/3870)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 150
أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فحلق.
فَفِدْيَةٌ أي فعليه فدية ان أراد أن يحلق ، ومن قدر فحلق ففدية ، فلا يفتدى حتى يحلق.
أَوْ نُسُكٍ النسك جمع نسكية ، وهى الذبيحة ينسكها العبد للّه تعالى.
فَإِذا أَمِنْتُمْ أي برئتم من المرض. وقيل من خوفكم من العدو والحصر.
فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ أي أن يحرم الرجل بعمرة فى أشهر الحج.
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ يعنى الهدى ، اما لعدم المال أو لعدم الحيوان.
فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ والثلاثة الأيام فى الحج آخرها يوم عرفة.
وَ سَبْعَةٍ بالخفض على العطف ، وقرىء بالنصب على معنى :
و صوموا سبعة.
إِذا رَجَعْتُمْ أي الى بلادكم.
تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ لما جاز أن يتوهم التخيير بين ثلاثة أيام فى الحج أو سبعة إذا رجع بدلا منها ، لأنه لم يقل : وسبعة أخرى ، أزيل ذلك بقوله تِلْكَ عَشَرَةٌ ثم بقوله كامِلَةٌ.
ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي انما يجب دم التمتع عن الغريب الذي ليس من حاضرى المسجد الحرام.
وَ اتَّقُوا اللَّهَ أي فيما فرضه عليكم.
[سورة البقرة (2) : آية 197]
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (197)
197 - الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ :

(1/3871)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 151
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ابتداء وخبر. وفى الكلام حذف تقديره :
أشهر الحج أشهر ، أو وقت الحج أشهر ، أو وقت عمل الحج أشهر.
وأشهر الحج : شوال وذو القعدة وذو الحجة.
وقيل : هى شوال وذو القعدة وعشرة من ذى الحجة.
فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ أي ألزم نفسه بالشروع بالنية قصدا باطنا ، وبالإحرام فعلا ظاهرا وبالتلبية نطقا مسموعا.
فَلا رَفَثَ الرفث : الجماع.
وَ لا فُسُوقَ يعنى جميع المعاصي كلها ، فالفسوق : إتيان المعاصي.
وَ لا جِدالَ الجدال : المجادلة ، وهى المناقشة بين الخصمين يقاوم كل صاحبه حتى يغلبه.
وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ شرط وجوابه. والمعنى أن اللّه يجازيكم على أعمالكم ، لأن المجازاة انما تقع من العالم بالشيء.
وَ تَزَوَّدُوا أمر باتخاذ الزاد ، نزلت فى قوم كانوا يخرجون الى الحج من غير زاد فكانوا يبقون عالة على الناس. والزاد : ما يحمله المسافر معه ليعيش عليه.
فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى أمرهم أن يضموا الى الزاد التقوى.
وقيل : ان خير الزاد التقوى ، محمول على المعنى ، لأن معنى وَتَزَوَّدُوا : اتقوا اللّه فى اتباع ما أمركم به من الخروج بالزاد.
وقيل : يحتمل أن يكون المعنى : فان خير الزاد ما اتقى به المسافر من الهلكة أو الحاجة والسؤال والتكفف.
وَ اتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ خص أولى الألباب بالخطاب ، وان كان الأمر يعم الكل ، لأنهم الذي قامت عليهم حجة اللّه.
والألباب جمع لب ، وهو العقل.

(1/3872)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 152
[سورة البقرة (2) : الآيات 198 الى 200]
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200)
198 - لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ :
جُناحٌ أي اثم ، وهو اسم لَيْسَ.
أَنْ تَبْتَغُوا فى موضع نصب خبر لَيْسَ أي فى أن تبتغوا.
فَإِذا أَفَضْتُمْ أي اندفعتم.
فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ أي اذكروه بالدعاء والتلبية عند المشعر الحرام.
ويسمى : جمعا ، لأنه يجمع ثمّ المغرب والعشاء.
وَ اذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ كرر الأمر تأكيدا. والكاف فى (كما) نعت لمصدر محذوف ، و(ما) مصدرية أو كافة. والمعنى : اذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة ، واذكروه كما علمكم كيف تذكرونه لا تعدلوا عنه.
وَ إِنْ كُنْتُمْ ان مخففة من الثقيلة يدل على ذلك دخول اللام فى الخبر.
وقيل : ان نافية بمعنى : ما ، واللام بمعنى : الا.
199 - ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
ثُمَّ أَفِيضُوا الخطاب للحمس ، لأنهم كانوا يفيضون من المزدلفة ، وكان الناس يفيضون من عرفات.
200 - فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ :

(1/3873)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 153
فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ قضيتم : أديتم. والمناسك : الذبائح وهو إراقة الدماء. وقيل : هى شعائر الحج.
فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أي اذكروا اللّه وعظموه وذبوا عن حرمه ، وادفعوا من أراد الشرك فى دينه ومشاعره ، كما تذكرون آباءكم بالخير إذا غض أحد منهم ، وتحمون جوانبهم وتذبون عنهم. والكاف من قوله كَذِكْرِكُمْ فى موضع نصب ، أي ذكرا كذكركم.
أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً أشد ، فى موضع خفض عطفا على كَذِكْرِكُمْ أي :
كأشد ذكرا. ويجوز أن يكون فى موضع نصب بمعنى : أو اذكروه أشد.
ذِكْراً نصب على البيان.
فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا من ، فى موضع رفع بالابتداء.
يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا صلة.
مِنْ خَلاقٍ من نصيب ، و(من) زائدة ، أي من أن يقصر دعواه على الدنيا وينسى نصيبه فى الآخرة.
[سورة البقرة (2) : الآيات 201 الى 203]
وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)
201 - وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ :
وَ مِنْهُمْ أي من الناس.
وَ قِنا أي ادفع عنا واحفظنا.
202 - أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ :
أُولئِكَ أي الفريق الثاني ، أو الفريقان ، فلكل ثواب عمله.
وَ اللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ أي لا يؤجل حساب أحد ، فيعطى كلا جزاءه.
والحساب ، مصدر كالمحاسبة.
203 - وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ :

(1/3874)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 154
فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ : أيام منى ، وهى أيام التشريق ، وهى الأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر منها.
فَمَنْ تَعَجَّلَ من ، رفع بالابتداء ، والخبر : فلا اثم عليه. والتعجيل لا يكون الا فى آخر النهار وكذلك اليوم الثالث ، لأن الرمي فى تلك الأيام انما وقته بعد الزوال. ويوم النحر لا ترمى فيه جمرة العقبة. ووقت رمى الجمرات فى أيام التشريق بعد الزوال الى الغروب واليوم الثاني من أيام التشريق ، وهو اليوم الذي يتعجل فيه النفر ، من يريد التعجيل أو من يجوز له التعجيل رموا اليومين لذلك اليوم واليوم الذي قبله ، لأنهم يقضون ما كان عليهم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 206]
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (205) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (206)
204 - وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ :
(الألد) الشديد الخصومة.
205 - وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ :
تَوَلَّى : أدبر وذهب عنك يا محمد.
وَ يُهْلِكَ عطف على لِيُفْسِدَ.
الْحَرْثَ : كسب المال وجمعه.
وَ النَّسْلَ : ما خرج من كل أنثى من ولد.
الْفَسادَ : الخراب.
206 - وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ :
الْعِزَّةُ : المنعة وشدة النفس ، أي اعتز فى نفسه وانتحى فأوقعته تلك العزة فى الإثم حين أخذته وألزمته إياه.

(1/3875)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 155
فَحَسْبُهُ أي كافيه معاقبة وجزاء.
الْمِهادُ جمع المهد ، وهو الموضع المهيأ للنوم. وسمى جهنم مهادا لأنها مستقر الكفار ، أو لأنها بدل لهم من المهاد.
[سورة البقرة (2) : الآيات 207 الى 210]
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (207) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)
207 - وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ :
يَشْرِي يبيع.
ابْتِغاءَ نصب على المفعول من أجله. والابتغاء : الطلب.
مَرْضاتِ اللَّهِ أي رضاه.
208 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ :
السِّلْمِ : الإسلام.
كَافَّةً : جميعا ، فهو نصب على الحال ، من السِّلْمِ أو من الضمير فى آمَنُوا.
وَ لا تَتَّبِعُوا نهى.
خُطُواتِ الشَّيْطانِ مفعول.
عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة.
209 - فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :
فَإِنْ زَلَلْتُمْ أي تنحيتم عن طريق الاستقامة.
الْبَيِّناتُ أي المعجزات وآيات القرآن.
عَزِيزٌ لا يمتنع عليه ما يريده.
حَكِيمٌ فيما يفعله.
210 - هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ :

(1/3876)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 156
هَلْ يَنْظُرُونَ يعنى التاركين الدخول فى السلم. وهل ، يراد به هنا : الجحد ، أي ما ينتظرون.
فِي ظُلَلٍ ظلل ، جمع ظلة.
الْغَمامِ : السحاب الرقيق الأبيض.
وَ قُضِيَ الْأَمْرُ أي وقع الجزاء.
وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ أي والأمور كلها راجعة الى اللّه قبل وبعد.
[سورة البقرة (2) : الآيات 211 الى 213]
سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (211) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (212) كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
211 - سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ :
سَلْ من السؤال.
مِنْ آيَةٍ يعنى الآيات التي جاء بها موسى عليه السلام من فلق البحر ، والظلل من الغمام ، والعصا ، واليد ، وغير ذلك.
وَ مَنْ يُبَدِّلْ لفظ عام ، وان كان المشار اليه بنى إسرائيل.
نِعْمَةَ اللَّهِ أي الإسلام.
فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ خبر يتضمن الوعيد.
212 - زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ :
زُيِّنَ على ما لم يسم فاعله.
لِلَّذِينَ كَفَرُوا كفار قريش.
فَوْقَهُمْ أي فى الدرجة.
بِغَيْرِ حِسابٍ أي من غير تبعة فى الآخرة.
213 - كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ

(1/3877)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 157
فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
:
كانَ النَّاسُ الناس ، أي آدم وحده ، وسمى الواحد بلفظ الجمع لأنه أصل النسل. وقيل آدم وحواء.
أُمَّةً واحِدَةً أي على دين واحد.
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ نصبا على الحال.
وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ الكتاب ، اسم جنس بمعنى : الكتب.
لِيَحْكُمَ أي الكتاب ، وقيل : ليحكم كل نبى بكتابه.
أُوتُوهُ أعطوه.
بَغْياً بَيْنَهُمْ نصب على المفعول له ، أي لم يختلفوا الا للبغى.
بِإِذْنِهِ أي بأمره.
[سورة البقرة (2) : آية 214]
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)
214 - أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ :
أَمْ حَسِبْتُمْ : أم ظننتم. و(أم) هنا منقطعة بمعنى : بل.
أَنْ تَدْخُلُوا تسد مسد المفعولين. وقيل : المفعول الثاني محذوف ، والتقدير : أحسبتم دخولكم الجنة واقعا.
وَ لَمَّا بمعنى : لم.
مَثَلُ أي شبه ، أي لم تمتحنوا بمثل ما امتحن به من كان قبلكم فتصبروا كما صبروا.
زُلْزِلُوا : خوفوا وحركوا.
مَتى نَصْرُ اللَّهِ أي متى يقع نصر اللّه.

(1/3878)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 158
قَرِيبٌ لا تثنيه العرب ولا تجمعه ولا تؤنثه فى هذا المعنى ، فان قلت : فلان قريب لى ، ثنيت وجمعت.
[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 216]
يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216)
215 - يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ :
ما ذا يُنْفِقُونَ ما ، فى موضع رفع بالابتداء ، وذا ، الخبر ، وهو بمعنى : الذي ، وحذفت الهاء لطول الاسم ، أي ما الذي ينفقونه.
و يصح أن تكون (ما) فى موضع نصب بالفعل يُنْفِقُونَ ، وذا مع (ما) بمنزلة شىء واحد ولا يحتاج إلى ضمير ، ومتى كانت اسما مركبا فهى فى موضع نصب.
قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ ما ، فى موضع نصب بالفعل أَنْفَقْتُمْ.
وَ ما تَفْعَلُوا شرط. و(ما) فى موضع نصب بالفعل تَفْعَلُوا.
فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ جواب الشرط.
216 - كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ :
كُتِبَ فرض.
الْقِتالُ : قتال الأعداء من الكفار.
وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ابتداء وخبر. والكره ، بالضم : المشقة وما أكرهت عليه.
وَ عَسى بمعنى : قد. وقيل : هى واجبة. و(عسى) من اللّه واجبة فى جميع القرآن إلا قوله تعالى : عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ.
أي عسى أن تكرهوا ما فى الجهاد من المشقة وهو خير لكم فى أنكم تغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون.

(1/3879)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 159
[سورة البقرة (2) : آية 217]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217)
217 - يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ :
الشَّهْرِ الْحَرامِ الشهر ، اسم جنس. وكانت العرب قد جعل اللّه لها الشهر الحرام قواما تعتدل عنده فكانت لا تسفك دما ولا تغير فى الأشهر الحرم ، وهى رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ثلاثة سرد ، وهى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، وواحد فرد ، وهو رجب.
قِتالٍ فِيهِ بدل اشتمال.
قُلْ قِتالٌ فِيهِ ابتداء وخبر.
كَبِيرٌ أي مستنكر ، لأن تحريم القتال فى الشهر الحرام كان ثابتا يومئذ إذ كان الابتداء من المسلمين. وذلك
أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، كان بعث رهطا ، وبعث عليهم عبد اللّه بن جحش ، وكتب له كتابا وأمره ألا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا ، وقال له : ولا تكرهن أصحابك على المسير ، فلما بلغ المكان قرأ الكتاب فاسترجع وقال : سمعا وطاعة للّه ورسوله. فرجع رجلان ومضى ببقيتهم ، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب. فقال المشركون : قتلتم فى الشهر الحرام. فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.
صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ابتداء.
وَ كُفْرٌ بِهِ عطف على صَدٌّ.
وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ عطف على سَبِيلِ اللَّهِ.
وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ عطف على صَدٌّ.

(1/3880)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 160
أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ خبر الابتداء ، أي أعظم اثما من القتال فى الشهر الحرام.
وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ الفتنة : الكفر ، أي كفركم أكبر من قتلناه أولئك.
وقيل : الفتنة ، أي فتنتهم المسلمين عن دينهم حتى يهلكوا أشد اجتراما من قتلكم فى الشهر الحرام.
وَ لا يَزالُونَ ابتداء خبر من اللّه تعالى ، وتحذير منه للمؤمنين من شر كفار قريش.
وَ مَنْ يَرْتَدِدْ أي يرجع عن الإسلام الى الكفر.
فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أي بطلت وفسدت.
[سورة البقرة (2) : الآيات 218 الى 219]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
218 - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
نزلت فى عبد اللّه بن جحش وأصحابه حين شق عليهم تعنيف المسلمين بعد مقتل ابن الحضرمي فى الشهر الحرام.
أراد اللّه أن يفرج عنهم ويخبر أن لهم ثواب من هاجر وغزا وبأنه يتجاوز عما كان منهم من غير قصد.
219 - يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ :
يَسْئَلُونَكَ السائلون هم المؤمنون.
الْخَمْرِ : كل ما أسكر.
الْمَيْسِرِ : القمار.
قُلْ فِيهِما أي الخمر الميسر.

(1/3881)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 161
إِثْمٌ كَبِيرٌ يشير الى ما وراءه من مضرة.
وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ يشير الى ما وراءه من مغانم تجارية ، والى ما وراءه من توسعة على المحاويج فانه من قمر منهم كان لا يأكل من الجزور وكان يفرقه فى المحتاجين.
وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما أي ان إثمهما يربى على نفعهما.
قُلِ الْعَفْوَ أي قل ينفقون ما سهل وتيسر وفضل ولم يشق على النفس إخراجه.
لَكُمُ الْآياتِ فى أمر النفقة.
لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فى الدنيا والآخرة فتحبسون من أموالكم ما يصلحكم فى معاش الدنيا وتنفقون الباقي فيما ينفعكم فى العقبى.
[سورة البقرة (2) : الآيات 220 الى 221]
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)
220 - فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :
وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ تخلطوا طعامهم بطعامكم وشرابهم بشرابكم.
فَإِخْوانُكُمْ خبر مبتدأ محذوف ، أي فهم إخوانكم ، والفاء جواب الشرط.
وَ اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ تحذير ، أي يعلم المفسد لأموال اليتامى من المصلح لها ، فيجازى على إصلاحه وإفساده.
وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ : لأهلككم.
وقيل : لو شاء لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقات فضيق عليكم وشدد ، ولكنه لم يشأ الا التسهيل عليكم.
إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ : لا يمتنع عليه شىء.
221 - وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ

(1/3882)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 162
مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
:
وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حرم اللّه نكاح المشركات فى سورة البقرة ثم نسخ من هذه الجملة نساء أهل الكتاب فأحلهن فى سورة المائدة.
وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ اخبار بأن المؤمنة المملوكة خير من المشركة ، وان كانت ذات الحسب والمال.
وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ فى الحسن.
وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ أي لا تزوجوا المسلمة من المشرك.
وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ أي مملوك.
خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ أي حسيب.
وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ حسبه وماله.
أُولئِكَ اشارة للمشركين والمشركات.
يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ أي الى الأعمال الموجبة للنار.
وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ أي الى عمل أهل الجنة.
بِإِذْنِهِ أي بأمره.
[سورة البقرة (2) : آية 222]
وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
222 - وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ :
عَنِ الْمَحِيضِ المحيض : الحيض ، مصدر ، وهو سيلان الدم من المرأة فى أوقات معلومة ، ومدته خمسة عشر يوما فما دونها ، وما زاد عن ذلك يكون استحاضة.

(1/3883)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 163
قُلْ هُوَ أَذىً أي هو شىء تتأذى به المرأة. والأذى ، كناية عن القذر جملة.
فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ أي فى زمن الحيض ، ان حملت الْمَحِيضِ على المصدر ، أو فى محل الحيض ، ان حملته على الاسم ، والغرض النهى عن ترك المجامعة.
وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ لا تقربوهن ، نهى عن التلبس بالفعل.
حَتَّى يَطْهُرْنَ أي يغتسلن بعد ارتفاع الحيض.
فَإِذا تَطَهَّرْنَ أي اغتسلن بعد ارتفاع الحيض.
فَأْتُوهُنَّ أي فجامعوهن.
مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ وهو القبل.
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ أي من الذنوب والشرك.
وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ أي بالماء من الجنابة والأحداث.
[سورة البقرة (2) : الآيات 223 الى 224]
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)
223 - نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ :
حَرْثٌ على التشبيه ، لأنهن مزرع الذرية.
أَنَّى شِئْتُمْ أي متى شئتم ، أو كيف شئتم ، فى أوقات الطهر.
وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ أي ما ينفعكم غدا ، فحذف المفعول.
وَ اتَّقُوا اللَّهَ تحذير.
وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ خبر يقتضى المبالغة فى التحذير ، أي فهو مجازيكم على البر والإثم.
وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ تأنيس لفاعل البر.
224 - وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ :

(1/3884)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 164
عُرْضَةً أي نصبا.
أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا مبتدأ وخبره محذوف ، أي البر والتقوى والإصلاح أولى وأمثل.
وقيل : محله النصب ، أي لا تمنعكم اليمين باللّه عز وجل البر والتقوى والإصلاح.
وقيل : مفعول لأجله.
وقيل : معناه : ألا تبروا ، فحذف (لا).
وقيل : كراهية أن تبروا.
فهذه وجوه أربعة عن النصب.
وقيل : هو فى موضع خفض ، والتقدير : فى أن تبروا ، فأضمرت (فى) وخفضت بها.
سَمِيعٌ لأقوال العباد.
عَلِيمٌ بنياتهم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 225 الى 226]
لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)
225 - لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ :
بِاللَّغْوِ اللغو : الإتيان بما لا يحتاج اليه ، أو بما لا خير فيه ، فى الكلام.
فِي أَيْمانِكُمْ الأيمان ، جمع يمين. واليمين : الحلف.
بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ أي بما عقدتم الأيمان عليه.
غَفُورٌ حَلِيمٌ صفتان لائقتان بما ذكر من طرح المؤاخذة ، إذ هو باب رفق وتوسعة.
226 - لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :

(1/3885)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 165
يُؤْلُونَ : يحلفون ويقسمون.
والإيلاء : أن يحلف ألا يطأ أكثر من أربعة أشهر ، فان حلف على أربعة فما دونها لا يكون موليا ، وكانت يمينا محضا.
مِنْ نِسائِهِمْ يدخل فيه الحرائر والذميات والإماء إذا تزوجن.
تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ التربص : التأنى والتأخر.
وجعل اللّه الإيلاء أربعة أشهر إذ لا تستطيع ذات الزوج أن تصبر عنه أكثر منها.
فَإِنْ فاؤُ أي رجعوا.
[سورة البقرة (2) : الآيات 227 الى 228]
وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
227 - وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ :
سَمِيعٌ لايلائه.
عَلِيمٌ بعزمه الذي دل عليه مضى أربعة أشهر.
228 - وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :
يَتَرَبَّصْنَ ينتظرن.
ثَلاثَةَ قُرُوءٍ قروء ، جمع قرء ، بالضم ، وهو انقطاع الحيض.
وقيل : ما بين الحيضتين.
ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ لما دار أمر العدة على الحيض والأطهار ، ولا اطلاع عليهما الا من جهة النساء ، جعل القول قولها من انقضاء العدة أو عدمها.
إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ هذا وعيد عظيم شديد لتأكيد تحريم الكتمان ، وإيجاب لأداء الأمانة فى الاخبار عن الرحم بحقيقة ما فيه ، أي فسبيل المؤمنات ألا يكتمن الحق.

(1/3886)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 166
وَ بُعُولَتُهُنَّ البعولة ، جمع البعل ، وهو الزوج.
أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ أي بمراجعتهن.
والمراجعة على ضربين : مراجعة فى العدة ، ومراجعة بعد العدة.
وَ لَهُنَّ أي لهن من حقوق الزوجية على الرجال مثل ما للرجال عليهن.
وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ أي منزلة. وفى هذا اشارة الى حض الرجال على حسن العشرة والتوسع للنساء فى المال والخلق ، فالأفضل ينبغى أن يتحامل على نفسه.
وَ اللَّهُ عَزِيزٌ أي منيع السلطان لا اعتراض عليه.
حَكِيمٌ أي عالم مصيب فيما يفعل.
[سورة البقرة (2) : آية 229]
الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
229 - الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
:
الطَّلاقُ هو حل العصمة المنعقدة بين الأزواج بألفاظ مخصوصة.
فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ابتداء ، والخبر : أمثل ، أو أحسن. ويصح أن يرتفع على خبر ابتداء محذوف ، أي فعليكم إمساك بمعروف.
والإمساك ، خلاف الطلاق.
أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ التسريح : ترك الزوجة حتى تتم العدة من الطلقة الثانية ، وتكون أملك لنفسها.
وقيل : أن يطلقها ثالثة فيسرحها.
وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً : خطاب للأزواج ، نهوا أن يأخذوا من أزواجهم شيئا على وجه المضارة ، وهذا هو الخلع

(1/3887)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 167
الذي لا يصح الا بألا ينفرد الرجل بالضرر ، وخص بالذكر ما آتى الأزواج نساءهم ، لأن العرف بين الناس أن يطلب الرجل عند الشقاق ما خرج من يده لها صداقا وجهازا فلذلك خص بالذكر.
إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ الخطاب للزوجين أي أن يظن كل واحد منهما بنفسه ألا يقيم حق النكاح لصاحبه حسب ما يجب عليه فيه لكراهة يعتقدها ، فلا حرج على المرأة أن تفتدى ، ولا حرج على الزوج أن يأخذ.
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما أي على أن لا يقيما. والخطاب للحكام والمتوسطين لمثل هذا الأمر وان لم يكن حاكما.
حُدُودَ اللَّهِ أي فيما يجب عليهما من حسن الصحبة وجميل العشرة.
فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ أي فانه يحل له أن يأخذ منها كل ما افتدت به.
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها حدود اللّه : ما أمر بامتثاله.
فلا تعتدوها ، أي فلا تتجاوزوها.
[سورة البقرة (2) : آية 230]
فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)
230 - فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ :
فَإِنْ طَلَّقَها أي الطلقة الثالثة.
فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ حتى تتزوج.
فَإِنْ طَلَّقَها يريد الزوج الثاني.
فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أي المرأة والزوج الأول.
إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما شرط ، أي ان ظنا أن كل واحد منهما يحسن عشرة صاحبه.

(1/3888)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 168
حُدُودَ اللَّهِ فرائضه.
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ خص العالم لأنه يحفظ ويتعاهد.
[سورة البقرة (2) : الآيات 231 الى 232]
وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232)
231 - وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ :
فَبَلَغْنَ أي : فقاربن ، لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له فى الإمساك.
فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ الإمساك بالمعروف ، هو القيام بما يجب لهن من حق على أزواجهن إذ لو لم يجد الزوج ما ينفق على الزوجة فعليه أن يطلقها ، فان لم يفعل خرج عن حد المعروف ، فيطلق عليه الحكم من أجل الضرر اللاحق لها من بقائها عند من لا يقدر على نفقتها. والجوع لا صبر عليه.
أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أي فطلقوهن.
وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً أي يضارها.
فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ أي عرض نفسه للعذاب ، لأن إتيان ما نهى اللّه عنه تعرض لعذاب اللّه.
وَ لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً أي لا تأخذوا أحكام اللّه تعالى فى طريق الهزو فانها جد كلها فمن هزل فيها لزمته.
وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أي الإسلام وبيان الأحكام.
وَ الْحِكْمَةِ هى السنة المبينة على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم مراد اللّه فيما لم ينص عليه الكتاب.
يَعِظُكُمْ بِهِ أي يخوفكم.
232 - وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ

(1/3889)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 169
أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ
:
فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ العضل : منع الزوجة من أن تتزوج ظلما ، والخطاب لمن يلون أمر النساء ، فيقال ان معقل بن يسار كانت أخته تحت أبى البداح فطلقها وتركها حتى انقضت عدتها ، ثم ندم فخطبها فرضيت وأبى أخوها أن يزوجها فنزلت الآية.
وقيل : ان الخطاب فى ذلك للأزواج ، وهذا بأن يكون الارتجاع مضارة عضلا عن نكاح الغير بتطويل العدة عليها.
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ بلوغ الأجل ، هنا تناهيه ، لأن ابتداء النكاح إنما يتصور بعد انقضاء العدة.
ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ ذلك محمول على معنى الجمع.
وَ اللَّهُ يَعْلَمُ أي ما لكم فيه من صلاح.
وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ذلك.
[سورة البقرة (2) : آية 233]
وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)
233 - وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ :
وَ الْوالِداتُ ابتداء.
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ فى موضع الخبر.
حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ظرف زمان ، أي سنتين كاملتين.
لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتما ، فانه يجوز الفطام قبل الحولين ولكنه تجديد لقطع التنازع بين

(1/3890)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 170
الزوجين فى مدة الرضاع ، فلا يجب على الزوج إعطاء الأجرة لأكثر من حولين ، وان أراد الأب الفطم قبل هذه المدة ولم ترض الأم لم يكن له ذلك. والزيادة على الحولين أو النقصان انما يكون عند عدم الإضرار بالمولود وعند رضا الوالدين.
وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ أي وعلى الأب.
رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ الرزق هنا : الطعام الكافي. والكسوة : اللباس بِالْمَعْرُوفِ أي بالمتعارف فى عرف الشرع من غير تفريط ولا افراط.
لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها أي لا تكلف المرأة الصبر على التقتير فى الأجرة ، ولا يكلف الزوج ما هو إسراف ، بل يراعى القصد.
لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ أي لا تأبى الأم أن ترضعه إضرارا بأبيه أو تطلب أكثر من أجر مثلها ، ولا يحل للأب أن يمنع الأم من ذلك مع رغبتها فى الإرضاع.
وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ معطوف على قوله وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ والوارث ، وارث الصبى.
مثل ذلك ، كما كان يلزم أبا الصبى لو كان حيا.
أي : وارث الصبى من كان من الرجال والنساء ، ويلزمهم ارضاعه على قدر مواريثهم منه.
وقيل : المراد عصبة الرجل عليهم النفقة والكسوة.
وان لم يكن للعصبة مال أجبرت الأم على ارضاعه.
فَإِنْ أَرادا فِصالًا أي الوالدان. والفصال الفطام من الرضاع ، أي الاغتذاء بلبن أمه إلى غيره من الأقوات.
عَنْ تَراضٍ مِنْهُما أي قبل الحولين.
فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أي فى فصله.

(1/3891)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 171
وَ إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ أي لأولادكم غير الوالدة.
والتقدير أن تسترضعوا أجنبية لأولادكم.
إِذا سَلَّمْتُمْ يعنى الآباء ، أي سلمتم الأجرة الى المرضعة الظئر.
وقيل : إذا سلمتم الى الأمهات أجرهن بحساب ما أرضعن الى وقت ارادة الاسترضاع.
[سورة البقرة (2) : آية 234]
وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)
234 - وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ :
وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ أي والرجال الذين يموتون منكم.
وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً أي يتركون أزواجا ، أي ولهم زوجات.
يَتَرَبَّصْنَ أي فالزوجات يتربصن ، وحذف المبتدأ فى الكلام كثير.
والتربص : التأنى والتصبر عن النكاح وترك الخروج عن مسكن النكاح ، وذلك بألا تفارقه ليلا.
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً هى الأشهر التي جعلها اللّه ميقاتا لعدة المتوفى عنها زوجها.
وعشرا ، أي الأيام بلياليها ، والمعنى : وعشر مدد ، كل مدة من يوم وليلة ، فالليلة مع يومها مدة معلومة من الدهر.
أَجَلَهُنَّ أضيف الأجل إليهن إذ هو محدود مضروب فى أمرهن ، وهو عبارة عن انقضاء العدة.
فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ خطاب لجميع الناس ، والتلبس بهذا الحكم هو للحكام والأولياء.
فِيما فَعَلْنَ يريد التزوج فما دونه من التزين واطراح الإحداد.
بِالْمَعْرُوفِ أي بما أذن فيه الشرع من اختيار أعيان الأزواج وتقدير الصداق دون مباشرة العقد ، لأنه حق للأولياء.

(1/3892)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 172
[سورة البقرة (2) : آية 235]
وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)
235 - وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ :
وَ لا جُناحَ أي لا اثم.
فِيما عَرَّضْتُمْ المخاطبة لجميع الناس ، والمراد بحكمها هو الرجل الذي فى نفسه تزوج معتدة ، أي لا وزر عليكم فى التعريض بالخطبة فى عدة الوفاة.
والتعريض ، ضد التصريح ، وهو إفهام المعنى بالشيء المحتمل له ولغيره.
مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ الخطبة ، بالكسر : فعل المخاطب من كلام وقصد واستلطاف بفعل أو قول.
أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ أي سترتم من التزوج بها بعد انقضاء عدتها.
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ اما سرا واما علنا فى نفوسكم وبألسنتكم ، فرخص فى التعريض دون التصريح.
وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا ، أي على سر ، فحذف الحرف ، لأنه مما يتعدى الى مفعولين أحدهما بحرف.
إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً استثناء منقطع بمعنى : لكن.
والقول المعروف ، هو ما أبيح من التعريض.
وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ أي : ولا تعزموا على عقدة النكاح فى زمان العدة.
حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ أي تمام العدة. والكتاب ، هنا ، هو الحد الذي جعل والقدر الذي رسم من العدة ، سماها كتابا ، إذ قد حده وفرضه كتاب اللّه.

(1/3893)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 173
وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ هذا نهاية التحذير من الوقوع فيما نهى عنه.
[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]
لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)
236 - لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ :
ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ما ، بمعنى : الذي ، أي ان طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهن.
وقرىء (تماسوهن) من المفاعلة ، لأن الوطء تم بهما.
وَ مَتِّعُوهُنَّ أي أعطوهن شيئا يكون متاعا لهن.
عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ دليل على وجوب المتعة.
والمقتر : المقل القليل المال.
مَتاعاً متاعا ، نصب على المصدر ، أي متعوهن متاعا.
بِالْمَعْرُوفِ أي بما عرف فى الشرع من الاقتصاد.
حَقًّا أي يحق ذلك عليهم حقا.
عَلَى الْمُحْسِنِينَ أي على المؤمنين.
237 - وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ :
فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ أي فالواجب نصف ما فرضتم ، أي من المهر.
فالنصف للزوج والنصف للمرأة.
إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ استثناء منقطع لأن عفوهن عن النصف ليس من جنس أخذهن.
ويعفون ، أي يتركن ويصفحن.
والمعنى : الا أن يتركن النصف الذي وجب لهن عند الزوج.

(1/3894)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 174
أَوْ يَعْفُوَا معطوف على الأول.
عُقْدَةُ النِّكاحِ أي عقدة نكاحه.
وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ابتداء وخبر. وهو خطاب للرجال والنساء. واللام فى لِلتَّقْوى بمعنى : الى ، أي أقرب الى التقوى.
وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ الفضل : إتمام الرجل الصداق كله ، أو ترك المرأة النصف الذي لها.
إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ خبر فى ضمنه الوعد للمحسن ، والحرمان لغير المحسن ، أي لا يخفى عليه عفوكم واستقضاؤكم.
[سورة البقرة (2) : آية 238]
حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238)
238 - حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ :
خطاب لجميع الأمة. والآية أمر بالمحافظة على اقامة الصلوات فى أوقاتها.
والمحافظة ، هى المداومة على الشيء والمواظبة عليه.
الْوُسْطى تأنيث الأوسط.
قيل : انها الظهر ، لأنها وسط النهار.
وقيل : انها العصر ، لأن قبلها صلاتى نهار وبعدها صلاتى ليل.
وقيل : انها المغرب ، لأنه متوسطة فى عدد الركعات ، ليست بأقلها ولا أكثرها ، ولا تقصر فى السفر.
و قيل : انها صلاة العشاء الآخرة ، لأنها بين صلاتين لا تقصران.
وقيل : انها الصبح ، لأن قبلها صلاتى ليل يجهر فيهما ، وبعدها صلاتى نهار يسر فيهما.
وقيل : صلاة الجمعة ، لأنها خصت بالجمع لها والخطبة فيها.
وقيل : انها الصلوات الخمس بجملتها ، لأن قوله تعالى حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ يعنى الفرض والنفل ثم خص الفرض بالذكر.

(1/3895)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 175
وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ أي فى صلاتكم. وقانتين ، أي طائعين.
[سورة البقرة (2) : الآيات 239 الى 240]
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)
239 - فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ :
فَإِنْ خِفْتُمْ أي فزعتم من اطلال العدو عليكم.
فَرِجالًا أي فصلوا رجالا. والرجال ، جمع راجل ، وهو من عدم المركوب ومشى على قدميه.
أَوْ رُكْباناً أي على الخيل والإبل ونحوهما.
فَإِذا أَمِنْتُمْ أي زال خوفكم الذي ألجأكم الى هذه الصلاة.
فَاذْكُرُوا اللَّهَ أي اشكروه على هذه النعمة فى تعليمكم هذه الصلاة التي وقع بها الاجزاء ، ولم تفتكم صلاة من الصلوات ، وهو الذي لم تكونوا تعلمونه.
كَما عَلَّمَكُمْ الكاف فى قوله كَما بمعنى الشكر.
ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ما لم ، مفعول للفعل تَعْلَمُونَ.
240 - وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :
وَ يَذَرُونَ أي يتركون.
وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ بالرفع على الابتداء ، وخبره لأزواجهم.
ويحتمل أن يكون المعنى : عليهم وصية ، ويكون قوله لِأَزْواجِهِمْ صفة.
مَتاعاً أي متعوهن متاعا ، أو جعل اللّه لهن ذلك متاعا ، لدلالة الكلام عليه.
والمتاع ، هنا ، نفقة سنتها.

