مجلد
2-الموسوعة القرآنية ، ج 1 ، ص : 368
==و كان بالشام نفر ، منهم : عبد اللّه بن عامر وشريح بن يزيد الحضرمى «1».
غير أن القرّاء بعد هذا كثروا وتفرّقوا فى البلاد ، وانتشروا فى الأقطار ، وكاد
يدخل على هذا العلم ما ليس فيه ، فشمّر لضبطه وتنقيته أئمّة مشهود لهم ، منهم :
(1) الإمام الحافظ الكبير أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد الدانى ، من
أهل دانية بالأندلس ، وكانت وفاته سنة أربع وأربعين وأربعمائة ، وكتابه فى هذا
الباب هو : «التيسير».
(2) الإمام المقرئ المفسر أبو العباس أحمد بن عمارة بن أبي العبّاس المهدوى ،
المتوفّى بعد الثلاثين وأربعمائة ، وله كتاب «الهداية».
(3) الإمام أبو الحسن طاهر بن أبى الطيب بن أبى غلبون الحلبى ، نزيل مصر ، وتوفى
بها سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ، وله كتاب : «التّذكرة».
(4) الإمام أبو محمد مكّى بن أبى طالب القيروانى ، وكانت وفاته سبع وثلاثين
وأربعمائة بقرطبة ، وله كتاب : «التّبصرة».
(5) الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل ، المعروف بأبى شامة ، وله كتاب :
والمرشد الوجيز».
وكان رائد هؤلاء جميعا ، فيما أخذوا فيه ، أن كل قراءة وافقت العربيّة ولو بوجه ،
ووافقت المصحف الإمام ، وصحّ سندها ، فهى قراءة صحيحة لا يجوز ردّها ولا يحل
إنكارها ، وإذا اختل ركن من هذه الأركان كانت تلك القراءة ضعيفة ، أو شاذة ، أو
باطلة.
وفى ظل هذه القيود التى أجمع عليها القراء :
(1) الموافقة للعربية ولو بوجه.
(2) الموافقة للمصحف الإمام ، ولو احتمالا.
(3) أن يصح سندها.
قام الأئمة بتأليف كتب فى القراءات ، وكان أول إمام جمع القراءات فى كتاب هو أبو
عبيد القاسم ابن سلام ، المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين. وقد جعل القراءات نحوا
من خمس وعشرين قراءة.
و توالى بعده أئمة مؤلّفون جمعوا القراءات فى كتب ، منهم من جعلها عشرين ، ومنهم
من زاد ، ومنهم من نقص ، إلى أن كان الأمر إلى أبى بكر أحمد بن موسى بن العباس بن
مجاهد ، فاقتصر على قراءات سبع
__________
(1) النشر (1 : 8 - 9).
(1/368)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 369
لقرّاء سبع ، هم : عبد اللّه بن كثير ، فى مكة ، ونافع بن أبى رويم ، فى المدينة ،
وأبو عمرو بن العلاء ، فى البصرة ، وعاصم بن أبى النّجود ، وحمزة بن حبيب الزّيات
، وعلى الكسائى ، فى الكوفة ، وعبد اللّه ابن عامر ، فى الشام.
ثم جاء بعدهم من رفعها إلى عشر ، نذكر منهم إماما متأخرا وهو : ابن الجزرى أبو
الخير محمد بن محمد ، المتوفى سنة 833 ه ، وكتابه هو : النّشر فى القراءات العشر.
والقرّاء الثلاثة الذين زادوا على السبعة ، هم : يزيد بن القعقاع ، فى المدينة ،
ويعقوب الحضرمى ، فى البصرة ، وخلف البزّاز ، فى الكوفة.
هذا غير قراء جاءوا بقراءات شاذة ، كان على رأسهم ابن شنبوذ ، المتوفى سنة 328 ،
ثم أبو بكر العطّار النحوى المتوفى سنة 354 ه.
17 - رأى ابن قتيبة فى القراءات
و قد لخص ابن قتيبة وجوه الخلاف فى القراءات ، فقال «1» :
و قد تدبّرت وجوه الخلاف فى القراءات فوجدتها سبعة أوجه :
أولها : الاختلاف فى إعراب الكلمة ، أو فى حركة بنائها بما لا يزيلها عن صورتها فى
الكتاب ولا يغيّر معناها ، نحو قوله تعالى : (هؤلاء بناتى هنّ أطهر لكم) - هود :
78 - و(أطهر لكم) بالنصب - ، (وهل نجازى إلّا الكفور) - سبأ : 17 - و(هل يجازى
إلّا الكفور) ، (ويأمرون النّاس بالبخل) النساء : 47 ، الحديد : 24 و(بالبخل) بفتح
الباء والخاء و(فنظرة إلى ميسرة) - البقرة : 280 - و(ميسرة) بضم السين.
ثانيها : أن يكون الاختلاف فى إعراب الكلمة وحركات بنائها بما يغيّر معناها ، ولا
يزيلها عن صورتها فى الكتاب ، نحو قوله تعالى (ربّنا باعد بين أسفارنا) سبأ : 19 ،
و(ربّنا باعد بين أسفارنا) ، الأولى على صيغة الأمر ، والثانية على صيغة الماضى ،
و(إذا تلّقونه بألسنتكم) النور : 15 - و(تلقونه) بفتح فكسر فضم : و(وادّكر بعد
أمّة) يوسف : 45 - و«أمه» أى : نسيان.
ثالثها : أن يكون الاختلاف فى حروف الكلمة دون إعرابها بما يغيّر معناها ، ولا
يزيل صورتها ، نحو قوله تعالى : (وانظر إلى العظام كيف ننشزها) - البقرة : 259 -
و(ننشرها) بالراء ، و(حتى إذا فزّع عن قلوبهم) سبأ : 23 - و(فرّغ) بالراء والغين
المعجمة.
__________
(1) تأويل مشكل القرآن (28 - 32).
(م 24 - الموسوعة القرآنية - ج 1) [.....]
(1/369)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 370
رابعها : أن يكون الاختلاف فى الكلمة بما يغير صورتها فى الكتاب ، ولا يغير معناها
فى الكلام ، نحو قوله تعالى : (إن كانت إلّا صيحة واحدة) يس : 29 ، و(زقية واحدة)
، و(كالعهن المنفوش) القارعة : 5 ، و(كالصّوف).
خامسها : أن يكون الاختلاف فى الكلمة بما يزيل صورتها ومعناها ، نحو قوله تعالى :
(وطلع منضود) الواقعة : 29 ، و(طلح).
سادسها : أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير ، نحو قوله تعالى : (وجاءت سكرة
الموت بالحقّ) ق : 19 ، وفى موضع آخر : (وجاءت سكرة الحقّ بالموت).
سابعها : أن يكون الاختلاف بالزيادة والنقصان ، نحو قوله تعالى : (وما عملت
أيديهم) و(وما عملته أيديهم) يس : 35 ، ونحو قوله : (إنّ اللّه هو الغنىّ الحميد)
لقمان : 26 ، و(إنّ اللّه الغنىّ الحميد).
ثم قال ابن قتيبة :
فإن قال قائل : هذا جائر فى الألفاظ المختلفة إذا كان المعنى واحدا ، فهل يجوز
أيضا إذا اختلفت المعانى؟
قيل له : الاختلاف نوعان : اختلاف تغاير واختلاف تضادّ.
فاختلاف التضاد لا يجوز ، ولست واجده بحمد اللّه فى شىء من القرآن إلا فى الأمر
والنّهى من الناسخ والمنسوخ.
واختلاف التغاير جائز ، وذلك مثل قوله : «و ادّكر بعد أمّة» أى بعد حين ، و«بعد
أمه» أى بعد نسيان له ، والمعنيان جميعا ، وإن اختلفا ، صحيحان ، لأن ذكر أمر يوسف
بعد حين وبعد نسيان له ، وكقوله : «إذ تلقّونه بألسنتكم» أى تقبلونه وتقولونه ،
و«تلقونه» من الولق ، وهو الكذب ، والمعنيان جميعا ، وإن اختلفا ، صحيحان ، لأنهم
قبلوه ، وقالوه وهو كذب.
وكقوله : (ربّنا باعد بين أسفارنا) على طريق الدعاء والمسألة ، و(ربّنا باعد بين
أسفارنا) على جهة الخبر ، والمعنيان ، وإن اختلفا ، صحيحان.
وكقوله : (وأعتدت لهنّ متّكأ) وهو الطعام ، و(وأعتدت لهنّ متّكأ) بضم الميم وسكون
التاء وفتح الكاف ، وهو الأترجّ ، فدلت هذه القراءة على معنى ذلك الطعام.
(1/370)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 371
و كذلك «ننشرها» و«ننشزها» لأن الإنشار : الإحياء ، والإنشاز : هو التحريك للنقل ،
والحياة حركة ، فلا فرق بينهما.
وكذلك «فزّع عن قلوبهم» و«فزّغ» ، لأن «فزّع» : خفّف عنها الفزع ، وفرّغ : فرّغ
عنها الفزع.
ثم قال ابن قتيبة : وكل ما فى القرآن من تقديم أو تأخير ، أو زيادة أو نقصان ،
فعلى مثل هذه السبيل.
18 - تعقيب على القراءات
و الأمر فى القراءات كما يبدو لك ، ينحصر فى أحوال ثلاث :
الأولى - وهى تتصل بأحرف العرب أو لغاتها - وهى التى قدمنا منها مثلا فى الإمالة ،
والإشمام والتّرقيق ، والتفخيم ، وغير ذلك ، مما لفظت به القبائل ولم تستطع
ألسنتها غيره ، وهذا الذى قلنا عنه :
إنه المعنىّ بالأحرف السبعة التى جاءت فى الحديث.
وما من شك فى أن ذلك كان رخصة للعرب يوم أن كانوا لا يستطيعون غيره ، وكان من
العسير عليهم تلاوة القرآن بلغة قريش.
ثم ما من شك فى أن هذه الرّخصة قد نسخت بزوال العذر وتيسّر الحفظ ، وفشوّ الضبط ،
وتعلم القراءة والكتابة «1».
و إليك ما قاله الطبرى بعد أن عرفت ما قاله الطحاوى ، يقول الطبرى :
ثم لما رأى الإمام أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى اللّه تعالى عنه اختلاف الناس
فى القراءة ، وخاف من تفرّق كلمتهم ، جمعهم على حرف واحد ، وهو هذا المصحف الإمام
، واستوثقت له الأمّة على ذلك ، بل أطاعت ورأت أن فيما فعله الرّشد والهداية ،
وتركت القراءة بالأحرف السبعة التى عزم عليها إمامها العادل فى تركها ، طاعة منها
له ، ونظرا منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملّتها ، حتى درست من الأمة
معرفتها ، وعفت آثارها ، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها وعفّو
آثارها.
فإن قال من ضعفت معرفته : وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهم إيّاها رسول اللّه صلى
اللّه عليه وسلم وأمرهم بقراءتها؟ قيل : إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض
، وإنما كان أمر إباحة ورخصة.
__________
(1) معانى الآثار للطحاوى أحمد بن محمد.
(1/371)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 372
الثانية : وهى تتصل برسم المصحف وبقائه عهدا غير منقوط ولا مشكول إلى زمن عبد
الملك ، حتى قام الحجاج بإسناد هذا العمل إلى رجلين ، هما : يحيى بن يعمر ، والحسن
البصرى ، فنقطاه وشكلاه.
وما نرى صحيحا هذا الذى ذهب إليه القراء من تأويلات كثيرة تكاد تحمّل الكلمة عشرين
وجها ، أو ثلاثين ، أو أكثر من ذلك ، حتى لقد بلغت طرق هذه القراءات للقراءات
العشر فقط تسعمائة وثمانين طريقة.
فلقد كان هذا اجتهادا من القراء ، ولكنه كان إسرافا فى ذلك الاجتهاد ، وإنك لو
تتبعب ما عقّب به الزّمخشرى فى تفسيره على القرّاء لوجدت له الكثير مما ردّه عليهم
ولم يقبله منهم. فلقد عقب على ابن عامر ، فى قراءته لقوله تعالى : (وكذلك زيّن
للمشركين قتل أولادهم شركاؤهم) (الأنعام : 137) ، فلقد قرأها ابن عامر (زيّن
للمشركين قتل أولادهم شركائهم) برفع «القتل» ، ونصب «الأولاد» ، وجر «الشركاء» ،
على إضافة «القتل» ، إلى «الشركاء» والفصل بينهما بغير الظرف.
فقال الزمخشرى : فهذا لو كان فى مكان الضّرورات - وهو الشّعر - لكان شيئا مردودا ،
فكيف به فى الكلام المنثور ، وكيف به فى القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته ، والذى
حمله على ذلك أن رأى فى بعض المصاحف «شركائهم» مكتوبا بالياء.
ويعقّب الزمخشرىّ مرة أخرى على أبى عمرو حين يدغم الراء فى اللام فى قوله تعالى :
(فيغفر لمن يشاء) (البقرة : 284 ، آل عمران : 129 ، المائدة : 20 و43 ، الفتح :
14) فيقرؤها أبو عمرو : (فيغفلمن يشاء). ويقول الزمخشرى : ومدغم الراء فى اللام
لاحن مخطئ خطأ فاحشا ، وروايه عن أبى عمرو مخطئ مرتين ، لأنه يلحن ، وينسب إلى
أعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم.
وكذلك تتّبع ابن قتيبة القرّاء وأحصى لهم الكثير ، وفى ذلك يقول : وما أقلّ من سلم
من هذه الطبقة فى حرفه من الغلط والوهم «1».
ونحن حين نمكن لهذه القراءات أن تعيش نكون كمن يحاول أن يخرج على ما أراده عثمان ،
ومعه علىّ من قبل ، ثم الصّحابة ، على وحدة القرآن تلاوة. هذا بعد أن صح لنا أن
هذه القرآت اجتهاد ، وأن رسم المصحف ، وإهماله نقطا وشكلا ، جرّ إلى شىء منها.
__________
(1) تأويل مشكل القرآن (ص : 43).
(1/372)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 373
يقول ابن قتيبة. وهو يناقش بعض القراءات :
و ليست تخلو هذه الحروف من أن تكون على مذهب من مذاهب أهل الإعراب فيها ، أو أن
تكون غلطا من الكاتب.
فإن كانت على مذهب النحويين ، فليس هاهنا لحن بحمد اللّه.
وإن كانت خطأ فى الكتابة ، فليس على اللّه ولا على رسوله صلى اللّه عليه وسلم
جناية الكاتب فى الخط.
ولو كان هذا عيبا يرجع على القرآن لرجع عليه كل خطأ وقع فى كتابة المصحف من طريق
التهجّى ، فقد كتب فى الإمام : (إنّ هذن لساحران) بحذف ألف التثنية ، وكذلك ألف
التثنية تحذف فى هجاء هذا المصحف فى كل مكان. وكتب كتّاب المصحف : الصّلوة
والزّكوة ، والحيوة ، بالواو ، واتبعناهم فى هذه الحروف خاصة على التيمّن بهم «1».
فنحن إذن بين رسم لكتّاب كان ما رسموا آخر الجهد عندهم ، ولقد حفظ اللّه كتابه
بالحفظة القارئين أكثر مما حفظه بالكتّاب الكاتبين ، ثم كانت إلى جانب الحفظة حجة
أخرى على الرسم ، وهى لغة العرب ، أقامت الرسم لتدعيم الحفظ ولم تقم الحفظ لتدعيم
الرسم ، وكان هذا ما عناه عثمان حين قال : أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها.
ولقد أقامته بألسنتها ، وتركت الرسم على حاله ممثّلا فى مصحفه الإمام ، الذى كان
حريصا على أن تجتمع عليه الأمة الإسلامية ، ومن أجل ذلك أحرق ما سواه.
غير أن ما فعله عثمان لم يقض على كل خلاف ، وأوسع فى هذا الخلاف بقاء المصحف
الإمام غير منقوط ولا مشكول ، كما مرّ بك.
من أجل ذلك كان أول شىء عمله الحجّاج ، بعد ما فرغ من نقط المصحف وشكله ، أن وكل
إلى «عاصم الجحدرى» ، و«ناجية بن رمح» ، و«على بن أصمع» ، أن يتتبّعوا المصاحف وأن
يقطعوا كل مصحف يجدونه مخالفا لمصحف عثمان ، وأن يعطوا صاحبه ستّين درهما. وفى ذلك
يقول الشاعر :
و إلّا رسوم الدّار قفرا كأنّها كتاب محاه الباهليّ ابن أصمعا «2»
__________
(1) تأويل مشكل القرآن (ص : 40 ، 41).
(2) تأويل مشكل القرآن (ص : 37).
(1/373)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 374
و نحن اليوم فى أيدينا هذا المصحف الإمام أقوم ما يكون ضبطا ، وأصحّ ما يكون شكلا
، فما أغنانا به عن كل قراءة لا يحملها رسمه ولا يشير إليها ضبطه ، من تلك
القراءات التى كانت تلك حالها التى بسطناها لك.
الثالثة : وهى التى تتصل بإحلال كلمة مكان كلمة ، أو تقديم كلمة على كلمة ، أو
زيادة أو نقصان.
وما أظن هذه تكون كلمة تذكر بعد أن أصبح فى أيدينا المصحف الإمام ، هيّأه لنا
عثمان فى الأولى ، وزفّه إلينا الحجاج فى الثانية ، وما كان هذا العملان إلا
خطوتين : خطوة دعّمت خطوة ، فى سبيل الوحدة الكاملة لكتاب اللّه ، كما حفظه اللّه
على لسان الحفظة من الصحابة والتابعين.
وآخر ما نختم به الحديث عن القراءات قول الزركشى فى كتابه «البرهان» حيث يقول :
«القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان :
فالقرآن : هو الوحى المنزل على محمد صلى اللّه عليه وسلم للبيان والإعجاز.
والقراءات السبع متواترة عند الجمهور ، وقيل : بل مشهورة ، والتحقيق أنها متواترة
عن الأئمة السبعة.
أما تواترها عن النبى صلى اللّه عليه وسلم ففيه نظر».
19 - رسم المصحف
و من الناظرين فى رسم القرآن : فريق صرفهم الإجلال له عن أن يفصلوا بين ما هو وحى
من عند اللّه حرّك به لسان رسوله ، وبين ما صوّره كتّاب الرّسول حروفا وكلمات.
وأنت تعرف أن الكلمة الواحدة قد تختلف صورة رسمها على أيدى كتبة يكتبون عن ممل
واحد ، إذا اختلفت طرق تلقّيهم للإملاء ، غير أنهم حين يلفظون هذه الكلمة مجمعون
على نطق واحد.
وما من شك فى أن القرآن الكريم تعرّض رسمه لهذا الخلاف ، وكان حفظ اللّه له فى
بقاء حفظته ، يعى الناس عنهم أكثر مما يعون عن القراءة ، وكانوا بهذا مطمئنين ،
وحين عدت العاديات على الحفظة بدأ الخوف يدب ، وبدأ تفكير الصحابة يتّجه إلى ما هو
أبقى ، أعنى جمع القرآن مكتوبا.
و كانت محاولة أبى بكر وعمر التى مرّت بك ، واجتمع للناس قرآنهم مكتوبا ، وبدأ
شغلهم بما هو
(1/374)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 375
مكتوب يزحم شغلهم بما هو متلوّ ، أو يعادله. وأخذ الرسم يملى برسمه ويقوّمه الحفظ
فى عهد لم يكن الصحابة منه أبعدوا كثيرا عن عهد نزول القرآن.
وما كانت الأمة العربية عهد كتابة الوحى أمة عريقة فى الكتابة ، وما كان كتّاب
النبىّ صلى اللّه عليه وسلم إلا صورة من العصر البادئ فى الكتابة ، ولم تكن
الكتابة العربية بالأمس البعيد على حالها اليوم من التجويد والكمال إملاء ورسما.
وإن نظرة فى رسم المصحف ، وما يحمل من صور إملائية تخالف ما استقر عليه الوضع
الإملائى أخيرا ، لتكشف لك عما كان العرب عليه إملاء ، وعما أصبحنا عليه نحن.
وحين أطل عهد عثمان كاد اختلاف الناس فى قراءة المرسوم يجر إلى خروجهم على المحفوظ
، من أجل هذا فزع عثمان إلى نفر من الصحابة كتبوا للرسول وحيه ، ليدركوا هذا
المرسوم ، كى يخرجوا منه بصورة خطيّة تصوّر ما أجمع عليه الحفّاظ.
وقد لا يفوتك أن الخط العربى عصر كتابة الوحى إلى أيام عبد الملك بن مروان لم يكن
عرف النقط المميّز للحروف فى صورته الأخيرة ، كما لم يكن عرف شكل الكلمات ، وبقى
المصحف المرسوم ينقصه النّقط فى صورته الأخيرة وينقصه الشّكل ، وعاش يحميه حفظ
الحفاظ من اللحن.
غير أن الأمة العربية كانت قد انتشرت وأظلّ الإسلام تحت لوائه أمما مختلفة ، وأصبح
الحفظ فى هذه البيئة الواسعة ، وبين هؤلاء الأقوام المختلفين ، لا يغنى غناءه
أيّام أن كانت البيئة محدودة والأقوام غير مختلفين ، من هنا كان لا بد من نقط وشكل
على يد «الحجّاج» كما مرّ بك.
و لقد كانت هذه المراحل التى مرّ بها جمع القرآن وكتابته ونقطه وشكله نتيجة لقصور
الكتابة العربية والخطّ العربى. إذ لو كانا فى كمالهما اليوم لما احتاج القرآن فى
رسمه إلى مرحلة بعد مرحلة ، ولكتب يوم أن كتب للمرة الأولى فى صورة أخيرة.
ونحن بحمد اللّه ، على الرغم من بعد عهدنا بنزول القرآن ، لم نبعد عن وعيه كما
أنزل ، تصديقا لقوله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحافِظُونَ ، غير أنه يجب أن يلفتنا إلى قرآننا ما لفت الشيخين أبا بكر وعمر إليه
، ثم ما لفت عثمان إليه ، ثم ما لفت الحجّاج إليه. فهذه لفتات أحسّ فيها أصحابها
الخوف من أن يمسّ القرآن سوء ، فجمعوه للناس مكتوبا يوم أن خافوا ذهاب الحفّاظ. ثم
جمعوا الناس على مصحف واحد يوم أن خافوا تفرق الناس على مصاحف ، ثم نقطوه وضبطوه
يوم أن خافوا أن يتفرّق الناس فى قراءته.
(1/375)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 376
20 - كتابة المصحف وطبعه
و لقد مر بك كيف كان الوحى يكتب ، وعلى أى شىء كان يكتب ، ثم : من كانوا كتابه.
ومر بك أيضا كيف جمعه أبو بكر وعمر ، ثم كيف كتب عثمان مصحفه الإمام ، وأرسل منه
مصاحف أربعة إلى الأمصار : مكة. والبصرة. والكوفة ، والشام ، وأنه أبقى اثنين
آخرين فى المدينة ، اختص نفسه بواحد منهما.
ومنذ أن دخلت هذه المصاحف الأمصار أقبل المسلمون ينسخونها ، ولقد نسخوا منها عددا
كثيرا لا شك فى ذلك.
فنحن نقرأ للمسعودى وهو يتكلم على وقعة صفّين ، التى كانت بين علىّ ومعاوية ، وما
أشار به عمرو ابن العاص من رفع المصاحف ، حين أحسّ ظهور «علىّ» عليه : «و رفع من
عسكر معاوية نحو من خمسمائة مصحف «1»».
وما نظن هذا العدد الذى رفع من المصاحف فى معسكر معاوية كان كل ما يملكه المسلمون
حينذاك.
و الذى نظنه أنه كان بين أيدى المسلمين ما يربى على هذا العدد بكثير ، هذا ولم يكن
قد مضى على كتابة عثمان لمصحفه الإمام ، وإرساله إلى الأمصار ، ما يزيد على سنين
سبع.
والجديد الذى نحب أن نسوقه هنا نقلا عمن نظروا فى نشأة الخط العربى «2» : أن العرب
كانوا قبيل الإسلام يكتبون بالخط الحيرىّ - نسبة إلى الحيرة - ثم سمى هذا الخط بعد
الإسلام بالخط الكوفى.
وهذا الخط الكوفى فرع - كما يقولون - من الخط السّريانى ، وأنه على الأخص طور من
أطوار قلم للسّريان كانوا يسمونه «السّطر نجيلى» ، وكان السريان يكتبون به الكتاب
المقدّس ، وعن السريان انتقل إلى العرب قبل الإسلام ، ثم كان منه الخط الكوفى ،
كما سبق القول.
ولقد كان للعرب إلى جانب هذا القلم الكوفى قلم نبطى ، انتقل إليهم من حوران مع
رحلاتهم إلى الشام ، وعاش العرب ولهم هذان القلمان : الكوفى والنّبطىّ ، يستخدمون
الكوفى لكتابة القرآن ، ويستخدمون النّبطىّ فى شئون أخرى.
وبالخط الكوفى كانت كتابة المصاحف ، غير أنه كان أشكالا ، واستمر ذلك إلى القرن
الخامس
__________
(1) مروج الذهب (2 : 20).
(2) كشف الظنون (1 : 710 - 714) فهرست ابن النديم (24 - 26) الخط العربى لخليل
نامى.
تاريخ الخط العربى لمحمد طاهر الكردى. (وانظر : الخط العربى والمصاحف. كلمة تقديم
قبل للباب الثالث من هذا المجلد).
(1/376)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 377
تقريبا ، ثم ظهر الخط الثلث. وعاش من القرن الخامس إلى ما يقرب من القرن التاسع ،
إلى أن ظهر القلم النسخ ، الذى هو أساس الخط العربى إلى اليوم.
فلقد كتب القرآن بالكوفى أيام الخلفاء الراشدين ، ثم أيام بنى أمية ، وفى أيام بنى
أمية صار هذا الخط الكوفى إلى أقلام أربعة. ويعزون هذا التشكّل فى الأقلام إلى
كاتب اسمه «قطبة» وكان كاتب أهل زمانه ، وكان يكتب لبنى أمية المصاحف.
و فى أوائل الدولة العباسية ظهر «الضّحاك بن عجلان» ومن بعده «إسحاق بن حمّاد» ،
فإذا هما يزيدان على «قطبة» ، وإذا الأقلام العربية تبلغ اثنى عشر قلما : قلم
الجليل ، قلم السجلات ، قلم الديباج ، قلم اسطور مار الكبير ، قلم الثلاثين ، قلم
الزنبور ، قلم المفتتح ، قلم الحرم ، قلم المؤامرات ، قلم العهود ، قلم القصص ،
قلم الحرفاج.
وحين ظهر الهاشميون حدث خط يسمى : العراقى ، وهو المحقن. ولم تزل الأقلام تزيد إلى
أن انتهى الأمر إلى المأمون فأخذ كتّابه يتجويد خطوطهم ، وظهر رجل يعرف «بالأحول
المحرر» ، فتكلم على رسوم الخط وقوانينه وجعله أنواعا.
ثم ظهر قلم «المرصع» ، وقلم «النساخ» ، وقلم «الرياس» ، نسبة إلى ذى الرياستين
الفضل بن سهل ، وقلم الرقاع ، وقلم غبار الحلبة.
فزادت الخطوط على عشرين شكلا ، ولكنها كلها من الكوفى. حتى إذا ما ظهر ابن مقلة
(328 ه) نقل الخط من صورة القلم الكوفى إلى صورة القلم النسخى ، وجعله على قاعدة
جميلة كانت أساسا لكتابة المصاحف.
وينقل المقرّى عن ابن خليل السّكونى : أنه شاهد يجامع «العديس» بأشبيلية ربعة مصحف
فى أسفار ينحى به لنحو خطوط الكوفة ، إلا أنه أحسن خطّا وأبينه وأبرعه وأتقنه ،
وأن أبا الحسن بن الطّفيل بن عظيمة قال له : هذا خط ابن مقلة.
ثم يقول المقرّى : وقد رأيت بالمدينة المنورة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام -
مصحفا بخط ياقوت المستعصمى «1».
ولقد كانت وفاة ياقوت هذا سنة 698 ه «2» ، وكان سبّاقا فى هذا الميدان.
__________
(1) نفح الطيب (6 - 40).
(2) الفهرست لابن النديم (ص : 9) طبعة مصر.
(1/377)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 378
و يقول محمد بن إسحاق : أول من كتب المصاحف فى الصدر الأول ويوصف بحسن الخط : خالد
بن أبى الهياج. رأيت مصحفا بخطه ، وكان «سعد» نصبه لكتب المصاحف ، والشعر والأخبار
للوليد بن عبد الملك ، وهو الذى كتب الكتاب الذى فى قبلة مسجد النبى صلى اللّه
عليه وسلم بالذهب من وَالشَّمْسِ وَضُحاها إلى آخر القرآن.
ويقال إن عمر بن عبد العزيز قال له : أريد أن تكتب لى مصحفا على هذا المثال. فكتب
له مصحفا تنوّق فيه. فأقبل عمر يقلبّه ويستحسنه واستكثر ثمنه فردّه عليه.
ومالك بن دينار مولى أسامة بن لؤى بن غالب ، ويكنى : أبا يحيى. وكان يكتب المصاحف
بأجر.
ومات سنة ثلاثين ومائتين.
ثم أورد ابن إسحاق نفرا من كتاب المصاحف بالخط الكوفى وبالخط المحقق المشق ، وقد
رآهم جميعا.
والذى لا شك فيه أن هذه الأقلام المختلفة تبارت فى كتابة المصحف ، كما كتب بأقلام
غير هذه ، ذكر منها الكردى فى كتابه (تاريخ الخط العربى) قلمين هما : سياقت ،
وشكسته ، وأورد لهما نماذج.
وظلت المصاحف على هذه الحال إلى أن ظهرت المطابع سنة 1431 م ، وكان أول مصحف طبع
بالخط العربى فى مدينة «همبرج» بألمانيا ، ثم فى «البندقية» فى القرن السادس عشر
الميلادى.
وحين أخذت المطابع تشيع كثر طبع المصحف ، إذ هو كتاب المسلمين الأول وعليه
معتمدهم.
21 - تجزئة المصحف
و لقد سقنا لك الحديث عن عدد سور القرآن ، وعدد كلماته ، وعدد حروفه ، وما نظن هذا
كله بدأ مع السنين الأولى أيام كان المسلمون مشغولين بجمع القرآن وتدوينه ، عهد
أبى بكر وعمر ، ثم عهد عثمان ، وما نظنه إلا تخلّف زمنا بعد هذا إلى أيّام
الحجّاج.
ولقد كان المسلمون والوحى لا يزال متصلا ، يختصون يومهم بنصيب من القرآن ، يخلون
إلى أنفسهم ساعة من يومهم هذا يتلون فيها ما تيسّر ، يفرض كلّ منهم على نفسه جزءا
بعينه ، وإلى هذا يشير ما
روى عن المغيرة بن شعبة ، قال : استأذن رجل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،
وهو بين مكة والمدينة ، فقال :
إنه قد فاتنى الليلة جزئى من القرآن ، فإنى لا أوثر عليه شيئا «1».
وما نشك فى أن هذه التجزئة كانت فرديّة ، أى إن مرجعها كان لكلّ فرد على حدة ،
ونكاد نذهب إلى أنها لم تكن على التّساوى.
__________
(1) المصاحف (ص : 118).
(1/378)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 379
و هذه التجزئة التى أخذ المسلمون بها أنفسهم مبكّرين ليجعلوا للقرآن حظّا من ساعات
يومهم حتى لا يغيبوا عنه فيغيب عنهم ، وحتىّ ييّسروا على أنفسهم ليمضوا فيه إلى
آخره أسبوعا بعد أسبوع ، أو شهرا بعد شهر ، هذه التّجزئة الأولى غير المضبوطة هى
التى أملت على المسلمين بعد فى أن يأخذوا فى تجزئة القرآن تجزئة تخضع لمعابير
مضبوطة ، ولم يكن عليهم ضير فى أن يفعلوا.
عند هذه ، وبعد أن استوى المصحف بين أيديهم مكتوبا ، كان عدّ السور وعد الكلمات
وعد الآيات ، ولا يعنى هذا أن المسلمين الأول أيام الرسول كانوا بعيدين البعد كله
عن هذا كله ، بل إن ما نعنيه هو الإحصاء المستوعب الشامل ، وأمّا غيره فما نظننا
ننكره على المسلمين الأول ، من ذلك ما
روى عن ابن مسعود أنه قال : أقرأنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سورة من
الثلاثين من آل حم. يعنى الأحقاف.
ويقول السيوطى : كانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت الثلاثين «1».
ولكن هذا الاستيعاب الشامل لم يكن إلا مع أيام الحجاج ، ودليلنا على هذا : ما
يرويه أبو بكر بن أبى داود يقول : جمع الحجاج بن يوسف الحفّاظ والقرّاء - ويقول
أبو بكر : وكنت منهم - فقال الحجاج : أخبرونى عن القرآن كله كم هو من حرف؟ قال أبو
بكر : فجعلنا نحسب حتى أجمعوا أن القرآن ثلاثمائة ألف حرف وأربعين ألفا وسبعمائة
ونيف وأربعين حرفا.
قال الحجّاج : فأخبرونى إلى أى حرف ينتهى نصف القرآن. فحسبوا فأجمعوا أنه ينتهى فى
الكهف وَلْيَتَلَطَّفْ (الآية : 19 ، فى الفاء).
قال الحجاج : فأخبرونى بأسباعه على الحروف؟ قال أبو بكر : فإذا أول سبع فى النساء
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ (الآية : 55 ، فى الدال).
والسبع الثانى فى الأعراف أُولئِكَ حَبِطَتْ (الآية : 147 ، فى التاء) والسبع
الثالث فى الرعد أُكُلُها دائِمٌ (الآية : 35 ، فى الألف آخر أُكُلُها ، والسبع
الرابع فى الحج وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً (الآية : 34 ، فى الألف) ،
والسبع الخامس فى الأحزاب وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ (الآية : 36 ، فى
الهاء) ، والسبع السادس فى الفتح الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ (الآية :
6 ، فى الواو) والسابع ما بقى من القرآن.
قال الحجاج : فأخبرونى بأثلاثه؟ قالوا : الثّلث الأول رأس مائة من براءة. والثلث
الثانى رأس إحدى ومائة آية من طسم الشعراء ، والثلث الثالث ما بقى من القرآن.
__________
(1) الإتقان (1 : 66).
(1/379)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 380
ثم سألهم الحجاج عن أرباعه. فإذا أول ربع خاتمة سورة الأنعام. والربع الثانى الكهف
وَلْيَتَلَطَّفْ (الآية : 19) والربع الثالث خاتمة «الزّمر» ، والربع الرابع ما
بقى من القرآن.
كانت هذه نظرة الحجاج مع القراء والحفاظ ، وكانت تجزئته للقرآن بوفق عدد حروفه ،
ولقد رأيناه كيف جزّأه نصفين ، ثم أسباعا ، ثم أثلاثا ، ثم أرباعا.
و ما نظن الحجاج كان يستملى فى هذه التجزئة إلا عن تفكير فى التيسير ، فجعله نصفين
على القارىء المجد ، ثم أثلاثا على اللاحق ، ثم أرباعا على من يتلو اللاحق ، ثم
أسباعا على من يريد أن يتمه فى أسبوع ، وكانت ذلك هى النهاية التى أحبها الحجّاج
للمسلمين ، وكأنه لم يحب لهم أن يتجاوزوها ، لذلك لم يمض مع القراء والحفاظ يسألهم
عما بعدها ، ونحن نعلم أن الحجاج كان يقرأ القرآن كله فى كل ليلة «1».
وحين نظر الحجاج فى القرآن يجزئه هذه التجزئة التى تحدها الحروف ، بدأ غيره من
بعده ينظرون فى تجزئة القرآن تجزئة تمليها الآيات ، فقسموه أنصافا ، وأثلاثا ،
وأرباعا ، وأخماسا ، وأسداسا ، وأسباعا وأثمانا ، وأتساعا ، وأعشارا.
وما نظن هؤلاء الذين جاءوا فى إثر الحجاج بهذه التجزئة التى تخالف تجزئة الحجاج
كانوا يستملون إلا عن مثل ما استملى الحجاج عنه ، وهو التيسير ، ثم الإرخاء فى هذا
التيسير ، ثم تخصيص كل يوم بنصيب لا يزيد ولا ينقص ، وكان أقصى ما أرادوه لكل مسلم
أن يتم قراءة القرآن فى أيام لا تعدو العشرة.
ولقد مر بك قبل ، عند الكلام على عد آيات القران ، ما كان من خلاف يسير علمت سببه
، ولكن هذا الخلاف اليسير فى عد الآيات جر إلى خلاف يسير فى هذه التجزئة.
ولقد كانت فكرة الحجاج ، وفكرة من جاء بعد الحجاج ، فى تجزئة القرآن هى التيسير
على التّالى ، ولكن الحجاج كان متشدّدا ، متشددا على نفسه أولا ، كما رأيت ، فلم
يجاوز فى تيسيره إلى غير سبعة أيام ، ولكن من جاءوا بعد الحجّاج لم يكونوا على
تشدّد الحجاج فأرخوا شيئا فى التيسير وزادوا الأيام إلى عشرة.
وما وقف التيسير عند هذا الحد الذى انتهى إليه الذين جاءوا فى إثر الحجاج ، بل نرى
الميسّرين أرخوا للقارئين إلى أن يلغوا بهم الثلاثين ، فإذا القرآن مجزّا إلى
ثلاثين جزءا.
__________
(1) المصاحف (ص 119 - 120).
(1/380)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 381
غير أن هذه المراحل التى جاءت بعد الحجاج لم تتم فى يوم وليلة ، بل امتدّت بامتداد
الأيام ، ولقد كانت وفاة الحجّاج فى العام الخامس والتسعين من الهجرة ، ونرى
السّجستانى يروى أخباره في تجزئة القرآن تلك التجزئة الثانية عن رواة تنحصر وفاتهم
فى القرن الثانى للهجرة ، ثم نرى ابن النديم وهو يتكلم عن الكتب المؤلفة في أجزاء
القرآن يذكر لنا :
1 - كتاب أسباع القرآن لحمزة بن حبيب بن عمارة الزيات. ولقد كانت وفاة حمزة سنة
158 ه.
2 - كتاب أجزاء ثلاثين ، عن أبى بكر بن عياش ، ولقد كانت وفاة أبى بكر بن عياش سنة
193 ه «1».
وما يعنينا الكتاب الأول ، فلقد علمنا أن تجزئة القرآن أسباعا ، كانت على يد
الحجاج حروفا ، وقد تكون على يد حمزة آيات ، نقول لا تعنينا هذه ولكن تعنينا
الثانية ، فهى تدلنا على أن تجزئة القرآن إلى ثلاثين جزءا ، وهى التجزئة التى
عليها مصاحفنا اليوم ، تجزئة قديمة انتهت إلى أبى بكر بن عياش ، بهذا يشعرنا أسلوب
ابن النديم ، إذ لم يعز الكتاب لأبى بكر وإنما قال : عن أبى بكر بن عياش.
إذن فتجزئة القرآن ثلاثين جزءا لم تغب عن القرن الثانى الهجرى ، ولا يبعد أن تكون
دون منتهاه بكثير ، فقد كان مولد أبى بكر بن عياش سنة ست وتسعين من الهجرة ،
والرجل يصلح للتلقّى والرواية مع الخامسة والعشرين من عمره ، أى إن أبا بكر بن
عياش كان رجل رواية وتلقّ مع العام العشرين بعد المائة الأولى من الهجرة.
و هذه التجزئة الأخيرة ، أعنى تجزئة القرآن ثلاثين جزءا ، هى التجزئة التى غلبت
وعاشت ، ولعل ما ساعد على غلبتها يسرها ، ثم ارتباطها بعدد أيام الشهر ، ونحن نعلم
كم تجد هذه التجزئة إقبالا عظيما فى شهر رمضان من كل عام ، وما نظن الذين جزءوا
انتهوا إلى هذه التجزئة الأخيرة فى مرحلة واحدة متجاوزين التجزئة العشرية إلى
التجزئة الثلاثينية ، والذى نقطع به أنه كانت ثمة تجزئات بين هاتين المرحلتين لا
ندرى تدرجها ، ولكن يعنينا أن نقيّد أن ثمة تجزئة تقع في عشرين جزءا ، تحتفظ بها
مكتبة دار الكتب المصرية.
وبهذه التجزئة - أى إلى ثلاثين جزءا - أصبح القرآن يعرض أجزاء منفصلة كل جزء على
حدة ، وأصبحنا نراه فى المساجد - لا سيما فى شهر رمضان - محفوظا فى صناديق بأجزائه
الثلاثين ، كل مجموعة فى صندوق ، يقدمه الراغبون فى الثواب إلى المختلفين إلى
المساجد رغبة فى تلاوة نصيب من القرآن.
__________
(1) الفهرست (ص : 55) طبعة مصر.
(1/381)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 382
و أصبح يطلق على هذه الأجزاء الثلاثين اسم ريعة. والرّيعة فى اللغة : الصندوق أو
الوعاء من جلد.
ولعل تسمية الأجزاء الثلاثين بهذا الاسم جاءت من إطلاق المحلّ على الحال فيه.
ولكن هذا التيسير الأخير جر إلى تيسير آخر يتصل به ، وما نشك فى أن الدافع إليه
كان التيسير هنا على الحافظين ، بعد أن كان التيسير قبل على القارئين ، وفرق بين
أن تيسّر على قارئ وبين أن تيسر على حافظ.
من أجل هذه فيما نظن كان تقسيم الأجزاء الثلاثين إلى أحزاب ، كل جزء ينقسم إلى
حزبين ، ثم تقسيم الحزب إلى أرباع ، كل حزب ينقسم إلى أربعة أرباع.
وعلى هذا التقسيم الأخير طبعت المصاحف ، واعتمد هذا التقسيم على الجانب الراجح بين
القراء فى عدد الآيات ، فأنت تعلم هذا الخلاف الذى بينهم :
فالمدنيون الأول يعدون آيات القرآن 6000 آية والمدنيون المتأخرون يعدون آيات
القرآن 6124 آية والمكيون المتأخرون يعدون آيات القرآن 6219 آية والكوفيون يعدون
آيات القرآن 6263 آية والبصريون يعدون آيات القرآن 6204 آية والشاميون يعدون آيات
القرآن 6225 آية وفى هذا الخلاف كان ثمة ترجيح ، وثمة اتفاق وثمة تغليب. وقد انبرى
لهذا «السّفاقسى» فى كتابه «غيث النفع». ولقد اعتمد السفاقسى على رجلين سبقاه فى
هذه الصناعة ، هما : أبو العباس أحمد بن محمد بن أبى بكر القسطلانى فى كتابه
«لطائف الإشارات فى علم القراءات» ، والقادرى محمد ، وكتابه «مسعف المقرئين معبين
المشتغلين بمعرفة الوقف والابتداء» ، وانتهى إلى الرأى الراجح أو المتّفق عليه ،
وبهذا أخذ الذين أشرفوا على طبع المصحف طبعته الأخيرة فى مصر ، وخرج يحمل الإشارات
الجانبية الدالّة على مكان الأجزاء والأحزاب وأرباع الأحزاب.
22 - الناسخ والمنسوخ :
النسخ ، لغة : إبطال الشىء ورفعه ، والمتكلمون عن النسخ فى القرآن يجعلونه على
ثلاثة أضرب :
1 - ما نسخ خطه وحكمه ، ويروون فى ذلك عن أنس أنه قال : كنا نقرأ على عهد رسول
اللّه صلى
(1/382)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 383
اللّه عليه وسلم سورة تعدلها سورة التوبة ، ما أحفظ منها غير آية واحدة «و لو أن
لابن آدم واد بين من ذهب لابتغى إليهما ثالثا ، ولو أن لهم ثالثا لابتغى إليها
رابعا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب اللّه على من تاب».
كما يروون عن ابن مسعود أنه قال : أقرأنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم آية
فحفظتها وكتبتها فى مصحفى ، فلما كان الليل رجعت إلى مصحفى فلم أرجع منها بشىء ،
وغدوت على مصحفى فإذا الورقة بيضاء.
فأخبرت النبى صلى اللّه عليه وسلم ، فقال لي : يابن مسعود ، تلك رفعت البارحة.
و هذا قسم يكاد سرده يدل عليه ويكشف عن سقوطه ، فما أجّل اللّه حكيما عليما. وما
كانت الرسالة تجربة بشرية يجوز عليها تعديل أو الوقوع فيما سينقض بعد حين. ولقد
كان الرسول يحدّث المسلمين بحديثه ويقرأ عليهم وحى السماء ، ولقد كان عليه السلام
يعارضهم فيما حملوه عنه على التوالى حرصا على سلامة الوحى من أن يختلط به غيره ،
وكم من سامع خلط ما بين ما هو وحى وبين ما هو حديث للرسول ، ولكنه كان بعد حين
قليل مردودا إلى السلامة حين يلقى الرّسول ، أو يقابل صحابيّا على بصيرة بما هو
وحى وما هو حديث. وسرعان ما كانت تستقيم الأمور ، ويبين هذا من ذاك ، حتى إذا ما
حان أن يقبض اللّه إليه رسوله كانت العرضة الأخيرة للقرآن ، ولم تكن إلا لهذا
ومثله.
2 - ما نسخ خطّه وبقى حكمه. ويروون لهذا خبرا عن عمر بن الخطاب ، يقول :
لو لا أكره أن يقول الناس قد زاد فى القرآن ما ليس فيه لكتبت آية الرّجم وأثبتها ،
فو اللّه لقد قرأناها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : «لا ترغبوا عن آبائكم
فإن ذلك كفر بكم. الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من اللّه واللّه
عزيز حكيم».
وأحسب أن عمر لو صح هذا عنه ، وأنه سمعها عن الرسول ما تخلّف عن أن يكتبها ، ثم
ألم يسمعها مع «عمر» غيره فيجعل منه شاهدا معه ، إن كان «عمر» لا يرى أنه وحده
مجزئ ، اللهم إن هذا ينقض علينا تلك المعارضات التى كانت تتمّ بين الرسول
والقارئين ، وينقض علينا التفكير السليم ، وما نحب لمن يعالج ما يتصل بكتاب اللّه
إلا أن يكون ذا تفكير سليم.
3 - ما نسخ حكمه وبقى خطّه ، وهذا شىء يقتضيه التشريع والانتقال من حكم إلى حكم ،
مثال ذلك الآيات التى تتصل بالقبلة ، والتى انتهت بقوله تعالى يخاطب نبيّه :
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ «1» وكانت قبلها فَأَيْنَما
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ «2».
__________
(1) البقرة : 144.
(2) البقرة : 115. [.....]
(1/383)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 384
و مثل قوله تعالى : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ
«1» فجاء
قوله عليه الصلاة والسلام : «أحلّت لنا ميتتان ودمان : السّمك والجراد والكبد
والطّحال»
يستثنى شيئا من الميتة المذكورة فى القرآن.
وقد عد الناظرون فى هذا نحوا من 144 ، منها :
(1) ثلاثون آية فى البقرة (2) عشر آيات فى آل عمران (3) أربع وعشرون آية فى النساء
(4) تسع آيات فى المائدة (5) خمس عشرة آية فى الأنعام (6) آيتان فى الأعراف (7) ست
آيات فى الأنفال (8) إحدى عشرة آية فى التوبة (9) ثمانى آيات فى يونس (10) أربع
آيات فى هود (11) آيتان فى الرعد (12) آية فى إبراهيم (13) خمس آيات فى الحجر (14)
أربع آيات فى النحل (15) ثلاث آيات فى بنى إسرائيل (16) آية فى الكهف (17) خمس
آيات فى مريم (18) ثلاث آيات فى طه (19) ثلاث آيات فى الأنبياء (20) ثلاث آيات فى
الحج (21) آيتان فى المؤمنين (22) سبع آيات فى النور (23) آيتان فى الفرقان (24)
آية واحدة فى النمل (25) آية واحدة فى القصص (26) آية واحدة فى العنكبوت (27) آية
واحدة فى الروم (28) آية واحدة فى السجدة (29) آيتان فى الأحزاب (30) آية واحدة فى
سبأ (31) آية واحدة فى الملائكة (32) أربع آيات فى الصافات (33) آيتان فى ص (34)
ثلاث آيات فى الزمر (35) آيتان فى حم (المؤمن) (36) آية واحدة فى حم (السجدة) (37)
سبع آيات فى الشورى (38) آيتان فى الزخرف (39) آية واحدة فى الدخان (40) آيتان فى
الجاثية
__________
(1) المائدة : 3.
(1/384)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 385
(41) آيتان فى الأحقاف (42) آيتان فى محمد (43) آيتان فى ق (44) آيتان فى الذاريات
(45) آيتان فى الطور (46) آيتان فى النجم (47) آية واحدة فى القمر (48) آية واحدة
فى المجادلة (49) ثلاث آيات فى الممتحنة (50) آيتان فى القلم (51) آيتان فى
المعارج (52) ست آيات فى المزمل (53) آيتان فى الإنسان (54) آية واحدة فى عبس (55)
آية واحدة فى التكوير (56) آية واحدة فى الطارق (57) آية واحدة فى الغاشية (58)
آية واحدة فى التين (59) آية واحدة فى العصر (60) آية واحدة فى الكافرين وسوف نرى
أن كل ما يتصل بها هو ترتّب أحكام اقتضاها التّشريع السماوى الذى أملاه نزول
القرآن مجزءا بوفق أحوال المسلمين وتدرّجهم فى الحياة ، الأمر الذى قد منا عنه
حديثا عند الكلام على نزول القرآن مجزّءا لا جملة واحدة «1».
23 - المحكم والمشابه والحروف المقطعة فى أوائل السور
يذهب العلماء فى المحكم والمتشابه مذاهب ، ويفرعها ابن حبيب النيسابورى إلى أقوال
ثلاثة :
أولها : أن القرآن كله محكم ، لقوله تعالى : كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ 11 : 1
ثانيها : أنه كله متشابه ، لقوله تعالى : كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ 39 : 23
ثالثها : انقسامه إلى محكم ومتشابه ، لقوله تعالى : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ ، هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ
مُتَشابِهاتٌ 3 : 7 وكما اختلفوا فى هذه اختلفوا فى معنى المحكم ومعنى المتشابه ،
فقيل :
المحكم : ما عرف المراد منه ، إما بالظهور وإما بالتأويل.
والمتشابه : ما استأثر اللّه بعلمه ، كقيام الساعة ، وخروج الدجال ، والحروف
المقطعة فى أوائل السور.
وقيل :
المحكم : ما وضح معناه ، والمتشابه ، نقيضه. __________
(1) انظر باب الناسخ والمنسوخ.
(م 25 - الموسوعة القرآنية - ج 1)
(1/385)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 386
و قيل :
المحكم : ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا ، والمتشابه : ما احتمل أوجها.
وقيل :
المحكم : ما كان معقول المعنى ، والمتشابه بخلافه ، كأعداد الصلوات ، واختصاص
الصيام برمضان دون شعبان.
وقيل :
المحكم : ما استقل بنفسه ، والمتشابه : ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره.
وقيل :
المحكم : ما لم تكرر ألفاظه ، ويقابله المتشابه.
وقيل :
المحكم : الفرائض ، والوعد ، والوعيد ، والمتشابه : القصص والأمثال.
وقيل :
المحكم : ناسخه ، وحلاله ، وحرامه ، وحدوده ، وفرائضه ، وما يؤمن به ويعمل به.
والمتشابه : منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وما يؤمن به ولا يعمل به.
وقيل :
المحكم : الحلال والحرام ، وما سوى ذلك منه فهو متشابه ، يصدق بعضه بعضا.
ثم اختلفوا بعد هذين فى المتشابه ، هل يمكن الاطلاع على علمه ، أولا يعلمه إلا
اللّه؟
و كان مرد هذا إلى اختلافهم فى تفسيرهم قوله تعالى : وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ
إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ 3 : 7 منهم من جعل الواو للاستئناف
، وعلى هذا يكون السياق : والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا.
ومنهم من جعلها للعطف ، وعلى هذا يكون السياق : والراسخون فى العلم يعلمون تأويله
ويقولون آمنا «1».
ويقول ابن قتيبة «2» : إن اللّه لم ينزّل شيئا من القرآن إلا لينفع به عباده ،
ويدل به على معنى أراده.
ويقول : فلو كان المتشابه لا يعلمه غيره للزمنا للطاعن مقال ، وتعلّق علينا بعلّة.
__________
(1) الإتقان (2 : 2).
(2) تأويل مشكل القرآن (72 - 73).
(1/386)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 387
و يمضى ابن قتيبة فى حديثه فيقول : وهل يجوز لأحد أن يقول : إن رسول اللّه صلى
اللّه عليه وسلم لم يكن يعرف المتشابه ، وإذا جاز أن يعرف مع قوله تعالى : وَما
يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ جاز أن يعرفه الرّبانيون من صحابته.
فقد علّم «عليّا» التّفسير ، ودعا لابن عباس فقال : اللهم علّمه التأويل وفقّهه فى
الدين.
ثم يقول ابن قتيبة : وبعد. فإنا لم نر المفسرين توقّفوا عن شىء من القرآن فقالوا :
هذا متشابه لا يعمله إلا اللّه : بل أمرّوه كله على التفسير حتى فسروا الحروف
المقّطعة فى أوائل السور.
ويقول ابن قتيبة فى تفسير قوله تعالى : وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ «1» : فإن قال قائل : كيف
يجوز فى اللغة أن يعلمه الرسخون فى العلم ، وأنت إذا أشركت الراسخين فى العلم
انقطعوا عن «يقولون» ، وليست هاهنا فى نسق توجب للراسخين فعلين؟ قلنا له : إنّ
«يقولون» هاهنا فى معنى الحال ، كأنه قال : «و الراسخون فى العلم قائلين آمنا به».
«2» ثم اختلفوا بعد هذا فى تفسير الحروف المقطعة.
1 - فمنهم من يجعلها أسماء للسور ، تعرف كل سورة بما افتتحت به منها ، فهى أعلام
تدل على ما تدل عليه الأسماء من أعيان الأشياء وتفرّق بينها ، فإذا قال القائل :
قرأت «المص» ، أو قرأت «ص» ، أو «ن» دل بذلك على ما قرأ.
ولا يرد هذا أن بعض هذه الأسماء يقع لعدة سور ، مثل ، «حم» و«الم» ، إذ من الممكن
التمييز بأن يقول : حم السجدة ، و«الم» البقرة ، كما هى الحال عند وقوع الوفاق فى
الأسماء ، فتميّزها بالإضافات ، وأسماء الآباء ، والكنى.
2 - ويجعلها بعضهم للقسم ، وكأن اللّه عز وجل أقسم بالحروف المقطّعة كلها ، واقتصر
على ذكر بعضها من ذكر جميعها ، فقال «الم» ، وهو يريد جميع الحروف المقطّعة ، كما
يقول القائل : تعلمت «أب ت ث» وهو لا يريد تعلّم هذه الأحرف دون غيرها من الثمانية
والعشرين.
ولقد أقسم اللّه بحروف المعجم لشرفها وفضلها ، إذ هى مبانى كتابه المنزل على
رسوله.
3 - ويجعلها بعضهم حروفا مأخوذة من صفات اللّه تعالى ، ويكون هذا فنّا من فنون
الاختصار عند العرب.
__________
(1) آل عمران : 7.
(2) تأويل مشكل القرآن (230 - 239) لسان العرب (1 : 4 - 6).
(1/387)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 388
و هذا الاختصار عند العرب كثير ، يقول الوليد بن عقبة ، من رجز له :
قلت لها قفى فقالت قاف
أى قالت : وقد وقفت ، فأومأ بالقاف إلى معنى الوقوف.
وعلى هذا يجعل المفسرون كل حرف من هذه الحروف يشير إلى صفة من صفات اللّه.
فيقول ابن عباس مثلا فى تفسير قوله تعالى : كهيعص إن الكاف من كاف ، والهاء من هاد
، والياء من حكيم ، والعين من عليم ، والصاد من صادق.
هذا مجمل ما ذهب إليه المفسرون القدامى فى معانى هذه الحروف المقطعة وفى كل منها
مقنع.
أما ما ذهب إليه المحدثون فى هذا فحسبك ما انتهى إليه «على نصوح الطاهر» فى كتابه
«أوائل السور فى القرآن الكريم». وإليك مجمل ما قال فى خاتمة كتابه :
1 - إن أوائل السور تقوم على حساب الجمل.
2 - إنها تبين عدد الآيات المكية أيام كان القرآن يخشى عليه من أعدائه فى مكة من
أن يزيدوا فيه أو أن ينقصوا منه ، ودليله على ذلك.
(ا) أنها وردت مع تسع وعشرين سورة من سور القرآن.
(ب) من هذه السور سبع وعشرون مكية واثنتان مدنيتان ، هما البقرة وآل عمران.
(ح) أن هاتين السورتين المدنيتين نزلتا فى أوائل العهد المدنى ، ولم يكن قد استقر
أمر المسلمين كثيرا ، فهو عهد أشبه بعهد مكة.
(د) أنه حين اشتد أمر المسلمين ، وكانت كثرة من القارئين والكاتبين ، لم تكن ثمة
حروف مقطعة فى فواتح سور.
ولقد تتبع فى كتابه «أوائل السور فى القرآن الكريم» السّور ذات الفواتح ، وطابق
بين جملها والآيات المكية بها فإذا هو ينتهى إلى رأى شبه قاطع.
هذا مجمل ما للسلف عن المتشابه والمحكم عامة ، ثم مجمل ما للسلف والخلف من
المحدثين عن الحروف المقطعة فى أوائل السور خاصة.
و تكاد أراء السلف عن الشق الأول تملى تعقيبا ، فالآيات الثلاث التى فرعوا عليها
أحكامهم تكاد تكون كل آية منها لمعنى قائم بذاته.
(1/388)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 389
فقوله تعالى : كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ 11 : 1 ، المراد بالإحكام هنا : غاية
الإبداع ، أى : إنه على صورة من البيان لا يدانى فيها إبداعا ، وهذا من دلائل
إعجاز القرآن.
وقوله تعالى : كِتاباً مُتَشابِهاً 39 : 23 ، المراد بالتشابه هنا الاتفاق ، إذ لو
كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ، وهذا دليل ثان من دلائل إعجاز
القرآن.
وقوله تعالى : مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ
مُتَشابِهاتٌ 3 : 7 ، فالمراد أن من آياته ما جاء لغرض بعينه لا تشاركه فيه غيرها
، ومنها ما جاءت حول غرض عام تشاركها فيه غيرها.
وعلى هذا يستوى لنا رأى ابن قتيبة ومن لفّ لفّه فى أنه ليس ثمة فى الكتاب الكريم
شىء إلا وهو مناط تفكيرنا وتدبيرنا ، وإعمال الرأى فيه ، لأنه كتاب اللّه لعباده ،
نزله على رسوله ليبلغه عباده ليعملوا به وبما فيه ، ولن يبلغوا هذا أو يقاربوه إلا
إذا نظروا فى معانيه وتدبروها.
وقد كتب السلف عن الشق؟؟؟ الثانى وقالوا فيه ما رأوا ، وإذ كان القرآن للناس إلى
يوم الدين ، يقول كل ما يرى ، إذا ما بلغ مبلغ من يقول فى القرآن ، فقد نقلنا لك
هذا الرأى المحدث.
24 - البسملة ، والاستعاذة ، والسجدة
و البسملة عند الأكثرين آية تقرأ من أول كل سورة ، غير «براءة».
والتعوذ قبل القراءة من السنة ، لقوله تعالى : فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ «1».
وصيغته المختارة : أعوذ باللّه من الشيطان الرّجيم.
وعند بعض السلف : أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم.
وقال ابن الجزرى فى كتابه «النشر فى القراءات العشر» : المختار عند أئمة القراء
الجهر بها.
ويسن السجود عند قراءة آية السجدة ، وهى أربع عشرة آية ، فى :
الأعراف : الرعد ، النحل ، الإسراء ، مريم ، وفيها «سجدتان» ، الفرقان ، النمل ،
الم ، فصلت ، النجم ، إذا السماء انشقت ، اقرأ باسم ربك.
وأما فى «ص» فمستحبة وليست من عزائم السجود ، أى متأكداته.
__________
(1) النحل : 98.
(1/389)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 390
25 - كتاب المصحف
كان «المسند» - هو الخط الحميرى ، الذى كان مستعملا فى الأنبار والحيرة - المرحلة
الثالثة من المراحل التى جازها الخط العربى ، فلقد سبقته فى سلّم التّرقّى مرحلتان
: المرحلة المصرية بفروعها الثلاثة : الهير وغليفية ، والهيراطيقية ، والديموطيقية
، والمرحلة الفينيقية ، نسبة إلى فينيقية ، أرض كنعان.
ومن الحيرة انتقل هذا الخط «المسند» إلى الجزيرة العربية ، وكان أقدم خط عرف بها ،
وسمى مع انتقاله «الجزم» ، لأنه جزم ، أى قطع من «المسند».
وبعد بناء الكوفة ، فى عهد عمر بن الخطاب ، سمى هذا الخط «المسند» : الخطّ الكوفى
، نسبة إليها ، وما إن عمرت الكوفة حتى رحلت إليها القبائل ، وكان من بين القبائل
الراحلة قبائل يمنية ، وكان من بينها من يكتب بالخط المسند ، فسرعان ما انتشر هذا
الخط بين الكوفيين ، وجوّدوا فيه ، وأضافوا إليه حليات وزخرفات على شاكلة تلك التى
كانت فى الخط السريانى المعروف باسم : «السطرنجيلى».
وحين انتهى الخط الكوفى إلى الحجاز كان بين مقوّر ومبسوط ، وسمى الخط المقوّر باسم
«اللين» ، أو «النسخى» ، وهو ما تكون عراقاته منخسفة إلى أسفل ، وشاع استخدام هذا
النوع من الخط فى الرقاع ، والمراسلات ، والكتابات العامة.
أما الخط «المبسوط» ، وهو ما يعرف باسم «اليابس» ، فلقد كانت عراقاته مبسوطة ،
وقصر استخدام هذا النوع من الخط على النقش فى المحارب ، وأبواب المساجد والمعابد
وجدرانها ، وعلى كتابة المصاحف الكبيرة.
و كان كتّاب الرسول صلى اللّه عليه وسلم يكتبون بالخط المقور «النسخى» ، وبهذا
الخط كتب زيد بن ثابت - رضى اللّه عنه - صحف القرآن فى خلافة أبى بكر بأمره وإشارة
عمر بن الخطاب ، رضى اللّه عنهما.
ويتبين لك الفرق بين الخطين واضحا فى تلك الصور الثلاث : فالصورتان الأولى
والثانية تمثلان خطا بين بعث أولهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المقوقس
[ش : 1] ، وبعث ثانيهما إلى المنذر بن سارى [ش : 2].
(1/390)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 391
ش : 1 خطاب النبى صلى اللّه عليه وسلم إلى المقوقس ش : 2 خطاب النبى صلى اللّه
عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى
(1/391)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 392
أما الصورة الثالثة فتمثل صفحة من القرآن الكريم كتبت فى القرن الأول الهجرى [ش :
3] ش : 3 صفحة من القرآن الكريم. القرن الأول الهجرى وهكذا تجد أن الفرق بين خط
القرآن وخط الرسائل واسع.
وحين جمع القرآن بالمدينة ، وأرسلت المصاحف إلى مكة ، والشام ، والبصرة ، والكوفة
، وغيرها ، أقبل الناس على نسخ القرآن الكريم ، وأصبحت لكل إقليم طريقة تميز بها
عن غيره ، وكان لها اسمها ، ونشأ عن ذلك :
1 - الخط المدنى ، وكان يسمى : المحقق ، والوراقى ، نسبة إلى الوراقين الذين كانو
يكتبون المصاحف بالخط المحقق أو النسخى.
2 - الخط المكى ، ويتميز هذا الخط المكى والخط المدنى بأن فى لفاتهما تعويجا إلى
يمنة اليد ، أو إلى أعلى الأصابع ، فى انضجاع يسير.
3 - الخط البصرى (الكوفى ، الأصفهانى ، العراقى) ، وكان على ثلاثة أنواع : المدور
، والمثلث ، والتئم (وهو خط التعليق الذى بين الثلث والنسخ).
وحين أطل العهد الأموى ، وأقبل الناس على تعلم العربية ، أخذ الخط العربى يرقى ،
وظهر فى أواخر عهد بنى أمية رجل اسمه «قطبة» اشتهر بتجديد الخط ، وكان على يديه
انتقال الخط العربى من الشكل
(1/392)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 393
الكوفى إلى قريب من الشكل الذى هو عليه الآن ، وإلى «قطبة» هذا يعزى اختراع القلم
الجليل ، الذى ينسب إليه الخط الجليلى ، أى الكبير الواضح.
وكان ثمة فى أيام «الوليد بن عبد الملك» كاتب مختصّ به ، هو «خالد بن أبى الهياج»
، انقطع لكتابة المصاحف للوليد ، وكان مجوّدا فى كتابتها. «و ابن أبى الهياج» هذا
هو الذى كتب بالذهب على محراب مسجد النبى صلى اللّه عليه وسلم فى المدينة سورة
وَالشَّمْسِ وَضُحاها ، وما بعدها من السّور إلى آخر القرآن الكريم ، ولكن هذا كله
للأسف ذهب ولم يبق له أثر.
وجاء من بعد «خالد بن أبى الهياج» رجل من كبار الزاهدين ، كانت وفاته سنة إحدى
وثلاثين ومائة من الهجرة ، هو : مالك بن دينار ، وكان «مالك» هو الآخر من المجددين
فى كتابة المصاحف.
فلما كانت أيام «الرشيد» برز كاتبان من الكتّاب المجددين للمصاحف هما : خشنام
البصرى ، ومهدى الكوفى.
ويقول ابن النديم : ولم ير مثلهما إلى حيث انتهينا - أى إلى عصر ابن النديم - حتى
إذا ما كانت أيام المعتصم ظهر «أبو حدى الكوفى» ، وكان يكتب المصاحف اللطاف.
ثم كانت بعد «أبى حدى» جماعة من الكوفيين اشتهروا بكتابة المصاحف ، منهم : ابن أم
شيبان ، والمسحور ، وأبو حميرة ، وأبو الفرج.
هذا إلى جماعة أخرى من الوراقين كانوا يكتبون المصاحف بالخط المحقق (المشق) ، منهم
: ابن أبى حسان ، وابن الحضرمى ، وابن زيد ، والفريابى ، وابن أبى فاطمة ، وابن
مجالد ، وشراشير المصرى ، وابن حسن المليح ، وأبو حديدة ، وأبو عقيل ، وأبو محمد
الأصفهانى ، وأبو بكر أحمد بن نصر ، وابنه أبو الحسن.
ولقد ظهر فى أوائل الدولة العباسية رجلان من أهل الشام عرفا بجودة الخط ، وإليهما
انتهت الرياسة فى ذلك العصر ، هما : الضحاك بن عجلان ، وكان فى خلافة السفاح ،
وإسحاق بن حماد ، وكان فى خلافة المنصور والمهدى ، وفى عهدهما بلغت الأقلام
العربية اثنى عشر قلما ، كان لكل قلم طريقته.
ثم انتهت رياسة الخط إلى ابنى مقلة : أبى على محمد بن مقلة ، وعبد اللّه ، وكان
يضرب بخطهما المثل.
وعن الوزير «ابن مقلة» أخذ عبد اللّه بن محمد بن أسد (410 ه) ، وعن «ابن أحمد» أخذ
«ابن البواب» (413 ه) ، وهو الذى أكمل قواعد الخط ، وعن «ابن البواب» أخذ «محمد بن
عبد الملك» ، وعن «محمد بن عبد الملك» أخذت «شهدة زينب بنت الابرى» (57 ه) الكاتبة
المحدّثة.
(1/393)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 394
و عنها أخذ خلق كثير ، منهم : ياقوت (618 ه) ، وعن «ياقوت» أخذ «الولى العجمى» ،
وعليه كتب «العفيف» ، وعن «العفيف» أخذ ولده «عماد الدين» ، وعن عماد الدين أخذ
«الزفتاوى شمس الدين بن على» ، وعنه أخذ «القلقشندى أبو العباس أحمد» صاحب كتاب
صبح الأعشى.
ولقد عنى الملوك الفاطميون ومن بعدهم بالخط العربى فجملوا به قصورهم ، وعروشهم ،
وأدوات منازلهم ، إلى غير ذلك مما لا تزال آثارهم بمصر إلى اليوم تنطق به.
وحين انتقلت الخلافة إلى الدولة العثمانية كانت للخلفاء العثمانيين عناية بتحسين
الخط العربى وتهذيبه ، فأنشئت فى الآستانة ، سنة 1326 ه ، مدرسة لتعليم الخط
والنقش.
ثم حملت مصر العبء بعد ذلك ، فأنشئت فى القاهرة مدرسة لهذا الغرض.
- 2 - ونحن نعرف أن «السريان» هم أول من وضع الشكل على الكلمات ، وذلك عند ما
دخلوا النصرانية وأخدوا فى نقل الكتاب المقدس إلى لغتهم ، وكان الأسقف «يعقوب
الرهاوى» أول من اخترع النقط التى كانت ترسم فى حشو الحروف ، وكان ذلك سنة 460 م ،
أى قبل الهجرة بنحو من 121 سنة ، ثم تحولت تلك النّقط إلى نقط مزدوجة تنوب عن
الحركات الثلاث.
وحين انتشر الإسلام ، وعمّ بقاعا مختلفة من الأرض ، وخاف المسلمون ما خافه ،
«السريان» من قبل ، فكروا فى النقط أو الشكل ، ولعلهم استأنسوا فى ذلك بما فعله
«السريان» من قبل ، وكان أول من فعل ذلك أبو الأسود الدؤلى (67 ه) فى خلافة عبد
اللّه بن الزبير.
و بدأ «أبو الأسود» فى شكل المصحف ، بعد ما احتال عليه زياد بن سمية ، الذى كان
واليا على البصرة ، فى ذلك ، وعهد «أبو الأسود» - فيما يقال - إلى كاتب يحسن
الكتابة ، من بين كاتبين ثلاثين ، بعثهم إليه زياد بن سمية ، بأن يتولى الشكل ،
وقال له : خذ المصحف وصبغا يخالف لون المداد ، فإذا رأيتنى فتحت شفتى بالحرف فانقط
واحدة فوقه ، وإذا كسرتها فانقط واحدة أسفله ، وإذا ضممتها فاجعل النقطة بين يدى
الحرف ، فإن أتبعت شيئا من هذه الحركات غنّة فانقط نقطتين.
وأخذ «أبو الأسود» يقرأ القرآن فى تؤدة والكاتب يضع النّقط ، وكلما أتم الكاتب
صحيفة نظر فيها «أبو الأسود». ومضى على ذلك إلى أن أتم المصحف كله. ونلاحظ أن «أبا
الأسود» ترك السكون بلا علامة.
(1/394)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 395
و أخذ الناس هذه الطريقة عن أبى الأسود ، وكانوا يسمون النقط شكلا.
وجاء من بعد «أبى الأسود» نصر بن عاصم ، ثم أتباعه من بعده ، فحوروا فى شكل النقط
، فمنهم من جعلها مربعة ، ومنهم من جعلها مدورة مطموسة ، ومنهم من جعلها مدورة غير
مطموسة.
وزاد أهل المدينة فجعلوا للحرف المشدد علامة على شكل قوس طرفاه إلى أعلى (؟؟؟) ،
يكون فوق الحرف المفتوح ، ويكون تحت المكسور ، وعلى شمال المضموم ، وكانوا يضعون
نقطة الفتحة داخل القوس ، ونقطة الكسرة تحته ، ونقطة الضمة إلى شماله ، ثم استغنو
عن النقط وقلبوا القوس مع الكسرة والضمة ، فأصبح الحرف المشدد على هذا النحو :
1 - المفتوح؟؟؟
2 - المكسور؟؟؟
3 - المضموم؟؟؟
ثم زيدت علامات أخرى فى الشكل ، فوضعت للسكون جرة أفقية فوق الحرف منفصلة عنه ،
سواء أكان همزة أم غير همزة ، والألف الوصل جرة فى أعلاها متصلة بها إن كانت قبلها
فتحة ، وفى أسفلها إن كانت قبلها كسرة ، وفى أوسطها إن كانت قبلها ضمة ، وذلك كله
بالمداد الأحمر.
و ابتدع أهل الأندلس ألوانا أربعة فى المصاحف ، فجعلوا السواد للحروف ، والحمرة
للنقط «الشكل» ، والصفرة للهمزات ، والخضرة لألفات الوصل ، وكانت طريقة «أبى
الأسود» أكثر شيوعا فى المصاحف ، وهاك صورا ثلاثا تمثلان الشكل قديما (ش : 4 و5 و6).
ولقد عاش الناس زمن بنى أمية على النهج الذى رسمه «أبو الأسود» ثم «نصر بن عاصم» ،
حتى إذا كانت أيام الدولة العباسية أخذ الناس يجعلون الشكل من مداد الكتابة ،
للتيسير على الكاتب ، غير أن ذلك جر إلى صعوبة ، وهى اختلاط الشكل بالإعجام ، لأن
كلا منهما أصبح بمداد واحد ، فكان لا بد من تغيير ثالث ، وهذا ما انتهى إليه
«الخليل بن أحمد» ، فوضع تلك الطريقة التى عليها الناس الآن ، وأصبح للشكل ثمانى
علامات : الفتحة ، والضمة ، والكسرة ، والسكون ، والشدة ، والمدة ، والصلة ،
والهمزة.
وأخذ المشارقة بهذه الطريقة ، وأباها الأندلسيون أولا ، ثم مالوا إليها ثانيا.
ومن الخط الكوفى انبثق الخط المغربى ، وهو من أقدم الخطوط العربية ، وهو يسود
شمالى إفريقية
(1/395)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 396
ش : 4 صفحة من مصحف على رق مشكولة. القرن الثانى الهجرى ش : 5 صفحة من مصحف بالخط
الكوفى. القرن الثانى الهجرى
(1/396)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 397
غير مصر ، وكان قديما يسمى الخط القيروانى - نسبة إلى القيروان - عاصمة المغرب بعد
الفتح الإسلامى سنة 50 ه (ش : 6) ش : 6 الآيات من 73 - 75 من سورة الحج بالخط
المغربى وحين انتقلت العاصمة من القيروان إلى الأندلس ظهر خط جديد سمى الخط
الأندلسى ، أو القرطبى ، وكان مستدير الشكل ، على العكس من الخط المغربى الذى كان
مستطيلا (ش : 7).
ش : 7 خط أندلسى وكذا تفرع من هذا الخط المغربى خط آخر فى السودان ، وذلك بعد أن
شاع الإسلام فى أواسط إفريقية ، وأصبحت تمبكتو ، التى أسست سنة 610 ه ، مركزا
إسلاميّا ، وإليها عزى الخط التمبكى أو «السودانى» ، وهو يتميز عن غيره بكبره
وغلظه.
(1/397)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 398
و حين انتهى الخط العربى إلى العصر الحديث أصبح تجمعه أقلام مختلفة ، وهى : قلم
الثلث ، قلم النسخ ، قلم الرقعة ، القلم الفارسى ، القلم الديوانى ، قلم التعليق
«و يسمى : الإجازة ، وهو بين الثلث والنسخ» ، القلم الريحانى ، القلم الكوفى ،
القلم المغربى.
- 3 - وقد قدمنا أن أول من أجاد خط المصاحف «خالد بن أبى الهياج» ، ثم جاء على
إثره من كانوا على فهم بالتذهيب والزخرفة ، نذكر منهم : إبراهيم الصغير ،
واليقطينى ، وأبا موسى بن عمار ، وابن السفطى ، وأبا عبد اللّه الخزيمى ، ومحمد بن
محمد الهمدانى.
وكان ثمة خطاطون وقفوا أقلامهم على كتاب اللّه لا يخطون غيره ، ومنهم من كتب من
المصاحف كثرة كثيرة ، أيام أن لم تكن مطابع.
ولقد شجع الملوك والسلاطين هؤلاء الخطاطين على كتابة المصاحف ، التى كانوا
يحبسونها على المساجد ، بما أغدقوا عليهم من نعم.
وقد أحصى المحصون لفريق من الخطاطين ، الذين وقفوا أقلامهم على كتابة المصاحف ، ما
كتبوا من مصاحف ، فإذا هذا الإحصاء يطالعك بأن منهم من كتب ألف مصحف ، مثل : محمد
بن عمر عرب زاده ، وأن منهم من كتب خمسمائة ، أو قريبا منها ، مثل : ابن الخازن
الحسين بن على ، والقيصرى محمد بن أحمد ، والكردى عمر بن محمد.
وكان من بين هؤلاء الخطاطين من له ألوان من الإبداع فى كتابة كتاب اللّه ، منهم من
كتب المصحف فى ثلاثين ورقة ، وهو اللاهورى محمد روح اللّه.
فلقد كتب مصحفين على هذا النحو ملتزما بأن يكون أول كل سطر من الأسطر كلمة أولها
حرف الألف ، غير السطر الأول.
و كتب على بن محمد مصحفا فى درج من الورق بقلم النسخ ، طوله سبعة أمتار وعرضه
ثمانية سنتيمترات.
ومن هذه الإبداعات جملة تحتفظ بها دار الكتب المصرية ، ومكتبة الأزهر ، ومكتبة
الروضة بالمدينة.
كما أن ثمة مصاحف بدار الكتب المصرية بخطوط مختلفة ، منها :
1 - مصحف بالخط الكوفى ، وهو صورة مصورة عن مصحف عثمان ، رضى اللّه عنه.
2 - مصحف بقلم كوفى على رق غزال ، يقال إنه بقلم الإمام جعفر الصادق (148) ه.
(1/398)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 399
3 - مصحف بخط ياقوت المستعصمى (679 ه) بقلم نسخ مشكول ومنقوط ومذهب ومجدول.
4 - مصحف السلطان برقوق ، بقلم عبد الرحمن الصائغ (801 ه) ، وقد كتبه فى ستين
يوما.
هذا إلى مصاحف أخرى يبلغ عددها نحوا من تسعة وثمانين ومائة (189 ه) منها سبعة
وعشرون بالخط الكوفى.
وعلى الرغم من شيوع الطباعة فلا تزال الكثرة من المصاحف يعهد بكتابتها إلى خطاطين
معروفين ، ثم تصور لتطبع بعد ذلك.
26 - هذا المصحف وهذا المصحف الذى نقدمه لك كتبه بخطّه شيخ المقارئ المصرية ، محمد
بن على بن خلف الحسينى ، وكان من أعضاء اللجنة الأولى التى ألفت سنة 1337 ه ، منه
:
1 - حفنى ناصف.
2 - مصطفى عنانى.
3 - أحمد الإسكندرى.
4 - نصر العادلى.
(ح) للإشراف على مراجعة كتاب اللّه قبل طبعه ، فقامت بضبطه على ما يوافق رواية حفص
بن سليمان ابن المغيرة الأسدى الكوفى لقراءة عاصم بن أبى النجود الكوفى التابعى ،
عن أبى عبد الرحمن عبد اللّه ابن حبيب السلمى ، عن عثمان بن عفان ، وعلى بن أبى
طالب ، وزيد بن ثابت ، وأبى بن كعب ، عن النبى صلى اللّه عليه وسلم.
وأخذ هجاؤه مما رواه علماء الرسم عن المصاحف التى بعث بها عثمان بن عفان إلى
البصرة والكوفة والشام ومكة ، والمصحف الذى جعله لأهل المدينة ، والمصحف الذى اختص
به نفسه ، وعن المصاحف المنسوخة منها.
و كل حرف من حروفه يتفق ونظيره في كل مصحف من تلك المصاحف الستة ، وكان الاعتماد
فى ذلك كله على منظومة الشريشى الخراز محمد بن محمد «مورد الظمآن» ، وشرحها لعبد
الواحد بن عاشر الأنصارى الأندلسى.
(1/399)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 400
أما عن ضبطه فكان بوفق ما جاء عن علماء الضبط فى كتاب «الطراز على ضبط الخرّاز»
للإمام «التنيسى» ، مع إحلال علامات «الخليل بن أحمد» وأتباعه من المشارقة محل
علامات الأندلسيين.
وكان الاسترشاد فى عد آياته بما جاء فى كتاب «ناظمة الزهر» للشاطبى ، وشرحها
للمخللاتى أبى عيد رضوان ، وكتاب أبى القاسم عمر بن محمد بن عبد الكافى ، وكتاب
«تحقيق البيان» لشيخ القراء بالديار المصرية محمد المتولى.
وهذه الكتب كلها تنتهى أخذا عن الكوفيين ، عن أبى عبد الرحمن عبد اللّه بن حبيب
السلمى ، عن على بن أبى طالب ، وهى متفقة على أن عدد آى القرآن الكريم : 6236.
أما عن بيان أوائل أجزائه المتمّة ثلاثين ، وأحزابه المتمة ستين ، وأرباعها فهذا
مستقى من كتاب «غيث النفع» للسفاقسى ، و«ناظمة الزهر» وشرحها ، و«تحقيق البيان» ،
و«إرشاد القراء والكاتبين» للمخللاتى أبى عيد رضوان.
وعن هذه الكتب المتقدمة ، وكتاب أبى القاسم عمر بن محمد بن عبد الكافى ، وكتب
القراءات والتفسير ، كان نبيين؟؟ المكى والمدنى.
وإلى شيخ القارئ المصرية محمد بن على بن خلف الحسينى كان بيان الوقوف وعلاماتها.
وكان الاعتماد فى بيان السجدات وأماكنها على كتب الفقه فى المذاهب الأربعة.
كما كان أخذ بيان السكتات الواجبة عند حفص من «الشاطبية» وشروحها.
هذا كله كان جهد اللجنة الأولى ، وما من شك فى أنه كان جهدا عظيما ، غير أنه حين
فكر فى طبع هذا المصحف طبعة ثانية سنة 1371 ه - 1952 م - وهى هذه التى بين يديك -
ألفت لهذا الغرض لجنة ، من :
1 - على محمد الضباع.
2 - محمد على النجار.
3 - عبد الفتاح القاضى.
4 - عبد الحليم بسيونى.
(1/400)
الموسوعة
القرآنية ، ج 1 ، ص : 401
5 - أحمد عبد العليم البردونى.
6 - إبراهيم إطفيش.
وكان على هذه اللجنة أن تنظر فى المصحف نظرة ثانية ، فإذا هى تستدرك على الطبعة
الأولى أشياء قليلة ، منها ما هو خاص بالرسم ، ومنها ما هو خاص بالضبط ، ومنها ما
هو خاص بالوقوف ، ومنها ما هو خاص بترجمات السور ، وها هى ذى تلك الاستدراكات ،
وقد أدخلت كلها على الطبعة الثانية التى تضمها هذه الموسوعة :
الكلمة/ الآية/ السورة/ الطبعة الأولى/ الطبعة الثانية كلمة/ 137؟؟/ الأعراف «7»/
بتاء مربوطة/ بتاء مفتوحة «كلمت». وقد أجمعت جميع//// الطرق عن حفص على الوقف
عليها بالتاء ، //// مراعاة لرسمها.
للطاغين/ 55/ ص «38»// 22/ السبأ «78»/ بالألف بعد الطاء/ كتبت فيها بدونها ، كما
رسم فى الآيتين :
//// 30 ، الصافات «37»//// 31 ، القلم «88» 2 - الضبط :
(ا) كلمة «قائم» من قوله تعالى : أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما
كَسَبَتْ الرعد 13 : 33 ، كتبت الهمزة فوق صورة الياء ، وحقها أن تكتب تحتها على
الأصل كنظائرها فى المصحف.
(ب) ضبطت فى أواخر بعض السور وأوائل تالياتها كلمات ضبطا مبنيّا على أساس أن آخر
السورة موصول بأول التى تليها ، من غير اعتداد بالبسملة بين السورتين ، وهذا لا
يتفق وطريقة حفص ، إذ أن جميع الطرق عنه مجمعة على الفصل بالبسملة بين السورتين.
(1/401)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 5
الجزء الثاني
الباب الثالث علوم القرآن
1 المكى والمدنى
المنزل من القرآن على أربعة أقسام : مكى ، ومدنى ، وما بعضه مكى وبعضه مدنى ،
وماليس بمكى ولا مدنى. وللناس فى المكى والمدنى اصطلاحات ثلاثة.
أشهرها أن المكى ما نزل قبل الهجرة.
والمدنى ما نزل بعدها ، نزل بمكة أم المدينة عام الفتح ، أو عام حجة الوداع أم
بسفر من الأسفار.
و قيل : ما نزل بمكة وما نزل فى طريق المدينة قبل أن يبلغ النبى صلى اللّه عليه
وسلم المدينة فهو من المكى ، وما نزل على النبى صلّى اللّه عليه وسلم فى أسفاره
بعد ما قدم المدينة فهو من المدنى.
الثانى : أن المكى ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة ، والمدنى ما نزل بالمدينة ، وعلى
هذا تثبت الواسطة ، فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مكى ولا مدنى.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : «أنزل القرآن فى ثلاثة أمكنة : مكة ،
والمدينة ، والشام ،
يعنى بيت المقدس ويدخل فى مكة ضواحيها كالمنزل بمنى وعرفات والحديبية ، وفى
المدينة ضواحيها كالمنزل ببدر وأحد وسلع.
الثالث : أن المكى ما وقع خطابا لأهل مكة ، والمدنى ما وقع خطابا لأهل المدينة ،
ولم يرد عن النبى صلّى اللّه عليه وسلّم فى ذلك قول ، لأنه لم يؤمر به ، وعن ابن
عباس قال : سألت أبىّ بن كعب عما نزل من القرآن بالمدينة ، فقال : بها سبع وعشرون
سورة وسائرها بمكة.
وقال ابن عباس : سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة ، فهى مكية ، إلا ثلاث آيات
منها نزلن بالمدينة : قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ إلى تمام الآيات الثلاث ، وما تقدم من
السور مدنيات. ونزلت بمكة سورة الأعراف ، ويونس ، وهود ، ويوسف ، والرعد ،
وإبراهيم ، والحجر ، والنحل ، سوى ثلاث آيات من آخرها ، فإنهن نزل بين مكة
(1/402)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 6
والمدينة فى منصرفه من أحد ، وسورة بنى إسرائيل ، والكهف ، ومريم ، وطه ،
والأنبياء ، والحج ، سوى ثلاث آيات : هذانِ خَصْمانِ إلى تمام الآيات الثلاث ،
فإنهن نزل بالمدينة. وسورة المؤمنون ، والفرقان ، وسورة الشعراء ، سوى خمس آيات من
آخرها نزلن بالمدينة : وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ إلى آخرها ، وسورة
النمل ، والقصص ، والعنكبوت ، والروم ، ولقمان ، سوى ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة
: وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ إلى تمام الآيات. وسورة
السجدة ، سوى ثلاث آيات : أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً إلى تمام
الآيات الثلاث. وسورة سبأ ، وفاطر ، ويس ، والصافات ، وص ، والزمر ، سوى ثلاث آيات
نزلن بالمدينة في وحشى قاتل حمزة : يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا إلى تمام
الثلاث آيات. والحواميم السبع ، وق ، والذاريات ، والطور ، والنجم ، والقمر ، والرحمن
، والواقعة ، والصف ، والتغابن ، إلا آيات من آخرها نزلن بالمدينة ، والملك ، ون ،
والحاقة ، وسأل ، وسورة نوح ، والجن ، والمزمل ، إلا آيتين : إِنَّ رَبَّكَ
يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ والمدثر ، إلى آخر القرآن ، إلا : (إذا زلزلت) و(إذا جاء
نصر الله) و: (قل هو الله أحد) و: (قل أعوذ برب الفلق) و: (قل أعوذ برب الناس)
فإنهن مدنيات.
ونزل بالمدينة سورة الأنفال ، وبراءة ، والنور ، والأحزاب ، وسورة محمّد ، والفتح
، والحجرات ، والحديد ، وما بعدها إلى التحريم.
عن عكرمة ، والحسين بن أبي الحسن ، قالا : أنزل اللّه من القرآن بمكة : (اقرأ باسم
ربك) ون ، والمزمل ، والمدثر ، وتبت يدا أبى لهب ، وإذا الشمس كوّرت ، وسبح اسم
ربك الأعلى ، والليل إذا يغشى ، والفجر ، والضحى ، وألم نشرح ، والعصر ، والعاديات
، والكوثر ، وألهاكم التكاثر ، وأرأيت ، وقل يا أيها الكافرون ، وأصحاب الفيل ،
والفلق ، وقل أعوذ برب الناس ، وقل هو اللّه أحد ، والنجم ، وعبس ، وإنا أنزلناه ،
والشمس وضحاها ، والسماء ذات البروج ، والتين والزيتون ، ولإيلاف قريش ، والقارعة
، لا أقسم بيوم القيامة ، والهمزة ، والمرسلات ، وق ، ولا أقسم بهذا البلد ،
والسماء والطارق ، واقتربت الساعة ، وص ، والجن ، ويس ، والفرقان ، والملائكة ،
وطه ، والواقعة ، وطسم ، وطس ، وطسم ، وبنى إسرائيل ،
(1/403)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 7
و يونس ، وهود ، ويوسف ، وأصحاب الحجر ، والأنعام ، والصافات ، ولقمان ، وسبأ ،
والزمر ، وحم المؤمن ، وحم الدخان ، وحم السجدة ، وحمعسق ، وحم الزخرف ، والجاثية
، والأحقاف ، والذاريات ، والغاشية ، وأصحاب الكهف ، والنحل ، ونوح ، وإبراهيم ،
والأنبياء ، والمؤمنون ، والم السجدة ، والطور ، وتبارك ، والحاقة ، وسأل ، وعم
يتساءلون ، والنازعات ، وإذا السماء انشقت ، وإذا السماء انفطرت ، والروم ،
والعنكبوت.
وما نزل بالمدينة : ويل للمطففين ، والبقرة ، وآل عمران ، والأنفال ، والأحزاب ،
والمائدة ، والممتحنة ، والنساء ، وإذا زلزلت ، والحديد ، ومحمّد ، والرعد ،
والرحمن ، وهل أتى على الإنسان ، والطلاق ، ولم يكن ، والحشر ، وإذا جاء نصر اللّه
، والنور ، والحج ، والمنافقون ، والمجادلة ، والحجرات ، ويا أيها النبى لم تحرّم
، والصف ، والجمعة ، والتغابن ، والفتح ، وبراءة. ، والفاتحة ، والأعراف ، وكهيعص.
عن ابن عباس ، قال : كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ثم يزيد اللّه فيها
ما شاء ، وكان أول ما أنزل من القرآن : (اقرأ باسم ربك) ثم ن ، ثم يا أيها المزمل
، ثم يا أيها المدثر ، ثم تبت يدا أبى لهب ، ثم إذا الشمس كورت ، ثم سبح اسم ربك
الأعلى ، ثم والليل إذا يغشى ، ثم والفجر ، ثم والضحى ، ثم ألم نشرح ، ثم والعصر ،
ثم والعاديات ، ثم إنا أعطيناك ، ثم ألهاكم التكاثر ، ثم أرأيت الذى يكذب ، ثم قل
يا أيها الكافرون ، ثم ألم تر كيف فعل ربك ، ثم قل أعوذ برب الفلق ، ثم قل أعوذ
برب الناس ، ثم قل هو اللّه أحد ، ثم والنجم ، ثم عبس ، ثم إنا أنزلناه فى ليلة
القدر ، ثم والشمس وضحاها ، ثم والسماء ذات البروج ، ثم والتين ، ثم لإيلاف قريش ،
ثم القارعة ، ثم لا أقسم بيوم القيامة ، ثم ويل لكل همزة ، ثم والمرسلات ، ثم ق ،
ثم لا أقسم بهذا البلد ، ثم والسماء والطارق ، ثم اقتربت الساعة ، ثم ص ، ثم
الأعراف ، ثم قل أوحى ، ثم يس ، ثم الفرقان ، ثم الملائكة ، ثم كهيعص ، ثم طه ، ثم
الواقعة ، ثم طسم الشعراء ، ثم طس ، ثم القصص ، ثم بنى إسرائيل ، ثم يونس ، ثم هود
، ثم يوسف ، ثم الحجر ، ثم الأنعام ، ثم الصافات ، ثم لقمان ، ثم سبأ ، ثم الزمر ،
ثم حم ، ثم حم السجدة ، ثم حمعسق ، ثم حم الزخرف ، ثم الدخان ، ثم الحاثية ، ثم
الأحقاف ، ثم الذاريات ، ثم
(1/404)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 8
الكهف ، ثم النحل ، ثم إنا أرسلنا نوحا ، ثم سورة إبراهيم ، ثم الأنبياء ، ثم
المؤمنون ، ثم تنزيل السجدة ، ثم الطور ، ثم تبارك الملك ، ثم الحاقة ، ثم عم
يتساءلون ، ثم النازعات ، ثم إذا السماء انفطرت ، ثم إذا السماء انشقت ، ثم الروم
، ثم العنكبوت ، ثم ويل للمطففين.
فهذا ما أنزل اللّه بمكة ، ثم أنزل بالمدينة سورة البقرة ، ثم الأنفال ، ثم آل
عمران ، ثم الأحزاب ، ثم الممتحنة ، ثم النساء ، ثم إذا زلزلت ، ثم الحديد ، ثم
القتال ، ثم الرعد ، ثم الرحمن ، ثم الإنسان ، ثم الطلاق ، ثم لم يكن ، ثم الحشر ،
ثم إذا جاء نصر اللّه ، ثم النور ، ثم الحج ، ثم المنافقون ، ثم المجادلة ، ثم
الحجرات ، ثم التحريم ، ثم الجمعة ، ثم التغابن ، ثم الصف ، ثم الفتح ، ثم المائدة
، ثم براءة.
وعن على بن أبى طلحة ، قال : نزلت بالمدينة سورة البقرة ، وآل عمران ، والنساء ،
والمائدة ، والأنفال ، والتوبة ، والحج ، والنور ، والأحزاب ، والذين كفروا ،
والفتح ، والحديد ، والمجادلة ، والحشر ، والممتحنة ، والصف ، والتغابن ، ويا أيها
النبىّ إذا طلقتم النساء ، ويا أيها النبىّ لم تحرّم ، والفجر ، والليل ، وإنا
أنزلناه فى ليلة القدر ، ولم يكن ، وإذا زلزلت ، وإذا جاء نصر اللّه ، وسائر ذلك
بمكة.
وعن قتادة. قال : نزل فى المدينة من القرآن : البقرة وآل عمران ، والنساء ،
والمائدة ، وبراءة ، والرعد ، والنحل ، والحج ، والنور ، والأحزاب ، ومحمد ،
والفتح ، والحجرات ، والحديد ، والرحمن ، والمجادلة ، والحشر ، والممتحنة ، والصف
، والجمعة ، والمنافقون ، والتغابن ، والطلاق ، ويا أيها النبىّ لم تحرم ، إلى رأس
العشر ، وإذا زلزلت ، وإذا جاء نصر اللّه ، وسائر القرآن نزل بمكة.
وقيل : المدنى باتفاق عشرون سورة ، والمختلف فيه اثنتا عشرة سورة ، وما عدا ذلك
مكى باتفاق.
(1/405)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 9
2 السور المختلف فيها
(سورة الفاتحة) الأكثرون على أنها مكية ، وورد أنها أول ما نزل.
(سورة الحجر) مكية باتفاق.
(سورة النساء) زعم النحاس أنها مكية. وقيل نزلت عند الهجرة.
(سورة يونس) المشهور أنها مكية ، (سورة الرعد) عن ابن عباس وعن علىّ بن أبى طلحة
أنها مكية ، وفى بقية الآثار أنها مدنية.
ويؤيد القول بأنها مدنية ما
أخرجه الطبرانى وغيره عن أنس أن قوله : اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى
إلى قوله : وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ نزل فى قصة أريد بن قيس ، وعامر بن الطفيل ،
حين قدما المدينة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقيل : إنها مكية إلا : هذانِ خَصْمانِ الآيات ، وقيل : إلا عشر آيات ، وقيل :
مدنية إلا أربع آيات : وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلى :
عَقِيمٍ وقيل : كلها مدنية ، وقيل : هى مختلطة فيها مدنى ومكى ، وهو قول الجمهور.
(سورة الفرقان) الجمهور على أنها مكية ، وقال الضحاك : مدنية.
(سورة يس) حكى أبو سليمان الدمشقى قولا أنها مدنية ، قال : وليس بالمشهور.
(سورة ص) حكى الجعبرى قولا أنها مدنية ، خلاف حكاية جماعة الإجماع على أنها مكية.
(1/406)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 10
(سورة محمّد) حكى النسفى قولا غريبا أنها مكية.
(سورة الحجرات) حكى قول شاذ أنها مكية.
(سورة الرحمن) الجمهور على أنها مكية ، وهو الصواب.
(سورة الحديد) الجمهور على أنها مدنية ، وقال قوم : أنها مكية ، ولا خلاف أن فيها
قرآنا مدنيا ، لكن يشبه صدرها ، أن يكون مكيا.
(سورة الصف) المختار أنها مدنية.
(سورة الجمعة) الصحيح أنها مدنية.
(سورة التغابن) قيل : مدنية ، وقيل : مكية إلا آخرها.
(سورة الملك) فيها قول غريب ، أنها مدنية.
(سورة الإنسان) قيل : مدنية ، وقيل مكية إلا آية واحدة : وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ
آثِماً أَوْ كَفُوراً (سورة المطففين) قيل : إنها مكية لذكر الأساطير فيها ، وقيل
: مدنية لأن أهل المدينة كانوا أشد الناس فسادا فى الكيد ، وقيل : نزلت بمكة إلا
قصة التطفيف ، وقال قوم : نزلت بين مكة والمدينة.
(سورة الأعلى) الجمهور على أنها مكية. وقيل : إنها مدنية لذكر صلاة العيد وزكاة
الفطر فيها (سورة الفجر) فيها قولان حكاهما ابن الغرس ، قال ابن الغرس : قال أبو
حيان : والجمهور أنها مكية.
(سورة البلد) قيل فيها قولان. وقوله : بِهذَا الْبَلَدِ يردّ القول بأنها مدنية.
(سورة الليل) الأشهر أنها مكية ، وقيل : مدنية لما ورد فى سبب نزولها من قصة
النخلة ، وقيل : فيها مكى ومدنى.
(1/407)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 11
(سورة القدر) فيها قولان ، والأكثر أنها مكية.
(سورة لم يكن) الأشهر أنها مكية.
(سورة الزلزلة) فيها قولان.
(سورة والعاديات) فيها قولان.
(سورة ألهاكم) الأشهر أنها مكية.
(سورة أرأيت) فيها قولان.
(سورة الكوثر) الصواب أنها مدنية.
(سورة الإخلاص) فيها قولان.
(المعوّذتان) المختار أنهما مدنيتان لأنهما نزلتا فى قصة سحر لبيد بن الأعصم.
فى بعض السور التى نزلت بمكة آيات نزلت بالمدينة فألحقت بها. وكل نوع من المكى
والمدنى منه آيات مستثناة. (البقرة) استثنى منها آيتان : فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ. (الأنعام) استثنى منها تسع آيات وقيل : نزلت الأنعام
كلها بمكة. إلا آيتين نزلتا بالمدينة فى رجل من اليهود ، وهو الذى قال : ما
أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ وقيل : الأنعام مكية إلا : قُلْ
تَعالَوْا أَتْلُ والآية التى بعدها.
(الأعراف) مكية إلا آية : وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ.
(الأنفال) استثنى منها : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية نزلت
بمكة.
(براءة) مدنية إلا آيتين : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ إلى آخرها.
(يونس) استثنى منها : فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ الآيتين. وقوله : وَمِنْهُمْ مَنْ
يُؤْمِنُ بِهِ الآية ، قيل : نزلت فى اليهود ، وقيل من أولها إلى رأس أربعين مكى
والباقى مدنى.
(1/408)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 12
(هود) استثنى منها ثلاث آيات : فَلَعَلَّكَ تارِكٌ ، فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ
مِنْ رَبِّهِ ، وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ.
(يوسف) استثنى منها ثلاث آيات من أولها.
(الرعد) مدنية إلا آية قوله : وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا
قارِعَةٌ ، وعلى القول بأنها مكية يستثنى قول : اللَّهُ يَعْلَمُ إلى قوله :
شَدِيدُ الْمِحالِ ، والآية آخرها.
(إبراهيم) مكية غير آيتين مدنيتين : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً إلى : فَبِئْسَ الْقَرارُ.
(الحجر) استثنى بعضهم منها : وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً الآية.
(النحل) عن ابن عباس أنه استثنى آخرها.
(الإسراء) استثنى منها : وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ الآية فإنها نزلت بالمدينة
فى جواب سؤال اليهود عن الروح. واستثنى منها أيضا : وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ
إلى قوله : إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً وقوله : قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ
الْإِنْسُ وَالْجِنُّ الآية ، وقوله : وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الآية ، وقوله :
إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ.
(الكهف) استثنى من أولها إلى : جُرُزاً وقوله : وَاصْبِرْ نَفْسَكَ الآية وَأَنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا إلى آخر السورة.
(مريم) استثنى منها آية السجدة ، وقوله : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها.
(طه) استثنى منها : فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ الآية.
(الأنبياء) استثنى منها : أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ الآية.
(الحج) تقدم ما يستثنى منها.
(المؤمنون) استثنى منها : حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ إلى قوله
مُبْلِسُونَ.
(1/409)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 13
(الفرقان) استثنى منها : وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ إلى : رَحِيماً.
(الشعراء) استثنى : وَالشُّعَراءُ إلى آخرها.
(القصص) استثنى منها : الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ إلى قوله : الْجاهِلِينَ.
(العنكبوت) استثنى منها وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ.
(لقمان) استثنى منها : وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ الآيات الثلاث.
(السجدة) استثنى منها : أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً الآيات الثلاث وزيد : تَتَجافى
جُنُوبُهُمْ.
(يس) استثنى منها : إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى
الآية.
(الزمر) استثنى منها : قُلْ يا عِبادِيَ الآيات الثلاث وزيد : قُلْ يا عِبادِ
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ الآية ، واللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ
الْحَدِيثِ الآية.
(غافر) استثنى منها : إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ إلى قوله : لا يَعْلَمُونَ.
(شورى) استثنى منها : أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى إلى قوله : بَصِيرٌ.
(الزخرف) استثنى منها : وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا الآية. قيل : نزلت بالمدينة.
(الجاثية) استثنى منها : قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا الآية.
(الأحقاف) استثنى منها : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الآية.
(ق) استثنى منها : وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ إلى : لُغُوبٍ.
(النجم) استثنى منها : الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ إلى : أَبْقى وقيل : أَفَرَأَيْتَ
الَّذِي تَوَلَّى الآيات التسع.
(القمر) استثنى منها : سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ الآية ، وقيل : إِنَّ الْمُتَّقِينَ
الآيتين.
(1/410)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 14
(الرحمن) استثنى منها : يَسْئَلُهُ الآية.
(الواقعة) استثنى منها : ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ
وقوله : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ إلى : تُكَذِّبُونَ.
(الحديد) يستثنى منها على القول بأنها مكية آخرها.
(المجادلة) استثنى منها : ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ الآية.
(التغابن) يستثنى منها على أنها مكية آخرها.
(التحريم) المدنى منها إلى رأس العشر ، والباقى مكى.
(تبارك) أنزلت فى أهل مكة إلا آيات.
(ن) استثنى منها : إِنَّا بَلَوْناهُمْ إلى : يَعْلَمُونَ ، ومن : فَاصْبِرْ إلى :
الصَّالِحِينَ فإنه مدنى.
(المزمل) استثنى منها : وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ الآيتين ، وقوله : إِنَّ
رَبَّكَ يَعْلَمُ إلى آخر السورة.
(الإنسان) استثنى منها : فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ.
(المرسلات) استثنى منها : وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ.
(المطففين) قيل : مكية إلا ست آيات من أولها.
(البلد) قيل : مدنية إلا اربع آيات من آولها.
(الليل) قيل : مكية إلا أولها.
(أ رأيت) قيل : نزل ثلاث آيات من أولها بمكة والباقى بالمدينة.
وعن عبد اللّه قال : ما كان : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أنزل بالمدينة. وما
كان : يا أَيُّهَا النَّاسُ فبمكة ، وقيل : ما كان فى القرآن : يا أَيُّهَا
النَّاسُ أو :
يا بَنِي آدَمَ فإنه مكى ، وما كان : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فإنه مدنى.
(1/411)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 15
قيل : هو فى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صحيح ، وأما يا أَيُّهَا النَّاسُ
فقد يأتى فى المدنى.
وقيل : لمعرفة المكى والمدنى طريقان : سماعى ، وقياسى.
فالسماعى ، ما وصل إلينا نزوله بأحدهما ، والقياسى ، كل سورة فيها : يا أَيُّهَا
النَّاسُ فقط أو (كلا) ، أو أولها حرف تهجّ سوى الزهراوين والرعد ، وفيها قصة آدم
وإبليس سوى البقرة ، فهى مكية.
وقيل : وكل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية مكية ، وكل سورة فيها فرضية أو
حدّ فهى مدنية.
وقيل : كل سورة فيها ذكر المنافقين فمدنية ، سوى العنكبوت.
وقيل : كل سورة فيها سجدة فهي مكية.
(1/412)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 16
3 الحضرى والسفرى
أمثلة الحضرى كثيرة.
وأما السفرى فله أمثله منها : وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى نزلت
بمكة عام حجة الوداع.
ومنها : وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها الآية.
وقيل : نزلت فى حجة الوداع.
ومنها : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ،
عن صفوان بن أمية ، قال : جاء رجل إلى النبىّ صلّى اللَّه عليه وسلم مضمخ بالزعفران
عليه جبة فقال : كيف تأمرنى فى عمرتى؟ فنزلت ، فقال : «أين السائل عن العمرة؟ ألق
عنك ثيابك ثم أغتسل».
و منها : فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ الآية ،
نزلت بالحديبية.
ومنها : آمَنَ الرَّسُولُ الآية ، قيل : نزلت يوم فتح مكة.
ومنها : وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ الآية نزلت بمنى عام حجة الوداع.
ومنها : الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ نزلت بحمراء الأسد.
ومنها : آية التيمم فى النساء فإنها نزلت فى بعض أسفار النبىّ صلّى اللَّه عليه
وسلم.
ومنها : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها
نزلت يوم الفتح فى جوف الكعبة.
ومنها : وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ الآية ، نزلت بعسفان
بين الظهر والعصر.
(1/413)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 17
و منها : يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ نزلت على
النبىّ صلّى اللَّه عليه وسلم فى مسير له.
ومنها : أول المائدة ، نزلت بمنى ، وقيل : نزلت فى مسير له. وقيل : نزلت فى حجة
الوداع فيما بين مكة والمدينة.
ومنها : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
فى الصحيح نزلت عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع
، وقيل : نزلت يوم غدير خم. وقيل : نزلت فى اليوم الثامن عشر من ذى الحجة مرجعه من
حجة الوداع.
ومنها : آية التيمم نزلت بالبيداء وهم داخلون المدينة. أو بذات الجيش.
ومنها : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ هَمَّ قَوْمٌ الآية. نزلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو ببطن
نحل فى الغزوة السابعة حين أراد بنو ثعلبة ، وبنو محارب ، أن يفتكوا به فأطلعه
اللَّه على ذلك.
ومنها : وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ نزلت فى السفر ، وقيل : نزلت فى ذات
الرقاع بأعلى نخل فى غزوة بنى أنمار.
ومنها : أول الأنفال ، نزلت ببدر عقب الواقعة.
ومنها : إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ الآية ، نزلت ببدر.
و منها : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ الآية ، نزلت فى بعض أسفاره.
ومنها : لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً الآيات ، نزلت فى غزوة تبوك.
ومنها : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ
نزلت فى غزوة تبوك.
ومنها : ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا الآية.
نزلت لما خرج النبى صلّى اللَّه عليه وسلم معتمرا وهبط من ثنية عسفان فزار قبر أمه
واستأذن فى الاستغفار لها.
ومنها : خاتمة النحل. نزلت بأحد ، والنبىّ صلّى اللَّه عليه وسلم واقف على حمزة
حين استشهد وقيل : نزلت يوم فتح مكة.
(م 2 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/414)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 18
و منها : وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها
نزلت فى تبوك.
ومنها : أول الحج ، و
قيل : لما نزلت على النبى صلّى اللَّه عليه وسلم : يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ إلى قوله : وَلكِنَّ عَذابَ
اللَّهِ شَدِيدٌ
أنزلت عليه هذه وهو فى سفره
و قيل : نزلت فى مسيرة فى غزوة بنى المصطلق.
ومنها : هذانِ خَصْمانِ الآيات ، الظاهر أنها نزلت يوم بدر وقت المبارزة لما فيه
الإشارة : ب هذانِ.
ومنها : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ الآية.
وقيل : لما أخرج النبى صلّى اللَّه عليه وسلم من مكة ، قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم
ليهلكنّ ، فنزلت.
وقيل نزلت : فى سفر الهجرة.
ومنها : أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ الآية ، نزلت بالطائف.
ومنها : إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ نزلت بالجحفة فى سفر الهجرة.
ومنها : أول الروم ، وقيل : لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس ، فأعجب ذلك
المؤمنين فنزلت : الم غُلِبَتِ الرُّومُ إلى قوله : بِنَصْرِ اللَّهِ.
ومنها : وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا الآية ، نزلت ببيت
المقدس ليلة الإسراء.
و منها : وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً الآية.
قيل : إن النبى صلّى اللَّه عليه وسلم لما توجه مهاجرا إلى المدينة وقف فنظر إلى
مكة وبيك ، فنزلت.
ومنها : سورة الفتح. نزلت بين مكة والمدينة ، فى شأن الحديبية من أولها إلى آخرها.
وقيل : إن أولها نزل بكراع الغميم.
ومنها : يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى الآية.
نزلت بمكة يوم الفتح.
ومنها : سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ الآية قيل ، إنها نزلت يوم بدر.
(1/415)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 19
و منها : ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وقوله : أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ
مُدْهِنُونَ نزلتا فى سفره صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة.
ومنها : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ
نزلت فى رجل من الأنصار فى غزوة تبوك لما نزلوا الحجر ، فأمرهم رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم ألا يحملوا من مائها شيئا ثم ارتحل ، ثم نزل منزلا آخر وليس معهم
ماء ، فشكوا ذلك ، فدعا فأرسل اللَّه سحابة فأمطرت عليهم حتى استقوا منها ، فقال
رجل من المنافقين : إنما مطرنا بنوء كذا ، فنزلت.
ومنها آية الامتحان : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ
مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ الآية. نزلت بأسلف الحديبية.
ومنها : سورة المنافقون. نزلت ليلا فى غزوة تبوك. وقيل : إنها نزلت فى غزوة بنى
المصطلق.
ومنها : سورة المرسلات ،
عن ابن مسعود قال : بينما نحن مع النبىّ صلّى اللَّه عليه وسلم فى غار بمنى إذا
نزلت عليه (والمرسلات).
ومنها : سورة المطففين ، أو بعضها ، نزلت فى سفر الهجرة ، قبل دخوله صلّى اللَّه
عليه وسلم المدينة.
ومنها : أول سورة (اقرأ) نزلت بغار حراء.
ومنها : سورة الكوثر. نزلت يوم الحديبية.
ومنها :
سورة النصر ، أنزلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أيام التشريق ، فعرف
أنه الوداع ، فأمر بناقته القصواء فرحلت ، ثم قام فخطب الناس.
(1/416)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 20
4 النهارى والليلى
أمثلة النهارى كثيرة ، قال ابن حبيب : نزل أكثر القرآن نهارا.
وأما أمثلة الليلى فمنها : آية تحويل القبلة ،
ففى الصحيحين من حديث ابن عمر : «بقباء فى صلاة الصحيح إذ أتاهم آت فقال : إن
البنى ، صلّى اللَّه عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل
القبلة».
و
روى مسلم ، عن أنس : أن النبى صلّى اللَّه عليه وسلم ، كان يصلّى نحو بيت المقدس ،
فنزلت : قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ الآية ، فمر رجل من بنى سلمة
، وهم ركوع فى صلاة الفجر ، وقد صلوا ركعة ، فنادى : ألا إن القبلة قد حولت ،
فمالوا كلهم نحو القبلة.
عن البراء ، أن النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، صلّى قبل بيت المقدس ستة عشر ، أو
سبعة عشرة شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت ، وإن أول صلاة صلاها العصر
، وصلّى معه قوم ، فخرج رجل ممن صلّى معه فمرّ على أهل مسجد وهم راكعون ، فقال :
أشهد باللَّه لقد صليت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ، قبل الكعبة ،
فداروا كما هم قبل البيت.
فهذا يقضى أنها نزلت نهارا بين الظهر والعصر.
قال القاضى جلال الدين : والأرجح بمقتضى الاستدلال نزولها بالليل ، لأن قضية أهل
قباء كانت فى الصبح ، وقباء قريبة من المدينة ، فيبعد أن يكون رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم آخر البيان لهم من العصر إلى الصبح.
وقال ابن حجر : الأقوى أن نزولها كان نهارا. والجواب عن حديث ابن عمر : أن الخبر
وصل وقت العصر ، إلى من هو داخل المدينة ، وهم بنو حارثة ،
(1/417)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 21
و وصل وقت الصبح ، إلى من هو خارج المدينة ، وهو بنو عمرو بن عوف ، أهل قباء ،
وقوله : قد أنزل عليه الليلة ، مجاز ، من إطلاق الليلة على بعض اليوم الماضى والذى
يليه.
ويؤيد هذا ما
أخرجه النسائى عن أبى سعيد بن المعلى ، قال : مررنا يوما ورسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم ، قاعد على المنبر ، فقلت : لقد حدث أمر ، فجلست ، فقرأ رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم ، هذه الآية : قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ
حتى فرغ منها ، ثم نزل فصلّى الظهر.
ومنها : أواخر آل عمران.
عن عائشة : أن بلالا أتى النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، يؤذنه لصلاة الصحيح ،
فوجده يبكى ، فقال : يا رسول اللَّه ، ما يبكيك؟ قال : «و ما يمنعنى أن أبكى وقد
أنزل علىّ هذه الليلة : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ، ثم قال : ويل لمن قرأها ولم
يتفكر».
ومنها : وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.
عن عائشة قالت : كان النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، يحرس حتى نزلت ، فأخرج رأسه
من القبة ، فقال : أيها الناس ، انصرفوا فقد عصمنى اللَّه.
و
عن عصمة بن مالك الخطمى ، قال : كنا نحرس رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ،
بالليل حتى نزلت ، فترك الحرس.
ومنها : سورة الأنعام.
عن ابن عباس قال : نزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة ومنها : آية الثَّلاثَةِ
الَّذِينَ خُلِّفُوا ، ففى الصحيحين من حديث كعب : فأنزل اللَّه توبتنا حين بقى
الثلث الأخير من الليل.
ومنها : سورة مريم.
عن أبى مريم الغسانى قال : أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ، فقلت : ولدت
لى الليلة جارية ، فقال : «و الليلة نزلت علىّ سورة مريم ، سمها مريم».
(1/418)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 22
و منها : أول الحج.
عن عمران بن حصين أنها نزلت والنبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، فى سفر ، وقد نعس
بعض القوم ، وتفرّق بعضهم ، فرفع بها صوته.
ومنها : آية الإذن فى خروج النسوة فى الأحزاب ، وهى : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ الآية ،
ففى البخارى عن عائشة : «خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها ، وكانت امرأة جسيمة
لا تخفى على من يعرفها ، فرآها عمر فقال : يا سودة ، أما واللَّه ما تخفين علينا ،
فانظرى كيف تخرجين ، قالت :
فانكفأت راجعة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وإنه ليتعشى ، وفى يده عرق ،
فقالت : يا رسول اللَّه ، خرجت لبعض حاجتى ، فقال ليعمر ، كذا وكذا ، فأوحى اللَّه
إليه ، وإن العرق فى يده ما وضعه ، فقال : إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن» ويرجح
أن ذلك ليلا ، لأنهن إنما كن يخرجن للحاجة ليلا.
ومنها : وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا قيل : إنها نزلت
ليلة الإسراء.
ومنها : أول الفتح.
ففى البخارى من حديث عمر : «لقد نزلت علىّ الليلة سورة هى أحبّ إلىّ مما طلعت عليه
الشمس ، فقرأ : إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً الحديث.
ومنها : سورة المنافقون ، كما أخرجه الترمذى عن زيد بن أرقم.
ومنها : سورة والمرسلات.
فقد روى عن ابن مسعود أنها نزلت ليلة الجنّ بحراء ، أى ليلة التاسع من ذى الحجة ،
فإنها التى كان النبى صلّى اللَّه عليه وسلم يبيتها بمنى.
ومنها : المعوّذتان.
عن عقبة بن عامر الجهنى ، قال : قال رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، «أنزلت
علىّ الليلة آيات لم ير مثلهن : قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ
بِرَبِّ النَّاسِ.
ومنها : ما نزل بين الليل والنهار فى وقت الصبح ، وذلك آيات.
(1/419)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 23
و منها : آية التيمم فى المائدة ففي الصحيح عن عائشة : حضرت الصبح فالتمس الماء
فلم يوجد ، فنزلت : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
إلى قوله : لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
ومنها : لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ
ففى الصحيح ، أنها نزلت وهو فى الركعة الاخيرة من صلاة الصبح ، حين أراد أن يقنت
يدعو على أبى سفيان ومن ذكر معه.
(1/420)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 24
5 الصيفى والشتائى
أنزل اللَّه فى الكلالة آيتين : إحداهما فى الشتاء ، وهى التى فى أول النساء ،
والأخرى فى الصيف ، وهى التى فى آخرها.
و
فى صحيح مسلم ، عن عمر : «ما راجعت رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم فى شىء ما
راجعته فى الكلالة ، وما أغلظ فى شىء ما أغلظ لى فيه ، حتى طعن بإصبعه فى صدرى ،
قال : عمر ألا تكفيك آية الصف التى فى آخر سورة النساء».
عن أبى هريرة ، أن رجلا قال : يا رسول اللَّه ما الكلالة؟ قال : أما سمعت الآية
التى نزلت فى الصيف : يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ
وكان ذلك فى سفر حجة الوداع.