(1/3896)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 176
غَيْرَ إِخْراجٍ أي ليس لأولياء الميت ووارثي المنزل إخراجها.
و(غير) نصب على المصدر. وقيل لأنه صفة مَتاعاً. وقيل :
نصب على الحال ، أي متعوهن غير مخرجات.
وقيل : بنزع الخافض ، أي من غير إخراج.
فَإِنْ خَرَجْنَ أي باختيارهن قبل الحول.
فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أي لا حرج على أحد ، ولىّ أو حامكم أو غيره ، لأنه لا يجب عليها المقام فى بيت زوجها حولا.
وقيل : أي لا جناح فى قطع النفقة عنهن.
وَ اللَّهُ عَزِيزٌ صفة تقضى الوعيد بالنسبة لمن خالف الحد فى هذه النازلة ، فأخرج المرأة وهى لا تريد الخروج.
حَكِيمٌ أي محكم لما يريد من أمور عباده.
[سورة البقرة (2) : الآيات 241 الى 243]
وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (243)
241 - وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ :
مَتاعٌ المتعة لكل مطلقة.
242 - كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ :
تَعْقِلُونَ أي تتدبرون.
243 - أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ :
أَ لَمْ تَرَ أي : ألم تعلم ، فهذه رؤية القلب.
وَ هُمْ أُلُوفٌ جمع ألف ، جمع كثرة.
حَذَرَ الْمَوْتِ أي لحذر الموت ، مفعول له.
مُوتُوا أي قضى عليهم بالموت.
ثُمَّ أَحْياهُمْ أي كتب لهم الحياة.

(1/3897)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 177
[سورة البقرة (2) : الآيات 244 الى 246]
وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)
244 - وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ :
هذا خطاب لأمة محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم بالقتال فى سبيل اللّه.
245 - مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ القرض : ما أسلفت من عمل صالح أو سيىء.
حَسَناً محتسبا طيبة به نفسه.
وَ اللَّهُ يَقبِضُ وَيَبصُطُ هذا عام فى كل شىء.
وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وعيد ، فيجازى كلا بعمله.
246 - أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ :
الْمَلَإِ : الأشراف ، ويريد هنا : القوم ، لأن المعنى يقتضيه ، اسم للجمع كالرهط.
مِنْ بَعْدِ مُوسى أي من بعد وفاته.
مَلِكاً يرأسنا وينهض بنا الى القتال بعد ما ذقنا من ذلة.
نُقاتِلْ بالجزم على جواب الأمر. وقرىء : يقاتل بالياء والرفع ، فى موضع الصفة للملك.
هَلْ عَسَيْتُمْ أي هل أنتم قريب من التولي والقرار.
أَلَّا تُقاتِلُوا فى موضع نصب ، أي هل عسيتم مقاتلة.
قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي : أي شىء لنا فى ألا نقاتل فى سبيل اللّه.

(1/3898)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 178
وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا تعليل.
وَ أَبْنائِنا أي بسبب ذرارينا.
فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ أي فرض عليهم.
تَوَلَّوْا أي لما فرض عليهم القتال ورأوا الحقيقة وأن نفوسهم قد تذهب تولوا ، أي اضطربت نياتهم وفترت عزائمهم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 247 الى 248]
وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)
247 - وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ :
قَدْ بَعَثَ لَكُمْ أي أجابكم الى ما سألتم.
طالُوتَ لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط الملك ، وانما كان رجلا على علم وفتوة.
أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا أي كيف يملكنا ونحن أحق بالملك منه.
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ أي اختاره.
وَ زادَهُ أي وفضله عليكم ببسطة فى العلم الذي هو ملاك الإنسان ، والجسم فيكون مهابا.
وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ أي من يستصلحه للملك.
وَ اللَّهُ واسِعٌ أي الفضل والعطاء ، يوسع على من ليس ذو سعة من المال.
عَلِيمٌ بمن يصطفيه للملك.
248 - وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ :

(1/3899)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 179
أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ أي إتيان التابوت. والتابوت : صندوق التوراة ، وكان مع موسى ومع أنبياء بنى إسرائيل من بعده يستفتحون به ، ثم غلبهم عليه أعداؤهم ، فكان فى أرض جالوت الى أن كان ملك طالوت ، فحملته الملائكة اليه.
فِيهِ سَكِينَةٌ أي ما تسكن اليه قلوبكم وتقر أنفسكم.
وَ بَقِيَّةٌ أي وصايا وتعاليم.
آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ أي الأنبياء من بنى يعقوب بعدهما ، فأولاد يعقوب هم آل موسى وهارون.
إِنَّ فِي ذلِكَ أي فى رد التابوت الى طالوت.
لَآيَةً لدليلا على صدق ما أخبركم به من نبيكم.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي ان كانت لكم صفة المصدقين.
[سورة البقرة (2) : آية 249]
فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)
249 - فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ :
فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ أي خرج بهم.
مُبْتَلِيكُمْ الابتلاء : الاختبار.
فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ قيل انهم أتوا النهر وقد بلغ منهم العطش مبلغه لهذا كانت التوعية من طالوت ، فالاقبال على الكرع مميت ، ومن أخذ الجرعة بعد الجرعة فقد حمى نفسه شيئا ، ومن كف فكان أحسن حالا من هذا وذلك.
فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ أي إنهم لم يقووا على هذا الابتلاء ، ولم يصبر له القليل.
وكانت هذه هى المحنة الأولى.

(1/3900)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 180
فَلَمَّا جاوَزَهُ أي تجاوزه وخلفه ، يعنى النهر.
قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ أي هالتهم كثرة جنود جالوت فدب فيهم الوهن لقلة عددهم.
وكانت هذه هى المحنة الثانية.
قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أي يوقنون.
أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ أي ان القتال معه الشهادة.
كَمْ مِنْ فِئَةٍ الفئة : الجماعة من الناس.
بِإِذْنِ اللَّهِ أي بمشيئته.
وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ الذين يصبرون على الشدة والبأس.
[سورة البقرة (2) : الآيات 250 الى 251]
وَ لَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251)
250 - وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ :
بَرَزُوا أي صاروا فى البراز وهو الأفيح من الأرض المتسع.
لِجالُوتَ أمير العمالقة.
أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً أي عمّنا بالصبر. وأصل الإفراغ : الصب.
251 - فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ :
فَهَزَمُوهُمْ أي فأنزل اللّه الصبر والنصر فهزموهم.
بِإِذْنِ اللَّهِ أي بتدبيره وعونه.
داوُدُ كان رجلا من رجال طالوت اختاره ليواجه جالوت ، فبارزه فأرداه واضطربت الحال بين جند جالوت فكانت الهزيمة.
وَ آتاهُ اللَّهُ أي أعطاه اللّه ، يعنى داود.
الْمُلْكَ أي ملك طالوت.

(1/3901)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 181
وَ الْحِكْمَةَ أي النبوة.
مِمَّا يَشاءُ أي مما شاء من صنعة الدروع وغيرها ، وقد يوضع المستقبل موضع الماضي.
وَ لَوْ لا دَفْعُ أي ولو لا أن اللّه يدفع الناس ببعض ويكف بهم فسادهم.
لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ لغلب المفسدون.
و قيل ان هذا الدفع مما شرع اللّه على ألسنة الرسل من الشرائع التي تضبط أحوال الناس ، ولو لا هذا لاضطربت شئون الناس وساءت أحوالهم.
ذُو فَضْلٍ أي هذا من فضل اللّه ورحمته بالعالمين.
[سورة البقرة (2) : الآيات 252 الى 253]
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (253)
252 - تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ :
تِلْكَ مبتدأ.
آياتُ اللَّهِ خبره ، يعنى ذلك القصص الذي نقصه عليك يا محمد.
بِالْحَقِّ أي باليقين الذي لا يعلو اليه الشك.
وَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ أي تحمل الى قومك ما نقصه عليك من غيب.
253 - تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ :
تِلْكَ رفع بالابتداء.
فَضَّلْنا الخبر. والتفاضل هو فى زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والألطاف والمعجزات المتباينات ، أما النبوة فى نفسها فلا تفاضل فيها ، وانما تتفاضل بأمور أخرى زائدة عليها.

(1/3902)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 182
مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ المكلم هو موسى عليه السّلام.
وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ أي ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء فكان بعد تفاوتهم فى الفضل أفضل منهم درجات كثيرة. وقيل ان المراد هو محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَ أَيَّدْناهُ أي قويناه.
بِرُوحِ الْقُدُسِ جبريل عليه السّلام.
وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مشيئة إلجاء وقسر.
مِنْ بَعْدِهِمْ أي من بعد الرسل ، أي ما اقتتل الناس بعد كل نبى لاختلافهم فى الدين وتشعب مذاهبهم ، وتكفير بعضهم بعضا.
مَنْ آمَنَ لالتزامهم دين الأنبياء.
وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ لاعراضه عنه.
وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ كرر التأكيد.
وَ لكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ من الخذلان والعصمة.
[سورة البقرة (2) : آية 254]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)
254 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ :
أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ أراد الانفاق الواجب لاتصال الوعيد به.
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الانفاق ، لأنه :
لا بَيْعٌ فِيهِ حتى تبتاعوا ما تنفقونه.
وَ لا خُلَّةٌ حتى يساعدكم أخلاؤكم به.
وَ لا شَفاعَةٌ فى تخفيف العذاب وحطه عنكم.
وَ الْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ أراد : والتاركون الزكاة هم الظالمون ، فقال وَالْكافِرُونَ للتغليظ.

(1/3903)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 183
[سورة البقرة (2) : آية 255]
اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)
255 - اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ :
الْحَيُّ الباقي الذي لا سبيل عليه للفناء.
الْقَيُّومُ الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه.
لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ السنة : ما يتقدم النوم من الفتور الذي يسمى النعاس.
وَ لا نَوْمٌ أي لا يأخذه نعاس ولا نوم ، وهو تأكيد للقيوم ، لأنه من جاز عليه ذاك استحال أن يكون قيوما.
مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ لملكوته وكبريائه.
إِلَّا بِإِذْنِهِ أي إن أحدا لا يتمالك أن يتكلم يوم القيامة الا إذا أذن له فى الكلام.
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ : ما كان قبلهم وما يكون بعدهم.
مِنْ عِلْمِهِ أي من معلوماته.
إِلَّا بِما شاءَ الا بما علم.
وَسِعَ كُرْسِيُّهُ الكرسي : ما يجلس عليه ويقعد.
و المعنى : أن كرسيه لم يضق عن السماوات والأرض لبسطته وسعته ، وما هو إلا تصوير لعظمته فلا كرسى ثمة ولا قعود ولا قاعد.
وقيل : وسع علمه ، وسمى العلم كرسيا تسمية بمكانه ، الذي هو كرسى العالم.
وقيل : وسع ملكه ، تسمية بمكانه الذي هو كرسى الملك.
وقيل : الكرسي ، هو العرش.

(1/3904)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 184
وَ لا يَؤُدُهُ أي لا يثقله ولا يشق عليه.
حِفْظُهُما أي حفظ السموات والأرض.
وَ هُوَ الْعَلِيُّ الشأن.
الْعَظِيمُ الملك والقدرة.
[سورة البقرة (2) : الآيات 256 الى 257]
لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257)
256 - لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ :
لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ أي لم يجز اللّه أمر الايمان على الإجبار والقسر ، ولكن على التمكين والاختيار.
قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ أي قد تميز الايمان من الكفر بالدلائل الواضحة.
فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ أي من كفر بالشيطان ، أو الأصنام.
وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ أي وآمن باللّه.
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى أي الحبل الوثيق المحكم.
لَا انْفِصامَ لَها أي لا انقطاع لها.
و هذا تمثيل للمعلوم بالنظر ، والاستدلال بالمشاهد المحسوس ، حتى يتصور السامع كأنه ينظر اليه بعينيه فيحكم اعتقاده والتيقن به.
وَ اللَّهُ سَمِيعٌ يسمع لكم ما تقولون.
عَلِيمٌ بما تفعلون وتبطنون.
257 - اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ :
وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا الولي : الناصر والمؤيد.

(1/3905)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 185
يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ أي من الكفر الى الايمان بلطفه ويثبتهم عليه.
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي اختاروا الكفر.
أَوْلِياؤُهُمُ نصراؤهم.
الطَّاغُوتُ الشياطين.
يُخْرِجُونَهُمْ أي يعمون عليهم النور فاذا هم فى ظلمات ، يعنى :
الايمان والكفر.
أَصْحابُ النَّارِ أي مصيرهم الى النار فهم ملازمون لها بعد ملازمة الصاحب للصاحب.
خالِدُونَ مقيمون الى غير رجعة.
[سورة البقرة (2) : آية 258]
أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
258 - أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ :
أَ لَمْ تَرَ تعجيب من محاجة نمروذ فى اللّه وكفره به.
أَنْ آتاهُ أي حاج لأن آتاه اللّه الملك ، أي ان إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر والعتو فحاج لذلك.
أي انه وضع المحاجة فى ربه موضع ما وجب عليه من الشكر على أن آتاه اللّه الملك فكأن المحاجة كانت لذلك.
وقيل : حاج وقت أن آتاه اللّه الملك.
إِذْ قالَ نصب بالفعل حَاجَّ ، وهو بدل من آتاهُ إذا جعل بمعنى الوقت.
أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ أي أعفو عن القتل وأقتل.

(1/3906)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 186
و حين سمع ابراهيم حجته الواهية انتقل الى ما يخرسه.
فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أي فغلب ابراهيم الكافر.
[سورة البقرة (2) : آية 259]
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
259 - أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :
أَوْ كَالَّذِي أي أو رأيت مثل الذي مر ، فحذف لدلالة أَلَمْ تَرَ عليه ، لأن كلتيهما كلمة تعجب. ويجوز أن يحمل على المعنى دون اللفظ كأنه قيل : أرأيت كالذى حاج ابراهيم أو كالذى مر على قرية.
والمار ، كان كافرا بالبعث ، لانتظامه مع نمروذ فى سلك ، ولكلمة الاستبعاد التي هى : أنى يحيى.
وقيل : هو عزيز ، أو الخضر ، أراد أن يعاين احياء الموتى ليزداد بصيرة كما طلب ابراهيم ، عليه السّلام.
أَنَّى يُحْيِي اعتراف بالعجز عن معرفة طريقة الاحياء ، واستعظام لقدرة المحيي.
عَلى قَرْيَةٍ القرية هى بيت المقدس حين خربه بختنصر.
وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها أي بيوتها ساقطة على سقفها.
يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ بناء على الظن.
لَمْ يَتَسَنَّهْ لم يتغير.
وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ سالما فى مكانه كما ربطته.
وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاس ِ
يريد إحياءه بعد الموت وحفظ ما معه.

(1/3907)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 187
وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ أي عظام الحمار أو عظام الموتى الذين تعجب من احيائهم.
كَيْفَ نُنْشِزُها كيف نحييها.
فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أن اللّه على كل شىء قدير ، فحذف لدلالة الثاني عليه فى قوله : قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
و يجوز : فلما تبين له ما أشكل عليه ، يعنى أمر احياء الموتى.
وقرىء : فلما تبين له على البناء للمفعول.
كما قرىء : قال اعلم ، على لفظ الأمر.
[سورة البقرة (2) : آية 260]
وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
260 - وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :
أَرِنِي أي بصرنى.
أَ وَلَمْ تُؤْمِنْ قيل له هذا وهو أثبت ايمانا ليستفيد من الاجابة السامعون.
بَلى إيجاب لما بعد النفي ، أي بلى آمنت.
وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ليزيد سكونا بمضامة علم الضرورة علم الاستدلال. ثم ان تظاهر الأدلة أسكن للقلوب وأزيد للبصيرة واليقين.
فأراد بطمأنينة القلب لا العلم الذي لا مجال للتشكيك فيه.
أو سألتك ليطمئن قلبى بحصول الفرق بين المعلوم برهانا والمعلوم عيانا.
فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ أي اضممنه إليك.
وقرىء فَصُرْهُنَّ بضم الصاد وكسرها وتشديد الراء ، أي اجمعهن.

(1/3908)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 188
و هذا الضم أو هذا الجمع ليتأملها ويعرف أشكالها وهيئاتها وحلاها لئلا تلتبس عليه بعد الاحياء ويتوهم أنها غير ذلك.
ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً أي ثم جزئهن وفرق أجزاءهن على الجبال ، أي الجبال التي بحضرتك وفى أرضك.
ثُمَّ ادْعُهُنَّ أي قل لهن : تعالين بإذن اللّه.
يَأْتِينَكَ سَعْياً أي ساعيات مسرعات فى طيرانهن.
[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 262]
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)
261 - مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ :
كَمَثَلِ حَبَّةٍ أي مثل نفقتهم كمثل حبة ، أو مثلهم كمثل باذر حبة.
أَنْبَتَتْ المنبت هو اللّه تعالى ، ولكن الحبة لما كانت سببا أسند إليها الإنبات.
سَبْعَ سَنابِلَ أي أخرجت ساقا يتشعب منها سبع شعب ، لكل واحدة سنبلة ، والتمييز هنا جمع كثرة ، وكان حقه أن يكون جمع قلة (سنبلات) ولكن الجموع متعاورة مواقعها.
وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ أي يضاعف تلك المضاعفة لمن يشاء ، لا لكل منفق ، لتفاوت أحوال المنفقين.
أو يضاعف سبع المائة ويزيد عليها أصنافها لمن يستوجب ذلك.
262 - الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ :
ثُمَّ لاظهار التفاوت بين الانفاق وترك المن والأذى ، وأن تركهما خير من نفس الانفاق.
(المن) أن يعتد على من أحسن اليه بإحسانه ويريد أنه اصطنعه وأوجب عليه حقا له ، وكانوا يقولون : إذا صنعتم صنيعة فانسوها.
وَ لا أَذىً الأذى : أن يتطاول عليه بسبب ما أعطى.

(1/3909)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 189
[سورة البقرة (2) : الآيات 263 الى 264]
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264)
263 - قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ :
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ أي رد جميل.
وَ مَغْفِرَةٌ أي عفو عن السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسئول.
أو : ونيل مغفرة من اللّه بسبب الرد الجميل.
أو : وعفو من جهة السائل لأنه إذا رده ردا جميلا عذره.
خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً خبر ، وصح الاخبار عن المبتدأ النكرة لاختصاصه بالصفة.
وَ اللَّهُ غَنِيٌّ لا حاجة له بمنفق يمن ويؤذى.
حَلِيمٌ عن معاجلته بالعقوبة.
264 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ :
كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ أي لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كابطال المنافق الذي ينفق ماله رئاء الناس.
رِئاءَ النَّاسِ أي لا يريد بانفاقه رضا اللّه ولا ثواب الآخرة ولكن للتظاهر بين الناس.
فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ أي مثّله ومثّل نفقته التي لا ينتفع بها البتة بصفوان ، أي بحجر أملس عليه تراب.
فَأَصابَهُ وابِلٌ مطر عظيم.
فَتَرَكَهُ صَلْداً أجرد نقيا من التراب الذي كان عليه.
لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا أي على الانتفاع بثواب شىء

(1/3910)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 190
من انفاقهم ، وهو كسبهم ، عند حاجتهم اليه إذ كان لغير اللّه ، فعبر عن النفقة بالكسب ، لأنهم قصدوا بها الكسب.
[سورة البقرة (2) : الآيات 265 الى 266]
وَ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)
265 - وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ :
ابْتِغاءَ مفعول لأجله.
وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ عطف عليه ، أي وليثبتوا منها ببذل المال الذي هو شقيق الروح وبذله أشق شىء على النفس كذا كان انفاق المال تثبيتا على الايمان واليقين. هذا الى أنه إذا أنفق المسلم ماله فى سبيل اللّه ، علم أن تصديقه وإيمانه بالثواب من أصل نفسه ومن اخلاص قلبه.
كَمَثَلِ جَنَّةٍ وهى البستان.
بِرَبْوَةٍ بمكان مرتفع ، وخصها لأن الشجر فيها أزكى وأحسن ثمرا.
أَصابَها وابِلٌ أي مطر عظيم القطر.
فَآتَتْ أُكُلَها أي أعطت ثمرتها.
ضِعْفَيْنِ مثلى ما كانت تثمر بسبب الوابل.
فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ الطل : المطر الصغير القطر يكفيها لكرم منبتها. أو مثّل حالهم عند اللّه بالجنة على الربوة ، ونفتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطل ، وكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكل الجنة ، فكذلك نفقتهم كثيرة كانت أو قليلة - بعد أن يطلب بها وجه اللّه ويبذل فيها الوسع - زاكية عند اللّه ، زائدة فى زلفاهم وحسن حالهم عنده.
266 - أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ :

(1/3911)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 191
أَ يَوَدُّ الهمزة للانكار.
جَنَّةٌ وقرىء : جنات.
ضُعَفاءُ وقرىء : ضعاف.
إِعْصارٌ الاعصار : الريح التي تستدير فى الأرض ثم تسطع نحو السماء كالعمود ، وهذا مثل لمن يعمل الأعمال الحسنة لا يبتغى بها وجه اللّه ، فإذا كان يوم القيامة وجدها محبطة ، فيتحسر عند ذلك حسرة من كانت له جنة من أبهى الجنان وأجمعها للثمار ، فبلغ الكبر ، وله أولاد ضعاف ، والجنة معاشهم ومنتعشهم ، فهلكت بالصاعقة.
[سورة البقرة (2) : آية 267]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)
267 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ :
مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ أي من جياد مكسوباتكم.
وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ من الحب والثمر والمعادن وغيرها ، والتقدير :
و من طيبات ما أخرجنا لكم ، إلا أنه حذف لذكر الطيبات.
وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ أي : ولا تقتصدوا المال الرديء. فلقد كانوا يتصدقون بحشف الثمر وشراره.
مِنْهُ تُنْفِقُونَ تخصونه بالإنفاق ، وهو فى محل الحال.
وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ أي وحالكم أنه لا تأخذونه فى حقوقكم.
إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ أي تتسامحوا فى أخذه وتترخصوا فيه ، يقال : أغمض فلان عن بعض حقه ، إذا غض بصره.
غَنِيٌّ أي لا حاجة به الى صدقاتكم ، فمن تقرب وطلب مثوبة فليفعل ذلك بما له قدر وبال ، فانما يقدم لنفسه.
حَمِيدٌ أي محمود فى كل حال.

(1/3912)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 192
[سورة البقرة (2) : الآيات 268 الى 270]
الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (269) وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270)
268 - الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ :
يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ أي يعدكم فى الانفاق الفقر ويقول لكم : ان عاقبة انفاقكم أن تفتقروا.
وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ أي ويغريكم على البخل ومنع الصدقات إغراء الآمر للمأمور.
وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ فى الانفاق.
مَغْفِرَةً لذنوبكم وكفارة لها.
وَ فَضْلًا أي وأن يخلف عليكم أفضل مما أنفقتم ، وثوابا عليه فى الآخرة.
واسِعٌ عَلِيمٌ أي يعطى من سعة ، ويعلم حيث يضع ذلك.
269 - يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ :
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ أي يوفق للعلم والعمل به. والحكيم ، عند اللّه ، هو العالم العامل.
وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ وقرىء : ومن يؤت الحكمة ، على البناء للمفعول أي ومن يؤته اللّه الحكمة.
خَيْراً كَثِيراً تنكير تعظيم ، وكأنه قال : فقد أوتى أي خير كثير.
وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ أي الحكماء العلام العمال.
270 - وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ :
وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ فى سبيل اللّه ، أو فى سبيل الشيطان.
أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ أي فى طاعة اللّه أو فى معصيته.

(1/3913)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 193
فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ لا يخفى عليه وهو مجازيكم عليه.
وَ ما لِلظَّالِمِينَ الذين يمنعون الصدقات ، أو ينفقون أموالهم فى المعاصي.
مِنْ أَنْصارٍ أي من ينصرهم من اللّه ويمنعهم من عقابه.
[سورة البقرة (2) : آية 271]
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)
271 - إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ :
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ أي تظهروها.
الصَّدَقاتِ يعنى الزكاة لأن إظهارها أحسن.
فَنِعِمَّا هِيَ ما ، فى نعما نكرة غير موصولة ولا موصوفة.
والمعنى : فنعم شيئا ابداؤها.
وَ إِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ أي وتصيبوا بها مصارفها مع الإخفاء.
فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أي فالاخفاء خير لكم.
والمراد الصدقات المتطوع بها ، فان الأفضل فى الفرائض أن يجاهر بها. وعن ابن عباس : صدقات السر فى المتطوع تفضل علانيتها سبعين ضعفا ، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بمخسة وعشرين ضعفا.
وانما كانت المجاهرة بالفرائض أفضل لنفى التهمة ، حتى إذا كان المزكى ممن لا يعرف باليسار كان اخفاؤه أفضل ، والمتطوع ان أراد أن يقتدى به كان إظهاره أفضل.
وَ يُكَفِّرُ بالياء مرفوعا والفعل للّه ، أو للاخفاء. وقرىء بالنون مرفوعا ، عطفا على محل ما بعد الفاء ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي ونحن نكفر ، أو على أنه جملة من فعل وفاعل مبتدأة ومجزوما عطفا على محل الفاء وما بعده لأنه جواب الشرط.
و قرىء (وتكفر) بالتاء ، مرفوعا ومجزوما ، والفعل للصدقات.

(1/3914)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 194
و قرىء بالياء والنصب بإضمار (أن). والمعنى : ان تخفوها يكن خيرا لكم ، وأن يكفر عنكم.
مِنْ سَيِّئاتِكُمْ للتبغيض المحض.
وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ وعد ووعيد.
[سورة البقرة (2) : الآيات 272 الى 273]
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)
272 - لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ :
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ أي ليس عليك أن تجعلهم مهديين الى الانتهاء عما نهوا عنه من المن والأذى والانفاق من الخبيث ، وغير ذلك ، وما عليك الا أن تبلغهم النواهي فحسب.
وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ أي يلطف بمن يعلم أن اللطف ينفع فيه فينتهى عما نهى عنه.
وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ أي مال.
فَلِأَنْفُسِكُمْ أي فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا به على الناس ولا تؤذوهم بالتطاول عليهم.
وَ ما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وليست نفقتكم الا لابتغاء وجه اللّه ولطلب ما عنده فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يوجه مثله الى اللّه.
وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ أي ثوابه أصنافا مضاعفة فلا عذر لكم فى أن ترغبوا عن إنفاقه ، وأن يكون على أحسن الوجوه وأجملها ، هذا الى أن ثواب الانفاق يوفى الى المنفقين ولا يبخسون منه شيئا ، فيكون ذلك البخس ظلما لهم.
273 - لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ :

(1/3915)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 195
لِلْفُقَراءِ الجار والمجرور متعلق بمحذوف ، والمعنى : اعمدوا الفقراء ، واجعلوا ما تنفقون للفقراء. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي صدقاتكم للفقراء.
الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي الذين أحصرهم الجهاد ، أي حبسوا ومنعوا عن التصرف فى معايشهم مخافة العدو.
لا يَسْتَطِيعُونَ لاشتغالهم بالجهاد.
ضَرْباً فِي الْأَرْضِ أي سعيا فى الأرض للكسب.
يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أي يخالهم من لا علم له بحالهم.
أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ أي مستغنين من أجل تعففهم عن المساءلة.
تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ أي من صفرة الوجه ورثاثة الحال.
لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً الالحاف : الإلحاح ، وهو اللزوم ، وأن لا يفارق الا بشىء يعطاه ، أي ان سألوا سألوا بتلطيف ولم يلحوا.
وقيل : هو نفى للسؤال والالحاف جميعا.
و يقال : انهم هم أصحاب الصفة ، وكانوا نحوا من أربعمائة رجل من مهاجرى قريش ، لم يكن لهم مساكن فى المدينة ولا عشائر ، وكانوا يخرجون فى كل سرية يبعثها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وكانوا فى صفة المسجد ، أي سقيفته ، يتعلمون القرآن بالليل ويرضخون النوى بالنهار فمن كان عنده فضل أتاهم به إذا أمسى.
[سورة البقرة (2) : الآيات 274 الى 275]
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275)
274 - الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ :
بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً يعمون الأوقات والأحوال بالصدقة لحرصهم على الخير فكلما نزلت بهم حاجة محتاج عجلوا قضاءها ولم يؤخروه ولم يتعللوا بوقت ولا حال.
275 - الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ

(1/3916)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 196
الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ
:
يَأْكُلُونَ يأخذون ، فعبر عن الأخذ بالأكل ، لأن الأخذ انما يراد للأكل.
الرِّبا الكسب الحرام.
لا يَقُومُونَ إذا بعثوا من قبورهم.
يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ أي المصروع.
الْمَسِّ متعلق بقوله لا يَقُومُونَ أي لا يقومون من المس الذي بهم الا كما يقوم المصروع ، ويجوز أن يتعلق بالفعل يَقُومُ أي كما يقوم المصروع من جنونه.
والمعنى : أنهم يقومون يوم القيامة مخبلين كالمصروعين ، تلك سيماهم يعرفون بها عند أهل الموقف.
وقيل : الذين يخرجون من الأجداث يوفضون الا أكلة الربا فانهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين لأنهم أكلوا الربا فأرباه اللّه فى بطونهم حتى أثقلهم فلا يقدرون على الايفاض.
ذلِكَ أي العقاب بسبب قولهم : انما البيع مثل الربا.
إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وإذ كانوا قد شبهوا الربا بالبيع فاستحلوه ، من أجل هذا قدم البيع على طريق المبالغة ، أي انهم قد بلغ من اعتقادهم فى حل الربا أنهم جعلوه أصلا وقانونا فى الحل حتى شبهوا به البيع.
وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا انكار لتسويتهم بينهما ، ودلالة على أن القياس يهدمه النص ، لأنه جعل الدليل على بطلان قياسهم إحلال اللّه وتحريمه.
فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي فمن بلغه وعظ من اللّه وزجر بالنهى عن الربا. وذكر الفعل لأنها فى معنى الوعظ.

(1/3917)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 197
فَانْتَهى أي فتبع النهى وامتنع.
فَلَهُ ما سَلَفَ أي فلا يؤخذ بما مضى منه ، لأنه أخذ قبل نزول.
التحريم.
وَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ يحكم فى شأنه يوم القيامة ، وليس من أمره إليكم شىء فلا تطالبوه به.
وَ مَنْ عادَ أي الى الربا معتقدا جوازه.
فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ أي لا يفارقونها.
[سورة البقرة (2) : الآيات 276 الى 278]
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)
276 - يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ
:
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا أي يذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه.
وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ ما يتصدق به ، بأن يضاعف عليه الثواب ويزيد المال الذي أخرجت منه ويبارك فيه.
وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ تغليظ فى أمر الربا بأنه من فعل الكفار لا من فعل المسلمين.
277 - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ :
خص الصلاة والزكاة بالذكر ، وقد تضمنهما عمل الصالحات ، تشريفا لهما وتنبيها على قدرهما إذ هما رأس الأعمال ، الصلاة فى أعمال البدن ، والزكاة فى أعمال المال.
278 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ :
أخذوا ما شرطوا على الناس من الربا وبقيت لهم بقايا ، فأمروا أن يتركوها ولا يطالبوا بها.

(1/3918)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 198
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ان صح ايمانكم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 279 الى 280]
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)
279 - فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ :
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ أي : فاعلموا بها ، يقال : أذن بالشيء ، إذا علم به.
وقرىء : فآذنوا ، بالمد ، أي : فأعلموا بها غيركم.
وَ إِنْ تُبْتُمْ من الارتياب.
لا تَظْلِمُونَ المديونين بطلب الزيادة عليها.
وَ لا تُظْلَمُونَ بالنقصان منها.
وهذا حكمهم ان تابوا ، أما حكمهم إذا لم يتوبوا فيكون ما لهم فيئا للمسلمين.
280 - وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ :
وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ أي وان وقع غريم من غرماءكم ذو عسرة أو ذو إعسار.
فَنَظِرَةٌ أي : فالحكم ، أو الأمر ، نظرة ، وهى الانظار.
إِلى مَيْسَرَةٍ أي الى يسار.
وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ ندب الى أن يتصدقوا برءوس أموالهم على من أعسر من غرمائهم أو ببعضها.
وقيل : أراد بالتصديق : الانظار.
إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ : أنه خير لكم فتعملوا به. جعل من لا يعلم به وان علمه كأنه لا يعلمه.

(1/3919)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 199
[سورة البقرة (2) : الآيات 281 الى 282]
وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)
281 - وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ :
تُرْجَعُونَ قرىء على البناء للفاعل والمفعول.
وقرىء : يرجعون ، بالياء ، على الالتفات.
282 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ :
إِذا تَدايَنْتُمْ أي إذا داين بعضكم بعضا.
بِدَيْنٍ معطيا أو آخذا.
إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أي إذا تعاملتم بدين مؤجل الى وقت معلوم.
فَاكْتُبُوهُ أي : فاكتبوا الدين.
بِالْعَدْلِ صفة لكاتب ، أي كاتب مأمون على ما يكتب ، يكتب بالسوية والاحتياط ، لا يزيد على ما يجب أن يكتب ولا ينقص.
وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ أي : ولا يمتنع أحد من الكتاب.
أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ أي مثل ما علمه اللّه كتابة الوثائق لا يبدل ولا يغير.

(1/3920)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 200
و قيل : ينفع الناس بكتابته كما نفعه اللّه بتعلمها.
وهى فرض كفاية.
كَما عَلَّمَهُ يجوز أن يتعلق :
(أ) - بقوله أَنْ يَكْتُبَ ويكون نهيا عن الامتناع من الكتابة المقيدة ، ثم قيل له : فليكتب ، يعنى : فليكتب تلك الكتابة المقيدة لا يعدل عنها للتوكيد.
(ب) - أو بقوله فَلْيَكْتُبْ يكون نهيا عن الامتناع من الكتابة على سبيل الإطلاق ، ثم أمر بها مقيدة.
وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أي : ولا يكن المملى الا من وجب عليه الحق ، لأنه هو المشهود على ثباته فى ذمته وإقراره به.
والاملاء ، والإملال ، لغتان قد نطق بهما القرآن.
وَ لا يَبْخَسْ مِنْهُ أي من الحق ، أي لا ينقص.
شَيْئاً وقرىء : شيا ، بطرح الهمزة.
سَفِيهاً أي محجورا عليه لتبذيره وجهله بالتصرف.
أَوْ ضَعِيفاً أي صبيا أو شيخا مختلا.
أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ أي غير مستطيع الاملاء بنفسه لعى به أو خرس.
فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ أي الذي يلى أمره من وصى ان كان سفيها أو صبيا ، أو وكيلا ان كان غير مستطيع.
وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ أي واطلبوا أن يشهد لكم شهيدان على الدين.
مِنْ رِجالِكُمْ أي من رجال المؤمنين.
فَإِنْ لَمْ يَكُونا أي ان لم يكن الشهيدان.

(1/3921)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 201
فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ أي فليشهد رجل وامرأتان.
مِمَّنْ تَرْضَوْنَ أي ممن تعرفون عدالتهم.
أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما أي : أن لا تهتدى إحداهما للشهادة بأن تنساها.
وقرىء : ان تضل ، على الشرط.
فَتُذَكِّرَ أي ارادة أن تذكر إحداهما الأخرى ان ضلت.
إِذا ما دُعُوا ليقيموا الشهادة ، أو ليستشهدوا.
تَكْتُبُوهُ الضمير للدين أو الحق.
صَغِيراً أَوْ كَبِيراً أي على أي حال كان الحق من صغر أو كبر.
ويجوز أن يكون الضمير للكتاب ، وأن يكتبوه مختصرا أو مشبعا لا يخلو بكتابته.
إِلى أَجَلِهِ الى وقته الذي اتفق الغريمان على تسميته.
ذلِكُمْ اشارة الى : أن تكتبوه ، لأنه فى معنى المصدر ، أي ذلكم الكتاب.
أَقْسَطُ : أعدل.
وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ أي : وأعون على اقامة الشهادة.
وَ أَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا أي : وأقرب من انتفاء الريب.
حاضِرَةً أي ناجزة.
تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ أي : تعاطيهم إياها يدا بيد.
أي الا أن تتبايعوا بيعا ناجزا يدا بيد فلا بأس أن لا تكتبوه.
وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ أمر بالإشهاد على التبايع مطلقا ، ناجزا أو كالئا ، لأنه أحوط وأبعد مما عسى يقع من الاختلاف.