ومنه : الآيات النازلة فى غزوة تبوك ، فقد كانت فى شدّة الحرّ :
ففى الخبر : «أن رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ما كان يخرج فى وجه من
مغازية إلا أظهر أنه يريد غيره ، غير أنه فى غزوة تبوك قال : يا أيها الناس ، إنى
أريد الروم ، فأعلمهم ، وذلك فى زمان البأس وشدة الحر وجدب البلاد ، فبينما رسول
اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، ذات يوم فى جهازه إذ قال للجد بن قيس : هل لك فى
بنات بنى الأصفر؟ قال : يا رسول اللَّه. لقد علم قومى أنه ليس أحد أشدّ عجبا
بالنساء منى ، وإنى أخاف إن رأيت نساء بنى الأصفر أن يفتننى ، فأذن لى ، فأنزل
اللَّه : وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي الآية.
وقال رجل من المنافقين : لا تنفروا فى الحرّ ، فأنزل اللَّه : قُلْ نارُ جَهَنَّمَ
أَشَدُّ حَرًّا.
ومن أمثلة الشتائى : قوله : إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ إلى قوله : وَرِزْقٌ
كَرِيمٌ ففى الصحيح عن عائشة أنها نزلت فى يوم شات.
(1/421)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 25
و الآيات التى فى غزوة الخندق ، من سورة الأحزاب ، فقد كانت فى البرد ،
ففى حديث حذيفة : «تفرّق الناس عن رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، ليلة
الأحزاب إلا اثنى عشر رجلا ، فأتانى رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، فقال :
قم فانطلق إلى عسكر الأحزاب ، قلت : يا رسول اللَّه ، والذى بعثك بالحق ما قمت لك
إلا حياء من البرد» فأنزل اللَّه : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا
نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ إلى آخرها
(1/422)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 26
6 الفراشى والنومى
و من أمثلة الفراشى : قوله : وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، وآية الثلاثة
الذين خلفوا ،
ففى الصحيح أنها نزلت وقد بقى من الليل ثلثه ، وهو صلّى اللَّه عليه وسلم ، عند أم
سلمة.
وأما النومى ، ففى أمثلته ، سورة الكوثر ، لما
روى مسلم عن أنس ، قال : «بينا رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، بين أظهرنا
إذ غفا إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسما ، فقلنا : ما أضحكك يا رسول اللَّه؟ فقال :
أنزل علىّ آنفا سورة ، فقرأ : بسم اللَّه الرحمن الرحيم : إِنَّا أَعْطَيْناكَ
الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ».
فمن الوحى ما كان يأتيه فى النوم ، لأن رؤيا الأنبياء وحى.
(1/423)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 27
7 الأرضى والسمائى
إن من القرآن سمائيا وأرضيا ، وما نزل بين السماء والأرض ، وما نزل تحت الأرض فى
الغار. قال هبة اللَّه المفسر : نزل القرآن بين مكة والمدينة ، إلا ست آيات نزلت
لا فى الأرض ولا فى السماء ، يعنى فى الفضاء بين السماء والأرض : ثلاث فى سورة
الصافات : وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ الآيات الثلاث. وواحدة فى
الزخرف :
وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا الآية. والآيتان من آخر
سورة البقرة نزلتا ليلة المعراج.
وأما ما نزل تحت الأرض فى الغار فسورة المرسلات.
(1/424)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 28
8 أول ما نزل
اختلف فى أول ما نزل من القرآن على أقوال.
القول الأول : هو الصحيح : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
فعن عائشة قالت ، «أول ما بدىء به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الوحى
الرؤيا الصادقة فى النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه
الخلاء ، فكان يأتى حراء فيتحنث فيه الليالى ذوات العدد ، ويتزوّد لذلك ، ثم يرجع
إلى خديجة ، رضى اللَّه عنها ، فتزوده لمثلها ، حتى فجأه الحق وهو فى غار حراء ،
فجاءه الملك فيه ، فقال : اقرأ ، قال رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم : فقلت
: ما أنا بقارىء ، فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى ، فقال : اقرأ ، قال
رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم : ما أنا بقارىء ، فغطنى الثانية حتى بلغ منى
الجهد ثم أرسلنى ، فقال : اقرأ ، فقلت ، ما أنا بقارىء ، فغطنى الثالثة حتى بلغ
منى الجهد ثم أرسلنى ، فقال : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
حتى بلغ ما لَمْ يَعْلَمْ فرجع بها رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، ترجف
بوادره».
وعن عائشة قالت : أول سورة نزلت من القرآن : (اقرأ باسم ربك.)
و
عن أبى رجاء العطاردى ، قال : كان أبو موسى يقرئنا فيجلسنا حلقا ، عليه ثوبان
أبيضان ، فإذا تلا هذه السورة : (اقرأ باسم ربك الذى خلق) قال : هذه أول سورة
أنزلت على محمّد صلّى اللَّه عليه وسلم.
وعن مجاهد قال : إن أول ما نزل من القرآن : (اقرأ باسم ربك) و(نون والقلم).
القول الثانى : (يا أيها المدثر).
عن أبى سلمة بن عبد الرحمن ، قال : سألت جابر بن عبد اللَّه : أىّ القرآن أنزل
قبل؟ قال : (يا أيها المدثر) قلت : أو (اقرأ باسم ربك)؟
(1/425)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 29
قال : أحدثكم ما حدثنا به رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، قال رسول اللَّه
، صلّى اللَّه عليه وسلم : «إنى جاورت بحراء ، فلما قضيت جوارى نزلت فاستبطنت
الوادى ، فنظرت أمامى وخلفى وعن يمينى وشمالى ، ثم نظرت إلى السماء فإذا هو يعنى
جبريل فأخذتنى رجفة ، فأتيت خديجة فأمرتهم فدثرونى ، فأنزل اللَّه يا أَيُّهَا
الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ».
القول الثالث : سورة الفاتحة. فقد ذهب ابن عباس ومجاهد إلى أن أول سورة نزلت :
(اقرأ) وأكثر المفسرين إلى أن أول سورة نزلت ، فاتحة الكتاب.
وقال ابن حجر : والذى ذهب إليه أكثر الأئمة هو الأول.
و
عن عمرو بن شرحبيل : «أن رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، قال الخديجة : إنى
إذا خلوت وحدى سمعت نداء ، فقد واللَّه خشيت أن يكون هذا أمرا ، فقالت : معاذ
اللَّه ، ما كان اللَّه ليفعل بك ، فو اللَّه إنك لتؤدى الأمانة ، وتصل الرحم ،
وتصدق الحديث ، فلما دخل أبو بكر ذكرت. خديجة حديثه له ، وقالت : اذهب مع محمّد
إلى ورقة ، فانطلقا فقصا عليه ، فقال : إذا خلوت وحدى سمعت نداء خلفى ، يا محمّد
يا محمّد ، فأنطلق هاربا فى الأفق ، فقال : لا تفعل إذا أتاك ، فاثبت حتى تسمع ما
يقول ، ثم ائتنى فأخبرنى ، فلما خلا ناداه ، يا محمّد قل : بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى بلغ : وَلَا
الضَّالِّينَ»
القول الرابع : عن عكرمة والحسن ، قالا : أول ما نزل من القرآن ، بسم اللَّه
الرحمن الرحيم ، وأول سورة : (اقرأ باسم ربك).
و
عن ابن عباس ، قال : أول ما نزل جبريل على النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، قال :
يا محمّد ، استعذ ثم قل : بسم اللَّه الرحمن الرحيم.
وعن عائشة قالت : إن أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا
ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام.
و المراد سورة المدثر ، فإنه أول ما نزل بعد فترة الوحى ، وفى آخرها ذكر الجنة
والنار ، فلعل آخرها قبل نزول بقية (اقرأ).
(1/426)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 30
و
قال الحسين بن واقد : سمعت علىّ بن الحسين يقول : أول سورة نزلت بمكة : (اقرأ باسم
ربك) آخر سورة نزلت بها : (المؤمنون) ويقال : (العنكبوت) وأول سورة نزلت بالمدينة
: (ويل للمطففين) وآخر سورة نزلت بها (براءة) ، وأول سورة أعلنها رسول اللَّه ،
صلّى اللَّه عليه وسلم ، بمكة (والنجم).
وفى شرح البخارى لابن حجر : اتفقوا على أن سورة البقرة أول سورة نزلت بالمدينة ،
وفى تفسير النسفى عن الواقدى : أن أول سورة نزلت بالمدينة سورة القدر.
وعن جابر بن زيد قال : أول ما أنزل اللَّه من القرآن بمكة : (اقرأ باسم ربك) ثم :
(ن والقلم) ثم : (يا أيها المزمل) ثم : (يا أيها المدثر) ثم : (الفاتحة) ثم : (تبت
يدا أبى لهب) ثم : (إذا الشمس كورت) ثم : (سبح اسم ربك الأعلى) ثم : (والليل إذا
يغشى) ثم : (والفجر) ثم : (والضحى) ثم : (أ لم نشرح) ثم : (والعصر) ثم :
(والعاديات) ثم : (الكوثر) ثم : (ألهاكم) ثم : (أ رأيت الذى يكذب) ثم : (الكافرون)
ثم : (أ لم تر كيف) ثم : (قل أعوذ برب الفلق) ثم : (قل أعوذ برب الناس) ثم : (قل
هو) ثم : (والنجم) ثم : (إنا أنزلناه) ثم : (والشمس وضحاها) ثم :
(البروج) ثم : (والتين) ثم : (لإيلاف) ثم : (القارعة) ثم : (القيامة) ثم : (ويل
لكل همزة) ثم : (والمرسلات) ثم : (ق) ثم : (البلد) ثم : (الطارق) ثم : (اقتربت
الساعة) ثم : (ص) ثم : (الأعراف) ثم : (الجن) ثم : (يس) ثم : (الفرقان) ثم :
(الملائكة) ثم : (كهيعص) ثم : (طه) ثم : (الواقعة) ثم : (الشعر) ثم : (طس سليمان)
ثم : (طسم القصص) ثم : (بنى إسرائيل) ثم التاسعة ، يعنى (يونس) ثم : (هود) ثم :
(يوسف) ثم : (الحجر) ثم : (الأنعام) ثم : (الصافات) ثم : (لقمان) ثم : (الزمر) ثم :
(حم المؤمن) ثم : (حم السجدة) ثم : (حم الزخرف) ثم : (حم الدخان) ثم : (حم
الجاثية)
(1/427)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 31
ثم : (حم الأحقاف) ثم : (الذاريات) ثم : (الغاشية) ثم : (الكهف) ثم : (حمعسق) ثم :
(تنزيل السجدة) ثم : (الأنبياء) ثم : (النحل) أربعين ، وبقيتها بالمدينة ، ثم :
(إنا أرسلنا نوحا) ثم : (الطور) ثم : (المؤمنون) ثم : (تبارك) ثم : (الحاقة) ثم :
(سأل) ثم : (عم يتساءلون) ثم : (والنازعات) ثم : (إذا السماء انفطرت) ثم : (إذا
السماء انشقت) ثم : (الروم) ثم : (العنكبوت) ثم : (ويل للمطففين) فذاك ما أنزل
بمكة.
وأنزل بالمدينة سورة (البقرة) ثم : (آل عمران) ثم : (الأنفال) ثم :
(الأحزاب) ثم : (المائدة) ثم : (الممتحنة) ثم : (إذا جاء نصر الله) ثم : (النور)
ثم : (الحج) ثم : (المنافقون) ثم : (المجادلة) ثم : (الحجرات) ثم : (التحريم) ثم :
(الجمعة) ثم : (التغابن) ثم : (سبح الحواريين) ثم : (الفتح) ثم : (التوبة) ثم :
(خاتمة القرآن)
(1/428)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 32
9 أوائل مخصوصة
أول ما نزل فى القتال :
عن ابن عباس قال : أول آية نزلت فى القتال : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ
بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا.
عن أبى العالية قال : أول آية نزلت فى القتال بالمدينة : وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ.
و قيل : إن أول ما نزل فى القتال : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ أول ما نزل فى شأن القتل آية الإسراء : وَمَنْ قُتِلَ
مَظْلُوماً الآية.
أول ما نزل فى الخمر :
عن ابن عمر قال : «نزل فى الخمر ثلاث آيات ، فأول شىء : يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ الآية ، فقيل : حرمت الخمر ، فقالوا : يا رسول اللَّه ،
دعنا ننتفع بها كما قال اللَّه ، فسكت عنهم ، ثم نزلت هذه الآية : لا تَقْرَبُوا
الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ، فقيل : حرمت الخمر ، فقالوا : يا رسول اللَّه ، لا
نشربها قرب الصلاة ، فسكت عنهم ، ثم نزلت : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ فقال رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم :
حرمت الخمر».
أول آية نزلت فى الأطعمة
بمكة آية الأنعام : قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ثم آية
النحل : فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً إلى آخرها.
وبالمدينة آية البقرة : إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ الآية ، ثم
المائدة : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ الآية.
أول سورة نزلت فيها سجدة :
النجم :
عن مجاهد فى قوله : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ قال : هى
أول ما أنزل اللَّه من سورة براءة.
عن أبى الضحى ، قال : أول ما نزل من براءة : انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا ثم نزل
أولها ، ثم نزل آخرها.
عن سعيد بن جبير ، قال : أول ما نزل من آل عمران : هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً
وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ثم أنزلت بقيتها ي
وم أحد.
(1/429)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 33
10 آخر ما نزل
عن البراء بن عازب ، قال : آخر آية نزلت : يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ
يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ وآخر سورة نزلت ، براءة.
عن ابن عباس ، قال : آخر آية نزلت آية الربا ، والمراد بها قوله تعالى : يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا.
عن عمر : من آخر ما نزل آية الربا.
عن أبى سعيد الخدرى ، قال : خطبنا عمر فقال : إن من آخر القرآن نزولا آية الربا.
عن ابن عباس ، قال : آخر شىء نزل من القرآن : وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ
فِيهِ الآية.
وكان بين نزولها وبين موت النبى صلّى اللَّه عليه وسلم أحد وثمانون يوما.
وقيل : عاش النبى صلّى اللَّه عليه وسلم بعد نزول هذه الآية تسع ليال ثم مات ليلة
الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول.
عن ابن شهاب قال : آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين.
عن سعيد بن المسيب أنه بلغه ، أن أحدث القرآن عهدا بالعرش آية الدين.
وقال البراء : آخر ما نزل : (يستفتونك) أى فى شأن الفرائض.
عن أبىّ بن كعب قال : آخر آية نزلت : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
إلى آخر السورة.
عن أبىّ أنهم جمعوا القرآن فى خلافة أبى بكر ، وكان رجال يكتبون ، فلما انتهوا إلى
هذه الآية من سورة براءة : ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن ، فقال لهم
أبىّ بن كعب : إن رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، أقرأنى بعدها آيتين :
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ إلى (م 3 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/430)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 34
قوله : وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وقال : هذا آخر ما نزل من القرآن.
عن أبىّ أيضا ، قال : آخر القرآن عهدا باللَّه هاتان الآيتان : لَقَدْ جاءَكُمْ
رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ.
وعن ابن عباس ، قال : آخر سورة نزلت : إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ.
وعن عائشة قالت : آخر سورة نزلت المائدة ، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه.
و عن عبد اللَّه بن عمرو ، قال : آخر سورة نزلت سورة المائدة ، والفتح.
يعنى : (إذا جاء نصر الله).
وفى حديث عثمان : براءة من آخر القرآن نزولا.
عن معاوية بن أبى سفيان أنه تلا هذه الآية : فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ
الآية.
وقال : إنها آخر آية نزلت من القرآن.
قال ابن كثير : ولعله أراد أنه لم ينزل بعدها آية تنسخها ولا تغير حكمها ، بل هى
مثبتة محكمة.
يزكى هذا ما جاء عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية : وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً
مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ هى آخر ما نزل ، وما نسخها شىء ، و
أخرج ابن مردويه من طريق مجاهد عن أم سلمة قالت : آخر آية نزلت هذه الآية :
فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ إلى آخرها. قلت :
وذلك أنها قالت : يا رسول اللَّه ، أرى اللَّه يذكر الرجال ولا يذكر النساء ،
فنزلت : وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ونزلت
: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ونزلت هذه الآية ،
فهى آخر الثلاث نزولا ، أو آخر ما نزل بعد ما كان فى الرجال خاصة.
و
عن أنس قال : قال رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، «من فارق الدنيا على
الإخلاص للَّه وحده ، وعبادته لا شريك له ، وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، فارقها
واللَّه عنه راض».
قال أنس : وتصديق ذلك فى كتاب اللَّه فى آخر ما نزل : فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا
الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ الآية. يعنى فى آخر سورة نزلت.
(1/431)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 35
11 سبب النزول
نزول القرآن على قسمين :
قسم نزل ابتداء.
وقسم نزل عقب واقعة أو سؤال. وفى هذا النوع مسائل :
المسألة الأولى : أن له فوائد.
منها : معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.
ومنها ، تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب.
و منها : أن اللفظ قد يكون عاما ويقوم الدليل على تخصيصه ، فإذا عرف السبب قصر
التخصيص على ما عدا صورته ، فإن دخول صورة السبب قطعىّ وإخراجها بالاجتهاد ممنوع.
ومنها : الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال ، فإنه لا يمكن معرفة تفسير الآية دون
الوقوف على قصتها وبيان نزولها. فبيان سبب النزول طريق قوىّ فى فهم معانى القرآن.
كما أنه يعين على فهم الآية ، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب.
وقد أشكل على مروان بن الحكم معنى قوله تعالى : لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا الآية ، وقال : لئن كان كل امرى ءفرح بما أوتى ، وأحب أن
يحمد بما لم يفعل معذبا ، لنعذبن أجمعون ، حتى بين له ابن عباس أن الآية نزلت فى
أهل الكتاب ، حين سألهم النبى صلّى اللَّه عليه وسلم عن شىء فكتموه إياه ، وأخبروه
بغيره ، وأروه أنهم أخبروه بما سألهم عنه ، واستحمدوا بذلك إليه.
وحكى عن عثمان بن مظعون ، وعمرو بن معدى كرب. أنهما كانا يقولان : الخمر
(1/432)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 36
مباحة ، ويحتجان بقوله تعالى : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا الآية ، ولو علما سبب نزولها لم يقولا ذلك ،
وهو أن ناسا قالوا لما حرمت الخمر : كيف يمن قتلوا فى سبيل اللَّه وماتوا وكانوا
يشربون الخمر ، وهى رجس؟ فنزلت.
و من ذلك قوله تعالى : وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ
ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ فقد أشكل معنى هذا الشرط على بعض
الأئمة حتى قال الظاهرية بأن الآيسة لا عدة عليها إذا لم ترتب ، وقد بين ذلك سبب
النزول ، وهو أنه لما نزلت الآية التى فى سورة البقرة فى عده النساء ، قالوا : قد
بقى عدد من النساء لم يذكرن الصغار والكبار ، فنزلت فعلم بذلك أن الآية خطاب لمن
لم يعلم ما حكمهن فى العدّة ، وارتاب ، هل عليهن عدّة أو لا؟ وهل عدتهن كاللاتى فى
سورة البقرة أو لا؟ فمعنى : إِنِ ارْتَبْتُمْ إن أشكل عليكم حكمهن ، وجهلتم كيف
يعتدون ، فهذا حكمهن.
ومن ذلك قوله تعالى : فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فإنا لو تركنا
ومدلول اللفظ لاقتضى أن المصلّى لا يجب عليه استقبال القبلة سفرا ولا حضرا ، وهو
خلاف الإجماع ، فلما عرف سبب نزولها علم أنها فى نافلة السفر ، أو فمن صلّى
بالاجتهاد وبان له الخطأ ، على اختلاف الروايات فى ذلك.
ومن ذلك قوله : إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ الآية ، فإن
ظاهر لفظها لا يقتضى أن السعى فرض ، وقد ذهب بعضهم إلى عدم فرضيته تمسكا بذلك ،
وقد ردت عائشة على عروة فى فهمه ذلك بسبب نزولها ، وهو أن الصحابة تأثموا من السعى
بينهما ، لأنه من عمل الجاهلية ، فنزلت.
ومنها : دفع توهم الحصر. قال الشافعى ما معناه فى قوله تعالى : قُلْ لا أَجِدُ فِي
ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً الآية ، إن الكفار لما حرّموا ما أحل اللَّه ،
وأحلوا ما حرّم اللَّه ، وكانوا على المضادة والمحادة ، فجاءت الآية مناقضة لغرضهم
، فكأنه قال : لا حلال إلا ما حرّمتموه ، ولا حرام إلا ما أحللتموه ، نازلا منزلة
من يقول : لا تأكل اليوم حلاوة ، فتقول لا آكل اليوم إلا حلاوة ، والغرض المضادة
لا النفى والإثبات على
(1/433)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 37
الحقيقة ، فكأنه تعالى قال : لا حرام إلا ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم
الخنزير وما أهلّ لغير اللَّه به ، ولم يقص حلّ ما وراءه ، إذ القصد إثبات التحريم
لا إثبات الحلّ ومنها : معرفة اسم النازل فيه الآية ، وتعيين المبهم فيها ، ولقد
قال مروان فى عبد الرحمن بن أبى بكر : إنه الذى أنزل فيه : وَالَّذِي قالَ
لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما حتّى ردّت عليه عائشة وبينت له سبب نزولها.
المسألة الثانية : اختلف أهل الأصول : هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب؟
والأصح الأول ، وقد نزلت آيات فى : أسباب ، واتفقوا على تعديتها إلى غير أسبابها
كنزول آية الظهار فى سلمة بن صخر ، وآية اللعان فى شأن هلال بن أمية ، وحدّ القذف
فى رماة عائشة ، ثم تعدى إلى غيرهم.
ومن لم يعتبر عموم اللفظ قال : خرجت هذه الآية ونحوها لدليل آخر ، كما قصرت آيات
على أسبابها اتفاقا لدليل قام على ذلك.
قال الزمخشرى فى سورة الهمزة : يجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عاماّ ، ليتناول
كل من باشر ذلك القبيح ، وليكون ذلك جاريا مجرى التعريض.
المسألة الثالثة : تقدّم أن صورة السبب قطعية الدخول فى العام ، وقد تنزل الآيات
على الأسباب الخاصة وتوضع مع ما يناسبها من الآى العامة ، رعاية لنظم القرآن وحسن
السياق ، فيكون ذلك الخاص قريبا من صورة السبب فى كونه قطعى الدخول فى العام ،
مثاله : قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ
الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ إلى آخره ، فإنها إشارة إلى كعب
بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود ، لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر ، حرّضوا
المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، فسألوهم ، من
أهدى سبيلا ، محمّد وأصحابه أم نحن؟
فقالوا : أنتم ، مع علمهم بما فى كتابهم من نعت النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ،
المنطبق عليه ، وأخذ المواثيق عليهم لا يكتموه. فكان ذلك أمانة لازمة لهم ، ولم
يؤدوها حيث قالوا للكفار : (أنتم أهدى سبيلا) حسدا للنبى صلّى اللَّه عليه وسلم ،
فقد تضمنت هذه الآية مع هذا القول المتوعد عليه المفيد الأمر بمقابلة المشتمل على
أداء الأمانة ، التى هى ببيان
(1/434)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 38
صفة النبى صلّى اللَّه عليه وسلم بإفادة أنه الموصوف فى كتابهم ، وذلك مناسب لقوله
: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها فهذا عام
فى كل أمانة ، وذلك خاص بأمانة ، هى صفة النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، بالطريق
السابق ، والعام تال للخاص فى الرسم ، متراخ عنه فى النزول ، والمناسبة تقتضى دخول
ما دل عليه الخاص والعام.
المسألة الرابعة : قال الواحدى : لا يحلّ القول فى أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية
والسماع ممن شاهدوا التنزيل ، ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها.
وقد قال محمّد بن سيرين : سألت عبيدة عن آية من القرآن ، فقال : اتق اللَّه وقل
سدادا ، ذهب الذين يعلمون فيما أنزل اللَّه من القرآن.
وقيل : معرفة سبب النزول أمر يحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا ، وربما لم يجزم
بعضهم فقال : أحسب هذه الآية نزلت فى كذا.
فعن عبد اللَّه بن الزبير قال : خاصم الزبير رجلا من الأنصار فى شراج الحرة ، فقال
النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم : اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك ، فقال
الأنصارى : يا رسول اللَّه ، إن كان ابن عمتك ، فتلوّن وجهه.
قال الزبير : فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت فى ذلك : فَلا وَرَبِّكَ لا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ.
وقيل : إذا أخبر الصحابى ، الذى يشهد الوحى والتنزيل ، عن آية من القرآن أنها نزلت
فى كذا ، فإنه حديث مسند.
و قال ابن تيمية : قولهم نزلت هذه الآية فى كذا ، يراد به تارة سبب النزول ، ويراد
به تارة أن ذلك داخل فى الآية ، وإن لم يكن السبب ، كما تقول عنى بهذه الآية كذا.
وقد تنازع العلماء فى قول الصحابى : نزلت هذه الآية فى كذا ، هل يجرى مجرى المسند
كما لو ذكر السبب الذى نزلت لأجله ، أو يجرى مجرى التفسير منه الذى ليس بمسند؟
فالبخارى يدخله فى المسند ، وغيره لا يدخله فيه ، وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح
كمسند أحمد وغيره ، بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه ، فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا
فى المسند.
(1/435)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 39
و قيل : قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال : نزلت هذه الآية فى
كذا ، فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم ، لا أن هذا كان السبب فى نزولها ، فهو
من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل لما وقع.
المسألة الخامسة : كثيرا ما يذكر المفسرون لنزول الآية أسبابا متعددة ، وطريق
الاعتماد فى ذلك أن ينظر إلى العبارة الواقعة ، فإن عبر أحدهم بقوله : نزلت فى
كذا.
والآخر نزلت فى كذا ، وذكر أمرا آخر ، فقد تقديم أن هذا يراد به التفسير لا ذكر
سبب النزول ، فلا منافاة بين قولهما ، إذا كان اللفظ يتناولهما ، وإن عبر واحد.
بقوله : نزلت فى كذا ، وصرّح الآخر بذكر سبب خلافه ، فهو المعتمد ، وذلك استنباط.
(1/436)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 40
12 فيما نزل من القرآن على لسان بعض الصحابة
هو فى الحقيقة نوع من أسباب النزول ، والأصل فيه موافقات عمر ،
فعن ابن عمر ، أن رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، قال : «إن اللَّه جعل
الحقّ على لسان عمر وقلبه»
و ما نزل بالناس أمر قط فقالوا وقال إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر.
وعن مجاهد قال : كان عمر يرى الرأى فينزل به القرآن.
عن أنس قال : قال عمر : وافقت ربى فى ثلاث : قلت : يا رسول اللَّه ، لو اتخذنا من
مقام إبراهيم مصلّى ، فنزلت : وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وقلت
:
يا رسول اللَّه ، إن نساءك يدخل عليهن البّر والفاجر ، فلو أمرتهم أن يحتجبن ،
فنزلت آية الحجاب ، واجتمع على رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، نساؤه فى
الغيرة ، فقلت لهن : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ، فنزلت كذلك.
وعن عمر قال : وافقت ربى فى ثلاث : الحجاب ، وفى أسرى بدر ، وفى مقام إبراهيم.
قال عمر : وافقت ربى ، أو وافقنى ربى ، فى أربع : نزلت هذه الآية : وَلَقَدْ
خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ الآية ، فلما نزلت قلت أنا :
فتبارك اللَّه أحسن الخالقين ، فنزلت : فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ.
ولقى يهودى عمر بن الخطاب ، فقال : إن جبريل الذى يذكره صاحبكم عدوّ لنا ، فقال
عمر : من كان عدوّا للَّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن اللَّه عدوّ للكافرين
، قال : فنزلت على لسان عمر.
وعن سعيد بن جبير ، أن سعد بن معاذ لما سمع ما قيل فى أمر عائشة قال : سبحانك هذا
بهتان عظيم ، فنزلت كذلك.
(1/437)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 41 وعن سعيد بن المسيب قال : كان رجلان من أصحاب النبى ،
صلّى اللَّه عليه وسلم ، إذا سمعا شيئا من ذلك قالا : سبحانك هذا بهتان عظيم ،
فنزلت كذلك.
و
عن عكرمة قال : لما أبطأ على النساء الخبر فى أحد خرجن يستخبرن ، فإذا رجلان
مقبلان على بعير ، فقالت امرأة : ما فعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ، قال
: حىّ ، قالت : فلا أبالى ، يتخذ اللَّه من عباده الشهداء ، فنزل القرآن على ما
قالت : وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ.
و فى الخبر : حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد ، فقطعت يده اليمنى ، فأخذ اللواء
بيده اليسرى ، وهو يقول : وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ،
ثم قطعت يده اليسرى ، فحنى على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره ، وهو يقول : وَما
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ الآية ، ثم قتل ، فسقط اللواء. فما نزلت هذه الآية وَما
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ يومئذ ، وحتى نزلت بعد ذلك.
(1/438)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 42
13 ما تكرّر نزوله
صرح جماعة من المتقدمين والمتأخرين بأن من القرآن ما تكرّر نزوله.
وقال ابن الحصار : قد بتكرر نزول الآية تذكيرا وموعظة ، وذكر من ذلك خواتيم سورة
النحر ، وأول سورة الروم.
وذكر قوم منه الفاتحه.
وذكر بعضهم منه قوله : ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا الآية.
الآية.
وقال الزركشى فى البرهان : قد ينزل الشىء مرّتين تعظيما لشأنه ، وتذكيرا عند حدوث
سببه وخوف نسيانه. ثم ذكر منه آية الروح. وقوله : أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ
النَّهارِ الآية.
قال : فإن سورة الإسراء وهود مكيتان ، وسبب نزولهما يدل على أنهما نزلتا بالمدينة
، ولهذا أشكل ذلك على بعضهم ، ولا إشكال ، لأنها نزلت مرة بعد مرة قال : كذلك ما
ورد فى سورة الإخلاص من أنها جواب للمشركين بمكة ، وجواب لأهل الكتاب بالمدينة ،
وكذلك قوله : ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا الآية.
وقال : والحكمة فى ذلك كله أنه قد يحدث سبب من سؤال أو حادثة تقتضى نزول آية ، وقد
نزل قبل ذلك ما يتضمنها ، فيوحى إلى النبى صلّى اللَّه عليه وسلم تلك الآية بعينها
تذكيرا لهم.
(1/439)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 43
14 ما تأخر حكمة عن نزوله وما تأخر نزوله عن حكمه
قال الزركشى فى البرهان : قد يكون النزول سابقا على الحكم ، كقوله : قَدْ أَفْلَحَ
مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ، لأن السورة مكية ، ولم يكن بمكة
عيد ولا زكاة ولا صوم.
ويجوز أن يكون النزول سابقا على الحكم ، كما قال : لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ
وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ فالسورة مكية وقد ظهر أثر الحلّ يوم فتح مكة ،
حتى
قال عليه الصلاة والسلام : «أحلت لى ساعة من نهار».
وكذلك نزلت بمكة : سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ
قال عمر بن الخطاب : فقلت أىّ جمع؟ فلما كان يوم بدر وأنهزمت قريش نظرت إلى رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فى آثارهم مصلتا بالسيف ، يقول : سَيُهْزَمُ
الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ فكانت ليوم بدر.
وكذلك قوله : جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ فإن اللَّه وعده ،
وهو يومئذ بمكة ، أنه سيهزم جندا من المشركين ، فجاء تأويلها يوم بدر.
ومثله أيضا قوله تعالى : قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما
يُعِيدُ.
عن ابن مسعود فى قوله : قُلْ جاءَ الْحَقُّ قال : السيف ، والآية مكية متقدمة على
فرض القتال.
ومن أمثلة ما تأخر نزوله عن حكمه : آية الوضوء
فعن عائشة قالت : سقطت قلادة لى بالبيداء ونحن داخلون المدينة ، فأناخ رسول اللَّه
، صلّى اللَّه عليه وسلم ، ونزل فثنى رأسه فى حجرى راقدا ، وأقبل أبو بكر فلكزنى
لكزة شديدة وقال : حبست الناس فى
(1/440)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 44
قلادة ، ثم إن النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، استيقظ وحضرت الصبح ، فالتمس الماء
فلم يوجد ، فنزلت : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
إلى قوله : لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
فالآية مدنية إجماعا ، وفرض الوضوء كان بمكة مع فرض الصلاة ، فمعلوم عند جميع أهل
المغازى أنه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، لم يصل منذ فرضت عليه الصلاة إلا بوضوء ،
والحكمة فى نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به ليكون فرضه متلوا بالتنزيل.
ومن أمثلته أيضا : آية الجمعة ، فإنها مدنية والجمعة فرضت بمكة.
ومن أمثلته قوله تعالى : إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ الآية ، فإنها نزلت
سنة تسع ، وقد فرضت الزكاة قبلها فى أوائل الهجرة.
(1/441)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 45
15 ما نزل مفرقا وما نزل جمعا
الأول : غالب القرآن ، ومن أمثلته فى السور القصار : (اقرأ) أول ما نزل منها إلى
قوله : ما لَمْ يَعْلَمْ ، والضحى ، أول ما نزل منها إلى قوله : فَتَرْضى .
ومن أمثلة الثانى : سورة الفاتحة ، والإخلاص ، والكوثر ، وتبت ، ولم يكن ، والنصر
، والمعوذتان نزلتا معا.
ومنه فى السور الطوال ، المرسلات.
فعن ابن مسعود قال : كنا مع النبى صلّى اللَّه عليه وسلم فى غار ، فنزلت عليه :
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً ، فأخذتها من فيه ، وإن فاه رطب بها ، فلا أدرى بأيها ختم
: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ، أو : وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا
لا يَرْكَعُونَ.
ومنه : سورة الصف.
ومنه : سورة الأنعام ، فعن ابن عباس قال : نزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة.
(1/442)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 46
16 ما أنزل منه على بعض الأنبياء وما لم ينزل منه على أحد قبل النبىّ صلّى اللَّه
عليه وسلم
من الثانى : الفاتحة ، وآية الكرسى ، وخاتمة البقرة.
و
عن ابن عباس : «أتى النبى صلّى اللَّه عليه وسلم ملك فقال : أبشر بنورين قد
أوتيتهما لم يؤتهما نبىّ قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقر».
و
عن كعب قال : إن محمّدا صلّى اللَّه عليه وسلم ، أعطى أربع آيات لم يعطهن موسى ،
وإن موسى أعطى آية لم يعطها محمّد. قال : والآيات التى أعطيهن محمّد : لِلَّهِ ما
فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ حتى ختم البقر ، فتلك ثلاث آيات ، وآية
الكرسى. والآية التى أعطيها موسى : اللهم لا تولج الشيطان فى قلوبنا وخلصنا منه من
أجل أن لك الملكوت والأبد والسلطان والملك والحمد والأرض والسماء الدهر الداهر
أبدا أبدا آمين آمين.
و
عن ابن عباس قال : السبع الطوال لم يعطهن أحد إلا النبىّ صلّى اللَّه عليه وسلم ،
وأعطى موسى منها اثنتين.
و
عن ابن عباس : أعطيت أمتى شيئا لم يعطه أحد من الأمم عند المصيبة : إنا للَّه وإنا
إليه راجعون.
ومن أمثلة الأول :
عن ابن عباس قال : لما نزلت : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال صلّى اللَّه
عليه وسلم : كلها فى صحف إبراهيم وموسى ، فلما نزلت : وَالنَّجْمِ إِذا هَوى فبلغ
: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى قال : وفى : أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى
إلى قوله : هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى .
وعن السدى قال : إن هذه السورة (فى صحف إبراهيم وموسى) مثل ما نزلت على النبى ،
صلّى اللَّه عليه وسلم.
و
قال الفريابى : أنبأنا سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن أبى أمامه. قال : أنزل
اللَّه على
(1/443)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 47
إبراهيم مما أنزل على محمّد : التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ إلى قوله : وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ
و : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إلى قوله : فِيها خالِدُونَ و: إِنَّ
الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ الآية. والتى فى (سأل) : الَّذِينَ هُمْ عَلى
صَلاتِهِمْ دائِمُونَ إلى قوله : قائِمُونَ فلم يف بهذه السهام إلا إبراهيم ومحمّد
صلّى اللَّه عليه وسلم.
و عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال : إنه - يعنى النبى صلّى اللَّه عليه وسلم -
الموصوف فى التوراة ببعض صفته فى القرآن : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً.
وعن كعب قال : فتحت التوراة ب الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ وختم ب الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً
إلى قوله : وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً.
وأخرج أيضا عنه ، قال : فاتحة التوراة فاتحة الأنعام : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ. وخاتمة التوراة
خاتمة هود : فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ.
وأخرج من وجه آخر عنه ، قال : أول ما أنزل فى التوراة عشر آيات من سورة الأنعام :
قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ إلى آخرها ، يعنى أن هذه
الآيات اشتملت على الآيات العشر التى كتبها اللَّه لموسى فى التوراة ، أول ما كتب
، وهى توحيد اللَّه ، والنهى عن الشرك ، واليمين الكاذبة ، والعقوق ، والقتل ،
والزنى ، والسرقة ، والزور ، ومدّ العين إلى ما فى يد الغير ، والأمر بتعظيم
السبت.
و
عن ابن عباس قال : «أغفل الناس آية من كتاب اللَّه لم تنزل على أحد قبل النبى صلّى
اللَّه عليه وسلم ، إلا أن يكون سليمان بن داود : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
(1/444)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 48
17 فى كيفية إنزله
المسألة الأولى : قال اللَّه تعالى : شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ وقال : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ اختلف في كيفية
إنزاله من اللوح المحفوظ على ثلاثة أقوال.
القول الأول ، وهو الأصح الأشهر : أنه نزل سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ، ثم
نزل بعد ذلك منجما فى عشرين سنة ، أو ثلاثة وعشرين ، أو خمسة عشرين ، على حسب
الخلاف فى مدة إقامته صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة بعد البعثة.
القول الثانى : أنه نزل إلى سماء الدنيا فى عشرين ليلة قدر ، وثلاث وعشرين ، أو
خمس وعشرين فى كل ليلة ما يقدر اللَّه إنزاله فى كل السنة ، ثم أنزل بعد ذلك منجما
فى جميع السنة.
القول الثالث : أنه ابتدىء إنزاله فى ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما فى أوقات
مختلفة من سائر الأوقات.
والذى استقرىء. من الأحاديث الصحيحة وغيرها ان القرآن كان ينزل بحسب الحاجة ، خمس
آيات وعشر آيات وأكثر وأقل ، وقد صح نزول العشر آيات فى قصة الإفك جملة ، وصح نزول
عشر آيات من أول المؤمنين جملة ، وصح نزول : غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وحدها ، وهى
بعض آية ، وكذا قوله : وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً إلى آخر الآية ، نزلت بعد نزول
أول الآية وذلك بعض آية.
(1/445)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 49
المسألة الثانية : فى كيفية الإنزال والوحى : اتفق أهل السنة والجماعة على أن كلام
اللَّه منزل ، واختلفوا فى معنى الإنزال.
فمنهم من قال : إظهار القراءة.
ومنهم من قال : إن اللَّه تعالى ألهم كلامه جبريل ، وهو فى السماء ، وهو عال
المكان ، وعلمه قراءته ، ثم جبريل أداه فى الأرض وهو يهبط فى المكان.
وفى التنزيل طريقان.
أحدهما : أن النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم انخلع من صورة البشرية إلى صورة
الملكية وأخذه من جبريل.
والثانى : أن الملك انخلع إلى البشرية حتى يأخذه الرسول منه.
وقيل : لعل نزول القرآن على النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، أن يتلقفه الملك من
اللَّه تعالى تلقفا روحانيا ، أو يحفظه من اللوح المحفوظ ، فينزل به إلى الرسول
فيلقيه عليه.
و الإنزال : لغة بمعنى الإيواء ، وبمعنى تحريك الشىء من العلو إلى أسفل ، وكلاهما
يتحققان فى الكلام ، فهو مستعمل فيه فى معنى مجازى.
فمن قال : القرآن معنى قائم بذات اللَّه تعالى ، فإنزاله أن يوجد الكلمات والحروف
الدالة على ذلك المعنى ، ويثبتها فى اللوح المحفوظ.
ومن قال : القرآن هو الألفاظ ، فإنزاله مجرد إثباته فى اللوح المحفوظ ، وهذا
المعنى مناسب لكونه منقولا عن المعنيين اللغويين. ويمكن أن يكون المراد بإنزاله
إثباته والمراد بإنزال الكتب على الرسل أن يتلقفها الملك من اللَّه تلقفا روحانيا
، أو يحفظها من اللوح المحفوظ ، وينزل بها فيلقيها عليهم.
وفى المنزل على النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، ثلاثة أقوال :
أعرفها : أنه اللفظ والمعنى. وأن جبريل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به.
(م 4 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/446)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 50
و قد ذكر العلماء للوحى كيفيات :
إحداها : أن يأتيه الملك فى مثل صلصلة الجرس.
وعن عبد اللَّه بن عمر : سألت النبى صلّى اللَّه عليه وسلم ، هل تحس بالوحى؟ فقال
: أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك ، فما من مرة يوحى إلىّ إلا ظننت أن نفسى تقبض.
والمراد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتثبته أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد.
والحكمة فى تقدمه أن يفرغ سمعه للوحى فلا يبقى فيه مكانا لغيره.
الثانية : أن ينفث فى روعه الكلام نفثا ، كما
قال صلّى اللَّه عليه وسلم : «إن روح القدس نفث في روعى».
الثالثة : أن يأتيه فى صورة الرجل فيكلمه.
«و أحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فأعى ما يقول».
الرابعة : أن يأتيه الملك فى النوم.
الخامسة : أن يكلمه اللَّه إما فى اليقظة ، كما فى ليلة الإسراء ، أو فى النوم ،
كما
فى حديث معاذ : «أتانى ربى فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى»
، وليس فى القرآن من هذا النوع شىء ، وقد يمكن أن يعدّ منه آخر سورة البقرة وبعض
سورة الضحى ، وألم نشرح ،
فقد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ، : «سألت ربى مسألة وددت أنى لم أكن
سألته ، قلت : أى رب ، اتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما ، فقال يا محمّد ،
ألم أجدك يتيما فآويت ، وضالا فهديت ، وعائلا فأغنيت ، وشرحت لك صدرك وحططت عنك
وزرك ، ورفعت لك ذكرك ، فلا أذكر إلا ذكرت معى»
المسألة الثالثة : فى الأحرف السبعة التى نزل القرآن عليها.
ففى حديث : «نزل القرآن على سبعة أحرف»
و
سمع رجل النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، يقول : «أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها
شاف كاف».
و
فى الصحيحين : أن رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، قال : أقرأنى جبريل على
حرف فراجعته ، فلم أزل أستزيده ويزيدنى حتى انتهى إلى سبعة أحرف.
(1/447)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 51
قال ابن قتيبة : إن المراد بها الا وجه التى يقع بها التغاير.
فاولها : ما يتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته ، مثل : وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ
بالفتح والرفع.
وثانيها : ما يتغير بالفعل ، مثل : بعد ، وباعد ، بلفظ الطلب والماضى.
وثالثها : ما يتغير باللفظ ، مثل : (ننشرها).
ورابعها : ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج ، مثل : طَلْحٍ مَنْضُودٍ وطلع.
وخامسها : ما يتغير بالتقديم والتأخير ، مثل : وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ
بِالْحَقِّ و(سكرة الحق بالموت).
وسادسها : ما يتغير بزيادة أو نقصان ، مثل : (والذكر والأنثى) ، وَما خَلَقَ
الذَّكَرَ وَالْأُنْثى .
وسابعها : ما يتغير بإبدال كلمة بأخرى ، مثل : كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ وكالصوف
المنفوش.
وقال أبو الفضل الرازى : الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه فى الاختلاف.
الأول : اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث.
الثانى : اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر.
الثالث : وجوه الإعراب.
الرابع : النقص والزيادة.
الخامس : التقديم والتأخير.
السادس : الإبدال.
السابع : إختلاف اللغات ، كالفتح والإمامة والترقيق والتفخيم والإدغام والإظهار ،
ونحو ذلك.
وقال ابن الجزرى : قد تتبعت صحيح القراءات وشاذها وضعيفها ومنكرها ، فإذا
(1/448)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 52
هى يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها ، وذلك.
إما فى الحركات بلا تغير فى المعنى ، والصورة ، نحو : البخل بأربعة ويحسب بوجهين ،
أو متغير فى المعنى فقط ، نحو : فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ.
وإما فى الحروف بتغير المعنى لا الصورة ، نحو : تبلو ، وتتلو ، وعكس ذلك ، نحو :
الصراط ، والسراط.
أو بتغيرهما ، نحو : فامضوا ، فاسعوا.
وإما فى التقديم والتأخير نحو : فيقتلون ، ويقتلون ، أو فى الزيادة والنقصان نحو :
أوصى ، ووصى.
فهذه سبعة لا يخرج الاختلاف عنها.
وقيل : إن المراد سبعة أوجه من المعانى المتفقة بألفاظ مختلفة ، نحو : أقبل ،
وتعال ، وعلم ، وعجل ، وأسرع.
وعن ابن عباس قال : نزل القرآن على سبع لغات ، منها خمس بلغة العجز من هوازن. قال
: والعجز : سعد بن بكر ، وجشم بن بكر ، ونصر بن معاوية ، وثقيف ، وهؤلاء كلهم من
هوازن ، ويقال لهم : عليا هوازن ، ولهذا قال أبو عمرو بن العلاء : أفصح العرب :
عليا هوازن ، وسفلى تميم ، يعنى بنى دارم.
وعن ابن عباس قال : نزل القرآن بلغة الكعبين : كعب قريش ، وكعب خزاعة ، قيل : وكيف
ذاك؟ قال : لأن الدار واحدة ، يعنى أن خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليهم لغتهم.
وقال أبو حاتم السجستانى : نزل بلغة قريش ، وهذيل ، وتميم ، والأزد ، وربيعة ،
وهوازن ، وسعد بن بكر.
وقال أبو عبيد : ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات ، بل اللغات السبع مفرقة
فيه ، فبعضه بلغة قريش ، وبعضه بلغة هذيل ، وبعضه بلغة هوازن ، وربعضه بلغة اليمن
وغيرهم.
قال : وبعض اللغات أسعد به من بعض وأكثر نصيبا.
(1/449)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 53
و قيل : نزل بلغة مضر خاصة لقول عمر : نزل القران بلغة مضر. وعين بعضهم السبع من
مضر أنهم : هذيل ، وكنانة ، وقيس ، وضة ، وتيم الرباب ، وأسد بن خزيمة ، وقريش ،
فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات.
وقيل : انزل القرآن أولا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء ، ثم أبيح للعرب
أن يقرءوه بلغاتهم التى جرت عادتهم باستعمالها عن اختلافهم فى الألفاظ والإعراب ،
ولم يكلف أحدا منهم الانتقال عن لغته إلى لغة أخرى للمشقة ، ولما كان فيهم من
الحمية ، ولطلب تسهيل فهم المراد.
وقيل : المراد سبعة أصناف : أمر ، ونهى ، وحلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ،
وأمثال.
وقيل : المراد بها : الحذف ، والصلة ، والتقديم ، والتأخير ، والاستعارة ،
والتكرار ، والكناية ، والحقيقة ، والمجاز ، والمجمل ، والمفسر ، والظاهر ،
والغريب.
وقيل : المراد بها : التذكير ، والتأنيث ، والشرط ، والجزاء ، والتصريف ، والإعراب
، والأقسام وجوابها ، والجمع ، والإفراد ، والتصغير ، والتعظيم ، واختلاف الأدوات.
وقيل : المراد بها سبعة أنواع من المعاملات : الزهد ، والقناعة مع اليقين ، والجزم
، والخدمة مع الحياء ، والكرم ، والفتوة مع الفقر ، والمجاهدة ، والمراقبة مع
الخوف ، والرجاء ، والتضرع ، والاستغفار مع الرضا ، والشكر ، والصبر مع المحاسبة ،
والمحبة ، والشوق مع المشاهدة.
وقيل : إن المراد بها سبعة علوم : علم الإنشاء والإيجاد وعلم التوحيد والتنزيه ،
وعلم صفات الذات ، وعلم صفات الفعل ، وعلم صفات العفو والعذاب ، وعلم الحشر
والحساب ، وعلم النبوات.
(1/450)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 54
18 أسماؤه
قال الجاحظ : سمى اللَّه كتابه اسما مخالفا لما سمى العرب كلامهم على الجمل
والتفصيل ، سمى جملته قرآنا كما سموا ديوانا ، وبعضه سورة كقصيدة ، وبعضها اية
كالبيت ، وآخرها فاصلة كقافية.
و قيل : إن اللَّه سمى القرآن بخمسة وخمسين اسما : سماه كتابا ومبينا فى قوله : حم
وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. وقرآنا وكريما فى قوله : إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ
وكلاما : حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ونورا : وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً
مُبِيناً. وهدى ورحمة : هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وفرقانا : نَزَّلَ
الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ وشفاء : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ
وموعظة : قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ
وذكرا ومباركا : وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ وعليا : وَإِنَّهُ فِي أُمِّ
الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ وحكمة : حِكْمَةٌ بالِغَةٌ وحكيم : تِلْكَ
آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ومهيمنا : مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ وحبلا : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ وصراطا
مستقيما : وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً وقيما : (قيما لينذر به) وقولا وفصلا
: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ونبأ عظيما : عَم َّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ
الْعَظِيمِ
و أحسن الحديث ومثانى ومتشابها : اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً
مُتَشابِهاً مَثانِيَ وتنزيل : وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ وروحا :
أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ووحيا : إِنَّما أُنْذِرُكُمْ
بِالْوَحْيِ وعربيا : قُرْآناً عَرَبِيًّا وبصائر : هذا بَصائِرُ وبيانا : هذا
بَيانٌ لِلنَّاسِ وعلما : مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ وحقا : إِنَّ هذا
لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وهاديا : إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي وعجبا : (قرآنا
عجيبا) وتذكرة : وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ والعروة الوثقى : اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وصدقا : وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ عدلا : وَتَمَّتْ
كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا وأمرا : ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ
إِلَيْكُمْ
(1/451)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 55
و مناديا : يُنادِي لِلْإِيمانِ وبشرى : هُدىً وَبُشْرى ومجيدا : بَلْ هُوَ قُرْآنٌ
مَجِيدٌ وزبورا : وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ وبشيرا ونذيرا : كِتابٌ
فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً
وعزيزا : وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ وبلاغا : هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وقصصا :
أَحْسَنَ الْقَصَصِ.
رسماه أربعة أسماء فى آية واحدة : فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ. مَرْفُوعَةٍ
مُطَهَّرَةٍ.
فأما تسميته كتابا : فلجمعه أنواع العلوم والقصص والأخبار على أبلغ وجه.
والكتاب لغة : الجمع.
والمبين : لأنه أبان : أى أظهر الحق من الباطل.
وأما القرآن فاختلف فيه ، فقال جماعة : هو اسم على غير مشتق خاص بكلام اللَّه ،
فهو غير مهموز ، وبه قرأ ابن كثير ، وهو مروىّ عن الشافعى. فإنه كان يهمز قراءة
ولا يهمز القرآن ، ويقول : القرآن اسم وليس بمهموز ، ولم يؤخذ من قراءة ، ولكنه
اسم لكتاب اللَّه ، مثل التوراة والإنجيل.
و قال الأشعرى : هو مشتق من قرنت الشىء بالشىء : إذا ضممت أحدهما إلى الآخر ، وسمى
به القرآن السور والآيات والحروف فيه.
وقال الفراء : هو مشتق من القرائن ، لأن الآيات منه يصدق بعضها بعضا ، ويشابه
بعضها بعضا ، وهى قرائن.
وعلى القولين بلا همز أيضا ونونه أصلية.
وقال الزجاج : هذا القول سهو ، والصحيح أن ترك الهمز فيه من باب التخفيف ، ونقل
حركة الهمز إلى الساكن قبلها.
واختلف القائلون بأنه مهموز ، فقال قوم منهم اللحيانى : هو مصدر لقرأت ، كالرجحان
والغفران ، سمى به الكتاب المقروء ، من باب تسمية المفعول بالمصدر.
وقال آخرون : منهم الزجاج : هو وصف على فعلان ، مشتق من القرء ، بمعنى الجمع ،
ومنه : قرأت الماء فى الحوض أى جمعته
(1/452)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 56
قال أبو عبيدة : وسمى بذلك لأنه جمع السور بعضها إلى بعض.
وقال الراغب : لا يقال لكل جمع قرآن ، ولا لجمع كل كلام قرآن.
قال : وإنما سمى قرآنا لكونه جمع ثمرات الكتب السالفة المنزلة.
وقيل ، لأنه جمع أنواع العلوم كلها.
وحكى قطرب قال : إنه سمى قرآنا لأن القارىء يظهره ويبينه من فيه ، أخذا من قول
العرب ، ما قرأت الناقة سلاقط : أى ما رمت بولد ، أى ما أسقطت ولدا ، أى ما حملت
قط ، والقرآن يلقطه القارىء من فيه ويلقيه ، فسمى قرآنا.
وأما الكلام ، فمشتق من الكلم ، بمعنى التأثير ، لأنه يؤثر فى ذهن السامع فائدة لم
تكن عنده.
وأما النور ، فلأنه يدرك به غوامض الحلال والحرام.
وأما الهدى ، فلأن فيه الدلالة على الحق ، وهو من باب إطلاق المصدر على الفاعل
مبالغة.
وأما الفرقان ، فلأنه فرق بين الحق والباطل.
وأما الشفاء ، فلأنه يشفى من الأمراض القلبية ، كالكفر والجهل والغل ، والبدنية
أيضا.
وأما الذكر ، فلما فيه من المواعظ وأخبار الأمم الماضية ، والذكر أيضا الشرف ، قال
تعالى : وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ أى شرف ، لأنه بلغتهم.
و أما الحكمة ، فلأنّه نزل على القانون المعتبر من وضع كل شىء فى محله ، أو لأنه
مشتمل على الحكمة.
وأما الحكيم ، فلأنه أحكمت آياته بعجيب النظم وبديع المعانى ، وأحكمت عن تطرق
التبديل والتحريف والاختلاف والتباين.
وأما الهيمن ، فلأنه شاهد على جميع الكتب والأمم السالفة.
وأما الحبل ، فلأنه من تمسك به وصل إلى الجنة أو الهدى ، والحبل : السبب.
(1/453)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 57
و أما الصراط المستقيم ، فلأنه طريق إلى الجنة قويم لا عوج فيه.
وأما الثانى ، فلأنه فيه بيان قصص الأمم الماضية ، فهو ثان لما تقدمه ، وقيل :
لتكرار القصص والمواعظ فيه ، وقيل : لأنه نزل مرة بالمعنى ومرة باللفظ والمعنى ،
لقوله : إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى .
وأما المتشابه ، فلأنه يشبه بعضه بعضا فى الحسن والصدق.
وأما الروح ، فلأنه تحيا به القلوب والأنفس.
وأما المجيد ، فلشرفه.
وأما العزيز ، فلأنه يعزّ على من يروم معارضته.
وأما البلاغ ، فلأنه أبلغ به الناس ما أمروا به ونهوا عنه ، أو لأن فيه بلاغة
وكفاية عن غيره.
(1/454)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 58
19 أسماء السور
السورة ، تهمز ولا تهمز ، فمن همزها جعلها من : أسأرت ، أى أفضلت ، من السؤر ، وهو
ما بقى من الشراب فى الإناء ، كأنها قطعة من القرآن. ومن لم يهمزها جعلها من
المعنى المتقدم وسهل همزها.
ومنهم من يشبهها بسورة البناء ، أى القطعة منه ، أى منزلة بعد منزلة.
وقيل : من سور المدينة ، لإحاطتها بآياتها واجتماعها كاجتماع البيوت بالسور ، ومنه
السوار ، لإحاطته بالساعد. وقيل : لارتفاعها ، لأنها كلام اللَّه ، والسورة :
المنزلة الرفيعة ، قال النابغة :
ألم تر أن اللَّه أعطاك سورة ترى كل ملك حولها يتذبذب
و قيل : لتركيب بعضها على بعض ، من التسوّر ، بمعنى التصاعد والتركيب ، ومنه :
إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ.
وحدّ السورة قرآن يشتمل على آى ذى فاتحة وخاتمة ، وأقلها ثلاث آيات.
و قيل : السورة ، الطائفة المترجمة توقيفا ، أى المسماة باسم خاص بتوقيف من النبى
صلّى اللَّه عليه وسلم.
وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار.
وقد يكون للسورة اسم واحد وهو كثير ، وقد يكون لها اسمان فأكثر. من ذلك الفاتحة :
فلها نيف وعشرون اسما ، وذلك يدل على شرفها ، فإن كثرة الأسماء دالة على شرف
المسمى.
أحدها : فاتحة الكتاب ،
عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال : «هى أم القرآن ، وهى فاتحة الكتاب ،
وهى السبع المثانى»
و سميت بذلك لأنه يفتتح بها فى المصاحف وفى التعليم وفى القراءة فى الصلاة.
(1/455)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 59
و قيل : لأنها أول سورة نزلت.
وقيل : لأنها أول سورة كتبت فى اللوح المحفوظ.
وقيل : لأن الحمد فاتحة كل كلام.
وقيل : لأنها فاتحة كل كتاب.
ثانيها : فاتحة القرآن.
وثالثها ، ورابعها : أم الكتاب ، وأما القرآن.
واختلف لم سميت بذلك؟
فقيل : لأنها يبدأ بكتابتها فى المصاحف ، وبقراءتها فى الصلاة قبل السورة.
وقيل : سميت بذلك لتقدمها وتأخر ما سواها تبعا لها ، لأنها أمته ، أى تقدمته ،
ولهذا يقال لراية الحرب : أم ، لتقدمها واتباع الجيش لها ، ويقال لما مضى من سنى
إنسان : أمّ ، لتقدمها ، ولمكة : أم ، القرى ، لتقدمها على سائر القرى.
وقيل : أم الشىء أصله ، وهى أصل القرآن لانطوائها على جميع أغراض القرآن وما فيه
من العلوم والحكم.
وقيل : سميت بذلك لأنها أفضل السور ، كما يقال لرئيس القوم : أم القوم.
وقيل : لأن حرمتها ، كحرمة القرآن كله.
وقيل : لأن مفزع أهل الإيمان إليها ، كما يقال للراية : أم ، لأن مفزع العسكر
إليها.
وقيل : لأنها محكمة ، والمحكمات أم الكتاب.
خامسها : القرآن العظيم ،
فعن أبى هريرة أن النبى صلّى اللَّه عليه وسلم قال لأم القرآن : «هى أم القرآن ،
وهى السبع المثانى ، وهى القرآن العظيم».
وسميت بذلك لاشتمالها على المعانى التى فى القرآن.
سادسها : السبع المثانى ، أما تسميتها سبعا فلأنها سبع آيات.
وقيل : فيها سبعة آداب ، فى كل آية أدب.
(1/456)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 60
و قيل : لأنها خلت من سبعة أحرف : التاء والجيم والزاى والشين والظاء والفاء.
وأما المثانى : فيحتمل أن يكون مشتقا من الثناء ، لما فيها من الثناء على اللَّه
تعالى ، ويحتمل أن يكون من الثنيا ، لأن اللَّه استثناها لهذه الأمة ، ويحتمل أن
يكون من التثنية ، قيل : لأنها تثنى فى كل ركعة.