(1/3922)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 202
و يجوز أن يراد : وأشهدوا إذا تبايعتم هذا التبايع ، يعنى التجارة الحاضرة ، على أن الاشهاد كاف فيه دون الكتابة.
وَ لا يُضَارَّ يحتمل البناء للفاعل والمفعول. والمعنى : نهى الكاتب والشهيد عن ترك الاجابة الى ما يطلب منهما ، وعن التحريف والزيادة والنقصان.
أو النهى عن الضرار بهما بأن يعجلا عن مهم ويلزا.
أو لا يعطى الكاتب حقه من الجعل.
أو يحمل الشهيد مؤونة مجيئه من بلد.
وَ إِنْ تَفْعَلُوا أي وان تضاروا.
فَإِنَّهُ أي فان الضرار.
فُسُوقٌ بِكُمْ أي معصية.
[سورة البقرة (2) : آية 283]
وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)
283 - وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ :
عَلى سَفَرٍ أي مسافرين.
وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً وقرىء : كتابا. وعن ابن عباس قال : أرأيت ان وجدت الكاتب ولم تجد الصحيفة والدواة.
كما قرىء : كتابا ، جمع كاتب.
فَرِهانٌ جمع رهن ، وهو ما يستوثق به. وليس الغرض تجويز الارتهان فى السفر خاصة ولكن السفر لما كان مظنة لإعواز الكتاب والاشهاد ، أمر على سبيل الإرشاد الى حفظ المال من كان على سفر بأن يقيم التوثق بالارتهان مقام التوثق بالكتاب والاشهاد.
فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أي فان أمن بعض الدائنين بعض المديونين لحسن ظنه به.

(1/3923)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 203
فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ حث المديون على أن يكون عند ظن الدائن وأمنه منه وائتمانه له ، وأن يؤدى اليه الحق الذي ائتمنه عليه فلم يرتهن منه.
وسمى الدين أمانة وهو مضمون لائتمانه عليه بترك الارتهان منه.
آثِمٌ خبر : ان.
قَلْبُهُ رفع بقوله آثِمٌ على الفاعلية ، كأنه قيل : فانه يأثم قلبه.
وإذ كان الإثم مقترنا بالقلب أسند اليه.
ويجوز أن يرتفع قَلْبُهُ بالابتداء ، وآثِمٌ خبر مقدم ، والجملة خبر (ان).
[سورة البقرة (2) : الآيات 284 الى 285]
لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)
284 - لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :
وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يعنى من السوء.
فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ أي لمن استوجب المغفرة بالتوبة مما أظهر منه أو أضمره.
وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ لمن استوجب العقوبة بالإصرار.
ولا يدخل فيما يخفيه الإنسان : الوساوس ، وحديث النفس ، لأن ذلك مما ليس فى وسعه الخلو منه ، لكن ما اعتقده وعزم عليه.
285 - آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ :
وَ الْمُؤْمِنُونَ عطف على الرَّسُولُ ، ويكون الضمير الذي التنوين نائب عنه فى كُلٌّ راجع الى : الرسول ، والمؤمنين.
ويصح أن يكون مبتدأ ، ويكون الضمير للمؤمنين.

(1/3924)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 204
و وحد ضمير كُلٌّ فى آمَنَ على معنى : كل واحد منهم آمن.
أَحَدٍ فى معنى الجمع.
سَمِعْنا أي أجبنا.
غُفْرانَكَ منصوب بإضمار فعله.
[سورة البقرة (2) : آية 286]
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)
286 - لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ :
وُسْعَها الوسع : ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه ولا يحرج فيه ، أي لا يكلفها ولا يحملها الا ما يتسع فيه طوقه ويتيسر عليه دون مدى الطاقة والمجهود.
وهذا اخبار عن عدله ورحمته.
لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ أي ينفعها ما كسبت من خير ويضرها ما اكتسبت من شر ، لا يؤاخذ بذنبها غيرها ، ولا يثاب غيرها بطاعتها.
ووصف الشر بالاكتساب ، لأن فى الاكتساب اعتمالا ، فلما كان الشر مما تشتهيه النفس وهى منجذبة اليه وأمارة به ، كانت فى تحصيله أعمل وأجد ، فجعلت لذلك مكتسبة فيه.
ولما لم تكن كذلك فى باب الخير وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال.
لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا أي لا تؤاخذنا بالنسيان والخطأ ان فرط منا.
وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً أي ثقلا.

(1/3925)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 205
كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا أي لا تشدد علينا كما شددت على من كان قبلنا.
وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ أي لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق.
وَ اعْفُ عَنَّا أي عن ذنوبنا.
وَ اغْفِرْ لَنا أي استر علينا ذنوبنا.
وَ ارْحَمْنا أي تفضل برحمة مبتدئا منك علينا.
أَنْتَ مَوْلانا أي ولينا وناصرنا.

(1/3926)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 206
(3) سورة آل عمران
[سورة آل عمران (3) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)
1 - الم :
م ، حقها أن يوقف عليها كما وقف على ألف ولام ، وأن يبدأ بما بعدها.
2 - اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ :
الْحَيُّ أي الذي لا يجوز عليه الفناء.
الْقَيُّومُ وقرىء : القيام ، وكلاهما بمعنى واحد ، أي الذي لا ند له.
3 - نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ :
الْكِتابَ يعنى القرآن.
بِالْحَقِّ أي بالصدق ، وقيل : بالحجة الغالبة ، وهى فى موضع الحال من الْكِتابَ ولا تتعلق بالفعل نَزَّلَ لأنه قد تعدى الى مفعولين أحدهما بحرف جر ولا يتعدى الى ثالث. والباء متعلقة بمحذوف التقدير :
آتيا بالحق.
وإذا كان القرآن قد نزل نجوما ، أي شيئا بعد شىء ، لذلك قال نزل. والتنزيل مرة بعد مرة.
مُصَدِّقاً حال مؤكدة غير منتقلة ، لأنه لا يمكن أن يكون غير مصدق ، أي غير موافق.
لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يعنى من الكتب المنزلة.
وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ قال : أنزل ، لأنهما نزلا دفعة واحدة.

(1/3927)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 207
[سورة آل عمران (3) : الآيات 4 الى 7]
مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (7)
4 - مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ :
مِنْ قَبْلُ يعنى القرآن.
هُدىً لِلنَّاسِ أي هدى للناس المتقين ، وهى فى موضع نصب على الحال.
الْفُرْقانَ : القرآن.
بِآياتِ اللَّهِ من كتبه المنزلة وغيرها.
ذُو انْتِقامٍ له انتقام شديد لا يقدر على مثله منتقم.
5 - إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ :
فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ أي فى العالم فعبر عنه بالسماء والأرض ، فهو مطلع على كفر من كفر وايمان من آمن وهو مجازيهم عليه 6 - هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ :
كَيْفَ يَشاءُ من الصور المختلفة المتفاوتة.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أي لا خالق ولا مصور سواه.
الْعَزِيزُ الذي لا يغالب.
الْحَكِيمُ ذو الحكمة ، أو المحكم.
7 - هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ :
مُحْكَماتٌ : ما عرف تأويلها وفهم معناها وتفسيرها.
مُتَشابِهاتٌ : ما لم يكن لأحد الى علمها سبيل مما استأثر اللّه تعالى بعلمها دون خلقه وذلك مثل وقت الساعة.

(1/3928)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 208
هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ أي أصل الكتاب تحمل المتشابهات عليها وترد إليها.
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ أي ميل ، يعنى أهل البدع.
فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ أي فيتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب اليه المبتدع مما لا يطابق الحكم ويحتمل ما يطابقه من قول أهل الحق.
ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ أي طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم.
وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ أي وطلب أن يؤولوه التأويل الذي يشتهونه.
وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ أي لا يعلم تأويله الحق الذي يجب أن يحمل عليه إلا اللّه وعباده الذين رسخوا فى العلم ، أي ثبتوا فيه وتمكنوا. ويكون قوله يَقُولُونَ حالا من الراسخين ، هذا لمن جعل وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ معطوفا على ما قبله فلا يقف عند قوله اللَّهُ. أما من وقف فيجعل وَالرَّاسِخُونَ مبتدأ ، خبره جملة يَقُولُونَ.
آمَنَّا بِهِ أي بالمتشابه.
كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا أي كل واحد منه ومن المحكم ، أو بالكتاب كل من متشابهه ومحكمه من عند اللّه الحكيم الذي لا يتناقض كلامه ولا يختلف كتابه.
وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ أي ما يقول هذا ويؤمن ويقف حيث وقف ، ويدع اتباع المتشابه إلا ذو لب ، وهو العقل.
وقيل : ان الجملة مدح للراسخين بإلقاء الذهن وحسن التأمل.
[سورة آل عمران (3) : آية 8]
رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)
8 - رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ :

(1/3929)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 209
رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا فى الكلام حذف ، تقديره : يقولون ، أي لا تبتلينا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا ونميل عن الحق.
بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا أي بعد أن أرشدتنا لدينك.
مِنْ لَدُنْكَ من عندك.
رَحْمَةً نعمة بالتوفيق والمعونة.
[سورة آل عمران (3) : آية 9]
رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (9)
9 - رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ :
جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ أي تجمعهم لحساب يوم ، أو لجزاء يوم.
إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ أي ان الالهية تنافى خلف الميعاد.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 10 الى 11]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (11)
10 - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ :
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا باللّه ورسوله.
مِنَ اللَّهِ أي لن تغنى عنهم من رحمة اللّه ، أو من طاعة اللّه.
شَيْئاً أي بدل رحمته وطاعته وبدل الحق.
وقيل : أي لا تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب اللّه شيئا.
11 - كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ :
كَدَأْبِ الدأب : الكدح ، وضع موضع ما عليه الإنسان من شأنه وحاله. والكاف مرفوع المحل ، تقديره دأب هؤلاء الكفرة كدأب من قبلهم من آل فرعون وغيرهم.
ويجوز أن ينتصب محل (الكاف) بقوله لَنْ تُغْنِيَ أو بقوله وَقُودُ.

(1/3930)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 210
أي لن تغنى عنهم مثل ما لم تغن عن أولئك ، أو توقد بهم النار كما توقد بهم.
كَذَّبُوا بِآياتِنا تفسير لدأبهم ما فعل وفعل بهم ، على أنه جواب سؤال مقدر عن حالهم.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 12 الى 13]
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (12) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (13)
12 - قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ :
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هم مشركو مكة.
سَتُغْلَبُونَ يعنى يوم بدر.
وَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ أي وتساقون جميعا الى جهنم.
وَ بِئْسَ الْمِهادُ أي وبئس المستقر.
وقيل : بئس ما مهدتم لأنفسكم ، أي بئس فعلكم الذي أداكم الى جهنم.
13 - قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ :
قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ الخطاب لمشركى قريش.
فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا يوم بدر.
يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ أي يرى المشركون المسلمين مثلى عدد المشركين.
أراهم اللّه إياهم من قتلهم أضعافهم ليهابوهم ويجبنوا عن قتالهم ، وكان ذلك مددا من اللّه لهم ، كما أمدهم بالملائكة.
رَأْيَ الْعَيْنِ أي رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها ، معاينة كسائر المعاينات.
وَ اللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ كما أيد أهل بدر بتكثيرهم فى عين العدو.

(1/3931)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 211
[سورة آل عمران (3) : آية 14]
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)
14 - زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ :
زُيِّنَ لِلنَّاسِ المزين هو اللّه تعالى ، للابتلاء.
وقيل : المزين ، هو الشيطان ، وتزيينه انما هو بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها. وتزيين اللّه تعالى انما هو بالإيجاد والتهيئة للانتفاع وإنشاء الجبلة على الميل الى هذه الأشياء.
حُبُّ الشَّهَواتِ جعل الأعيان التي ذكرها بعد شهوات مبالغة فى كونها مشتهاة محروصا على الاستمتاع بها.
و الوجه أن يقصد تخسيسها فيسميها شهوات ، لأن الشهوة مسترذلة عند الحكماء مذموم من اتبعها شاهد على نفسه بالبهيمية ، وقال زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ ثم جاء بالتفسير ليقرر أولا فى النفوس أن المزين لهم حبه ما هو الا شهوات لا غير ، ثم يفسره بهذه الأجناس ، فيكون أقوى لتخسيسها وأدل على ذم من يستعظمها ويتهالك عليها ويرجع طلبها على طلب ما عند اللّه.
وَ الْقَناطِيرِ جمع قنطار ، وزن معروف ، يريد الكثير.
الْمُقَنْطَرَةِ للتوكيد ، كما يقال : ألف مؤلفة.
الْمُسَوَّمَةِ : المعلمة ، أو المطهمة ، أو المرعية.
وَ الْأَنْعامِ : كل ما يرعى.
وَ الْحَرْثِ أي الزرع.
ذلِكَ المذكور.
مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي ما يتمتع به فيها ثم يذهب ولا يبقى.
وهذا منه تعالى تزهيد فى الدنيا وترغيب فى الآخرة.
وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ابتداء وخبر. والمآب : المرجع.

(1/3932)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 212
يشير الى تقليل الدنيا وتحقيرها ، والترغيب فى حسن المرجع الى اللّه تعالى فى الآخرة.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 15 الى 17]
قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17)
15 - قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ :
مِنْ ذلِكُمْ منتهى الاستفهام.
لِلَّذِينَ اتَّقَوْا خبر مقدم.
جَنَّاتٌ رفع بالابتداء. وفى هذا دلالة على ما هو خير من ذلكم.
وقيل : منتهى الاستفهام عِنْدَ رَبِّهِمْ. و(جنات) على هذا رفع بابتداء مضمر تقديره : ذلك جنات.
ويجوز على هذا التأويل (جنات) بالخفض بدلا من (خير).
وَ رِضْوانٌ مصدر من : الرضا.
وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ أي يثيب ويعاقب على الاستحقاق.
أو بصير بالذين اتقوا وبأحوالهم فلذلك أعد لهم جنات.
16 - الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ :
الَّذِينَ يَقُولُونَ نصب على المدح ، أو رفع ، ويجوز الجر صفة (للمتقين) أو (للعباد).
17 - الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ :
الواو المتوسطة بين الصفات للدلالة على كمالهم فى كل واحدة منها.
الصَّابِرِينَ أي عن المعاصي والشهوات. وقيل : على الطاعات.
وَ الصَّادِقِينَ أي فى الأفعال والأقوال.

(1/3933)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 213
وَ الْقانِتِينَ أي الطائعين.
وَ الْمُنْفِقِينَ يعنى فى سبيل اللّه.
بِالْأَسْحارِ لأنهم كانوا يقدمون قيام الليل فيحسن طلب الحاجة بعده.
وقيل : كانوا يصلون فى أول الليل حتى إذا كان السحر أخذوا فى الدعاء والاستغفار ، هذا نهارهم ، وهذا ليلهم.
والسحر : من حين يدبر الليل الى أن يطلع الفجر الثاني.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 18 الى 19]
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19)
18 - شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ :
شَهِدَ اللَّهُ أي بين وأعلم.
قائِماً نصب على الحال المؤكدة من اسمه تعالى فى قوله شَهِدَ اللَّهُ أو من قوله إِلَّا هُوَ.
وقيل : هو منصوب على القطع ، كان أصله (القائم) فلما قطعت الألف واللام نصب.
بِالْقِسْطِ أي مقيما للعدل فيما يقسم من الأرزاق والآجال ، ويثيب ويعاقب وما يأمر به عباده من إنصاف بعضهم البعض والعمل على السوية.
فيما بينهم.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ كرر ، لأن الأولى حلت محل الدعوى ، والشهادة الثانية حلت محل الحكم.
وقيل : الأول وصف وتوحيد ، والثانية رسم وتعليم ، يعنى : قولوا لا إله إلا اللّه العزيز الحكيم.
19 - إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ :
إِنَّ الدِّينَ يعنى الطاعة والملة.

(1/3934)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 214
جملة مستأنفة مؤكدة للجملة الأولى.
وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أي اليهود والنصارى ، يعنى فى نبوة محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ يعنى بيان صفته ونبوته فى كتبهم.
بَغْياً نصب على المعقول من أجله ، أو على الحال من الَّذِينَ.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 20 الى 21]
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (21)
20 - فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ :
فَإِنْ حَاجُّوكَ أي جاءوك بالأقاويل المزورة والمغالطات.
فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ فأسند أمرك الى ما كلفت من الايمان والتبليغ وعلى اللّه نصرك. ووجهى أي ذاتى. وقيل : الوجه : القصد.
وَ مَنِ اتَّبَعَنِ من ، فى محل رفع عطفا على التاء فى قوله أَسْلَمْتُ ، أي : ومن اتبعن أسلم أيضا. وجاز العطف على الضمير المرفوع من غير تأكيد للفصل بينهما.
وَ قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ، يعنى اليهود والنصارى.
وَ الْأُمِّيِّينَ الذين لا كتاب لهم ، وهم مشركو العرب.
أَ أَسْلَمْتُمْ استفهام معناه التقرير وفى ضمنه الأمر ، أي أسلموا.
وقيل : أأسلمتم ، تهديد.
فَقَدِ اهْتَدَوْا بالماضي ، مبالغة فى الاخبار بوقوع الهدى لهم وتحصيله.
الْبَلاغُ أي انما عليك أن تبلغ.
21 - إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ :

(1/3935)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 215
بِالْقِسْطِ أي بالعدل.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 22 الى 25]
أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (22) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25)
22 - أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ :
حَبِطَتْ أي خسرت.
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لأن لهم اللعن والخزي فى الدنيا والعذاب فى الآخرة.
23 - أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ :
أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يريد أحبار اليهود ، وأنهم حصلوا نصيبا وافرا من التوراة. و(من) للتبعيض أو للبيان.
يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ هو التوراة.
لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذا ما تبينوا ما فيه.
ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ أي يعرض ، وفيه استبعاد لتوليهم بعد علمهم بأن الرجوع الى كتاب اللّه واجب.
وَ هُمْ مُعْرِضُونَ أي وهم قوم لا يزال الاعراض دينهم.
24 - ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ :
ذلِكَ أي التولي والاعراض بسبب تسهيلهم على أنفسهم أمر العقاب وطمعهم فى الخروج من النار بعد أيام قلائل.
وَ غَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ من أن آباءهم هم الأنبياء يشفعون لهم كما غرت أولئك شفاعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم فى كبائرهم.
25 - فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ :

(1/3936)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 216
فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ فكيف يصنعون ، فكيف تكون حالهم. وهو استعظام لما أعد لهم وتهويل لهم وأنهم يقعون فيما لا حيلة لهم فى دفعه والمخلص منه ، وأن ما حدثوا به أنفسهم وسهلوه عليها تعلل باطل وتطمع بما لا يكون.
وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ يرجع الى كُلُّ نَفْسٍ على المعنى ، لأنه فى معنى كل الناس.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 26 الى 27]
قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (27)
26 - قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :
اللَّهُمَّ الميم عوض عن (يا) ولذلك لا يجتمعان.
مالِكَ الْمُلْكِ أي تملك جنس الملك تتصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكون.
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ أي تعطى من تشاء النصيب الذي قسمته له واقتضته حكمتك من الملك.
وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ النصيب الذي أعطيته منه.
فالملك الأول عام وشامل. والملكان الآخران خاصان بعضان من الكل.
بِيَدِكَ الْخَيْرُ ذكر الخير دون الشر ، لأن الكلام انما وقع فى الخير الذي يسوقه اللّه الى المؤمنين وهو الذي أنكره الكفرة ، فقال : بيدك الخير تؤتيه أولياءك على الرغم من أعدائك ولأن كل أفعال العباد من نافع وضار صادر عن الحكمة والمصلحة فهو خير كله ، كإيتاء الملك ونزعه.
27 - تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ :
ثم ذكر قدرته الباهرة بذكر حال الليل والنهار فى المعاقبة بينهما ، وحال الحي والميت فى إخراج أحدهما من الآخر ، وعطف عليه رزقه بغير حساب ، على أن من قدر على تلك الأفعال العظيمة المحيرة للأفهام ، ثم قدر أن يرزق

(1/3937)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 217
من يشاء من عباده بغير حساب ، فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم ويذلهم ويؤتيه العرب ويعزهم.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 28 الى 29]
لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)
28 - لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ :
نهوا أن يوالوا الكافرين لقرابة بينهم أو صداقة قبل الإسلام أو غير ذلك من الأسباب التي يتصادق ويتعاشر عليها.
إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً أي الا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه.
وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه وهذا وعيد شديد.
ويجوز أن يضمن تَتَّقُوا معنى : تحذروا وتخافوا فيتعدى بالحرف (من) وينتصب تُقاةً على المصدر.
وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ أي والى جزاء اللّه المصير وفيه اقرار بالبعث.
29 - قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :
إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ من ولاية الكفار وغيره مما لا يرضى اللّه.
يَعْلَمْهُ اللَّهُ فلا يخفى عليه سركم وعلنكم.
وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فهو قادر على عقوبتكم ، وهذا بيان لقوله :
و يحذركم اللّه نفسه ، لأن نفسه وهى ذاته المميزة من سائر الذوات متصفة بعلم ذاتى لا يختص بمعلوم دون معلوم فهى متعلقة بالمعلومات كلها وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور دون مقدور ، فهى قادرة على المقدورات كلها ، فكان حقها أن تحذر وتتقى فلا يجسر أحد على قبيح ، ولا يقصر عن واجب ، فان ذلك مطلع عليه لا محالة ، فلا حق به العقاب.

(1/3938)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 218
[سورة آل عمران (3) : الآيات 30 الى 31]
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)
30 - يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ :
يَوْمَ تَجِدُ منصوب بالفعل تَوَدُّ.
ويجوز أن ينتصب يَوْمَ بمضمر ، نحو : اذكر ، ويقع على ما عملت وحده ، أي يقع فعل الوجدان على ما عَمِلَتْ من خير وحده.
وَ ما عَمِلَتْ يرتفع على الابتداء.
تَوَدُّ خبره. أي والذي عملته من سوء هى تود لو تباعد ما بينها وبينه.
ولا يصح أن تكون (ما) شرطية ، لارتفاع تَوَدُّ.
ويجوز أن يعطف وَما عَمِلَتْ على ما عَمِلَتْ ويكون تَوَدُّ حالا أي يوم تجد عملها محضرا وادّة تباعد ما بينها وبين اليوم ، أو عمل السوء محضرا.
وَ بَيْنَهُ الضمير لليوم ، أي يوم القيامة حين تجد كل نفس خيرها وشرها حاضرين ، تتمنى لو أن بينها وبين ذلك اليوم وهوله أمدا بعيدا.
وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ليكون على بال منهم لا يغفلون عنه.
وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ يعنى أن تحذيره نفسه وتعريفه حالها من العلم والقدرة من الرأفة العظيمة بالعباد ، لأنهم إذا عرفوه حق المعرفة وحذروه.
دعاهم ذلك الى طلب رضاه واجتناب سخطه.
وقيل : من رأفته بهم أن حذرهم نفسه.
وقيل : انه مع كونه محذورا لعلمه وقدرته ، مرجو لسعة رحمته.
31 - قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ :

(1/3939)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 219
تُحِبُّونَ اللَّهَ محبة العباد اللّه مجاز عن ارادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره ورغبتهم فيها. ومحبة اللّه عباده أن يرضى عنهم ويحمد فعلهم.
والمعنى : ان كنتم مريدين لعبادة اللّه على الحقيقة.
فَاتَّبِعُونِي حتى يصح ما تدعونه من ارادة عبادته.
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ يرض عنكم ويغفر لكم.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 32 الى 34]
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32) إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)
32 - قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ :
فَإِنْ تَوَلَّوْا يحتمل أن يكون ماضيا ، وأن يكون مضارعا ، بمعنى :
فان تتولوا ، ويدخل فى جملة ما يقول الرسول لهم.
33 - إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ :
اصْطَفى : اختار.
آلَ إِبْراهِيمَ إسماعيل وإسحاق وأولادهما.
وَ آلَ عِمْرانَ ابنا عمران بن يصهر.
وقيل : عيسى ومريم بنت عمران بن ماثان.
34 - ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ :
ذُرِّيَّةً بدل من آل ابراهيم وآل عمران.
بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ يعنى أن الآلين ذرية واحدة متسلسلة بعضها تتشعب من بعض : موسى وهارون من عمران ، وعمران من يصهر ، ويصهر من قاهث ، وقاهث من لاوى ، ولاوى من يعقوب ، ويعقوب من إسحاق.
وكذلك عيسى بن مريم بنت عمران بن ماثان بن سليمان بن داود بن ايشا بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق.
وقيل : بعضها من بعض فى الدين.

(1/3940)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 220
وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يعلم من يصلح للاصطفاء ، أو يعلم أن بعضهم من بعض فى الدين ، أو سميع عليم لقول امرأة عمران وبنتها.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 35 الى 36]
إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36)
35 - إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ :
إِذْ منصوب بقوله سَمِيعٌ عَلِيمٌ. وقيل بإضمار : اذكر.
امْرَأَتُ عِمْرانَ هى امرأة عمران بن ماثان ، أم مريم البتول ، جدة عيسى عليه السّلام.
وقوله إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ على أثر قوله آلَ عِمْرانَ مما يرجح أن عمران ، هو عمران بن ماثان ، جد عيسى.
وقد تزوج زكريا بن آذان ، بنت عمران بن ماثان ، وهى أخت مريم ، واسمها ايشاع ، فولدت له يحيى فكان يحيى وعيسى ابني خالة.
مُحَرَّراً معتقا لخدمة بيت المقدس ، لا يتولى عليه ولا أستخدمه ولا أشغله بشىء.
وكان هذا النوع من النذر مشروعا عندهم.
وقيل : محررا ، أي مخلصا للعبادة. وما كان التحرير الا للغلمان.
36 - فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ :
فَلَمَّا وَضَعَتْها الضمير لما فِي بَطْنِي وانما أنث على المعنى ، لأن ما فى بطنها كان أنثى فى علم اللّه. أو على تأويل الحبلة أو النفس أو النسمة.
أُنْثى حال من الضمير فى وَضَعَتْها ، وهو كقولك : وضعت الأنثى أنثى. والأصل : وضعته أنثى ، وانما أنث لتأنيث الحال ، لأن الحال وذا الحال لشىء واحد.

(1/3941)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 221
و لقد قالت ما قالت إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى تحسرا على ما رأت من خيبة رجائها وعكس تقديرها فتحزنت الى ربها لأنها كانت ترجو وتقدر أن تلد ذكرا ، ولذلك نذرته محررا للسدانة.
وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ أي بالشيء الذي وضعت وما علق به من عظائم الأمور ، وأن يجعله وولده آية للعالمين ، وهى جاهلة بذلك لا تعلم منه شيئا ، فلذلك تحسرت.
وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى بيان لما فى قوله وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ من التعظيم للموضوع والرفع منه.
والمعنى : وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت لها. واللام فيهما للعهد.
وَ إِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ عطف على إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وما بينهما جملتان معترضتان. ومريم ، بمعنى : العابدة. ولهذا أتبعته بطلب الإعاذة لها ولولدها من الشيطان الرجيم.
[سورة آل عمران (3) : آية 37]
فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37)
37 - فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ :
فَتَقَبَّلَها رَبُّها فرضى بها فى النذر مكان الذكر ، أو فاستقبلها.
بِقَبُولٍ حَسَنٍ قد يكون القبول اسم ما تقبل به الشيء ، وهو اختصاصه لها بإقامتها مقام الذكر فى النذر ، ولم يقبل قبلها أنثى فى ذلك ، أو بأن تسلمها من أمها عقب الولادة قبل أن تنشأ وتصلح للسدانة.
وقد يكون القبول مصدرا على تقدير حذف المضاف ، بمعنى :
فتقبلها بذي قبول حسن ، أي بأمر ذى قبول حسن ، وهو الاختصاص.
وَ أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً مجاز عن التربية الحسنة العائدة عليها بما يصلحها فى جميع أحوالها.

(1/3942)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 222
وَ كَفَّلَها زَكَرِيَّا الفعل للّه تعالى ، أي وضمها الى زكريا وجعله كافلا لها وضامنا لمصالحها.
الْمِحْرابَ : أشرف المجالس ومقدمها ، كأنها وضعت فى أشرف موضع فى بيت المقدس.
وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً أي طعاما.
أَنَّى لَكِ هذا أي من أين لك هذا الرزق والأبواب مغلقة عليك لا سبيل للداخل به إليك.
قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فلا تستبعد.
إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ من كلام مريم عليها السلام ، أو من كلام رب العزة ، عز من قائل.
بِغَيْرِ حِسابٍ ، أي بغير تقدير ، لكثرته ، أو تفضلا بغير محاسبة ولا مجازاة على عمل بحسب الاستحقاق.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 38 الى 39]
هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)
38 - هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ :
هُنالِكَ فى ذلك المكان حيث هو قاعد عند مريم فى المحراب ، أو فى ذلك الوقت لما رأى حال مريم فى كرامتها على اللّه ومنزلتها رغب فى أن يكون له من ايشاع مثل ولد أختها.
ذُرِّيَّةً ولدا. والذرية يقع على الواحد والجمع ، وكانت ايشاع عجوزا عاقرا كأختها.
سَمِيعُ الدُّعاءِ مجيبه.
39 - فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ :
فَنادَتْهُ وقرىء : فناداه.
الْمَلائِكَةُ على ارادة المفرد ، وهو جبريل عليه السّلام.

(1/3943)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 223
أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ أن ، بالفتح على تقدير : بأن اللّه ، وبالكسر على ارادة القول ، أو لأن النداء نوع من القول.
مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ أي بعيسى مؤمنا به. قيل : وهو أول من آمن به.
وَ حَصُوراً الحصور : الذي لا يقرب النساء حصرا لنفسه ، أي منعا لها من الشهوات.
وقيل : هو الذي لا يدخل مع القوم فى الميسر ، فاستعير لمن لا يدخل فى اللعب واللهو.
مِنَ الصَّالِحِينَ أي ناشئا من الصالحين ، لأنه كان من أصلاب الأنبياء ، أو كائنا من جملة الصالحين.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 40 الى 41]
قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (40) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (41)
40 - قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ :
أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ استبعاد ، من حيث العادة.
وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ أي أثر فىّ الكبر فأضعفنى.
كَذلِكَ أي يفعل اللّه ما يشاء من الأفعال العجيبة مثل ذلك الفعل ، وهو خلق الولد بين الشيخ الفاني والعجوز العاقر.
أو كَذلِكَ اللَّهُ مبتدأ وخبره ، أي يفعل ما يريد من الأفاعيل الخارقة للعادات.
41 - قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ :
اجْعَلْ لِي آيَةً علامة أعرف بها الحبل لأتلقى النعمة إذا جاءت بالشكر.
قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ : ألا تقدر على تكليم الناس. وانما خص

(1/3944)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 224
تكليم الناس ليعلمه أنه يحبس لسانه عن القدرة على تكليمهم خاصة ، مع ابقاء قدرته على التكليم بذكر اللّه ، ولذلك قال :
إِلَّا رَمْزاً حال منه ومن الناس ، أي الا مترامزين ، كما يكلم الناس الأخرس بالاشارة ويكلمهم. والرمز وان كان ليس من جنس الكلام الا أنه يؤدى مؤدى الكلام ويفهم منه ما يفهم منه ، لذا سمى كلاما ، وصح الاستثناء.
ويجوز أن يكون استثناء منقطعا.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 42 الى 44]
وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (42) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)
42 - وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ :
يا مَرْيَمُ يقال ان التكليم كان شفاها إرهاصا لنبوة عيسى.
اصْطَفاكِ أولا حين تقبلك من أباك ورباك واختصك بالكرامة السنية.
وَ طَهَّرَكِ مما يستقذر من الأفعال ومما قرفك به اليهود.
وَ اصْطَفاكِ آخرا.
عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ بأن وهب لك عيسى من غير أب ، ولم يكن ذلك لأحد من النساء.
43 - يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ :
اقْنُتِي وَاسْجُدِي أمر بالصلاة ، فالقنوت والسجود من هيئات الصلاة وأركانها.
وَ ارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ أي لتكن صلاتك مع المصلين وفى عدادهم.
44 - ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ :
ذلِكَ اشارة الى ما سبق من نبأ زكريا ويحيى ومريم وعيسى عليهم السلام.

(1/3945)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 225
نُوحِيهِ إِلَيْكَ أي إن ذلك من الغيوب التي لا تعرفها الا بالوحى.
وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ أي شاهدهم.
إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ إذ يطرحون أقلام. والأقلام : الأزلام ، وهى قداحهم التي طرحوها مقترعين أيهم يَكْفُلُ مَرْيَمَ متعلق بمحذوف دل عليه يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ ، كأنه قيل : يلقونها ينظرون أيهم يكفل ، أو ليعلموا.
إِذْ يَخْتَصِمُونَ فى شأنها تنافسا فى التكفل بها.
[سورة آل عمران (3) : آية 45]
إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)
45 - إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ :
إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ بدل من قوله إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ.
ويجوز أن يبدل من إِذْ يَخْتَصِمُونَ على أن الاختصام والبشارة وقعا فى زمان واسع.
بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ذكر ضميرها لأن المسمى بها ذكر.
الْمَسِيحُ بالعبرانية : مشيحا ، بمعنى : المبارك.
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إعلام بنسبه إليها إذ الأبناء ينسبون الى الآباء لا الى الأمهات فأعلمت بنسبته إليها أنه يولد من غير أب فلا ينسب الا الى أمه.
وقال : المسيح عيسى بن مريم ، فذكر ثلاثة أشياء ، الاسم منها :
عيسى ، وأما المسيح والابن ، فلقب وصفة ، ليشير الى أن الذي يعرف به ويتميز ممن سواه مجموع هذه الثلاثة.
وَجِيهاً حال من بِكَلِمَةٍ. والوجاهة فى الدنيا : النبوة والتقدم على الناس ، وفى الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة فى الجنة.
وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ حال أخرى من كلمة يعنى رفعه الى السماء.

(1/3946)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 226
[سورة آل عمران (3) : الآيات 46 الى 49]
وَ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)
46 - وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ :
وَ يُكَلِّمُ النَّاسَ حال ثالثة من كلمة.
فِي الْمَهْدِ المهد : ما يمهد للصبى من مضجعه ، سمى بالمصدر.
وفى المهد ، فى محل النصب على الحال.
وَ كَهْلًا عطف عليه ، بمعنى : ويكلم الناس طفلا وكهلا ، أي يكلم الناس فى هاتين الحالتين كلام الأنبياء. والكهل ما بين حال الغلومة وحال الشيخوخة.
وَ مِنَ الصَّالِحِينَ حال رابعة من كلمة أي يبشرك به موصوفا بهذه الصفات : وجيها ، ومن المقربين ، ويكلم الناس ، ومن الصالحين.
47 - قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ :
رَبِّ نداء لجبرئيل عليه السلام ، بمعنى : يا سيدى.
وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ أي بنكاح.
48 - وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ :
وَ يُعَلِّمُهُ عطف على يُبَشِّرُكِ ، أو على وَجِيهاً أو على يَخْلُقُ أو هو كلام مبتدأ.
الْكِتابَ أي الكتابة. وقيل : كتاب غير التوراة والإنجيل.
49 - وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ :
وَ رَسُولًا حال للضمير فى وَيُعَلِّمُهُ فى الآية السابقة.
أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ على إضمار (وأرسلت) على ارادة القول ،

(1/3947)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 227
تقديره : ونعلمه الكتاب والحكمة ، ويقول : أرسلت رسولا بأنى قد جئتكم.
أو على أن الرسول فيه معنى النطق ، فكأنه قيل : وناطقا بأنى قد جئتكم.
أَنِّي أَخْلُقُ نصب ، بدل من أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ أو جزء بدل من آية أو رفع على : هى أنى أخلق. وقرىء بالكسر على الاستئناف.
كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ أي أقدر لكم شيئا على صورة الطير.
فَأَنْفُخُ فِيهِ الضمير للكاف ، أي فى ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير.
فَيَكُونُ طَيْراً أي فيصير طيرا كسائر الطيور حيا.
الْأَكْمَهَ الذي ولد أعمى.
بِإِذْنِ اللَّهِ التكرير دفعا لو هم من توهم فى عيسى الألوهية.
[سورة آل عمران (3) : آية 50]
وَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50)
50 - وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ :
وَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ على إضمار (وأرسلت) على ارادة القول ، تقديره ، ونعلمه الكتاب والحكمة ، ويقول : أرسلت رسولا بأنى قد جئتكم ، ومصدقا لما بين يدى.
ويجوز أن يكون ردا على قوله بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أي جئتكم بآية وجئتكم مصدقا.
أو على أن المصدق فيه معنى النطق ، فكأنه قيل : وناطقا بأنى أصدق ما بين يدى. وما حرم عليهم فى شريعة موسى : الشحوم ، ولحوم الإبل ، والسمك ، وكل ذى ظفر ، فأحل لهم عيسى بعض ذلك.
وَ لِأُحِلَّ رد على قوله بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ، أي جئتكم بآية من ربكم ولأحل لكم.
حُرِّمَ عَلَيْكُمْ قرىء (حرم) على تسمية الفاعل ، وهو لِما بَيْنَ

(1/3948)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 228
يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ
أو اللّه عز وجل ، أو موسى عليه السّلام ، لأن ذكر التوراة دل عليه.
وَ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ شاهدة على صحة رسالتى وهى قوله إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ لأن جميع الرسل كانوا على هذا القول لم يختلفوا فيه.
فَاتَّقُوا اللَّهَ لما جئتكم به من الآيات.
وَ أَطِيعُونِ فيما أدعوكم اليه.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 51 الى 52]
إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)
51 - إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ :
إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ على الابتداء. وقرىء بالفتح على البدل من آية وقوله فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ اعتراض.
ويجوز أن يكون المعنى : وجئتكم بآية على أن اللّه ربى وربكم فاعبدوه.
52 - فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ :
فَلَمَّا أَحَسَّ أي فلما علم.
الْكُفْرَ علما لا شبهة فيه كعلم ما يدرك بالحواس.
إِلَى اللَّهِ من صلة أَنْصارِي متضمنا معنى الاضافة ، كأنه قيل :
من الذين يضيفون أنفسهم الى اللّه ينصروننى كما ينصرنى.
أو هو متعلق بمحذوف حالا من الياء ، أي من أنصارى ذاهبا إلى اللّه ملتجئا اليه.
الْحَوارِيُّونَ حوارى الرجل : صفوته وخالصته.
نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ أي أنصار دينه ورسوله.
وَ اشْهَدْ طلبوا شهادته بإسلامهم تأكيدا لايمانهم ، لأن الرسل يشهدون يوم القيامة لقومهم وعليهم.

(1/3949)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 229
[سورة آل عمران (3) : الآيات 53 الى 56]
رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (54) إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56)
53 - رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ :
مَعَ الشَّاهِدِينَ أي مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم ، أو مع الذين يشهدون بالوحدانية.
54 - وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ :
وَ مَكَرُوا أي كفار بنى إسرائيل الذين أحس منهم الكفر ، ومكرهم أنهم وكلوا به من يقتله غيلة.
وَ مَكَرَ اللَّهُ أن رفع عيسى الى السماء وألقى شبهه على من أراد اغتياله حتى قتل.
وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ أي أقوالهم مكرا ، وأنفذهم كيدا ، وأقدرهم على العقاب ، من حيث لا يشعر المعاقب.
55 - إذ قال الله يا عيسى إنى متوفاك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون :
إِذْ قالَ اللَّهُ ظرف لخير الماكرين ، أو لمكر اللّه. أو مَكَرُوا.
إنى متوفاك أي مستوفى أجلك وعاصمك من أن يقتلك الكفار ، ومؤخرك الى أجل كتبته لك. وقيل : متوفيك أي قابضك من الأرض.
وَ رافِعُكَ إِلَيَّ أي الى سمائى.
وَ مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا من سوء جوارهم وخبث صحبتهم.
فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ يعلونهم بالحجة.
فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فأجازى كلا بما فعل ، ان خيرا فخير ، وان شرا فشر. وسيأتى تفصيل هذا فى الآية التالية :
56 - فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ :

(1/3950)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 230
وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ أي من يدفع عنهم ما ينالهم فى الدنيا من سوء ولا ما سوف يلقون فى الآخرة من عذاب.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 57 الى 59]
وَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)
57 - وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ :
وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ أي أجرا غير منقوص فاللّه لا يحب أن يظلم انسان أجره.
58 - ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ :
ذلِكَ اشارة الى ما سبق من نبأ عيسى وغيره ، وهو مبتدأ ، خبره نَتْلُوهُ.
مِنَ الْآياتِ خبر بعد خبر ، أو خبر مبتدأ محذوف.
ويجوز أن يكون ذلِكَ بمعنى : الذي. ونتلوه ، صلته. ومن الآيات ، الخبر.
ويجوز أن ينتصب ذلِكَ بمضمر تفسيره : نتلوه.
وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ القرآن ، وصف بصفة من هو سببه ، أو كأنه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه.
59 - إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ :
إِنَّ مَثَلَ عِيسى ان شأن عيسى وحاله الغريبة كشأن آدم.
خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ جملة مفسرة لما له شبه عيسى بآدم ، أي خلق آدم من تراب ، ولم يكن ثمة أب ولا أم ، وكذلك حال عيسى.
وصح تشبيهه به ، وقد وجد هو من غير أب ، ووجد آدم من غير أب وأم ، لأنه مثيله فى أحد الطرفين ، فلا يمنع اختصاصه دونه بالطرف الآخر من تشبيهه به ، لأن المماثلة مشاركة فى بعض الأوصاف ، وهو قد

(1/3951)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 231
شبه به لأنه وجد وجودا خارجا عن العادة المستمرة ، وهما فى ذلك نظيران ، ولأن الوجود من غير أب وأم أغرب وأخرق للعادة من الوجود بغير أب ، فشبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه.
خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ قدره جسدا من طين.
ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ أي أنشأه بشرا.
فَيَكُونُ حكاية حال ماضية.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 60 الى 61]
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (61)
60 - الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ :
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ خبر مبتدأ محذوف ، أي هو الحق.
فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ونهيه عن الامتراء ، وجل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم أن يكون ممتريا ، من باب التهييج لزيادة الثبات والطمأنينة ، وأن يكون لطفا بغيره.
61 - فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ :
فَمَنْ حَاجَّكَ من النصارى.
فِيهِ أي فى عيسى.
مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أي من البينات الموجبة للعلم.
تَعالَوْا هلموا والمراد المجيء بالرأى والعزم.
نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ أي يدعو كل منى ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه الى المباهلة.
ثُمَّ نَبْتَهِلْ بأن نقول : بهلة اللّه على الكافرين منا ومنكم. والبهلة ، بالفتح وبالضم : اللعنة.

(1/3952)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 232
[سورة آل عمران (3) : الآيات 62 الى 64]
إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)
62 - إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ :
إِنَّ هذا الذي قص عليك من نبأ عيسى.
لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ هو ، ضمير فصل بين اسم (ان وخبرها) ، وقد يكون مبتدأ ، والقصص الحق ، خبره ، والجملة خبر إِنَّ.
وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ رد على النصارى فى تثليثهم.
63 - فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ :
تَوَلَّوْا أعرضوا.
عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ : وعيد لهم بالعذاب.
64 - قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ :
يا أَهْلَ الْكِتابِ هم أهل الكتابين. وقيل : وفد نجران. وقيل :
يهود المدينة.
سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ مستوية بيننا وبينكم لا يختلف فيها القرآن والتوراة والإنجيل.
أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ : تفسير قوله كَلِمَةٍ.
فَإِنْ تَوَلَّوْا فإن أعرضوا.
فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ أي لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعترفوا وتسلموا بأنا مسلمون دونكم.
ويجوز أن يكون من باب التعريض ، ومعناه : اشهدوا واعترفوا بأنكم كافرون حيث توليتم عن الحق بعد ظهوره.

(1/3953)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 233
[سورة آل عمران (3) : الآيات 65 الى 67]
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (65) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (66) ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)
65 - يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ :
زعم كل فريق من اليهود والنصارى أن ابراهيم كان منهم ، وجادلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم والمؤمنين فيه ، فقيل لهم : ان اليهودية انما حدثت بعد نزول التوراة ، والنصرانية بعد نزول الإنجيل ، وبين ابراهيم وموسى ألف سنة ، وبينه وبين عيسى ألفان ، فكيف يكون ابراهيم على دين لم يحدث الا بعد عهده بأزمنة متطاولة.
أَ فَلا تَعْقِلُونَ حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال.
66 - ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ :
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ ها ، للتنبيه. وأنتم ، مبتدأ. وهؤلاء : خبره.
وقيل : ها أنتم ، أي : أأنتم ، على الاستفهام. فقلبت الهمزة. هاء ، ومعنى الاستفهام : التعجب من حماقتهم. وقيل : هؤلاء ، بمعنى :
الذين ، وحاجَجْتُمْ صلته.
حاجَجْتُمْ جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى. يعنى : أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى ، وبيان حماقتكم وقلة عقولكم أنكم جادلتم :
فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ مما نطق به التوراة والإنجيل.
فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ولا ذكر له فى كتابيكم من دين ابراهيم.
وَ اللَّهُ يَعْلَمُ علم ما حاججتم به.
وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ جاهلون به.
67 - ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ :

(1/3954)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 234
ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا يعلمهم أن ابراهيم برىء من دينكم وما كان الا حنيفا مسلما.
وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كما لم يكن منكم. أو أراد بالمشركين اليهود والنصارى لا شراكهم به عزيرا والمسيح.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 68 الى 71]
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (69) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)
68 - إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ :
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ أي إن أخصهم به وأقربهم منه.
لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فى زمانه وبعده.
وَ هذَا النَّبِيُّ خصوصا. وقرىء : وهذا النبي ، بالنصب عطفا على الهاء فى اتَّبَعُوهُ أي : اتبعوه واتبعوا هذا النبي ، كما قرىء بالجر ، عطفا على إِبْراهِيمُ.
وَ الَّذِينَ آمَنُوا من أمته.
69 - وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ :
وَدَّتْ طائِفَةٌ هم اليهود.
وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ أي وما يعود وبال الإضلال الا عليهم ، لأن العذاب يضاعف لهم بضلالهم واضلالهم.
70 - يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ :
بِآياتِ اللَّهِ بالتوراة والإنجيل ، وكفرهم بها أنهم لا يؤمنون بما نطقت به من صحة نبوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم وغيرها ، أو تكفرون بالقرآن ودلائل نبوة الرسول.
وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ وأنتم تعترفون أنها آيات اللّه.
71 - يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ :

(1/3955)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 235
تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ أي تخلطون. وقرىء : تلبسون ، بفتح الباء ، أي تلبسون الحق مع الباطل.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 72 الى 73]
وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (73)
72 - وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ :
وَجْهَ النَّهارِ : أوله. والمعنى : أظهروا الايمان بما أنزل على المسلمين فى أول النهار.
وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ أي واكفروا به فى آخره ، لعلهم يشكون فى دينهم ويقولون : ما رجعوا وهم أهل كتاب وعلم الا الأمر قد تبين لهم.
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فيرجعون برجوعكم.
73 - وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ :
وَ لا تُؤْمِنُوا متعلق بقوله أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ وما بينهما اعتراض. أي :
و لا تظهروا ايمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم الا لأهل دينكم دون غيرهم. أي أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتاب اللّه مثل ما أوتيتم ، ولا تفشوه الا الى أشياعكم وحدهم دون المسلمين لئلا يزيدهم ثباتا ، ودون المشركين لئلا يدعوهم الى الإسلام.
أَنْ يُؤْتى أي لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبرتموه لا لشىء آخر ، يعنى أن ما بكم من الحسد والبغي أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من فضل العلم والكتاب ، دعاكم الى أن قلتم ما قلتم.
و يجوز أن يكون هُدَى اللَّهِ بدلا من الْهُدى ، وأَنْ يُؤْتى أَحَدٌ خبر إِنَّ. ويكون المعنى : قل ان هدى اللّه أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم حتى يحاجوكم عند ربكم فيقرعوا باطلكم بحقهم ويدحضوا حجتكم.

(1/3956)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 236
و قرىء : ان يؤتى أحد ، على أن (إن) النافية ، وهو متصل بكلام أهل الكتاب ، أي ولا تؤمنوا الا لمن تبع دينكم وقولوا لهم : ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم حتى يحاجوكم عند ربكم ، بمعنى : ما يؤتون مثله فلا يحاجونكم.
ويجوز أن ينتصب أَنْ يُؤْتى بفعل مضمر يدل عليه قوله وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ. كأنه قيل : قل ان الهدى هدى اللّه فلا تنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، لأن قوله وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ انكار لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم.
أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ عطف على أَنْ يُؤْتى والضمير فى يُحاجُّوكُمْ ، لقوله أَحَدٌ لأنه فى معنى الجمع. أي ولا تؤمنوا لغير أتباعكم أن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق ويغالبونكم عند اللّه تعالى بالحجة.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 74 الى 75]
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)
74 - يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ :
بِرَحْمَتِهِ أي بنبوته وهدايته.
مَنْ يَشاءُ أجمل القول ليبقى معه رجاء الراجي وخوف الخائف.
75 - وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ :
مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ هو عبد اللّه بن سلام استودعه رجل من قريش ألفا ومائتى أوقية ذهبا فأداه اليه.
مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ فنحاص بن عازوراء استودعه رجل من قريش دينارا فجحده وخانه.
إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً الا مدة دوامك عليه يا صاحب الحق قائما

(1/3957)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 237
على رأسه متوكلا عليه بالمطالبة والتعنيف ، أو بالرفع الى الحاكم واقامة البينة عليه.
ذلِكَ اشارة الى ترك الأداء الذي دل عليه لا يُؤَدِّهِ أي تركهم أداء الحقوق بسبب قولهم :
لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ أي لا يتطرق علينا عتاب وذم فى شأن الأميين أي الذين ليسوا من أهل الكتاب. وما فعلنا بهم من حبس أموالهم والإضرار بهم لأنهم ليسوا على ديننا وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم ويقولون : لم يجعل لهم فى كتابنا حرمة.
وَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ بادعائهم أن ذلك فى كتابهم.
وَ هُمْ يَعْلَمُونَ أنهم كاذبون.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 76 الى 77]
بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (77)
76 - بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ :
بَلى إثبات لما نفوه من السبيل عليهم فى الأميين. أي بلى ، عليهم سبيل فيهم.
مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ جملة مستأنفة مقررة للجملة التي سدت بَلى مسدها. والضمير فى بِعَهْدِهِ راجع الى مَنْ أَوْفى على أن كل من أوفى بما عاهد عليه واتقى اللّه فى ترك الخيانة والغدر ، فان اللّه يحبه.
وقام مقام الضمير الراجع من الجزاء الى مَنْ عموم المتقين.
77 - إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ :
يَشْتَرُونَ يستبدلون.
بِعَهْدِ اللَّهِ بما عاهدوه عليه من الايمان بالرسول المصدق لما معهم.
وَ أَيْمانِهِمْ وبما حلفوا به من قولهم : واللّه لنؤمنن به ولننصرنه.

(1/3958)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 238
ثَمَناً قَلِيلًا متاع الدنيا من الترؤس.
لا خَلاقَ لَهُمْ لا نصيب لهم.
وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مجاز عن الاستهانة بهم والسخط عليهم.
وَ لا يُزَكِّيهِمْ ولا يثنى عليهم.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 78 الى 79]
وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)
78 - وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ :
لَفَرِيقاً نفرا ، منهم كعب بن الأشرف ، ومالك بن الصيف ، وحيى ابن أخطب.
يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ يفتلونها بقراءته عن الصحيح الى المحرف.
لِتَحْسَبُوهُ الضمير يرجع الى ما دل عليه يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ وهو المحرف. ويجوز أن يراد : يعطفون ألسنتهم بشبه الكتاب لتحسبوا ذلك الشبه من الكتاب.
وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تأكيد لقوله وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وزيادة تشنيع عليهم ، وتسجيل بالكذب ، ودلالة على أنهم لا يعرضون ولا يورون وانما هم يصرحون أنه فى التوراة هكذا.
79 - ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ :
ما كانَ لِبَشَرٍ تكذيب لمن اعتقد عبادة عيسى.
وَ الْحُكْمَ الحكمة ، وهى السنة.
وَ لكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ولكن يقول : كونوا ربانيين. والرباني ،

(1/3959)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 239
منسوب الى الرب ، بزيادة الألف والنون ، وهو الشديد التمسك بدين اللّه وطاعته.
بِما كُنْتُمْ أي بسبب كونكم.
تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ تعلمون ، من التعليم. وقرىء (تعلمون) من التعلم.
تَدْرُسُونَ تقرءونه على الناس. وقرىء : تدرسون ، من التدريس.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 80 الى 81]
وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)
80 - وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ :
أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ وقرىء : أيأمركم ، بالنصب عطفا على ثُمَّ يَقُولَ ، وعليه :
فإما أن تكون (لا) مزيدة لتأكيد معنى النفي فى قوله ما كانَ لِبَشَرٍ ، والمعنى : ما كان لبشر أن يستنبئه اللّه وينصبه للدعاء الى اختصاص اللّه بالعبادة وترك الأنداد ، ثم يأمر الناس بأن يكونوا عبادا له.
وإما أن تكون (لا) غير مزيدة ، والمعنى :
أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم كان ينهى قريشا عن عبادة الملائكة ، واليهود والنصارى عن عبادة عزير والمسيح ، فلما قالوا له : أنتخذك ربا؟ قيل لهم : ما كان لبشر أن يستنبئه اللّه ثم يأمر الناس بعبادته وينهاكم عن عبادة الملائكة والأنبياء.
والقراءة بالرفع على ابتداء (الكلام) أظهر.
أَ يَأْمُرُكُمْ الهمزة للإنكار.
بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فيه دليل على أن المخاطبين كانوا مسلمين ، وهم الذين استأذنوه أن يسجدوا له.
81 - وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ

(1/3960)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 240
وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ
:
مِيثاقَ النَّبِيِّينَ أي أخذ الميثاق على النبيين.
ويجوز أن يضيف الميثاق الى النبيين إضافته الى الموثق عليه ، كما تقول : ميثاق اللّه وعهد اللّه ، كأنه قيل : وإذ أخذ اللّه الميثاق الذي وثقه الأنبياء على أممهم.
ويجوز أن يراد ميثاق أولاد النبيين ، وهم بنو إسرائيل ، على حذف المضاف.
ويجوز أن يراد أهل الكتاب ، وأن يرد على زعمهم تهكما بهم ، لأنهم كانوا يقولون : نحن أولى بالنبوة من محمد لأنا أهل الكتاب ومنا كان النبيون.
لَما آتَيْتُكُمْ اللام لام التوطئة ، لأن أخذ الميثاق فى معنى الاستحلاف.
و(ما) يحتمل أن تكون المتضمنة لمعنى الشرط. ولتؤمنن ، سادّ مسد جواب القسم والشرط جميعا ، كما يحتمل أن تكون موصولة بمعنى :
الذي آتيتموه لتؤمنن به.
وقرىء : لما ، بكسر اللام ، ومعناه : لأجل ايتائى إياكم بعض الكتاب والحكمة ثم لمجىء رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ، على أن (ما) مصدرية ، والفعلان معها آتَيْتُكُمْ وجاءَكُمْ فى معنى المصدرين ، واللام داخلة للتعليل على معنى : أخذ اللّه ميثاقهم لتؤمنن بالرسول ولتنصرنه لأجل أنى آتيتكم الحكمة وأن الرسول الذي آمركم بالايمان به ونصرته موافق لكم غير مخالف. وقرىء : لما ، بالتشديد ، بمعنى : حين آتيتكم بعض الكتاب والحكمة ثم جاءكم رسول مصدق له وجب عليكم الايمان به ونصرته.

(1/3961)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 241
و قيل : أصله : لمن ما ، فاستثقلوا اجتماع ثلاث ميمات ، وهى الميمان والنون المنقلبة ميما بإدغامها فى الميم ، فحذفوا احداها ، فصارت : لما ، ومعناه : لمن أجل ما آتيتكم لتؤمنن به.
لَتُؤْمِنُنَّ لام جواب القسم.
إِصْرِي : عهدى ، وسمى إصرا ، لأنه مما يؤصر ، أي يشد ويعقد.
فَاشْهَدُوا أي فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار.
وَ أَنَا عَلى ذلِكُمْ من إقراركم وتشاهدكم.
مِنَ الشَّاهِدِينَ توكيد عليهم وتحذير من الرجوع إذا علموا بشهادة اللّه وشهادة بعضهم على بعض.
وقيل : الخطاب للملائكة.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 82 الى 83]
فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)
82 - فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ :
فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ الميثاق والتوكيد.
فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ أي المتمردون من الكفار.
83 - أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ :
أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ دخلت همزة الاستفهام على الفاء العاطفة جملة على جملة ، والمعنى : فأولئك هم الفاسقون فغير دين اللّه يبغون ، ثم توسطت الهمزة بينهما.
ويجوز أن يعطف على محذوف ، تقديره : أيتولون.
وقدم المفعول الذي هو فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ على فعله لأنه أهم من حيث الإنكار الذي هو معنى الهمزة متوجه الى المعبود بالباطل.
طَوْعاً بالنظر فى الأدلة والانصاف من نفسه.
وَ كَرْهاً بالسيف ، أو بمعاينة ما يلجىء الى الإسلام ثم كنتق الجبل على بنى إسرائيل ، وادراك الغرق فرعون.

(1/3962)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 242
و انتصب : طوعا ، وكرها ، على الحال ، بمعنى طائعين ومكرهين.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 84 الى 86]
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)
84 - قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ :
آمَنَّا صدقنا.
بِاللَّهِ المعبود وحده.
وَ ما أُنْزِلَ عَلَيْنا عدى بحرف الاستعلاء ، وعدى قيل بحرف الانتهاء ، لوجود المعنيين جميعا ، لأن الوحى ينزل من فوق وينتهى الى الرسل ، فجاء تارة بأحد المعنيين ، وأخرى بالآخر.
وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ موحدون مخلصون ، أنفسنا له ، لا تجعل له شريكا فى عبادتها.
85 - وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ :
وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ يعنى التوحيد واسلام الوجه للّه تعالى.
مِنَ الْخاسِرِينَ من الذين وقعوا فى الخسران.
86 - كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ :
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كيف يلطف بهم وليسوا من أهل اللطف لما علم من تصميمهم على كفرهم ودل على تصميمهم بأنهم كفروا بعد ايمانهم ، وبعد ما شهدوا بأن الرسول حق ، وبعد ما جاءتهم الشواهد من القرآن وسائر المعجزات التي تثبت بمثلها النبوة ، وهم اليهود ، كفروا بالنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم بعد أن كانوا مؤمنين به ، وذلك حين عاينوا ما يوجب قوة ايمانهم من البينات.
وقيل : نزلت فى رهط كانوا أسلموا ثم رجعوا عن الإسلام ولحقوا بمكة ، منهم : طعمة بن أبيرق ، ووحوح بن الأسلت ، والحارث بن سويد ابن الصاحب.

(1/3963)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 243
وَ شَهِدُوا عطف على ما فى إِيمانِهِمْ من معنى الفعل ، لأن معناه : بعد أن آمنوا. ويجوز أن تكون (الواو) للحال بإضمار (قد) بمعنى : كفروا وقد شهدوا أن الرسول حق.
وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي لا يلطف بالقوم الظالمين المعاندين الذين علم أن اللطف لا ينفعهم.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 87 الى 90]
أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)
87 - أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ :
جَزاؤُهُمْ عقوبتهم عند اللّه.
أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ استحقاق غضب اللّه عليهم ولعنته.
وَ الْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ولعنة صفوة الخلق جميعا من ملائكة وبشر.
88 - خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ :
خالِدِينَ فِيها لا تفارقهم اللعنة.
وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ ولا هم يمهلون.
89 - إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
مِنْ بَعْدِ ذلِكَ الكفر والارتداد.
وَ أَصْلَحُوا ما أفسدوا ، أو دخلوا فى الإصلاح.
90 - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ :
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ هم اليهود كفروا بعيسى والإنجيل بعد ايمانهم بموسى والتوراة.
ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً بكفرهم بمحمد والقرآن ، أو كفروا برسول اللّه بعد ما كانوا به مؤمنين قبل مبعثه ، ثم ازدادوا بإصرارهم على ذلك وطعنهم فى كل وقت ، وعداوتهم له ، ونقضهم ميثاقه ، وفتنتهم للمؤمنين ، وصدهم عن الايمان ، وسخريتهم بكل آية تنزل.

(1/3964)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 244
لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ عبارة عن الموت على الكفر ، لأن الذي لا تقبل توبته من الكفار هو الذي يموت على الكفر.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 91 الى 93]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْ ءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (91) لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (93)
91 - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْ ءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ :
ذَهَباً نصب على التمييز. وقرىء : ذهب ، بالرفع ، ردا على مِلْ ءُ.
وَ لَوِ افْتَدى بِهِ محمول على المعنى ، كأنه قيل : فلن تقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا.
92 - لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ :
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ أي لن تبلغوا حقيقة البر ، ولن تكونوا أبرارا.
وقيل : لن تنالوا بر اللّه ، وهو ثوابه.
حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ أي : حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها وتؤثرونها.
فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ أي بكل شىء تنفقونه فمجازيكم بحسبه.
93 - كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ :
كُلُّ الطَّعامِ أي : كل أنواع الطعام.
كانَ حِلًّا الحل ، مصدر ، يقال : حل الشيء حلا ، ولذلك استوى فى الوصف به المذكر والمؤنث والواحد والجمع.
إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ إسرائيل ، هو يعقوب عليه السلام ، وكان حرم على نفسه لحوم الإبل وألبانها.
مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ يعنى أن المطاعم كلها لم تزل حلالا لبنى إسرائيل من قبل إنزال التوراة ، لم يحرم منها شىء قبل ذلك غير

(1/3965)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 245
المطعوم الواحد الذي حرمه أبوهم إسرائيل على نفسه فتبعوه على تحريمه.
قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها أمر بأن يحاجهم بكتابهم ويبكتهم مما هو ناطق به من أن تحريم ما حرم عليهم تحريم حادث ، لا تحريم قديم كما يدعونه.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 94 الى 96]
فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96)
94 - فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
:
فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
بزعمه أن ذلك كان محرما على بنى إسرائيل قبل إنزال التوراة من بعد ما لزمهم من الحجة القاطعة.
فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
المكابرون الذين لا ينصفون من أنفسهم ، ولا يلتفتون الى البينات.
95 - قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ :
قُلْ صَدَقَ اللَّهُ تعريض بكذبهم ، أي ثبت أن اللّه صادق فيما أنزل وأنتم الكاذبون.
فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وهى ملة الإسلام التي عليها محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم ومن آمن معه.
96 - إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ :
وُضِعَ لِلنَّاسِ صفة لبيت ، والواضع هو اللّه عز وجل.
لَلَّذِي بِبَكَّةَ بكة ، هى مكة ، علم للبلد الحرام.
مُبارَكاً كثير الخير لما يحصل لمن حجه واعتمره وعكف عنده.
وانتصابه على الحال من المستكن فى الظرف ، لأن التقدير : للذى ببكة هو ، والعامل فيه المقدر فى الظرف من فعل الاستقرار.

(1/3966)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 246
وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ لأنه قبلتهم ومتعبدهم.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 97 الى 99]
فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99)
97 - فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ :
مَقامُ إِبْراهِيمَ عطف بيان لقوله آياتٌ بَيِّناتٌ.
وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً دل على أمن داخله ، فكأنه قيل : فيه آيات بينات مقام ابراهيم وأمن داخله.
وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ يعنى أنه حق واجب للّه فى رقاب الناس لا ينفكون عن أدائه والخروج من عهدته.
وَ مَنْ كَفَرَ مكان : ومن لم يحج ، تغليظا على تارك الحج.
98 - قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ :
وَ اللَّهُ شَهِيدٌ الواو للحال والمعنى : لم تكفرون بآيات اللّه التي دلتكم على صدق محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، والحال أن اللّه شهيد على أعمالكم فمجازيكم عليها.
99 - قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ :
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عن دين حق علم أنه سبيل اللّه التي أمر بسلوكها ، وهو الإسلام.
تَبْغُونَها عِوَجاً تطلبون لها اعوجاجا وميلا عن القصد والاستقامة.
وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ أنها سبيل اللّه لا يصد عنها الا ضال مضل.
وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ وعيد.
[سورة آل عمران (3) : آية 100]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100)
100 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ :

(1/3967)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 247
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعنى الأوس والخزرج.
إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً يعنى شأس بن قيس اليهودي ، وكان قد دس على الأوس والخزرج من يذكرهم بما كان بينهم من الحروب ، ولقد هموا أن يثيروها حربا ويرتدوا فى جاهليتهم كفارا.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 101 الى 103]
وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)
101 - وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ :
وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ استفهام فيه معنى الإنكار والتعجيب ، أي من أين يتطرق إليكم الكفر.
وَ أَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ أي والحال أن آيات اللّه ، وهى القرآن المعجز ، تتلى عليكم على لسان الرسول ، وبين أظهركم رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، ينبهكم ويعظكم ويزيج شبهكم.
وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ أي ومن يتمسك بدينه.
فَقَدْ هُدِيَ أي فقد حصل له الهدى لا محالة.
102 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ :
حَقَّ تُقاتِهِ أي واجب تقواه وما يحق منها ، وهو القيام بما أوجب واجتناب ما حرم.
وَ لا تَمُوتُنَّ أي ولا تكونن على حال سوى الإسلام إذا أدرككم الموت.
103 - وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
:

(1/3968)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 248
وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ يجوز أن يكون تمثيلا لاستظهارهم به ووثوقهم بحمايته ، بامتساك المتدلى من مكان مرتفع بحبل وثيق يأمن انقطاعه ، وأن يكون الحبل استعارة لعهده ، والاعتصام لوثوقه بالعهد.
أو ترشيحا لاستعارة الحبل بما يناسبه ، والمعنى : واجتمعوا على استعانتكم باللّه ووثوقكم به ولا تفرقوا عنه.
وَ لا تَفَرَّقُوا أي ولا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم ، كما كنتم متفرقين فى الجاهلية.
إِخْواناً متراحمين متناصحين مجتمعين على أمر واحد.
وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ أي وكنتم مشرفين على أن تقعوا فى نار جهنم.
فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها بالإسلام ، والضمير للحفرة ، أو للنار ، أو للشفا ، وانما أنت لاضافته الى الحفرة. وشفا الحفرة : حرفها.
كَذلِكَ مثل ذلك البيان البليغ.
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ارادة أن تزدادوا هدى.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 104 الى 106]
وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)
104 - وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ :
وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ من ، للتبعيض ، لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من فروض الكفايات.
وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ هم الأخصاء بالفلاح دون غيرهم.
105 - وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ :
كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا هم اليهود والنصارى.
مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ الموجبة للاتفاق على كلمة واحدة وهى كلمة الحق.
106 - يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ :

(1/3969)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 249
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ نصب بالظرف ، وهو (لهم) أو بإضمار : اذكر.
و البياض من النور. والسواد من الظلمة ، فمن كان من أهل نور الحق وسم ببياض اللون وإسفاره واشراقه ، ومن كان من أهل ظلمة الباطل وسم بسواد اللون وكسوفه وكمده.
أَ كَفَرْتُمْ فيقال لهم : أكفرتم؟ والهمزة للتوبيخ والتعجب من حالهم.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 107 الى 109]
وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (107) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)
107 - وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ :
فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ ففى نعمته ، وهى الثواب المخلد.
هُمْ فِيها خالِدُونَ فى موقع الاستئناف ، كأنه قيل : كيف يكونون فيها؟ فقيل : هم فيها خالدون لا يظعنون عنها ولا يموتون.
108 - تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ :
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ الواردة فى الوعد والوعيد.
نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ملتبسة بالحق والعدل من جزاء المحسن والمسيء بما يستوجبانه.
وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً فيأخذ أحدا بغير جرم ، أو يزيد فى عقاب مجرم ، أو ثواب محسن. ونكر ظُلْماً وقال لِلْعالَمِينَ على معنى :
ما يريد شيئا من الظلم لأحد من خلقه.
109 - وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ :
لما ذكر تعالى أحوال المؤمنين والكافرين ، وأنه لا يريد ظلما للعالمين ، وصل هذا بذكر اتساع قدرته وغناه عن الظلم لكون ما فى السماوات وما فى الأرض فى قبضته.

(1/3970)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 250
[سورة آل عمران (3) : الآيات 110 الى 111]
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111)
110 - كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ :
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أي وجدتم خير أمة. وقيل كنتم فى علم اللّه خير أمة.
أُخْرِجَتْ : أظهرت.
تَأْمُرُونَ كلام مستأنف بين به كونهم خير أمة.
وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ جعل الايمان بكل ما يجب الايمان ايمانا باللّه ، لأن من آمن ببعض ما يجب الإيمان به من رسول أو كتاب أو بعث أو حساب أو عقاب أو ثواب أو غير ذلك لم يعتد بإيمانه فكأنه غير مؤمن باللّه.
وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ مع ايمانهم باللّه.
لَكانَ خَيْراً لَهُمْ أي لكان الايمان خيرا لهم مما هم عليه ، لأنهم انما آثروا دينهم على دين الإسلام ، حبا للرياسة واستتباع العوام ، ولو آمنوا لكان لهم من الرياسة والأتباع وحظوظ الدنيا ، ما هو خير مما آثروا دين الباطل لأجله ، مع الفوز بما وعدوه على الايمان من إيتاء الأجر مرتين.
مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ كعبد اللّه بن سلام وأصحابه.
وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ المتمردون فى الكفر.
111 - لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ :
لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً إلا ضرارا مقتصرا على أذى بقول من طعن فى الدين أو تهديد أو نحو ذلك.
وَ إِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ منهزمين ولا يضروكم بقتل أو أسر.
ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ثم لا يكون لهم نصر من أحد ولا يمنعون منكم.

(1/3971)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 251
[سورة آل عمران (3) : الآيات 112 الى 113]
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)
112 - ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ :
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ يعنى اليهود.
أَيْنَ ما ثُقِفُوا أين ما وجدوا.
إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ فى محل النصب على الحال ، والتقدير : الا معتصمين متمسكين أو متلبسين بحبل من اللّه ، وهو استثناء من أعم عام الحال. والمعنى : ضربت عليهم الذلة فى عامة الأحوال الا فى حال اعتصامهم بحبل اللّه وحبل الناس ، يعنى ذمة اللّه وذمة المسلمين ، أي لا عز لهم قط الا هذه الواحدة. وهى التجاؤهم الى الذمة لما قبلوه من الجزية.
وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ أي استوجبوه.
وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ كما يضرب البيت على أهله ، فهم ساكنون فى المسكنة غير ظاعنين عنها.
ذلِكَ اشارة الى ما ضرب عليهم من الذلة والمسكنة والبواء بغضب اللّه ، أي ذلك كائن بسبب كفرهم بآيات اللّه وقتلهم الأنبياء.
ذلِكَ بِما عَصَوْا أي ذلك كائن بسبب عصيانهم للّه واعتدائهم لحدوده ليعلم أن الكفر وحده ليس بسبب فى استحقاق سخط اللّه ، وأن سخط اللّه يستحق بركوب المعاصي كما يستحق بالكفر.
113 - لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ :
لَيْسُوا الضمير لأهل الكتاب. أي ليس أهل الكتاب مستوين.
مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ كلام مستأنف لبيان قوله لَيْسُوا سَواءً.

(1/3972)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 252
أُمَّةٌ قائِمَةٌ مستقيمة عادلة ، وهم الذين أسلموا منهم.
يَتْلُونَ فى محل رفع صفة لقوله أُمَّةٌ.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 114 الى 117]
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (116) مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)
114 - يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ :
يُؤْمِنُونَ فى محل رفع صفة لقوله أُمَّةٌ.
وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ المسارعة فى الخير فرط الرغبة فيه ، لأن من رغب فى الأمر سارع فى توليه والقيام به وآثر الفور على التراخي.
وَ أُولئِكَ الموصوفون بما وصفوا به.
مِنَ الصَّالِحِينَ الذين صلحت أحوالهم عند اللّه ورضيهم واستحقوا ثناءه عليهم.
115 - وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ :
فَلَنْ يُكْفَرُوهُ أي فلن يحرموا جزاءه. وقرىء : فلن تكفروه ، بالتاء المثناة الفوقية.
وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ بشارة للمتقين بجزيل الثواب.
116 - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ :
لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي لن تغنى عنهم كثرة أموالهم ولا كثرة أولادهم من عذاب اللّه شيئا. وخص الأولاد لأنهم أقرب أنسابهم إليهم.
وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ ابتداء وخبر.
117 - ثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
:

(1/3973)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 253
مَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ
الصر من الرياح : الباردة ، فوصف بها القرة ، بمعنى : فيها قرة صر ، كما تقول : برد بارد على المبالغة. وقد يكون الصر مصدرا ، فجىء به على أصله فشبه ما كانوا ينفقون من أموالهم فى المكارم والمفاخر وكسب حسن الذكر بين الناس لا يبتغون به وجه اللّه بالزرع الذي حسه البرد فذهب حطاما.
َهْلَكَتْهُ
عقوبة لهم على معاصيهم.
ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ
الضمير للمنفقين على معنى : وما ظلمهم اللّه بأن لم يقبل نفقاتهم ، ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث لم يأتوا بها مستحقة للقبول.
أو يكون الضمير لأصحاب الحرث الذين ظلموا أنفسهم ، وما ظلمهم اللّه باهلاك حرثهم ، ولكن ظلموا أنفسهم بارتكاب ما استحقوا به العقوبة.
[سورة آل عمران (3) : آية 118]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)
118 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ :
بِطانَةً بطانة الرجل : خصيصه وصفيه الذي يفضى إليه بشقوره ثقة به ، شبه ببطانة الثوب.
مِنْ دُونِكُمْ أي من دون أبناء جنسكم وهم المسلمون.
لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا ألا فى الأمر يألو ، إذا قصر فيه ، ثم استعمل فعدى الى مفعولين فى قولهم : لا آلوك نصحا ، على التضمين ، والمعنى :
لا أمنعك نصحا ولا أنقصكه. والخبال : الفساد.
وَدُّوا ما عَنِتُّمْ ودوا عنكم ، على أن (ما) مصدرية. والعنت :
شدة الضرر والمشقة.
قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ لأنهم لا يتمالكون مع ضبطهم أنفسهم أن ينفلت من ألسنتهم ما يعلم به بغضهم للمسلمين.
قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ الدالة على وجوب الإخلاص فى الدين ، وموالاة أولياء اللّه ومعاداة أعدائه.