وقيل : لأنها تثنى بسورة أخرى.
وقيل : لأنها نزلت مرتين.
وقيل : لأنها نزلت على قسمين : ثناء ودعاء.
وقيل : لأنها كلما قراء العبد منها آية ثناه اللَّه بالإخبار عن فعله.
وقيل : لأنها اجتمع فيها فصاحة المبانى وبلاغة المعانى.
سابعها : الوافية ، لأنها وافية بما فى القرآن من المعانى.
وقيل : لأنها لا تقبل التنصيف ، فإن كل سورة من القرآن ، لو قرى نصفها فى ركعة ،
والنصف الثانى فى أخرى ، لجاز ، بخلافها.
وقيل : لأنها جمعت بين ما للَّه وبين ما للعبد.
ثامنها : الكنز ، لما تقدم فى أم القرآن.
تاسعها : الكافية ، لأنها تكفى فى الصلاة عن غيرها ولا يكفى غيرها عنها.
وعاشرها : الأساس ، لأنها أصل القرآن وأول سورة فيه.
حادى عشرها : النور.
ثانى عشرها ، وثالث عشرها : سورة الحمد ، وسورة الشكر.
رابع عشرها ، وخامس عشرها : سورة الحمد الأولى ، وسورة الحمد القصرى.
سادس عشرها وسابع عشرها ، وثامن عشرها : الراقية ، والشفاء ، والشافية.
وتاسع عشرها : سورة الصلاة ، لتوقف الصلاة عليها.
(1/457)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 61
و قيل : إن من أسمائها الصلاة أيضا ،
لحديث : «قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين»
أى السورة ، لأنها من لوازمها ، فهو من باب تسمية الشىء باسم لازمه ، وهذا الاسم
العشرون.
والحادى والعشرون : سورة الدعاء ، لاشتمالها عليه فى قوله : اهْدِنَا.
الثانى والعشرون : سورة السؤال.
الثالث والعشرون : سورة تعليم المسألة ، لأن فيها آداب السؤال ، لأنها بدئت.
بالثناء قبله.
الرابع والعشرون : سورة المناجاة ، لأن العبد يناجى فيها ربه بقوله : إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
والخامس والعشرون : سورة التفويض ، لاشتمالها عليه فى قوله : وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ.
ومن ذلك : (سورة البقرة) ، فإنها تسمى : فسطاط القرآن ، وذلك لعظمها ولما فيها من
الأحكام التى لم تذكر فى غيرها.
وفى حديث : سنام القرآن ، وسنام كل شىء : أعلاه.
(وآل عمران) ، فاسم آل عمران فى التوراة : طيبة ، وفى صحيح مسلم : تسميتها والبقرة
: الزهراوين.
(والمائدة) تسمى أيضا ، العقود ، والمنقذة. لأنها تنقذ صاحبها من ملائكة العذاب.
(والأنفال). قال ابن عباس : تلك سورة بدر.
(وبراءة) تسمى أيضا : التوبة ، لقوله : لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ
الآية.
والفاضحة.
قال ابن عباس : التوبة هى الفاضحة ، ما زالت تنزل : ومنهم ، ومنهم ، حتى ظننا أن
لا يبقى أحد منا إلا ذكر فيها.
(1/458)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 62
و عن عكرمة قال : قال عمر : ما فرغ من تنزيل براءة حتى ظننا أنه لم يبق منا أحد
إلا سينزل فيه ، وكانت تسمى الفاضحة ، وسورة العذاب.
وكان عمر بن الخطاب إذا ذكر له سورة براءة فقيل : سورة التوبة ، قال : هى إلى :
العذاب أقرب. ما كادت تقلع عن الناس حتى ما كادت تبقى منهم أحدا.
والمقشقشة ، عن زيد بن أسلم أن رجلا قال لابن عمر : سورة التوبة ، فقال : وأيّهن
سورة التوبة؟ فقال : براءة ، فقال : وهل فعل بالناس الأفاعيل إلا هى؟ ما كنا
ندعوها إلا المقشقشة ، أى المبرئة من النفاق والمنقرة.
وعن عبيد بن عمير قال : كانت تسمى براءة : المنقرة ، نقرت عما فى قلوب المشركين.
والبحوث ، بفتح الباء ، عن المقداد أنه قيل له : لو قعدت العام عن الغزو؟
قال : أتت علينا البحوث : يعنى براءة.
والحافرة ، لأنها حفرت عن المنافقين.
و المثيرة ، عن قتادة قال : كانت هذه السورة تسمى : الفاضحة ، فاضحة المنافقين ،
وكان يقال لها : المثيرة ، أنبأت بمثالبهم وعوراتهم.
ومن أسمائها : المبعثرة ، لأنها بعثرت عن أسرار المنافقين.
ومن أسمائها : المخزية ، والمتكلة ، والمشردة ، والمدمدمة.
(النحل) وتسمى : سورة النعم ، لما عد اللَّه فيها من النعم على عباده.
(الإسراء) تسمى أيضا : سورة سبحان ، وسورة بنى إسرائيل.
(الكهف) ويقال لها : سورة الكهف ، وتدعى فى التوراة : الحائلة ، لأنها تحول بين
قارئها وبين النار.
(طه) تسمى أيضا : سورة الكليم.
(الشعراء) وتسمى : بسورة الجامعة.
(1/459)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 63
(النمل) تسمى أيضا : سورة سليمان.
(السجدة) تسمى أيضا : المضاجع.
(فاطر) تسمى : سورة الملائكة.
(يس) سماها صلّى اللَّه عليه وسلم : قلب القرآن
، تدعى فى التوراة : المعمة ، تعم صاحبها بخيرى الدنيا والآخرة ، وتدعى : المدافعة
، والقاضية : تدفع عن صاحبها كل سوء ، وتقضى له كل حاجة.
(الزمر) تسمى : سورة الغرف.
(غافر) تسمى : سورة الطول ، والمؤمن ، لقوله تعالى فيها : وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ.
(فصلت) تسمى : السجدة ، وسورة المصابيح.
(الجاثية) تسمى : الشريعة ، وسورة الدهر.
(سورة محمّد صلّى اللَّه عليه وسلم) تسمى : القتال.
(ق) تسمى : بسورة الباسقات.
(اقتربت) تسمى : القمر ، وتدعى فى التوراة : المبيضة ، تبيض وجه صاحبها يوم تسود
الوجوه.
(الرحمن) سميت فى حديث : عروس القرآن.
(المجادلة) سميت : فى مصحف أبىّ : الظهار.
(الحشر) عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : سورة الحشر ، قال : قل : سورة بنى
النضير. كأنه كره تسميتها بالحشر لئلا يظن أن المراد يوم القيامة ، وإنما المراد
ها هنا إخراج بين النضير.
(الممتحنة) المشهور فى هذه التسمية أنها بفتح الحاء وقد تكسر ، فعلى الأول هى
(1/460)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 64
صفة المرأة التى نزلت السورة بسببها ، وعلى الثانى هى صفة السورة.
كما قيل لبراءة : الفاضحة ، وتسمى أيضا : سورة الامتحان ، وسورة المرأة.
(الصف) تسمى أيضا : سورة الحواريين.
(الطلاق) تسمى : سورة النساء القصرى.
(التحريم) يقال لها : سورة المتحرم ، وسورة ، لم تحرم! (تبارك) تسمى : سورة الملك.
وهى فى التوراة ، سورة الملك ، وهى المانعة ، تمنع من عذاب القبر. وقيل : هى
المانعة ، هى المنجية ، تنجيه من عذاب القبر.
والمجادلة ، تجادل يوم القيامة عند ربها لقارئها ، و
فى حديث أنس : أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سماها المنجية.
وعن ابن مسعود قال : كنا نسميها فى عهد الرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم :
المانعة. وتسمى أيضا : الواقية ، والمانعة.
(سأل) تسمى : المعارج ، والواقع.
(عم) يقال لها : النبأ ، والتساؤل ، والمعصرات.
(لم يكن) تسمى : سورة أهل الكتاب ، وكذلك سميت فى مصحف أبىّ ، وسورة البينة ،
وسورة القيامة ، وسورة البرية ، وسورة الانفكاك.
(أرأيت) تسمى : سورة الدين ، وسورة الماعون.
(الكافرون) تسمى ، المقشقشة ، وتسمى أيضا : سورة العبادة.
(النصر) تسمى : سورة التوديع ، لما فيها من الإيماء إلى وفاته صلّى اللَّه عليه
وسلم.
(تبت) تسمى : سورة المسد.
(الإخلاص) تسمى : الأساس ، لاشتمالها على توحيد اللَّه ، وهو أساس الدين.
(1/461)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 65
(الفلق) و(الناس) ، يقال لهما : المعوّذتان ، بكسر الواو ، والمشقشقتان.
و لا شك أن العرب تراعى فى كثير من المسميات أخذ أسمائها من نادر أو مستغرب يكون
فى الشىء من خلق أو صفة تخصه ، أو تكون معه أحكام أو أكثر أو أسبق ، لإدراك الرائى
للمسمى ، ويسمون الجملة من الكلام والقصيدة الطويلة بما هو أشهر فيها ، وعلى ذلك
جرت أسماء سورة القرآن ، كتسمية سورة البقرة بهذا الاسم لقرينة قصة البقرة
المذكورة فيها ، وعجيب الحكمة فيها ، وسميت سورة النساء بهذا الاسم لما تردّد فيها
شىء كثير من أحكام النساء ، وتسمية سورة الأنعام لما ورد فيها من تفصيل أحوالها ،
وإن كان ورد لفظ الأنعام فى غيرها ، إلا أن التفصيل الوارد فى قوله تعالى : وَمِنَ
الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً إلى قوله : أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ لم يرد فى
غيرها ، كما ورد ذكر النساء فى سور ، إلا أن ما تكرّر وبسط من أحكامهن لم يرد فى
غير سورة النساء. وكذا سورة المائدة لم يرد ذكر المائدة فى غيرها فسيمت بما يخصها.
فإن قيل : قد ورد فى سورة هو ذكر نوح وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى ، فلم خصت
باسم هود وحده مع أن قصة نوح فيها أو عب وأطول؟
قيل : تكررت هذه القصص فى سورة الأعراف ، وسورة هود والشعراء بأوعب مما وردت فى
غيرها ، ولم يتكرر فى واحدة من هذه السور الثلاث اسم هو كتكرره فى سورته ، فإنه
تكرر فيها فى أربعة مواضع ، والتكرار من أقوى الأسباب التى ذكرنا.
قال : فإن قيل : فقد تكرر اسم نوح فيها فى ستة مواضع؟
و قيل : لما أفرذت لذكر نوح وقصته مع قومه سورة برأسها فلم يقع فيها غير ذلك ،
وكانت أولى بأن تسمى باسمه من سورة تضمنت قصته وقصة غيره.
قلت : قد سميت سور جرت فيها قصص أنبياء بأسمائهم كسورة نوح ، وسورة هود ، وسورة
إبراهيم ، وسورة يونس ، وسورة آل عمران ، وسورة طس سليمان ، (م 5 - الموسوعة
القرآنية - ج 2)
(1/462)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 66
و سورة يوسف ، وسورة محمّد صلّى اللَّه عليه وسلم ، وسورة مريم ، وسورة لقمان ،
وسورة المؤمن ، وقصة أقوام ، كذلك سورة بنى إسرائيل ، وسورة أصحاب الكهف ، وسورة
الحجر ، وسورة سبأ ، وسورة الملائكة ، وسورة الجن ، وسورة المنافقون ، وسورة
المطففين ، ومع هذا. كله لم يفرد لموسى سورة تسمى به مع كثرة ذكره فى القرآن حتى
قال بعضهم : كاد القرآن أن يكون كله لموسى ، وكان أولى سورة أن تسمى به سورة طه ،
وسورة القصص ، أو الأعراف ، لبسط قصته فى الثلاثة ما لم يبسط فى غيرها ، وكذلك قصة
آدم ذكرت فى عدّة سور ولم تسمّ به سورة كأنه اكتفاء بسورة الإنسان ، وكذلك قصة
الذبيح من بدائع القصص ولم تسم به سورة الصافات ، وقصة داود ذكرت فى ص ولم تسم به.
وكما سميت السورة الواحدة بأسماء سميت سورة باسم واحد ، كالسور المسماة ، بآلم ،
والر ، على القول بأن فواتح السور بأسمائها.
(1/463)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 67
20 إعراب أسماء السور
ما سمى منها بجملة تحكى ، نحو : قُلْ أُوحِيَ وأَتى أَمْرُ اللَّهِ أو يفعل لا
ضمير فيه ، أعرب إعراب ، ما لا ينصرف ، إلا ما فى أوله همزة وصل ، فتقطع ألفه
وتقلب تاؤه هاء فى الوقف ، وتكتب هاء على سورة الوقف ، فتقول : فرأت (اقتربه) ،
وفى الوقف (اقتربّة).
أما الإعراب فلأنها صارت اسما ، والأسماء معربة إلا لموجب بناء.
وأما قطع الوصل ، فلأنها لا تكون فى الأسماء إلا فى ألفاظ محفوظة لا يقاس عليها.
وأما قلب تائها هاء ، فلأن ذلك حكم تاء التأنيث التى فى الأسماء.
وأما كتبها هاء ، فلأن الخط تابع للوقف غالبا.
وما سمى منها باسم ، فإن كان من حروف الهجاء ، وهو حرف واحد ، وأضفت إليه سورة ،
فهو موقوف لا إعراب فيه. وقيل : يجوز فيه وجهان : الوقف ، والإعراب.
أما الأول ، ويعبر عنه بالحكاية ، فلأنها حروف مقطعة تحكى كما هى.
وأما الثانى ، فعلى جعله أسماء لحروف الهجاء ، وعلى هذا يجوز صرفه ، بناء على
تذكير الحرف ، ومنعه بناء على تأنيثه.
فإن لم تضف إليه سورة ، لا لفظا ولا تقديرا ، فلك الوقف والإعراب مصروفا ، وممنوعا
، وإن كان أكثر من حرف ، فإن وازن الأسماء الأعجمية ، كطس ، وحم ، وأضيف إليه سورة
أم لا ، فلك الحكاية والإعراب ، ممنوعا لموازنة قابيل وهابيل ، وإن يوازن فإن أمكن
فيه التركيب كطسم ، واضيفت إليه سورة ، فلك الحكاية والإعراب ، إما مركبا مفتوح
النون كحضرموت ، أو معرب النون مضافا لما بعده ومصروفا وممنوعا ، على اعتقاد
التذكير والتأنيث ، وإن لم تضف إليه سورة فالوقف على الحكاية والبناء ، كخمسة عشر
، والإعراب ممنوعا ، وإن لم يكن التركيب فالوقف
(1/464)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 68
ليس إلا ، أضفت إليه سورة أم لا ، نحو : كهيعص ، وحمسق ، ولا يجوز إعرابه ، لأنه
لا نظير له فى الأسماء المعربة ، ولا تركيبه مزجا ، لأنه لا يركب كذلك أسماء
كثيرة.
وجاز إعرابه ممنوعا.
وما سمى منها باسم غير حرف هجاء ، فإن كان فيه اللام انجر ، نحو : الأنفال ،
والأعراف ، والأنعام ، وإلا منع الصرف ، إن لم تضف إليه سورة ، نحو : هذه هود ،
ونوح ، وقرأت هودا ، ونوحا.
وإن أصيفت بقى على ما كان عليه قبل.
فإن كان فيه ما يوجب المنع منع ، نحو : قرأت سورة يونس ، إلا صرف ، نحو :
سورة نوح ، وسورة هود.
(1/465)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 69
21 أقسام القرآن
قسم القرآن أربعة أقسام ، وجعل لكل قسم منه اسم.
فعن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال : «أعطيت مكان التوراة السبع الطوال ،
وأعطيت مكان الزبور المئين ، وأعطيت مكان الإنجيل المثانى ، وفضلت بالمفصل».
(1/466)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 70
22 جمعه وترتيبه
قبض النبى صلّى اللَّه عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع فى شىء ، ولم يجمع صلّى
اللَّه عليه وسلم القرآن فى المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو
تلاوته ، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم اللَّه الخلفاء الراشدين ذلك ، وفاء بوعده
الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة ، فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر. وقد
كان القرآن كتب كله فى عهد رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، لكن غير مجموع فى
موضوع واحد ، ولا مرتب السور.
وعن زيد بن ثابت قال : أرسل إلىّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب
عنده ، فقال أبو بكر : إن عمر أتانى فقال : إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقراء
القرآن ، وإنى أخشى أن يستحرّ القتل بالقراء فى المواطن فيذهب كثير من القرآن ،
وإنى أرى أن تأمر. بجمع القرآن فقلت لعمر : كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول اللَّه؟
قال عمر : هو واللَّه خير ، فلم يزل يراجعنى حتى شرح اللَّه صدرى لذلك ، ورأيت فى
ذلك الذى رأى عمر. قال زيد : قال أبو بكر :
إنك شاب عاقل لأنتهمك ، وقد كنت تكتب الوحى لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ،
فتتبع القرآن اجمعه ، فو اللَّه لو كلفونى نقل جبل ما كان أثقل علىّ مما أمرنى به
من جمع القرآن.
قلت : كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قال : هو
واللَّه خير ، فلم يزل أبو بكر يراجعنى حتى شرح اللَّه صدرى للذى شرح اللَّه له
صدر أبى بكر وعمر ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ، ووجدت
آخر سورة التوبة مع أبى خزيمة الأنصارى ، لم أجدها مع غيره : لَقَدْ جاءَكُمْ
رَسُولٌ حتى خاتمة براءة.
فكانت الصحف عند أبى بكر حتى توفاه اللَّه ، ثم عند عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت
عمر.
و
يقول علىّ : لما مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم آليت أن لا آخذ علىّ ردائى
إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن فجمعته.
(1/467)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 71
و
عن عكرمة قال : لما كان بعد بيعة أبى بكر قعد علىّ بن أبى طالب فى بيته ، فقيل
لأبى بكر : قد كره بيعتك ، فأرسل إليه ، فقال : أكرهت بيعتى؟ قال : لا واللَّه ،
قال : ما أقعدك عنى؟ قال : رأيت كتاب اللَّه يزاد فيه فحدثت نفسى ألا ألبس ردائى
إلا لصلاة حتى أجمعه ، قال له أبو بكر : فإنك نعم ما رأيت.
وقيل : إن عمر سأل عن آية من كتاب اللَّه ، فقيل : كانت مع فلان قتل يوم اليمامة.
فقال : إنا للَّه ، وأمر بجمع القرآن ، فكان أول من جمعه فى المصحف.
وعن ابن بريدة قال : أول من جمع القرآن فى مصحف سالم مولى أبى حذيفة ، أقسم لا
يرتدى برداء حتى يجمعه فجمعه.
ثم ائتمروا ما يسمونه ، فقال بعضهم : سموه السفر ، قال : ذلك تسمية اليهود :
فكرهوه ، فقال : رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحف ، فاجتمع رأيهم على أن يسموه
المصحف.
وقدم عمر فقال : من كان تلقى من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا من القرآن
فليأت به ، وكانوا يكتبون ذلك فى الصحف والألواح والعسب ، وكان لا يقبل من أحد
شيئا حتى يشهد شهيدان ، وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفى بمجرد وجدانه مكتوبا
حتى يشهد به من تلقاه سماعا ، مع كون زيد كان يحفظ ، فكان يفعل ذلك مبالغة فى
الاحتياط ، وقيل : إن أبا بكر قال لعمر ولزيد : اقعدا على باب المسجد ، فمن جاءكما
بشاهدين على شىء من كتاب اللَّه فاكتباه ، والمراد بالشاهدين الحفظ والكتاب وقيل :
المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدى رسول اللّه صلى الله عليه
وسلم ، أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التى نزل بها القرآن.
و كان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم لا من مجرد الحفظ ، ولذلك قال : زيد فى آخر سورة التوبة : لم أجدها مع غيره ،
أى لم أجدها مكتوبة مع غيره ، لأنه كان لاكتفى بالحفظ ، والمراد أنهما يشهدان على
أن ذلك مما عرض على النبى صلّى اللَّه عليه وسلم عام وفاته.
(1/468)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 72
و
عن الليث بن سعد قال : أول من جمع القرآن أبو بكر ، وكتبه زيد ، وكان الناس يأتون
زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية إلا بشاهدى عدل ، وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع
أبى خزيمة بن ثابت ، فقال : اكتبوها ، فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جعل
شهادته بشهادة رجلين ، فكتب ، وإن عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده.
وكتابة القرآن ليست بمحدثة ، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يأمر بكتابته ، ولكنه
كان مفرقا فى الرقاع والاكتاف والعسب ، فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان
مجتمعا ، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت فى بيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
فيها القرآن منتشرا ، فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شىء.
(1/469)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 73
23 جمع أبى بكر وعثمان للقرآن
و عن ابن شهاب قال : لما أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر وخاف أن يذهب من
القرآن طائفة ، فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم حتى جمع على عهد أبى بكر فى الورق
، فكان أبو بكر أول من جمع القرآن فى المصحف.
ويقول زيد بن ثابت : فأمرنى أبو بكر فكتبته فى قطع الأديم والعسب ، فلما توفى أبو
بكر وكان عمر ، كتبت ذلك فى صحيفة واحدة فكانت عنده.
و عن أنس : أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ، وكان يغازى أهل الشام فى فتح
أرمينية وأذربيجان ، مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم فى القراءة ، فقال
العثمان : أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل إلى حفصة ،
أن أرسلى إلينا الصحف ننسخها فى المصاحف ثم نردّها إليك ، فأرسلت بها إليه حفصة ،
فأمر زيد بن ثابت : عبد اللَّه بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن
الحارث بن هشام ، فنسخوها فى المصاحف.
وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شىء من
القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنه إنما نزل بلسانهم ، ففعلوا ، حتى إذا نسخوا
الصحف فى المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا.
وأمر بما سواه من القرآن فى كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
قال زيد : ففقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف ، قد كنت أسمع رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم ، يقرأ بها ، فالتمسناها فرجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصارى :
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فألحقناها فى
سورتها فى المصحف.
وكان ذلك فى سنة خمس وعشرين.
ويقال : إن المسلمين اختلفوا فى القرآن على عهد عثمان ، حتى اقتتل الغلمان
والمعلمون. فبلغ ذلك عثمان بن عفان فقال : عندى تكذبون به وتلحنون فيه! فمن نأى
(1/470)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 74
عنى كان أشد تكذيبا وأكثر لحنا ، يا أصحاب محمّد ، اجتمعوا فأكتبوا للناس إماما ،
فاجتمعوا فكتبوا ، فكانوا إذا اختلفوا وتدارءوا فى أى آية قالوا : هذه أقرأها رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلانا ، فيرسل إليه ، وهو على رأس ثلاث من المدينة ،
فيقال له : كيف أقرأك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم آية كذا وكذا؟ فيقول :
كذا وكذا ، فيكتبونها ، وقد تركوا لذلك مكانا.
و لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثنى عشر رجلا من قريش والأنصار ، فبعثوا
إلى الربعة التى فى بيت عمر فجىء بها ، وكان عثمان يتعاهدهم ، فكانوا إذا اندرءوا
فى شىء أخروه.
و
عن علىّ قال : لا تقولوا فى عثمان إلا خيرا. فو اللَّه ما فعل الذى يفعل فى
المصاحف إلا عن ملأ منا ، قال : ما تقولون فى هذه القراءة ، فقد بلغنى أن بعضهم
يقول : إن قراءتى خير من قراءتك ، وهذا يكاد يكون كفرا ، قلنا : فما ترى؟ قال أرى
أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف ، قلنا : فنعم ما رأيت.
والفرق بين جمع أبى كبر وجمع عثمان أن جمع أبى بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن
شىء يذهاب حملته ، لأنه لم يكن مجموعا فى موضع واحد ، فجمعه فى صحائف مرتبا لآيات
سورة على ما وقفهم عليه النبى صلّى اللَّه عليه وسلم ، وجمع عثمان كان لما كثر
الاختلاف فى وجوه القراءة حتى قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات ، فأدى ذلك بعضهم
إلى تخطئة بعض ، فخشى من تفاقم الأمر فى ذلك ، فنسخ تلك الصحف فى مصحف واحد مرتبا
لسوره ، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم ، وإن كان قد
وسع فى قراءته بلغة غيرهم ، رفعا للحرج والمشقة فى ابتداء الأمر ، فرأى أن الحاجة
إلى ذلك قد انتهت ، فاقتصر على لغة واحدة.
ولم يقصد عثمان قصد أبى بكر فى جمع نفس القرآن بين لوحين ، وإنما قصد جمعهم على
القراءات الثابتة المعروفة عن النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، وإلغاء ما ليس كذلك
، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل أثبت مع تنزيل ، ولا منسوخ
(1/471)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 75
تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته ، وحفظه خشية دخول الفساد والشبهة على من
يأتى بعد.
و اختلف فى عدة المصاحف التى أرسل بها عثمان إلى الآفاق ، المشهور أنها خمسة ،
وقيل : أرسل عثمان أربعة مصاحف. وقيل : كتب سبعة مصاحف ، فأرسل إلى مكة ، والشام ،
وإلى اليمن ، وإلى البحرين ، وإلى البصرة ، وإلى الكوفة ، وحبس بالمدينة واحدا.
(1/472)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 76
24 ترتيب الآيات
و الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توفيقى لا شبهة فى ذلك.
أما الإجماع فنقله غير واحد ، وقالوا : ترتيب الآيات فى سورها واقع بتوقيفه صلّى
اللَّه عليه وسلم ، وأمره من غير خلاف فى هذا بين المسلمين.
وأما النصوص ، فمنها
حديث زيد : «كنا عند النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، نؤلف القرآن من الرقاع»
و منها
قول ابن عباس : قلت لعثمان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال ، وهى من المثانى
، وإلى براءة ، وهى من المئين ، فقرنتم بينهما ، ولم تكتبوا بينهما سطر بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ووضعتموهما فى السبع الطوال؟ فقال - عثمان : كان
رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، تنزل عليه السورة ذات العدد ، فكان إذا نزل
عليه الشىء دعا بعض من كان يكتب فيقول : ضعوا هؤلاء الآيات فى السورة التى يذكر
فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة ، وكانت براءة آخر القرآن
نزولا ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فظننت أنها منها ، فقبض رسول اللَّه صلّى الله
عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر
: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ووضعتها فى السبع الطوال.
ومنها :
قول عثمان بن أبى العاص : كنت جالسا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذ شخص
ببصره ثم صوّبه ثم قال : أتانى جبريل فأمرنى أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه
السورة : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي
الْقُرْبى إلى آخرها.
و منها : قول ابن الزبير : قلت لعثمان : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ
وَيَذَرُونَ أَزْواجاً قد نسختها الآية الأخرى ، فلم تكتبها أو تدعها؟ قال : يا بن
أخى ، لا أغير شيئا منه من مكانه.
(1/473)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 77
و منها :
قول عمر : «ما سألت النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، عن شىء أكثر مما سألته عن
الكلالة ، حتى طعن بإصبعه فى صدرى ، وقال : تكفيك آية الصيف التى فى آخر سورة
النساء».
ومنها : الأحاديث فى خواتيم سورة البقرة.
ومنها :
قول أبى الدرداء : «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال».
ومن النصوص الدالة على ذلك إجمالا : ما ثبت من قراءته صلّى اللَّه عليه وسلم لسورة
عديدة ، كسورة البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والأعراف ، وقد أفلح ، والروم ،
والم تنزيل ، وهل أتى على الإنسان ، والرحمن ، واقتربت ، والجمعة ، والمنافقون ،
والصف ، وتدل قراءته صلّى اللَّه عليه وسلم لها بمشهد من الصحابة أن ترتيب آياتها
توقيفى ، وما كان الصحابة ليرتبوا ترتيبا سمعوا النبى صلّى اللَّه عليه وسلم ،
يقرأ على خلافه ، فبلغ ذلك مبلغ التواتر.
ويروى عن الزبير أنه قال : أنى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر سورة براءة
فقال : أشهد أنى سمعتها من رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، ووعيتهما ، فقال
عمر : وأنا أشهد ، لقد سمعتهما ، ثم قال : لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة
، فانظروا آخر سورة من القرآن فألحقوها فى آخرها
، وظاهر هذا أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم ، وسائر الأخبار تدل على أنهم
لم يفعلو شيئا من ذلك إلا بتوقيف.
و
عن أبىّ بن كعب أنهم جمعوا القرآن ، فلما انتهوا إلى الآية التى فى سورة براءة :
ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ
ظنوا أن هذا آخر ما أنزل ، فقال أبىّ : إن رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ،
أقرأنى آيتن : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ إلى آخر السورة.
وترتيب الآيات فى السور بأمر من النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، ولم يأمر بذلك فى
أول براءة تركت بلا بسملة. وقيل : ترتيب الآيات أمر واجب وحكم لازم ، فقد كان
جبريل يقول : ضعوا آية كذا فى موضع كذا. والذى نذهب إليه أن جميع القرآن الذى
انزله اللَّه وأمر بإثبات رسمه ولم ينسخه ولا رفع تلاوته بعد نزوله هو هذا الذى
بين الدفتين الذى حواه مصحف عثمان ، وأنه لم ينقص منه شى ءو لا زيد فيه ، وأن
ترتيبه ونظمه ثابت على ما نظمه اللَّه تعالى ، ورتبه عليه رسوله من آى السور ، لم
يقدم
(1/474)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 78
من ذلك مؤخر ، ولا أخر منه مقدم ، وإن الأمة ضبطت عن النبى صلّى اللَّه عليه وسلم
ترتيب آى كل سورة ومواضعها وعرفت مواقعها ، كما ضبطت عنه نفس القراءات وذات
التلاوة ، وأنه يمكن أن يكون الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم قد رتب سوره ، وأن يكون
قد وكل ذلك إلى الأمة بعده ولم يتولّ ذلك بنفسه.
وقال مالك : إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعون من النبى صلّى اللَّه عليه وسلم.
و قال البغوى : الصحابة رضى اللَّه عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذى أنزله
اللَّه على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئا خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته ،
فكتبوه كما سمعوا من رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، من غير أن قدموا شيئا
وأخروا ، أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ،
وكان رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من
القرآن على الترتيب الذى هو الآن فى مصاحفنا ، بتوقيف جبريل إياه على ذلك ،
وإعلامه عند نزول كل آية ، أن هذه الآية تكتب عقب آية كذا فى سورة كذا ، فثبت أن
سعى الصحابة كان فى جمعه فى موضع واحد لا فى ترتيبه ، فإن القرآن مكتوب فى اللوح
المحفوظ على هذا الترتيب ، أنزله اللَّه جملة إلى السماء الدنيا ، ثم كان ينزله
مفرّقا عند الحاجة. وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة.
و
قال ابن الحصار : ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحى ، كان رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول : ضعوا آية كذا فى موضع كذا
، وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من تلاوة رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم ، ومما أجمع الصحابة على وضعه هكذا فى المصحف.
وأما ترتيب السورة ، فهل هو توقيفى أيضا؟ أو باجتهاد من الصحابة؟.
فجمهور العلماء على الثانى.
قال ابن فارس : جمع القرآن على ضربين : أحدهما تأليف السور ، كتقديم السبع الطوال
وتعقيبها بالمئين ، فهذا هو الذى تولته الصحابة ، وأما الجمع الآخر ، وهو جمع
الآيات فى السور فهو توقيفى ، تولاه النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، كما أخبر به
جبريل عن أمر ربه مما استدل به ، ولذلك اختلاف مصاحف السلف فى ترتيب السور. فمنهم
من ربّها على النزول ، وهو مصحف علىّ ، كان أوله : اقرأ ، ثم المدثر ، ثم نون ، ثم
(1/475)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 79
المزمل ، ثم تبت ، ثم التكوير ، وهكذا إلى آخر المكى والمدنى ، وكان أول مصحف ابن
مسعود ، البقرة ، ثم النساء ، ثم المزمل ، ثم آل عمران ، على اختلاف شديد ، وكذا
مصحف أبىّ وغيره.
وعن أبى محمّد القرشى قال : أمرهم عثمان أن يتابعوا الطوال ، فجعلت سورة الأنفال
وسورة التوبة فى السبع ، ولم يفصل بينهما بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
و
قال أبو بكر بن الأنبارى : أنزل اللَّه القرآن كله إلى سماء الدنيا ثم فرّقه فى
بضع وعشرين ، فكانت السورة تنزل لأمر يحدث ، والآية جوابا لمستخبر ، ويوقف جبريل
النبى صلّى اللَّه عليه وسلم على موضع الآية والسورة ، فاتساق السور كاتساق الآيات
والحروف كلها عن النبى صلّى اللَّه عليه وسلم ، فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد
نظم القرآن.
(1/476)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 80
25 السبع الطوال
أولها البقرة وآخرها براءة. كذا قال جماعة.
وقال ابن عباس : السبع الطوال : البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ،
والأنعام ، والأعراف ، ويونس.
والمئون : ما وليها ، سميت بذلك لأن كل سورة منها تزيد على مائة آية أو تقاربها.
والمثانى : ما ولى المئين ، لأنها ثنتها ، أى كانت بعدها فهى لها ثوان ، والمئون
لها أوائل.
وقال الفراء : هى السورة التى آيها أقل من مائة آية ، لأنها تثني أكثر مما يثنى
الطوال والمئون. وقيل : لتثنية الأمثال فيها بالعبر والخبر.
وقد تطلق على القرآن كله وعلى الفاتحة.
والمفصل : ما ولى الثانى من قصار السور ، سمى بذلك لكثرة الفصول التى بين السور
بالبسملة.
وقيل : لقلة المنسوخ منه ، ولهذا يسمى بالمحكم أيضا ، وعن سعيد بن جبير قال : إن
الذى تدعونه المفصل هو المحكم ، وآخره سورة الناس بلا نزاع.
وللمفصل طوال وأوساط وقصار ، فطواله إلى عم ، وأوساطه منها إلى الضحى ، ومنها إلى
آخر القرآن قصاره.
(1/477)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 81
26 مصحف أبى
هذا تأليف مصحف أبى : الحمد ، ثم البقرة ، ثم النساء ، ثم آل عمران ، ثم الأنعام ،
ثم الأعراف ، ثم المائدة ، ثم يونس ، ثم الأنفال ، ثم براءة ، ثم هود ، ثم مريم ،
ثم الشعراء ، ثم الحج ، ثم يوسف ، ثم الكهف ، ثم النحل ، ثم الأحزاب ، ثم بنى
إسرائيل ، ثم الزمز ، أولها حم ، ثم طه ، ثم الأنبياء ، ثم النور ، ثم المؤمنون ،
ثم سبأ ، ثم العنكبوت ، ثم المؤمن ، ثم الرعد ، ثم القصص ، ثم النمل ، ثم الصافات
، ثم ص ، ثم يس ، ثم الحجر ، ثم حمعسق ، ثم الروم ، ثم الحديد ، ثم الفتح ، ثم
القتال ، ثم الظهار ، ثم تبارك الملك ، ثم المسجدة ، ثم إنا أرسلنا نوحا ، ثم
الأحقاف ، ثم ق ، ثم الرحمن ، ثم الواقعة ، ثم السجدة ، ثم إنا أرسلنا نوحا ، ثم
الأحقاف ، ثم ق ، ثم الرحمن ، ثم الواقعة ، ثم الجن ، ثم النجم ، ثم سأل سائل ، ثم
المزمل ، ثم المدثر ، ثم اقتربت ، ثم حم الدخان ، ثم لقمان ، ثم الجاثية ، ثم
الطور ، ثم الذاريات ، ثم ن ، ثم الحاقة ، ثم الحشر ، ثم الممتحنة ، ثم المرسلات ،
ثم عم يتساءلون ، ثم لا أقسم بيوم القيامة ، ثم إذا الشمس كورت ، ثم يا أيها النبى
إذا طلقتم النساء ، ثم النازعات ، ثم التغابن ، ثم عبس ، ثم المطففين ، ثم إذا
السماء انشقت ، ثم والتين والزيتون ، ثم اقرأ باسم ربك ، ثم الحجرات ، ثم المنافقون
، ثم الجمعة ، ثم لم تحرم ، ثم الفجر ، ثم لا أقسم بهذا البلد ، ثم والليل ، ثم
إذا السماء انفطرت ، ثم والشمس وصحاها ، ثم والسماء والطارق ، ثم سبح اسم ربك ، ثم
الغاشية ، ثم الصف ، ثم التغابن ، ثم سورة أهل الكتاب وهى لك يكن ، ثم الضحى ، ثم
ألم نشرح ، ثم القارعة ، ثم التكاثر ، ثم العصر ، ثم سورة الخلع ، ثم سورة الحقد ،
ثم ويل لكل همزة ، ثم إذا زلزلت ، ثم العاديات ، ثم الفيل ، ثم لئيلاف قريش ، ثم
أرأيت ، ثم إنا أعطيناك ، ثم القدر ، ثم الكافرون ، ثم إذا جاء نصر اللَّه ، ثم
تبت ، ثم الصمد ، ثم الفلق ، ثم الناس.
( - 6 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/478)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 82
27 مصحف عبد اللَّه بن مسعود
تأليف مصحف عبد اللَّه بن مسعود.
الطوال : البقرة ، والنساء ، وآل عمران ، والأعراف ، والأنعام ، والمائدة ، ويونس.
والمئين : براءة ، والنحل ، وهود ، ويوسف ، والكهف ، وبنى إسرائيل ، والأنبياء ،
وطه ، والمؤمنون ، والشعراء ، والصافات.
والمثانى : الأحزاب ، والحج ، والقصص ، و(النمل ، والنور ، والأنفال ، ومريم ،
والعنكبوت ، والروم ، ويس ، والفرقان ، والحجر ، والرعد ، وسبأ ، والملائكة ،
وإبراهيم ، وص ، والذين كفروا ، ولقمان ، والزمر ، والحواميم : حم المؤمن ،
والزخرف ، والسجدة ، حمعسق ، والأحقاف ، والجاثية ، والدخان ، والممتحنات ، إنا
فتحنا لك ، والحشر ، ولم تنزيل ، السجد ، والطلاق ، ون والقلم ، والحجرات ، وتبارك
، والتغابن ، وإذا جاءك المنافقون ، والجمعة ، والصف ، وقل أوحى ، وإنا أرسلنا ،
والمجادلة ، والممتحنة ، ويا أيها النبى لم تحرم.
والمفصل : الرحمن ، والنجم ، والطور ، والذاريات ، واقتربت الساعة ، والواقعة ،
والنازعات ، وسأل سائل ، والمدثر ، والمزمل ، والمطففين ، وعبس ، وهل أتى ،
والمرسلات ، والقيامة ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كوّرت ، وإذا السماء انفطرت ،
والغاشية ، وسبح ، والليل ، والفجر ، والبروج ، وإذا السماء انشقت ، واقرأ باسم
ربك ، والبلد ، والضحى ، والطارق ، والعاديات ، وأرأيت ، والقارعة ، ولم يكن ،
والشمس وضحاها ، والتين ، وويل لكل همزة ، وأ لم تر كيف ، ولئيلاف قريش ، وألهاكم
، وإنا أنزلناه ، وإذا زلزلت ، والعصر ، وإذا جاء نصر اللَّه. والكوثر ، وقل يا
أيها الكافرون ، وتبت ، وقل هو اللَّه أحد ، وألم نشرح.
وليس فيه الحمد ولا المعوذتان.
(1/479)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 83
28 عدد السور
أما سوره فمائة وأربع عشرة سورة بإجماع من يعتدّ به ، وقيل : وثلاث عشرة ، بجعل
الأنفال وبراءة سورة واحدة.
وفى مصحف ابن مسعود : مائة واثنتا عشرة سورة ، لأنه لم يكتب المعوذتين.
و فى مصحف أبىّ : ست عشرة ، لأنه كتب فى آخره سورتى الحقد والخلع ، وعلى حين كتب
أبىّ بن كعب فى مصحفه فاتحة الكتاب ، والمعوّذتين ، واللهم إنّا نستعينك ، واللهم
إياك نعبد ، وتركهن ابن مسعود.
والحكمة فى تسوير القرآن سورا تحقيق كون السورة بمجردها معجزة ، وآية من آيات
اللَّه ، والإشارة إلى أن كل سورة نمط مستقل ، فسورة يوسف تترجم عن قصته ، وسورة
إبراهيم تترجم عن قصته ، وسورة براءة تترجم عن أحوال المنافقين وأسرارهم ، إلى غير
ذلك.
والسور سورا طوالا وأوساطا وقصارا ، وتنبيها على أن الطول ليس من شرط الإعجاز ،
فهذه سورة الكوثر ثلاث آيات وهى معجزة إعجاز سورة البقرة ، ثم ظهرت لذلك حكمة فى
التعليم وتدريج الأطفال من السور القصار إلى ما فوقها تيسيرا من اللَّه على عباده
لحفظ كتابه.
الفائدة فى تفصيل القرآن وتقطيعه سورا ، كثيرة :
منها : الجنس إذا انطوت تحته أنواع وأصناف كان أحسن وأفخم من أن يكون بابا واحدا.
ومنها : أن القارىء إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ فى آخر كان أنشط له
وأبعث على التحصيل منه لو استقر على الكتاب بطوله ، ومن ثم جزىء القرآن أجزاء
وأخماسا.
ومنها : أن الحافظ إذا حذق السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب اللَّه طائفة مستقلة
بنفسها فيعظم عنده ما حفظه.
(1/480)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 84
29 عدد الآى
حدّ الآية قرآن مركب من جمل ولو تقديرا ، ذو مبدأ ومقطع مندرج فى سورة ، وأصلها
العلامة. ومنه : (إن آية ملكه) ، لأنها علامة للفضل والصدق ، والجماعة ، لأنها
جماعة كلمة.
وقيل : الآية : طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها وما بعدها.
وقيل : هى الواحدة من المعدودات فى السور ، سميت به لأنها علامة على صدق من أتى
بها ، وعلى عجز المتحدى بها.
وقيل : لأنها علامة على انقطاع ما قبلها من الكلام وانقطاعه مما بعدها.
وقال أبو عمرو الدانى : لا أعلم كلمة هى وحدها آية إلا قوله :
مُدْهامَّتانِ.
و قال غيره : بل فيه غيرها ، مثل : والنجم ، والضحى ، والعصر ، وكذا فواتح السور ،
عند من عدها.
والصحيح أن الآية إنما تعلم بتوقيف من الشارع كمعرفة السورة فالآية طائفة من حروف
القرآن علم بالتوقيف انقطاعها معنى عن الكلام الذى بعدها فى أول القرآن ، وعن
الكلام الذى قبلها فى آخر القرآن ، وعما قبلها وما بعدها فى غيرهما ، غير مشتمل
على مثل ذلك.
وبهذا القيد خرجت السورة.
وقال الزمخشرى : الآيات ، علم توقيفى لا مجال للقياس فيه ، ولذلك عدّوا (الم) آية
حيث وقعت ، والمص ، ولم يعدّوا : المر ، والر ، وعدوا (حم) آية فى سورها ، وطه ،
ويس ، ولم يعدوا (طس).
ومما يدل على أنه توقيفى
قول ابن مسعود : أقرأنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ، سورة من الثلاثين من
آل حم. يعنى الأحقاف.
(1/481)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 85
و قال : كانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت الثلاثين.
وتعديد الآى من معضلات القرآن ، وفى آياته طويل وقصير ، ومنه ما ينقطع ، ومنه ما
ينتهى إلى تمام الكلام ، ومنه ما يكون فى أثنائه.
وسبب الاختلاف فى عدد الآى أن النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، كان يقف على رءوس
الآى للتوقيف ، فإذا علم محلها وصل للتمام ، فيحسب السامع حينئذ أنها ليست فاصلة.
وعن ابن عباس قال : جميع آى القرآن ستة آلاف آية وستمائة آية وست عشرة آية ، وجميع
حروف القرآن ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألف حرف وستمائة حرف وأحد وسبعون
حرفا.
وقد أجمعوا على أن عدد آيات القرآن ستة آلاف آية ، ثم اختلفوا فيما زاد على ذلك ،
فمنهم من لم يزد ، ومنهم من قال : ومائتا آية وأربع آيات ، وقيل : وأربع عشرة ،
وقيل : وتسع عشرة ، وقيل : وخمس وعشرون ، وقيل : وست وثلاثون.
وتقسم سور القرآن إلى ثلاثة أقسام :
قسم لم يختلف فيه لا فى إجمالى ولا فى تفصيلى وقسم اختلف فيه تفصيلا لا إجمالا.
وقسم اختلف فيه إجمالا وتفصيلا.
فالأول : أربعون سورة.
يوسف : مائة وإحدى عشرة.
الحجرات : تسع وتسعون.
النحل : مائة وثمانية وعشرون.
الفرقان : سبع وسبعون.
الأحزاب : ثلاث وسبعون.
(1/482)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 86
الفتح : تسع وعشرون.
الحجرات ، والتغابن : ثمان عشرة.
ق : خمس وأربعون.
الذاريات : ستون.
القمر : خمس وخمسون.
الحشر : أربع وعشرون.
الممتحنة : ثلاث عشرة.
الصف : أربع عشرة.
الجمعة ، والمنافقون ، والضحى ، والعاديات : إحدى عشرة إحدى عشرة.
التحريم : اثنتا عشرة.
ن : اثنتان وخمسون.
الإنسان : إحدى وثلاثون.
المرسلات : خمسون.
التكوير : تسع وعشرون.
الانفطار ، وسبح : تسع عشرة.
التطفيف : ست وثلاثون.
البروج : اثنتان وعشرون.
الغاشية : ست وعشرون.
البلد : عشرون.
الليل : إحدى وعشرون.
ألم نشرح ، والتين ، وألهاكم : ثمان.
(1/483)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 87
الهمزة : تسع.
الفيل ، والفلق ، وتبت : خمس.
الكافرون : ست.
الكوثر ، والنصر : ثلاث.
والقسم الثانى : أربع سور.
القصص : ثمان وثمانون ، عدّ أهل الكوفة طسم والباقون بدلها : أُمَّةً مِنَ
النَّاسِ يَسْقُونَ.
العنكبوت : تسع وستون ، عدّ أهل الكوفة الم والبصرة بدلها مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ والشام وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ.
الجن : ثمان وعشرون ، عدّ المكى لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ ، والباقون
بدلها وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً.
والعصر : ثلاث ، عدّ المدنى الأخير وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ دون وَالْعَصْرِ.
وعكس الباقون.
والقسم الثالث سبعون.
سورة الفاتحة ، الجمهور : سبع ، فعدّ الكوفى والمكى والبسملة دون : أَنْعَمْتَ
عَلَيْهِمْ وعكس الباقون. وقال الحسن : ثمان فعدهما ، وبعضهم ست ، فلم يعدهما ،
وآخر تسع ، فعدهما إِيَّاكَ نَعْبُدُ.
البقرة : مائتان وثمانون وخمس ، وقيل : ست ، وقيل : سبع.
آل عمران : مائتان ، وقيل : إلا آية.
النساء : مائة وسبعون وخمس ، وقيل : ست ، وقيل : سبع.
المائدة : مائة وعشرون ، وقيل : واثنتان ، وقيل : ثلاث.
الأنعام : مائة وستون وخمس ، وقيل : ست ، وقيل : سبع.
(1/484)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 88
الأعراف : مائتان وخمس ، وقيل : ست.
الأنفال : سبعون وخمس ، وقيل : ست ، وقيل : سبع.
براءة : مائة وثلاثون ، وقيل : إلا آية.
يونس : مائة وعشرة ، وقيل : إلا آية.
هود : مائة وإحدى وعشرون ، وقيل : اثنتان ، وقيل : ثلاث.
الرعد : أربعون وثلاث ، وقيل : أربع ، وقيل : سبع.
إبراهيم : إحدى وخمسون ، وقيل : اثنتان ، وقيل : أربع ، وقيل : خمس.
الإسراء : مائة وعشر ، وقيل : وإحدى عشرة.
الكهف : مائة وخمس ، وقيل : وست ، وقيل : وعشر ، وقيل : وإحدى عشرة.
مريم : تسعون وتسع ، وقيل : ثمان.
طه : مائة وثلاثون واثنتان ، وقيل : أربع ، وقيل : خمس ، وقيل : وأربعون.
الأنبياء : مائة وإحدى عشرة ، وقيل : واثنتا عشرة.
الحج : سبعون وأربع ، وقيل : وخمس ، وقيل : وست ، وقيل : وثمان.
قد أفلح : مائة وثمان عشرة ، وقيل : تسع عشرة.
النور : ستون واثنتان ، وقيل : أربع.
الشعراء : مائتان وعشرون وست ، وقيل : سبع.
النمل : تسعون واثنتان ، وقيل : أربع ، وقيل : خمس.
الروم : ستون ، وقيل : إلا آية.
لقمان : ثلاثون وثلاث ، وقيل : أربع.
السجدة : ثلاثون ، وقيل : إلا آية.
(1/485)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 89
سبأ : خمسون وأربع ، وقيل : خمس.
فاطر : أربعون وست. وقيل : خمس.
يس : ثمانون وثلاث ، وقيل : اثنتان.
الصافات : مائة وثمانون وآية ، وقيل : آيتان.
ص : ثمانون وخمس ، وقيل : ست ، وقيل : ثمان.
الزمر : سبعون وآيتان ، وقيل : ثلاث ، وقيل : خمس.
غافر : ثمانون وآيتان ، وقيل : أربع ، وقيل : خمس ، وقيل : ست.
فصلت : خمسون واثنتان ، وقيل : ثلاث ، وقيل : أربع.
الشورى : خمسون ، وقيل : ثلاث.
الزخرف : ثمانون وتسع ، وقيل : ثمان.
الدخان : خمسون وست ، وقيل : سبع ، وقيل : تسع.
الجاثية : ثلاثون وست ، وقيل : سبع.
الأحقاف : ثلاثون وأربع ، وقيل : خمس.
القتال : أربعون ، وقيل : إلا آية ، وقيل : إلا آيتين.
الطور : أربعون وسبع ، وقيل : ثمان ، وقيل : تسع.
النجم : إحدى وستون ، وقيل : إثنتان.
والرحمن : سبعون وسبع ، وقيل : ست. وقيل : ثمانون.
الواقعة : تسعون وتسع ، وقيل : سبع ، وقيل : ست.
الحديد : ثلاثون وثمان ، وقيل : تسع.
قد سمع : اثنتان ، - وقيل : إحدى - وعشرون.
الطلاق : إحدى عشرة ، وقيل : اثنتا عشرة.
(1/486)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 90
تبارك : ثلاثون : وقيل : إحدى وثلاثون بعد قالوا : بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ
والصحيح الأول.
الحاقة : إحدى - وقيل : اثنتان - وخمسون.
المعارج : أربعون وأربع ، وقيل : ثلاث.
نوح : ثلاثون ، وقيل : إلا آية ، وقيل : إلا آيتين.
المزمل : عشرون ، وقيل : إلا آية ، وقيل : إلا آيتين.
المدثر : خمسون وخمس ، وقيل : ست.
القيامة : أربعون ، وقيل : إلا آية.
عم : أربعون ، وقيل : وآية.
النازعات : أربعون وخمس ، وقيل : ست.
عبس : أربعون ، وقيل : وآية ، وقيل : وآيتان.
الاشتقاق : عشرون وثلاثة ، وقيل : أربع ، وقيل : خمس.
الطارق : سبع عشرة ، وقيل : ست عشرة.
الفجر : ثلاثون ، وقيل : إلا آية ، وقيل : اثنتان وثلاثون.
الشمس : خمس عشرة ، وقيل : ست عشرة.
اقرأ : عشرون ، وقيل : إلا آية.
القدر : خمس ، وقيل : ست.
لم يكن : ثمان ، وقيل : تسع.
الزلزلة : تسع ، وقيل : ثمان.
القارعة : ثمان ، وقيل : عشر ، وقيل : إحدى عشرة.
قريش : أربع ، وقيل : خمس.
(1/487)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 91
أرأيت : سبع ، وقيل : ست.
الإخلاص : أربع ، وقيل : خمس.
الناس : سبع ، وقيل : ست.
ويترتب على معرفة الآى وعدّها وفواصلها أحكام فقهية.
منها : اعتبارها فيمن جهل الفاتحة ، فإنه يجب عليه بدلها سبع آيات.
ومنها : اعتبارها فى الخطبة ، فإنه يجب فيها قراءة آية كاملة ، ولا يكفى شطرها ،
إن لم تكن طويلة.
ومنها : اعتبارها فى السورة التى تقرأ فى الصلاة أو ما يقوم مقامها.
ومنها : اعتبارها فى قراءة الليل.
ففى أحاديث : من قرأ بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ بخمسين آية فى ليلة
كتب من الحافظين ، ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ بمائتى آية كتب من
الفائزين ، ومن قرأ بثلثمائة آية كتب له قنطار من الأجر ، ومن قرأ بخمسمائة وبسبعمائة
وألف آية.
ومنها : اعتبارها فى الوقف عليها.
(1/488)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 92
30 عدد كلمات القرآن
و عدّ قوم كلمات القرآن سبعة وسبعين ألف كلمة وتسعمائة وأربعا وثلاثين كلمة.
وقيل : وأربعمائة وسبعا وثلاثين.
وقيل : مائتان وسبع وسبعون ، وقيل غير ذلك.
وقيل : وسبب الاختلاف فى عد الكلمات أن الكلمة لها حقيقة ومجاز ولفظ ورسم واعتبار
، كل منها جائز ، وكل من العلماء اعتبر أحد الجوائز. والقرآن العظيم له أنصاف
باعتبارات :
فنصفه بالحروف : النون من : نُكْراً فى الكهف ، والكاف من النصف.
الثانى.
ونصفه بالكلمات (الدال) من قوله : وَالْجُلُودُ فى الحج ، وقوله : وَلَهُمْ
مَقامِعُ من النصف الثانى.
ونصف بالآيات (ياء) يأفكون ، من سورة الشعراء ، وقوله : فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ من
النصف الثانى.
ونصفه على عدد السور آخر الحديد ، والمجادلة من النصف الثانى ، وهو عشرة بالأحزاب.
وقيل : إن النصف بالحروف الكاف من : نُكْراً وقيل : الفاء من قوله (وليتلطف).
(1/489)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 93
31 حفاظه ورواته
عن عبد اللَّه بن عمرو بن العارض قال : سمعت النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، يقول
: «خذوا القرآن من أربعة ، من : عبد اللَّه بن مسعود ، وسالم ، ومعاذ ، وأبىّ بن
كعب»
أى تعلموا منهم ، والأربعة المذكورون اثنان من المهاجرين ، وهما : المبدوء بهما ،
واثنان من الأنصار.
و سالم ، هو ابن معقل مولى أبى حذيفة ، ومعاذ ، هو ابن جبل ، وقد قتل سالم مولى
أبى حذيفة فى واقعة اليمامة ، ومات معاذ فى خلافة عمر ، ومات أبىّ ، وابن مسعود فى
خلافة عثمان ، وقد تأخير زيد بن ثابت ، وانتهت إليه الرياسة فى القراءة وعاش بعدهم
زمنا طويلا.
والظاهر أنه أمر بالأخذ عنهم فى الوقت الذى صدر فيه ذلك القول ، ولا يلزم من ذلك
ألا يكون أحد فى ذلك الوقت شاركهم فى حفظ القرآن ، بل كان الذين يحفظون مثل الذين
حفظوه وأزيد جماعة من الصحابة. وفى الصحيح فى غزوة بئر معونة : أن الذين قتلوا بها
من الصحابة كان يقال لهم القراء ، وكانوا سبعين رجلا.
وعن قتادة قال : سألت أنس بن مالك : من جمع القرآن على عهد رسول اللَّه ، صلّى
اللّه عليه وسلم؟ فقال : أربعة كلهم من الأنصار : أبىّ بن كعب ، ومعاذ بن جبل ،
وزيد بن ثابت ، وأبو زيد.
قلت : من أبو زيد؟ قال : أحد عمومتى.
وروى أيضا من طريق ثابت عن أنس قال : مات النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، ولم
يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد
(1/490)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 94
32 العالى والنازل من أسانيده
إن طلب علوّ الإسناد سنة ، فإنه قرب إلى اللَّه تعالى ، وقد قسمه أهل الحديث إلى
خمسة أقسام :
الأول : القرب من رسول اللَّه صلّى اللّه عليه وسلم من حيث العدد بإسناد نظيف غير
ضعيف ، وهو أفضل أنواع العلوّ وأجلها.
الثانى من أقسام العلو عند المحدثين : القرب إلى إمام من أئمة الحديث ، كالأعمش ،
وهشيم ، وابن جريج ، واروزاعى ، ومالك.
الثالث عند المحدثين : العلوّ بالنسبة إلى رواية أحد الكتب الستة ، بأن يروى حديثا
لو رواه من طريق كتاب من الستة وقع أنزل مما لو رواه من غير طريقها.
الرابع : من أقسام العلو : تقدم وفاة الشيخ عن قرينة الذى أخذ عن شيخه.
والخامس : العلوّ بموت الشيخ لا مع التفات لأمر آخر أو شيخ آخر متى يكون.
(1/491)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 95
33 المتواتر والمشهور والآحاد والشاذ والموضوع والمدرج
القراءة تنقسم إلى : متواتر ، وآحاد ، وشاذ.
فالمتواتر : القراءات السبعة المشهورة.
والآحاد : قراءات الثلاثة التى هى تمام العشر ، ويلحق بها قراءة الصحابة.
والشاذ : قراءة التابعين كالأعمش ، ويحيى بن وثاب ، وابن جبير ، ونحوهم.
وكل قراءة ووافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا ،
وصح سندها ، فهى القراءة الصحيحة التى لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها ، بل هى من
الأحرف السبعة التى نزل بها القرآن ، ووجب على الناس قبولها ، سواء كانت عن الأئمة
السبعة ، أم عن العشرة ، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين ، ومتى اختلّ ركن من هذه
الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة ، سواء كنت عن السبعة ، أم عمن
هو أكبر منهم.
وإن القراءة المنسوبة إلى كل قارىء من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه
والشاذ ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجمع عليه فى قراءتهم تركن
النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم.
والقرآن والقراءات حقيقتان مغايرتان ، فالقرآن ، هو الوحى المنزل على محمّد صلّى
اللَّه عليه وسلم للبيان والإعجاز.
والقراءات : اختلاف ألفاظ الوحى المذكور فى الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد
وغيرهما.
والقراءات السبع متواترة عند الجمهور ، وقيل : بل هى مشهورة. والتحقيق أنها
متواترة عن الأئمة السبعة.
أما تواترها عن النبى صلّى اللَّه عليه وسلم ففيه نظر ، فإن إسنادهم بهذه القراءات
السبعة موجود فى كتب القراءات ، وهى نقل الواحد عن الواحد.
(1/492)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 96
34 الوقف والابتداء
الوقف على ثلاثة أوجه : تام ، وحسن ، وقبيح.
فالتام : الذى يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده ، ولا يكون بعده ما يتعلق به.
كقوله : وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وقوله : أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ.
و الحسن : هو الذى يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده كقوله : الْحَمْدُ
لِلَّهِ ، لأن الابتداء برب العالمين لا يحسن لكونه صفة لما قبله.
والقبيح : هو الذى ليس بتام ولا حسن ، كالوقف على بِسْمِ من قوله : بِسْمِ
اللَّهِ.