(1/3974)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 254
إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ما بينا لكم فعملتم به.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 119 الى 120]
ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)
119 - ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ :
(ها) للتنبيه.
(أنتم) مبتدأ.
أُولاءِ خبره ، أي أنتم أولاء الخاطئون فى موالاة منافقى أهل الكتاب.
تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ بيان لخطئهم فى موالاتهم حيث يبذلون محبتهم لأهل البغضاء.
وقيل : أولاء ، موصول ، وتُحِبُّونَهُمْ صلته.
وَ تُؤْمِنُونَ الواو للحال.
قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ دعاء عليهم بأن يزداد غيظهم حتى يهلكوا به.
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فهو يعلم ما فى صدور المنافقين من الحنق والبغضاء ، وما يكون منهم فى حال خلو بعضهم ببعض.
120 - إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ :
حَسَنَةٌ الحسنة : الرخاء والخصب والنصرة والغنيمة ونحوها من المنافع.
سَيِّئَةٌ السيئة ، ما كان ضد ذلك.
هذا بيان لفرط معاداتهم حيث يحسدونهم على ما نالهم من الخير ، ويشمتون بهم فيما أصابهم من الشدة. والمس مستعار لمعنى الاصابة فهما بمعنى.
وَ إِنْ تَصْبِرُوا على عداوتهم.

(1/3975)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 255
وَ تَتَّقُوا ما نهيتم عنه من موالاتهم.
بِما يَعْمَلُونَ فى عداوتهم.
مُحِيطٌ فمعاتبهم عليه.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 121 الى 123]
وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)
121 - وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ :
غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ بالمدينة. وهو غدوه الى أحد من حجرة عائشة رضى اللّه عنها.
تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ تنزلهم.
مَقاعِدَ لِلْقِتالِ مواطن ومواقف.
وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أي سميع لأقوالكم عليم بنياتكم وضمائركم.
122 - إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ :
إِذْ هَمَّتْ بدل من إِذْ غَدَوْتَ ، أو عمل فيه معنى سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
طائِفَتانِ حيان من الأنصار ، بنو مسلمة من الخزرج ، وبنو حارثة من الأوس ، وهما الجناحان ، خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم فى ألف ، والمشركون فى ثلاثة آلاف ، ووعدهم الفتح ان صبروا ، فانخزل عبد اللّه ابن أبىّ بثلث الناس ، وقال : يا قوم ، علام نقتل أنفسنا وأولادنا ، وهم الحيان باتباع عبد اللّه ، فعصمهم اللّه ، فمضوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
أَنْ تَفْشَلا أن تجبنا وتخورا.
وَ اللَّهُ وَلِيُّهُما ناصرهما ومتولى أمرهما.
123 - وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ :
بِبَدْرٍ اسم ماء بين مكة والمدينة.

(1/3976)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 256
أَذِلَّةٌ جمع قلة ، وجاء به ليدل على أنهم على ذلتهم كانوا قليلا ، وذلتهم : ما كانوا فيه من ضعف الحال وقلة السلاح والمال والمركوب.
وقلتهم : أنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر ، وكان عددهم زهاء ألف مقاتل.
فَاتَّقُوا اللَّهَ فى الثبات مع رسوله.
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ بتقواكم ما أنعم به عليكم من نصرته.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 124 الى 126]
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)
124 - إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ :
(إذ) ظرف لنصركم ، أو بدل ثان من إِذْ غَدَوْتَ.
أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ انكار ألا يكفيهم الامداد بثلاثة آلاف من الملائكة ، وجىء بلفظة أَلَنْ الذي هو لتأكيد النفي ، للاشعار بأنهم كانوا لقلتهم وضعفهم وكثرة عددهم وشوكتهم كالآيسين من النصر.
125 - بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ :
بَلى إيجاب لما بعد (لن) ، والمعنى : بل يكفيكم الامداد بهم ، فأوجب الكفاية.
إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا يمددكم بأكثر من ذلك العدد.
وَ يَأْتُوكُمْ يعنى المشركين.
مِنْ فَوْرِهِمْ هذا أي من ساعتهم هذه.
يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بالملائكة فى حال إتيانهم لا يتأخر نزولهم عن إتيانهم.
مُسَوِّمِينَ معلمين بعلامات ، على بناء اسم المفعول. وقرىء :
مسومين ، بكسر الواو المشددة ، أي معلمين أنفسهم وخيلهم.
126 - وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ :

(1/3977)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 257
وَ ما جَعَلَهُ الهاء ل - (أن يمد) ، أي وما جعل اللّه امدادكم بالملائكة الا بشارة لكم بأنكم تنصرون.
وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ كما كانت السكينة لبنى إسرائيل بشارة بالنصر وطمأنينة لقلوبهم.
وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لا من عند المقاتلة إذا تكاثروا ، ولا من عند الملائكة والسكينة ، ولكن ذلك مما يقوى به اللّه رجاء النصرة والطمع فى الرحمة ويربط به قلوب المجاهدين.
الْعَزِيزِ الذي لا يغالب فى حكمه.
الْحَكِيمِ الذي يعطى النصر ويمنعه لما يرى من المصلحة.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 127 الى 128]
لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (128)
127 - لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ :
لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ليهلك طائفة منهم بالقتل والأسر ، وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من رؤساء قريش وصناديدهم.
أَوْ يَكْبِتَهُمْ أو يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة.
فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ غير ظافرين بمبتغاهم.
128 - لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ :
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ اعتراض. والمعنى : أن اللّه مالك أمرهم ، فاما يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب عليهم ان أسلموا ، أو يعذبهم ان أصروا على الكفر ، وليس لك من أمرهم شىء ، انما أنت مبعوث لانذارهم ومجاهدتهم.
أَوْ يَتُوبَ منصوب بإضمار (أن). و(أن يتوب) فى حكم اسم معطوف بأو على الْأَمْرِ ، أو على شَيْءٌ ، أو المثوبة عليهم ، أو تعذيبهم.
وقيل (أو) بمعنى : الا أن ، على معنى : ليس لك من أمرهم شىء الا أن يتوب اللّه عليهم فتفرح بحالهم ، أو يعذبهم فتتشفى منهم.

(1/3978)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 258
[سورة آل عمران (3) : الآيات 129 الى 133]
وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
129 - وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ بالتوبة ، ولا يشاء أن يغفر الا للتائبين.
وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ولا يشاء أن يعذب الا المستوجبين للعذاب.
130 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ :
لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً نهى عن الربا ، مع توبيخ فيما كانوا عليه من تضعيفه ، فلقد كان الرجل منهم إذا بلغ الدين محله زاد فى الأجل فاستغرق بالشيء الطفيف مال المديون.
131 - وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ :
قيل : هى أخوف آية فى القرآن حيث أوعد اللّه المؤمنين بالنار المعدة للكافرين ان لم يتقوه فى اجتناب محارمه.
132 - وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ :
وَ أَطِيعُوا اللَّهَ أي أطيعوا اللّه فى الفرائض.
وَ الرَّسُولَ فى السنن.
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أي كى يرحمكم اللّه.
133 - وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ :
وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أي سارعوا وبادروا الى ما يوجب المغفرة ، وهى الطاعة.
عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ المراد وصفها بالسعة والبسطة فشبهت بأوسع ما علمه الناس من خلقه وأبسطه. وخص العرض ، لأنه فى العادة أدنى من الطول ، للمبالغة.

(1/3979)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 259
و المسارعة الى المغفرة والجنة الإقبال على ما يستحقان به.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 134 الى 135]
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)
134 - الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ :
فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ فى حال الرخاء واليسر وحال الضيقة والعسر لا يخلون بأن ينفقوا فى كلتا الحالتين ما قدروا عليه من قليل أو كثير.
وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ الذين يمسكون على ما فى نفوسهم منه بالصبر فلا يظهر له أثر.
وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ إذا جنى أحد لم يؤاخذوه.
وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ اللام فى (المحسنين) للجنس ، فيتناول كل محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورون. وقد تكون للعهد فتكون اشارة الى هؤلاء.
135 - وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ :
وَ الَّذِينَ عطف على (المتقين) ، أي أعدت للمتقين وللتائبين.
فاحِشَةً فعلة متزايدة القبح.
أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أي : أو أذنبوا أي ذنب كان مما يؤاخذون به.
وقيل : الفاحشة : الكبيرة. وظلم النفس : الصغيرة.
ذَكَرُوا اللَّهَ تذكروا عقابه ، أو وعيده ، أو نهيه.
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ فتابوا عنها لقبحها نادمين عازمين على عدم العودة.
وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وصف لذاته بسعة الرحمة وقرب المغفرة ، وأنه لا مفزع للمذنبين الا فضله وكرمه ، وأنه وحده معه مصححات المغفرة. وهى جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه.

(1/3980)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 260
وَ لَمْ يُصِرُّوا ولم يقيموا على قبيح فعلهم غير مستغفرين.
وَ هُمْ يَعْلَمُونَ حال من فعل (الإصرار) وحرف النفي منصب عليهما معا. والمعنى : وليسوا ممن يصرون على الذنوب وهم عالمون بقبحها وبالنهى عنها وبالوعيد عليها.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 136 الى 139]
أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)
136 - أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ :
أُولئِكَ اشارة الى الفريقين.
أَجْرُ الْعامِلِينَ قال أَجْرُ الْعامِلِينَ بعد قوله جَزاؤُهُمْ لأنهما فى معنى واحد ، وانما خالف بين اللفظين لزيادة التنبيه على أن ذلك جزاء واجب على عمل ، وأجر مستحق عليه. والمخصوص بالمدح محذوف تقديره : ونعم أجر العالمين ذلك ، يعنى المغفرة والجنات.
137 - قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ :
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ يريد ما سنه اللّه فى الأمم المكذبين من وقائعه.
كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ العاقبة آخر الأمر.
يقول : فأنا أمهلهم وأستدرجهم وأملى لهم حتى يبلغ الكتاب أجله.
138 - هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ :
هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ إيضاح لسوء عاقبة ما هم عليه من التكذيب.
وَ هُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ يعنى أنه مع كونه بيانا وتنبيها للمكذبين فهو زيادة تثبيت وموعظة للذين اتقوا من المؤمنين.
139 - وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ :
وَ لا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا تسلية من اللّه سبحانه لرسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم وللمؤمنين

(1/3981)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 261
عما أصابهم يوم أحد وتقوية من قلوبهم. يعنى ولا تضعفوا عن الجهاد لما أصابكم ، أي لا يورثنكم ذلك وهنا وجبنا ولا تبالوا به ولا تحزنوا على من قتل منكم وجرح.
وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وحالكم أنكم أعلى منهم وأغلب ، أي وأنتم الأعلون منهم فى العاقبة.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ متعلق بالنهى ، بمعنى : ولا تهنوا ان صح ايمانكم على أن صحة الايمان توجب قوة القلب والثقة بصنع اللّه وقلة المبالاة بأعدائه.
أو متعلق بقوله الْأَعْلَوْنَ أي ان كنتم مصدقين بما يعدكم اللّه ويبشركم به من الغلبة.
[سورة آل عمران (3) : آية 140]
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
140 - إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ :
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ قرح : جراح. أي ان نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر.
وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ تلك ، مبتدأ ، والأيام صفته. والمراد بالأيام :
أوقات الظفر والغلبة.
نُداوِلُها خبر المبتدأ ، أي نصرفها بين الناس ، تارة لهؤلاء ، وتارة لهؤلاء.
وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا المعلل محذوف ، أي وليتميز الثابتون على الايمان منكم من الذين على حرف ، وهو من باب التمثيل ، أي فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم من الثابت على الايمان منكم من غير الثابت ، وإلا فاللّه عز وجل لم يزل عالما بالأشياء قبل كونها.
وقد تكون العلة محذوفة ، وهذا عطف عليه ، ويكون المعنى :

(1/3982)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 262
و فعلنا ذلك ليكون كيت وكيت ، وليعلم اللّه. وانما حذف للايذان بأن المصلحة فيما فعل ليست بواحدة ، ليسليهم عما جرى عليهم ، وليبصرهم أن العبد يسوءه ما يجرى عليه من المصائب ، ولا يشعر أن للّه فى ذلك من المصالح ما هو غافل عنه.
وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وليكرم ناسا منكم بالشهادة. يريد المستشهدين يوم أحد. أو ليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة بما يبتلى به صبركم من الشدائد.
وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ اعتراض بين بعض التعليل وبعض.
والمعنى : واللّه لا يحب من ليس من هؤلاء الثابتين على الايمان ، المجاهدين فى سبيل اللّه.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 141 الى 143]
وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)
141 - وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ :
لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا التمحيص : التطهير.
وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ يهلكهم.
أي ان كانت الدولة على المؤمنين فللتمييز والاستشهاد والتمحيص.
وإن كانت على الكافرين فلمحقهم ومحو آثارهم.
142 - أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ :
أَمْ منقطعة ، ومعنى الهمزة فيها للانكار.
وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ أي : ولما تجاهدوا ، لأن العلم متعلق بالمعلوم ، فنزل نفى العلم منزلة نفى متعلقة لأنه منتف بانتفائه.
وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ نصب بإضمار (أن) والواو بمعنى الجمع.
وقرىء بالجزم على العطف.
143 - وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ :

(1/3983)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 263
وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ خوطب به الذين لم يشهدوا بدرا وكانوا ينمنون أن يحضروا مشهدا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ليصيبوا من كرامة الشهادة ما نال شهداء بدر.
فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ أي رأيتموه معاينين مشاهدين له حين قتل بين أيديكم من قتل من إخوانكم وأقاربكم وشارفتم أن تقتلوا.
وهذا توبيخ لهم على تمنيهم الموت ، وعلى ما تسببوا له من خروج مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم بإلحاحهم عليه ، ثم انهزامهم عنه وقلة ثباتهم عنده.
[سورة آل عمران (3) : آية 144]
وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)
144 - وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ :
أَ فَإِنْ ماتَ الفاء معلقة للجملة الشرطية بالجملة قبلها ، على معنى التسبيب ، والهمزة لانكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به يجب أن يجعل سببا للتمسك بدين محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، لا للانقلاب عنه.
فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً فما ضر إلا نفسه ، لأن اللّه تعالى لا يجوز عليه المضار والمنافع.
وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ الذين لم ينقلبوا. وسماهم الشاكرين لأنهم شكروا نعمة الإسلام فيما فعلوا.
وكان عبد اللّه بن قمئة رمى رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم بحجر فكسر رباعيته ، وشج وجهه ثم أقبل يريد قتله ، فذب عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلم مصعب بن عمير ، وهو صاحب الراية يوم بدر ويوم أحد ، فقتله ابن قمئة ، وهو يرى أنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وقال : قد قتلت محمدا. وصرح صارخ : ألا إن محمدا قد قتل. ففشا فى الناس خبر قتله فانكفئوا ،
فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم يدعو :
إلى عباد اللّه ، حتى انحازت إليه طائفة من أصحابه. وفى هذا نزلت هذه الآية.

(1/3984)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 264
[سورة آل عمران (3) : الآيات 145 الى 147]
وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147)
145 - وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ :
كِتاباً مصدر مؤكد ، لأن المعنى : كتب الموت كتابا.
مُؤَجَّلًا مؤقتا له أجل معلوم لا يتقدم ولا يتأخر.
وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا تعريض بالذين شغلتهم الغنائم يوم أحد.
نُؤْتِهِ مِنْها من ثوابها ، أي ثواب الآخرة.
وَ سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ الذين شكروا نعمة اللّه فلم يشغلهم شىء عن الجهاد.
146 - وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ.
رِبِّيُّونَ ربانيون.
فَما وَهَنُوا عند قتل النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَ ما ضَعُفُوا عن الجهاد بعده.
وَ مَا اسْتَكانُوا للعدو.
وهذا تعريض بما أصابهم من الوهن والانكسار عند الإرجاف بقتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم وبضعفهم عند ذلك عن مجاهدة المشركين واستكانتهم لهم.
147 - وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ :
وَ ما كانَ قَوْلَهُمْ هذا القول ، وهو إضافة الذنوب والإسراف إلى أنفسهم مع كونهم ربانيين ، هضما لها واستقصارا.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا تقدم الدعاء بالاستغفار منها على طلب تثبيت الأقدام فى مواطن الحرب ، والنصرة على العدو ، ليكون طلبهم إلى ربهم عن زكاة وطهارة وخضوع وأقرب إلى الاستجابة.

(1/3985)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 265
[سورة آل عمران (3) : الآيات 148 الى 152]
فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)
148 - فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ :
فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا من النصرة والغنيمة والعز وطيب الذكر.
وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ خص ثواب الآخرة بالحسن دلالة على فضله ، وأنه هو المعتد به عنده.
149 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ :
إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا أي إن تستنصحوهم وتقبلوا منهم.
يَرُدُّوكُمْ عن دينكم إلى الكفر.
150 - بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ :
بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ أي متوليكم ولا تحتاجون معه إلى ولاية أحد.
151 - سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ :
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ يشير إلى ما قذف اللّه به فى قلوب المشركين يوم أحد من خوف فرجعوا إلى مكة من غير سبب ولهم القوة والغلبة.
بِما أَشْرَكُوا بسبب إشراكهم.
ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً آلهة لم ينزل اللّه بإشراكها حجة ، ولم يعن أن هناك حجة إلا أنها لم تنزل عليهم ، لأن الشرك لا يستقيم أن يقوم عليه حجة ، وإنما المراد نفى الحجة ونزولها جميعا.
152 - وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ :

(1/3986)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 266
وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ وعدهم اللّه النصر بشرط الصبر والتقوى.
إِذْ تَحُسُّونَهُمْ إذ تقتلونهم قتلا ذريعا.
حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ الفشل : الجبن وضعف الرأى. وحَتَّى إِذا متعلق بمحذوف ، تقديره : حتى إذا فشلتم منعكم نصره.
وَ تَنازَعْتُمْ أي اختلفتم. يقول بعضهم - أي بعض الرماة - :
قد انهزم المشركون فما موقفنا هاهنا؟ ويقول بعض : لا نخالف أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم قد أقام الرماة عند جبل أحد ، وأمرهم أن يثبتوا فى مكانهم ولا يبرحوا ، كانت الدولة للمسلمين أو عليهم.
مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وهم الذين برحوا مكانهم وتعقبوا المشركين يغنمون.
وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وهم الذين ثبتوا مكانهم لا يبرحونه.
ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ أي ردكم عنهم بالانهزام.
لِيَبْتَلِيَكُمْ ليمتحن صبركم على المصائب وثباتكم على الإيمان.
وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ لما علم ندمكم على ما فرط منكم من عصيان أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يتفضل عليهم بالعفو.
[سورة آل عمران (3) : آية 153]
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153)
153 - إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ :
إِذْ تُصْعِدُونَ نصب بقوله صَرَفَكُمْ أو بقوله لِيَبْتَلِيَكُمْ ، أو بإضمار (اذكر). والإصعاد : الذهاب فى الأرض والإبعاد فيها. يقال :
صعد فى الجبل ، وأصعدفى الأرض.
وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ أي لا يلتفت بعضكم إلى بعض هربا.

(1/3987)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 267
وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ يعنى قوله : إلىّ عباد اللّه ، إلىّ عباد اللّه ، أنا رسول اللّه ، من يكر فله الجنة.
فِي أُخْراكُمْ أي فى ساقتكم وجماعتكم الأخرى ، وهى المتأخرة.
فَأَثابَكُمْ عطف على صَرَفَكُمْ ، أي فجازاكم اللّه.
غَمًّا حين صرفكم عنهم وابتلاكم.
بِغَمٍّ أي بسبب غم أذقتموه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم بعصيانكم له ، أو غما مضاعفا ، غما بعد غم ، وغما متصلا بغم ، من الاغتمام بما أرجف به من قتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم والجرح والقتل وظفر المشركين وفوت الغنيمة والنصر.
لِكَيْلا تَحْزَنُوا لتتمرنوا على تجرع الغموم وتضروا باحتمال الشدائد ، فلا تحزنوا فيما بعد على فائت من المنافع ولا على مصيب من المضار.
[سورة آل عمران (3) : آية 154]
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154)
154 - ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ :
أَمَنَةً أمنا.
نُعاساً بدل من أَمَنَةً ويجوز أن يكون هو المفعول ، وأَمَنَةً حال منه مقدمة عليه.
طائِفَةً مِنْكُمْ هم أهل الصدق واليقين.
وَ طائِفَةٌ هم المنافقون.
قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ أي ما بهم إلا هم أنفسهم ، لا هم الذين ، ولا هم الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم والمسلمين.

(1/3988)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 268
غَيْرَ الْحَقِّ فى حكم المصدر. والمعنى : يظنون باللّه غير الظن الحق الذي يجب أن يظهر به.
ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ بدل منه. وقد يكون المعنى : يظنون باللّه ظن الجاهلية ، وغير الحق ، تأكيد لقوله يَظُنُّونَ.
يَقُولُونَ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم يسألونه.
هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ أي هل لنا معاشر المسلمين من أمر اللّه نصيب قط يعنون النصر والإظهار على العدو.
قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ وهو النصر والغلبة.
يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ أي يقولون لك فيما يظهرون :
هل لنا من الأمر شىء سؤال المؤمنين المسترشدين ، وهم فيما يبطنون على النفاق ، يقولون فى أنفسهم ، أو بعضهم لبعض منكرين لقولك لهم : إن الأمر كله للّه.
لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أي لو كان الأمر كما قال محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم :
إن الأمر كله للّه ، لما غلبنا قط ، ولما قتل من المسلمين من قتل فى هذه المعركة.
قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ يعنى من علم اللّه أنه يقتل ويصرع فى هذه المصارع لم يكن بد من وجوده ، فلو قعدتم فى بيوتكم.
لَبَرَزَ من بينكم.
الَّذِينَ علم اللّه أنهم يقتلون.
إِلى مَضاجِعِهِمْ أي مصارعهم ، ليكون ما علم اللّه أنه يكون.
وَ لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ أي وليمتحن اللّه ما فى صدور المؤمنين من الإخلاص.
وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ من وساوس الشيطان.
وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي ما فيها من خير وشر. وذات الصدور ، هى الصدور ، لأن ذات الشيء نفسه.

(1/3989)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 269
[سورة آل عمران (3) : الآيات 155 الى 156]
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)
155 - إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ :
اسْتَزَلَّهُمُ طلب منهم الزلل ودعاهم إليه.
بِبَعْضِ ما كَسَبُوا من ذنوبهم.
يعنى أن الذين انهزموا يوم أحد كان السبب فى توليهم أنهم أطاعوا الشيطان فاقترفوا ذنوبا فلذلك منعتهم التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا.
وقيل : استزلال الشيطان إياهم هو التولي ، وإنما دعاهم إليه بذنوب قد تقدمت لهم ، لأن الذنب يجر إلى الذنب ، كما أن الطاعة تجر إلى الطاعة.
وقيل : بعض ما كسبوا ، هو تركهم المركز الذي أمرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم بالثبات فيه فجرهم ذلك إلى الهزيمة.
وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ لتوبتهم واعتذارهم.
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ للذنوب.
حَلِيمٌ لا يعاجل بالعقوبة.
156 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ :
وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ يعنى فى النفاق ، أو فى النسب فى السرايا التي بعث النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم إلى بئر معونة.
إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أي إذا سافروا بعد للتجارة أو غيرها.
أَوْ كانُوا غُزًّى غزى ، جمع غاز.
لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ أي ليجعل ظنهم أنهم لو لم يخرجوا ما قتلوا. وحسرة ، أي ندامة فى قلوبهم.

(1/3990)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 270
وَ اللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ أي الأمر بيده ، قد يحيى المسافر والغازي ، ويميت المقيم ، والقاعد ، كما يشاء.
وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فلا تكونوا مثلهم.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 157 الى 159]
وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
157 - وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ :
لَمَغْفِرَةٌ جواب القسم ، وهو ساد مسد جواب الشرط.
158 - وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ :
لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ وعظ ، أي لا تفروا من القتال ومما أمركم به ، بل فروا من عقابه وأليم عذابه ، فإن مردكم إليه لا يملك لكم أحد ضرا ولا نفعا غيره.
159 - فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ :
فَبِما ما ، مزيدة للتوكيد ، والدلالة على أن لينه لهم ما كان إلا برحمة من اللّه.
وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا جافيا.
غَلِيظَ الْقَلْبِ قاسية.
لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ لتفرقوا عنك حتى لا يبقى حولك أحد منهم.
فَاعْفُ عَنْهُمْ فيما يختص بك.
وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ فيما يختص بحق اللّه إتماما للشفقة عليهم.
وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ يعنى فى أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحي لتستظهر برأيهم.
فَإِذا عَزَمْتَ فإذا قطعت الرأى على شىء بعد الشورى.

(1/3991)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 271
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فى إمضاء أمرك على الأرشد والأصلح ، فإن ما هو أصلح لك لا يعلمه إلا اللّه ، لا أنت ولا من تشاور.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 160 الى 162]
إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)
160 - إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ :
إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ كما نصركم يوم بدر.
فَلا غالِبَ لَكُمْ فلا أحد يغلبكم.
وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ كما خذلكم يوم أحد.
فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ فهذا تنبيه على أن الأمر كله اللّه ، وعلى وجوب التوكل عليه.
مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد خذلانه.
وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أي : وليخص المؤمنون ربهم بالتوكل ، والتفويض إليه ، لعلمهم أنه لا ناصر سواه ولأن إيمانهم يوجب ذلك ويقتضيه.
161 - وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ :
وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ أي وما صح له ذلك ، يعنى أن النبوة تنافى الغلول ، وهو الأخذ فى خفية.
يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي يأت بالشيء الذي غله بعينه يحمله.
وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ أي يعدل بينهم فى الجزاء ، كل جزاؤه على قدر كسبه.
162 - أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ :
فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ أي بترك الغلول ، والصبر على الجهاد.
كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ أي بكفر أو غلول ، أو تول عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم فى الحرب.

(1/3992)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 272
وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ أي مثواه النار ، إن لم يتب أو يعفو اللّه عنه.
وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ أي المرجع.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 163 الى 165]
هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (163) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) أَوَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)
163 - هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ :
هُمْ دَرَجاتٌ أي ذوو درجات ، والمعنى : تفاوت منازل المثابين ومنازل المعاقبين.
وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ أي بأعمالهم ودرجاتها ، فمجازيهم على حسبها.
164 - لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ :
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ على من آمن مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم من قومه.
مِنْ أَنْفُسِهِمْ من جنسهم عربيا مثلهم ، وفى هذا شرف لهم.
يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ بعد ما كانوا أهل جاهلية.
وَ يُزَكِّيهِمْ ويطهرهم من دنس القلوب بالكفر.
وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ القرآن والسنة.
وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ من قبل بعثة الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم. و(إن) هنا ، هى المخففة من الثقيلة.
لَفِي ضَلالٍ اللام هى الفارقة بين (إن) المخففة وبين (إن) النافية. والتقدير : وإن الشأن والحديث ، كانوا من قبل فى ضلال.
مُبِينٍ ظاهر لا شبهة فيه.
165 - أَوَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :

(1/3993)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 273
أَ وَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ يريد ما أصابهم يوم أحد من قتل سبعين منهم. و(لما) نصب بقوله قُلْتُمْ. وأَصابَتْكُمْ محل الجر ، بإضافة (لما) إليها. والتقدير : أقلتم حين أصابتكم.
قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين.
أَنَّى هذا نصب لأنه مقول ، أي : من أين أصابنا هذا الانهزام والقتل ونحن نقاتل فى سبيل اللّه ، وحن مسلمون ، وفينا النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم والوحى ، وهم مشركون.
قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ يعنى مخالفة الرماة.
إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فهو قادر على النصر وعلى منعه ، وعلى أن يصيب بكم تارة ، ويصيب منكم أخرى.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 166 الى 167]
وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167)
166 - وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ :
وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ يوم أحد يوم التقى جمعكم وجمع المشركين.
فَبِإِذْنِ اللَّهِ فهو كائن بإذن اللّه وتخليته. استعار الإذن لتخليته الكفار ، وأنه لم يمنعهم منهم ليبتليهم ، لأن الآذن مخل بين المأذون ومراده.
وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ أي وهو كائن ليتميز المؤمنون والمنافقون ، وليظهر إيمان هؤلاء ، ونفاق هؤلاء.
167 - وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ :
وَ قِيلَ لَهُمْ من جملة الصلة ، عطف على نافَقُوا ، كأنه قيل :
فماذا قالوا لهم؟ فقيل : قالوا لو نعلم. ويجوز أن تقصر الصلة على نافَقُوا ويكون وَقِيلَ لَهُمْ مبتدأ.

(1/3994)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 274
أَوِ ادْفَعُوا العدو بتكثيركم سواد المجاهدين وإن لم تقاتلوا ، لأن كثرة السواد مما يروع العدو ويكسر منه.
قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا أي لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالا.
لَاتَّبَعْناكُمْ يعنون أن ما أنتم فيه لخطأ رأيكم ليس بشىء ، ولا يقال لمثله قتال ، إنما هو إلقاء بالأنفس إلى التهلكة ، فلقد كان من رأى عبد اللّه الإقامة بالمدينة ، وما كان يستصوب الخروج.
هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يعنى أنهم قبل ذلك اليوم كانوا يتظاهرون بالإيمان. وما ظهرت منهم أمارة تؤذن بكفرهم ، فلما انخزلوا عن عسكر المؤمنين ، وقالوا ما قالوا ، تباعدوا بذلك عن الإيمان المظنون بهم واقتربوا من الكفر.
يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ لا يتجاوز إيمانهم أفواههم ، ولا تعى قلوبهم منه شيئا.
وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ من النفاق.
[سورة آل عمران (3) : آية 168]
الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (168)
168 - الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ :
الَّذِينَ قالُوا نصب على الذم ، أو على الرد على الذين نافقوا ، ويصح أن يكون رفعا على : هم الذين قالوا ، أو على الإبدال من (واو) يَكْتُمُونَ. ويصح أن يكون بدلا من الضمير فى بِأَفْواهِهِمْ أو قلوبهم.
لِإِخْوانِهِمْ من المنافقين يوم أحد ، أو إخوانهم فى النسب ، أو سكنى الدار.
وَ قَعَدُوا أي قالوا وقد قعدوا عن القتال.
لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا لو أطاعونا فيما أمرناهم به من القعود ووافقونا فيه لما قتلوا كما لم نقتل.

(1/3995)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 275
قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي : قل إن كنتم صادقين فى أنكم وجدتم إلى دفع القتل سبيلا وهو القعود عن القتال فجدوا إلى دفع الموت سبيلا. يعنى أن ذلك الدفع غير مغن عنكم لأنكم إن دفعتم القتل الذي هو أحد أسباب الموت ، لم تقدروا على دفع سائر أسبابه المبثوثة ، ولا بد لكم من أن يتعلق بكم بعضها.
وقوله فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ استهزاء بهم ، أي إن كنتم دفاعين لأسباب الموت فادرءوا جميع أسبابه حتى لا تموتوا.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 169 الى 170]
وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)
169 - وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ :
وَ لا تَحْسَبَنَّ الخطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، أو هو عام.
و قرىء (ولا يحسبن) بالياء ، ويكون الَّذِينَ قُتِلُوا فاعلا ، أي :
و لا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتا.
أَحْياءٌ أي هم أحياء.
عِنْدَ رَبِّهِمْ مقربون عنده ذوو زلفى.
يُرْزَقُونَ مثل ما يرزق سائر الأحياء ، وهو تأكيد لكونهم أحياء ووصف لحالهم التي هم عليها من التنعم برزق اللّه.
170 - فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ :
فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وهو التوفيق فى الشهادة ، وما ساق إليهم من الكرامة والتفضيل على غيرهم من كونهم أحياء مقربين معجلا لهم رزق الجنة ونعيمها.
وَ يَسْتَبْشِرُونَ بإخوانهم المجاهدين.
بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ أي لم يقتلوا فيلحقوا بهم. وقيل : لم يدركوا فضلهم ومنزلتهم.

(1/3996)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 276
مِنْ خَلْفِهِمْ يريد الذين من خلفهم قد بقوا بعدهم وهم قد تقدموهم.
أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ بدل من الذين. والمعنى : ويستبشرون بما تبين لهم من حال من تركوا خلفهم من المؤمنين وهو أنهم يبعثون آمنين يوم القيامة ، بشرهم اللّه بذلك فهم يستبشرون به.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 171 الى 172]
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)
171 - يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ :
يَسْتَبْشِرُونَ كرر ليعلق به ما هو بيان لقوله أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ من ذكر النعمة والفضل وأن ذلك أجر لهم يجب فى عدل اللّه وحكمته أن يحصل لهم ولا يضيع.
وَ أَنَّ اللَّهَ قرىء بالفتح عطفا على النعمة والفضل ، وبالكسر ، على الابتداء ، وعلى أن الجملة اعتراض.
172 - الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ :
الَّذِينَ اسْتَجابُوا مبتدأ ، خبره لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ، أو صفة لقوله الْمُؤْمِنِينَ فى الآية السابقة ، أو منصوب على المدح.
وكان أبو سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد وبلغوا الروحاء ندموا وهموا بالرجوع ، فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم فأراد أن يرهبهم ويريهم من نفسه وأصحابه قوة ، فندب أصحابه للخروج فى طلب أبى سفيان وقال : لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس ، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم مع جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد ، وهى من المدينة على ثمانية أميال ، وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر ، وألقى اللّه الرعب فى قلوب المشركين فذهبوا.
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ للنبيين.

(1/3997)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 277
[سورة آل عمران (3) : الآيات 173 الى 175]
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)
173 - الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ :
قالَ لَهُمُ النَّاسُ المثبطون.
إِنَّ النَّاسَ هم أبو سفيان وأصحابه.
فَزادَهُمْ إِيماناً أي فزادهم هذا القول إيمانا وعزما على الجهاد.
حَسْبُنَا اللَّهُ أي كافينا.
وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ ونعم الموكول إليه هو.
174 - فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ :
فَانْقَلَبُوا فرجعوا من بدر.
بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وهى السلامة وحذر العدو منهم.
لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ لم يلقوا ما يسوءهم من كيد عدوهم.
وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ بجرأتهم وخروجهم.
وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ قد تفضل عليهم فيما فعلوا.
175 - إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ :
الشَّيْطانُ خبر ذلِكُمُ. والمعنى : إنما ذلكم المثبط هو الشيطان.
يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ جملة مستأنفة بيان لشيطنته ، أو الشَّيْطانُ صفة لاسم الإشارة ، ويُخَوِّفُ الخبر ، ويُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ أي يخوفكم أولياءه الذين هم أبو سفيان وأصحابه. وقيل : يعنى القاعدين عن الخروج مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
فَلا تَخافُوهُمْ أي فلا تخافوا الناس الذين جمعوا لكم فتقعدوا عن القتال وتجبنوا.

(1/3998)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 278
وَ خافُونِ فجاهدوا مع رسولى وسارعوا إلى ما يأمركم به.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي إن الإيمان يقتضى أن تؤثروا خوف اللّه على خوف الناس.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 176 الى 178]
وَ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (177) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (178)
176 - وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ :
لا يَحْزُنْكَ أي لا يحزنوك لخوف أن يضروك ويعينوا عليك.
الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ يقعون فيه سريعا ويرغبون فيه أشد الرغبة.
إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً أي إنهم لا يضرون بمسارعتهم فى الكفر غير أنفسهم وما وبال ذلك عائدا على غيرهم.
يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ أي نصيبا من الثواب يبين كيف يعود وبال مسارعتهم فى الكفر عليهم.
وَ لَهُمْ بدل الثواب.
عَذابٌ عَظِيمٌ وهذا أبلغ ما ضروا به أنفسهم.
177 - إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ :
إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ كرر ذكرهم للتأكيد والتسجيل بما أضاف إليهم ، وإما أن يكون عاما.
شَيْئاً نصب على المصدر ، أي شيئا من الضرر وبعض الضرر.
178 - وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ. إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ :
وَ لا يَحْسَبَنَّ قرىء : ولا تحسبن.
الَّذِينَ كَفَرُوا مع من قرأ بالياء رفع ، ومع من قرأ بالتاء نصب.

(1/3999)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 279
أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ بدل ، أي ولا تحسبن أن ما نملى للكافرين خير لهم. و(أن) مع ما فى حيزه ينوب عن المفعولين. وما مصدرية ، أي :
و لا تحسبن أن إملاءنا خير. والإملاء لهم : تخليتهم وشأنهم.
أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ ما ، هنا ، كافة. وهذه جملة مستأنفة تعليل للجملة قبلها ، كأنه قيل : ما بالهم لا يحسبون الإملاء خيرا لهم ، فقيل : إنما نملى لهم ليزدادوا إثما. فازدياد الإثم علة للإملاء وليس غرضا.
وقرىء بكسر (إنما) الأولى ، وفتح (أنما) الثانية ، على معنى ، ولا يحسبن الذين كفروا أن إملاء لازدياد الإثم كما يفعلون ، وإنما هو ليتوبوا ويدخلوا فى الإيمان ، ويكون أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ اعتراض بين الفعل ومعموله ، والمعنى : أن املاءنا خير لأنفسهم إن عملوا فيه وعرفوا إنعام اللّه عليهم بتفسيح المدة وترك المعاجلة بالعقوبة.
ويكون معنى قوله وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ على هذه القراءة : ولا تحسبوا أن إملاءنا لزيادة الإثم والتعذيب ، والواو للحال ، كأنه قيل : ليزدادوا إثما معدا لهم عذاب مهين.
[سورة آل عمران (3) : آية 179]
ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)
179 - ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ :
لِيَذَرَ اللام لتأكيد النفي.
عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ من اختلاط المؤمنين الخلص والمنافقين.
والخطاب للمصدقين جميعا من أهل الإخلاص والنفاق.
حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ حتى يعزل المنافق عن المخلص.
وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ أي وما كان اللّه ليؤتى أحدا منكم علم الغيوب فلا تتوهموا عند إخبار الرسول بنفاق رجل وإخلاص آخر أنه يطلع على ما فى القلوب اطلاع اللّه فيخبر عن كفرها وإيمانها.

(1/4000)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 280
وَ لكِنَّ اللَّهَ يرسل الرسول فيوحى إليه ويخبره بأن الغيب كذا ، وأن فلانا فى قلبه النفاق ، وفلانا فى قلبه الإخلاص فيعلم ذلك من جهة إخبار اللّه لا من جهة اطلاعه على المغيبات.
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ بأن تقدروه حق قدره وتعلموه وحده مطلعا على الغيوب ، وتنزلوهم منازلهم بأن تعلوهم عبادا مجتبين ، لا يعلمون إلا ما علمهم اللّه ، ولا يخبرون إلا بما أخبرهم اللّه به من الغيوب.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 180 الى 181]
وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (181)
180 - وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ :
وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ المفعول الأول محذوف ، والتقدير :
و لا يحسبن الذين بخلوا بخلهم.
ومن قرأ بالتاء قدر مضافا محذوفا ، أي ولا تحسبن بخل الذين يبخلون.
هُوَ خَيْراً لَهُمْ هو ، فاصلة ، وخيرا ، هو المفعول الثاني.
سَيُطَوَّقُونَ تفسير لقوله شَرٌّ لَهُمْ أي سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق.
وَ لِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي وله ما فيها مما يتوارثه أهله من مال وغيره فما لهم يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه فى سبيله.
بِما تَعْمَلُونَ على الالتفات وهى أبلغ فى الوعيد. وقرىء (يعلمون) بالياء على الظاهر.
181 - لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ :
قال ذلك اليهود حين سمعوا قول اللّه تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً.

(1/4001)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 281
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ أي لم يخف عليه وأنه أعد له كفاءه من العقاب.
سَنَكْتُبُ ما قالُوا أي سنحفظه ونثبته فى علمنا كما يثبت المكتوب.
وَ قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ كما لن يفوتنا قتلهم الأنبياء ، وجعل قتلهم الأنبياء قرينة له إيذانا بأنهما فى العظم أخوان.
وَ نَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ أي وننتقم منهم بأن نقول لهم يوم القيامة ذوقوا عذاب الحريق.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 182 الى 183]
ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (183)
182 - ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ :
ذلِكَ إشارة إلى ما تقدم من عقابهم.
بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وذكر الأيدى لأن أكثر الأعمال تزاول بهن ، فجعل كل عمل كالواقع بالأيدى على سبيل التغليب.
وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أي إنه عادل عليهم ، ومن العدل أن يعاقب المسيء منهم ويثيب المحسن.
183 - الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ :
عَهِدَ إِلَيْنا أمرنا فى التوراة وأوصانا بأن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بهذه الآية الخاصة ، وهو أن يرينا قربانا تنزل نار من السماء فتأكله ، وكانت تلك معجزة أنبياء بنى إسرائيل ، وهذه وسائر الآيات سواء.
قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ أي إن أنبياءهم جاءوهم بالبينات الكثيرة التي أوجبت عليهم التصديق وجاءوهم أيضا بهذه الآية التي اقترحوها.
فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي فلم قتلوهم إن كانوا صادقين ، أي أن الإيمان يلزمهم بإتيانها.

(1/4002)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 282
[سورة آل عمران (3) : الآيات 184 الى 186]
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (184) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)
184 - فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ :
بِالْبَيِّناتِ أي بالدلالات.
وَ الزُّبُرِ أي الكتب ، الواحد : زبور.
وَ الْكِتابِ الْمُنِيرِ أي الواضح ، يعنى التوراة والإنجيل. وجمع بين الزبر والكتاب ، وهما بمعنى واحد ، لاختلاف لفظهما.
185 - كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ :
وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي ولا توفون أجوركم على طاعاتكم ومعاصيكم عقيب موتكم ، وإنما توفونها يوم قيامكم من قبوركم.
فَمَنْ زُحْزِحَ أي أبعد ونحى.
فَقَدْ فازَ أي فقد حصل له الفوز المطلق المتناول لكل ما يفاز به ، ولا غاية للفوز وراء النجاة من سخط اللّه ، والعذاب السرمد ، ونيل رضوان اللّه والنعيم المخلد.
وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ، ثم يتبين له فساده ورداءته.
186 - لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ :
لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ البلاء فى الأنفس : القتل والأسر والجراح ، وما يرد عليها من أنواع المخاوف والمصائب. وفى الأموال :
الإنفاق فى سبيل الخير وما يقع فيها من الآفات.
وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا

(1/4003)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 283
ما كانوا يسمعونه من أهل الكتاب وممن أشركوا من المطاعن فى الدين ، وصد عن الإيمان ، وتخطئة لمن آمن.
فَإِنَّ ذلِكَ فإن الصبر والتقوى.
مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ من معزومات الأمور ، أي مما يجب العزم عليه من الأمور ، أو مما عزم اللّه أن يكون.
أي إن ذلك عزمة من عزمات اللّه لا بد لكم أن تصبروا وتتقوا.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 187 الى 189]
وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (187) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)
187 - وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ :
وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ واذكر وقت أخذ اللّه ميثاق أهل الكتاب.
لَتُبَيِّنُنَّهُ الضمير للكتاب. أكد عليهم إيجاب بيان الكتاب واجتناب كتمانه كما يؤكد على الرجل إذا عزم وقيل له : آللّه لتفعلن.
فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ فنبذوا الميثاق وتأكيده عليهم ، يعنى لم يراعوه ولم يلتفتوا إليه.
والنبذ وراء الظهر مثل فى الطرح وترك الاعتداد.
188 - لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ :
لا تَحْسَبَنَّ خطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
الَّذِينَ يَفْرَحُونَ المفعول الأول.
بِما أَتَوْا بما فعلوا. وقرىء (آتوا) أي أعطوا.
فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ تأكيد.
بِمَفازَةٍ مفعول ثان ، أي بمنجاة.
189 - وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :

(1/4004)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 284
وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فهو يملك أمرهم ، وهو على كل شىء قدير ، فهو يقدر على عقابهم.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 190 الى 192]
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192)
190 - إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ :
لَآياتٍ لأدلة واضحة على الصانع وعظيم قدرته.
لِأُولِي الْأَلْبابِ للذين يفتحون بصائرهم للنظر ، وللاستدلال والاعتبار.
191 - الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ :
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ ذكرا دائبا على أي حال كانوا ، من قيام وقعود واضطجاع ، لا يخلون بالذكر فى أغلب أحوالهم.
وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وما يدل عليه اختراع هذه الأجرام العظام وإبداع صنعتها وما دبر فيها بما تكل الأفهام عن إدراك بعض عجائبه على عظم شأن الصانع وكبرياء سلطانه.
ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا على إرادة القول ، أي يقولون ذلك ، وهو فى محل الحال ، بمعنى : يتفكرون قائلين. والمعنى : ما خلقته خلقا باطلا بغير حكمة ، بل خلقته لداعى حكمة عظيمة ، وهو أن تجعلها مساكن للمكلفين. وأدلة على معرفتك ووجوب طاعتك واجتناب معصيتك.
فَقِنا عَذابَ النَّارِ جزاء من عصى ولم يطع ، ولذلك وصل بما قبله.
192 - رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ :
فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ أي فقد أبلغت فى إخزائه.
وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ ينصرونهم من عذاب اللّه.

(1/4005)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 285
[سورة آل عمران (3) : الآيات 193 الى 195]
رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195)
193 - رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ :
أَنْ آمِنُوا أي آمنوا ، أو بأن آمنوا.
ذُنُوبَنا كبائرنا.
سَيِّئاتِنا صغائرنا.
مَعَ الْأَبْرارِ مخصوصين بصحبتهم ، معدودين فى جملتهم.
194 - رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ :
وَ آتِنا ما وَعَدْتَنا أي التوفيق فيما يحفظ علينا أسباب إنجاز الميعاد. والموعود ، هو الثواب أو النصرة على الأعداء.
وَ لا تُخْزِنا أي لا تبعدنا.
195 - فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ :
فَاسْتَجابَ لَهُمْ أي أجابهم.
أَنِّي لا أُضِيعُ بالفتح على حذف الباء ، أي بأنى ، وقرىء بالكسر على ارادة القول.
مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بيان لعامل.
بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ أي يجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد ، فكل واحد منكم من الآخر ، أي من أصله. وقيل : المراد وصلة الإسلام.
فَالَّذِينَ هاجَرُوا تفصيل لعمل العامل. أي فارين الى اللّه بدينهم من دار الفتنة.

(1/4006)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 286
وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ أي واضطروا الى الخروج من ديارهم التي ولدوا فيها ونشئوا بما سامهم المشركون من الخسف.
وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي سبيلى ، أي سبيل الدين ، من أجله وبسببه.
وَ قاتَلُوا وَقُتِلُوا أي غزوا المشركين واستشهدوا.
ثَواباً فى موضع المصدر المؤكد ، بمعنى إثابة.
وَ اللَّهُ عِنْدَهُ فهو المختص به وبقدرته وفضله ، لا يثيبه غيره ولا يقدر عليه.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 196 الى 198]
لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (197) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (198)
196 - لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ :
لا يَغُرَّنَّكَ الخطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، أو عام. أي لا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم فى الأرض وتصرفهم فى البلاد يتكسبون ويتجرون.
197 - مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ :
مَتاعٌ قَلِيلٌ خبر مبتدأ محذوف ، أي ذلك متاع قليل ، وهو التقلب فى البلاد. أراد قلته فى جنب مافاتهم من نعيم الآخرة ، أو أنه قليل فى نفسه لانقضائه ، وكل زائل قليل.
وَ بِئْسَ الْمِهادُ أي وساء ما مهدوا لأنفسهم.
198 - لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ :
نُزُلًا النزل : ما يقام للنازل ، وانتصابه إما على الحال من جَنَّاتٌ ، ويجوز أن يكون بمعنى مصدر مؤكد ، كأنه قيل : رزقا ، أو عطاء.
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ من الكثير الدائم.
خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ مما يتقلب فيه الفجار من القليل الزائل.

(1/4007)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 287
[سورة آل عمران (3) : الآيات 199 الى 200]
وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (199) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
199 - وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ :
وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ من اليهود والنصارى.
وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ من القرآن.
وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ من الكتابين.
خاشِعِينَ لِلَّهِ حال من فاعل يُؤْمِنُ لأن من يؤمن فى معنى الجمع.
لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا كما يفعل من لم يسلم من أحبارهم وكبارهم.
أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ما يختص بهم من الأجر ، وهو ما وعدوه.
200 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ :
اصْبِرُوا على الدين وتكاليفه.
وَ صابِرُوا أعداء اللّه فى الجهاد ، أي غالبوهم فى الصبر على شدائد الحرب لا تكونوا أقل صبرا منهم وثباتا.
وَ رابِطُوا أي أقيموا فى الثغور رابطين خيلكم فيها مترصدين مستعدين للغزو.

(1/4008)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 288
(4) سورة النساء
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة النساء (4) : الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2)
1 - يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً :
يا أَيُّهَا النَّاسُ يا بنى آدم.
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فرعكم من أصل واحد ، وهو نفس آدم أبيكم.
وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها عطف على محذوف ، كأنه قيل : من نفس واحدة أنشأها ، أو ابتدأها وخلق منها زوجها ، وحذف لدلالة المعنى عليه.
أو هو عطف على خَلَقَكُمْ ويكون الخطاب فى يا أَيُّهَا النَّاسُ للذين بعث إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، ويكون المعنى : خلقكم من نفس آدم ، لأنهم من جملة الجنس المفرع منه ، وخلق منها أمكم حواء.
وَ بَثَّ مِنْهُما نوعى جنس الإنس ، وهما الذكور والإناث.
رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً ما تسلسل منهما.
تَسائَلُونَ بِهِ أي تتساءلون ، أي يسأل بعضكم بعضا باللّه وبالرحم أفعل كذا ، أو تسألون غيركم باللّه والرحم.
وَ الْأَرْحامَ بالنصب عطفا على لفظ الجلالة ، أو على محل الجار والمجرور.
2 - وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً :
الْيَتامى الذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم.

(1/4009)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 289
أَمْوالَهُمْ أي لا يطمع فيها الأولياء والأوصياء.
وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ أي ولا تستبدلوا الحرام ، وهو مال اليتامى ، بالحلال ، وهو ما أبيح لكم من المكاسب.
وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ أي لا تضموها إليها فى الإنفاق ، حتى لا تفرقوا بين أموالكم وأموالهم قلة مبالاة بما لا يحل لكم.
حُوباً ذنبا عظيما.
[سورة النساء (4) : الآيات 3 الى 4]
وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4)
3 - وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا :
وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا أي وإن خفتم أن تجوروا ، وألا تعدلوا فى مهورهن ، وفى النفقة عليهن.
فِي الْيَتامى جمع يتيمة تكون فى حجر وليها تشاركه فى ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط فى صداقها.
ما طابَ ما حل ، لأن منهن ما حرم.
فَواحِدَةً فالزموا أو فاختاروا واحدة وذروا الجمع.
أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يريد الإماء.
ذلِكَ إشارة إلى اختيار الواحدة أو التسرى.
أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا أقرب من أن لا تميلوا.
4 - وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً :
صَدُقاتِهِنَّ مهورهن.
نِحْلَةً عطية.

(1/4010)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 290
[سورة النساء (4) : الآيات 5 الى 6]
وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6)
5 - وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً :
وَ لا تُؤْتُوا الخطاب للأولياء.
السُّفَهاءَ المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغى ولا يدى لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها.
أَمْوالَكُمُ أضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم.
جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً أي تقومون بها وتنتعشون ، ولو ضيعتموها لضعتم فكأنها فى أنفسها قيامكم وانتعاشكم.
وَ ارْزُقُوهُمْ فِيها واجعلوها مكانا لرزقهم بأن تتجروا فيها وتتربحوا ، حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فلا يأكلها فى الإنفاق.
قَوْلًا مَعْرُوفاً عدة جميلة ، إن صلحتم ورشدتم ثم سلمنا إليكم أموالكم.
6 - وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً :
وَ ابْتَلُوا الْيَتامى واختبروا عقولهم وذوقوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل البلوغ.
النِّكاحَ أي الحلم.
آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً أي حتى إذا تبينتم منهم هداية.

(1/4011)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 291
فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ دفعتم إليهم أموالهم من غير تأخير عن حد البلوغ.
إِسْرافاً وَبِداراً مسرفين ومبادرين كبرهم ، أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم تفرطون فى إنفاقها وتقولون ننفق كما نشتهى قبل أن يكبر اليتامى فينتزعونها من أيدينا.
فَلْيَسْتَعْفِفْ أي يستعف من أكلها ولا يطمع ، ويقنع بما رزقه اللّه من الغنى إشفاقا على اليتيم ، وإبقاء على ماله.
فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ بأنهم تسلموها وقبضوها وبرئت عنها ذممكم ، وذلك أبعد من التخاصم والتجاحد وأدخل فى الأمانة وبراءة للساحة.
وَ كَفى بِاللَّهِ حَسِيباً أي كافيا فى الشهادة عليكم بالدفع والقبض.
أو محاسبا ، فعليكم بالتصادق ، وإياكم والتكاذب.
[سورة النساء (4) : الآيات 7 الى 8]
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8)
7 - لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً :
وَ الْأَقْرَبُونَ هم المتوارثون من ذوى القرابات دون غيرهم.
مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ بدل مِمَّا تَرَكَ بتكرير العامل.
نَصِيباً مَفْرُوضاً نصب على الاختصاص ، بمعنى : أعنى نصيبا مفروضا مقطوعا واجبا لا بد لهم من أن يحوزوه.
ويجوز أن ينتصب انتصاب المصدر المؤكد ، كأنه قيل : قسمة مفروضة.
8 - وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً :
وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أي قسمة التركة.
أُولُوا الْقُرْبى ممن لا يرث.

(1/4012)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 292
فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ الضمير فى مِنْهُ لما ترك الوالدان والأقربون ، وهو أمر على الندب.
[سورة النساء (4) : آية 9]
وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (9)
9 - وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً :
لَوْ تَرَكُوا صلة الَّذِينَ. والمراد بهم : الأوصياء ، أمروا بأن يخشوا اللّه فيخافوا على من فى حجورهم من اليتامى ، ويشفقوا عليهم.
خوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافا.
قَوْلًا سَدِيداً عدلا صوابا.
[سورة النساء (4) : الآيات 10 الى 11]
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10) يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (11)
10 - إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً :
ظُلْماً ظالمين.
فِي بُطُونِهِمْ ملء بطونهم.
ناراً ما يجر إلى النار ، فكأنه نار فى الحقيقة.
سَعِيراً نارا من النيران مبهمة الوصف.
11 - يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً :
يُوصِيكُمُ يعهد إليكم ويأمركم.
فِي أَوْلادِكُمْ فى شأن ميراثهم بما هو العدل والمصلحة.
وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً وإن كانت البنت أو المولودة منفردة فذة ليس معها أخرى.

(1/4013)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 293
وَ لِأَبَوَيْهِ الضمير للميت.
لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا بدل من لِأَبَوَيْهِ.
فَرِيضَةً نصبت نصب المصدر المؤكد.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بمصالح خلقه.
حَكِيماً فى كل ما فرض وقسم من المواريث وغيرها.
[سورة النساء (4) : آية 12]
وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)
12 - وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ :
فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ منكم أو من غيركم.
وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يعنى الميت.
يُورَثُ أي يورث منه.
كَلالَةً خبر كانَ أي وإن كان رجل موروث منه كلالة. وكلالة ، حال من الضمير فى يُورَثُ. والكلالة : من لم يخلف ولدا ولا والدا ، ومن ليس بولد ولا والد من المخلفين ، والقرابة من غير جهة الولد والوالد.
فإذا مات الرجل وليس له ولد ولا والد فورثته كلالة.
غَيْرَ مُضَارٍّ حال ، أي يوصى بها وهو غير مضار لورثته ، وذلك بأن يوصى بزيادة على الثلث أو يوصى بالثلث فما دونه ، ونيته مضارة ورثته ومغاضبتهم لا وجه اللّه تعالى.

(1/4014)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 294
وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ مصدر مؤكد ، أي يوصيكم بذلك وصية.
وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بمن جار أو عدل فى وصيته.
حَلِيمٌ عن الجائر لا يعاجله.
[سورة النساء (4) : الآيات 13 الى 15]
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14) وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15)
13 - تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ :
تِلْكَ إشارة الى الأحكام التي ذكرت فى باب اليتامى والوصايا والمواريث ، وسماها حدودا لأن الشرائع كالحدود المضروبة المؤقتة للمكلفين لا يجوز لهم أن يتجاوزوها ويتخطوها الى ما ليس لهم بحق.
14 - وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ :
وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي فى قسمة المواريث فلم يقسمها ولم يعمل بها.
وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ أي يخالف أمره.
15 - وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا :
يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ الفاحشة : الزنا.
أَرْبَعَةً مِنْكُمْ أي من المسلمين.
فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ هذه أول عقوبات الزناة ، وكان هذا فى ابتداء الإسلام ، ثم نسخ بآية النور بقوله تعالى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي.
ويجوز أن تكون غير منسوخة بأن يترك ذكر الحد لكونه معلوما بالكتاب والسنة ويوصى بإمساكهن فى البيوت بعد أن يحددن صيانة لهن عن مثل ما جرى عليهن بسبب الخروج من البيوت والتعرض للرجال.

(1/4015)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 295
أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا هو النكاح الذي يستغنين به عن السفاح. وقيل : السبيل هو الحد.
[سورة النساء (4) : الآيات 16 الى 18]
وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18)
16 - وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً :
وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ يريد الزاني والزانية.
فَآذُوهُما أي وبخوهما وذموهما.
فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا وغيرا الحال.
فَأَعْرِضُوا عَنْهُما فاقطعوا التوبيخ والمذمة ، فإن التوبة تمنع استحقاق الذم والعقاب.
17 - إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً :
إِنَّمَا التَّوْبَةُ يعنى إنما القبول والغفران أمرهما الى اللّه تعالى.
بِجَهالَةٍ فى موضع الحال ، أي يعملون السوء جاهلين سفهاء ، لأن ارتكاب القبيح مما يدعو إليه السفه والشهوة لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل.
مِنْ قَرِيبٍ من زمان قريب. والزمان القريب : ما قبل حضرة الموت.
18 - وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً :
وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ يعنى قبول التوبة للذين أصروا على فعلهم.
حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ يعنى الشرق والفزع.

(1/4016)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 296
قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ فليس لهذا توبة.
[سورة النساء (4) : الآيات 19 الى 20]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20)
19 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً :
لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً أي أن تأخذوهن على سبيل الإرث كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك أو مكرهات.
وقيل : كان يمسكها حتى تموت ، فقيل : لا يحل لكم أن تمسكوهن حتى ترثوا منهن وهن غير راضيات بإمساككم.
وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ العضل : الحبس والتضييق.
لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ كان الرجل إذا تزوج امرأة ولم تكن من حاجته حبسها مع سوء العشرة والقهر لتفتدى منه بمالها وتختلع ، فقيل : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن.
إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وهى النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله بالبذاءة والسلاطة.
وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وهو النصفة فى البيت والنفقة والإجمال فى القول.
فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فلا تفارقوهن لكراهة الأنفس وحدها ، فربما كرهت النفس ما هو أصلح فى الدين وأحمد وأدنى إلى الخير ، وأحبت ما هو ضد ذلك.
20 - وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً :
بُهْتاناً على الحال ، أي باهتين وآثمين. والبهتان : أن تستقبل الرجل بأمر قبيح تقذفه به وهو برىء منه.

(1/4017)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 297
[سورة النساء (4) : الآيات 21 الى 24]
وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (21) وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُاللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (23) وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (24)
21 - وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً :
وَ قَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ قد خلا بعضكم ببعض خلو مضاجعة.
مِيثاقاً غَلِيظاً الميثاق الغليظ : حق الصحبة والمضاجعة.
22 - وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا :
فاحِشَةً بالغة فى القبح.
وَ مَقْتاً ممقوت فى المروءة ولا مزيد عليه.
23 - حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً :
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ تحريم نكاحهن ، وهو ما يفهم من تحريمهن ، كما يفهم من تحريم الخمر تحريم شربها.
وَ رَبائِبُكُمُ الربائب : أولاد المرأة من غير زوجها.
وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ : زوجات أبنائكم.
الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ دون من تبنيتم.
24 - وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً :

(1/4018)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 298
وَ الْمُحْصَناتُ ذوات الأزواج لأنهن أحصن فروجهن بالتزويج ، فهن محصنات ، بفتح الصاد وكسرها.
إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من اللاتي سبين.
كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ مصدر مؤكد ، أي كتب اللّه ذلك عليكم كتابا وفرضه فرضا ، وهو تحريم ، أي كتب اللّه عليكم تحريم ذلك.
وَ أُحِلَّ لَكُمْ على البناء للمفعول.
أَنْ تَبْتَغُوا مفعول له ، بمعنى : بين لكم ما يحل مما يحرم إرادة أن يكون ابتغاؤكم :
بِأَمْوالِكُمْ أي المهور وما يخرج فى المناكح.
مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ أي فى حال كونكم محصنين غير مسافحين ، فلا تضيعوا أموالكم وتفقروا أنفسكم فيما لا يحل فتخسروا دنياكم ودينكم. والإحصان : العفة وتحصين النفس من الوقوع فى الحرام.
والمسافح : الزاني.
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ أي فما استمتعتم به من المنكوحات من جماع أو خلوة صحيحة أو عقد عليهن.
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ عليه. فأسقط الراجع الى (ما) لأنه لا يلبس.
ويجوز أن تكون (ما) فى معنى النساء ، و(من) للتبعيض أو للبيان ، ويرجع الضمير إليه على اللفظ فى (به) ، وعلى المعنى فى فَآتُوهُنَّ.
أُجُورَهُنَّ مهورهن ، لأن المهر ثواب على البضع.
فَرِيضَةً حال من (الأجور) بمعنى : مفروضة ، أو وضعت موضع (إيتاء) لأن الإيتاء مفروض.
أو مصدر مؤكد ، أي فرض اللّه فريضة.

(1/4019)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 299
فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ أي فيما تحط عنه من المهر ، أو تهب له من كله ، أو يزيد لها على مقداره.
وقيل : فيما تراضياه من مقام أو فراق.
[سورة النساء (4) : آية 25]
وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)
25 - وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
طَوْلًا فضلا وزيادة ، أي زيادة فى المال وسعة يبلغ بها نكاح الحرة.
فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فلينكح أمة.
مِنْ فَتَياتِكُمُ أي من فتيات المسلمين لا من فتيات غيركم.
وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ أي إن اللّه أعلم بتفاضل ما بينكم وبين أرقائكم فى الإيمان ، ورجحانه ونقصانه فيهم وفيكم ، وربما كان إيمان الأمة أرجح من إيمان الحرة ، والمرأة أفضل فى الإيمان من الرجل ، وحق المؤمنين ألا يعتبروا إلا فضل الإيمان لا فضل الأحساب والأنساب ، وهذا تأنيس بنكاح الإماء ، وترك الاستنكاف منه.
بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ أي أنتم وأرقاؤكم متواصلون متناسبون لاشتراككم فى الإيمان لا يفضل حر عبدا إلا برجحان فيه.
بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ اشتراط لإذن الموالي فى نكاحهن.
وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وأدوا إليهن مهورهن بغير مطل وضرار.
مُحْصَناتٍ عفائف.

(1/4020)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 300
غَيْرَ مُسافِحاتٍ غير مقترفات زنا.
وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ الأخلاء فى السر.
كأنه قيل : غير مجاهرات بالسفاح ولا مسرات له.
فَإِذا أُحْصِنَّ بالتزويج.
نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ الحرائر.
مِنَ الْعَذابِ من الحد.
ذلِكَ إشارة إلى نكاح الإماء.
لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ لمن خاف الإثم الذي تؤدى إليه غلبة الشهوة.
وقيل : العنت : الحد ، لأنه إذا هويها خشى أن يواقعها فيحد فيتزوجها.
وَ أَنْ تَصْبِرُوا فى محل الرفع على الابتداء ، أي وصبركم عن نكاح الإماء متعففين خَيْرٌ لَكُمْ.
[سورة النساء (4) : الآيات 26 الى 27]
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27)
26 - يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ :
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ أصله : يريد اللّه أن يبين لكم ، فزيدت اللام مؤكد لإرادة التبيين ، والمعنى : يريد اللّه أن يبين لكم ما هو خفى عنكم من مصالحكم وأفاضل أعمالكم.
وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وأن يهديكم مناهج من كان قبلكم من الأنبياء والصالحين والطرق التي سلكوها فى دينهم لتقتدوا بها.
وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ويرشدكم إلى طاعات إن قمتم بها كانت كفارات لسيئاتكم ليتوب عليكم ويكفر لكم.
27 - وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً :

(1/4021)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 301
وَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ أن تفعلوا ما تستوجبون به أن يتوب عليكم.
وَ يُرِيدُ الفجرة.
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ النزوات والأهواء.
أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً وهو الميل عن القصد والحق ، ولا ميل أعظم.
[سورة النساء (4) : الآيات 28 الى 30]
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (28) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30)
28 - يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً :
أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ إحلال نكاح الأمة وغيره من الرخص.
وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً لا يصبر عن الشهوات ولا على مشاق الطاعات.
29 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً :
بِالْباطِلِ بما لم تبحه الشريعة.
إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً إلا أن تقع تجارة. والاستثناء منقطع.
عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ صفة لتجارة ، أي تجارة صادرة عن تراض ، وخص التجارة بالذكر لأن أسباب الرزق أكثرها متعلق بها.
و التراضي : رضا المتبايعين بما تعاقدا عليه فى حال البيع وقت الإيجاب والقبول.
وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ من كان من جنسكم من المؤمنين.
وقيل : أن يقتل الرجل نفسه مع الطيش.
إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً أي ما نهاكم عما يضركم إلا لرحمته عليكم.
30 - وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً :

(1/4022)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 302
ذلِكَ إشارة إلى القتل. أي ومن يقدم على قتل الأنفس.
عُدْواناً وَظُلْماً لا خطأ ولا اقتصاصا.
فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً نجعله يصلى بنار.
وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً لأن الحكمة تدعو إليه.
[سورة النساء (4) : الآيات 31 الى 32]
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (31) وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32)
31 - إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً :
كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ أي ما كبر من المعاصي التي ينهاكم اللّه عنها ، والرسول.
نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ نمط ما تستحقونه من العقاب فى كل وقت على صغائركم ، ونجعلها كأن لم تكن ، لزيادة الثواب المستحق على اجتنابكم الكبائر وصبركم عنها ، على عقاب السيئات. والكبيرة والصغيرة إنما وصفتا بالكبر والصغر بإضافتهما إما إلى طاعة أو معصية. والتكفير إماطة المستحق من العقاب بثواب أزيد أو بتوبة.
مُدْخَلًا بضم الميم وفتحها ، بمعنى المكان والمصدر ، فيهما.
32 - وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً :
وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ نهى عن التحاسد وعن تمنى ما فضل اللّه به بعض الناس على بعض من الجاه والمال ، لأن ذلك التفضيل قسمة من اللّه.
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ جعل ما قسم لكل من الرجال والنساء على حسب ما عرف اللّه من حاله الموجبة للبسط أو القبض كسبا له.

(1/4023)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 303
وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ولا تتمنوا أنصباء غيركم من الفضل ولكن سلوا اللّه من خزائنه التي لا تنفد.
[سورة النساء (4) : الآيات 33 الى 34]
وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33) الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34)
33 - وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً :
وَ لِكُلٍّ أي : ولكل قوم.
جَعَلْنا مَوالِيَ وراثا.
مِمَّا تَرَكَ تبيين لقوله وَلِكُلٍّ. أي : ولكل شىء مما ترك. أي من المال.
وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ مبتدأ ضمن معنى الشرط ، فوقع خبره ، وهو فَآتُوهُمْ مع الفاء ، ويجوز أن يكون منصوبا ، أي فآتوهم الذين.
ويجوز أن يعطف على قوله الْوالِدانِ ويكون المضمر فى فَآتُوهُمْ للموالى.
والمراد بالذين عقدت أيمانكم ، أي الذين عقد المتوفى لهم عقدا مقتضاه أن يرثوه إذا مات من غير قرابة ، وينصروه إذا احتاج إلى نصرتهم فى مقابل ذلك.
فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ أي فآتوا كل ذى حق حقه.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً أي كان رقيبا على كل شىء ، حاضرا معكم ، يشهد ما تتصرفون به.
34 - الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً :
قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ يقومون بشئونهن.

(1/4024)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 304
بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ بما أعطى اللّه الرجال من صفات تهيئهم للقيام بهذا الحق.
وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ أي بسبب أنهم هم يكدون ويكدحون لكسب المال الذي ينفقونه.
قانِتاتٌ مطيعات بما عليهن للأزواج.
حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ أي حافظات لمواجب الغيب من الفروج ، والبيوت ، والأموال.
وقيل : للأسرار.
بِما حَفِظَ اللَّهُ أي بما حفظهن اللّه حين أوصى بهن الأزواج.
أو بما حفظهن اللّه وعصمهن ووفقهن لحفظ الغيب.
أو بما حفظهن حين وعدهن الثواب العظيم على حفظ الغيب.
نُشُوزَهُنَّ أي تظهر منهن بوادر العصيان.
فَعِظُوهُنَّ بالقول المؤثر.
وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ أي اعتزلوهن فى الفراش.
وَ اضْرِبُوهُنَّ أي وعاقبوهن بضرب خفيف غير مبرح ولا مهين.
فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا فلا تطلبوا السبيل التي هى أشد منها بغيا عليهن.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً أي إن اللّه فوقكم وينتقم منكم إذا آذيتموهن أو بغيتم عليهن.
[سورة النساء (4) : آية 35]
وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35)
35 - وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً :
وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما أصله : شقاقا بينهما ، فأضيف الشقاق إلى الظروف على طريق الاتساع.

(1/4025)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 305
حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ رجلا مرضيا يصلح لحكومة العدل والإصلاح بينهما.
إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً أي الحكمان.
يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما أي الزوجين.
أي إن قصد الحكمان إصلاح ذات البين ، وكانت نيتهما صحيحة ، وقلوبهما ناصحة لوجه اللّه ، بورك فى وساطتهما.
[سورة النساء (4) : الآيات 36 الى 37]
وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (37)
36 - وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً :
وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً أي وأحسنوا بهما إحسانا.
وَ بِذِي الْقُرْبى أي وبكل من بينكم وبينه قربى من أخ أو عم أو غيرهما.
وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى الذي قرب جواره ، أو النسيب القريب.
وَ الْجارِ الْجُنُبِ الذي جواره بعيد ، أو الأجنبى.
وَ ابْنِ السَّبِيلِ المسافر المنقطع به. وقيل : الضيف.
مُخْتالًا تياها جهولا يتكبر عن إكرام أقاربه ، وأصحابه ، فلا يحتفى بهم ولا يلتفت إليهم.
37 - الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً :
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بدل من قوله فى ختام الآية السابقة مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً ويجوز نصبه على الذم.
ويجوز أن يكون رفعا على الذم ، وأن يكون مبتدأ خبره محذوف ، كأنه قيل : الذين يبخلون ويفعلون ، ويصنعون ، أحقاء بكل ملامة.