ولا يتم الوقف على المضاف دون المضاف إليه ، ولا المنعوت دون نعته ، ولا الرافع
دون مرفوعه وعكسه ، ولا الناصب دون منصوبه وعكسه ، ولا المؤكد دون توكيده ، ولا
المعطوف دون المعطوف عليه ، ولا البدل دون مبدله ، ولا ، إن ، أو كان ، أو ظن
وأخواتها ، دون اسمها ، ولا إسمها دون خبرها ، ولا المستثنى منه دون الاستثناء ،
ولا الموصول دون صلته ، واسميا أو حرفيا ، ولا الفعل دون مصدره ، ولا الحرف دون
متعلقه ، ولا شرط دون جزائه.
وقيل : الوقف ينقسم إلى أربعة أقسام : تام مختار ، وكاف جائز ، وحسن مفهوم ، وقبيح
متروك.
فالتام : هو الذى لا يتعلق بشى مما بعده فيحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده ،
وأكثر ما يوجد عند رءوس الآى غالبا كقوله : وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وقد
يوجد فى أثنائها ، كقوله : وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً هنا التمام ،
لأنه انقضى كلام بلقيس ، ثم قال تعالى : وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ ، وكذلك : لَقَدْ
أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي هنا التمام ، لأنه انقضى ، ثم قال
تعالى : وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا. وقد يوجد بعدها كقوله :
مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ
، هنا التمام ، لأنه معطوف على المعنى : أى بالصبح وبالليل ، ومثله : يتكئون ،
وزخرفا ، رأس
(1/493)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 97
الآية : يتكئون ، وزخرفا ، هو التمام ، لأنه معطوف على ما قبله ، وآخر كل قصة ،
وما قبل أولها ، وآخر كل سورة.
و قبل ياء النداء ، وفعل الآمر ، والقسم ولامه دون القول. والشرط : ما لم يتقدم
جوابه ، وكان اللَّه وما كان ، وذلك ، ولو لا ، غالبهن تام مالم يتقدمهن قسم ، أو
قول ، أو ما فى معناه.
والكافى : منقطع فى اللفظ متعلق فى المعنى ، فيحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده
أيضا نحو : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ هنا الوقف ، ويبتدىء. بما بعد ذلك
، وهكذا كل رأس آية بعدها لام كى ، وإلا ، بمعنى لكن ، وإن. الشديدة المكسورة ،
والاستفهام ، وبل ، وإلا المخففة ، والسين ، وسوف ، ونعم ، وبئس ، وكيلا ، ما لم
يتقدمهن قول أو قسم.
والحسن : هو الذى يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده كالحمد للَّه.
والقبيح : هو الذى لا يفهم منه المراد كالحمد ، وأقبح منه الوقف على : لَقَدْ
كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا ويبتدأ : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ لأنّ المعنى
مستحيل بهذا الابتداء ، ومن تعمده وقصد معناه وفقد كفر.
وقيل : الوقف عن خمس مراتب : لازم ، ومطلق ، وجائز ، ومجوز بوجه ، ومرخص ضرورة.
فاللازم : ما لو وصل طرفاه غير المراد ، نحو قوله : وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ،
يلزم الوقف هنا ، إذ لو وصل بقوله : يُخادِعُونَ اللَّهَ توهم أن الجملة صفة لقوله
(بمؤمنين) ، فانتفى الخداع عنهم وتقرّر الإيمان خالصا عن الخداع ، كما تقول ، ما
هو بمؤمن مخادع. وكما فى قوله : لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ فإن جملة (تثير) صفة
لذلول داخلة فى حيز النفى : أى ليست ذلولا مثيرة ، والقصد فى الآية إثبات الخداع
بعد نفى الإيمان ، ونحو : سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ فلو وصلها بقوله :
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لأوهم أنه صفة لولد ، وأن المنفى
(ولد) موصوف بأنه له ما فى السموات ، والمراد نفى الولد مطلقا.
والمطلق : ما يحسن الابتداء بما بعده ، كالاسم المبتدأ به نحو : اللَّهَ
يَجْتَبِي.
و الفعل المستأنف نحو : يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ، وسَيَقُولُ
(1/494)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 98
السُّفَهاءُ
، سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً.
ومفعول المحذوف نحو : وَعَدَ اللَّهُ ، سُنَّةَ اللَّهِ.
والشرط ، نحو : مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ.
مقدار ، نحو : أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا ، وتُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا.
والنفى نحو : ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ، وإِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً حيث
لم يكن كل ذلك مقولا لقول سابق.
والجائز : ما يجوز فيه الوصل والفصل لتجاذب الموجبين من الطرفين ، نحو : وَما
أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ، فإن واو العطف تقتضى الوصل ، وتقديم المفعول على الفعل
يقطع النظم ، فإن التقدير : ويوقنون بالآخرة.
والمجوز لوجه : نحو : أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا
بِالْآخِرَةِ لأن الفاء فى قوله : فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ تقتضى التسبب والجزاء ،
وذلك يوجب الوصل ، وكون لفظ الفعل على الاستئناف يجعل للفصل وجها.
والمرخص ضرورة : ما لا يستغنى ما بعده عما قبله ، ولكنه يرخص لانقطاع النفس وطول
الكلام ، ولا يلزمه الوصل بالعود ، لأن ما بعده جملة مفهومة.
كقوله : وَالسَّماءَ بِناءً لأن قوله : وَأَنْزَلَ لا يستغنى عن سياق الكلام ، فإن
فاعله ضمير يعود إلى ما قبله ، غير أن الجملة مفهومة.
وأما ما لا يجوز ، الوقف عليه : فكالشرط دون جزائه ، والمبتدأ دون خبره ونحو ذلك.
وقيل : الوقف فى التنزيل على ثمانية أضرب : تام ، وشبيه به ، وناقص ، وشبيه به ،
وحسن ، وقبيح ، وشبيه به.
وقيل : الوقف ينقسم إلى اختيارى واضطرارى ، لأن الكلام إما أن يتم ، أو لا ، فإن
تم كان اختياريا وكونه تاما لا يخلو إما ألا يكون له تعلق بما بعده ، البتة ، أى
لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ، فالوقف المسمى بالتام لتمامه المطلق يوقف
عليه ، ويبدأ بما بعده ، ثم مثله بما تقدم فى التام.
و قد يكون الوقف تاما فى تفسير وإعراب وقراءة ، غير تام على آخر ، نحو : وَما
يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ تام ، إن كان ما بعده مستأنفا ، غير تام إن
كان معطوفا ، ونحو فواتح السور ، الوقف عليها تام ، إن أعربت مبتدأ والخبر محدوف ،
أو عكسه.
(1/495)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 99
و كل ما أجازوا الوقف عليه أجازوا الابتداء بما بعده.
للوقف فى كلام العرب أوجه متعددة ، والمستعمل منها عند أئمة القراءة تسع : السكون
، والروم ، والإشمام ، والإبدال ، والنقل ، والإدغام ، والحذف ، والإثبات ،
والإلحاق.
فأما السكون : فهو الأصل فى الوقف على الكلمة المحركة وصلا ، لأن معنى الوقف :
الترك والقطع ، ولأنه ضد الابتداء ، فكما لا يبتدأ بساكن لا يوقف على متحرّك ، وهو
اختيار كثير من القراءة.
وأما الروم : فهو عند القراء عبارة عن النطق ببعض الحركة.
وقيل : تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب معظمها ، وكلا القولين واحد ، ويختص بالمرفوع
والمجزوم والمضموم والمكسور ، بخلاف المفتوح ، لأن الفتحة خفيفة إذا خرج بعضها خرج
سائرها فلا تقبل التبعيض.
وأما الإشمام : فهو عبارة عن الإشارة إلى الحركة من غير تصويت ، وقيل : أن تجعل
شفتيك على صورتها ، وكلاهما واحد. وتختص بالضمة سواء كانت حركة إعراب أم بناء ،
إذا كانت لازمة. أما العارضة وميم الجمع عند من ضم ، وهاء التأنيث ، فلا روم فى
ذلك ولا إشمام.
ثم إن الوقف بالروم والإشمام ورد عن أبى عمرو والكوفيين نصاّ ولم يأت عن الباقين
فيه شىء ، واستحبه أهل الأداء فى قرائتهم أيضا.
وفائدته بيان الحركة التى تثبت فى الوصل للحرف الموقوف عليه ليظهر للسامع أو
الناظر كيف تلك الحركة الموقوف عليها.
و أما الإبدال : ففى الاسم المنصوب المنّون يوقف عليه بالألف بدلا من التنوين ،
ومثله ، إذن. وفى الاسم المفرد المؤنث بالتاء يوقف عليه بالهاء بدلا منها ، وفيما
آخره همزة متطرفة بعد حركة أو ألف ، فإنه يوقف عليه عند حمزة بإبدالها حرف مدّ من
جنس ما قبلها ، ثم إن كان ألفا جاز حذفها نحو : اقرأ ، ونبى ، وبدأ ، وإن أمره ،
ومن شاطىء ، ويشاء ، ومن السماء ، ومن ماء.
وأما النقل : ففيما آخره همزة بعد ساكن ، فإنه يوقف عليه عند حمزة بنقل حركتها
إليه فيحرك بها ثم تحذف هى ، سواء كان الساكن صحيحا ، نحو : دفء ،
(1/496)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 100
ملء ، ينظر المرء ، لكل باب منهم جزء ، بين المرء وقلبه ، وبين المرء وزوجه ، يخرج
الخبء ، ولا ثامن لها ، أم ياء أو ، واو ، أصليتين ، وسواء كانتا حرف مد ، نحو :
المسىء ، وجىء ، ويضىء ، أن تبوء ، لتنوء ، وما عملت من سوء ، أم لين ، نحو : سىء
، قوم سواء ، مثل السوء.
وأما الإدغام : ففيما آخره همز بعد ياء أو واو زائدتين ، فإنه يوقف عليه عند حمزة
أيضا بالإدغام بعد إبدال الهمز من جنس ما قبله نحو : النسىء ، وبرىء ، وقروء.
وأما الحذف : ففى الياءات الزوائد عند من يثبتها وصلا ويحذفها وقفا ، وياءات
الزوائد هى التى لم ترسم مائة وإحدى وعشرون ، ومنها خمس وثلاثون فى حشو الآى ،
والباقى فى رءوس الآى ، فنافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائى ، وأبو جعفر بثبوتها
فى الوصل دون الوقف ، وابن كثير ، ويعقوب. يثبتان فى الحالين ، وابن عامر ، وعاصم
، وخلف ، يحذفون فى الحالين ، وربما خرج بعضهم عن أصله فى بعضها.
وأما الإثبات : ففى الياءات المحذوفات وصلا عند من يثبتها وقفا ، نحو هاد ، وال ،
وواق ، وباق.
وأما الإلحاق : فما يلحق آخر الكلم من هاءات السكت عند من يلحقها فى :
عم ، وفيم ، وبم ، ولم ، ومم ، والنون المشددة من جمع الإناث ، نحو : هى ، ومثلهن
، والنون المفتوحة ، نحو : العالمين ، والذين ، والمفلحون ، والمشدد المبنى ، نحو
: ألا تعلوا علىّ ، وخلقت بيدىّ ، ومصرّخى ، ولدىّ.
(1/497)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 101
35 الإمالة والفتح
الفتح والإمالة لغتان مشهورتان على ألسنة الفصحاء من العرب الذين نزل القرآن
بلغتهم ، فالفتح لغة أهل الحجاز ، والإمالة لغة عامة أهل نجد من تميم وأسد وقيس ،
والأصل فيها
حديث حذيفة مرفوعا : «اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها ، وإياكم وأصوات أهل
الفسق وأهل الكتابين»
، فالإمالة لا شك من الأحرف السبعة ومن لحون العرب وأصواتها ، كانوا يرون أن الألف
والياء فى القراءة سواء ، يعنى بالألف والياء التفخيم والإمالة.
و
يقال إن رجلا قرأ على عبد اللَّه بن مسعود (طه) ، ولم يكسر ، فقال عبد اللَّه : طه
، وكسر الطاء والهاء ، فقال الرجل : طه ، ولم يكسر ، فقال عبد اللَّه ، طه ، وكسر
، ثم قال : واللَّه هكذا علمنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
والإمالة : أن ينجو بالفتحة نحو الكسرة ، وبالألف نحو الياء كثيرا ، وهو المحض.
ويقال له أيضا : الاضطجاع ، والبطح ، والكسر ، وهو بين اللفظين.
ويقال له أيضا : التقليل ، والتلطيف ، وبين بين.
فهى قسمان : شديدة ، ومتوسذة ، وكلاهما جائز فى القراءة.
والشديدة ، يجتنب معها القلب الخالص والإشباع المبالغ فيه.
والمتوسطة ، بين الفتح والإمالة الشديدة.
(1/498)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 102
36 الإدغام والإظهار والإخفاء
الإدغام : هو اللفظ بحرفين حرفا كالثانى مشددا ، وينقسم إلى : كبير وصغير.
فالكبير ، ما كان أول الحرفين متحركا فيه ، سواء كانا مثلين ، أم جنسين ، أم
متقاربين ، وسمى كبيرا لكثرة وقوعه ، إذ الحركة أكثر من السكون ، وقيل : لتأثيره
فى إسكان المتحرك قبل إدغامه ، وقيل ، لما فيه من الصعوبة ، وقيل : لشموله نوعى
المثلين والجنسين والمتقاربين ، والمشهور بنسبته إليه من الأئمة العشرة هو أبو
عمرو بن العلاء ، وورد عن جماعة خارج العشرة ، كالحسن البصرى ، والأعمش ، وابن
محيصن ، وغيرهم.
وأما الإدغام الصغير : فهو ما كان الحرف الأول فيه ساكنا ، وهو واجب ، وممتنع
وجائز ، والذى جرت عادة القراء بذكره فى كتب الخلاف هو الجائز ، لأنه الذى اختلف
القراء فيه ، وهو قسمان :
الأول : إدغام حرف من كلمة فى حروف متعددة من كلمات متفرقة ، وتنحصر فى : إذ ، وقد
، وتاء التأنيث ، وهل ، وبل ، فإذا اختلف فى إدغامها وإظهارها عند ستة أحرف :
التاء ، والجيم ، والدال ، والزاى ، والسين ، والصاد.
وقد اختلف فيها عند ثمانية أحرف : الجيم ، والذال ، والزاى ، والسين ، والشين ،
والصاد ، والضاد ، والظاء.
وتاء التأنيث اختلف فيها عند ستة أحرف : التاء ، والجيم ، والزاى ، والسين ،
والصاد ، والظاء.
لام : هل ، وبل ، اختلفت فيها عند ثمانية أحرف تختص (بل) منها بخمسة :
الزاى ، والسين ، والضاد ، والطاء.
وتختص ، هل ، بالثاء ، ويشتركان فى التاء والنون.
(1/499)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 103
القسم الثانى : إدغام حروف قربت مخارجها ، وهى سبعة عشر حرفا اختلف فيها :
أحدها : الباء عند الفاء فى : أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ.
الثانى : يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ فى البقرة.
الثالث : ارْكَبْ مَعَنا فى هود.
الرابع : نَخْسِفْ بِهِمُ فى هود.
الرابع نَخْسِفْ بِهِمُ فى سبأ.
الخامس : الراء الساكنة عند اللام ، نحو : يَغْفِرْ لَكُمْ.
السادس : الكلام الساكنة فى الذال : مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ.
السابع : الثاء فى الذال ، فى : يَلْهَثْ ذلِكَ.
الثامن : الدال فى الثاء : مَنْ يُرِدْ ثَوابَ حيث وقع.
التاسع : الذال فى التاء ، من : اتَّخَذْتُمُ ، وما جاء من لفظه.
العاشر : الذال فيها من : فَنَبَذْتُها فى طه.
الحادى عشر : الدال فيها أيضا فى : عُذْتُ ، فى غافر ، والدخان.
الثانى عشر : الثاء من لَبِثْتُمْ كيف جاء.
الثالث عشر : التاء فى فِيها وفى : أُورِثْتُمُوها فى الأعراف ، والزخرف الرابع
عشر : الدال فى الذال ، فى : كهيعص. ذِكْرُ.
الخامس عشر : النون فى الواو ، من : يس وَالْقُرْآنِ.
السادس عشر : النون فيها ، من : ن وَالْقَلَمِ.
السابع عشر : النون عند الميم ، من طسم أول الشعراء ، أو القصص
(1/500)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 104
و كل حرفين التقيا ، أو لهما ساكن ، وكانا مثلين أو جنسين ، وجب إدغام الأول منهما
لغة وقراءة :
فالمثلان ، نحو : اضْرِبْ بِعَصاكَ.
والجنسان : نحو : قالَتْ طائِفَةٌ.
وكره قوم الإدغام فى القرآن.
(1/501)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 105
37 المد والقصر
المدّ : عبارة عن زيادة مط فى حرف المدّ الطبيعى ، وهو الذى لا تقوم ذات حرف المدّ
دونه.
والقصر : ترك تلك الزيادة وإبقاء المدّ الطبيعى على حاله.
وحرف المدّ ، الألف مطلقا ، والواو الساكنة المضموم ما قبلها ، والياء الساكنة
المكسور ما قبلها.
وسببه : لفظى ، ومعنوى.
فاللفظى إما همز ، أو سكون :
فالهمز يكون بعد حرف المدّ وقبله.
والثانى نحو : آدم.
والأول ، إن كان معه فى كلمة واحدة فهو المتصل ، نحو : أولئك.
وإن كان حرف المد آخر كلمة والهمز أول أخرى فهو المنفصل ، نحو : بما أنزل.
ووجه المدّ لأجل الهمز أنّ حرف المدّ خفىّ والهمز صعب ، فزيد فى الخفى ليتمكن من
النطق بالصعب.
والسكون : إما لازم ، وهو الذى لا يتغير فى حاليه ، نحو : الضالين.
أو عارض ، وهو الذى يعرض للوقف ، ونحو : العباد. حالة الوقف ، وفيه هدى ، حالة
الإدغام.
ووجه المدّ للسكون التمكن من الجمع بين الساكنين ، فكأنه قام مقام حركة.
و قد أجمع القراء على مدّ نوعى المتصل وذى الساكن اللازم ، وإن اختلفوا فى
(1/502)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 106
مقداره ، واختلفوا فى مدّ النوعين الآخرين ، وهما المنفصل ، وهو الساكن العارض ،
وفى فصرهما.
فأما المتصل ، فاتفق الجمهور على مده قدرا واحدا مشبعا من غير إفحاش.
وذهب آخرون إلى تفاضله كتفاضل المنفصل.
وذهب بعضهم إلى أنه مرتبتان فقط : الطولى لمن ذكر ، والوسطى لمن بقى.
وأما ذو الساكن ، ويقال له : العدل ، لأنه يعدل حركة ، فالجمهور أيضا على مده
مشيعا قدرا واحدا من غير إفراط وذهب بعضهم إلى تفاوته.
وأما المنفصل ، ويقال له : مدّ الفصل ، لأنه يفصل بين الكلمتين ، ومدّ البسط ،
لأنه يبسط بينالكلمتين ، ومد الاعتبار ، لاعتبار الكلمتين من كلمة ، ومدّ حرف بحرف
، أى مدّ كلمة لكلمة.
والمدّ جائز من أجل الخلاف فى مده وقصره ، فقد اختلفت العبارات فى مقدار مده
اختلافا لا يمكن ضبطه.
والحاصل أن له سبع مراتب.
الأولى : القصر ، وهو حذف المد العرضى وإبقاء ذات حرف المد على ما فيها من غير
زيادة.
الثانية : فويق القصر قليلا ، وقدرت بألفين ، وبعضهم بألف ونصف.
الثالثة : فويقها قليلا ، وهى التوسط عند الجميع ، وقدرت بثلاث ألفات ، وقيل.
بألفين ونصف ، وقيل : بألفين ، على أن ما قبلها بألف ونصف.
الرابع : فويقها قليلا ، وقدرت بأربع ألفات ، وقيل : بثلاث ونصف ، وقيل : بثلاث ،
على الخلاف فيما قبلها.
الخامسة : فويفها قليلا ، وقدرت بخمس ألفات ، وبأربع ونصف ، وبأربع على الخلاف.
(1/503)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 107
السادسة : فوق ذلك ، وقدرها الهذلى بخمس ألفات : على تقديره الخامسة بأربع.
السابعة : الإفراط ، قدرها الهذلى بست.
وأما العارض فيجوز فيه لكل من القراء كل من الأوجه الثلاثة : المدّ ، والتوسط ،
والقصر. وهى أوجه تخيير.
و أما السبب المعنوى ، فهو قصد المبالغة فى النفى ، وهى سبب قوىّ مقصود عند العرب
، وإن كان أضعف من اللفظى عند القراء ، ومنه مدّ التعظيم فى نحو : لا إله إلا هو.
وإنما سمى مدّ المبالغة لأنه طلب للمبالغة فى نفى إلهية سوى اللَّه تعالى.
وهذا مذهب معروف عند العرب لأنها تمدّ عند الدعاء ، وعند الاستغاثة ، وعند
المبالغة فى نفى شىء ، ويمدون ما لا أصل له ، بهذه العلة.
وإذا تغير سبب المدّ جاز المد مراعاة للأصل ، والقصر نظرا للفظ ، سواء كان السبب همزا
أو سكونا ، سواء تغير الهمز بين بين ، أو بإبدال أو حذف ، والمد أولى فيما بقى
لتغير أثره ، نحو : (هؤلاء إن كنتم) ، والقصر فيما ذهب أثره.
ومتى اجتمع سببان قوى وضعيف عمل بالقوى وألغى الضعيف إجماعا.
ومدات القرآن على عشرة أوجه :
مد الحجز ، فى نحو : أَأَنْذَرْتَهُمْ ، لأنه أدخل بين الهمزتين حاجزا خففهما
لاستثقال العرب جمعهما ، وقدره : ألف تامة فى الإجماع ، فحصول الحجز بذلك.
ومد العدل ، فى كل حرف مشدد وقبله حرف مد ، ولين ، فى نحو :
الضَّالِّينَ ، لأنه يعدل حركة : أى يقوم مقامها فى الحجز بين الساكنين.
ومد التمكين ، فى نحو : أُولئِكَ ، وسائر المدات التى تليها همزة ، لأنه جلب
ليتمكن به من تحقيقها وإخراجها من مخرجها.
ومد البسط ، ويسمى أيضا ، مد الفصل ، فى نحو : بِما أُنْزِلَ لأنه يبسط بين كلمتين
ويفصل به بين كلمتين متصلتين.
(1/504)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 108
و مد الروم ، فى نحو : ها أَنْتُمْ لأنهم يرومون الهمزة من أَنْتُمْ ولا يخفونها
ولا يتركونها أصلا ، ولكن يلينونها ويشيرون إليها ، وهذا على مذهب من لا يهمز
أَنْتُمْ ، وقدره ألف ونصف.
ومدّ الفرق ، فى نحو : آلْآنَ لأنه يفرق به بين الاستفهام والخبر ، وقدره ألف تامة
بالإجماع ، فإن كان بين ألف المدحرف مشدد زيد ألف أخرى ليتمكن به من تحقيق الهمزة
، نحو : الذَّاكِرِينَ اللَّهَ.
و مدّ البنية ، فى نحو : ساء لأن الاسم بنى على المدفرقا بينه وبين المقصور.
ومدّ المبالغة فى نحو : لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ.
ومد البدل من الهمزة ، فى نحو : آدَمَ ، وقدره ألف تامة بالإجماع.
ومد الأصل فى الأفعال الممدودة. نحو : جاء.
والفرق بينه وبين مد البنية أن تلك الأسماء بنيت على المد فرقا بينها وبين المقصور
، وهذه مدات فى أصول أفعال أحدثت لمعان.
(1/505)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 109
38 تخفيف الهمز
اعلم أن الهمز لما كان أثقل الحروف نطقا وأبعدها مخرجا تنوّع العرب فى تحقيقه
بأنواع التخفيف ، وكانت قريش وأهل الحجاز أكثرهم تخفيفا ، ولذلك أكثر ما يرد
تخفيفه من طرقهم.
و
عن ابن عمر قال : ما همز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ، ولا أبو بكر ، ولا عمر.
ولا الخلفاء ، وإنما الهمز بدعة ابتدعوها من بعدهم.
و
عن أبى ذرّ قال : «جاء أعرابىّ إلى رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم فقال : يا
نبىء اللَّه ، فقال : لست بنبىء اللَّه ، ولكنى نبىّ اللَّه».
وأحكام الهمز كثيرة لا يحصيها أقل من مجلد ، وتحقيقه أربعة أنواع :
أحدها : النقل لحركته إلى الساكن قبله فيسقط (قد أفلح) بفتح الدال ، وذلك حيث كان
الساكن صحيحا آخرا والهمزة أولا.
ثانيها : الإبدال ، أن تبدل الهمز الساكنة حرف مدّ من جنس حركة ما قبلها ، فتبدل
ألفا بعد الفتح ، نحو : وَأْمُرْ أَهْلَكَ ، وواوا بعد الضم ، نحو : يؤمنون ، وياء
بعد الكسر ، نحو : جيت ، وسواء كانت الهمز فاء ، أم عينا ، أم لا ما ، إلا أن يكون
سكونها جزما ، نحو : (ننساها) أو يكون ترك الهمز فيه أثقل ، وهو : تُؤْوِي
إِلَيْكَ ، فى الأحزاب ، أو يوقع فى الالتباس ، وهو : رِءْياً ، فى مريم ، فإن
تحركت فلا خلاف عنه فى التحقيق ، نحو : (يئوده).
ثالثها : التسهيل بينها وبين حركتها ، فإن اتفق الهمزتان فى الفتح سهلت الثانية.
أو أبدلت ألفا وإن اختلفا بالفتح والكسر سهلت أو أدخلت قبلها ألف ، أو خففت.
رابعها : الإسقاط بلا نقل ، وبه قرأ أبو عمرو ، إذا اتفقا فى الحركة وكانا فى
كلمتين ، فإن اتفقا كسر ، نحو : هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ ، جعلت الثانية كياء ساكنة
، أو مكسورة ، أو أسقطت ، أو حققت. وإن اتفقا فتحا ، نحو : جاءَ أَجَلُهُمْ جعلت
الثانية كمدة ، أو أسقطت ، أو حققت. وإن اتفقا ضما ، وهو : أَوْلِياءُ أُولئِكَ.
أسقطت ، أو جعلت كواو مضمومة ، أو جعلت الثانية كواو ساكنة ، أو حققت.
(1/506)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 110
39 كيفية تحمله
حفظ القرآن كفاية على الأمة ، فإن قام بذلك قوم يبلغون هذا العدد سقط عن الباقين ،
وإلا أثم الكل.
وتعليمه أيضا فرض كفاية ،
ففى الصحيح : «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».
وأوجه التحمل عند أهل الحديث : السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه ، والسماع عليه
بقراءة غيره ، والمناولة ، والإجازة ، والمكاتبة ، والعرضية ، والإعلام ،
والوجادة.
وأما القراءة على الشيخ فهى المستعملة سلفا وخلفا.
وأما السماع من لفظ الشيخ فيحتمل أن يقال به هنا ، لأن الصحابة ، رضى اللَّه عنهم
، إنما أخذوا القرآن من النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، لكن لم يأخذ به أحد من
القراء. والمنع فيه ظاهر ، لأن المقصود هنا كيفية الأداء ، وليس كل من سمع من لفظ
الشيخ يقدر على الأداء كهيئته ، بخلاف الحديث ، فإن المقصود فيه المعنى أو اللفظ
لا بالهيئات المعتبرة فى أداء القرآن.
وأما الصحابة فكانت فصاحتهم وطباعهم السليمة تقتضى قدرتهم على الأداء كما سمعوه من
النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، لأنه نزل بلغتهم. وما يدل للقراءة على الشيخ عرض
النبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، القرآن على جبريل فى رمضان كل عام.
وكيفيات القراءة ثلاث :
إحداهما : التحقيق ، وهو إعطاء كل حرف حقه من إشباع المدّ ، وتحقيق الهمزة ،
وإتمام الحركات ، واعتماد الإظهار والتشديدات ، وبيان الحروف وتفكيكها ، وإخراج
بعضها من بعض بالسكت ، والترتيل والتؤدة ، وملاحظة الجائز من الوقوف ، بلا قصر.
ولا اختلاس ولا إسكان محرك ، ولا إدغامه ، وهو يكون لرياضة الألسن وتقويم الألفاظ.
ويستحب الأخذ به على المتعلمين من غير أن يتجاوز فيه إلى حدّ الإفراط
(1/507)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 111
بتوليد الحروف من الحركات ، وتكرير الراءات ، وتحريك السواكن ، وتطنين النونات
بالمبالغة فى الغنات.
الثانية : الحدر ، بفتح الحاء وسكون الدال المهملتين ، وهو إدراج القراءة وسرعتها
وتخفيفها بالقصر ، والتسكين ، والاختلاس ، والبدل ، والإدغام الكبير ، وتخفيف
الهمزة ، ونحو ذلك مما صحت به الرواية ، مع مراعاة إقامة الإعراب ، وتقويم اللفظ ،
وتمكين الحروف بدون بتر حروف المدّ ، واختلاس أكثر الحركات ، وذهاب صوت الغنة ،
والتفريط إلى غاية لا تصح بها القراءة ولا توصف بها التلاوة.
الثالثة : التدوير ، وهو التوسط بين المقامين بين التحقيق والحدر ، وهو الذى ورد
عن أكثر الأئمة ممن مدّ المنفصل ، ولم يبلغ فيه الإشباع ، وهو المختار عند أكثر
أهل الأداء.
(1/508)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 112
40 تجويد القراءة
التجويد حلية القراءة ، وهو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها ، وردّ الحرف إلى مخرجه
وأصله ، وتلطيف النطق به على كمال هيئته ، من غير إسراف ولا تعسف ولا إفراط ولا
تكلف ، وإلى ذلك
أشار ، صلّى اللَّه عليه وسلم : «من أحبّ أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على
قراءة ابن أم عبد»
يعنى ابن مسعود ، وكان رضى اللَّه عنه. قد أعطى حظا عظيما فى تجويد القرآن.
وقد عدّ العلماء القراءة بغير تجويد لحنا ، فقسموا اللحن إلى : جلىّ. وخفى.
فاللحن : خلل يطرأ على الألفاظ فيخل ، إلا أن الجلىّ يخل إخلال ظاهرا يشترك فى
معرفته علماء القراءة وغيرهم ، وهو الخطأ فى الإعراب.
والخفىّ : يخلّ إخلالا يختص بمعرفته علماء القراءة ، وأئمة الأداء الذين تلقوه من
أفواه العلماء. وضبطوه من ألفاظ أهل الأداء.
وقاعدته ترجع إلى كيفية الوقف ، والإمالة ، والإدغام ، وأحكام الهمز ، والترقيق ،
والتفخيم ، ومخارج الحروف.
وأما الترقيق ، فالحروف المستقلة كلها مرققة لا يجوز تفخيمها ، إلا (اللام) من اسم
اللَّه ، بعد فتحة أو ضمة إجماعا ، أو بعد حروف الإطباق ، إلا (الراء) المضمومة أو
المفتوحة مطلقا ، أو الساكنة فى بعض الأحوال.
والحروف المستعلية كلها مفخمة لا يستثنى منها شىء فى حال من الأحوال.
(1/509)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 113
41 آداب تلاوته
يستحب الإكثار من قراءة القرآن وتلاوته ، قال تعالى مثنيا على من كان ذلك دأبه :
يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ.
و
فى الصحيحين من حديث ابن عمر : «لا حسد إلا فى اثنتين : رجل آتاه اللَّه القرآن
فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار».
و
روى الترمذى من حديث ابن مسعود : «من قرأ حرفا من كتاب اللَّه فله به حسنة ،
والحسنة بعشر أمثالها».
و
عن النبى صلّى اللَّه عليه وسلم : «يقول الرب سبحانه وتعالى : من شغله القرآن
وذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين ، وفضل كلام اللَّه على سائر الكلام
كفضل اللَّه على سائر خلقه».
ومن
حديث أبى أمامة : «اقرءوا القرآن ، فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه».
ومن
حديث عائشة : البيت الذى يقرأ فيه القرآن يتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجو
ملأهل الأرض.
ومن
حديث أنس : «نوّروا منازلكم بالصلاة وقراءة القرآن».
ومن
حديث النعمان بن بشير «أفضل عبادة أمتى قراءة القرآن».
ومن
حديث سمرة بن جندب : «كل مؤدب يحبّ أن تؤتى مأدبته ومأدبة اللَّه القرآن فلا
تهجروه».
ومن
حديث عبيدة المكى : «يا أهل القرآن ، لا توسدوا القرآن واتلوه حق تلاوته آناء
الليل والنهار ، وأفشوه وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون».
وقد كان للسلف فى قدر القراءة عادات ، فأكثر ما ورد فى كثرة القراءة من كان يختم
فى اليوم والليلة ثمان ختمات ، أربعا فى الليل وأربعا فى النهار ، ويليه من كان
يختم فى اليوم والليلة أربعا ، ويليه ثلاثا ، ويليه ختمتين ، ويليه ختمة.
(1/510)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 114
و كان أقوياء أصحاب رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، يقرءون القرآن فى سبع ،
وبعضهم فى شهر ، وبعضهم فى شهرين ، وبعضهم فى أكثر من ذلك.
ويستحب الوضوء لقراءة القرآن لأنه أفضل الأذكار ، و
قد كان صلّى اللَّه عليه وسلم يكره أن يذكر اللَّه إلا على طهر.
ولا تكره القراءة للمحدث ، لأنه
صح أن النبى صلّى اللَّه عليه وسلم كان يقرأ مع الحدث.
وأما الجنب والحائض فتحرم عليهما القراءة ، نعم يجوز لهما النظر فى المصحف وإمراره
على القلب.
وأما متنجس الفم فتكره له القراءة.
وقيل : تحرم ، كمس المصحف باليد النجسة.
ويسن التعوذ قبل القراءة ، قال تعالى : فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ
بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ أى أردت قراءته ، والمختار عند أئمة
القراءة الجهر بها ، لأن الجهر بالتعوذ إظهار شعار القراءة كالجهر بالتلبية
وتكبيرات العيد. ومن فوائده أن السامع ينصف للقراء من أولها لا يفوت منها شىء ،
وإذا أخفى التعوذ لم يعلم السامع بها إلا بعد أن فاته من المقروء شىء.
وليحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة ، غير براءة ، لأن العلماء على أنها آية ،
فإذا أخل بها كان تاركا لبعض الختمة عند الأكثرين ، فإن قرأ من أثناء سورة استحبّ
له أيضا.
ولا تحتاج قراءة القرآن إلى نية كسائر الأذكار ، إلا إذا أنذرها خارج الصلاة ، فلا
بد من نية النذر أو الفرض ولو عين الزمان. فلو تركها لم تجز.
و يسن الترتيل فى قراءة القرآن ، قال تعالى : وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا.
وعن ابن مسعود قال : لا تنثروه نثر الدقل ، ولا تهذوه هذّ الشعر ، قفوا عند عجائبه
، وحركوا به القلوب ، ولا يكون همّ أحدكم آخر السورة.
وقراءة جزء بترتيل أفضل من قراءة جزأين فى قدر ذلك الزمان بلا ترتيل ،
(1/511)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 115
و استحباب الترتيل للتدبر ، لأنه أقرب إلى الإجلال والتوقير ، وأشدّ تأثيرا فى
القلب ، وثواب قراءة الترتيل أجلّ قدرا ، وثواب الكثرة أكثر عددا ، لأن بكل حرف
عشر حسنات.
وكمال الترتيل تفخيم ألفاظه ، والإبانة عن حروفه ، وأن لا يدغم حرف فى حرف ،
وأكمله أن يقرأه على منازله ، فإن قرأ تهديدا لفظ به لفظ التهديد ، أو تعظيما لفظ
به على التعظيم وتسن القراءة بالتدبر والتفهم ، فهو المقصود الأعظم والمطلوب الأهم
، وبه تنشرح الصدور ، وتستنير القلوب ، وعليه أن يشغل قلبه بالتفكير فى معنى ما
يلفظ به ، فيعرف معنى كل آية ، ويتأمل الأوامر والنواهى ، ويعتقد قبول ذلك ، فإن
كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر ، وإذا مرّ بآية رحمة استبشر وسأل ، أو
عذاب أشفق وتعوّذ ، أو تنزيه نزّه وعظم ، أو دعاء تضرّع وطلب.
و
عن حذيفة قال : «صليت مع النبى صلّى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة ، فافتتح البقرة
فقرأها ، ثم النساء فقرأها ، ثم آل عمران فقرأها ، يقرأ مترسلا ، إذا مرّ بأية
فيها تسبيح سبح ، وإذا مرّ بسؤال سأل ، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ».
و
عن عوف بن مالك قال : «قمت مع النبى صلّى اللَّه عليه وسلم ليلة ، فقام فقرأ سورة
البقرة لا يمرّ بآية رحمة إلا وقف وسأل ، ولا يمرّ بآية عذاب إلا وقف وتعوّذ».
(1/512)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 116
42 الاقتباس
الاقتباس : تضمين الشعر أو النثر بعض القرآن ، لا على أنه منه ، بأن لا يقال فيه :
قال اللَّه تعالى ، ونحوه ، فإن ذلك حينئذ لا يكون اقتباسا.
فالأول : ما كان فى الخطب والمواعظ والعهود.
و الثانى : ما كان فى الغزل والرسائل والقصص.
والثالث على ضربين :
أحدهما : ما نسبه اللَّه إلى نفسه : كما قيل عن أحد بين مروان : إنه وقع على
مطالعة فيها شكاية عماله : إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا
حِسابَهُمْ.
والآخر : تضمين آية فى معنى هزل ، من ذلك قوله :
أرخى إلى عشاقه طرفه هيهان هيهات لما توعدون
و ردفه ينطق من خلفه لمثل هذا فليعمل العاملون
و يقرب من الاقتباس شيئان :
أحدهما : قراءة القرآن يراد بها الكلام ، وهذا مكروه.
والثانى : التوجيه بالألفاظ القرآنية فى الشعر وغيره ، وهو جائز ومنه قول :
الشريف تقىّ الدين الحسينى :
مجاز حقيقتها فاعبروا ولا تعمروا هوّنوهاتهن
و ما حسن بيت له زخرف تراه إذا زلزلت لم يكن
(1/513)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 117
43 ما وقع فيه بغير لغة الحجاز
عن ابن عباس فى قوله : وَأَنْتُمْ سامِدُونَ قال : الغناء ، وهى يمانية ، وعن
عكرمة ، هى بالحميرية.
عن الحسن ، قال : كنا لا ندرى ما الأرائك ، حتى لقينا رجل من أهل اليمن ، فأخبرنا
أن الأريكة عندهم : الحجلة فيها السرير.
وعن الضحاك فى قوله : وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ
. قال : ستوره ، بلغة أهل اليمن.
وعن الضحاك فى قوله تعالى : لا وَزَرَ ، قال : لا حيل ، وهى بلغة أهل اليمن.
وعن عكرمة فى قوله تعالى : وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ ، قال : هى لغة يمانية ، وذلك
أن أهل اليمن يقولون ، زوّجنا فلانا بفلانة.
وعن الحسن فى قوله تعالى : لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً ، قال : اللهو ،
بلسان اليمن ، المرأة.
و
عن محمّد بن على فى قوله تعالى : وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ قال : هى بلغة طيىء ، ابن
امرأته.
وعن الضحاك فى قوله تعالى : أَعْصِرُ خَمْراً. قال : عنبا ، بلغة أهل عمان ، يسمون
العنب خمرا.
وعن ابن عباس فى قوله تعالى : أَتَدْعُونَ بَعْلًا ، قال : ربا ، بلغة أهل اليمن.
وعن قتادة قال : بعلا : ربا ، بلغه أزد شنوءة.
و عن ابن عباس قال : الوزر : ولد الولد ، بلغة هذيل.
وعن الكلبى قال : المرجان : صغار اللؤلؤ ، بلغة اليمن.
(1/514)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 118
و عن مجاهد قال : الصواع : الطرجهالة ، بلغة حمير.
وعن أبى صالح فى قوله تعالى : أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا قال : أفلم
يعلموا ، بلغة هوازن.
وقيل : بلغة النخع.
ولا بن عباس يَفْتِنَكُمُ : يضلكم ، بلغة هوزان.
وفيها بُوراً : هلكى ، بلغة عمان.
وفيها : فَنَقَّبُوا : هربوا ، بلغة اليمن.
وفيها : لا يَلِتْكُمْ : لا ينقصكم ، بلغة بنى عبس.
وفيها : مُراغَماً : منفسحا : بلغة هذيل.
وعن عمرو بن شرحبيل فى قوله تعالى : سَيْلَ الْعَرِمِ : المسناة ، بلغة اليمن.
وعن ابن عباس فى قوله تعالى : فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً. قال :
مكتوبا ، وهى لغة حميرية يسمون الكتاب ، أسطورا.
وبلغة كناية :
السفهاء : الجهال.
خاسئين : صاغرين.
شطره : تلقاءه.
لا خلاق : لا نصيب.
وجعلكم ملوكا : أحرارا.
قبيلا : عيانا.
معجزين : سابقين.
يعزب : يغيب.
تركنوا : تميلوا.
(1/515)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 119
فجوة : ناحية.
موئلا : ملجأ.
مبلسون : آيسون.
دحورا : طردا.
الخراصون : الكذابون.
أسفارا : كتبا.
أقتت : جمعت.
كنود : كفور للنعم.
وبلغة هذيل :
الرجز : العذاب.
شروا : باعوا.
عزموا الطلاق : حققوا.
صلدا : نقيا.
آناء الليل : ساعاته.
فورهم : وجههم.
مدرارا : متتابعا.
فرقانا : مخرجا.
حرض : حض.
عيلة : فاقة.
وليجة : بطانة.
انفروا : اغزوا.
السائحون : الصائمون
(1/516)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 120
العنت : الإثم :
ببدنك : بدرعك.
غمة : شبهة.
دلوك الشمس : زوالها.
شاكلته : ناحيته.
رجما : ظنا.
ملتحدا : ملجأ.
يرجو : يخاف.
هضما : نقصا.
هامدة : مغبرة.
واقصد فى مشيك : أسرع.
الأجداث : القبور.
ثاقب : مضىء.
بالهم : حالهم.
يهجعون : ينامون.
ذنوبا : عذابا.
دسر : المسامير.
تفاوت : عيب.
رجائها : نواحيها.
أطوارا : ألوانا.
بردا : نوما.
(1/517)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 121
واجفة : خائفة.
مسغبة : مجاعة.
المبذر : المسرف.
وبلغة حمير :
تفشلا : تجبنا.
عثر : اطلع.
سفاهة : جنون.
زيلنا : ميزنا.
مرجوا : حقيرا.
السقابة : الإناء.
مسنون : منتن.
إمام : كتاب.
ينغضون : يحركون.
حسبانا : بردا من الكبر.
عتيا : نحولا.
مأرب : حاجات.
خرجا : جعلا.
غراما : بلاء.
الصرح : البيت.
أنكر الأصوات : أقبحها.
يتركم : ينقضكم.
(1/518)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 122
مدينين : محاسبين رابية : شديدة.
وبيلا : شديدا.
وبلغه جرهم :
بجبار : بمسلط.
مرض : زنى.
القطر : النحاس.
محشورة : مجموعة.
معكوفا : محبوسا.
وبلغة جرهم :
فباءوا : استوجبوا.
شقاق : ضلال.
خيرا : مالا.
كدأب : كأشباه.
تعولوا : تميلوا.
يغنوا : يتمتعوا.
شرد : نكل.
أراذلنا : سفلتنا.
عصيب : شديد.
لفيفا : جميعا.
محسورا : منقطعا.
(1/519)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 123
حدب : جانب.
لحلال : السحاب.
لودق : المطر.
شرذمة : عصابة.
ريع : طريق.
ينسلون : يخرجون.
شوبا : مزجا.
الحبك : الطرائق.
سور : الحائط.
وبلغة أزد شنوءة :
لاشية : لا وضح.
العضل : الحبس.
أمة : سنين.
الرس : البئر.
كاظمين : مكروبين.
غسلين : الحارّ الذى تناهى حرّه.
لوّاحة : حرّاقة.
وبلغة مذحج :
رفث : جماع.
مقيتا : مقتدرا.
بظاهر من القول : بكذب.
(1/520)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 124
الوصيد : الفناء.
حقبا : دهرا.
الخرطوم : الأنف.
وبلغة خثعم :
تسيمون : ترعون.
مريج : منتشر.
صغت : مالت.
هلوعا : ضجورا.
وبلغة بلى.
الرجز : العذاب.
وبلغة ثقيف :
طائف من الشيطان : نخسة وبلغة ثعلب :
الأحقاف : الرمال.
شططا : كذبا.
وبلغة قيس عيلان :
نحلة : فريضة.
حرج : ضيق.
لخاسرون : مضيعون.
تفندون : تستهزئون.
صياصيهم : حصونهم.
تحبرون : تنعمون
(1/521)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 125
رجيم : ملعون.
يلتكم : ينقصكم.
وبلغة سعد العشيرة :
حفدة : أختان.
كلّ : عيال.
وبلغة كندة :
فجاجا : طرقا.
بست : فتتت.
تبتئس : تحزن.
وبلغة عذرة :
اخسئوا : اخزوا.
وبلغة حضرموت :
ربيون : رجال.
دمرن : أهلكنا.
لغوب : إعياء.
منسأته : عصاه.
وبلغة غسان :
طفقا : عمدا.
بئيس : شديد.
سىء بهم : كرهم.
وبلغة مزينة :
(1/522)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 126
لا تغلوا لا تزيدوا.
وبلغة لخم :
إملاق : جوع.
لتعلن : تقهرن.
وبلغة جذام :
جاسوا خلال الديار : تخللوا الأزقة.
وبلغة بنى حنيفة :
العقود : العهود.
الجناح : اليد.
الرهب : الفزع.
وبلغة اليمامة :
حصرت : ضاقت.
وبلغة سبأ :
تميلو ميلا عظيما : تخطئون خطأ بينا تبرنا : أهلكنا.
وبلغة سليم :
نكص : رجع.
وبلغة عمارة :
الصاعقة : صيحة العذاب وبلغة طيىء.
(1/523)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 127
ينعق : يصيح.
رغدا : خصبا.
سفه نفسه : خسرها.
يس : يا إنسان.
وبلغة خزاعة :
أفيضوا : انفروا.
الإفضاء : الجماع.
وبلغة عمان :
خبالا : غيا.
نفقا : سربا.
حيث أصاب : أراد.
وبلغة تميم :
أمد : نسيان.
بغيا : حسدا.
وبلغة أنمار :
طائرة : عمله.
أغش : أظلم.
وبلغة الأشعريين.
لأحتنكن : لأستأصلن.
تارة : مرة.
اشمأزّت : مالت ونفرت.
وبلغة الأوس :
(1/524)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 128
لينة : النخل.
وبلغة الخزرج :
ينغضون : يذهبون.
وبلغة مدين :
فافرق : فاقض.
وبلغة بلى :
الرجز : العذاب.
وبلغة ثقيف :
طائف من الشيطان : نخسة.
وبلغة ثعلب :
الأحقاف : الرمال.
ويقال : فى القرآن من اللغات خمسون لغة : لغة قريش ، وهذيل ، وكنانة ، وخثعم ،
والخزرج ، وأشعر ، ونمير ، وقيس عيلان ، وجرهم ، واليمن ، وأزد شنوءة ، وكندة ،
وتميم ، وحمير ، ومدين ، ولخم ، وسعد العشيرة ، وحضر موت ، وسدوس ، والعمالقة ،
وأنمار ، وغسان ، ومذحج ، وخزاعة ، وغطفان ، وسبأ ، وعمان ، وبنى حنيفة ، وثعلب ،
وطيىء ، وعامر بن صعصعة ، وأوس ، ومزينة ، وثقيف ، وجذام ، وبلى وعذرة ، وهوازن ،
والنمر ، واليمامة.
ومن غير العربية : الفرس ، والروم ، والنبط ، والحبشة ، والبربره ، والسريانية ،
والعبرانية ، والقبط.
وبلغة همدان :
الريحان : الرزق.
والعيناء : البيضاء.
والعبقرى : الطنافس :
(1/525)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 129
و بلغة نصر بن معاوية : الختار : الغدار.
وبلغة عامر بن صعصعة :
الحفدة : الخدم.
وبلغة ثقيف.
العول : الميل.
وبلغة عك :
الصورة : القرن.
(م 9 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/526)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 130
44 ما وقع فيه بغير لغة العرب
اختلف الأئمة فى وقوع المعرب فى القرآن ، فالأكثرون على عدم وقوعه فيه لقوله تعالى
: قُرْآناً عَرَبِيًّا وقوله تعالى : وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا
لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ.
وقد شدّد الشافعى النكير على القائل بذلك.
وقال أبو عبيدة : إنما أنزل القرآن بلسان عربىّ مبين. فمن زعم أن فيه غير العربية
فقد أعظم القول ، ومن زعم أن (كذّابا) بالنبطية فقد أكبر القول.
وقال ابن أوس : لو كان فيه من لغة العرب شىء لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن
الإتيان بمثله لأنه أتى بلغات لا يعرفونها.
وقال ابن جرير : ما ورد عن ابن عباس وغيره من تفسير ألفاظ من القرآن إنها
بالفارسية والحبشية والنبطية أو نحو ذلك ، إنما اتفق فيها توارد اللغات ، فتكلمت
بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد.
ولقد كان للعرب العاربة ، التى نزل القرآن بلغتهم بعض مخالطة لسائر الألسن في
أسفارهم ، فعلقت من لغاتهم ألفاظا غيرت بعظها بالنقص من حروفها واستعملتها فى
أشعارها ومحاوراتها ، حتى جرت مجرى العرب الفصيح ، ووقع بها البيان ، وعلى هذا
الحدّ نزل بها القرآن. وكل هذه الألفاظ عربية صرفة.
وقيل : إن هذه الألفاظ الأعجمية وقعت للعرب فعرّبتها بألسنتها ، وحوّلتها عن ألفاظ
العجم إلى ألفاظها ، فصارت عربية ، ثم نزل القرآن ، وقد اختلطت هذه الحروف بكلام
العرب ، فمن قال : إنها عربية فهو صادق ، ومن قال : عجمية ، فصادق.
وهذا سرد الألفاظ الواردة فى القرآن من ذلك ، مرتبة على حروف المعجم :
(1/527)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 131
أباريق. حكى الثعالبى فى فقه اللغة أنها فارسية. وقال الجواليقى :
الإبريق ، فارسى معرب ، ومعناه : طريق الماء ، أو صبّ الماء على هينة.
أبّ ، قال بعضهم : هو الحشيش ، بلغة العرب.
ابلعى ، فى قوله تعالى : (ابلعى ماءك) بالحبشية : ازدرديه وقيل : اشربى.
بلغة الهند.
أخلد إلى الأرض : ركن ، بالعبرية.
الأرانئك ، السرر ، بالحبشية.
آزر ، إنه ليس بعلم لأبى إبراهيم ولا للصنم.
وعن معتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبى يقرأ : وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ
آزَرَ بالرفع ، قال : بلغنى أنها أعوج ، وأنها أشد كلمة قالها إبراهيم لأبيه.
وقال بعضهم : هى بلغتهم ، يا مخطىء.
أسباط ، هى بلغتهم كالقبائل بلغة العرب.
إستبرق ، عن الضحاك : أنه الديباج الغليظ ، بلغة العجم.
أسفار ، هى الكتب ، بالسريانية ، وعن الضحاك قال : هى الكتب.
بالنبطية.
إصرى ، معناه : عهدى ، بالنبطية.
أكواب ، الأكواز ، بالنبطية. وعن الضحاك : أنها بالنبطية ، وأنها جرار ليست لها
عرى.
إلّ اسم اللَّه تعالى ، بالنبطية.
أليم : الموجع ، بالزنجية ، وقيل : بالعبرانية.
إناه ، نضجه ، بلسان أهل المغرب ، وقيل : بلغة البربر.
وقيل فى قوله تعالى : (حميم آن) ، هو الذى انتهى حرّه بها ، وفى قوله تعالى : (من
عين آنية) ، أى حارّة بها.
(1/528)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 132
أواه ، عن ابن عباس قال : الأوّاه : الموقن ، بلسان الحبشة ، وقيل :
الرحيم ، بلسان الحبشة ، وقيل : الأوّاه : الدعاّء. بالعبرية.
الأوّاب و: المسبح ، بلسان الحبشة. وقيل فى قوله : (وأوّبى معه) :
سبحى ، بلسان الحبش.
(الأولى والآخرة) : (الجاهلية الأولى) : أى الآخرة ، (فى الملة الآخرة) : أى
الأولى ، بالقبطية ، والقبط يسمون الآخرة الأولى ، والأولى الآخرة.
بطائنها ، قيل فى قوله تعالى : (بطائنها من إستبرق) أى ظواهرها ، بالقبطية.
بعير ، فى قوله تعالى : (كيل بعير) ، أى : كيل حمار ، وقيل : إن البعير كل ما يحمل
عليه ، بالعبرانية.
بيع ، قيل : البيعة والكنيسة ، جعلهما بعض العلماء فارسيين معربين.
تنور ، فارسى معرب.
تتبيرا ، فى قوله تعالى (وليتبروا ما علوا تتبيرا) قيل : تبرة ، بالنبطية.
تحت ، فى قوله تعالى : فَناداها مِنْ تَحْتِها ، أى بطنها ، بالنبطية.
الجبت ، عن ابن عباس ، قال : الجبت : اسم الشيطان بالحبشية ، وعن ، عكرمة قال :
الجبت ، بلسان الحبشة : الشيطان ، وعن سعيد بن جبير قال :
الجبت : الساحر ، بلسان الحبشة.
جهنم ، قيل : عجمية ، وقيل : فارسية ، وقيل : عبرانية ، أصلها كهنام.
جرم. عن عكرمة ، قال : وجرم : وجب ، بالحبشية.
حصب ، عن ابن عباس ، فى قوله تعالى : (حصب جهنم). قال : حطب جهنم بالزنجية.
حطة ، قيل ، معناه : قولوا صوابا ، بلغتهم.
(1/529)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 133
حواريون ، عن الضحاك قال : الحواريون : الغسالون بالنبطية ، وأصله ، هوارى.
حوب ، عن ابن عباس أنه قال : حوبا : إثما ، بلغة الحبشة.
درست ، معناه : قوأت ، بلغة اليهود.
درّىّ معناه : المضىء ، بالحبشية.
دينار ، فارسى.
راعنا ، عن ابن عباس قال : راعنا : سبّ بلسان اليهود.
ربانيون ، قال أبو عبيدة : العرب لا تعرف الربانيين ، وإنما عرفها الفقهاء وأهل
العلم. قال : وأحسب الكلمة ليست بعربية ، وإنما هى عبرانية أو سريانية.
الرحمن ، عبرانى ، وأصله الخاء المعجمة.
الرسّ ، عجمى ، ومعناه ، البئر.
الرقيم ، قيل : إنه اللوح بالرومية ، وقيل : هو الكتاب بها. وقيل الدواة بها.
رمزا ، من المعرب ، وهو تحريك الشفتين. بالعبرية.
رهوا أى سهلا دمثا بلغة النبط ، وقيل : أى ساكنا ، بالسريانية.
الروم ، أعجمىّ ، اسم لهذا الجيل من الناس.
زنجبيل ، فارسى.
السجل ، عن ابن عباس معرب.
سجيل ، بالفارسية ، أولها حجارة وآخرها طين.
سجين ، غير عربى.
سرادق ، فارسى معرب ، وأصله سرادار ، وهو الدهليز. وقيل : إنه بالفارسية : سرابرده
: أى ستر الدار.
(1/530)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 134
سرىّ ، نهر بالسريانية. وقيل : إنه باليونانية.
سفرة ، عن ابن عباس فى قوله تعالى : (بأيدى سفرة) قال ، بالنبطية :
القراء.
سقر ، عجمية.
سجدا ، أى مقنعى الرءوس ، بالسريانية.
سكرا ، عن ابن عباس ، قال : السكر ، بلسان الحبشة : الخل.
سلسبيل ، عجمى.
سندس : هو رقيق الديباج ، بالفارسية ، ولم يختلف أهل اللغة والمفسرون فى أنه معرب.
وقيل : هو بالهندية.
سيدها ، أى زوجها بلسان القبط.
سيناء ، بالنبطية : الحسن.
سينين ، الحسن ، بلسان الحبشة.
شطرا : تلقاء ، بلسان الحبش.
شهر ، ذكر بعض أهل اللغة أنه بالسريانية.
الصراط : الطريق ، بلغة الروم.
صرهن ، هى نبطية ، شققهن ، قطعهن.
صلوات ، هى بالعبرانية : كنائس اليهود ، وأصلها صلوتا.
طه ، هو كقولك : يا محمّد. بلسان الحبش. وقيل : طه.
يا رجل ، بالنبطية. وقيل : طه : يا رجل بلسان الحبشة.
الطاغوت ، هو الكاهن. بالحبشية.
طفقا ، : معناه : قصدا بالرومية.
طوبى : اسم الجنة بالحبشة. وقيل بالهندية.
طور ، الطور : الجبل ، بالسريانية. وقيل : بالنبطية.
(1/531)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 135
طوى ، هو معرب ، معناه ، ليلا ، وقيل ، هو رجل بالعبرانية.
عبدت ، معناه : قتلت بلغة النبط.
عدن ، فى قوله تعالى : جَنَّاتِ عَدْنٍ ، قيل : جنات الكروم والأعناب ، بالسريانية
، وقيل : بالرومية.
العرم ، بالحبشية ، هى المسناة التى تجمع فيها الماء ثم ينبثق.
الغسّاق : البارد المنتن ، بلسان الترك. وقيل : الغساق : المنتن ، وهو بالطحارية.
غيض ، نقص ، بلغة الحبشة.
فردوس ، بستان ، بالرومية. وقيل : الكرم ، بالنبطية ، وأصله فرداسا.
فوم ، هو الحنطة بالعبرية.
قراطيس ، يقال إن القرطاس أصله غير عربى.
قسط ، قيل : القسط : العدل بالرومية.
قسطاس : القسطاس : العدل بالرومية. وقيل : القسطاس ، بلغة الروم ، الميزان.
قسورة ، قيل : الأسد ، يقال له بالحبشية : قسورة.
قطنا ، معناه ، كتابنا ، بالنبطية.
قفل ، فارسى معرب.
قمل ، هو الدبا بلسان العبرية والسريانية وقيل : إنه فارسى معرب.
قنطار ، بالرومية : اثنتا عشر ألف أوقية ، وزعموا أنه بالسريانية. ملء جلد ثور
ذهبا أو فضة. وقيل : إنه بلغة بربر. ألف مثقال ، وقيل : إنه ثمانية آلاف مثقال ،
بلسان أهل إفريقية.
القيوم ، هو الذى لا ينام بالسريانية.
كافور ، فارسى معرب.
(1/532)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 136
كفّر ، كفر عنا ، معناه : امح عنا ، بالنبطية ، وقيل ، فى قوله تعالى : كَفَّرَ
عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ بالعبرانية : محا عنهم.
كفلين ، ضعفين بالحبشية.
كنز ، فارسى معرب.
كوّرت ، غوّرت ، وهى بالفارسية.
لينة ، النخلة. بلسان يهود يثرب.
متكأ ، بلسان الحبش ، يسمون (الترنج) : متكأ.
مجوس ، أعجمى.
مرجان ، أعجمى.
مسك فارسى.
مشكاة ، قيل : المشكاة : الكوّة بلغة الحبشة.
مقاليد ، مفاتيح ، بالفارسية ، والإقليد والمقليد : المفتاح ، فارسى معرب.
مرقوم ، فى : أى مكتوب ، بلسان العربية.
مزجاة ، قليلة ، بلسان العجم ، وقيل ، بلسان القبط.
ملكوت ، هو الملك ، ولكنه بكلام النبطية ملكوتا ، وقيل بلسان النبط.
مناص ، معناه : فرار ، بالنبطية.
منسأة ، عصا ، بلسان الحبشة.
منفطر ، قيل فى قوله تعالى : (السماء منفطر به) أى : ممتلئة به. بلسان الحبشة.
مهل : عكر الزيت ، بلسان أهل المغرب ، وقيل : بلغة البربر.
ناشئة ، قيل : ناشئة الليل : قيام الليل ، بالحبشية.
ن ، فارسى ، أصله أنون ، ومعناه : اصنع ما شئت.
(1/533)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 137
هدنا : معناه ، تبنا ، بالعبرانية.
هود ، الهود : اليهود ، أعجمى.
هون ، قيل فى قوله تعالى : (يمشون على الأرض هونا) : حكماء ، بالسريانية ، وقيل :
بالعبرانية.
هيت لك : هلمّ لك ، بالقبطية. وقيل : هى بالسريانية كذلك وقيل :
هى بالحورانية ، وقيل : هى بالعبرانية ، وأصله : هينلج ، أى : تعال.
وراء ، قيل : معناه ، أمام ، بالنبطية ، وهى غير عربية.
وردة ، غير عربية.
وزر : جبل وملجأ ، بالنبطية.
ياقوت ، فارسى.
يحور ، يرجع ، بلغة الحبشة.
يس ، يا إنسان ، بالحبشية. وقيل : يا رجل ، بلغة الحبشة.
يصدون : يضجون ، بالحبشية.
يصهر : ينضج ، بلسان أهل المغرب ، وقيل بالقبطية.
اليم ، قال ابن قتيبة : اليم : البحر بالسريانية. وقال ابن الجوزى العبرانية.
وقيل بالقبطية.
اليهود ، أعجمىّ معرّب ، منسوبون إلى يهوذ بن يعقوب ، فعرّب بإهمال الدال.
(1/534)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 138
45 معرفة الوجوه والنظائر
الوجوه : اللفظ المشترك الذى يستمل فى عدة معان ، كلفظ الأمة.
والنظائر : كالألفاظ المتوطئة ، وقيل : النظائر فى اللفظ ، والوجوه فى المعانى ،
وقد جعل بعضهم ذلك من أنواع معجزات القرآن ، حيث كانت الكلمة الواحدة تنصرف إلى
عشرين وجها وأكثر وأقل ، ولا يوجد ذلك فى كلام البشر.
وفى حديث : و
فى الحديث : «لا يكون الرجل فقيها كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة».
وقد فسره بعضهم بأن المراد أن يرى اللفظ الواحد يحتمل معانى متعددة فيحمله عليها ،
إذا كانت غير متضادة ، ولا يقتصر به على معنى واحد.
و
عن ابن عباس ، أن علىّ بن أبى طالب أرسله إلى الخوارج ، فقال :
اذهب إليهم فخاصمهم ولا تحاجهم بالقرآن فإنه ذو وجوه ، ولكن خاصمهم بالسنة ، فخرج
إليهم فخاصمهم بالسنن صلّى اللَّه عليه وسلم ، فلم تبق بأيديهم حجة.
وأمثلة هذا النوع.
من ذلك : الهدى ، يأتى على سبعة وجها ، بمعنى : الثبات : (اهدنا السراط المستقيم).
والبيان : أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ.
والدين : إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ.
والإيمان : وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً.
والدعاء : وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ.
وبمعنى الرسل والكتب : فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً.
والمعرفة : وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ.
(1/535)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 139
و بمعنى النبى صلّى اللَّه عليه وسلم : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا
مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى .
وبمعنى القرآن : وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى .
والتوراة : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى .
والاسترجاع : وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.
و الحجة : لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ بعد قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أى لا يهديهم حجة.
والتوحيد : إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ.
والسنة : فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ.
والإصلاح : أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ.
والإلهام : أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ، أى المعاش.
والتوبة : إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ.
والإرشاد : صلّى اللَّه عليه وسلم أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ.
ومن ذلك : السوء ، يأتى على أوجه.
الشدة : يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ.
والعقر : وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ.
والزنى : ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً.
والبرص : بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ.
والعذاب : إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ.
والشرك : ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ.
والشتم : لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ.
والذنب : يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ.
وبمعى بئس : وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ.
(1/536)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 140
و الضرّ : وَيَكْشِفُ السُّوءَ.
والقتل والهزيمة : لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ.
ومن ذلك : الصلاة ، تأتى على أوجه :
الصلوات الخمس : يُقِيمُونَ الصَّلاةَ.
وصلاة العصر : تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ.
وصلاة الجمعة : إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ.
والجنازة : وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ.
والدعاء : وَصَلِّ عَلَيْهِمْ.
والدين : أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ.
والقراءة : وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ.
والرحمة والاستغفار : إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ.
ومواضع الصلاة : وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ.
ومن ذلك : الرحمة ، وردت على أوجه.
الإسلام : يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ.
والإيمان : وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ.
والجنة : فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
و المطر : بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ.
والنعمة : وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ.
والنبوّة : أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ.
والقرآن : قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ.
والرزق : خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي.
والنصر والفتح : إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً.
(1/537)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 141
و العافية : أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ.
والمودة : رَأْفَةً وَرَحْمَةً.
والسعة : تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ.
والمغفرة : كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.
والعصمة : لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ.
ومن ذلك : الفتنة : وردت على أوجه.
الشرك : وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ.
والإضلال : ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ.
والقتل : أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا.
والصدّ : وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ.
والضلالة : وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ.
والمعذرة : ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ.
والقضاء : إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ.
والإثم : أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا.
والمرض : يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ.
والعبرة : لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً.
والعقوبة : أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ.
والاختبار : وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.
والعذاب : جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ.
والإحراق : يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ.
والجنون : بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ.
ومن ذلك : الروح ، ورد على أوجه :
(1/538)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 142
الأمر : وَرُوحٌ مِنْهُ.
والوحى : يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ.
والقرآن : أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا.
والرحمة : وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ.
والحياة : فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ.
وجبريل : فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا
.
وملك عظيم : يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ.
و جيش من الملائكة : تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها.
وروح البدن : وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ.
ومن ذلك القضاء ، ورد على أوجه.
الفراغ : فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ.
والأمر : إِذا قَضى أَمْراً.
والأجل : فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ.
والفصل : لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ.
والمضىّ : لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا.
والهلاك : لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ.
والوجوب : قُضِيَ الْأَمْرُ.
والإبرام : فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها.
والإعلام : وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ.
والوصية : وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ.
والموت : فَقَضى عَلَيْهِ.
والنزول : فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ.
(1/539)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 143
و الخلق : فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ.
والفعل : كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ يعنى حقا لم يفعل.
والعهد : إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ.
ومن ذلك : الذكر ، ورد على أوجه :
ذكر اللسان : فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ.
وذكر القلب : ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ.
والحفظ : وَاذْكُرُوا ما فِيهِ.
والطاعة والجزاء : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ.
والصلوات الخمس : فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ.
والعظة : فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ.
والبيان : أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ.
والحديث : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ : أى حدثه بحالى.
والقرآن : وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي.
والتوراة : فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ.
والخبر : سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً.
والشرف : وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ.
والعيب : هذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ.
واللوح المحفوظ : مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ.
والثناء : وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً.
والوحى : فَالتَّالِياتِ ذِكْراً.
والرسول : ذِكْراً رَسُولًا.
والصلاة : وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ.
(1/540)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 144
وصلاة الجمعة : فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ.
وصلاة العصر : عَنْ ذِكْرِ رَبِّي.
ومن ذلك : الدعاء : ورد على أوجه : .
العبادة : وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ.
والاستعانة : وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ.
والسؤال : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.
والقول : دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ.
والنداء : يَوْمَ يَدْعُوكُمْ.
والتسمية : لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ
بَعْضاً.
ومن ذلك : الإحصاء ، ورد على أوجه :
العفة : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ.
والتزوّج : فَإِذا أُحْصِنَّ.
والحرية : نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ.
(1/541)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 145
46 الأدوات التى يحتاج إليها المفسر
يعنى الحروف وما شاكلها من الأسماء والأفعال والظروف :
الهمزة : تأتى على وجوه :
الوجه الأول : الاستفهام ، وحقيقته طلب الإفهام ، وهى أصل أدواته ومن ثم اختصت
بأمور :
أحدها : جواز حذفها.
ثانيها : أنها ترد لطلب التصوّر والتصديق ، بخلاف هل ، فإنها للتصديق خاصة ، وسائر
الأدوات للتصوّر خاصة.
ثالثها : أنها تدخل على الإثبات ، وتفيد حينئذ معنيين : أحدهما التذكير - والآخر
التعجب من الأمر العظيم.
رابعها : تقديمها على العاطف تنبيها على أصالتها فى التصدير.
خامسها : أنه لا يستفهم بها حتى يهجس فى النفس إثبات ما يستفهم عنه ، سادسها :
أنها تدخل على الشرط.
وتخرج عن الاستفهام الحقيقى فتأتى لمعان ستذكر بعد.
أحد : هو اسم أكمل من الواحد ، ألا ترى أنك إذا قلت فلان لا يقوم له واحد جاز فى
المعنى أن يقوم اثنان فأكثر ، بخلاف قولك لا يقوم له أحد.
وفى الأحد خصوصية ليست تبقى فى الواحد ، تقول : ليس فى الدار واحد ، فيجوز أن يكون
من الدوابّ والطير والوحش والإنس ، فيعم الناس وغيرهم ، بخلاف ليس فى الدار أحد ،
فإنه مخصوص بالآدميين دون غيرهم.
وقيل : ويأتى الأحد فى كلام العرب بمعنى الأول ، وبمعنى الواحد ، فيستعمل فى
الإثبات وفى النفى نحو : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أى واحد وأول وبخلافهما فلا
يستعمل إلا فى النفى ، تقول : ما جاءنى من أحد.
(م 10 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/542)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 146
و واحد : يستعمل فيهما مطلقا.
وأحد : يستوى فيه المذكر والمؤنث.
وأحد : يصلح فى الإفراد والجمع - بخلاف الواحد.
والأحد : له جمع من لفظه وهو الأحدون والآحاد ، وليس للواحد جمع.
من لفظه ، فلا يقال واحدون بل اثنان وثلاثة.
والأحد : ممتنع الدخول فى الضرب والعدد والقسمة ، وفى شىء من الحساب ، بخلاف
الواحد.
إذ : ترد على أوجه :
أحدها : أن تكون اسما للزمن الماضى ، وهو الغالب.
الوجه الثانى : أن تكون للتعليل.
الوجه الثالث : التوكيد ، بأن تحمل على الزيادة.
الوجه الرابع : التحقيق ، كقد.
إذا : على وجهين :
أحدهما : أن تكون للمفاجأة فتختص بالجمل الاسمية ، ولا تحتاج لجواب لا تقع فى
الابتداء ، ومعناها الحال لا الاستقبال.
الثانى : أن تكون لغير المفاجأة ، فالغالب أن تكون ظرفا للمستقبل مضمنة معنى الشرط
، وتختص بالدخول على الجمل الفعلية ، وتحتاج لجواب ، وتقع فى الابتداء عكس
الفجائية ، والفعل بعدها إما ظاهر ، أو مقدر.
إذن : معناها : الجواب والجزاء. فى كل موضع. وقيل فى الأكثر ، والأكثر ، أن تكون
جوابا ل (إن) ، أو (لو) ظاهرتين أو مقدرتين ، وحيث جاءت بعدها اللام فقبلها (لو)
مقدرة ، إن لم تكن ظاهرة ، وهى حروف ينصب المضارع بها بشرط تصديرها واستقباله
واتصاله ، أو انفصالها بالقسم ، أو بلا الناقية.
وإذا وقعت بعد الواو والفاء جاز والتحقيق أنه إذا تقدمها شرط وجزاء وعطف ، فإن
قدرت العطف على الجواب جزمت ، وبطل عمل (إذا) لوقوعها
(1/543)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 147
حشوا ، أو على الجملتين جميعا جاز الرفع والنصيب ، وكذا إذا تقدمها مبتدأ خبره فعل
مرفوع ، إن عطفت على الفعلية رفعت ، أو الاسمية فالوجهام.
وقيل : إذن نوعان.
الأول : أن تدل على إنشاء السببية والشرط بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها وهى فى
هذا الوجه عاملة تدخل على الجمل الفعلية ، فتنصب المضارع المستقبل المتصل إذا
صدرت.
والثانى : أن تكون مؤكدة لجواب ارتبط بمقدم ، أو منبهة على مسبب حصل فى الحال ،
وهى حينئذ غير عاملة ، لأن المؤكدات لا يعتمد عليها ، والعامل يعتمد عليه ، ألا
ترى أنها لو سقطت لفهم الارتباط.
وتدخل هذه على الاسمية ، ويجوز توسطها وتأخرها.
أفّ : كلمة تستعمل عند التضجر والتكرّه. وقد حكى أبو البقاء فى قوله تعالى : فَلا
تَقُلْ لَهُما أُفٍّ قولين :
أحدهما : أنه اسم لفعل الأمر : أى كفا واتركا.
والثانى : أنه اسم لفعل ماض : أى كرهت وتضجرت.
وحكى غيره ثالثا : أنه لفعل مضارع : أى أتضجر منكما وحكى فيها تسع وثلاثون لغة.
قرىء منها فى السبع : أفّ بالكسر بلا تنوين ، وأفّ بالكسر والتنوين ، وأفّ بالفتح
بلا تنوين. وفى الشاذ أفّ بالضم منونا وغير منون ، وأف بالتخفيف.
أل : على ثلاثة أوجه.
أحدها : أن تكون اسما موصولا بمعنى (الذى) وفروعه ، وهى الداخلة على أسماء
الفاعلين والمفعولين وهى حينئذ حرف تعريف ، وقيل موصول حرفى.
الثانى : أن تكون حرف تعريف ، وهى نوعان :
عهدية ، وجنسية ، وكل منهما ثلاثة أقسام.
فالعهدية : إما أن يكون مصحوبها معهودا ذكريّا ، وضابط هذه أن يسدّ الضمير مسدها
مع مصحوبها.
(1/544)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 148
أو معهودا ذهنيا.
أو معهودا حضوريّا.
و كذا كل واقعة بعد اسم الإشارة ، أو (أى) فى النداء ، وإذ الفجائية ، أو فى اسم
الزمان الحاضر ، نحو : الآن.
والجنسية :
إما لاستغراق الإفراد ، وهى التى يخلفها (كل) حقيقة ، ومن دلائلها صحة الاستثناء
من مدخولها ، ووصفه بالجمع.
وإما لاستغراق خصائص الأفراد ، وهى التى يخلفها (كل) مجازا.
وإما لتعريف الماهية والحقيقة والجنس ، وهى التى لا يخلفها (كل) ، لا حقيقة ولا
مجازا.
والفرق بين المعروف بأل هذه وبين اسم الجنس النكرة هو الفرق بين المقيد والمطلق ،
لأن المعرف بها يدل على الحقيقة بقيد حضورها فى الذهن ، واسم الجنس النكرة يدل على
مطلق الحقيقة لا باعتبار قيد.
الثالث : أن تكون زائدة ، وهى نوعان :
لازمة كالتى فى الموصولات على القول بأن تعريفها بالصلة ، وكالتى فى الأعلام
المقارنة لنقلها كاللات والعزى ، أو لغلبتها كالبيت للكعبة والمدينة لطيبة والنجم
للثريا ، وهذه فى الأصل للعهد.
واختلف فى (أل) فى أسم اللَّه تعالى ، فقيل : هى عوض من الهمزة المحذوقة ، بناء
على أن أصله : إله ، دخلت (أل) فنقلت حركة الهمزة إلى اللام ثم أدغمت ، ويدل على
ذلك قطع همزها ولزومها.
وقيل : هى مزيدة للتعريف تفخيما وتعظيما ، وأصل إله : أولاه.
وقيل : هى زائدة لازمة لا للتعريف.
وقيل : أصله هاء الكناية ، زيدت فيه لام الملك فصار : له ، ثم زيدت (أل) تعظيما
وفخموه توكيدا. هو اسم علم لا اشتقاق له ولا أصل.
(1/545)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 149
ألا : بالفتح والتخفيف ، وردت فى القرآن على أوجه :
أحدها : التنبيه ، فتدل على تحقيق ما بعدها ، ولذلك قلّ وقوع الجمل بعدها إلا
مصدرة بنحو ، ما يتلقى به القسم ، وتدخل على الاسمية والفعلية والمعربون يقولون
فيها : حرف استفتاح ، فيبينون مكانها ويهملون معناها وإفادتها التحقيق من جهة
تركيها من الهمزة ولا. وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفى أفادت التحقيق.
الثانى والثالث : التحضيض والعرض ، ومعناهما طلب الشىء ، لكن الأول طلب بحثّ
والثانى طلب بلين ، وتختص فيها بالفعلية.
ألّا : بالفتح والتشديد : حرف تحضيض ، لم يقع فى القرآن لهذا المعنى ، إلا أنه
يجوز أن يخرّج عليه : أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ وأما قوله تعالى : أَنْ لا
تَعْلُوا عَلَى فليست هذه ، بل هى كلمتات : أن ، الناصبة ، ولا ، النافية ، وأن
المفسرة ، ولا الناهية.
إلّا : بالكسر والتشديد ، على أوجه.
أحدها : الاستثناء متصلا ، أو منقطعا.
الثانى : أن تكون بمعنى غير ، فيوصف بها وبتاليها جمع منكر أو شبهه ، ويعرف الاسم
الواقع بعدها بإعراب (غير).
الثالث : أن تكون عاطفة بمنزلة الواو فى الترسيل.
الرابع : بمعنى : بل.
الخامس : بمعنى بدل ، ومنه آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ أى بدل اللَّه أو عوضه.
الآن : اسم للزمن الحاضر ، وقد يستعمل فى غيره مجازا.
وقيل : هى محل للزمانين : أى ظرف للماضى وظرف للمستقبل ، وقد يتجوّز بها عما قرب
من أحدهما.
وقيل : لوقت حضر جميعه كوقت فعل الإنشاء حال النطق به أو بعضه.
وقيل : وظرفيته غالبة لا لازمة.
(1/546)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 150
و اختلف فى (أل) التى فيه ، فقيل للتعريف الحضورى ، وقيل زائدة لازمة.
إلى : حرف جر ، له معان.
أشهرها : انتهاء الغاية زمانا ، أو مكانا ، أو غيرهما.
ومنها : المعية ، وذلك إذا ضممت شيئا إلى آخر فى الحكم به أو عليه أو التعليق.
ومنها : الظرفية ، كفى.
ومنها مرادفة اللام.
ومنها : التبيين. وهى المبينة لفاعلية مجرورها بعد ما يفيد حبّا أو بغضا ، أو اسم
تفضيل.
ومنها : التوكيد ، وهى الزائدة.
اللهم : معناه يا اللَّه ، حذقت ياء النداء وعوض منها الميم المشددة فى آخره.
وقيل : أصله : يا أللَّه أمنا ، بخير ، فركب تركيب : حيهلا ، مزج.
وقيل : الميم فيها تجمع سبعين اسما من أسمائه.
وقيل : إنها الاسم الأعظم ، واستدل لذلك بأن (اللَّه) دالّ على الذات ، والميم ،
دالة على الصفات التسعة والتسعين.
و قالوا : من قال : اللهم ، فقد دعا اللَّه بجميع أسمائه.
أم : حرف عطف ، وهى نوعان :
متصلة ، وهى قسمان :
الأول : أن يتقدم عليها ، همزة التسوية.
والثانى : أن يتقدم عليها همزة يطلب بها وبأم التعيين.
وسميت فى القسمين متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر.
(1/547)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 151
و تسمى أيضا معادلة مادتها للهمزة فى إفادتها التسوية فى القسم الأول ، والاستفهام
فى الثانى.
النوع الثانى : منقطعة ، وهى ثلاثة أقسام.
مسبوقة بالخير المحض.
ومسبوقة بالهمزة لغير الاستفهام.
ومسبوقة باستفهام بغير الهمزة.
ومعنى أم المنقطعة : الذى لا يفارقها الإضراب ، ثم تارة تكون له مجردا ، وتارة
تضمن مع ذلك استفهاما إنكاريّا.
أمّا : بالفتح والتشديد حرف شرط وتفصيل وتوكيد.
أما كونها حرف شرط فبدليل لزوم الفاء بعدها.
وأما التفصيل فهو غالب أحوالها وقد يترك تكرارها استغناء بأحد القسمين عن الآخر.
وأما التوكيد فهى أن تعطى الكلام فضل توكيد.
إمّا : بالكسر والتشديد ، ترد لمعان :
الإبهام ، والتفصيل.
إن : بالكسر والتخفيف ، على أوجه :
الأول : أن تكون شرطية ، وإذا دخلت على (لم) فالجزم بلم لا بها - أو على (لا)
فالجزم بها لا «لا» ، والفرق أن (لم) عامل يلزم معمولا ، (لا) يفصل بينهما بشىء.
وأن يجوز الفصل بينها وبين معمولها بمعمولة ، و(لا) ، لا تعمل الجزم إذا كانت
نافية ، فأضيف العمل إلى (إن).
قيل : ولا تقع وبعدها (إلا). أو (لما) ، المشددة.
وكونها للنفى هو الوارد.
وقد اجتمعت الشرطية والنافية فى قوله : وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ
أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ.
(1/548)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 152
و إذا دخلت النافية على الاسمية لم تعمل عند الجمهور. وأجاز بعضهم إعمالها عمل (ليس).
وكل شىء فى القرآن «إن» فهو إنكار.
والثالث : أن تكون مخففة من الثقيلة ، فتدخل على الجملتين ، ثم الأكثر إذا دخلت
على الاسمية إهمالها.
و إذا دخلت على الفعل فالأكثر كونه ماضيا ناسخا ودونه أن يكون مضارعا ناسخا ، وحيث
وجدت (إن) وبعدها اللام المفتوحة فهى المخففة من الثقيلة.
الرابع : أن تكون زائدة.
الخامس : أن تكون للتعليل.
أن : بالفتح والتخفيف على أوجه.
الأول : أن تكون حرفا مصدريّا ناصبا لمضارع ، ويقع فى موضعين ، فى الابتداء ،
فيكون فى محل رفع ، وبعد لفظ دال على معنى غير اليقين فيكون فى محل رفع ، ونصيب ،
وخفض ، وأن هذه موصول حرفى ، وتوصل بالفعل المتصرف مضارعا ، وماضيا ، وقد يرفع
المضارع بعدها إهمالا لها حملا على «ما» أختها.
الثانى : أن تكون من الثقيلة ، فتقع بعد فعل اليقين أو ما نزل منزلته.
الثالث : أن تكون مفسرة بمنزلة «أى» ، وشرطها أن تسبق بجملة ، وألا يدخل عليها حرف
جر.
الرابع : أن تكون زائدة ، والأكثر أن يقع بعد (لما) التوقيتية ، نحو (ولما أن جاءت
رسلنا لوطا) ، وزعم بعضهم أنها تنصب المضارع وهى زائدة.
الخامس : أن تكون شرطية كالمكسورة.
السادس : أن تكون نافية.
السابع : أن تكون للتعليل.
(1/549)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 153
الثامن : أن تكون بمعنى : لئلا.
إنّ : بالكسر والتشديد ، على أوجه :
أحدها : التأكيد والتحقيق ، وهو الغالب ، والتأكيد بها أقوى من التأكيد باللام ،
وأكثر مواقعها بحسب الاستقراء الجواب السؤال ظاهر أو مقدر إذا كان للسائل فيه ظن.
الثانى : التعليل ، وهو نوع من التأكيد.
الثالث : معنى «نعم».
أنّ : بالفتح والتشديد ، على وجهين :
أحدهما : أن تكون حرف تأكيد ، والأصح أنها فرع المكسورة ، وأنها موصول حرفى فتؤول
مع اسمها وخبرها بالمصدر ، فإن كان الخبر مشتقّا فالمصدر المؤول به من لفظه ، وإن
كان جامدا قدر بالكون.
الثانى : أن يكون لغة فى (لعل).
أنّى : اسم مشترك بين الاستفهام والشرط.
فأما الاستفهام فترد فيه بمعنى كيف ، ومن أين ، وبمعنى : متى.
أو : حرف عطف ، ترد لمعان.
الشك من المتكلم.
وعلى الإبهام على السامع.
و التخيير بين المعطوفين بأن يمتنع الجمع بينهما.
والإباحة بأن لا يمتنع الجمع.
والتفصيل بعد الإجمال.
والإضراب ب «بل».
والتقريب.
ومعنى (إلا) فى الاستثناء ومعنى (إلى).
(1/550)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 154
أولى :
أولى لك ، كلمة تهديد ووعيد ، معناه : قاربه ما يهلكه : أى نزل به.
وقيل : هو اسم فعل مبنى ، ومعناه : وليك شر بعد شر ، و(لك) تبيين.
وقيل : هو علم للوعيد غير مصروف ، ولذا لم ينوّن ، وأن محله رفع على الابتداء ،
ولك الخبر ، ووزنه على هذا : فعلى ، والألف للإلحاق.
وقيل : معناه : الويل لك ، مقلوب منه ، والأصل : أويل : فأخر حرف العلة.
وقيل : معناه الذم لك أولى من تركه ، فحذف المبتدأ لكثرة دورانه فى الكلام.
وقيل : أنت أولى وأجدر لهذا العذاب.
وقيل : أولى ، فى كلام العرب ، معناه : مقارنة الهلاك ، كأنه يقول : قد وليت
الهلاك ، أو قد دانيت الهلاك ، وأصله من الولى ، وهو القرب ، والعرب تقول : أولى
لك : أى كدت تهلك ، وكأن تقديره : أولى لك آلهلكة.
إى : بالكسر والسكون ، حرف جواب ، بمعنى : نعم ، فتكون لتصديق الخبر. ولإعلام
المستخبر ، ولوعد الطالب.
ولا تقع إلا قبل القسم. وإلا بعد الاستفهام.
أىّ : بالفتح والتشديد ، على أوجه.
الأول : أن تكون شرطية.
الثانى : استفهامية ، وإنما يسأل بها عما يميز أحد المتشاركين فى أمر يعمهما.
الثالث : موصولة.
وهى فى الأوجه الثلاثة معربة ، وتبنى فى الوجه الثالث على الضم إذا حذف عائدها ،
وأضيف.
الرابع : أن يكون وصلة إلى نداء ما فيه (ال).
(1/551)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 155
إيا : اسم ظاهر ، قيل : ضمير ، واختلف فيه على أقوال.
أحدها : أنه كله ضمير ، هو وما اتصل به.
والثانى : أنه وحده ضمير ، وما بعده اسم مضاف له يفسر ما يراد به من كلم وغيبة
وخطاب.
والثالث : أنه وحده ضمير ، وما بعده حروف تفسر المراد.
والرابع : أنه عماد وما بعده هو الضمير.
و فيه سبع لغات ، قرىء بها : بتشديد الياء وتخفيفها مع الهمزة ، وإبدالها هاء
مكسورة ومفتوحة ، هذه ثمانية يسقط منها بفتح الهاء مع التشديد.
أيان : اسم استفهام ، وإنما يستفهم به عن الزمان المستقبل ، وقيل : لا تستعمل إلا
فى مواضع التفخيم والمشهور أنها كمتى تستعمل فى التفخيم وغيره.
أين : اسم استفهام عن المكان ، ويرد شرطا عامّا فى الأمكنة ، وأينما أعم منها.
الباء : المفردة ، حرف جر له معان ، أشهرها الإلتصاق ، ولم يذكر لها سيبويه غيره.
وقيل : إنه لا يفارقها.
الثانى : التعدية ، كالهمزة ، وزعموا أن بين تعدية الباء والهمزة فرقا ، وأنك إذا
قلت : ذهبت بزيد ، كنت مصاحبا له فى الذهاب.
الثالث : الاستعانة ، وهى الداخلة على آلة الفعل كباء البسملة.
الرابع : السببية ، وهى التى تدخل على سبب الفعل ، ويعبر عنها أيضا بالتعليل.
الخامس : المصاحبة ، كمع نحو (اهبط بسلام).
السادس : الظرفية ، ك «فى» زمانا ومكانا.
السابع : الاستعلاء : ك «على».
الثامن : المجاوزة ، ك «عن».
التاسع : التبعيض ، ك «من».
(1/552)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 156
الحادى عشر : المقابلة ، وهى الداخلة على الأعواض.
الثانى عشر : التوكيد ، وهى الزائدة ، فتزاد فى الفاعل :
وجوبا ، فى نحو : أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ.
وجوازا غالبا فى نحو : كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً ، وشهيدا ، نصب على الحال أو
التمييز ، والباء زائدة ، ودخلت لتأكيد الاتصال ، لأن ، الاسم فى قوله كَفى
بِاللَّهِ متصل بالفعل اتصال الفاعل.
وفى المفعول نحو : وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.
وفى المبتدأ ، نحو : بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ. أى أيكم. وقيل ، هى ظرفية.
وفى اسم (ليس) في قراءة بعضهم : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا ، بنصب (البرّ).
وفى الخبر المنفى نحو : وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ.
والموجب ، وخرج عليه : جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها.
وفى التوكيد ، وجعل منه : يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ.
بل : إضراب ، إذا تلتها جملة ، ثم يكون معنى الإضراب الإبطال لما قبلها.
أما إذا تلاها مفرد فهى حرف عطف.
بلى : حرف أصلى الألف.
وقيل : الأصل : بل. والألف زائدة.
وقيل : هى للتأنيث ، بدليل إمالتها ، ولها موضعان :
أحدهما : أن تكون ردا لنفى يقع قبلها.
والثانى : أن تقع جوابا لاستفهام دخل على نفى فتفيد إبطاله ، سواء كان الاستفهام
حقيقيّا نحو : أليس زيد بقائم؟ فيقول بلى.
أو توبيخا نحو : أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى
.
(1/553)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 157
أو تقريرا نحو : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى .
بئس : فعل لإنشاء الذمّ ، لا يتصرف.
بين : موضوعة للخلل بين الشيئين ووسطهما.
وتارة تستعمل ظرفا ، وتارة اسما ولا تستعمل إلا فيما له مسافة ، أو له عدد ما
اثنان فصاعدا ، ولا يضاف إلى ما يقتضى معنى الوحدة إلا إذا كرّر.
التاء : حرف جر ، معناه القسم يختص بالتعجب ، وباسم اللَّه تعالى.
تبارك : فعل لا يستعمل إلا بلفظ الماضى ، ولا يستعمل إلا للَّه تعالى ، فعل لا
يتصرف ومن ثم قيل : إنه اسم فعل.
ثم : حرف يقتضى ثلاثة أمور : التشريك فى الحكم ، والترتيب ، والمهلة. وفى كلّ
خلاف.
أما التشريك فزعموا أنه قد يتخلف بأن تقع زائدة ، فلا تكون عاطفة ألبتة.
وأما الترتيب والمهلة فخالف قوم فى اقتضائها إياه ، وربما تمسك بقوله :
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها.
ثم : بالفتح : اسم يشار به إلى المكان البعيد ، وهو ظرف لا يتصرّف.
وقيل : ثم : ظرف فيه معنى الإشارة إلى (حيث) ، لأنه هو فى المعنى.
جعل : لفظ عام فى الأفعال كلها ، وهو أعم من : فعل ، وسائر أخواتها ، ويتصرّف على
خمسة أوجه :
أحدها : يجرى مجرى صار وطفق ولا يتعدى.
والثانى : مجرى (أوجد) فتتعدى لعمول واحد.
والثالث : فى إيجاد شىء من شىء وتكوينه منه.
والرابع فى تصيير الشىء على حالة دون حالة.
والخامس : الحكم بالشىء على الشىء ، حقّا كان ، نحو : (وجاء علوه من المرسلين) ،
أو باطلا ، نحو : (ويجعلون للَّه البنات).
(1/554)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 158
حاشا : اسم بمعنى التنزيه ، لا فعل ولا حرف ، بدليل قراءة بعضهم (حاشا لله)
بالتنوين ، كما يقال : براءة اللَّه. وقراءة ابن مسعود : (حاشا الله) بإضافة كمعاذ
اللَّه ، وسبحان اللَّه ، ودخولها على اللام فى قراءة السبعة ، والجارّ لا يدخل
على الجارّ ، وإنما ترك التنوين فى قراءتهم لبناتهم لشبهها ب «حاشا» الحرفية لفظا.
وزعم قوم أنها اسم فعل ، معناها ، أتبرأ ، وتبرأت ، لبنائها.
حتى : حرف لانتهاء الغاية ك «إلى» ، لكن يفترقان فى أمور :
فتنفر (حت) بأنها لا تجر إلا الظاهر ، وإلا الآخر المسبوق بذى أجزاء ، والملاقى
له.
وإنها لإفادة تقتضى الفعل قبلها شيئا فشيئا.
وإنها لا يقابل بها ابتداء الغاية.
وإنها يقع بعدها المضارع المنصوب ب «أن» المقدرة ، ويكونان فى تأويل مصدر مخفوض.
ثم لها حينئذ ثلاثة معان.
مرادفة (إلى).
ومرادفة (كى) التعليلية.
ومرادفة (إلا) فى الاستثناء حيث : ظرف مكان : وترد للزمان مبنية على الضم تشبيها
بالغايات ، فإن الإضافة إلى الجمل كلا إضافة.
ومن العرب من يعربها ، ومنهم من بينيها على الكسر بالتقاء الساكنين وعلى الفتح
للتخفيف ، والمشهور أنها لا تتصرف.
دون : ترد طرفا نقيض (فوق) ، فلا تتصرفغ على المشهور ، وقيل :
تتصرف.
وترد اسما بمعنى غير ، وتستعمل للتفاوت فى الحال نحو : زيد دون عمرو.
أى فى الشرف والعلم.
(1/555)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 159
و اتسع فيه فاستعمل فى تجاوز حدّ نحو : أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أى لا
تجاوزوا ولاية المؤمنين ولاية الكافرين.
ذو : اسم بمعنى صاحب ، وضع للتوصل إلى وصف الذوات بأسماء الأجناس ، كما أن (الذى)
وضعت صلة إلى وصف المعارف بالجمل ، ولا يستعمل إلا مضافا ، ولا يضاف إلى ضمير ولا
مشتق.
و الوصف ب «ذو» أبلغ من الوصف بصاحب ، والإضافة بها أشرف ، فإن (ذو) مضاف للتابع ،
وصاحب ، مضاف إلى المتبوع ، تقول : أبو هريرة صاحب النبى ، ولا تقول : النبى صاحب
أبى هريرة. وأما ذو ، فإنك تقول : ذو المال ، وذو العرش ، فتجد الاسم الأول متبوعا
غير تابع.
رويد : اسم لا يتكلم به إلا مصغرا مأمورا به ، وهو تصغير : رود ، وهو المهل.
ربّ : حرف فى معناه ثمانية أقوال.
أحدها : أنها للتقليل دائما وعليه الأكثرون.
الثانى : للتكثير دائما كقوله تعال : رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ
كانُوا مُسْلِمِينَ.
الثالث : أنها لهما على السواء.
الرابع : التقليل غالبا والتكثير نادرا.
الخامس عكسه.
السادس : لم توضع لواحد منهما ، بل هى حرف إثبات لا يدل على تكثير ولا تقليل ،
وإنما يفهم ذلك من خارج.
السابع : للتكثير فى موضع المباهاة والافتخار ، وللتقليل فيما عداه.
الثامن : لمبهم العدد تكون تقليلا وتكثيرا.
وتدخل عليها (ما) فتكفها عن عمل الجر وتدخلها على الجمل ، والغالب حينئذ دخولها
على الفعلية ، الماضى فعلها لفظار ومعنى.
(1/556)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 160
السين : حرف يختص بالمضارع ويخلصه للاستقبال ، وينزّل منه منزلة الجزاء ، فلذا لم
تعمل فيه ، وعبارة المعرّبين حرف تنفيس ، ومعناها حرف توسع ، لأنها نقلت المضارع
من الزمن الضيق ، وهو الحال ، إلى الزمن الواسع ، وهو الاستقبال.
وإذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة.
سوف : كالسين ، وأوسع زمانها منها عند البصريين ، لأن كثرة الحروف تدل على كثرة
المعنى ، ومرادفة لها عند غيرهم.
وتنفرد عن (السين) بدخول اللام عليها ، وإنما امتنع إدخال اللام على السين كراهة
توالى الحركات.
والغالب على (سوف) استعمالها فى الوعيد والتهديد ، وعلى السين استعمالها فى الوعد.
وقد تستعمل (سوف) فى الوعد ، (السنين) فى الوعيد.
سواء : تكون بمعنى : مستو ، فتقصر مع الكسر ، وتمدّ مع الفتح. وبمعنى الوصل ،
فيمدّ مع الفتح ، وبمعنى التمام ، فكذلك.
ساء : فعل للذّم لا تتصرف.
سبحان : مصدر بمعنى التسبيح ، لازم النصب والإضافة إلى مفرد ظاهر أو مضمر ، وهو
مما أميت فعله.
ظن : أصله للاعتقاد الراجح.
وقد تستعمل بمعنى اليقين.
على : حرف جر له معان.
أشهرها : الاستعلاء حسّا أو معنى.
ثانيها : للمصاحبة ، ك «مع».
ثالثها : الابتداء ، ك «ن».
رابعها : التعليل ، ك «لام».
خامسها : الظرفية ، ك «فى».
(1/557)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 161
سادسها : معنى الباء.
عن : حرف جر له معان :
أشهرها المجاوزة.
ثانيها : البددل.
ثالثها : التعليل.
رابعها : بمعنى (على).
خامسها : بمعنى (من).
سادسها : بمعنى (بعد).
عسى : فعل جامد لا يتصرف ، ومن ثم ادّعى قوم أنه حرف ، ومعناه الترجى فى المجبوب
والإشفاق فى المكروه.
وتأتى للقرب والدنو.
عند : ظرف مكان تستعمل فى الحضور والقرب ، سواء كانا حسيين ، أو معنويين ، ولا
تستعمل إلا ظرفا ، أو مجرورة ب «من» خاصة.
غير : اسم ملازم للإضافة والإبهام ، فلا تتعرف ما لم تقع بين ضدين ، ومن ثم جاز
وصف المعرفة بها ، والأصل أن تكون وصفا للنكرة ، وتقع حالا إن صلح موضعها (لا) ،
واستثناء إن صلح موضعها (إلا) ، فتعرف بإعراب الاسم التالى (إلا) فى ذلك الكلام.
وقيل : «غير» تقال على أوجه :
الوجه الأول : أن تكون للنفى المجرد من غير إثبات معنى به.
بمعنى (إلا) ، فيستثنى بها وتوصف به النكرة.
الثالث : لنفى الصورة من غير مادتها نحو : الماء حار غيره إذا كان باردا.
الرابع : أن يكون ذلك متناولا لذات.
الفاء : ترد على أوجه :
أحدها : أن تكون عاطفة فتفيد ثلاثة أمور :
( - 11 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/558)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 162
أحدها : الترتيب معنويّا ، أو ذكريّا ، وهو عطف على مجمل.
ثانيها : التعقيب ، وهو فى كل شىء بحسبه.
ثالثها : السببية غالبا.
الوجه الثانى : أن تكون لمجرد السببية من غير عطف.
الوجه الثالث : أن تكون رابطة للجواب حيث لا يصلح لأن يكون شرطا ، بأن كان جملة
اسمية ، أو فعلية ، فعلها جامد أو إنشائى ، أو ماض ، لفظا ومعنى ، أو مقرون بحرف استقبال.
وكما تربط الجواب بشرطه تربط شبه الجواب بشبه الشرط.
الوجه الرابع : أن تكون زائدة.
الخامس : أن تكون للاستئناف.
فى : حرف جر ، له معان :
أشهرها الظرفية مكانا أو زمانا أو مجازا.
ثانيها : المصاحبة ، ل «مع».
ثالثها : التعليل.
رابعها : الاستعلاء.
خامسها : معنى الباء.
سادسها : معنى (إلى).
سابعها : معنى (من).
ثامنها : معنى (عن).
تاسعها : المقايسة ، وهى الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لا حق.
عاشرها : التوكيد ، وهى الزائدة.
(وقد) حرف يختص بالفعل المتصرف الخبرى المثبت المجرد من ناصب وجازم ، وحرف تنفيس ،
ماضيا كان أو مضارعا.
ولها معان :
(1/559)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 163
الأول : التحقيق مع الماضى ، وهى فى الجملة الفعلية المجاب بها القسم مثل (إن) ،
واللام فى الاسمية المجاب بها فى إفادة التوكيد.
الثانى : التقريب مع الماضى أيضا ، تقربه من الحال.
الثالث : التقليل مع المضارع. وهو ضربان.
تقليل وقوع الفعل.
وتقليل متعلقه.
الرابع : التكثير.
الخامس : التوقع.
الكاف : حرف جر له معان ، أشهرها التشبيه.
كاد : فعل ناقص ، أتى منه الماضى والمضارع فقط ، له اسم مرفوع وخبر مضارع مجرّد من
(أن) ، ومعناها : قارب ، فنفيها نفى للمقاربة ، وإثباتها إثبات للمقاربة ، واشتهر
على ألسنة كثير : أن نفيها إثبات وإثباتها نفى ، فقولك : كاد زيد يفعل ، معناه :
لا يفعل ، وما كاد يفعل ، معناه : فعل.
كان : فعل ناقص متصرف ، يرفع الاسم وينصب الخبر. معناه فى الأصل المضى ، وتأتى
بمعنى الدوام والاستمرار.
كأن ، بالتشديد : حرف للتشبيه المؤكد لأن الأكثر أنه مركب من كاف التشبيه. (أن)
المؤكدة ، والأصل فى : كأن زيدا أسد : أنّ زيدا كأسد ، قدم حرف التشبيه اهتماما به
ففتحت همزة. (أن) ، لدخول الجار.
و إنما تستعمل حيث يقوى الشبه حتى يكاد الرائى يشك فى أن المشبه هو المشبه به ، أو
غيره.
وقد تخفف.
كأين : اسم مركب من كاف التشبيه و(أى) المنونة للتكثير فى العدد ، وفيها لغات ،
منها :
كائن ، بوزن : تابع.
وكأى ، بوزن كعب.
وهى مبنية لازمة الصدر ، ملازمة الإبهام ، ومفتقرة للتمييز ، وتمييزها مجرور ب
«من» غالبا.
(1/560)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 164
كذا : لم ترد فى القرآن إلا للإرشاة نحو : (هكذا عرشك).
كل : اسم موضوع لاستغراق أفراد المذكر المضاف هو إليه ، وأجزاء المفرد المعرف.
وترد باعتبار ما قبلها وما بعدها على ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون نعتا لنكرة أو معرفة فتدل على كماله ، وتجب إضافتها إلى اسم ظاهر
يماثله لفظا ومعنى.
ثانيها : أن تكون توكيدا بالمعرفة ، ففائدتها العموم ، وتجب إضافتها إلى ضمير راجع
للمؤكد.
ثالثها : ألا تكون تابعة بل تالية للعوامل ، فتقع مضافة إلى الظاهر وغير مضافة ،
وحيث أضيفت إلى منكر وجب فى ضميرها مراعاة معناها ، أو إلى معرف جاز مراعاة لفظها
فى الإفراد والتذكير ومراعاة معناها ، أو قطعت فكذلك.
وحيث وقعت فى حيز النفى ، بأن تقدمت عليها أدلته ، أو الفعل المنفى ، فالنفى يوجه
إلى الشمول خاصة ويفيد بمفهومه إثبات الفعل لبعض الأفراد ، وإن وقع فى حيزها فهو
موجه إلى كل فرد.
كلا ، وكلتا : اسمان مفردان لفظا ، مثنيان معنى ، مضافان أبدا لفظا ومعنى إلى كلمة
واحدة معرفة دالة على اثنين ، وهما فى التثنية ككل فى الجمع.
كلا : مركبة من كاف التشبيه ولا النافية ، شددت لامها لتقوية المعنى ، ولدفع توهم
بقاء معنى الكلمتين.
وقيل : حرف معناه الردع والذم ، لا معنى لها عندهم إلا ذلك ، حتى إنهم يجيزون أبدا
الوقف عليها والابتداء بما بعدها.
وقيل : هى حرف جواب بمنزلة : إلى ، ونعم ، وقيل : بمعنى (سوف).
وإذا كان بمعنى : حقّا ، فهى اسم.
كم : اسم مبنى لازم الصدر مبهم مفتقر إلى التمييز ، وترد استفهامية ، وخبرية بمعنى
كثير ، وإنما تقع غالبا فى مقام الافتخار والمباهاة.
وقيل : إن أصلها (كما) ، فحذفت الألف مثل : بم ، ولم.
(1/561)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 165
كى : حرف له معنيان :
أحدهما : التعليل.
والثانى : معنى (أن) المصدرية ، لصحة حلول (أن) محلها ، ولأنها لو كانت حرف تعليل
لم يدخل عليها حرف تعليل.
كيف : اسم يرد على وجهين :
الشرط.
والاستفهام ، وهو الغالب ، ويستفهم بها عن حال الشىء لا عن ذاته ، ولهذا لا يصح أن
يقال فى اللَّه : كيف؟
اللام : أربعة أقسام : جارة ، وناصية ، وجازمة ، ومهملة غير عاملة.
فالجارة ، مكسورة مع الظاهر ، ولها معان :
الاستحقاق : وهى الواقعة بين معنى وذات.
والاختصاص.
والملك.
والتعليل.
والتبليغ ، وهى الجارة لاسم السامع لقول ، أو ما فى معناه ، كالإذن ، والصيرورة ،
وتسمى لام العاقبة.
والتأكيد ، وهى الزائدة ، أو المقوية للعامل الضعيف.
والتبيين للفاعل أو المفعول.
والناصبة ، هى لام التعليل ، ادّعى الكوفيون النصب بها. وقال غيرهم :
ب «أن» مقدرة فى محل جر باللام.
والجازمة ، هى : لام الطلب ، وحركتها الكسر ، وسليم تفتحها ، وإسكانها بعد الواو
والفاء أكثر من تحريكها.
أو التهديد وجزمها فعل الغائب كثير.
(1/562)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 166
و غير العاملة أربع :
لام الابتداء ، وفائدتها أمران :
توكيد مضمون الجملة ، ولهذا زحلقوها فى باب (إن) عن صدر الجملة ، كراهة توالى
مؤكدين.
وتخليص المضارع للحال.
وتدخل فى المبتدأ ، وفى خبر (إنّ) ، واسمها المؤخر.
واللام الزائدة فى خبر (أن) المفتوحة.
لام الجواب : للقسم ، أو (لو) ، أو (لو لا).
واللام الموطئة ، وتسمى : المؤذنة ، وهى الداخلة على أداة شرط للإيذان بأن الجواب
بعدها معها مبنى على قسم مقدر.
لا : على أوجه :
أحدها : أن تكون نافية ، وهى أنواع :
أحدها : أن تعمل عمل (إن) ، وذلك إذا أريد بها نفى الجنس على سبيل التنصيص ، وتسمى
حينئذ : تبرئة ، وإنما يظهر نصبها إذا كان اسمها مضافا أو شبهه ، وإلا فيركب معها
:
ثانيها : أن تعمل عمل (ليس).
ثالثها : ورابعها : أن تكون عاطفة ، أو جوابية.
خامسها : أن تكون على غير ذلك ، فإن كان ما بعدها جملة اسمية صدرها معرفة ، أو
نكرة ولم تعمل فيها ، أو فعلا ماضيا لفظا أو تقديرا ، وجب تكرارها ، أو مضارعا لم
يجب.
الوجه الثانى : أن تكون لطلب الترك ، فتختص بالمضارع وتقتضى جزمه واستقباله ، سواء
كان نهيا ، أو دعاء.
الثالث : التأكيد ، وهى الزائدة ، وفائدتها مع التوكيد التمهيدى لنفى الجواب.
(1/563)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 167
لات : فعل ماض بمعنى : نقص.
وقيل : أصلها ليس ، تحركت الياء فقلبت ألفا لانفتاح ما قبلها وأبدلت السين تاء.
وقيل : هى كلمتان : لا النافية زيدت عليها التاء لتأنيث الكلمة ، وحركت لالتقاء
الساكنين.
وقيل : هى لا النافية والتاء زائدة فى أول الحين.
واختلف فى عملها :
فقيل : لا تعمل شيئا ، فإن تلاها مرفوع فمبتدأ وخبر ، أو منصوب فبفعل محذوف.
وقيل : تعمل عمل : إن.
وقيل : تعمل عمل : ليس.
وعلى كل قول لا يذكر بعدها إلا أحد المعمولين.
ولا تعمل إلا فى لفظ الحين. أو ما رادفه ، وقد تستعمل حرف جرّ لأسماء الزمان خاصة.
لا جرم ، وردت فى القرآن فى خمسة مواضع :
متلوة ب «أن» واسمها ، ولم يجىء بعدها فعل ، فاختلف فيها :
فقيل : لا نافية ، وجرم ، فعل ، معناه : حقّا ، وإن ، مع ما فى حيزه فى موضع رفع.
وقيل : زائدة ، وجرم ، معناه : كسب ، أى كسب لهم عملهم الندامة ، وما فى حيزها فى
موضع نصب.
وقيل : هما كلمتان ركبتا وصار معناهما : حقّا.
(1/564)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 168
و قيل : معناها لابد ، وما بعدها فى موضع نصب بإسقاط حرف الجر.
لكن ، مشددة النون حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر. ومعناه الاستدراك ، وفسر بأن تنسب
لما بعدها حكما مخالفا لحكم ما قبلها ، ولذلك لا بد أن يتقدمها كلام مخالف لما
بعدها ، أو مناقض له.
وقد تردد للتوكيد مجردا عن الاستدراك.
وقيل : إنها مركبة من : لكن أن ، فطرحت الهمزة للتخفيف ، ونون (لكن) للساكنين.
لكن ، مخففة ، ضربان :
أحدهما : مخففة من الثقيلة. وهى حرف ابتداء لا يعمل ، بل لمجرد إفادة الاستدراك ،
وليست عاطفة لاقترانها بالعاطف فى قوله : وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ.
والثانى : عاطفة ، إذا تلاها مفرد ، وهى أيضا للاستدراك نحو :
لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ.
لعل : حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر ، وله معان :
أشهرها التوقع ، وهو الترجى فى المحبوب ، والإشفاق فى المكروه.
الثانى : التعليل.
الثالث : الاستفهام.
لم : حرف جزم لنفى المضارع وقلبه ماضيا ، والنصب بها لغة.
لما ، على أوجه :
أحدها : أن تكون حرف جزم. فتختص بالمضارع وتنفيه وتقلبه ماضيا ك «لم» ، لكن
يفترقان من أوجه :
لا تقترن بأداة شرط ونفيها مستمر إلى الحال وقريب منه ويتوقع ثبوته ، وأن نفيها
آكد من نفى (لم) ، فهى لنفى : قد فعل ، و(لم) لنفى : فعل ، ولهذا قيل : إنها مركبة
من : لم ، وما ، وإنهم لما زادوا فى الإثبات (قد) زادوا فى النفى (ما).
(1/565)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 169
و أن منفى (لما) جائز الحذف اختيارا ، بخلاف (لم).
الثانى : أن تدخل على الماضى فتقتضى جملتين ، وجدت الثانية عند وجود الأولى ،
ويقال فيها : حرف وجود لوجود.
وذهب جماعة إلى أنها حينئذ ظرف بمعنى (حين).
وقيل : بمعنى (إذن) بأنها مختصة بالماضى وبالإضافة إلى الجملة.
وجواب هذه يكون ماضيا ، وجملة اسمية بالفاء ، وب «إذا» الفجائية.
وجوّز بعضهم كونه مضارعا.
الثالث : أن تكون حرف استثناء ، فتدخل على الاسمية والماضوية.
لن : حرف نفى ونصب واستقبال ، والنفى بها أبلغ من النفى ب «لا» ، فهو لتأكيد النفى
، فهى لنفى : إنى أفعل ، و(لا) لنفى : أفعل ، كما فى (لم).
وقيل : إنها لتأييد النفى.
وقيل : إن (لن) لنفى ما قرب وعدم امتداد النفى ، و(لا) يمتد معها النفى ، و(لا)
آخرها الألف ، والألف يمكن امتداد الصوت بها ، بخلاف النون ، فطابق كل لفظ معناه
قيل : ولذلك أتى ب «لن» حيث لم يرد به النفى مطلقا.
لو : حرف شرط فى المضى ، يصرف المضارع إليه ، بعكس (إن) الشرطية.
واختلف فى إفادتها الامتناع ، وكيفية إفادتها إياه على أقوال :
أحدها : أنها لا تفيده بوجه ، ولا تدل على امتناع الشرط ولا امتناع الجواب ، بل هى
لمجرد ربط الجواب بالشرط دالة على التعليق فى الماضى ، كما دلت (إن) على التعليق
فى المستقبل ، ولم تدل بالإجماع على امتناع ولا ثبوت.
الثانى : أنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره.
أى إنها تقتضى فعلا ماضيا كان يتوقع ثبوته وثبوت غيره ، والمتوقع غير واقع.
الثالث : أنها حرف امتناع لامتناع : أى يدل على امتناع الجواب لامتناع الشرط.
والرابع : أنها حرف يقتضى امتناع ما يليه ، واستلزامه لتاليه من غير تعرض لنفى
التالى.
(1/566)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 170
لو لا : على أوجه :
أحدها : أن تكون حرف امتناع لوجود ، فتدخل على الجملة الاسمية ، ويكون جوابها فعلا
مقرونا باللام ، إن كان مثبتا ، ومجردا منها ، إن كان منفيّا.
وإن وليها ضمير فحقه أن يكون ضمير رفع.
الثانى : أن تكون بمعنى : هلا ، فهى للتخصيص والعرض فى المضارع أو ما فى تأويله ،
وللتوبيخ والتنديم فى المضارع.
الثالث : أن تكون للاستفهام.
الرابع : أن تكون للنفى.
لو ما : بمنزلة (لو لا) ، ولم ترد إلا للتحضيض.
ليت : حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر ومعناه التمنى ، وقيل : إنها تفيد تأكيده.
ليس : فعل جامد ، ومن ثم ادعى قوم حرفيته ، ومعناه نفى مضمون الجملة فى الحال ونفى
غيره بالقرينة.
وقيل : هى لنفى الحال وغيره.
و قيل : وترد للنفى العام المستغرق ، المراد به الجنس ، ك «لا» التبرئة ، وهو مما
يفعل عنها.
ما : اسمية ، وحرفية.
فالاسمية ، ترد :
موصولة بمعنى : الذى ، ويستوى فيها المذكر والمؤنث ، والمفرد والمثنى والجمع ،
والغالب استعمالها فيما لا يعلم ، وقد تستعمل فى العالم ، ويجوز فى ضميرها مراعاة
اللفظ والمعنى ، بخلاف الباقى.
واستفهامية بمعنى : أى شىء ، ويسأل بها عن أعيان ما لا يعقل وأجناسه وصفاته ،
وأجناس العقلاء وأنواعهم وصفاتهم ، ولا يسأل بها عن أعيان أولى العلم ، خلافا لمن
أجازه.
ويجب حذف ألفها إذا جرت ، وإبقاء الفتحة دليلا عليها ، فرقا بينها وبين الموصولة.
(1/567)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 171
و شرطية.
وتعجبية.
ولا ثالث لهما فى القرآن ، ومحلها رفع بالابتداء وما بعدها خبر ، وهى نكرة تامة ،
ونكرة موصوفة ، وغير موصوفة.
والحرفية ترد مصدرية : إما زمانية ، أو غير زمانية ، ونافية ، إما عاملة عمل ليس
أو غير عاملة.
وهى لنفى الحال.
وزائدة للتأكيد. إما كافة ، كأنما ، أو غير كافة.
ماذا. ترد على أوجه.
أحدها : أن تكون (ما) استفهاما ، و(ذا) موصولة.
الثانى : أن تكون (ما) استفهاما ، (ذا) إشارة.
الثالث أن يكون (ماذا) كله استفهاما على التركيب.
الرابع : أن يكون (ماذا) كله اسم جنس ، بمعنى : شىء ، أو موصولا ، بمعنى : الذى.
الخامس : أن تكون (ما) زائدة ، و(ذا) للإشارة.
السادس : أن تكون (ما) استفهاما ، (ذا) زائدة.
متى : ترد استفهاما عن الزمان وشرطا.
مع : اسم ، بدليل ، جرها ب «من» ، وأصلها لمكان الاجتماع أو وقته ، وقد يراد به
مجرد الاجتماع والاشتراك ، مع غير ملاحظة المكان والزمان.
من : حرف له معان.
أشهرها :
ابتداء الغاية مكانا وزمانا ، وغيرهما.
والتبعيض ، بأن يسد (بعض) مسدها.
والتبيين ، وكثيرا ما تقع بعد : ما ، ومهما.
(1/568)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 172
و الفصل بالمهملة ، وهى الداخلة على ثانى المتضادين.
والبدل.
وتنصيص العموم.
و معنى الباء ، نحو : (ينظرون من طرف خفى) ، أى : به.
وعلى ، نحو : وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ ، أى : عليهم.
وفى ، نحو : إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، أى : فيه.
وعن ، نحو : قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا ، أى عنه.
وعند ، نحو : لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ
أى : عنده.
والتأكيد ، وهى الزائد فى النفى ، أو النهى ، أو الاستفهام.
من : لا تقع إلا اسما ، فترد موصولة ، وشرطية ، واستفهامية ، ونكرة موصوفة.
وهى ك «ما» فى استوائها فى المذكر والمفرد وغيرهما ، والغالب استعمالها فى العالم
عكس (ما). ونكتته أن (ما) أكثر وقوعا فى الكلام منها ، وما لا يعقل أكثر ممن يعقل
، فأعطوا ما كثرت مواضعه للكثير ، وما قلّت للقليل للمشاكلة.
واختصاص (من) بالعالم ، و(ما) بغيره ، فى الموصولتين دون الشرطيتين ، لأن الشرط
يستدعى الفعل ولا يدخل على الأسماء.
مهما : اسم ، لعود الضمير عليها حملا على اللفظ وعلى المعنى ، وهى شرط لما لا يعقل
غير الزمان ، وفيها تأكيد.
وقيل : إن أصلها (ما) الشرطية ، و(ما) ، الزائدة ، أبدلت ألف الأولى هاء دفعا
للتكرار.
النون ، على أوجه :
اسم ، وهى ضمير النسوة.
وحرف ، وهى نوعان :
نون التوكيد ، وهى خفيفة وثقيلة.
ونون الوقاية ، وتلحق ياء المتكلم المنصوبة بفعل ، أو حرف ، والمجرورة ب «لدن» ،
أو (من) ، أو (عن).
(1/569)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 173
التنوين : نون تثبت لفظا لا خطّا ، وأقسامه كثيرة.
تنوين التمكين. وهو اللاحق للأسماء المعربة.