(1/4026)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 306
و يبخلون ، أي يبخلون بذات أيديهم.
وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ أي يأمرونهم بأن يبخلوا به مقتا للسخاء ممن وجد.
وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أي يخفون نعمة اللّه ، وفضله عليهم ، فلا ينفعون أنفسهم ولا الناس بذلك.
وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً وأعددنا للجاحدين أمثالهم عذابا مؤلما مذلا.
[سورة النساء (4) : الآيات 38 الى 40]
وَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (39) إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (40)
38 - وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً :
رِئاءَ النَّاسِ للفخار.
وَ مَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً صاحبا يزين له الشر.
فَساءَ قَرِيناً حيث حملهم على البخل والرياء ، وكل شر.
39 - وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً :
وَ ما ذا عَلَيْهِمْ أي وأي تبعة ووبال عليهم فى الإيمان ، والإنفاق فى سبيل اللّه. والمراد الذم والتوبيخ.
وَ كانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً وعيد.
40 - إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً :
مِثْقالَ ذَرَّةٍ الذرة : النملة الصغيرة ، وكل جزء من أجزاء الهباء.
وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً أي وإن يكن مثقال ذرة حسنة ، وإنما أنت ضمير المثقال لكونه مضافا إلى مؤنث.

(1/4027)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 307
يُضاعِفْها يضاعف ثوابها لاستحقاقها عنده الثواب فى كل وقت من الأوقات المستقبلة غير المتناهية.
وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً أي ويعط صاحبها من عنده على سبيل المتفضل عطاء عظيما ، وسماه أَجْراً لأنه تابع للأجر لا يثبت إلا بثباته.
[سورة النساء (4) : الآيات 41 الى 43]
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (42) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43)
41 - فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً :
فَكَيْفَ يصنع هؤلاء الكفرة.
إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ يشهد عليهم بما فعلوا وهو نبيهم.
وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ المكذبين.
شَهِيداً شاهدا.
42 - يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً :
لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ لو يدفنون فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى.
وقيل : يودون أنهم لم يبعثوا ، وأنهم كانوا والأرض سواء.
وَ لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ولا يقدرون على كتمانه لأن جوارحهم تشهد عليهم.
وقيل : الواو للحال ، أي يودون أن يدفنوا تحت الأرض ، وأنهم لا يكتمون اللّه حديثا ، ولا يكذبون لأنهم إذا كذبوا شهدت عليهم أيديهم ، وأرجلهم فلشدة الأمر يتمنون أن تسوى بهم الأرض.
43 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ

(1/4028)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 308
مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً
:
لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ لا تغشوها ، ولا تقوموا إليها ، واجتنبوها.
وقيل : لا تقربوا مواضعها ، وهى المساجد.
وَ أَنْتُمْ سُكارى قد فعلت الخمر فعلها برؤوسكم.
وَ لا جُنُباً لم تغتسلوا من الجنابة عن ملامسة النساء أو الإمناء على صورة ما ، وهى عطف على قوله وَأَنْتُمْ سُكارى .
أي لا تقربوا الصلاة سكارى ، ولا جنبا.
والجنب يستوى فيه الواحد ، والجمع ، والمذكر ، والمؤنث ، لأنه اسم جرى مجرى المصدر ، الذي هو الإجناب.
إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ استثناء من عامة أحوال المخاطبين ، وانتصابه على الحال أي لا تقربوا الصلاة فى حال الجنابة إلا ومعكم حال أخرى تعذرون عليها ، وهى حال السفر. وعبور السبيل عبارة عن السفر.
ويجوز ألا يكون حالا ، ويكون صفة ، أي ولا تقربوا الصلاة جنبا غير عابرى سبيل ، أي جنبا مقيمين غير معذورين.
ومن فسر الصلاة بمعناها المتعارف كان المعنى : لا تقربوا الصلاة غير مغتسلين حتى تغتسلوا إلا أن تكونوا مسافرين.
ومن فسر الصلاة بمعنى مكانها وهو المسجد كان المعنى : لا تقربوا الصلاة جنبا إلا مجتازين فيه ، إذا كان الطريق فيه إلى الماء ، أو كان الماء فيه.
فَتَيَمَّمُوا اقصدوا.
صَعِيداً طَيِّباً ترابا طيبا طاهرا.

(1/4029)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 309
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ أي بعضه.
[سورة النساء (4) : الآيات 44 الى 46]
أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (45) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46)
44 - أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ :
أَ لَمْ تَرَ من رؤية القلب ، وعدى بالحرف إِلَى على معنى :
ألم ينته علمك إليهم ، أو بمعنى : ألم تنظر إليهم.
نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ حظا من علم التوراة ، وهم أحبار اليهود.
يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ يستبدلونها بالهدى ، وهو البقاء على اليهودية ، بعد ، وضوح الآيات لهم على صحة نبوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَ يُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا أنتم أيها المؤمنون سبيل الحق كما ضلوه ، لا تكفيهم ضلالتهم بل يحبون أن يضل معهم غيرهم.
45 - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً :
وَ اللَّهُ أَعْلَمُ منكم.
بِأَعْدائِكُمْ وقد أخبركم بعداوة هؤلاء ، وأطلعكم على أحوالهم ، وما يريدون بكم.
وَ كَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً أي فثقوا بولايته ونصرته دونهم ، أو لا تبالوا بهم فإن اللّه ينصركم عليهم ويكفيكم مكرهم.
46 - مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا :
مِنَ الَّذِينَ هادُوا أي من اليهود.
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ يميلونه عنها ويزيلونه.
غَيْرَ مُسْمَعٍ حال من المخاطب ، أي اسمع وأنت غير مسمع ، وهو كلام يحتمل وجهين :

(1/4030)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 310
(أ) يحتمل الذم ، أي اسمع منا مدعوا عليك بقولهم (لا سمعت) ، لأنه لو أجيبت دعوتهم عليه لم يسمع ، فكأنه أصم غير مسمع.
(ب) ويحتمل المدح ، أي اسمع غير مسمع مكروها ، من قولك :
أسمع فلان فلانا ، إذا سبه وَراعِنا أي راعنا نكلمك ، أي ارقبنا وانتظرنا ، وقد تكون بمعناها فى لغتهم : راعينا كلمة كانوا يتسابون بها ، ويكون المراد السخرية والاستهزاء بمن تخاطب.
وهكذا استخدموا كلمة ذات معنيين متضادين كما فى قولهم قبل غَيْرَ مُسْمَعٍ.
لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ فتلا بها وتحريفا ، أي يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل حيث يضعون غَيْرَ مُسْمَعٍ مكان : لا سمعت مكروها ، وراعِنا مكان : انظرنا.
وَ انْظُرْنا وقرىء : وأنظرنا ، من الإنظار ، وهو الإمهال.
لَكانَ خَيْراً لَهُمْ أي لكان قولهم ذلك خيرا لهم ، إذ الضمير يرجع إلى قوله لَوْ أَنَّهُمْ قالُوا :
وَ أَقْوَمَ أعدل وأسد.
وَ لكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ أي خذلهم بسبب كفرهم ، وأبعدهم عن ألطافه.
إِلَّا قَلِيلًا أي إلا إيمانا قليلا ، أي ضعيفا ركيكا لا يعبأ به.
[سورة النساء (4) : آية 47]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (47)
47 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا :
أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً أي نمحو تخطيط صورها.
فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أي فنجعلها على هيئة أدبارها ، وهى الأقفاء مطموسة مثلها.

(1/4031)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 311
و قيل : الطمس ، هنا بمعنى القلب والتغيير. والوجوه : رؤوسهم ، أي من قبل أن نغير الحال ونكتب عليهم الصغار حيث كانوا أولا.
أَوْ نَلْعَنَهُمْ أي الوجوه ، إن أريد الوجهاء ، أو أصحاب الوجوه.
وقد يكون الضمير راجعا إلى الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ على طريقة الالتفات.
ويكون المعنى : أن نجزيهم بالمسخ كما مسخنا أصحاب السبت.
أو نطردهم من رحمتنا كما طردنا الذين خالفوا نهينا عن الصيد يوم السبت.
وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا نافذا لا مرد له.
[سورة النساء (4) : الآيات 48 الى 50]
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (50)
48 - إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً :
الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعا موجهين إلى قوله تعالى لِمَنْ يَشاءُ كأنه قيل : إن اللّه لا يغفر لمن يشاء الشرك ، ويغفر لمن يشاء دون الشرك ، على أن يكون المراد بالأول : من لم يتب ، وبالثاني : من تاب.
49 - أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا :
الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ اليهود والنصارى ، قالوا : نحن أبناء اللّه وأحباؤه ، وقالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى.
بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ أي إن تزكية اللّه هى التي يعتد بها لا تزكية غيره ، لأنه هو العالم بمن هو أهل للتزكية.
ومعنى يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ أي يزكى المرتضين من عباده الذين عرف منهم الزكاء فوصفهم به.
وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا أي ولا يظلم إنسان قدره مهما كان ضئيلا.
50 - انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً :

(1/4032)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 312
كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فى زعمهم أنهم عند اللّه أزكياء.
وَ كَفى بِهِ أي بزعمهم هذا.
إِثْماً مُبِيناً من بين سائر آثامهم.
[سورة النساء (4) : الآيات 51 الى 53]
أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (53)
51 - أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا :
بِالْجِبْتِ بالأصنام وكل ما عبد من دون اللّه.
وَ الطَّاغُوتِ والشيطان.
وكان حيى بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديان خرجا إلى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشا على محاربة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، فقالت لهم قريش : أنتم أهل كتاب وأنتم أقرب إلى محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم منكم إلينا ، فلا نأمن مكركم ، فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ، ففعلوا ، فهذا إيمانهم بالجبت ، والطاغوت ، لأنهم سجدوا للأصنام وأطاعوا إبليس فيما فعلوا وكان أن أبا سفيان قال لليهود : أنحن أهدى سبيلا أم محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلم؟
و سألهم كعب عن دينهم ، فذكروا له ما يفعلون من ولاية البيت وسقاية الحاج ، فقال لهم : أنتم أهدى سبيلا.
52 - أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً :
أي أولئك الذين خذلهم اللّه وطردهم من رحمته ، ومن يخذله اللّه ويطرده من رحمته فليس له من ينصره ويحميه من غضب اللّه.
53 - أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً :
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ أم ، منقطعة ، أنكر أن يكون لهم نصيب من الملك.
فَإِذاً لا يُؤْتُونَ أي لو كان لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون أحدا مقدار نقير لفرط بخلهم. والنقير : النقرة فى ظهر النواة ، وهو مثل فى القلة.

(1/4033)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 313
[سورة النساء (4) : الآيات 54 الى 57]
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (55) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (57)
54 - أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً :
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ أي : بل أيحسدون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم والمؤمنين على إنكار الحسد واستقباحه وكانوا يحسدونهم على ما آتاهم اللّه من النصرة والغلبة وازدياد العز والتقدم كل يوم.
فَقَدْ آتَيْنا إلزام لهم بما عرفوه من إيتاء اللّه الكتاب والحكمة.
آلَ إِبْراهِيمَ الذين هم أسلاف محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وأنه ليس ببدع أن يؤتيه اللّه مثل ما آتى أسلافه.
وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً الملك فى آل إبراهيم : ملك يوسف وداود وسليمان.
55 - فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً :
فَمِنْهُمْ من اليهود.
مَنْ آمَنَ بِهِ أي بما ذكر من حديث آل إبراهيم.
وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وأنكره مع علمه بصحته.
أو من اليهود من آمن برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، ومنهم من أنكر نبوته.
أو من آل إبراهيم من آمن بإبراهيم ، ومنهم من كفر.
56 - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً :
بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها أبدلناهم إياها.
لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع.
عَزِيزاً لا يمتنع عليه شىء.
حَكِيماً لا يعذب الا بعدل من يستحق العذاب.
57 - وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي

(1/4034)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 314
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا
:
ظَلِيلًا صفة مشتقة من لفظ (الظل) لتأكيد معناه. وهو ما كان فينانا لا جوب فيه ، ودائما لا تنسخه الشمس ، وسجسجا لا حر فيه ولا برد.
[سورة النساء (4) : الآيات 58 الى 59]
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)
58 - إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً :
أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ الخطاب عام لكل أحد فى كل أمانة.
نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ما ، إما أن تكون منصوبة بالفعل يَعِظُكُمْ ، وإما أن تكون مرفوعة موصولة به ، كأنه قيل : نعم شيئا يعظكم به ، أو نعم الشيء الذي يعظكم به ، والمخصوص بالمدح محذوف أي نعما يعظكم به ذاك ، وهو المأمور به من أداء الأمانات ، والعدل فى الحكم.
59 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا :
وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ أي أمراء الحق. قيل : هم العلماء الدينون الذين يعلمون الناس الدين ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر.
فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فإن اختلفتم أنتم وأولو الأمر منكم فى شىء من أمور الدين فردوه إلى اللّه ورسوله ، أي فيه إلى الكتاب والسنة.
ذلِكَ إشارة إلى الرد إلى الكتاب والسنة.
خَيْرٌ لكم وأصلح.
وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا وأحسن عاقبة.

(1/4035)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 315
[سورة النساء (4) : الآيات 60 الى 62]
أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (62)
60 - أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً :
الطَّاغُوتِ كعب بن الأشرف ، سماه اللّه طاغوتا لإفراطه فى الطغيان وعداوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
أو على التشبيه بالشيطان والتسمية باسمه.
أو جعل اختيار التحاكم إلى غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم على التحاكم إليه تحاكما إلى الشيطان.
فقد روى أن بشرا المنافق خاصم يهوديا ، فدعاه اليهودي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ، ثم إنهما احتكما إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، فقضى لليهودى ، فلم يرض المنافق وقال : تعال نتحاكم إلى عمر بن الخطاب ، فقال اليهودي لعمر : قضى لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم فلم يرض بقضائه. فقال للمنافق : أكذلك؟ قال : نعم. فقال عمر : مكانكما حتى أخرج إليكما. فدخل عمر فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد. ثم قال : هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
فنزلت الآية.
61 - وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً :
أي : إذا قيل لهم : أقبلوا على ما أنزل من قرآن وشريعة ، وعلى رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم ليبين لكم ، رأيت الذين ينافقون يعرضون عنك إعراضا شديدا.
62 - فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً :
فَكَيْفَ يكون حالهم ، وكيف يصنعون. يعنى أنهم يعجزون عند ذلك فلا يصدرون أمرا ولا يؤدونه.
إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من التحاكم إلى غيرك واتهامهم لك فى الحكم.

(1/4036)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 316
ثُمَّ جاؤُكَ حين يصابون فيعتذرون إليك.
يَحْلِفُونَ ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك.
إِلَّا إِحْساناً لا إساءة.
وَ تَوْفِيقاً بين الخصمين ولم نرد مخالفة لك ولا تسخطا لحكمك ففرج عنا بدعائك. وهذا وعيد لهم على فعلهم ، وأنهم سيندمون عليه حين لا ينفعهم الندم ، ولا يغنى عنهم الاعتذار عند حلول بأس اللّه.
وقيل : جاء أولياء المنافق يطلبون بدمه وقد أهدره اللّه فقالوا :
ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا بحكومة العدل ، والتوفيق بينه وبين خصمه ، وما خطر ببالنا أنه يحكم له بما حكم به.
[سورة النساء (4) : الآيات 63 الى 64]
أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64)
63 - أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً :
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ لا تعاقبهم لمصلحة استبقائهم.
وَ عِظْهُمْ ولا تزد على كفهم بالموعظة والنصيحة عما هم عليه.
وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً بالغ فى وعظهم بالتخفيف والإنذار. والجار والمجرور فِي أَنْفُسِهِمْ متعلق بقوله بَلِيغاً أي قل لهم قولا بليغا فى أنفسهم مؤثرا فى قلوبهم يغتمون به اغتماما ، ويستشعرون منه الخوف استشعارا.
64 - وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً :
وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ وما أرسلنا رسولا قط.
إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ بسبب إذن اللّه فى طاعته ، وبأنه أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه ويتبعوه ، لأنه مؤد عن اللّه ، فطاعته طاعة اللّه ومعصيته معصية اللّه.

(1/4037)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 317
وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالتحاكم إلى الطاغوت.
جاؤُكَ تائبين من النفاق متنصلين عما ارتكبوا.
فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ من ذلك بالإخلاص ، وبالغوا فى الاعتذار إليك من إيذائك برد قضائك ، حتى انتصبت شفيعا لهم ومستغفرا.
لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً أي ليعلموه توابا ، أي تاب عليهم.
[سورة النساء (4) : الآيات 65 الى 66]
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66)
65 - فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً :
فَلا وَرَبِّكَ فوربك ، ولا ، مزيدة.
لا يُؤْمِنُونَ جواب القسم.
فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ
فيما اختلف بينهم واختلط.
حَرَجاً ضيقا.
مِمَّا قَضَيْتَ أي لا تضيق صدورهم من حكمك.
وَ يُسَلِّمُوا وينقادوا ويذعنوا لما تأتى به من قضائك ، لا يعارضوه بشىء.
تَسْلِيماً تأكيد للفعل بمنزلة تكريره.
66 - وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً :
وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ أي لو أوجبنا عليهم مثل ما أوجبنا على بنى إسرائيل من قتلهم أنفسهم ، أو خروجهم من ديارهم حين استتيبوا من عبادة العجل.
ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ إلا ناس قليل منهم.

(1/4038)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 318
و قرىء (إلا قليلا) بالنصب على أصل الاستثناء ، أو على : إلا فعلا قليلا.
ما يُوعَظُونَ بِهِ من اتباع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وطاعته ، والانقياد لما يراه ويحكم به.
لَكانَ خَيْراً لَهُمْ فى عاجلهم وآجلهم.
وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً لإيمانهم ، وأبعد من الاضطراب فيه.
[سورة النساء (4) : الآيات 67 الى 70]
وَ إِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (70)
67 - وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً :
وَ إِذاً جواب لسؤال مقدر ، كأنه قيل : وماذا يكون لهم أيضا بعد التثبيت ، فقيل : وإذا لو ثبتوا :
لَآتَيْناهُمْ جواب وجزاء.
أَجْراً عَظِيماً أي عطاء عظيما متفضلا به من عند اللّه ، وتسميته أجرا ، لأنه تابع للأجر لا يثبت إلا بثباته.
68 - وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً :
أي وللطفنا بهم ووفقناهم لازدياد الخيرات لا إفراط ولا تفريط.
69 - وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً :
وَ الصِّدِّيقِينَ الصديقون أفاضل صحابة الأنبياء والذين تقدموا فى تصديقهم ، وصدقوا أقوالهم لأفعالهم.
وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فيه معنى التعجب. كأنه قيل : وما أحسن أولئك رفيقا. والرفيق ، كالصديق والخليط فى استواء الواحد والجمع فيه. ويجوز أن يكون مفردا ، بين به الجنس فى باب التمييز.
70 - ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً :
ذلِكَ مبتدأ.

(1/4039)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 319
الْفَضْلُ صفته.
مِنَ اللَّهِ الخبر.
ويجوز أن يكون الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ الخبر.
وَ كَفى بِاللَّهِ عَلِيماً بجزاء من أطاعه.
[سورة النساء (4) : الآيات 71 الى 73]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (72) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (73)
71 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً :
خُذُوا حِذْرَكُمْ تيقظوا واحترزوا من المخوف ، أو احترزوا من العدو ولا تمكنوه من أنفسكم.
فَانْفِرُوا أي إذا نفرتم إلى العدو.
ثُباتٍ جماعات متفرقة سرية بعد سرية.
أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً أي مجتمعين كوكبة واحدة.
72 - وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً :
لَمَنْ اللام للابتداء.
لَيُبَطِّئَنَّ جواب قسم محذوف ، تقديره : وإن منكم لمن أقسم باللّه ليبطئن. والقسم وجوابه صلة (من).
والخطاب لعسكر الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم. والمبطئون منهم : المنافقون ، لأنهم كانوا يغزون معهم نفاقا.
ومعنى لَيُبَطِّئَنَّ ليتثاقلن عن الجهاد.
فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ من قتل أو هزيمة.
73 - وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً :
فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ من فتح أو غنيمة.

(1/4040)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 320
لَيَقُولَنَّ وقرىء (ليقولن) بضم اللام ، إعادة الضمير إلى معنى (من) لأن قوله لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فى معنى الجماعة.
كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ اعتراض بين الفعل لَيَقُولَنَّ وبين مفعوله وهو يا لَيْتَنِي أي : كأن لم تتقدم له معكم مودة ، لأن المنافقين كانوا يوادون المؤمنين ويصادقونهم فى الظاهر وإن كانوا يبغون لهم الغوائل فى الباطن.
فَأَفُوزَ قرىء : فأفوز ، بالرفع عطفا على كُنْتُ مَعَهُمْ لينتظم الكون معهم ، والفوز معنى التمني ، فيكونا متمنين جميعا.
ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، بمعنى : فأنا أفوز فى ذلك الوقت.
[سورة النساء (4) : الآيات 74 الى 75]
فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75)
74 - فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً :
يَشْرُونَ يشترون ويبيعون.
فالذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة هم المبطئون ، وعظوا بأن يغيروا ما بهم من النفاق ويخلصوا الإيمان للّه ورسوله ، ويجاهدوا فى سبيل اللّه حق الجهاد.
والذين يبيعون هم المؤمنون الذين يستحبون الآجلة على العاجلة ويستبدلونها بها. والمعنى : إن صد الذين مرضت قلوبهم وضعفت نياتهم عن القتال فليقاتل التائبون المخلصون. ووعد المقاتل فى سبيل اللّه ، ظافرا أو مظفورا به ، إيتاء الأجر العظيم على اجتهاده فى إعزاز دين اللّه.
75 - وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً :

(1/4041)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 321
وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ إما أن يكون مجرورا عطفا على سَبِيلِ اللَّهِ أي : فى سبيل اللّه ، وفى خلاص المستضعفين.
و إما أن يكون منصوبا على الاختصاص ، يعنى : واختص من سبيل اللّه خلاص المستضعفين ، لأن سبيل اللّه عام فى كل خير ، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدى الكفار من أعظم الخير وأخصه.
والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة ، وصدهم المشركون عن الهجرة ، فبقوا بين أظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد ، وكانوا يدعون اللّه بالخلاص ويستنصرونه فيسر اللّه لبعضهم الخروج إلى المدينة ، وبقي بعضهم إلى الفتح حتى جعل اللّه لهم من لدنه خير ولى وناصر ، وهو محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
[سورة النساء (4) : الآيات 76 الى 77]
الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77)
76 - الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً :
الطَّاغُوتِ الشيطان.
77 - أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا :
كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ أي كفوها عن القتال وذلك أن المسلمين كانوا مكفوفين عن مقاتلة الكفار ما داموا بمكة وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم فيه.
فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ بالمدينة جبن فريق منهم ، لا شكا فى الدين ولا رغبة عنه ، ولكن نفورا عن الإخطار بالأرواح وخوفا من الموت.
كَخَشْيَةِ اللَّهِ من إضافة المصدر إلى المفعول. ومحله النصب على الحال من الضمير فى يَخْشَوْنَ أي يخشون الناس مثل خشية اللّه ، أي مشبهين لأهل خشية اللّه.

(1/4042)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 322
أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً أي : أو أشد خشية من أهل خشية اللّه.
لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ استزادة فى مدة الكف ، واستمهال إلى وقت آخر.
وَ لا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا أي ولا تنقصون أدنى شىء من أجوركم على مشاق القتال فلا ترغبوا عنه.
[سورة النساء (4) : الآيات 78 الى 79]
أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (79)
78 - أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً :
يُدْرِكْكُمُ قرىء بالرفع ، على حذف الفاء ، كأنه قيل : فيدرككم الموت.
وقيل : حمل ما يقع موقع أَيْنَما تَكُونُوا وهو : أينما كنتم.
ويجوز أن يتصل بقوله وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا أي ولا تنقصون شيئا مما كتب من آجالكم أينما تكونوا فى ملاحم حروب أو غيرها ، ثم ابتدأ قوله يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ والوقف على هذا على أَيْنَما تَكُونُوا.
فِي بُرُوجٍ حصون.
وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ نعمة من خصب ورخاء نسبوها إلى اللّه.
وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ أي بلية من قحط وشدة أضافوها إليك ، وقالوا : هى من عندك.
لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً فيعلموا أن اللّه هو الباسط القابض ، وكل ذلك صادر عن حكمة وصواب.
79 - ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً :

(1/4043)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 323
ما أَصابَكَ يا إنسان ، خطابا عاما.
مِنْ حَسَنَةٍ أي من نعمة وإحسان.
فَمِنَ اللَّهِ تفضلا منه وإحسانا وامتنانا وامتحانا.
وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ أي من بلية ومصيبة.
فَمِنْ نَفْسِكَ أي فمن عندك ، لأنك السبب فيما اكتسبت يداك.
وَ أَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا أي رسولا للناس جميعا لست برسول العرب وحدهم.
وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً على ذلك ، فما ينبغى لأحد أن يخرج عن طاعتك واتباعك.
[سورة النساء (4) : الآيات 80 الى 81]
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (81)
80 - مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً :
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ لأنه لا يأمر إلا بما أمر اللّه به ولا ينهى إلا عما نهى اللّه عنه ، فكانت طاعته فى امتثال ما أمر به والانتهاء عما ينهى عنه ، طاعة للّه.
وَ مَنْ تَوَلَّى عن الطاعة فأعرض عنه.
فَما أَرْسَلْناكَ إلا نذيرا.
حَفِيظاً لا حفيظا ومهيمنا عليهم تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها وتعاقبهم.
81 - وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا :
وَ يَقُولُونَ إذا أمرتهم بشىء.
طاعَةٌ بالرفع ، أي أمرنا وشأننا طاعة.

(1/4044)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 324
و يجوز النصب ، بمعنى : أطعناك طاعة.
بَيَّتَ طائِفَةٌ زورت طائفة وسوت.
غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ خلاف ما قلت وأمرت به ، أو خلاف ما قالت وما ضمنت من الطاعة ، لأنهم أبطنوا الرد لا القبول ، والعصيان لا الطاعة ، وإنما ينافقون بما يقولون ويظهرون.
وَ اللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ أي يثبت فى صحائف أعمالهم ، ويجازيهم عليه لا على سبيل الوعيد ، أو يكتبه فى جملة ما يوحى إليك فيطلعك على أسرارهم فلا يحسبوا أن إبطائهم يغنى عنهم.
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ولا تحدث نفسك بالانتقام منهم.
وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فى شأنهم فإن اللّه يكفيك معونتهم وينتقم لك منهم إذا قوى الإسلام وعز أنصاره.
[سورة النساء (4) : الآيات 82 الى 83]
أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82) وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83)
82 - أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً :
أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ تدبره : تأمل معانيه وتبصر ما فيه.
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً لكان الكثير منه مختلفا متناقضا قد تفاوت نظمه وبلاغته ومعانيه فكان بعضه بالغا حد الإعجاز ، وبعضه قاصرا عنه تمكن معارضته.
83 - وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا :
وَ إِذا جاءَهُمْ هم ناس من ضعفاء المسلمين.
أَذاعُوا بِهِ كانوا إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم من أمن وسلامة أو خوف وخلل أعلنوه. يقال : أذاع السر ، وأذاع به.

(1/4045)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 325
وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ وقالوا نسكت حتى نسمعه منهم ونعلم هل هو مما يذاع ، أو لا يذاع.
لَعَلِمَهُ لعلم تدبير ما أخبروا به.
الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ الذين يستخرجون تدبيره بفطنتهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها.
وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وهو إرسال الرسول وإنزال الكتاب والتوفيق.
لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ لبقيتم على الكفر.
إِلَّا قَلِيلًا منكم ، أو إلا اتباعا قليلا.
[سورة النساء (4) : الآيات 84 الى 85]
فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (84) مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85)
84 - فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا :
فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إن أفردوك وتركوك وحدك.
لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ غير نفسك وحدها أن تقدمها إلى الجهاد ، فإن اللّه هو ناصرك لا الجنود ، فإن شاء نصرك وحدك كما ينصرك وحولك الألوف.
وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ وما عليك فى شأنهم إلا التحريض فحسب لا التعنيف بهم.
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وهم قريش ، وقد كف بأسهم ، فقد بدا لأبى سفيان فى بدر الصغرى ، وقال : هذا عام مجدب ، وما كان معهم زاد إلا السويق ، ولا يلقون إلا فى عام مخصب ، فرجع بهم.
وَ اللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً من قريش.
وَ أَشَدُّ تَنْكِيلًا تعذيبا.
85 - مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً :

(1/4046)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 326
مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً الشفاعة الحسنة هى التي روعى بها حق مسلم ، ودفع بها عنه شرا ، أو جلب إليه خيرا ، وابتغى بها وجه اللّه.
ولم تؤخذ عليها رشوة ، وكانت فى أمر جائز ، لا فى حد من حدود اللّه ، ولا فى حق من الحقوق.
شَفاعَةً سَيِّئَةً ما كان بخلاف الشفاعة الحسنة.
مُقِيتاً شهيدا حفيظا. وقيل : مقتدرا.
[سورة النساء (4) : الآيات 86 الى 87]
وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87)
86 - وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً :
بِأَحْسَنَ مِنْها أن تزيد فيها ، فإذا قيل لك : السلام عليكم ، زدت فقلت : السلام عليكم ورحمة اللّه. وإذا قيل لك : السلام عليكم ورحمة اللّه ، زدت فقلت : السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
أَوْ رُدُّوها أي كما حييتم.
عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً أي يحاسبكم على كل شىء من التحية وغيرها.
87 - اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً :
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خبر للمبتدأ. ويصح أن يكون اعتراضا والخبر لَيَجْمَعَنَّكُمْ والمعنى اللّه واللّه ليجمعنكم.
إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أي ليحشرنكم إليه. وهو قيامهم من القبور ، أو قيامهم للحساب.
لا رَيْبَ فِيهِ لا شك بل هو حق وصدق.
وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً لأنه عز وجل صادق لا يجوز عليه الكذب.

(1/4047)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 327
[سورة النساء (4) : الآيات 88 الى 89]
فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (89)
88 - فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا :
فِئَتَيْنِ نصب على الحال.
قيل : إن قوما من المنافقين استأذنوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم فى الخروج إلى البدو معتلين باجتواء المدينة ، فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين ، فاختلف المسلمون فيهم فقال بعضهم : هم كفار.
وقال بعضهم : هم مسلمون.
وقيل : كانوا قوما هاجروا من مكة ، ثم بدا لهم فرجعوا وكتبوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم : إنا على دينك ، وما أخرجنا إلا اجتواء المدينة والاشتياق إلى بلدنا.
وقيل : هم قوم خرجوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم يوم أحد ثم رجعوا.
وقيل : هم العرنيون الذين أغاروا على السرح وقتلوا يسارا.
أي ما لكم اختلفتم فى شأن قوم نافقوا نفاقا ظاهرا وتفرقتم فيهم فرقتين ، وما لكم لم تثبتوا القول بكفرهم.
وَ اللَّهُ أَرْكَسَهُمْ أي ردهم فى حكم المشركين كما كانوا.
بِما كَسَبُوا من ارتدادهم ولحوقهم بالمشركين ، واحتيالهم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
أو أركسهم فى الكفر ، بأن خذلهم حتى أركسوا فيه ، لما علم من مرض قلوبهم.
أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا أن تجعلوا من جملة المهتدين.
مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ من جعله من جملة الضلال ، وحكم عليه بذلك ، أو خذله حتى ضل.
89 - وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ

(1/4048)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 328
أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً
:
فَتَكُونُونَ عطف على تَكْفُرُونَ. ويجوز أن ينصب فى جواب التمني.
فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الإيمان الظاهر بالهجرة الصحيحة المستقيمة فحكمهم حكم سائر المشركين يقتلون حيث وجدوا فى الحل والحرم.
وَ لا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً جانبوهم مجانبة كلية ، وإن بذلوا لكم الولاية والنصر فلا تقبلوا منهم.
[سورة النساء (4) : آية 90]
إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90)
90 - إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا :
إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ استثناء من قوله فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ.
ويصلون إلى قوم ، أي ينتهون إليهم ويتصلون بهم ، وهو من الانتساب.
والقوم هم الأسلميون ، كان بينهم وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم عهد ، وذلك أنه وادع وقت خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الأسلمى على ألا يعينه ولا يعين عليه ، وعلى أن من وصل إلى هلال ولجأ إليه فله من الجوار مثل الذي لهلال.
وقيل : القوم : بنو بكر بن زيد مناة كانوا فى الصلح.
أَوْ جاؤُكُمْ لا يخلو من أن يكون معطوفا على صفة قَوْمٍ كأنه قيل : إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين أو قوم ممسكين عن القتال لا لكم ولا عليكم.

(1/4049)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 329
أو على صلة الَّذِينَ كأنه قيل : إلا الذين يتصلون بالمعاهدين ، أو الذين لا يقاتلونكم.
حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ضاقت وانقبضت. وهى فى موضع الحال بإضمار (قد) وهم بنو مدلج جاءوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم غير مقاتلين.
أَنْ يُقاتِلُوكُمْ عن أن يقاتلوكم ، أو كراهة أن يقاتلوكم.
وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ ما كانت مكانفتهم إلا لقذف اللّه الرعب فى قلوبهم ، ولو شاء اللّه لمصلحة يراها من ابتلاء ونحوه لم يقذفه ، فكانوا متسلطين مقاتلين غير مكافين ، فهذا معنى التسلط.
فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فان لم يعترضوا لكم.
وَ أَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ أي الانقياد والاستسلام.
فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا فما أذن لكم فى أخذهم وقتلهم.
[سورة النساء (4) : آية 91]
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (91)
91 - سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً :
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ هم قوم من بنى أسد وغطفان كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا المسلمين فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم.
كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ كلما دعاهم قومهم إلى قتال المسلمين.
أُرْكِسُوا فِيها قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه ، وكانوا شرا فيها من كل عدو.
حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ حيث تمكنتم منهم.
سُلْطاناً مُبِيناً حجة واضحة لظهور عدوانهم وانكشاف حالهم فى

(1/4050)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 330
الكفر والغدر ، وإضرارهم بأهل الإسلام ، أو تسلطا ظاهرا حيث أذنا لكم فى قتلهم.
[سورة النساء (4) : آية 92]
وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92)
92 - وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً :
وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وما صح له ولا استقام ولا لاق بحاله.
أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً ابتداء غير قصاص.
إِلَّا خَطَأً إلا على وجه الخطأ. وهو منصوب على أنه مفعول له ، أي ما ينبغى له أن يقتله لعلة من العلل وللخطأ وحده.
ويجوز أن يكون حالا ، بمعنى : لا يقتله فى حال من الأحوال إلا فى حال الخطأ.
ويجوز أن يكون صفة للمصدر : إلا قتلا خطأ.
والمعنى : أن من شأن المؤمن أن ينتفى عنه وجود قتل المؤمن البتة إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد.
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فعليه تحرير رقبة. والتحرير : الإعتاق. والرقبة :
النسمة. والمراد برقبة مؤمنة : كل رقبة تكون على حكم الإسلام. وقد قيل : لا تجزىء إلا رقبة من صلت وصامت. ولا تجزىء الصغيرة.
والعلة فى هذا أنه لما أخرج نفسا مؤمنة عن جملة الأحياء لزمه أن يدخل نفسا مثلها فى جملة الأحرار ، لأن إطلاقها من قيد الرق كإحيائها ، من قبل أن الرقيق ممنوع من تصرف الأحرار.
وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ مؤداة إلى ورثته يقتسمونها كما يقتسمون الميراث ، لا فرق بينها وبين سائر التركة فى كل شىء ، يقضى فيها الدين وتنفذ الوصية ، وإن لم يكن وارث فهى لبيت المال.