وتنوين التنكير. وهو اللاحق لأسماء الأفعال فرقا بين معرفتها ونكرتها ، نحو
التنوين اللاحق ل «أف» فى قراءة من نوّنه ، و(هيها) ، فى قراءة من نونها.
وتنوين المقابلة ، وهو اللاحق لجمع المؤنث السالم نحو : مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ
قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ.
و تنوين العوض إما عن حرف آخر مفاعل المعتل ، أو عن اسم مضاف إليه فى : كل ، وبعض
، وأى ، أى عن الجملة المضاف إليها ، أو (إذا).
وتنوين الفواصل الذى يسمى فى غير القرآن. الترنم بدلا من حرف الإطلاق ، ويكون فى
الاسم والفعل والحرف.
نعم : حرف جواب ، فيكون تصديقا للمخبر ، ووعدا للطالب ، وإعلاما للمستخبر ، وبدال
عينها حاء وكسرها وإتباع النون لها فى الكسر لغات قرىء بها.
نعم : فعل لإنشاء المدح لا يتصرّف.
الهاء : اسم ضمير غائب يستعمل فى الجر والنصب ، وحرف للغيبة ، وهو اللاحق ل «إيا»
وللسكت.
ها ترد.
اسم فعل بمعنى خذ ، ويجوز مد ألفه ، فيتصرف حينئذ للمثنى والجمع.
واسما ضميرا للمؤنث.
وحرف تنبيه ، فتدخل على الإشارة ، وعلى ضمير الرفع المخبر عنه بإشارة ، وعلى نعت
(أى) فى النداء.
ويجوز فى لغة أسد حذف ألف هذه وضمها إتباعا.
هات : فعل أمر لا يتصرّف ، ومن ثم ادّعى بعضهم أنه اسم فعل.
هل : حرف استفهام يطلب به التصديق دون التصوّر ، ولا يدخل على
(1/570)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 174
منفى ، ولا شرط ، ولا (إن) ، ولا اسم بعده فعل غالبا ، ولا عاطف. ولا يكون الفعل
معها إلا مستقبلا.
وترد بمعنى : قد ، وبمعنى النفى.
هلم : دعاء إلى الشىء ، وفيه قولان :
أحدهما : أن أصله : ها ، ولم ، من قولك : لأمت الشىء ، أى أصلحته ، فحذف الألف
وركب.
وقيل : أصله هل أم ، كأنه قيل : هل لك فى كذا أمه : أى قصده ، فركبا.
ولغة الحجاز تركه على حاله فى التثنية والجمع وبها ورد القرآن ، ولغة تميم إلحاقه
العلامات.
هنا : اسم يشار به للمكان القريب وتدخل عليه اللام والكاف ، فيكون للبعيد ، وقد
يشار به للزمان اتساعا.
هيت : اسم فعل بمعنى : أسرع وبادر. وفيها لغات قرىء ببعضها ، هيت ، بفتح الهاء
والتاء ، وهيت ، بكسر الهاء وفتح التاء ، وهيت ، بفتح الهاء وكسر.
التاء ، وهيت ، بفتح الهاء وضم التاء.
وقرىء : هئت ، بوزن (جئت) ، وهو فعل بمعنى : تهيأت.
و قرىء : هيئت ، وهو فعل بمعنى : أصلحت.
هيهات : اسم فعل بمعنى بعد.
وفيه لغات قرىء بها بالفتح وبالضم وبالخفض مع التنوين ، فى الثلاثة وعدمه.
الواو : جارة ناصية ، وغير عاملة.
فالجارة : واو القسم.
والناصبة : واو (مع) فتنصب المفعول معه فى رأى قوم ، والمضارع فى جواب النفى أو
الطلب عند الكوفيين.
(1/571)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 175
و واو الصرف عندهم ومعناها أن الفعل كان يقتضى إعرابا فصرفته عنه إلى النصب.
وغير العاملة أنواع :
أحدها : واو العطف ، وهى لمطلق الجمع فتعطف الشىء على مصاحبه وعلى سابقه ، ولا
حقه.
وتفارق سائر حروف العطف فى اقترانها ب «إما» ، وب «لا» بعد نفى ، وب «لكن».
وتعطف العقد على النيف ، والعام على الخاص وعكسه ، والشىء على مرادفه ، والمجرور
على الجوار.
قيل : وترد بمعنى (أو).
وللتعليل ، ومنه الواو الداخلة على الأفعال المنصوبة :
ثانيها : واو الاستئناف.
ثالثها : واو الحال الداخلة على الجملة الاسمية.
وزعم بعضهم أنها تدخل على الجملة الواقعة صفة ، لتأكيد ثبوت الصفة للموصوف ولصوقها
به ، وكما تدخل على الحالية.
رابعها : واو الثمانية ، وزعموا أن العرب إذا عدوا يدخلون (الواو) بعد السبعة
إيذانا بأنها عدد ثان ، وأن ما بعده مستأنف.
سادسها : ضمير الذكور فى اسم أو فعل.
سابعها : واو علامة المذكورين.
ثامنها : الواو المبدلة من همزة الاستفهام المضموم ما قبلها.
وى كأن : كلمة تندم وتعجب ، وأصله ، ويلك ، والكاف ضمير مجرور.
وقيل : وى اسم فعل بمعنى : أعجب ، والكاف حرف خطاب ، وان ، على إضمار اللام ،
والمعنى : أعجب لأن اللَّه.
(1/572)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 176
و قيل : وى وحدها ، وكأن ، كلمة مستقلة للتحقيق لا للتشبيه.
وقيل : يحتمل (وى كأنه) ثلاثة أوجه :
أن يكون (ويك) حرفا ، و(أنه) ، حرف ، والمعنى : ألم تروا.
وأن يكون كذلك ، والمعنى : ويلك.
و أن تكون (وى) حرفا للتعجب ، و(كأنه) حرف ، ووصلا خطا لكثرة الاستعمال ، كما وصل
(يبنؤم).
ويل : تقبيح ، وقد يوضع موضع التحسر والتفجع ،
عن عائشة قالت : «قال لى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم : ويحك ، فجزعت منها ،
فقال لى : يا حميراء ، إن ويحك ، أو ويسك ، رحمة ، فلا تجزعى منها ، ولكن اجزعى من
الويل».
يا : حرف لنداء البعيد حقيقة أو حكما ، وهى أكثر أحرفه استعمالا ، ولهذا لا يقدر
عند الحذف سواها ، ولا ينادى اسم اللَّه و(أيتها) إلا بها.
وقيل : وتفيد التأكيد المؤذن بأن الخطاب الذى يتلوه يعتنى به جدّا.
وترد للتنبيه ، فتدخل على الفعل والحرف.
(1/573)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 177
47 إعراب القرآن
و من فوائد هذا النوع معرفة المعنى ، لأن الإعراب يميز المعانى ويوقف على أغراض
المتكلمين.
عن عمر بن الخطاب ، قال : تعلموا اللحن والفرائض والسنن كما تعلمون القرآن.
وعن يحي بن عتيق قال : قلت للحسن : يا أبا سعيد ، الرجل يتعلم العربية يلتمس بها
حسن المنطق ويقيم بها قراءته ، قال : حسن : يا ابن أخى ، فتعلمها ، فإن الرجل يقرأ
الآية فيعيا بوجهها فيهلك فيها.
وعلى الناظر فى كتاب اللَّه تعالى ، الكاشف عن أسراره ، النظر فى الكلمة وصيغتها
ومحلها ، ككونها مبتدأ أو خيرا أو فاعلا أو مفعولا ، أو فى مبادىء الكلام ، أو فى
جواب ، إلى غير ذلك. ويجب عليه مراعاة أمور.
أحدها : وهو أول واجب عليه أن يفهم معنى ما يريد أن يعربه مفردا أو مركبا قبل
الإعراب ، فإنه فرع المعنى ، ولهذا لا يجوز إعراب فواتح السور إذا قلنا بأنها من
المتشابه الذى استأثر اللَّه بعلمه.
الثانى : أن يراعى ما تقتضيه الصناعة ، فربما راعى المعرب وجها صحيحا ولا نظر فى
صحته فى الصناعة فيخطىء ، من ذلك قول بعضهم : (وثمودا فما أبقى) : أن (ثمودا)
مفعول مقدم ، وهذا ممتنع ، لأن ل «ما» النافية الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها
، بل هو معطوف على عاد ، أو على تقدير : وأهلك ثمودا.
الثالث : أن يكون ملمّا بالعربية لئلا يخرج على ما لم يثبت كقول أبى عبيدة فى :
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ : أن الكاف قسم ، ويبطله أن الكاف لم تجىء بمعنى واو
القسم ، وإطلاق (ما) الموصولة على اللَّه ، وربط الموصول بالظاهر ، وهو فاعل
(أخرجك) ، وباب ذلك الشعر.
(م 12 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/574)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 178
و أقرب ما قيل فى الآية أنها مع مجرورها خبر محذوف أى هذه الحال من تنفيلك للغزاة
، على ما رأيت من كراهتهم لها كحال إخراجك للحرب فى كراهيتهم له.
الرابع : أن يتجنب الأمور البعيدة والأوجه الضعيفة واللغات الشاذة ، ويخرج على
القريب والقوىّ والفصيح ، فإن لم يظهر فيه إلا الوجه البعيد فله عذر ، وإن ذكر
الجميع لقصد الإعراب والتكثير فصعب شديد ، ولبيان المحتمل وتدريب الطالب فحسن فى
غير ألفاظ القرآن. أما التنزيل فلا يجوز أن يخرج إلا على ما يغلب على الظن إرادته
، فإن لم يغلب شىء فليذكر الأوجه المحتملة من غير تعسف.
الخامس : أن يستوفى جميع ما يحتمله اللفظ من الأوجه الظاهرة ، فتقول فى نحو ،
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى : يجوز كون (الأعلى) صفة للرب وصفة للاسم.
السادس : أن يراعى الشروط المختلفة بحسب الأبواب ، ومتى لم يتأملها اختلطت عليه
الأبواب والشرائك ، ومن ثم خطىء الزمخشرى فى قوله تعالى :
مَلِكِ النَّاسِ. إِلهِ النَّاسِ أنهما عطفا بيان ، والصواب أنهما نعتان لاشتراط
الاشتقاق فى النعت والجمود فى عطف البيان.
السابع : أن يراعى فى كل تركيب ما يشاكله ، فربما خرج كلاما على شىء.
و يشهد استعمال آخر فى نظير ذلك الموضع بخلافه ، ومن ثم خطىء الزمخشرى فى قوله :
وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ أنه عطف على : فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى ولم
يجعله معطوفا على : يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ لأن عطف الاسم على الاسم
أولى ، ولكن مجىء قوله : يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ
مِنَ الْحَيِّ بالفعل فيهما يدل على خلاف ذلك.
الثامن : أنه يراعى الرسم ، ومن ثم خطىء من قال فى (سلسبيلا) : إنها جملة أمر به ،
أى سل طريقا موصلة إليها ، لأنها لو كانت كذلك لكتبت مفصولة.
(1/575)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 179
التاسع : أن يتأمل عند ورود المشتبهات ، ومن ثم خطىء من قال فى :
أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً إنه أفعل تفضيل والمنصوب تمييز ، وهو باطل فإن الأمد
ليس محصيا بل يحصى ، وشرط التمييز المنصوب بعد أفعل كونه فاعلا فى المعنى ،
فالصواب أنه فعل ، و(أمد) مفعول ، مثل : وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً.
العاشر : ألا يخرج على خلاف الأصل أو خلاف الظاهر بغير مقتض ، ومن ثم خطىء مكى فى
قوله فى : لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي إن الكاف
نعت لمصدر : أى إبطالا كإبطال الذى ، والوجه كونه حالا من الواو ، أى لا تبطلوا
صدقاتكم مشبهين الذى ، فهذا لا حذف فيه.
الحادى عشر : أن يبحث عن الأصلى والزائد نحو : إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ
يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ فإنه قد يتوهم أن الواو فى
يَعْفُونَ ضمير الجمع ، فيشكل إثبات النون ، وليس كذلك بل هى فيه لام الكلمة فهى
أصلية والنون ضمير النسوة ، والفعل معها مبنى. ووزنه يفعلن ، فالواو فيه ضمير
الجمع وليست من أصل الكلمة.
الثانى عشر : أن يجتنب إطلاق لفظ الزائدة فى كتاب اللَّه تعالى ، فإن الزائد قد
يفهم منه أنه لا معنى له ، وكتاب اللَّه منزّه عن ذلك ، ولهذا فرّ بعضهم إلى
التعبير بدله بالتأكيد والصلة والمقحم.
(1/576)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 180
48 المحكم والمتشابه
قال تعالى : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ
هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ، ثلاثة أقوال :
أحدها : أن القرآن كله محكم لقوله تعالى : كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ.
الثانى : كله متشابه لقوله تعالى : كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ.
الثالث : وهو الصحيح : انقسامه إلى محكم ومتشابه للآية الأولى.
والمراد بإحكامه : إتقانه وعدم تطرّق النقص والاختلاف إليه.
وبتشابهه. كونه يشبه بعضه بعضا فى الحقّ والصدق والإعجاز.
والمحكم لا تتوقف معرفته على البيان ، والمتشابه لا يرجى بيانه.
وقد اختلف فى تعيين المحكم والمتشابه على أقوال :
فقيل : المحكم : ما عرف المراد منه ، إما بالظهور وإما بالتأويل.
والمتشابه : ما استأثر اللَّه بعلمه ، كقيام الساعة ، وخروج الدجال ، والحروف
المقطعة فى أوائل السور.
وقيل : المحكم : ما وضح معناه ، والمتشابه ، نقيضه.
وقيل : المحكم : ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا ، والمتشابه :
ما احتمل أوجها.
(1/577)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 181
و قيل : المحكم ، ما كان معقول المعنى ، والمتشابه : بخلافه كأعداد الصلوات.
واختصاص الصيام برمضان دون شعبان.
وقيل : المحكم : ما استقل بنفسه ، والمتشابه : ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى
غيره.
وقيل : المحكم ما تأويله تنزيله ، والمتشابه ما لا يدرك إلا بالتأويل.
وقيل : المحكم : ما لم تكرّر ألفاظه ، ومقابله المتشابه.
وقيل : المحكمات : الفرائض والوعد والوعيد ، والمتشابه : القصص والأمثال.
و قيل : المحكمات : ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به ،
والمتشابهات : منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به وقيل
: المحكمات : ما فيه الحلال والحرام ، وما سوى ذلك منه متشابه يصدّق بعضه بعضا.
(1/578)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 182
49 مقدمه ومؤخره
منه قوله تعالى : فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أى : لا تعجبك أموالهم ولا
أولادهم فى الحياة الدنيا ، إنما يريد اللَّه ليعذبهم بها فى الآخرة.
ومنه قوله تعالى : وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً
وَأَجَلٌ مُسَمًّى أى لو لا كلمة وأجل مسمى لكان لزاما.
ومنه قوله تعالى : أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً
قَيِّماً ، أى أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا.
ومنه قوله تعالى : إنى متوفاك ورافعك ، أى رافعك إلىّ ومتوفيك.
ومنه قوله تعالى : لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ أى : لهم
يوم الحساب عذاب شديد بما نسوا.
ومنه قوله تعالى : وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ
لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا أ: أذاعو به إلا قليلا منهم.
ومنه : أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ الأصل : هواه إله ، لأن من اتخذ
إلهه هواه غير مذموم ، فقدم المفعول الثانى للعناية به.
ومنه : غَرابِيبُ سُودٌ والأصل ، سود غرابيب ، لأن الغرابيب :
الشديدة السواد.
ومنه : فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها أى فبشرناها فضحكت.
وللتقديم أسباب وأسرار
: الأول : التبرّك : كتقديم اسم اللَّه تعالى فى الأمور ذات الشأن ، و: منه قوله
تعالى : شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا
الْعِلْمِ.
(1/579)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 183
الثانى : التعظيم ، كقوله : وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ.
الثالث : التشريف ، كتقديم الذكر على الأنثى ، نحو : الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِماتِ.
الرابع : المناسبة ، وهى :
إما مناسبة المتقدم لسياق الكلام ، كقوله : وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ
تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ فإن الجمال بالجمال وإن كان ثابتا حالتى السراح
والإراحة إلا أنها حالة إراحتها ، وهو مجيئها من الرعى آخر النهار ، يكون الجمال
بها أفخر ، إذ هى فيه بطان ، وحالة سراحها للرعى أول النهار يكون الجمال بها دون
الأول ، إذ هى فيه خماص.
وإما مناسبة لفظ هو من التقدم أو التأخر ، كقوله : الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ.
الخامس : الحثّ عليه ، والحضّ على القيام به حذرا من التهاون به ، كتقديم الوصية
على الدين فى قوله : مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ مع أن الدين
مقدم عليها شرعا.
السادس : السبق ، وهو إما فى الزمان باعتبار الإيجاد ، كتقديم الليل على النهار ،
والظلمات على النور ، وآدم على نوح ، ونوح على إبراهيم ، وإبراهيم على موسى ، وهود
على عيسى ، وداود على سليمان ، والملائكة على البشر ، فى قوله :
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ.
أو باعتبار الإنزال ، كقوله : صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى .
أو باعتبار الوجوب والتكلف ، نحو : ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا.
أو بالذات ، نحو : مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ.
السابع : السببية ، كتقديم العزيز على الحكيم ، لأنه عزّ فحكم ، والعليم عليه ،
لأنه الإحكام والإتقان ناشىء عن العلم.
ومنه تقديم العبادة على الاستعانة فى سورة الفاتحة ، لأنها سبب حصول الإعانة.
وكذا قوله : يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ لأنه التوبة سبب
الطهارة.
(1/580)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 184
الثامن : الكثرة ، كقوله : فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ لأن الكفار
أكثر.
و منه تقديم الرحمة على العذاب حيث وقع فى القرآن غالبا ، ولهذا
ورد : «إن رحمتى غلبت غضبى».
التاسع : الترقى من الأدنى إلى الأعلى ، كقوله : أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها
أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها ، بدأ بالأدنى لغرض الترقى. لأن اليد أشرف من
الرجل ، والعين أشرف من اليد ، والسمع أشرف من البصر.
العاشر : التدلى من الأعلى إلى الأدنى. ومنه : لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ.
(1/581)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 185
50 عامه وخاصه
العام : لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر ، وصيغه :
كل ، مبتدأة ، نحو : كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ.
أو تابعة ، نحو : فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.
والذى ، والتى ، وتثنيتهما وجمعهما ، نحو : وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ
لَكُما.
فإن المراد به كل من صدر منه هذا القول : بدليل قوله بعد : أُولئِكَ الَّذِينَ
حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ.
وأى ، وما ، ومن شرطا واستفهاما وموصولا نحو : أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ
الْأَسْماءُ الْحُسْنى .
والجمع المضاف ، نحو : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ.
والعرّف بأل ، نحو : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ.
واسم الجنس المضاف ، نحو : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أى :
كل أمر اللَّه.
والمعروف بآل ، نحو : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ أى كل بيع.
أو النكرة فى سياق النفى والنهى ، نحو : فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ.
وفى سياق الشرط ، نحو : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ
حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ.
وفى سياق الامتناع ، نحو : وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً.
والعام ، على ثلاثة أقسام :
الأول : الباقى على عمومه. ومثاله عزيز ، إذ ما من عام إلا ويتخيل فيه التخصيص ،
فقوله : يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ قد يخص منه غير المكلف ، و:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ خص منه حالة الاضطرار.
(1/582)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 186
الثانى : العام المراد به الخصوص.
والثالث : العام المخصوص.
وثمة بينهما فروق :
أن الأول لم يرد شموله لجميع الأفراد ، لا من جهة تناول اللفظ ولا من جهة الحكم ،
بل هو ذو أفراد استعمل فى فرد منها.
والثانى أريد عمومه وشموله لجميع الأفراد من جهة تناول اللفظ لها لا من جهة الحكم.
ومنها : أن الأول مجاز قطعا لنقل اللفظ عن موضعه الأصلى ، بخلاف الثانى فإن فيه
مذاهب : أصحها أنه حقيقة.
ومنها : أن قرينة الأول عقلية والثانى لفظية.
ومنها : أن قرينة الأول لا تنفكّ عنه وقرينة الثانى قد تنفك عنه.
ومنها : أن الأول يصح أن يراد به واحد اتفاقا وفى الثانى خلاف.
(1/583)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 187
51 مجمله ومبينه
المجمل : ما لم تتضح دلالته.
والإجمال أسباب :
منها : الاشتراك ، نحو : وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ ، فإنه موضوع له : أقبل وأدبر.
ومنها : الحذف ، نحو : وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ يحتمل : فى ، وعن.
ومنها : اختلاف مرجع الضمير ، نحو : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ يحتمل عود ضمير الفاعل فى (يرفعه) إلى ما عاد
عليه ضمير (إليه) ، وهو اللَّه ، ويحتمل عوده إلى العمل ، والمعنى : أن العمل
الصالح هو الذى يرفعه الكلم الطيب ، ويحتمل عوده إلى (الكلم) ، أى إن الكلم الطيب
، وهو التوحيد ، يرفع العمل الصالح ، لأنه لا يصح العمل إلا مع الإيمان.
ومنها : احتمال العطف والاستئناف نحو : إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي
الْعِلْمِ يَقُولُونَ.
ومنها : غرابة اللفظ ، نحو : تَعْضُلُوهُنَّ.
ومنها : عدم كثرة الاستعمال ، نحو : يُلْقُونَ السَّمْعَ. أى يسمعون.
و منها : التقديم والتأخير ، نحو : وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ
لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى أى : ولو لا كلمة وأجل مسمى لكان لزاما.
ومنها : قلب المنقول ، نحو : طُورِ سِينِينَ اى سيناء.
ومنها : التكريم القاطع لوصل الكلام فى الظاهر نحو : لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا
لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ.
(1/584)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 188
52 ناسخه ومنسوخه
قال الأئمة : لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب اللَّه إلا بعد أن يعرف منه الناسخ
والمنسوخ.
و
قد قال علىّ لقاض : أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال : لا ، قال :
هلكت وأهلكت.
ويرد الناسخ :
بمعنى الإزالة ، ومنه قوله : فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ
يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ.
وبمعنى التبديل ، ومنه : وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ.
وبمعنى التحويل ، كتناسخ المواريث بمعنى تحويل الميراث من واحد إلى واحد.
وبمعنى النقل من موضع إلى موضع. ومنه : نسخت الكتاب ، إذا نقلت ما فيه حاكيا للفظه
وخطه ، وهذا الوجه لا يصح أن يكون فى القرآن.
والنسخ مما خص اللَّه به هذه الأمة لحكم :
منها التيسير ، وقد أجمع المسلمون على جوازه.
واختلف العلماء فقيل : لا ينسخ القرآن إلا بقرآن ، كقوله تعالى :
ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها قالوا
: ولا يكون مثل القرآن وخير منه إلا قرآن.
وقيل : بل ينسخ القرآن بالسنة ، لأنها أيضا من عند اللَّه ، قال تعالى :
وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى وجعل منه آية الوصية.
وقال الشافعى : حيث وقع نسخ القرآن بالسنة فمعها قرآن عاضد لها ، وحيث وقع نسخ
السنة بالقرآن فمعه سنة عاضدة له ، ليتبين توافق القرآن والسنة.
(1/585)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 189
و لا يقع النسخ إلا فى الأمر والنهى ولو بلفظ الخبر ، أما الخبر الذى ليس بمعنى
الطلب فلا يدخله النسخ ، ومنه الوعد والوعيد.
والنسخ أقسام :
أحدها : نسخ المأمور به قبل امتثاله ، وهو النسخ على الحقيقة ، كآية النجوى.
الثانى : نسخ مما كان شرعا لمن قبلنا ، كآية شرع القصاص والدية ، أو كان أمر به
أمرا إجماليّا ، كنسخ التوجه إلى بيت المقدس بالكعبة ، وصوم عاشوراء برمضان ،
وإنما يسمى هذا نسخا تجوزا.
الثالث : ما أمر به لسبب ثم يزول السبب ، كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر والصفح ،
ثم نسخ بإيجاب القتال ، وهذا فى الحقيقة ليس نسخا بل هو من قسم المنسأكما قال
تعالى : أَوْ نُنْسِها فالمنسأ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون ، وفى حال
الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى ، وبهذا يضعف ما لهج به كثيرون من أن الآية
فى ذلك منسوخة بآية السيف ، وليس كذلك بل هى من المنسأ ، بمعنى أن كل أمر ورد يجب
امتثاله فى وقت مانعية تقتضى ذلك الحكم ، بل ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر
، وليس بنسخ ، وإنما النسخ الإزالة للحكم حتى لا يجوز امتثاله.
الرابع : قال بعضهم : سور القرآن باعتبار الناسخ والمنسوخ أقسام :
قسم ليس فيه ناسخ ولا منسوخ ، وهو ثلاثة وأربعون : سورة : الفاتحة ، ويوسف ، ويس ،
والحجرات ، والرحمن ، والحديد ، والصف ، والجمعة ، والتحريم ، والملك ، والحاقة ،
ونوح ، والجن ، والمرسلات ، وعم ، والنازعات ، والانفطار ، وثلاث بعدها ، والفجر
وما بعدها إلى آخر القرآن إلا التين ، والعصر ، والكافرين.
وقسم فيه الناسخ وهو خمس وعشرون : البقرة وثلاث بعدها ، والحج ، والنور ، وتالياها
، والأحزاب ، وسبأ ، والمؤمن ، والشورى ، والذاريات ، والطور ، والواقعة ،
والمجادلة ، والمزمل والمدثر ، وكوّرت ، والعصر.
(1/586)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 190
و قسم فيه الناسخ فقط ، وهو ستة : الفتح ، والحشر ، والمنافقون ، والتغابن ،
والطلاق ، والأعلى.
وقسم فيه المنسوخ فقط وهو الأربعون الباقية.
الخامس : الناسخ أقسام.
فرض نسخ فرضا ولا يجوز العمل بالأول كنسخ الحبس للزوانى بالحد.
و قيل : وفرض نسخ فرضا ويجوز العمل بالأول كآبة المصاهرة.
وفرض نسخ ندبا كالقتال كان ندبا ثم صار فرضا.
وندب نسخ فرضا ، كقيام الليل نسخ بالقراءة فى قوله : فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ
الْقُرْآنِ.
السادس : النسخ فى القرآن على ثلاثة أضرب.
أحدها : ما نسخ تلاوته وحكمه معا.
والحكمة فى رفع الحكم وبقاء التلاوة ، لها وجهان :
أحدهما : أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه والعمل به ، فيتلى لكونه كلام اللَّه
فيثاب عليه ، فتركت التلاوة لهذه الحكمة.
والثانى : أن النسخ غالبا يكون للتخفيف ، فأبقيت التلاوة تذكيرا للنعمة ورفع
المشقة.
وإنما يرجع فى النسخ إلى نقل صريح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ، أو عن
صحابى يقول : آية كذا نسخت كذا.
ولا يعتمد فى النسخ قول عوامّ المفسرين ، بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صحيح
ولا معارضة بينة ، لأن النسخ يتضمن رفع حكم وإثبات حكم تقرّر فى عهده صلّى اللَّه
عليه وسلم ، والمعتمد فيه النقل والتاريخ دون الرأى والاجتهاد.
والثالث : ما نسخ تلاوته دون حكمه.
والحكمة فى رفع التلاوة مع بقاء الحكم ، ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة فى
المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به ، فيسرعون
بأيسر شىء ، كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام ، والمنام أدنى طريق الوحى.
(1/587)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 191
53 مشكله
و المراد به ما يوهم التعارض بين الآيات ، وكلامه تعالى منزّه عن ذلك كما قال
تعالى : وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً
كَثِيراً ولكن قد يقع للمبتدىء ما يوهم اختلافا وليس به فى الحقيقة فاحتيج
لإزالته.
جاء رجل إلى ابن عباس فقال : رأيت أشياء تختلف علىّ من القرآن ، فقال ابن عباس :
ما هو؟ أشك؟ قال : ليس بشك ، ولكنه اختلاف ، وقال : هات ما اختلف عليك من ذلك ،
قال : أسمع اللَّه يقول : ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا
وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ، وقال : وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ
حَدِيثاً فقد كتموا ، وأسمعه يقول : ، فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا
يَتَساءَلُونَ ثم قال : وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ ، وقال :
أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ حتى بلغ :
طائِعِينَ. ثم قال فى الآية الأخرى : أَمِ السَّماءُ بَناها ، ثم قال :
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ، وأسمعه يقول : وَكانَ اللَّهُ ما شأنه يقول
وكان اللَّه؟
فقال ابن عباس : أما قوله : ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا
وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فإنهم لما رأوا يوم القيامة وأن اللَّه
يفغر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركا ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره جحده
المشركون رجاء أن يغفر لهم ، فقالوا : وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ
فختم اللَّه على أفواهم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، فعند ذلك :
يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ
وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً.
وأما قوله : فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ فإنه إذا نفخ
فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الأرض ، إلا من شاء ، فلا أنساب بينهم يومئذ
ولا يتساءلون. ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ، وأقبل بعضهم على بعض
يتساءلون.
(1/588)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 192
و أما قوله : خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ فإن الأرض خلقت قبل السماء وكانت
السماء دخانا فسواهن سبع سموات فى يومين بعد خلق الأرض.
و أما قوله : وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها يقول : جعل فيها جبلا وجعل فيها
نهرا وجعل فيها شجرا وجعل فيها بحورا.
وأما قوله : كانَ اللَّهُ فإن اللَّه كان ولم يزل كذلك ، وهو كذلك عزيز حكيم عليم
قدير لم يزل كذلك ، فما اختلف عليك من القرآن فهو يشبه ما ذكرت لك ، وإن اللَّه لم
ينزل شيئا إلا وقد أصاب به الذى أراد. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.
وللاختلاف أسباب :
أحدها : وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطورات شتى ، كقوله فى خلق آدم من تراب
، ومرة من حمأ مسنون ، ومرة من طين لازب ، ومرة من صلصال كالفخار ، فهذه الألفاظ
مختلفة ومعانيها فى أحوال مختلفة ، لأن الصلصال غير الحمأ ، والحمأ غير التراب ،
إلا أن مرجعها كلها إلى جوهر ، وهو التراب ، ومن التراب درجت هذه الأحوال.
وكقوله : فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ ، وفى موضع : تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ والجانّ :
الصغير من الحيات ، والثعبان الكبير منها ، وذلك لأن خلقها خلق الثعبان العظيم ،
واهتزازها وحركتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته.
الثانى : لاختلاف الموضع كقوله : وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ وقوله :
فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ مع
قوله : فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ.
فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل. والثانية على ما يستلزمه
الإقرار بالنبوّات من شرائع الدين وفروعه ، وحمله غيره على اختلاف الأماكن ، لأن
فى القيامة مواقف كثيرة ، ففى موضع يسألون ، وفى آخر لا يسألون.
وقيل : إن السؤال المثبت سؤال تبكيت وتوبيخ ، والمنفى سؤال المغفرة وبيان الحجة.
وكقوله : اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ، مع قوله : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ.
(1/589)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 193
فالأولى محمولة على التوحيد بدليل قوله بعدها : وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ والثانية على الأعمال. وقيل : بل الثانية ناسخة للأولى.
وكقوله : فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً : مع قوله : وَلَنْ
تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ.
فالأولى تفهم إمكان العدل ، والثانية تنفيه. والجواب أن الأول فيه توفية الحقوق ،
والثانية فى الميل القلبى ، وليس فى قدرة الإنسان.
وكقوله : إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ مع قوله : أَمَرْنا مُتْرَفِيها
فَفَسَقُوا فِيها
.
فالأولى فى الأمر الشرعى ، والثانية فى الأمر الكونى ، بمعنى القضاء والتقدير.
الثالث : لاختلافهما فى جهتى الفعل كقوله : فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ
قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ أضيف القتل إليهم والرمى إليه صلّى اللَّه
عليه وسلم على جهة الكسب والمباشرة. ونفاه عنهم وعنه باعتبار التأثير.
الرابع : لاختلافهما فى الحقيقة والمجاز : وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ
بِسُكارى
أى سكارى من الأهوال مجازا لا من الشراب حقيقة.
الخامس : بوجهين واعتبارين ، كقوله ، فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ، مع قوله :
خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ، فبصرك ، أى علمك
ومعرفتك بها قوية ، من قولهم ، بصر بكذا ، أى علم ، وليس المراد رؤية العين ، ويدل
على ذلك قوله : فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ.
و كقوله : الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ مع قوله
: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ،
فقد يظن أن الوجل خلاف الطمأنينة. وجوابه أن الطمأنينة تكون بانشراح الصدر بمعرفة
التوحيد ، والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى ، فتوجل القلوب لذلك ، وقد
جمع بينهما فى قوله : تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ
ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ.
ومما استشكلوه قوله تعالى : وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ
الْهُدى (م 13 - الموسوعة القرانية - ج 2)
(1/590)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 194
وَ يَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ
يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا ، فإنه يدل على حصر المانع من الإيمان فى أحد هذين
الشيئين.
وقال فى آية أخرى : وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى
إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا فهذا حصر آخر فى غيرهما.
ومعنى آلآية الأولى : (وما منع الناس أو يؤمنوا إلا) إرادة أَنْ تَأْتِيَهُمْ
سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ من الخسف أو غيره أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا فى
الآخرة ، فأخبر أنه أراد أن يصيبهم أحد الأمرين. ولا شك أن إرادة اللَّه مانعة من
وقوع ما ينافى المراد ، فهذا حصر فى السبب الحقيقى ، لأن اللَّه هو المانع فى
الحقيقة.
و معنى الآية الثانية : وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إلا استغراب بعثه
بشرا رسولا ، لأن قولهم ليس مانعا من الإيمان لأنه لا يصلح لذلك ، وهو يدل على
الاستغراب بالالتزام ، وهو المناسب للمانعية ، واستغرابهم ليس مانعا حقيقيا بل
عاديا ، لجواز وجود الإيمان معه بخلاف إرادة اللَّه تعالى ، فهذا حصر فى المانع
العادى ، والأول حصر فى المانع الحقيقى فلا تنافى أيضا.
ومما استشكل أيضا قوله تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ
كَذِباً فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ مع قوله : وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ
، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ ، إلى غير ذلك من الآيات.
ووجهه أن المراد بالاستفهام هنا النفى ، والمعنى : لا أحد أظلم ، فيكون خبرا ،
وإذا كان خبرا ، وأخذت الآيات على ظواهرها ، أدّى إلى التناقض. وأجيب بأوجه :
منها : تخصيص كل موضع بمعنى صلته ، أى لا أحد من المانعين أظلم ممن منع مساجد
اللَّه ، ولا أحد من المفترين أظلم ممن افترى على اللَّه كذبا ، وإذا تخصص بالصلات
فيها زال التناقض.
ومنها : أن التخصيص بالنسبة إلى السبق لما يسبق أحد إلى مثله ، حكم عليهم بأنهم
أظلم ممن جاء بعدهم سالكا طريقهم ، وهذا يئول معناه إلى ما قبله ، لأن المراد
السبق إلى المانعية والافترائية.
(1/591)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 195
و منها : أن نفى الأظلمية لا يستدعى نفى الظالمية ، لأن نفى المقيد لا يدل على نفى
المطلق ، وإذا لم يدل على نفى الظالمية لم يلزم التناقض ، لأن فيها إثبات التسوية
فى الأظلمية ، وإذا ثبتت التسوية فيها لم يكن أحد ممن وصف بذلك يزيد على الآخر ،
لأنهم يتساوون فى الأظلمية ، وصار المعنى : لا أحد أظلم ممن افترى ، ومن منع ،
ونحوهما ، ولا إشكال فى تساوى هؤلاء فى الأظلمة ، ولا يدل على أن أحد هؤلاء أظلم
من الآخر ، كما إذا قلت : لا أحد أفقه منهم ، ونفى التفضيل لا يلزم منه نفى
المساواة.
وقيل : هذا استفهام مقصود به التهويل والتفظيع من غير قصد إثبات الأظلمية للمذكور
حقيقة ، ولا نفيها عن غيره.
وإذا تعارضت الآى ، وتعذر فيها الترتيب والجمع ، طلب التاريخ وترك المتقدم
بالمتأخر ، ويكون ذلك نسخا ، وإن لم يعلم وكان الإجماع على العمل بإحدى الآيتين
علم بإجماعهم أن الناسخ ما أجمعوا على العمل بها.
ولا يوجد فى القرآن آيتان متعارضتان تخلوان عن هذين الوصفين.
وتعارض القراءتين بمنزلة تعارض الآيتين نحو : وَأَرْجُلَكُمْ بالنصب والجر ، ولهذا
جمع بينهما بحمل النصب على الغسل ، والجرّ على مسح الخف.
وجماع الاختلاف والتناقض أن كل كلام صح أن يضاف بعض ما وقع الاسم عليه إلى وجه من
الوجوه فليس فيه تناقض ، وإنما التناقض فى اللفظ ما ضاده من كل جهة ، ولا يوجد فى
الكتاب والسنة شىء من ذلك أبدا ، وإنما يوجد فيه النسخ فى وقتين ، ويجوز تعارض اى
القران والآثار وما يوجبه العقل ، فلذلك لم يجعل قوله : اللَّهُ خالِقُ كُلِّ
شَيْءٍ معارضا لقوله : وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً وإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ لقيام
الدليل العقلى أنه لا خالق غير اللَّه ، فتعين تأويل ما عارضه ، فيؤول (وتخلقون)
على تكذبون ، و(تخلق) على تصوّر.
والاختلاف على وجهين :
اختلاف تناقض ، وهو ما يدعو فيه أحد الشيئين إلى خلاف الآخر ، وهذا هو الممتنع على
القرآن.
و اختلاف تلازم ، وهو ما يوافق الجانبين كاختلاف وجوه القراءة ، واختلاف مقادير
السور والآيات ، واختلاف الأحكام من الناسخ والمنسوخ ، والأمر والنهى ، والوعد
والوعيد.
(1/592)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 196
54 مطلقة ومقيده
المطلق : الدالّ على الماهية بلا قيد ، وهو مع القيد كالعام مع الخاص.
ومتى وجد دليل على تقييد المطلق صير إليه وإلا فلا ، بل يبقى المطلق على إطلاقه ،
والمقيد على تقيده ، لأن اللَّه تعالى خاطبنا بلغة العرب. والضابط أن اللَّه إذا
حكم فى شىء بصفة أو شرط ، ثم ورد حكم آخر مطلقا ، نظر :
فإن لم يكن له أصل يردّ إليه إلا ذلك الحكم المقيد وجب تقيده به.
وإن كان له أصل يردّ غيره لم يكن رده إلى أحدهما بأولى من الآخر.
فالأول : مثل اشتراط العدالة فى الشهود على الرجعة والفراق والوصية ، فى قوله :
وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ، وقوله : شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ، وقد أطلق
الشهادة فى البيوع وغيرها فى قوله : وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ فَإِذا
دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ، والعدالة شرط فى
الجميع.
ومثل تقييده ميراث الزوجين بقوله : مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ
دَيْنٍ وإطلاقه الميراث فيما أطلق فيه.
وكذلك ما أطلق من المواريث كلها بعد الوصية والدين.
وكذلك ما اشترط فى كفارة القتل من الرقبة المؤمنة.
وإطلاقها فى كفارة الظهار واليمين.
والمطلق كالمقيد فى وصف الرقبة.
وكذلك تقييد الأيدى بقوله : إِلَى الْمَرافِقِ فى الوضوء ، وإطلاقه فى التيمم.
وتقييد إحباط العمل بالردّة بالموت على الكفر فى قوله : وَمَنْ يَرْتَدِدْ
مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ ، وأطلق فى قوله : وَمَنْ يَكْفُرْ
بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ.
(1/593)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 197
و تقييد تحريم الدم بالمسفوح فى الأنعام ، وأطلق فيما عداه.
فمذهب الشافعى حمل المطلق على المقيد فى الجميع ومن العلماء من لا يحمله.
ويجوز إعتاق الكافر فى كفارة الظهار واليمين.
ويكتفى فى التيمم بالمسح إلى الكوعين.
والثانى : مثل تقيد الصوم بالتتابع فى كفارة القتل والظهار ، وتقييده بالتفريق فى
صوم التمتع ، وأطلق كفارة اليمين وقضاء رمضان ، فيبقى على إطلاقه من جوازه مفرقا
ومتتابعا لا يمكن حمله عليهما لتنافى القيدين ، وهما التفريق والتتابع ، وعلى
أحدهما لعدم المرجح.
(1/594)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 198
55 منطوقه ومفهومه
المنطوق : ما دلّ عليه اللفظ فى محل النطق ، فإن أفاد معنى لا يحتمل غيره فالنص ،
نحو : فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ
عَشَرَةٌ كامِلَةٌ. وقد نقل عن قوم من المتكلمين أنهم قالوا بندور النص جدّا فى
الكتاب والسنة.
ويقال : إن الغرض من النص الاستقلال بإفادة المعنى على قطع ، مع انحسام جهات
التأويل والاحتمال ، وهذا وإن عزّ حصوله بوضع الصيغ ردا إلى اللغة فما أكثره مع
القرائن الحالية والمقالية ، أو مع احتمال غيره احتمالا مرجوحا.
فالظاهر نحو : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فإن الباغى يطلق على الجاهل
، وعلى الظالم ، وهو فيه أظهر وأغلب ، ونحو : وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى
يَطْهُرْنَ فإنه يقال للانقطاع طهر ، وللوضوء والغسل ، وهو فى الثانى أظهر.
وإن حمل على المرجوح لدليل فهو تأويل ، ويسمى المرجوح المحمول عليه مؤولا كقوله :
وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ فإنه يستحيل حمل المعية على القرب بالذات ،
فتعين صرفه عن ذلك ، وحمله على القدرة والعلم والحفظ والرعاية.
وكقوله : وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ فإنه يستحيل حمله على
الظاهر لاستحالة أن يكون للإنسان أجنحة ، فيحمل على الخضوع وحسن الخلق.
و قد يكون مشتركا بين حقيقتين ، أو حقيقة ومجاز ، ويصح حمله عليهما جميعا ، فيحمل
عليهما جميعا ، سواء قلنا بجواز استعمال اللفظ فى
(1/595)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 199
معنييه أو لا. ووجهه على هذا أن يكون اللفظ قد خوطب به مرتين ، مرة أريد هذا ومرة
أريد هذا ، ومن أمثلته : وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ، فإنه يحتمل : ولا
يضار الكاتب والشهيد صاحب الحق يجوز فى الكتابة والشهادة. ولا يضار ، بالفتح ، أى
لا يضارّهما صاحب الحق بإلزامهما ما لا يلزمهما وإجبارهما على الكتابة والشهادة.
ثم توقفت صحة دلالة اللفظ على إضمار ، سميت دلالة اقتضاء ، نحو :
وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ أى أهلها.
وإن لم تتوقف ودل اللفظ على ما لم تقصد به سميت دلالة إشارة ، كدلالة قوله تعالى :
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ على صحة صوم من أصبح
جنبا ، إذا إباحة الجماع إلى طلوع الفجر تستلزم كونه جنبا فى جزء من النهار.
(1/596)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 200
56 وجوه مخاطباته
الخطاب فى القرآن على خمسة عشر وجها ، وقيل : على أكثر من ثلاثين وجها :
أحدها : خطاب العام والمراد به العموم ، كقوله : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ.
والثانى : خطاب الخاص والمراد به الخصوص ، كقوله : أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ
إِيمانِكُمْ.
الثالث : خطاب العام والمراد به الخصوص ، كقوله : يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمُ لم يدخل فيه الأطفال والمجانين.
الرابع : خطاب الخاص والمراد به العمود ، كقوله : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا
طَلَّقْتُمُ النِّساءَ افتتح الخطاب بالنبىّ صلّى اللَّه عليه وسلم والمراد سائر
من يملك الطلاق.
الخامس : خطاب الجنس كقوله : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ.
السادس : خطاب النوع نحو : يا بَنِي إِسْرائِيلَ.
السابع : خطاب العين ، نحو : يا آدَمُ اسْكُنْ ، ولم يقع فى القرآن الخطاب بيا
محمّد ، بل : يا أيها النبى ، يا أيها الرسول ، تعظيما له وتشريفا ، وتخصيصا بذلك
عما سواه ، وتعليما للمؤمنين أن لا ينادوه باسمه.
الثامن : خطاب المدح ، نحو : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، ولهذا وقع الخطاب
بأهل المدينة الذين آمنوا وهاجروا.
التاسع : خطاب الذم ، نحو : يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا
الْيَوْمَ ، قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ولتضمنه الإهانة لم يقع فى القرآن فى
غير هذين الموضعين ، وكثر الخطاب بيا أيها الذين آمنوا على المواجهة ، وفى جانب
الكفار جىء بلفظ الغيبة إعراضا عنهم ، كقوله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ، قُلْ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا.
(1/597)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 201
العاشر : خطاب الكرامة ، كقوله : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ
ونجد الخطاب بالنبى فى محل لا يليق به الرسول ، وكذا عكسه ، وفى الأمر بالتشريع
العام : يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ، وفى
مقام الخاصّ : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ،
وقد يعبر بالنبىّ فى مقام التشريع العام ، لكن مع قرينة إرادة العموم ، كقوله : يا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ ولم يقل : طلقت.
الحادى عشر : خطاب الإهانة ، نحو : فَإِنَّكَ رَجِيمٌ.
الثانى عشر : خطاب التهكم ، نحو : ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ.
الثالث عشر : خطاب الجمع بلفظ الواحد ، نحو : يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ
بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ.
الرابع عشر : خطاب الواحد بلفظ الجمع ، نحو : يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ
الطَّيِّباتِ إلى قوله : فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ فهو خطاب له صلّى اللَّه
عليه وسلم وحده ، إذ لا نبىّ معه ولا بعده ، وكذا قوله : وَإِنْ عاقَبْتُمْ
فَعاقِبُوا الآية خطاب له صلّى اللَّه عليه وسلم وحده ، بدليل قوله : وَاصْبِرْ
وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ الآية ، وكذا قوله : فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا
لَكُمْ فَاعْلَمُوا بدليل قوله : قُلْ فَأْتُوا.
الخامس عشر : خطاب الواحد بلفظ الاثنين نحو : أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ والخطاب
لمالك خازن النار ، وقيل لخزنة النار والزبانية ، فيكون من خطاب الجمع بلفظ
الاثنين. وقيل للملكين الموكلين به فى قوله : وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ
وَشَهِيدٌ فيكون على الأصل.
السادس عشر : خطاب الاثنين بلفظ الواحد كقوله : فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى أى ويا
هارون.
السابع عشر : خطاب الاثنين بلفظ الجمع ، كقوله : أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما
بِمِصْرَ بُيُوتاً.
الثامن عشر : خطاب الجمع بلفظ الاثنين ، كما فى : أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ.
(1/598)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 202
التاسع عشر : خطاب الجمع بعد الواحد ، كقوله : وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما
تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ جمع فى الفعل الثالث
ليدل على أن الأمة داخلون مع النبى صلّى اللَّه عليه وسلم.
العشرون : عكسه ، نحو : وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.
الحادى والعشرون : خطاب الاثنين بعد الواحد ، نحو : أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا
عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ.
الثانى والعشرون : عكسه ، نحو : فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى .
الثالث والعشرين : خطاب العين ، والمراد به الغير ، نحو : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ
اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ الخطاب له ، والمراد أمته لأنه صلّى
اللَّه عليه وسلم كان تقيّا ، وحاشاه من طاعة الكفار.
الرابع والعشرين : خطاب الغير ، والمراد به العين ، نحو لَقَدْ أَنْزَلْنا
إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ.
الخامس والعشرون : الخطاب العام الذى لم يقصد به مخاطب معين نحو :
وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ ألم يقصد بذلك خطاب معين ، بل كل أحد.
وأخرج فى صورة الخطاب لقصد العموم ، يريد أن حالهم تناهت فى الظهور بحيث لا يختص
بها راء دون راء ، بل كل من أمكن منه الرؤية داخل فى ذلك الخطاب.
السادس والعشرين : خطاب الشخص ثم العدول إلى غيره ، نحو : فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا
لَكُمْ خوطب به النبى صلّى اللَّه عليه وسلم ، ثم قال للكفار : فَاعْلَمُوا
أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ بدليل : فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
السابع والعشرون : خطاب التكوين ، وهو الالتفات.
الثامن والعشرون : خطاب الجمادات خطاب من يعقل نحو : فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ
ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً.
التاسع والعشرون : خطاب التهييج ، نحو : وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ.
الثلاثون : خطاب التحنن والاستعطاف ، نحو : يا عِبادِيَ الَّذِينَ ، أَسْرَفُوا
الآية.
(1/599)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 203
الحادى والثلاثون : خطاب التحبب ، نحو : يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ
الثانى والثلاثون : خطاب التعجيز ، نحو : فَأْتُوا بِسُورَةٍ.
الثالث والثلاثون : خطاب التشريف ، وهو كل ما فى القرآن مخاطبة «قل» فإنه تشريف
منه تعالى لهذه الأمة بأن يخاطبها بغير واسطة لتفوز بشرف المخاطبة.
الرابع والثلاثون : خطاب المعدوم ، ويصح ذلك تبعا لموجود ، نحو يا بَنِي آدَمَ
فإنه خطاب لأهل ذلك الزمان ولكل من بعدهم.
وخطاب القرآن ثلاثة أقسام :
قسم لا يصلح إلا للنبى ، صلّى اللَّه عليه وسلم.
وقسم لا يصلح إلا لغيره.
وقسم لهما.
(1/600)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 204
57 حقيقته ومجازه
لا خلاف فى وقوع الحقائق فى القرآن ، وهى كل لفظ يقع على موضوعه ولا تقديم فيه ولا
تأخير ، وهذا أكثر الكلام.
وأما المجاز فالجمهور أيضا على وقوعه فيه ، وأنكره جماعة.
وشبهتهم أن المجاز أخو الكذب والقرآن منزّه عنه ، وأن المتكلم لا يعدل إليه إلا
إذا ضاقت به الحقيقة فيستعير ، وذلك محال على اللَّه تعالى.
وهذه شبهة باطلة ، ولو سقط المجاز من القرآن سقط منه شطر الحسن ، فقد اتفق البلغاء
على أن المجاز أبلغ من الحقيقة ، ولو وجب خلوّ القرآن من المجاز وجب خلوّه من
الحذف والتوكيد وتثنية القصص وغيرها.
والمجاز فى القرآن قسمان
: الأول : المجاز فى التركيب ، ويسمى مجاز الإسناد. والمجاز العقلى وعلاقته
الملابسة ، وذلك أن يسند الفعل أو شبهه إلى غير ما هو له أصالة لملابسته له ،
كقوله تعالى : وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً نسبت
الزيادة ، وهى فعل اللَّه ، إلى الآيات ، لكونها سببا لها ، وهذا القسم أربعة
أنواع :
أحدها : ما طرفاه حقيقتان ، نحو : وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها.
ثانيها : مجازيان ، نحو : فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ أى ما ربحوا فيها ، وإطلاق
الربح والتجارة هنا مجاز.
ثالثها ، ورابعها : ما أحد طرفيه حقيقى دون الآخر.
أما الأول أو الثانى. كقوله : أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً ، أى برهانا.
القسم الثانى : المجاز فى المفرد ، ويسمى المجاز اللغوى ، وهو استعمال اللفظ فى
غير ما وضع له أولا ، وأنواعه كثيرة :
(1/601)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 205
أحدها : الحذف.
الثانى : الزيادة.
الثالث : إطلاق اسم الكل على الجزء ، نحو : يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي
آذانِهِمْ أى أناملهم ، ونكتة التعبير عنها بالأصابع الإشارة إلى إدخالها على غير
المعتاد مبالغة من الفرار ، فكأنهم جعلوا الأصابع.
الرابع : عكسه ، نحو : وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ، أى ذاته.
الخامس : إطلاق اسم الخاص على العام ، نحو : نَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
.
أى رسله.
السادس : عكسه ، نحو : وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ، أى المؤمنين
بدليل قوله : وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا.
السابع : إطلاق اسم الملزوم على اللازم.
الثامن : عكسه ، نحو : هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً
، أى هل يفعل؟ أطلق الاستطاعة على الفعل لأنها لازمة له.
التاسع : إطلاق المسبب على السبب ، نحو : يُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ
رِزْقاً.
العاشر : عكسه ، نحو : ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ ، أى القبول والعمل به
لأنه مسبب على السمع.
الحادى عشر : تسمية الشىء باسم ما كان عليه ، نحو : وَآتُوا الْيَتامى
أَمْوالَهُمْ أى الذين كانوا يتامى ، إذ لا يتم بعد البلوغ.
الثانى عشر : تسميته باسم ما يئول إليه ، نحو : إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً
أى عنبا يؤول إلى الخمرية.
الثالث عشر : إطلاق اسم الحال على المحل ، نحو : فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ
فِيها خالِدُونَ ، أى فى الجنة لأنها محل الرحمة.
الرابع عشر : عكسه ، نحو : فَلْيَدْعُ نادِيَهُ ، أى أهل ناديه ، أى مجلسه.
(1/602)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 206
الخامس عشر : تسمية الشىء باسم آلته ، نحو : وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي
الْآخِرِينَ ، أى ثناء حسنا ، لأن اللسان آلته.
السادس عشر : تسمية الشىء باسم ضده ، نحو : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.
والبشارة حقيقة فى الخبر السار.
السابع عشر : إضافة الفعل إلى ما يصح منه تشبيها ، نحو : جِداراً يُرِيدُ أَنْ
يَنْقَضَّ ، وصفه بالإرادة ، وهى من صفات الحىّ ، تشبيها لميله للوقوع بإرادته.
الثامن عشر : إطلاق الفعل والمراد مشارفته ومقاربته وإرادته ، نحو : فَإِذا
بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ ، أى قاربن بلوغ الأجل : أى انقضاء العدة :
لأن الإمساك لا يكون بعده.
التاسع عشر : القلب :
إما قلب إسناد ، نحو : ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ ، أى لتنوء
العصبية بها.
أو قلب عطف ، نحو : ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ، أى فانظر ثم تول.
العشرون : إقامة صيغة مقام أخرى ، وتحته أنواع كثيرة.
منها : إطلاق المصدر على الفاعل ، نحو (فإنهم عدولى) ولهذا أفرده.
وعلى المفعول ، نحو : وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ، أى من معلومه.
ومنها : إطلاق البشرى على المبشر به ، والهوى على المهوى ، والقول على المقول.
ومنها : إطلاق الفاعل والمفعول على المصدر ، نحو : لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ ،
أى تكذيب.
ومنها : إطلاق فاعل على مفعول ، نحو : ماءٍ دافِقٍ ، أى مدفوق.
وعكسه ، نحو : إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ، أى آتيا.
ومنها : إطلاق فعيل بمعنى مفعول ، نحو : وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً.
(1/603)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 207
و منها : إطلاق واحد من المفرد والمثنى والجمع على آخر منها.
مثال إطلاق المفرد على المثنى : وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ،
أى يرضوهما ، فأفراد لتلازم الرضاءين.
وعلى الجمع : إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ، أى الأناسى ، بدليل الاستثناء منه.
ومثال إطلاق المثنى على المفرد : أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ أى ألق.
ومنه كل فعل نسب إلى شيئين وهو لأحدهما فقط ، نحو : يَخْرُجُ مِنْهُمَا
اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ وإنما يخرج من أحدهما وهو الملح دون العذب.
و مثال إطلاقه على الجمع ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ أى كرات ، لأن البصر
لا يحسر إلا بها.
ومثال إطلاق الجمع على المفرد : قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ، أى أرجعنى.
ومثال إطلاقه على المثنى : قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ.
ومنها : إطلاق الماضى على المستقبل لتحقيق وقوعه ، نحو : أَتى أَمْرُ اللَّهِ أى
الساعة.
ومن لواحق ذلك : التعبير عن المستقبل باسم الفاعل أو المفعول ، لأنه حقيقة فى
الحال لا فى الإستقبال ، نحو : وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ.
ومنها : إطلاق الخبر على الطلب أمرا ، أو نهيا ، أو دعاء ، ومبالغة فى الحثّ عليه
حتى كأنه وقع وأخبر عنه.
وورود الخبر ، والمراد الأمر أو النهى ، أبلغ من صريحى الأمر والنهى ، كأنه سورع
فيه إلى الامتثال وأخبر عنه ، نحو : وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ.
وعكسه ، نحو : فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا ، أى يمدّ والأمر بمعنى الخبر
أبلغ من الخبر لتضمنه اللزوم ، نحو : إن زرتنا فلنكرمك ، يريدون تأكيد إيجاب
الإكرام عليهم ، لأن الأمر للإيجاب يشبه الخبرية فى إيجابه.
(1/604)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 208
و منها : وضع النداء موضع التعجب ، نحو : يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ.
معناها : فيا لها حسرة ، والحسرة لا تنادى وإنما ينادى الأشخاص ، وفائدته التنبيه
، ولكن المعنى على التعجب.
ومنها : وضع جمع القلة موضع الكثرة ، نحو : وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ وغرف
الجنة لا تحصى.
وعكسه ، نحو : يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ.
ومنها : تذكير المؤنث على تأويله بمذكر ، نحو : فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ
رَبِّهِ أى وعظ.
ومنها : تأنيث المذكر ، نحو : الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها أنث
الفردوس ، وهو مذكر ، حملا على معنى الجنة.
ومنها : التغليب ، وهو إعطاء الشىء حكم غيره. وقيل ، ترجيح أحد المعلومين على
الآخر وإطلاق لفظه عليهما إجراء للمختلفين مجرى المتفقين ، نحو :
وَ كانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ والأصل من القانتات ، فعدّت الأنثى من المذكر بحكم
التغلب.
وإنما كان التغليب من باب المجاز لأن اللفظ لم يستعمل فيما وضع له ألا ترى أن
القانتين موضوع للذكور الموصوفين بهذا الوصف ، فإطلاقه على الذكور والإناث إطلاق
على غير ما وضع له.
ومنها : استعمال حروف الجر فى غير معانيها الحقيقية.
ومنها : استعمال صيغة (أفعل) لغير الوجوب ، وصيغة (لا تفعل) لغير التحريم ، وأدوات
الاستفهام لغير طلب التصوّر ، والتصديق ، وأداة التمنى والترجى والنداء لغيرها.
ومنها : التضمين ، وهو إعطاء الشىء معنى الشىء ، ويكون فى الحروف والأفعال
والأسماء. ويرى فريق من النجاة : التوسع فى الحروف على حين يرى غيرهم : التوسع فى
الفعل ، لأنه فى الأفعال أكثر ، مثاله : عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ
فيشرب ، إنما يتعدّى بمن ، فتعديته بالباء إما على تضمينه معنى : يروى ويلتذ ، أو
تضمين الباء معنى من
(1/605)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 209
و أما فى الأسماء فأن يضمن اسم معنى اسم لإفادة معنى الاسمين معا ، نحو :
حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ضمن (وحقيق) معنى :
حريص ، ليفيد أنه محقوق بقوله الحق وحريص عليه ، وإنما كان التضمين مجازا لأن
اللفظ لم يوضع للحقيقة والمجاز معا فالجمع بينهما مجاز.
ومن المجاز :
الأول : الحذف ، وليس كل حذف مجازا.