(1/4051)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 331
إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا إلا أن يتصدقوا عليه بالدية ، ومعناه العفو.
فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ أي من قوم كفار أهل حرب ، وذلك أن رجلا أسلم فى قومه الكفار وهو بين أظهرهم لم يفارقهم ، فعلى قاتله الكفارة إذا قتله خطأ ، وليس على عاقلته لأهله شىء ، لأنهم كفار محاربون.
وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ كفرة لهم ذمة كالمشركين الذين عاهدوا المسلمين وأهل الذمة من الكتابيين فحكمه حكم مسلم من المسلمين.
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ رقبة ، أي لم يملكها ولم يتوصل به إليها.
فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ فعليه صيام شهرين متتابعين.
تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ قبولا من اللّه ورحمة منه ، يعنى شرع ذلك توبة منه ، أو نقلكم من الرقبة إلى الصوم توبة منه.
[سورة النساء (4) : الآيات 93 الى 94]
وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (93) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94)
93 - وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً :
وَ مَنْ يَقْتُلْ أي قاتل كان.
94 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً :
فَتَبَيَّنُوا أي اطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تتخبطوا فيه من غير روية.
وقرىء (فتثبتوا).
لَسْتَ مُؤْمِناً وقرىء : مؤمنا ، بفتح الميم ، اسم مفعول من آمنه ، أي لا نؤمنك. وأصله أن مرداس بن نهيك رجلا من أهل فدك ، أسلم ولم يسلم من قومه فغزتهم سرية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم كان عليها غالب بن فضالة

(1/4052)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 332
الليثي ، فهربوا وبقي مرداس لثقته بإسلامه ، فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد ، فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل ، وقال : لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه ، السلام عليكم ، فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه.
فأخبروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، فوجد وجدا شديدا ، وقال : قتلتموه إرادة ما معه ، وقرأ الآية على أسامة.
تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا تطلبون الغنيمة التي هى حطام سريع النفاد ، فهو الذي يدعوكم إلى ترك التثبت وقلة البحث عن حال من تقتلونه.
فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ يغنمكموها تغنيكم عن قتل رجل يظهر الإسلام ويتعوذ به من التعرض له لتأخذوا ماله.
كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ أول ما دخلتم فى الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة فحصنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم.
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بالاستقامة والاشتهار بالإيمان والتقدم ، وإن صرتم أعلاما فعليكم أن تفعلوا بالداخلين فى الإسلام كما فعل بكم ، وأن تعتبروا ظاهر الإسلام فى المكانة ، ولا تقولوا ان تهليل هذا لاتقاء القتل لا لصدق النية ، فتجعلوه سلما إلى استباحة دمه وماله وقد حرمهما اللّه.
فَتَبَيَّنُوا تكرير للأمر بالتبين ليؤكد عليهم.
إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فلا تتهافتوا فى القتل وكونوا محترزين محتاطين فى ذلك.
[سورة النساء (4) : آية 95]
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95)
95 - لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً :

(1/4053)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 333
غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ قرىء بالحركات الثلاث :
فالرفع ، صفة لقوله تعالى الْقاعِدُونَ.
والنصب ، استثناء منهم ، أو حال عنهم.
والجر ، صفة لقوله تعالى الْمُؤْمِنِينَ.
فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ جملة موضحة لما نفى من استواء القاعدين والمجاهدين ، كأنه قيل : ما لهم يستوون؟ فأجيب بذلك.
عَلَى الْقاعِدِينَ غير أولى الضرر ، لكون الجملة بيانا للجملة الأولى المتضمنة لهذا الوصف.
دَرَجَةً نصبت لوقوعها موقع المرة من التفضيل ، كأنه قيل :
فضلهم تفضيلة واحدة.
وَ كُلًّا وكل فريق من القاعدين ، والمجاهدين.
وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى أي المثوبة الحسنى ، وهى الجنة ، وإن كان المجاهدون مفضلين على القاعدين درجة.
أَجْراً عَظِيماً نصب على أنه حال عن النكرة التي هى دَرَجاتٍ مقدمة عليها.
[سورة النساء (4) : الآيات 96 الى 97]
دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96) إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97)
96 - دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.
دَرَجاتٍ انتصبت على البدل من قوله أجرا. أو لوقوعها موقع المرة من التفضيل.
مَغْفِرَةً وَرَحْمَةً انتصبا بإضمار فعليهما ، أي غفر لهم ورحمهم مغفرة ورحمة.
97 - إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً :

(1/4054)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 334
تَوَفَّاهُمُ يجوز أن يكون ماضيا ، ومضارعا بمعنى : تتوفاهم.
ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فى حال ظلمهم أنفسهم.
قالُوا الملائكة للمتوفين.
فِيمَ كُنْتُمْ فى أي شىء كنتم من أمر دينكم. وهم ناس من أهل مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة.
والمعنى للتوبيخ بأنهم لم يكونوا فى شىء من الدين حيث قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا.
كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ اعتذار مما وبخوا به واعتلال بالاستضعاف وأنهم لم يتمكنوا من الهجرة حتى يكونوا فى شىء.
أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها تبكيت لهم من الملائكة ، أي إنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم ، ومن الهجرة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم كما فعل المهاجرون إلى أرض الحبشة.
مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ أي مثواهم النار.
وَ ساءَتْ مَصِيراً نصب على التفسير.
[سورة النساء (4) : آية 98]
إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98)
98 - إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا :
إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ استثناء من أهل الوعيد. والمستضعفون هم الذين لا يستطيعون حيلة فى الخروج لفقرهم وعجزهم ولا معرفة لهم بالمسالك.
وَ الْوِلْدانِ لا يكونون إلا عاجزين فلا يتوجه إليهم وعيده لأن سبب خروج الرجال والنساء من جملة أهل الوعيد إنما هو كونهم عاجزين ، فإذا كان العجز متمكنا فى الولدان لا ينفكون عنه كانوا خارجين من جملتهم ضرورة.

(1/4055)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 335
هذا إذا أريد بالولدان الأطفال.
ويجوز أن يراد المراهقون منهم الذين عقلوا ما يعقل الرجال والنساء فيلحقوا بهم فى التكليف.
لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً صفة للرجال والنساء ، وجاز ذلك والجمل نكرات ، لأن الموصوف وإن كان فيه حرف التعريف فليس لشىء بعينه.
[سورة النساء (4) : آية 99]
فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99)
99 - فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً :
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ أي لا يستقصى عليهم فى المحاسبة ، ويرجى عفو اللّه عنهم ، واللّه تعالى من شأنه العفو والغفران.
[سورة النساء (4) : الآيات 100 الى 101]
وَ مَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (100) وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101)
100 - وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً :
مُراغَماً مهاجرا وطريقا يراغم بسلوكه قومه ، أي يفارقهم على رغم أنوفهم.
ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف.
وقرىء (يدركه) بالنصب على إضمار (أن).
فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فقد وجب ثوابه على اللّه.
101 - وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً :
وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ الضرب فى الأرض : السفر وأدنى مدة السفر الذي يجوز فيه القصر عند أبى حنيفة مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن سير الإبل ومشى الأقدام على القصد.
فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ظاهره التخيير بين القصر والإتمام ، وأن الإتمام أفضل.

(1/4056)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 336
إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فالقصر ثابت بنص الكتاب فى حال الخوف خاصة.
[سورة النساء (4) : آية 102]
وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102)
102 - وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً.
فِيهِمْ الضمير للخائفين.
فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ الخطاب للرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم ويمتد إلى الأئمة بعده ، إذ هم نواب عن الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم فى كل عصر.
فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ فاجعلهم طائفتين فلتقم إحداهما معك فصل بهم.
وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ الضمير إما للمصلين ، وإما لغيرهم :
فإذا كان الضمير للمصلين كان المراد : يأخذون من السلاح ما لا بشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر ونحوهما.
وإن كان لغيرهم فلا كلام فيه.
فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا يعنى غير المصلين.
مِنْ وَرائِكُمْ يحرسونكم.
وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ.
وصفة صلاة الخوف أن يصلى الإمام بإحدى الطائفتين ركعة إن كانت الصلاة ركعتين ، والأخرى بإزاء العدو. ثم تقف هذه الطائفة بإزاء العدو وتأتى الأخرى فيصلى بها ركعة ويتم صلاته ، ثم تقف بإزاء العدو ،

(1/4057)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 337
و تأتى الأولى فتؤدى الركعة بغير قراءة وتتم صلاتها ثم تحرس ، وتأتى الأخرى فتؤدى الركعة بقراءة وتتم صلاتها.
فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ فيشدون عليكم شدة واحدة.
وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ رخص لهم فى وضع الأسلحة إن ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلهم من مطر أو يضعفهم من مرض.
وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدو.
إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً ولما كان الأمر بالحذر من العدو يوهم توقع غلبته واعتزازه ، نفى عنهم ذلك الإيهام بإخبارهم أن اللّه يهين عدوهم ، ويخذله ، وينصرهم عليه لتقوى قلوبهم.
[سورة النساء (4) : آية 103]
فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103)
103 - فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً :
فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فإذا صليتم فى حال الخوف والقتال.
فَاذْكُرُوا اللَّهَ فصلوها.
قِياماً مسايفين ومقارعين.
وَ قُعُوداً جاثمين على الركب مرامين.
وَ عَلى جُنُوبِكُمْ مثخنين بالجراح.
فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ حين تضع الحرب أوزارها وأمنتم.
فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ فاقضوا ما صليتم فى تلك الأحوال التي هى أحوال القلق والانزعاج.
إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً محدودا بأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها على أي حال كنتم ، خوف أو أمن.

(1/4058)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 338
و قيل المعنى : فإذا قضيتم صلاة الخوف فأديموا ذكر اللّه مهللين مكبرين مسبحين داعين بالنصرة والتأييد فى كافة أحوالكم من قيام ، وقعود ، واضطجاع ، فإن أمنتم فيه من خوف وحرب جدير بذكر اللّه ودعائه واللجوء اليه. فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فإذا أقمتم فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ فأتموها.
[سورة النساء (4) : الآيات 104 الى 106]
وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (104) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106)
104 - وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً :
وَ لا تَهِنُوا ولا تضعفوا ولا تتوانوا.
فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ فى طلب الكفار بالقتال ، والتعرض به لهم.
إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ أي ليس ما تكابدون من الألم بالجرح ، والقتل مختصا بكم ، إنما هو أمر مشترك بينكم وبينهم ، يصيبهم كما يصيبكم ، ثم إنهم يصبرون عليه ويتشجعون ، فما لكم لا تصبرون مثل صبرهم مع أنكم أولى منهم بالصبر.
وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ من إظهار دينكم على سائر الأديان ، ومن الثواب العظيم فى الآخرة.
وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً لا يكلفكم شيئا ولا يأمركم ولا ينهاكم إلا لما هو عالم به مما يصلحكم.
105 - إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً :
بِما أَراكَ اللَّهُ بما عرفك وأوحى به إليك.
وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً ولا تكن لأجل الخائنين مخاصما للبرآء.
يعنى لا تخاصم اليهود لأجل بنى ظفر.
106 - وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً :
وَ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ مما هممت به من عقاب اليهود.

(1/4059)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 339
فيروى أن طعمة بن أبيرق ، أحد بنى ظفر ، سرق درعا من جار له ، اسمت قتادة بن النعمان ، فى جراب دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه ، وخبأها عند زيد بن السمين ، رجل من اليهود ، فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد وحلف ما أخذها ، وما له بها علم ، فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها. فقال : دفعها إلى طعمة ، وشهد له ناس من اليهود. فقالت بنو ظفر : انطلقوا بنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، فسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا : إن لم تفعل هلك وافتضح وبرىء اليهودي ، فهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم أن يفعل وأن يعاقب اليهودي.
فنزلت.
[سورة النساء (4) : الآيات 107 الى 109]
وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109)
107 - وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً
:
يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ
يخونونها بالمعصية.
خَوَّاناً أَثِيماً
على المبالغة.
108 - يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً
:
يَسْتَخْفُونَ
يستترون.
مِنَ النَّاسِ
حياء منهم ، وخوفا من ضررهم.
وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ
و لا يستحيون منه.
وَ هُوَ مَعَهُمْ
و هو عالم بهم مطلع عليهم لا يخفى عليه خاف من سرهم.
يُبَيِّتُونَ
يدبرون ويزورون.
ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ
و هو تدبير طعمة أن يرمى بالدرع فى دار زيد ليسرّق دونه ويحلف ببراءته.
109 - ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
:

(1/4060)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 340
ها أَنْتُمْ
ها ، للتنبيه فى (أنتم) و(أولاء) وهما مبتدأ وخبر.
جادَلْتُمْ
جملة مبنية لوقوع (أولاء) خبرا.
ويجوز أن يكون (أولاء) اسما موصولا بمعنى : الذين ، وجادَلْتُمْ
صلته.
وَكِيلًا
حافظا ومحاسبا من بأس اللّه وانتقامه.
والمعنى : هبوا أنكم خاصمتم عن طعمة وقومه فى الدنيا فمن يخاصم عنهم فى الآخرة إذا أخذهم اللّه بعذابه.
[سورة النساء (4) : الآيات 110 الى 113]
وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (112) وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)
110 - وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
:
وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً
قبيحا متعديا يسوء به غيره ، كما فعل طعمة بقتادة واليهودي.
أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ
بما يختص به كالحلف الكاذب.
111 - وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
:
فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ
أي لا يتعداه ضرره إلى غيره فليبق على نفسه من كسب السوء.
112 - وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً
:
خَطِيئَةً
صغيرة.
أَوْ إِثْماً
أو كبيرة.
ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً
كما رمى طعمة زيدا.
فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً
لأنه بكسب الإثم أثم ، وبرمى البريء باهت ، فهو جامع بين الأمرين.
113 - وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ

(1/4061)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 341
وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
:
وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ
أي عصمته وألطافه ، وما أوحى إليك من الاطلاع على سرهم.
لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ
من بنى ظفر.
أَنْ يُضِلُّوكَ
عن القضاء بالحق وتوخى طريق العدل ، مع علمهم بأن الجاني هو صاحبهم.
وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
لأن وباله عليهم.
وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ ءٍ
لأنك معصوم.
وقيل : الواو ، للحال ، فالكلام متصل ، أي ما يضرونك من شىء مع إنزال اللّه عليك القرآن والحكمة ، والحكمة القضاء بالوحى.
وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
هذا ابتداء كلام.
وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
من خفيات الأمور وضمائر القلوب.
[سورة النساء (4) : آية 114]
لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114)
114 - لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً :
مِنْ نَجْواهُمْ من تناجى الناس.
إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ إلا نجوى من أمر ، على أنه مجرور بدل من كَثِيرٍ.
ويجوز أن يكون منصوبا على الانقطاع ، أي : ولكن من أمر بصدقة ففى نجواه الخير.
أَوْ مَعْرُوفٍ المعروف : القرض.
وقيل : إغاثة الملهوف.
وقيل : هو عام فى كل جميل.

(1/4062)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 342
و يجوز أن يراد بالصدقة الواجب ، وبالمعروف ما يتصدق به على سبيل التطوع.
أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ عام فى الدماء ، والأموال والأعراض ، وفى كل شىء يقع التداعي والاختلاف فيه بين المسلمين ، وفى كلام يراد به وجه اللّه تعالى.
وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ذكر الفاعل وقرن به الوعد بالأجر العظيم.
وذكر الأمر بالخير ليدل به على فاعله ، لأنه إذا دخل الآمر فى زمرة الخيرين كان الفاعل فيهم أدخل.
ويجوز أن يراد : ومن يأمر بذلك ، فعبر عن الأمر بالفعل ، كما يعبر به عن سائر الأفعال.
[سورة النساء (4) : الآيات 115 الى 117]
وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115) إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (117)
115 - وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً :
وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ ومن يعاد الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ سبيل المؤمنين هو ما هم عليه من الدين الحنيف القيم.
نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى نجعله واليا لما تولى من الضلال بأن نخذله ونخلى بينه وبين ما اختاره.
وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ نجعله يذوق نارها.
116 - إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً :
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ تكرير للتأكيد.
117 - إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً :
إِلَّا إِناثاً هى اللات العزى ومناة.

(1/4063)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 343
وَ إِنْ يَدْعُونَ وإن يعبدون بعبادة الأصنام.
إِلَّا شَيْطاناً لأنه هو الذي أغراهم على عبادتها فأطاعوه ، فجعلت طاعتهم له عبادة.
مَرِيداً المراد : العاتي المتمرد.
[سورة النساء (4) : الآيات 118 الى 121]
لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (120) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (121)
118 - لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً :
لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ صفتان ، والمعنى : شيطانا مريدا جمع بين لعنة اللّه ، وهذا القول الشنيع.
نَصِيباً مَفْرُوضاً مقطوعا واجبا فرضته لنفسى.
119 - وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً :
وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ الأمانى الباطلة.
فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ كانوا يشقون أذن الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرا وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها.
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ تغييرهم خلق اللّه فقء عين الحامى وإعفاؤه عن الركوب.
120 - يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً :
يَعِدُهُمْ أباطيله وترهاته من المال والجاه والرياسة.
وَ يُمَنِّيهِمْ ألا بعث ولا عقاب.
إِلَّا غُرُوراً إلا خديعة.
121 - أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً :
أُولئِكَ ابتداء.
مَأْواهُمْ ابتداء ثان.
جَهَنَّمُ خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر الأول.

(1/4064)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 344
مَحِيصاً ملجأ.
[سورة النساء (4) : الآيات 122 الى 125]
وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً (122) لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (125)
122 - وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا :
وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا مصدران ، الأول مؤكد لنفسه ، والثاني مؤكد لغيره.
وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا توكيد ثالث. وهو مبتدأ وخبر. وقيلا ، منصوب على البيان قال : قيلا وقولا وقالا : أي لا أحد أصدق من اللّه.
123 - لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً :
لَيْسَ أي ليس ينال ما وعد اللّه من الثواب.
بِأَمانِيِّكُمْ الخطاب للمسلمين لأنه لا يتمنى وعد اللّه إلا من آمن به. ويحتمل أن يكون الخطاب للمشركين.
وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ ولا بأمانى أهل الكتاب ، لمشاركتهم المسلمين فى الإيمان بوعد اللّه.
مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً السوء : الشرك.
124 - وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً :
نَقِيراً النقير : النكتة فى ظهر النواة ، يضرب به المثل فى الشيء القليل.
125 - وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا :
أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ أخلص نفسه للّه وجعلها سالمة له لا تعرف لها ربا ولا معبودا سواه.
وَ هُوَ مُحْسِنٌ وهو عامل للحسنات تارك للسيئات.
حَنِيفاً حال من المتبع ، أو من إبراهيم.
وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله.

(1/4065)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 345
و الخليل ، هو الذي يخالك ، أي يوافقك فى خلالك.
[سورة النساء (4) : الآيات 126 الى 127]
وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (126) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127)
126 - وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً :
وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أي له ملك السموات والأرض ، فطاعته واجبة عليهم.
وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً فكان اللّه عالما بأعمالهم مجازيهم على خيرها وشرها ، فعليهم أن يختاروا لأنفسهم ما هو أصلح لها.
127 - وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً :
ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فى محل رفع ، أي اللّه يفتيكم والمتلو فى الكتاب فى معنى اليتامى. ويجوز أن يكون ما يُتْلى عَلَيْكُمْ مبتدأ ، وخبره فِي الْكِتابِ على أنها جملة معترضة.
فِي الْكِتابِ يعنى اللوح المحفوظ ، تعظيما للمتلو عليهم.
فِي يَتامَى النِّساءِ صلة لقوله تعالى يُتْلى عليكم فى معناهن.
ما كُتِبَ لَهُنَّ أي ما فرض لهن من الميراث. وكان الرجل منهم يضم اليتيمة إلى نفسه ، ومالها إلى ماله ، فإن كانت جميلة تزوجها ، وأكل المال ، وإن كانت دميمة عضلها عن التزوج حتى تموت فيرثها.
وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ أي لجمالهن ، ويجوز أن تنكحوهن لدمامتهن.
وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مجرور عطفا على يتامى النساء ، أي يفتيكم فى يتامى النساء وفى المستضعفين.
وَ أَنْ تَقُومُوا عطف على ما قبله ، أي وفى أن تقوموا. ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى : ويأمركم أن تقوموا.

(1/4066)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 346
و هو خطاب للأئمة فى أن ينظروا لهم ويستوفوا لهم حقوقهم ، ولا يدعوا أحدا يهتضمهم.
[سورة النساء (4) : آية 128]
وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128)
128 - وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً :
خافَتْ مِنْ بَعْلِها توقعت منه ذلك لما لاح لها من مخايلة وأماراته.
نُشُوزاً النشوز : أن يتجافى عنها بأن يمنعها نفسه ونفقته ، والمودة والرحمة التي بين الرجل والمرأة ، وأن يؤذيها بسب أو ضرب.
أَوْ إِعْراضاً الإعراض : أن يعرض عنها بأن يقل محادثتها ومؤانستها.
فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فلا بأس بهما أن يصلحا بينهما.
صُلْحاً أي أن يتصالحا على أن تطيب له نفسا عن القسمة أو عن بعضها.
وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ من الفرقة ، أو من النشوز والإعراض وسوء العشرة ، أو هو من الخصومة فى كل شىء.
وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ جعل الشح حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا ، ولا تنفك عنه. أي إنها مطبوعة عليه. والغرض أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمتها وبغير قسمتها ، والرجل لا تكاد نفسه تسمح بأن يقسم لها ، وأن يمسكها إذا رغب وأحب غيرها.
وَ إِنْ تُحْسِنُوا بالإقامة على نسائكم وإن كرهتموهن وأحببتم غيرهن ، وتصبروا على ذلك مراعاة لحق الصحبة.
وَ تَتَّقُوا النشوز والإعراض وما يؤدى إلى الأذى والخصومة.
فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ من الإحسان والتقوى.
خَبِيراً وهو يثيبكم عليه.

(1/4067)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 347
[سورة النساء (4) : الآيات 129 الى 131]
وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (130) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (131)
129 - وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً :
وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا ومحال أن تستطيعوا العدل.
بَيْنَ النِّساءِ حتى لا يقع ميل البتة ولا زيادة ولا نقصان فيما يجب لهن ، فرفع لذلك عنكم تمام العدل وغايته ، وما كلفتم منه إلا ما تستطيعون بشرط أن تبذلوا فيه وسعكم وطاقتكم ، لأن تكليف ما لا يستطاع داخل فى حد الظلم.
فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وهى التي ليست بذات بعل ولا مطلقة.
وَ إِنْ تُصْلِحُوا ما مضى من ميلكم وتتداركوه بالتوبة.
وَ تَتَّقُوا فيما يستقبل.
فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً غفر اللّه لكم.
130 - وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً :
وَ إِنْ يَتَفَرَّقا وإن يفارق كل واحد منهما صاحبه.
يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا يرزقه زوجا خيرا من زوجه ، وعيشا أهنأ من عيشه.
مِنْ سَعَتِهِ السعة : الغنى والمقدرة.
واسِعاً الواسع : الغنى المقتدر.
131 - وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً :
وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا أي بالأمر بالتقوى.
مِنْ قَبْلِكُمْ متعلق بقوله تعالى وَصَّيْنَا أو بالفعل أُوتُوا.
وَ إِيَّاكُمْ عطف على الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ.
الْكِتابَ اسم جنس يتناول الكتب السماوية.

(1/4068)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 348
أَنِ اتَّقُوا أي : بأن اتقوا ، وتكون أن التفسيرية ، لأن التوصية فى معنى القول.
وَ إِنْ تَكْفُرُوا عطف على اتَّقُوا إذ المعنى : أمرناهم وأمرناكم بالتقوى ، وقلنا لهم ولكم : إن تكفروا فإن للّه. أي إن اللّه الخلق كله ، وهو خالقهم ومالكهم ، والمنعم عليهم بأصناف النعم كلها ، فحقه أن يكون مطاعا فى خلقه غير معصى ، يتقون عقابه ويرجون ثوابه. ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من الأمم السالفة ووصيناكم أن اتقوا اللّه. يعنى أنها وصية قديمة مازال يوصى اللّه بها عباده ، لستم بها مخصوصين ، وقلنا لهم ولكم : وإن تكفروا فإن للّه فى سماواته وأرضه من الملائكة والثقلين من يوحده ويعبده ويتقيه.
وَ كانَ اللَّهُ مع ذلك.
غَنِيًّا عن خلقه ، وعن عبادتهم جميعا.
حَمِيداً مستحقا لأن يحمد لكثرة نعمه وإن لم يحمده أحد منهم.
[سورة النساء (4) : الآيات 132 الى 133]
وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (133)
132 - وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا :
وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ فى التكرير تقرير لما هو موجب تقواه ليتقوه فيطيعوه ولا يعصوه ، لأن الخشية والتقوى أصل الخير كله.
وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا إعلام بحفظه خلقه وتدبيره إياهم.
133 - إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً :
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ يفنيكم كما أوجدكم وأنشأكم.
وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ ويوجد إنسا آخرين مكانكم ، أو خلقا آخرين غير الإنس.
وَ كانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ من الإفناء والإيجاد.

(1/4069)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 349
قَدِيراً بليغ القدرة لا يمتنع عليه شىء أراده.
[سورة النساء (4) : الآيات 134 الى 135]
مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (134) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135)
134 - مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً :
مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا كالمجاهد يريد بجهاده الغنيمة.
فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فما له يطلب أحدهما دون الآخرة ، والذي يطلبه أخسهما ، لأن من جاهد خالصا لم تخطئه الغنيمة ، وله من ثواب الآخرة ما الغنيمة إلى جنبه كلا شىء.
والمعنى : فعند اللّه ثواب الدنيا ، والآخرة له إن أراده ، حتى يتعلق الجزاء بالشرط.
135 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً :
قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ مجتهدين فى إقامة العدل حتى لا تجوروا.
شُهَداءَ لِلَّهِ تقيمون شهاداتكم لوجه اللّه كما أمرتم بإقامتها.
وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ولو كانت الشهادة على أنفسكم أو آبائكم أو أقاربكم.
إِنْ يَكُنْ إن يكن المشهود عليه.
غَنِيًّا فلا تمنع الشهادة لغناه طلبا لرضاه.
أَوْ فَقِيراً فلا تمنعها ترحما عليه.
فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما بالغنى والفقير. وثنى الضمير فى بِهِما وكان حقه أن يوحده لأن قوله إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فى معنى إن يكن أحد هذين ، فلقد رجع الضمير إلى ما دل عليه قوله إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً لا إلى المذكور ، فلذلك ثنى ولم يفرد ، وهو جنس الغنى وجنس الفقير ، كأنه قيل : فاللّه أولى بجنس الغنى والفقير ، أي بالأغنياء والفقراء.

(1/4070)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 350
أَنْ تَعْدِلُوا يحتمل العدل والعدول ، كأنه قيل : فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا بين الناس ، أو إرادة أن تعدلوا عن الحق.
وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا وإن تلووا ألسنتكم عن شهادة الحق أو حكومة العدل ، أو تعرضوا عن الشهادة بما عندكم وتمنعوها.
فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً وبمجازاتكم عليه.
[سورة النساء (4) : الآيات 136 الى 137]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (136) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137)
136 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب للمسلمين.
آمَنُوا اثبتوا على الإيمان وداوموا عليه وازدادوه.
وَ الْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ المراد به جنس ما أنزل على الأنبياء قبله من الكتب.
وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ومن يكفر بشىء من ذلك.
فَقَدْ ضَلَّ لأن الكفر ببعضه كفر بكله.
137 - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا :
لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ نفى الغفران والهداية ، والمراد بنفيهما نفى ما يقتضيهما وهو الإيمان الخالص الثابت. والمعنى : إن الذين تكرر منهم الارتداد ، وعهد منهم ازدياد الكفر والإصرار عليه ، يستبعد منهم أن يحدثوا ما يستحقون به المغفرة ، من إيمان صحيح ثابت يرضاه اللّه ، لأن قلوب أولئك الذين هذا ديدنهم قلوب قد ضريت بالكفر ومرنت على الردة ، وكان الايمان أهون شىء عندهم ، حيث يبدو لهم فيه كرة بعد أخرى. وليس المعنى أنهم لو أخلصوا الإيمان بعد تكرار الردة ونصحت

(1/4071)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 351
توبتهم لم يقبل منهم ولم يغفر لهم ، لأن ذلك مقبول حيث هو بذل للطاقة واستفراغ للوسع ، ولكنه استبعاد له واستغراب وأنه أمر لا يكاد يكون.
[سورة النساء (4) : الآيات 138 الى 141]
بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)
138 - بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً :
بَشِّرِ وضعت مكان (أخبر) تهكما بهم.
139 - الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً :
الَّذِينَ نصب على الذم ، أو رفع ، بمعنى : أريد الذين ، أو هم الذين.
وكانوا يمالئون الكفرة ويوالونهم.
فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً يريد لأوليائه الذين كتب لهم العز والغلبة.
140 - وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً :
أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ أن ، هى المخففة من الثقيلة. أي إنه إذا سمعتم.
والمنزل عليهم فى الكتاب هو ما نزل عليهم بمكة من قوله وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ.
وذلك أن المشركين كانوا يخوضون فى ذكر القرآن فى مجالسهم فيستهزئون به ، فنهى المسلمون عن القعود معهم ماداموا خائضين فيه.
وكان المنافقون يجلسون إلى هؤلاء يستمعون إليهم وهم يستهزئون بآيات اللّه.
إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ يعنى القاعدين والمقعود معهم.
141 - الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ

(1/4072)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 352
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا
:
الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ أي ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو إخفاق.
أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ مظاهرين فأسهموا لنا فى الغنيمة.
أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم.
وَ نَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي ثبطناهم عنكم وخيلنا لهم ما ضعفت به قلوبهم ، ومرضوا فى قتالكم وتوانينا فى مظاهرتهم عليكم ، فهاتوا لنا نصيبا بما أصبتم.
[سورة النساء (4) : آية 142]
إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142)
142 - إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
:
يُخادِعُونَ اللَّهَ
يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطان الكفر.
وَ هُوَ خادِعُهُمْ
و هو فاعل بهم ما يفعل الغالب فى الخداع حيث تركهم معصومى الدماء والأموال فى الدنيا وأعد لهم الدرك الأسفل من النار فى الآخرة.
كُسالى
قرىء بضم أوله وفتحه ، جمع كسلان ، أي يقومون متقاعسين ، كما ترى من يفعل شيئا على كره لا عن طيبة ورغبة.
يُراؤُنَ النَّاسَ
يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة.
وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
و لا يصلون إلا قليلا لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس إلا ما يجاهرون به ، وما يجاهرون به قليل أيضا لأنهم ما وجدوا مندوحة من تكلف ما ليس فى قلوبهم لم يتكلفوه.
أولا يذكرون اللّه بالتسبيح ، والتهليل إلا ذكرا قليلا فى الندرة.

(1/4073)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 353
[سورة النساء (4) : الآيات 143 الى 146]
مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (143) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (144) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146)
143 - مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا :
مُذَبْذَبِينَ ذبذبهم الشيطان والهوى بين الإيمان والكفر ، فهم يترددون بينهما متحيرون.
ذلِكَ إشارة إلى الكفر والإيمان.
لا إِلى هؤُلاءِ لا منسوبين إلى هؤلاء ، فيكونوا مؤمنين.
وَ لا إِلى هؤُلاءِ ولا منسوبين إلى هؤلاء فيسمون مشركين.
144 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً :
لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ لا تتشبهوا بالمنافقين فى اتخاذهم اليهود وغيرهم من أعداء الإسلام أولياء.
سُلْطاناً مُبِيناً حجة بينة.
145 - إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً :
فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ الطبق الذي فى مقر جهنم.
146 - إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً :
وَ أَصْلَحُوا ما أفسدوا من أسرارهم وأحوالهم فى حال النفاق.
وَ اعْتَصَمُوا بِاللَّهِ ووثقوا به كما يثق المؤمنون الخلص.
وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ لا يبتغون بطاعتهم إلا وجهه.
فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فهم أصحاب المؤمنين ورفقاؤهم فى الدارين.
وَ سَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً فيشاركونهم فيه ويساهمونهم.

(1/4074)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 354
[سورة النساء (4) : الآيات 147 الى 149]
ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (147) لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (149)
147 - ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً :
ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ أيتشفى به من الغيظ ، أم يدرك به الثأر.
أم يستجلب به نفعا ، أم يستدفع به ضررا كما يفعل الملوك بعذابهم ، وهو الغنى الذي لا يجوز عليه شىء من ذلك ، وإنما هو أمر أوجبته الحكمة أن يعاقب المسيء ، فإن قمتم بشكر نعمته وآمنتم به فقد أبعدتم عن أنفسكم استحقاق العذاب.
وَ كانَ اللَّهُ شاكِراً مثيبا موفيا أجوركم.
عَلِيماً بحق شكركم وإيمانكم.
148 - لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً :
إِلَّا مَنْ ظُلِمَ إلا من جهر من ظلم ، استثنى من الجهر الذي لا يحبه اللّه جهر المظلوم وهو أن يدعو على الظالم ويذكره بما فيه من السوء.
149 - إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً :
إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ بعد ما أطلق الجهر بالسوء وجعله محبوبا حث على الأحب إليه والأفضل عنده والأدخل فى الكرم والتخشع والعبودية.
وذكره إبداء الخير وإخفائه تشبيبا للعفو.
أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ عطف العفو عليهما اعتدادا به وتنبيها على منزلته وأن له مكانا فى باب الخير وسيطا.
فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً هذا التعقيب دليل على أن العفو هو الغرض المقصود بذكر إبداء الخير وإخفائه ، أي يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام ، فعليكم أن تقتدوا بسنة اللّه.

(1/4075)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 355
[سورة النساء (4) : الآيات 150 الى 153]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (150) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (152) يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153)
150 - إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا :
جعل الذين آمنوا باللّه وكفروا برسله وآمنوا باللّه وببعض رسله ، وكفروا ببعض ، كافرين باللّه ورسله جميعا.
وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أي أن يتخذوا دينا وسطا بين الإيمان والكفر.
151 - أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً :
أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ أي هم الكاملون فى الكفر.
حَقًّا تأكيد لمضمون الجملة ، أي حق ذلك حقا ، وهو كونهم كاملين فى الكفر. أو هو صفة لمصدر (الكافرين) أي هم الذين كفروا كفرا حقا ثابتا يقينا لا شك فيه.
152 - وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً :
بَيْنَ أَحَدٍ جاز دخول بَيْنَ على أَحَدٍ وهو يقتضى شيئين فصاعدا ، لأن (أحدا) عام فى الواحد المذكر والمؤنث وتثنيتهما وجمعهما.
والمعنى : ولم يفرقوا بين اثنين منهم أو بين جماعة.
153 - يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً :
يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ
روى أن كعب ابن الأشرف وفنحاص بن عازوراء وغيرهما من اليهود قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم : إن كنت نبيا صادقا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى.
وكانوا اقترحوا هذا على سبيل التعنت فنزلت.

(1/4076)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 356
فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى جواب لشرط مقدر ، معناه : إن استكبرت ما سألوه منك فقد سألوا موسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ.
جَهْرَةً عيانا ، أي أرنا نره جهرة.
بِظُلْمِهِمْ بسبب سؤالهم الرؤية ، ولو طلبوا أمرا جائزا لما سموا ظالمين ، ولما أخذتهم الصاعقة.
وَ آتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً تسلطا واستيلاء ظاهرا عليهم حين أمرهم أن يقتلوا أنفسهم حتى يتاب عليهم فأطاعوه.
[سورة النساء (4) : الآيات 154 الى 156]
وَ رَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (154) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156)
154 - وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً :
بِمِيثاقِهِمْ بسبب ميثاقهم ليخافوا فلا ينقضوه.
وَ قُلْنا لَهُمُ والطور مطل عليهم.
ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً سجدا ، نصب على الحال.
لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ باقتناص الحيتان.
155 - فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا :
فَبِما نَقْضِهِمْ فبنقضهم ، و(ما) مزيدة للتوكيد ، أي إن العقاب ، أو تحريم الطيبات ، لم يكن إلا بنقض العهد ، وما عطف عليه من الكفر وقتل الأنبياء وغير ذلك.
والباء متعلقة بمحذوف دل على قوله بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها ، فيكون التقدير : فبما نقضهم ميثاقهم طبع اللّه على قلوبهم.
156 - وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً :
وَ بِكُفْرِهِمْ كرر ليخبر أنهم كفروا كفرا بعد كفر.
وقيل : وبكفرهم بالمسيح ، فحذف لدلالة ما بعده عليه.

(1/4077) =

=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جلد 3. الحيوان للجاحظ /الجزء الثالث

  الجزء الثالث بسم الله الرحمن الرحيم فاتحة استنشاط القارئ ببعض الهزل وإن كنَّا قد أمَلْلناك بالجِدِّ وبالاحتجاجاتِ الصحيحة والم...