والحذف أربعة أقسام :
قسم يتوقف عليه صحة اللفظ ومعناه من حيث الإسناد نحو : وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ أى
أهلها ، إذا لا يصح إسناد السؤال إليها.
وقسم يصح بدونه لكن يتوقف عليه شرعا كقوله : فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ
عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، أى فأفطر فعدة.
وقسم يتوقف عليه عادة لا شرعا ، نحو : اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ ،
أى فضربه.
و قسم يدل عليه دليل غير شرعى ولا هود عادة ، نحو : فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ
أَثَرِ الرَّسُولِ دل الدليل على أنه إنما قبض من أثر حافر فرس الرسول.
وليس فى هذه الأقسام مجاز إلا الأول ، وقيل : إنما يكون مجازا إذا تغير حكم ، فأما
إذا لم يتغير كحذف خبر المبتدأ المعطوف على جملة فليس مجازا ، إذا لم يتغير حكم ما
بقى من الكلام.
ومتى تغير إعراب الكلمة بحذف أو زيادة فهى مجاز نحو : وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ.
وإن كان الحذف أو الزيادة لا يوجب تغير الإعراب ، نحو : أَوْ كَصَيِّبٍ ، فلا توصف
الكلمة بالمجاز.
الثانى : التأكيد ، وقيل : إنه مجاز ، لأنه لا يفيد إلا ما أفاده الأول ، والصحيح
أنه حقيقة.
(م 14 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/606)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 210
الثالث : التشبيه ، وقيل : إنه مجاز ، والصحيح أنه حقيقة ، لأنه معنى من المعانى ،
وله ألفاظ. تدل عليه وضعا ، وليس فيه نقل اللفظ عن موضوعه.
وقيل : إن كان بحرف فهو حقيقة ، أو بحذفه فمجاز ، بناء على أن الحذف من باب
المجاز.
الرابع : الكناية ، وفيها أربعة مذاهب :
أحدها : أنها حقيقة ، وهو الظاهر لأنها استعملت فيما وضعت له وأريد بها الدلالة
على غيره.
الثانى : أنها مجاز.
والثالث : أنها لا حقيقة ولا مجاز.
الرابع : أنها تنقسم إلى حقيقة ومجاز ، فإن استعملت اللفظ فى معناه مرادا منه لازم
المعنى أيضا فهو حقيقة ، وإن لم يرد المعنى بل عبر بالملزوم عن اللازم فهو مجاز ،
لاستعماله فى غير ما وضع له.
الخامس : التقديم والتأخير ، عدّه قوم من المجاز ، لأنّ تقديم ما رتبته التأخير
كالمفعول ، وتأخير ما رتبته التقديم كالفاعل ، نقل لكل واحد منهما عن مرتبته وحقه
وقيل : والصحيح أنه ليس منه ، فإن المجاز نقل ما وضع إلى ما لم يوضع له.
السادس : الالتفات ، وقيل : هو حقيقة حيث لم يكن معه تجريد.
(1/607)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 211
58 تشبيهه واستعاراته
التشبيه : نوع من أشرف أنواع البلاغة وأعلاها. ولو قال قائل : هو أكثر كلام العرب
لم يبعد. وهو الدلالة على مشاركة أمر لأمر فى معنى ، وقيل : هو إخراج الأغمض إلى
الأظهر ، وقيل : هو إلحاق شىء بذى وصف فى وصفه.
وقيل : هو أن تثبت للمشبه حكما من أحكام المشبه به.
والغرض منه تأنيس النفس بإخراجها من خفى إلى جلىّ ، وإذانائه البعيد من القريب
ليفيد بيانا ، وقيل : الكشف عن المعنى المقصود مع الاختصار.
وأدواته حروف وأسماء وأفعال. فالحروف : الكاف ، وكأنه.
والاسماء مثل ، وشبه ، ونحوهما مما يشتق من المماثلة والمشابهة ، ولا تستعمل (مثل)
إلا فى حال أو صفة لها شأن ، وفيها غرابة.
والأفعال ، نحو : يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً ويُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ
أَنَّها تَسْعى .
وربما يذكر فعل ينبىء عن التشبيه فيؤتى فى التشبيه القريب بنحو : علمت زيدا أسدا ،
الدالّ على التحقيق. وفى البعيد بنحو : حسب زيدا أسدا ، الدالّ على الظن وعدم
التحقيق.
وينقسم التشبيه باعتبارات :
الأول ، باعتبار طرفيه إلى أربعة أقسام ، لأنهما إما حسيان ، أو عقليان ، أو
المشبه به حسى والمشبه عقلى ، أو عكسه.
مثال الأول : وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ
الْقَدِيمِ.
ومثال الثانى : ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ
أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً
(1/608)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 212
و مثال الثالث : مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ
اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ.
ومثال الرابع ، لم يقع فى القرآن ، لأن العقل مستفاد من الحسّ ، فالمحسوس أصل
للمعقول ، وتشبيهه به يستلزم جعل الأصل فرعا والفرع أصلا ، وهو غير جائز.
الثانى : ينقسم باعتبار وجهه إلى مفرد ومركب.
والمركب أن ينتزع وجه الشبه من أمور مجموع بعضها إلى بعض ، كقوله :
كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً فالتشبيه مركب من أحوال الحمار ، وهو حرمان
الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب فى استصحابه.
الثالث ينقسم باعتبار آخر إلى أقسام :
أحدها : تشبيه ما تقع عليه الحاسة بما لا تقع اعتمادا على معرفة النقيض والضد ،
فإن إدراكهما أبلغ من إدراك الحاسة كقوله : طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ
الشَّياطِينِ شبه بما لا يشك أنه منكر قبيح لما حصل فى نفوس الناس من بشاعة صور
الشياطين وإن لم ترها عيانا.
الثانى : عكسه ، وهو تشبيه ما لا تقع عليه الحاسة بما تقع عليه ، كقوله :
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ الآية. أخرج ما لا يحس وهو
الإيمان ، إلى ما يحس ، وهو السراب ، والمعنى الجامع بطلان التوهم مع شدة الحاجة
وعظم الفاقة.
الثالث : إخراج ما لم تجر العادة به إلى ما جرت ، كقوله تعالى : وَإِذْ نَتَقْنَا
الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ والجامع بينهما الارتفاع فى الصورة.
الرابع : إخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بها ، كقوله : وَجَنَّةٍ عَرْضُها
كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ والجامع العظم ، وفائدته التشويق إلى الجنة بحسن
الصفة وإفراط السعة.
الخامس : إخراج ما لا قوّة له فى الصفة إلى ما له قوة فيها ، كقوله تعالى :
وَ لَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ والجامع فيهما العظم
، والفائدة إبانة القدرة على تسخير الأجسام العظام فى ألطف ما يكون من الماء ، وما
فى ذلك من انتفاع الخلق بحمل الأثقال وقطعها الأقطار البعيدة فى المسافة القريبة ،
وما يلازم
(1/609)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 213
ذلك من تسخير الرياح للإنسان ، فتضمن الكلام بناء من الفخر وتعداد النعم.
على هذه الأوجه الخمسة تجرى تشبيهات القرآن.
السادس : ينقسم لاعنبار آخر إلى :
مؤكد ، وهو ما حذفت فيه الأداة ، نحو : وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ ، أى مثل
مرّ السحاب.
ومرسل ، وهو ما لم تحذف.
و المحذوفة الأداة أبلغ ، لأنه نزل فيه الثانى منزلة الأول تجوزا.
والأصل دخول أداة التشبيه على المشبه به ، وقد تدخل على المشبه ، إما لقصد
المبالغة ، فتقلب التشبيه وتجعل المشبه هو الأصل ، نحو : قالُوا إِنَّمَا
الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا كان الأصل أن يقولوا : إنما الربا مثل البيع ، لأن
الكلام فى الربا لا فى البيع ، فعدلوا عن ذلك وجعلوا الربا أصلا ملحقا به البيع فى
الجواز ، وأنه الخليق بالحل.
والقاعدة فى المدح تشبيه الأدنى بالأعلى ، وفى الذم تشبيه الأعلى بالأدنى ، لأن
الذم مقام الأدنى ، والأعلى طارىء عليه ، فيقال فى المدح : الحصى كالياقوت ، وفى
الذم : ياقوت كالزجاج.
وكذا فى السلب ، ومنه : يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ ،
أى فى النزول لا فى العلوّ.
زوج المجاز بالتشبيه فتولد بينهما الاستعارة ، فهى مجاز علاقته المشابهة ، وهى
اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصل.
والأصح أنها مجاز لغوى ، لأنها موضوعة للمشبه به لا للمشبه ، ولا الأعم منهما ، ف
«أسد» فى قولك : رأيت أسدا يرمى ، موضوع للسبع لا للشجاع ، ولا لمعنى أعم منهما
كالحيوان الجرىء مثلا ليكون إطلاقه عليهما حقيقة كإطلاق الحيوان عليهما.
وقيل : مجاز عقلى ، بمعنى أن التصرف فيها فى أمر عقلى لا لغوى ، لأنها لا تطلق على
المشبه إلا بعد ادعاء دخوله فى جنس المشبه به ، فكان استعمالها فيما وضعت له ،
فيكون حقيقة لغوية ليس فيها غير نقل الاسم وحده.
(1/610)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 214
و ليس نقل الاسم المجرد استعارة ، لأنه لا بلاغة فيه ، بدليل الأعلام المنقولة ،
فلم يبق إلا أن يكون مجازا عقليا.
وقيل : حقيقة الاستعارة أن تستعار الكلمة من شىء معروف بها إلى شىء لم يعرف بها.
وحكمة ذلك إظهار الخفىّ وإيضاح الظاهر الذى ليس يجلى ، أو حصول المبالغة أو
المجموع.
مثال إظهار الخفى : (وإنه فى الكتاب) فإنه حقيقته : وإنه فى أصل الكتاب ، فاستعير
لفظ الأم للأصل لأم الأولاد تنشأ من الأم كإنشاء الفروع من الأصول ، وحكمة ذلك
تمثيل ما ليس بمرئىّ حتى يصير مرئيّا ، فينتقل السامع من حدّ السماع إلى حد العيان
، وذلك أبلغ فى البيان.
و مثال إيضاح ما ليس بجلىّ ليصير جليا : وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ فإن
المراد أمر الولد بالذل لوالديه رحمة ، فاستعير للذل أولا جانب ثم للجانب جناحان ،
وتقديره الاستعارة القريبة : واخفض لهما جانب الذل ، أى اخفض جانبك ذلا.
وحكمة الاستعارة فى هذا جعل ما ليس بمرئىّ مرئيّا لأجل حسن البيان ، ولما كان
المراد خفض جانب الولد للوالدين بحيث لا يبقى الولد من الذل لهما والاستكانة ممكنا
، احتيج فى الاستعارة إلى ما هو أبلغ من الأولى ، فاستعير لفظ الجناح لما فيه من
المعانى التى لا تحصل من خفض الجانب ، لأن من يميل جانبه إلى جهة السفل أدنى ميل
صدق عليه أنه خفض جانبه ، والمراد خفض بلصق الجنب بالأرض ، ولا يحصلذلك إلا بذكر
الجناح كالطائر.
ومثال المبالغة : وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً ، وحقيقته : وفجرنا عيون الأرض
، ولو عبر بذلك لم يكن فيه من المبالغة ما فى الأول المشعر بأن الأرض كلها صارت
عيوبا.
وأركان الاستعارة ثلاثة :
مستعارة ، وهو لفظ المشبه به.
(1/611)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 215
و مستعار منه ، وهو معنى لفظ المشبه.
ومستعار له ، وهو العنى الجامع. وأقسامها كثيرة باعتبارات ، فتنقسم باعتبار
الأركان الثلاثة إلى خمسة أقسام :
أحدها : استعارة محسوس لمحسوس بوجه محسوس ، نحو : وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً
فالمستعار منه هو النار ، والمستعار له الشيب ، والوجه هو الانبساط ، ومشابهة ضوء
النار لبياض الشيب ، وكل ذلك محسوس ، وهو أبلغ مما لو قيل :
اشتعل شيب الرأس ، لإفادته عموم الشيب لجميع الرأس.
الثانى : استعارة محسوس لمحسوس بوجه عقلى ، نحو : وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ
نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فالمستعار منه السلخ الذى هو كشط الجلد عن الشاة ،
والمستعار له كشف الضوء عن مكان الليل ، وهما حسيان ، والجامع ما يعقل من ترتب أمر
على آخر وحصوله عقب حصوله كترتب ظهور اللحم على الكشط ، وظهور الظلمة على كشف
الضوء عن مكان الليل ، والترتيب أمر عقلى.
الثالث : استعارة معقول لمعقول يوجه عقلى ، نحو : مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا
المستعار منه الرقاد : أى النوم ، والمستعار له الموت ، والجامع عدم ظهور الفعل ،
والكل عقلى.
الرابع : استعارة محسوس لمعقول بوجه عقلى أيضا ، نحو : مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ
وَالضَّرَّاءُ استعير المس ، وهو حقيقة فى الأجسام ، وهو محسوس ، لمقاساة الشدة ،
والجامع اللحوق ، وهما عقليان.
الخامس : استعارة معقول لمحسوس والجامع عقلى أيضا ، نحو : إِنَّا لَمَّا طَغَى
الْماءُ المستعار منه التكثير ، وهو عقلى ، والمستعار له كثرة الماء ، وهو حسى ،
والجامع الاستعلاء ، وهو عقلى أيضا.
وتنقسم باعتبار آخر إلى مرشحة ومجردة ومطلقة.
فالأولى : أن تقترن بما يلائم المستعار منه ، نحو : أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا
الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ استعير الاشتراء للاستبدال
والاختبار ، ثم قرن بما يلائمه من الربح والتجارة.
(1/612)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 216
الثانية : أن تقرن بما يلائم المستعار له ، نحو : فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ
الْجُوعِ وَالْخَوْفِ استعير اللباس للجوع ثم قرن بما يلائم المستعار له من
الإذاقة ، ولو أراد الترشيح لقال : فكساها ، لكن التجريد هنا أبلغ لما فى لفظ
الإذاقة من المبالغة فى الألم باطنا.
و الثالثة : لا تقرن بواحد منهما.
وتنقسم باعتبار آخر إلى ، تحقيقية ، وتخييلية ، ومكنية ، واصريحية.
فالأولى : ما تحقق معناها حسّا ، نحو : فَأَذاقَهَا اللَّهُ الآية ، أو عقلا ، نحو
: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً أى بيانا واضحا وحجة لا معة.
والثانية : أن يضمر التشبيه فى النفس فلا يصرّح بشىء من أركانه سوى المشبه ، ويدل
على ذلك التشبيه المضمر فى النفس بأن يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به ، ويسمى ذلك
التشبيه المضمر : استعارة بالكناية ومكنيها عنها ، لأنه لم يصرح به ، بل دل عليه
بذكر خواصه ويقابله التصريحية.
ويسمى ذلك الأمر المختص بالمشبه به للمشبه استعارة تخييلية ، لأنه قد استعير
للمشبه ذلك الأمر المختص بالمشبه به ، وبه يكون كمال المشبه به وقوامه فى وجه
الشبه لتخيل أن المشبه من جنس المشبه به. ومن أمثلة ذلك : الَّذِينَ يَنْقُضُونَ
عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ ، شبه العهد بالحبل ، وأضمر فى النفس فلم
يصرح بشىء من أركان التشبيه سوى العهد المشبه ، ودل عليه بإثبات النقض الذى هو من
خواصّ المشبه به وهو الحبل.
ومن التصريحية : مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ.
وتنقسم باعتبار آخر إلى :
وفاقية : بأن يكون اجتماعهما فى شىء ممكنا ، نحو : أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً
فَأَحْيَيْناهُ ، أى ضالا فهديناه ، استعير الإحياء من جعل الشىء حيا للهداية التى
بمعنى الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب ، والإحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما فى
شىء.
وعنادية : وهى ما لا يمكن اجتماعهما ، كاستعارة اسم المعدوم للموجود لعدم نفعه ،
واجتماع الوجود والعدم فى شىء ممتنع.
(1/613)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 217
و من العنادية : والتهكمية ، والتمليحية ، وهما ما استعمل فى ضد أو نقيض ، نحو :
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ أى أنذرهم ، استعيرت البشارة ، وهى الإخبار بما
يسر ، للإنذار الذى هو ضده ، بإدخال جنسها على سبيل التهكم والاستهزاء ، نحو :
إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ عنوا : الغوىّ السفيه تهكما.
وتنقسم باعتبار آخر إلى :
تمثيلية ، وهى أن يكون وجه الشبه فيها منتزعا من متعدد ، نحو :
وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً شبه استظهار العبد باللَّه ووثوقه
بحمايته والنجاة من المكاره باستمساك الواقع فى مهواة بحبل وثيق مدلى من مكان
مرتفع يأمن انقطاعه.
وقد تكون الاستعارة بلفظين ، نحو : قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ يعنى تلك
الاوانى ليست من الزجاج ولا من الفضة ، بل فى صفاء القارورة وبياض الفضة.
وإذا كان التشبيه من أعلى أنواع البلاغة وأشرفها ، فإن الاستعارة أبلغ منه لأنها
مجاز ، وهو حقيقة ، والمجاز أبلغ ، فإذا الاستعارة أعلى مراتب الفصاحة ، وكذا
الكناية أبلغ من التصريح ، والاستعارة أبلغ من الكناية ، لأنها كالجامعة بين كناية
واستعارة ، ولأنها مجاز قطعا. وفى الكناية خلاف.
وأبلغ أنواع الاستعارة التمثيلية ، ويليها المكنية ، ولاشتمالها على المجاز العقلى
، والترشيحية أبلغ من المجردة والمطلقة ، والتخييلية أبلغ من التحقيقية.
والمراد بالأبلغية إفادة زيادة التأكيد والميالغة فى كمال التشبيه ، لا زيادة فى
المعنى لا توجد فى غير ذلك.
(1/614)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 218
59 كناياته وتعريضه
هما من أنواع البلاغة وأساليب الفصاحة ، وقد تقدم أن الكناية أبلغ من التصريح.
وعرّفها أهل البيان بأنها لفظ أريد به لازم معناه. وقيل : ترك التصريح بالشىء إلى
ما يساويه فى اللزوم فينتقل منه إلى الملزوم.
وللكناية أساليب :
أحدها : التنبيه على عظم القدرة ، نحو : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
واحِدَةٍ كناية عن آدم.
ثانيها : ترك اللفظ إلى ما هو أجمل ، نحو : إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ
وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فكنى بالنعجة عن المرأة كعادة
العرب فى ذلك ، لأن ترك التصريح بذكر النساء أجمل منه ، ولهذا لم يذكر فى القرآن
امرأة باسمها ، على خلاف عادة الفصحاء لنكتة ، وهو أن الملوك لا يذكرون حرائرهم فى
ملأ ، ولا يبتذلون أسماءهن ، بل يكنون عن الزوجة بالفرش والعيال ونحو ذلك ، فإذا
ذكروا الإماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا أسماءهن عن الذكر ، فلما قالت النصارى فى
مريم ما قالوا صرّح اللَّه باسمها ، ولم يكن تأكيدا للعبودية التى هى صفة لها ،
وتأكيدا ، لأن عيسى لا أب له وإلا لنسب إليه.
ثالثها : أن يكون التصريح مما يستقبح ذكره ، ككناية اللَّه عن الجماع بالملامسة
والمباشرة والإفضاء والرفث والدخول ، والسرّ والغشيان.
وعن ابن عباس قال : المباشرة : الجماع ، ولكن اللَّه يكنى. وعنه قال : إن اللَّه
يكنى ما شاء ، وإن الرفث هو الجماع ، وكنى عن طلبه بالمراودة فى قوله :
وَ راوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ.
وعن المعانقة باللباس فى قوله : هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ.
وبالحرث فى قوله : نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ.
(1/615)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 219
و كنى عن البول بالغائط فى قوله : أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ.
وأصله المكان المطمئن من الأرض.
وكنى عن قضاء الحاجة بأكل الطعام فى قوله فى مريم وابنها : كانا يَأْكُلانِ
الطَّعامَ.
وكنى عن الأستاه بالأدبار فى قوله : يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ.
و عن مجاهد فى هذه الآية قال : يعنى أستاههم ، ولكن اللَّه يكنى. وأورد قوله تعالى
: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها وقال : إن المراد به فرج القميص ، والتعبير به من
ألطف الكنايات وأحسنها : أى لا يعلق ثوبها بريبة فهى طاهرة الثوب ، كما يقال : نقى
الثوب ، وعفيف الذيل ، كناية عن العفة ، ومنه :
وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ وكيف يظن أن نفخ جبريل وقع فى فرجها ، وإنما نفخ فى جيب
درعها.
رابعها : قصد البلاغة والمبالغة نحو : أَوَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ
وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ كنى عن النساء بأنهن ينشأن فى الترفه والتزين
الشاغل عن النظر فى الأمور ودقيق المعانى ، ولو أتى بلفظ النساء لم يشعر بذلك ،
والمراة نفى ذلك عن الملائكة.
خامسها : قصد الاختصار كالكناية عن ألفاظ متعددة بلفظ فعل نحو :
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا أى فإن لم تأتوا بسورة من مثله.
سادسها : التنبيه على مصيره نحو : تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ أى جهنمى مصيره إلى
اللهب. حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِها حَبْلٌ أى بمامة مصيرها إلى أن تكون
حطبا لجهنم فى جيدها غلّ.
وهكذا يعدل عن الصرائح إلى الكناية بنكتة كالإيضاح ، أو بيان حال الموصوف ، أو
مقدار حاله ، أو القصد إلى المدح أو الذم أو الاختصار أو الستر أو الصيانة ، أو
التعمية والإلغاز ، والتعبير عن الصعب بالسهل ، وعن المعنى القبيح باللفظ الحسن.
وقيل : الكناية : أن تعمد إلى جملة معناها على خلاف الظاهر ، فتأخذ الخلاصة من غير
اعتبار مفرداتها بالحقيقة والمجاز ، فتعبر بها عن المقصود كما تقول فى نحو :
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى إنه كناية عن الملك ، فإن الاستواء على السرير
لا يحصل إلا مع الملك ، فجعل كناية عنه.
(1/616)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 220
و كذا قوله : وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ كناية عن عظمته وجلالته من غير ذهاب بالقبض واليمين إلى
جهتين.
حقيقية ومجازية.
ومن أنواع البديع التي تشبه الكناية ، الإرداف ، وهو أن يريد المتكلم معنى ولا
يعبر عنه بلفظ الموضوع له ولا بدالة الإشارة ، بل بلفظ يرادفه كقوله تعالى :
وَ قُضِيَ الْأَمْرُ والأصل : وهلك من قضى اللَّه هلاكه ، ونجا من قضى اللَّه
نجاته ، وعدل عن ذلك إلى لفظ الإرداف لما فيه من الإيجاز والتنبيه على أن هلاك
الهالك ونجاة الناجى كان بأمر آمر مطاع ، وقضاء من لا يردّ قضاؤه ، والأمر يستلزم
امرا فقضاؤه يدل على قدرة الأمر به وقهره ، وإن الخوف من عقابه ورجاء ثوابه يحضان
على طاعة الأمر ، ولا يحصل ذلك كله فى اللفظا لخاص.
قال بعضهم : والفرق بين الكناية والإرداف : أن الكناية انتقال من لازم إلى ملزوم ،
والإرداف من مذكور إلى متروك. ومن أمثلته أيضا : لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا
بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى عدل فى الجملة الأولى
عن قوله بالسوء : أى مع أن فيه مطابقة ، كالجملة الثانية ، إلى : بِما عَمِلُوا
تأدبا أن يضاف السوء إلى اللَّه تعالى.
وللتعريض قسمان :
قسم يراد به معناه الحقيقى ويشار به إلى المعنى الآخر المقصود.
وقسم لا يراد به بل يضرب مثلا للمعنى الذى هو مقصود التعريض كقول إبراهيم بَلْ
فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا.
(1/617)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 221
60 الحصر والاختصاص
أما الحصر ، ويقال له : القصر ، فهو تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص.
ويقال : إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه ، وينقسم إلى :
قصر الموصوف على الصفة.
وقصر الصفة على الموصوف.
وكل منهما إما حقيقى ، وإما مجازى.
مثال قصر الموصوف على الصفة حقيقيّا نحو : ما زيد إلا كاتب ، أى لا صفة له غيرها ،
وهو عزيز لا يكاد يوجد لتعذر الإحاطة بصفات الشىء حتى يمكن إثبات شىء منها ، ونفى
ما عداها بالكلية ، وعلى عدم تعذرها يبعد أن تكون للذات صفة واحدة ليس لها غيرها ،
ولذا لم يقع فى النزيل.
ومثاله مجازيّا : وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ أى إنه مقصور على الرسالة لا
يتعداها إلى التبرىّ من الموت الذى استعظموه الذى هو من شأن الإله.
ومثال قصر الصفة على الموصوف حقيقيّا : لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ.
ومثاله مجازيا : قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ
يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً. الآية.
فيقال : إن الكفار لما كانوا يحلون الميتة والدم ولحم الخنزير ، وما أهلّ لغير
اللَّه به ، وكانوا يحرّمون كثيرا من المباحات ، وكانت سجيتهم تخالف وضع الشرع ،
نزلت الآية مسوقة : بذكر شبههم فى البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى ، وكان الغرض
إبانة كذبهم ، فكأن قال : لا حرام إلا ما أحللتموه ، والغرض الردّ عليهم والمضادة
لا الحصر الحقيقى.
وينقسم الحصر باعتبار آخر إلى ثلاثة أقسام : قصر إفراد ، وقصر قلب ، وقصر تعيين.
(1/618)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 222
فالأول : يخاطب به من يعتقد الشركة نحو : إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ خوطب به
من يعتقد اشتراك اللَّه والأصنام فى الألوهية.
والثانى : يخاطب به من يعتقد إثبات الحكم لغير من أثبته المتكلم له نحو :
رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ خوطب به نمروذ الذى اعتقد أنه هو المحيى المميت
دون اللَّه.
والثالث : يخاطب به من تساوى عنده الأمران فلم يحكم بإثبات الصفة لواحد بعينه ولا
لواحد بإحدى الصفتين بعينها.
وطرق الحصر كثيرة :
أحدها : النفى والاستثناء ، سواء كان النفى بلا أو ما أو غيرهما.
والاستثناء بإلا أو (غير) نحو : لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا
اللَّهُ.
و وجه إفادة الحصر أن الاستثناء المتفرغ لا بد أن يتوجه النفى فيه إلى مقدر وهو
مستثنى منه ، لأن الاستثناء إخراج فيحتاج إلى مخرج منه ، والمراد التقدير المعنوى
لا الصناعى ، ولا بد أن يكون عامّا لأن الإخراج لا يكون إلا من عام ، ولا بد أن
يكون مناسبا للمستثنى منه فى جنسه ، مثل ما قام إلا زيد : أى لا أحد ، وما أكلت
إلّا تمرا : أى مأكولا ، ولا بد أن يوافقه فى صفته ، أى إعرابه.
وحينئذ يجب القصر إذا وجب منه شىء بإلا ضرورة فيبقى ما عداه على صفة الانتقاء.
وأصل استعمال هذا الطريق أن يكون المخاطب جاهلا بالحكم ، وقد يخرج عن ذلك فينزل
المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب نحو : وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ فإنه
خطاب للصحابة وهم لم يكونوا يجهلون رسالة النبى صلّى اللَّه عليه وسلم ، لأنه نزل
استعظامهم له عن الموت منزلة من يجهل رسالته ، لأن كل رسول فلا بد من موته ، فمن
استبعد موته فكأنه استبعد رسالته.
الثانى : «إنما» : الجمهور على أنها للحصر ، فقيل بالمنطوق وقيل بالمفهوم.
ومن الحصر بإنما قوله تعالى : إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ بالنصب ،
فإن معناه :
ما حرّم عليكم إلا الميتة ، لأنه المطابق فى المعنى لقراءة الرفع فإنها للقصر.
ومنه قوله تعالى : قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ فإنه إنما تحصل مطابقة
الجواب إذا كانت «إنما» للحصر ليكون معناها : لا آتيكم به إنما يأتى به اللَّه.
(1/619)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 223
الثالث : «أنما» بالفتح ، فقيل فى قوله تعالى : قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ
أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ إنما القصر الحكم على شىء ، أو لقصر الشىء على حكم
نحو : إنما زيد قائم ، وإنما زيد يقوم ، وقد اجتمع الأمران فى هذه الآية ، لأن
(إنما يوحى إلىّ) مع فاعله بمنزلة : إنما يقوم زيد ، و(أنما إلهكم) بمنزلة : أنما
زيد قائم ، وفائدة اجتماعهما الدلالة على أن الوحى إلى الرسول صلّى اللَّه عليه
وسلم مقصور على استئثار اللَّه بالوحدانية ، وكما أوجب أن «إنما» بالكسر للحصر ،
أوجب أن «أنما» بالفتح للحصر ، لأنها فرع عنها ، وما ثبت للأصل ثبت للفرع ما لم
يثبت مانع منه ، والأصل عدمه.
الخامس : تقديم المعمول نحو : إِيَّاكَ نَعْبُدُ.
السادس : ضمير الفصل نحو : فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ أى لا غيره.
السابع : تقديم المسند إليه ، فقد يقدم المسند إليه ليفيد تخصصه بالخبر الفعلى.
وثمة أحوال :
أن يكون المسند إليه معرفة والمسند مثبتا فيما يأتى للتخصيص نحو : أنا قمت ، فإن
قصد به قصر الإفراد أكد بنحو وحدى ، أو قصر القلب أكد بنحو لا غيرى ، ومنه فى
القرآن : بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ فإن ما قبله من قوله :
أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ ولفظ «بل» المشعر بالإضراب يقضى بأن المراد : بل أنتم لا
غيركم ، على أن المقصود نفى فرحه بالهدية لا إثبات الفرح لهم بهديتهم ، وقد يأتى
للتقوية والتأكيد دون التخصيص.
أن يكون المسند منفيّا نحو : أنت لا تكذب ، فإنه أبلغ في نفى الكذب من :
لا تكذب ، ومن : لا تكذب أنت. وقد يفيد التخصيص ومنه : فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ.
أن يكون المسند إليه نكرة مثبتا نحو : رجل جاءنى ، فيفيد التخصيص إما بالجنس : أى
لا امرأة ، أو الوحدة ، أى لا رجلان.
أن يلى المسند إليه حرف النفى فيفيده نحو : ما أنا قلت هذا ، أى لم أقله مع أن غيرى
قاله ، ومنه : وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ أى العزيز رهطك لا أنت.
و لذا قال : أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ.
(1/620)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 224
الثامن : تقديم المسند ، فتقديم الخبر على المبتدأ يفيد الاختصاص ، إذ تقديم ما
رتبته التأخير يفيده.
التاسع : ذكر المسند إليه ، ومنه قوله تعالى : اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ فى سورة
الرعد.
العاشر : تعريف الجزأين ، يفيد الحصر حقيقة أو مبالغة نحو قوله تعالى :
الْحَمْدُ لِلَّهِ فهو يفيد الحصر كما في : إِيَّاكَ نَعْبُدُ أى الحمد للَّه لا
لغيره.
الحادى عشر نحو : جاء زيد نفسه.
الثانى عشر نحو : إن زيدا لقائم.
الثالث عشر نحو : قائم ، فى جواب زيد إما قائم أو قاعد.
الرابع عشر : قلب بعض حروف الكلمة ، فإنه يفيد الحصر ومنه قوله تعالى :
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها فالقلب للاختصاص بالنسبة
إلى لفظ الطاغوت ، لأن وزنه على قول : فعلوت من الطغيان. كملكوت ورحموت ، قلب
بتقديم اللام على العين ، فوزنه فلعوت ، ففيه مبالغات ، التسمية بالمصدر ، والبناء
بناء مبالغة ، والقلب ، وهو للاختصاص ، إذ لا يطلق على غير الشيطان.
(1/621)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 225
61 الإيجاز والإطناب
هما من أعظم أنواع البلاغة حتى قيل : البلاغة هى الإيجاز والإطناب. وكما أنه يجب
على البليغ فى مظانّ الإجمال أن يجمل ويوجز ، فكذلك الواجب عليه فى موارد التفصيل
أن يفصل ويشبع.
والإيجاز هو أداء المقصود بأقل من عبارة المتعارف.
والإطناب أداؤه بأكثر. منها لكون المقام خليقا بالبسط. الإيجاز التعبير عن المراد
بلفظ غير زائد ، والإطناب بلفظ أزيد. وقيل : إن المنقول من طرق التعبير عن المراد
تأدية ، أصله ، إما بلفظ مساو للأصل المراد ، أو ناقص عنه واف ، أو زائد عليه
لفائدة. والأول المساواة ، والثانى الإيجاز ، والثالث الإطناب.
و احترز بواف عن الإخلال ، وبقولنا لفائدة عن الحشو ، وهو أن المساواة والإيجاز
والاختصار بمعنى واحد ، وقال بعضهم : وقيل : الاختصار خاص بحذف الجمل فقط بخلاف
الإيجاز.
والإطناب ، قيل : بمعنى الإسهاب.
والحق أنه أخص منه ، فإن الإسهاب التطويل لفائدة أو لا لفائدة ، والإيجاز قسمان :
إيجاز قصر ، وإيجاز حذف.
فالأول هو الوجيز بلفظه.
وقيل : الكلام القليل إن كان بعضا من كلام أطول منه فهو إيجاز حذف ، وإن كان كلاما
يعطى معنى أطول منه فهو إيجاز قصر. وقيل : إيجاز القصر هو تكثير المعنى بتقليل
اللفظ.
وقيل : هو أن يكون اللفظ بالنسبة إلى المعنى أقل من القدر المعهود عادة ، وسبب
حسنه أنه يدل على التمكن فى الفصاحة ، ولهذا
قال صلّى اللَّه عليه وسلم : «أوتيت جوامع الكلم».
(م 15 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/622)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 226
و الإيجاز الخالى من الحذف ثلاثة أقسام :
أحدها : إيجاز القصر ، وهو أن تقصر اللفظ على معناه كقوله : إِنَّهُ مِنْ
سُلَيْمانَ إلى قوله : وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ جمع فى أحرف العنوان والكتاب
والحاجة.
الثانى : إيجاز التقدير ، وهو أن يقدر معنى زائد على المنطوق ، ويسمى بالتضييق
أيضا لأنه نقص من كلام ما صار لفظه أضيق من قدر معناه نحو :
فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ أى خطاياه غفرت
فهى له لا عليه.
الثالث : الإيجاز الجامع ، وهو أن يحتوى اللفظ على معان متعددة نحو :
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ الآية ، فإن العدل هو الصراط
المستقيم المتوسط بين طرفى الإفراط والتفريط المومى به إلى جميع الواجبات فى
الاعتقاد والأخلاق والعبودية. والإحسان هو الإخلاص فى واجبات العبودية لتفسيره
فى الحديث بقوله : «أن تعبد اللّه كأنك تراه»
أى تعبده مخلصا فى نيتك وواقفا فى الخضوع آخذا أهبة الحذر إلى ما لا يحصى :
وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى هو الزيادة على الواجب من النوافل.
هذا في الأوامر ، وأما النواهى فالبفحشاء الإشارة إلى القوة الشهوانية ، وبالمنكر
إلى الإفراط الحاصل من آثار الغضبية أو كل محرّم شرعا ، وبالبغى إلى الاستعلاء
الفائض عن الوهمية. ولهذا قيل : ما في القرآن آية أجمع للخير والشرّ من هذه الآيه.
ومن بديع الإيجاز قوله تعالى : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إلى آخرها ، فإنه نهاية
التنزيه ، وقد تضمنت الردّ على نحو أربعين فرقة.
وقوله : أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها دلّ بهاتين الكلمتين على جميع ما أخرجه
من الأرض قوتا ومتاعا للأنام من الشى؟؟؟ والشجر والحب والثمر والعصف والحطب
واللباس والنار والملح ، لأن النار من العيدان والملح من الماء.
وأجمع المعاندون على أن طوق البشر قاصر عن الإتيان بمثل بمثل هذه الآية بعد أن
فتشوا جميع كلام العرب والعجم فلم يجدوا مثلها.
(1/623)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 227
و قوله تعالى : يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ الآية ، جمع في هذه
اللفظة أحد عشر جنسا من الكلام : نادت ، وكنت ، ونبهت ، وسمعت ، وأمرت ، وقصت ،
وحذرت ، وخصت ، وعمت ، وأشارت ، وعذرت ، فالنداء : يا ، والكناية : أى ، والتنبيه
: ها ، والتسمية : النمل ، والأمر :
ادخلوا ، والقصص : مساكنكم ، والتحذير : لا يحطمنكم ، والتخصيص :
سليمان ، والتعميم : جنوده ، والإشارة : هم ، والعذر : لا يشعرون ، فأدت خمسة حقوق
: حق اللّه ، وحق رسوله ، وحقها ، وحق رعيتها ، وحق جنود سليمان.
وما من اسم حذف في الحالة التى ينبغى أن يحذف فيها إلا وحذفه أحسن من ذكره كما سمى
ابن جنى الحذف شجاعة العربية ، لأنه يشجع على الكلام.
والحذف على أنواع :
أحدها : ما يسمى بالاقتطاع ، وهو حذف بعض حروف الكلمة ، ومنه فواتح السور على
القول بأن كل حرف منها من اسم من أسمائه.
و ادعى بعضهم أن الباء في : وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ أول كلمة (بعض) ثم حذف
الباقى.
ويدخل في هذا النوع حذف همزة (إنا) فى قوله : لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي إذ
الأصل : لكن أنا ، حذفت همزة أنا تخفيفا وأدغمت النون في النون.
النوع الثانى : ما يسمى بالاكتفاء ، وهو أن يقتضى المقام ذكر شيئين بينهما تلازم
وارتباط ، فيكتفى بأحدهما عن الآخر لنكتة ، ويختص غالبا بالارتباط العطفى كقوله :
سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ أى والبرد ، وخص الحرّ بالذكر لأن الخطاب للعرب
وبلادهم حارة والوقاية عندهم من الحرّ أهم ، لأنه أشدّ عندهم من البرد. وقيل لأن
البرد تقدم ذكر الامتنان بوقايته صريحا في قوله : وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها
وَأَشْعارِها وفي قوله : وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وفي قوله تعالى
: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ ءٌ.
ومن أمثلة هذا النوع : بِيَدِكَ الْخَيْرُ أى والشر ، وإنما خص الخير بالذكر لأنه
مطلوب العباد ومرغوبهم ، أو لأنه أكثر وجودا في العالم ، أو لأن
(1/624)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 228
إضافة الشرّ إلى اللّه تعالى ليس من باب الآداب كمال
قال صلّى اللّه عليه وسلّم : «و الشرّ ليس إليك»
و منه : وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أى وما تحرّك ، وخص السكون
بالذكر لأنه أغلب الحالين على المخلوق من الحيوان والجماد ، ولأن كل متحرّك يصير
إلى السكون.
ومنه : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ أى والشهادة ، لأن الإيمان بكل منهما
واجب ، وآثر الغيب لأنه أمدح ولأنه يستلزم الإيمان بالشهادة من غير عكس.
ومنها وَرَبُّ الْمَشارِقِ أى والمغارب.
ومنه : هُدىً لِلْمُتَّقِينَ أى وللكافرين.
النوع الثالث : ما يسمى بالاحتباك : ويسمى الحذف المقابلى.
و الاحتباك : أن يحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثانى ، ومن الثانى ما أثبت
نظيره في الأول كقوله تعالى : وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي
يَنْعِقُ.
التقدير : ومثل الأنبياء والكفار كمثل الذى ينعق ، والذى ينعق به ، فحذف من الأول
الأنبياء لدلالة الذى ينعق عليه ، ومن الثانى الذى ينعق به ، لدلالة الذين كفروا
عليه.
وقيل : الاحتباك أن يجتمع في الكلام متقابلان فيحذف من كل واحد منهما مقابله
لدلالة الآخر عليه كقوله تعالى : قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي
وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ التقدير : إن افتريته فعلىّ إجرامى وأنتم برآء
منه ، وعليكم إجرامكم وأنا برىء مما تجرمون.
ومأخذ هذه التسمية من الحبك الذى معناه الشدّ والإحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب
، فحبك الثوب : سد ما بين خيوطه من الفرج وشدّه وإحكامه بحيث يمنع عنه الخلل مع
الحسن والرونق. وبيان أخذه منه أن مواضع الحذف من الكلام شبهت بالفرج بين الخطوط ،
فلما أدركها الناقد البصير بصوغه الماهر في نظمه وحوكه فوضع المحذوف مواضعه كان
حائكا له مانعا من خلل يطرقه ، فسدّ بتقديره ما يحصل به الخلل مع ما أكسبه من
الحسن والرونق.
(1/625)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 229
النوع الرابع : ما يسمى بالاختزال ، وهو أقسام ، لآن المحذوف إما كلمة :
اسم أو فعل أو حرف ، أو أكثر.
ومن حذف الاسم : الْحَجُّ أَشْهُرٌ أى حج أشهرا أو أشهر الحج ، حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ أى نكاح أمهاتكم ، لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ
وَضِعْفَ الْمَماتِ أى ضعف عذاب ، وَفِي الرِّقابِ أى وفي تحرير الرقاب.
وحذف المضاف إليه يكثر في ياء المتكلم نحو : رَبِّ اغْفِرْ لِي ، وفي الغايات نحو
: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ أى من قبل الغلب ومن بعده.
و في كل وأى ، وبعض ، وجاء في غيرهن كقراءة : فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ بضم بلا
تنوين ، أى فلا خوف شىء عليهم.
حذف المبتدأ يكثر في جواب الاستفهام نحو : وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ. نارٌ أى هى
نار.
وبعد فاء الجواب نحو : مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ أى فعمله لنفسه.
وبعد القول نحو : وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.
وبعد ما الخبر صفة له في المعنى نحو : التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ.
ووقع في غير ذلك نحو : لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي
الْبِلادِ. مَتاعٌ قَلِيلٌ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ أى
هذا.
ووجب في النعت المقطوع إلى الرفع حذف الخبر : أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها أى دائم.
ويحتمل الأمرين : فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أى أجمل ، أو فأمرى صبر. أو فالواجب حذف
الموصوف : وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ ، أى حور قاصرات.
حذف الصفة يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ أى صالحة ، بدليل أنه قرىء (كذلك) ، وأن
تعييبها لا يخرجها عن كونها سفينة.
حذف المعطوف عليه : أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ أى فضرب فانفلق.
(1/626)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 230
حذف المعطوف مع العاطف : لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ
الْفَتْحِ وَقاتَلَ أى ومن أنفق بعده.
حذف المبدل منه وعليه : وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ أى
لما تصفه ، والكذب بدل من الهاء.
حذف الفاعل لا يجوز إلا في فاعل المصدر نحو : لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ
الْخَيْرِ أى دعائه الخير.
وقيل : مطلقا لدليل ، وعليه : إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ أى الروح.
حذف المفعول ، وهو كثير في مفعول المشيئة والإرادة ويرد في غيرها نحو : إِنَّ
الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ أى إلها.
حذف الحال يكثر إذا كان قولا نحو : وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ
كُلِّ بابٍ سَلامٌ أى قائلين.
حذف المنادى : (ألا يا اسجدوا) أى يا هؤلاء.
حذف العائد يقع في أربعة أبواب :
الصلة نحو : أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا أى بعثه.
والصفة نحو : وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ أى فيه.
والخبر نحو : وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى أى وعده.
والحال حذف مخصوص (نعم) : إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ أى أيوب.
أيوب.
حذف الموصول : آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ أى
والذى أنزل إليكم ، لأن الذى أنزل إلينا ليس هو الذى أنزل إلى من قبلنا ، ولهذا
أعيدت (ما) فى قوله : قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما
أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ.
و منه : حذف الفعل يطرد إذا كان مفسرا نحو : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
اسْتَجارَكَ ويكثر في جواب الاستفهام نحو : وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ
رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً أى أنزل.
وأكثر منه :
(1/627)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 231
حذف القول نحو : وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ
وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا أى يقولان ربنا.
حذف القول من حديث البحر ، وقل لا حرج ، ويأتى في غير ذلك نحو :
انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ أى وائتوا.
ومن حذف الحرف. قيل : حذف الحرف ليس بقياس ، لأن الحروف إنما دخلت الكلام لضرب من
الاختصار ، فلو ذهبت تحذفها لكنت مختصرا لها هى أيضا ، واختصار المختصر إجحاف به.
حذف همزة الاستفهام. ومنه : سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ.
حذف الموصول الحرفى. ولا يجوز إلا في «أن» نحو : وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ
الْبَرْقَ.
حذف الجار ويطرد مع أن وأنّ نحو : يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا بَلِ
اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ. أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ ، أى بأنكم.
وجاء مع غيرهما نحو : قَدَّرْناهُ مَنازِلَ أى قدرنا له.
حذف العاطف ومنه : وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ
لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا أى وقلت.
وحذف فاء الجواب ومنه : إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ.
حذف حرف النداء كثير : ها أَنْتُمْ أُولاءِ. كثر حذف (يا) فى القرآن من الربّ
تنزيها وتعظيما ، لأن في النداء طرفا من الأمر.
حذف قد في الماضى إذا وقع حالا نحو : أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ.
حذف لا النافية ، يطرد في جواب القسم إذا كان النفى مضارعا نحو :
تَاللَّهِ تَفْتَؤُا.
وورد في غيره نحو : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ أى لا يطيقونه.
حذف لام التوطئة : وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ.
(1/628)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 232
حذف لام الأمر ومنه : قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا أى ليقيموا.
حذف لام لقد يحسن مع طول الكلام نحو : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها.
حذف نون التوكيد : أَلَمْ نَشْرَحْ بالنصب.
حذف نون الجمع ومنه : وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ.
حذف التنوين ومنه : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ بالنصب.
حذف حركة الإعراب والبناء ومنه : فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ بسكون
الثلاثة.
ومن حذف أكثر من كلمة :
حذف مضافين : فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ أى فإن تعظيمها من أفعال ذوى تقوى
القلوب فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ أى من أثر حافر الرسول.
حذف ثلاثة متضايفات : فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أى فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب.
حذف ثلاثة من اسم (كان) وواحد من خبرها.
حذف مفعول باب ظن : أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أى تزعمونهم
شركائى.
حذف الجار مع المجرور : خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً أى بسىء.
حذف العاطف مع المعطوف.
حذف حرف الشرط وفعله يطرد بعد الطلب نحو : فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ أى
إن اتبعتمونى.
حذف جملة القسم : لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أى واللّه.
حذف جوابه : وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً أى لتبعثن.
حذف جملة مسئلة عن المذكور نحو : لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ أى فعل
ما فعل.
(1/629)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 233
حذف جمل كثيرة نحو : فَأَرْسِلُونِ. يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أى فأرسلون إلى
يوسف لأستعيره الرؤياء ففعلوه ، فأتاه فقال له : يا يوسف.
وتارة لا يقام شىء مقام المحذوف ، وتارة يقام ما يدل عليه نحو : فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ فليس الإبلاغ هو الجواب
لتقدمه على توليهم ، وإنما التقدير : فإن تولوا فلا لوم علىّ أو فلا عذر لكم لأنى
أبلغتكم.
وكما انقسم الإيجاز إلى إيجاز قصر وإيجاز حذف ، كذلك انقسم الإطناب إلى بسط
وزيادة.
فالأول : الإطناب بكثير الجمل كقوله تعالى : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ ، أطنب فيها أبلغ إطناب لكون الخطاب مع الثقلين ، وفي كل عصر وحين
للعالم منهم والجاهل ، والموافق منهم والمنافق.
والثانى يكون بأنواع :
أحدها : دخول حرف فأكثر من حروف التأكيد السابقة في نوع الأدوات ، وهى أن أنّ ولام
الابتداء والقسم ، وألا الاستفتاحية وأما وهاء التنبيه.
وأنّ وكأن في تأكيد التشبيه.
ولكن في تأكيد الاستدراك.
وليت في تأكيد التمنى.
ولعل في تأكيد الترجى.
وضمير الشأن ، وضمير الفصل.
وأما في تأكيد الشرط.
وقد والسين وسوف والنونان في تأكيد الفعلية.
ولا التبرئة.
ولن ولما في تأكيد النفى ، وإنما يحسن تأكيد الكلام بها إذا كان المخاطب به منكرا
أو مترددا.
و يتفاوت التأكيد بحسب قوة الإنكار وضعفه كقوله تعالى ، حكاية عن رسل عيسى إذا
كذبوا في المرة الأولى : إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ فأكد بإن واسمية
(1/630)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 234
الجملة ، وفي المرة الثانية : رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ
فأكد بالقسم وإن واللام واسمية الجملة لمبالغة المخاطبين في الإنكار حيث قالوا :
ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ
أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ.
وقد يؤكد بها ، والمخاطب به غير منكر لعدم جريه على مقتضى إقراره ، فينزل منزلة
المنكر.
وقد يترك التأكيد وهو معه منكر ، لأن معه أدلة ظاهرة لو تأملها لرجع عن إنكاره ،
ولذلك يخرج قوله تعالى : ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ
إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ أكد الموت تأكيدين. وإن لم ينكر ،
لتنزيل المخاطبين لتماديهم في الغفلة تنزيل من ينكر الموت ، وأكد إثبات البعث
تأكيدا واحدا وإن كان أشد نكيرا ، لأنه لما كانت أدلته ظاهرة كان جديرا بأن لا
ينكر ، فنزل المخاطبون منزلة غير المنكر حثّا لهم على النظر في أدلته الواضحة.
وقيل : بولغ في تأكيد الموت تنبيها للإنسان على أن يكون الموت نصب عينيه ، ولا
يغفل عن ترقبه فإن مآله إليه ، فكأنه أكدت جملته ثلاث مرات لهذا المعنى ، لأن
الإنسان في الدنيا يسعى فيها غاية السعى حتى كأنه يخلد ، ولم يؤكد جملة البعث إلا
بأن ، لأنه أبرز في صورة المقطوع به الذى لا يمكن فيه نزاع ولا يقبل إنكارا.
وقد يؤكد لقصد الترغيب نحو : فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
أكد بأربع تأكيدات ترغيبا للعباد في التوبة ، وإذا اجتمعت إن واللام كان بمنزلة
تكرير الجملة ثلاث مرات ، لأن «إن» أفادت التكرير مرتين فإذا دخلت اللام صارت
ثلاثا.
و كذلك نون التوكيد الشديدة بمنزلة تكرير الفعل ثلاثا ، والخفيفة بمنزلة تكريره
مرتين.
النوع الثانى : دخول الأحرف الزائدة.
كل حرف زيد في كلام العرب فهو قائم مقام إعادة الجملة مرة أخرى ، فالباء في خبر ما
وليس لتأكيد النفى ، كما أن اللام لتأكيد الإيجاب.
الزيادة في الحروف ، وزيادة الأفعال قليل ، والأسماء أقل.
(1/631)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 235
أما الحروف فيزاد منها : إن ، وأن ، وإذ ، وإذا ، وإلى ، وأم ، والباء ، والفاء ،
وفى ، والكاف ، واللام ، ولا ، وما ، ومن ، والواو.
وأما الأفعال فزيد منها : كان وخرج عليه : كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي
الْمَهْدِ صَبِيًّا.
وأصبح ، وخرج عليه : فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ. وقيل : العادة أن من به علة تزاد
بالليل أن يرجو الفرج عند الصباح ، فاستعمل أصبح ، لأن الخسران حصل لهم فى الوقت
الذى يرجون فيه الفرج فليست زائدة.
وأما الأسماء فنص أكثر النحويين على أنها لا تزاد ، ووقع فى كلام المفسرين الحكم
عليها بالزيادة فى مواضع كلفظ (مثل) فى قوله تعالى : فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما
آمَنْتُمْ بِهِ أى بما.
النوع الثالث : للتأكيد الصناعى :
و هو أربعة أقسام :
أحدها : التوكيد المعنوى : بكل ، وأجمع ، وكلا ، وكلتا ، نحو :
فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.
وفائدته رفع توهم المجاوز وعدم الشمول ، وكلهم أفادت ذلك ، وأجمعون أفادت اجتماعهم
على السجود ، وأنهم لم يسجدوا متفرقين.
ثانيها : التأكيد اللفظى ، وهو تكرار اللفظ الأول إما بمرادفه ، نحو :
ضَيِّقاً حَرَجاً بكسر الراء.
وإما بلفظه ، ويكون فى الاسم والفعل والحرف والجملة.
فالاسم نحو : قَوارِيرَا. قَوارِيرَا.
والفعل نحو : فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ.
واسم الفعل نحو : هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ.
والحرف نحو : فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها.
و الجملة نحو : فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً.
(1/632)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 236
و من هذا النوع تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل نحو : اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ
الْجَنَّةَ.
ومنه تأكيد المنفصل بمثله نحو : وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ.
ثالثها : تأكيد الفعل بمصدره ، وهو عوض من تكرار الفعل مرتين ، وفائدته رفع توهم
المجاز فى الفعل ، بخلاف التوكيد السابق فإنه لرفع توهم المجاز فى المسند إليه.
والأصل فى هذا النوع أن ينعت بالوصف المراد نحو : اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً
كَثِيراً.
وقد يضاف وصفه إليه نحو : اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ.
وقد يؤكد بمصدر فعل آخر واسم عين نيابة عن المصدر نحو : وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ
تَبْتِيلًا والمصدر تبتلا ، والتبتيل مصدر بتل.
رابعها : الحال المؤكدة نحو : يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا.
النوع الرابع : التكرار. وهو أبلغ من التأكيد ، وهو من محاسن الفصاحة ، وله فوائد
، منها :
التقرير ، وقد قيل : الكلام إذا تكرّر تقرّر ، وقد نبه تعالى على السبب الذى لأجله
كرّر الأقاصيص والإنذار فى القرآن بقوله : وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً.
ومنها : التأكيد.
ومنها : زيادة التنبيه على ما ينفى التهمة ليكمل تلقى الكلام بالقبول ، ومنه :
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ. يا
قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ فإنه كرّر فيه النداء لذلك.
ومنها : إذا طال الكلام وخشى تناسى الأول أعيد ثانيها تطرية له وتجديدا لعهده ،
ومنه : ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا
مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها.
ومنها : التعظيم والتهويل نحو : الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ.
(1/633)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 237
و قيل : الاستخبار ما سبق أولا ولم يفهم حق الفهم ، فإذا سألت عنه ثانيا كان
استفهاما.
وأدواته : الهمزة ، وهل ، وما ، ومن ، وأى ، وكم ، وكيف ، وأين ، أنى ، ومتى ،
وأيان.
ما عدا الهمزة نائب عنها ، ولكونه طلب ارتسام صورة ما فى الخارج فى الذهن لزم ألا
يكون حقيقة إلا إذا صدر من شاكّ مصدق بإمكان الإعلام ، فإن غير الشاكّ إذا استفهم
يلزم منه تحصيل الحاصل ، وإذا لم يصدق بإمكان الإعلام انتفت عنه فائدة الاستفهام.
وما جاء فى القرآن على لفظ الاستفهام ، فإنما يقع فى خطاب اللّه على معنى أن
المخاطب عنده علم ذلك الإثبات أو النفى حاصل. وقد تستعمل صيغة الاستفهام فى غيره
مجازا.
وقد توسعت العرب فأخرت الاستفهام عن حقيقته لمعان ، أو أشربته تلك المعانى.
الأول : الإنكار ، والمعنى فيه على النفى ، وما بعده منفى ، ولذلك تصحبه (إلا)
كقوله : فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ.
وكثيرا ما يصحبه التكذيب ، وهو فى الماضى بمعنى لم يكن ، وفى المستقبل بمعنى لا
يكون نحو : أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ الآية : أى لم يفعل ذلك.
الثانى : التوبيخ ، وجعله بعضهم من قبيل الإنكار ، إلا أن الأول إنكار إبطال وهذا
إنكار توبيخ ، والمعنى على أن ما بعده واقع جدير بأن ينفى ، فالنفى هنا غير قصدى ،
والإثبات قصدى ، عكس ما تقدم ، ويعبر عن ذلك بالتقريع أيضا نحو : أَفَعَصَيْتَ
أَمْرِي.
وأكثر ما يقع التوبيخ فى أمر ثابت ووبخ على فعله.
ويقع على ترك فعل كان ينبغى أن يقع كقوله : أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما
يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ.
الثالث : التقرير ، وهو حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقرّ عنده.
ولا يستعمل ذلك بهل ، كما يستعمل بغيرها من أدوات الاستفهام.
(1/634)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 238
و منها : أنه تعالى أنزل هذا القرآن وعجز القوم عن الإتيان بمثله ، ثم أوضح الأمر
فى عجزهم بأن كرّر ذكر القصة فى مواضع إعلاما بأنهم عاجزون عن الإتيان بمثله بأىّ
نظم جاءوا وبأىّ عبارة عبروا.
ومنها : أنه لما تحداهم قال : فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فلو ذكرت القصة فى
موضع واحد واكتفى بها لقال العربى ائتونا أنتم بسورة من مثله ، فأنزلها اللّه
سبحانه وتعالى فى تعداد السور فعالجتهم من كل وجه.
ومنها : أن القصة الواحدة لما كرّرت كان فى ألفاظها فى كل موضع زيادة ونقصان
وتقديم وتأخير ، وأتت على أسلوب غير أسلوب الأخرى ، فأفاد ذلك ظهور الأمر العجيب
فى إخراج المعنى الواحد فى صور متبانية فى النظم ، وجذب النفوس إلى سماعها لما
جبلت عليه من حبّ التنقل فى الأشياء المتجددة واستلذاذها بها ، وإظهار خاصة القرآن
حيث لم يحصل مع تكرير ذلك فيه هجنة فى اللفظ ولا ملل عند سماعه فباين ذلك كلام
المخلوقين.
وقيل : ما الحكمة فى عدم تكرير قصة يوسف وسوقها مساقا واحدا فى موضع واحد دون
غيرها من القصص؟ وأجيب بوجوه :
أحدها : أن فيها تشبيب النسوة به ، وحال امرأة ونسوة افتتنوا بأبدع الناس جمالا ،
فناسب عدم تكرارها لما فيه من الإغضاء والستر.
ثانيها : أنها اختصت بحصول الفرج بعد الشدة ، بخلاف غيرها من القصص فإن مآلها إلى
الوبال كقصة إبليس ، وقوم نوح ، وهود ، وصالح وغيرهم ، فلما اختصت بذلك اتفقت
الدواعى على نقلها لخروجها عن سمت القصص.
ثالثها : إنما كرّر اللّه قصص الأنبياء وساق قصة يوسف مساقا واحدا إشارة إلى عجز
العرب ، كأن النبى صلّى اللّه عليه وسلم قال لهم : إن كان من تلقاء نفسى فافعلوا
فى قصة يوسف ما فعلت فى سائر القصص.
رابعها : هو أن سورة يوسف نزلت بسبب طلب الصحابة أن يقص عليهم ، فنزلت مبسوطة تامة
ليحصل لهم مقصود القصص من استيعاب القصة وترويج النفس بها والإحاطة بطرفيها.
(1/635)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 239
و خامسها : أن قصص الأنبياء إنما كرّرت لأن المقصود بها إفادة إهلاك من كذّبوا
رسلهم ، والحاجة داعية إلى ذلك لتكرير تكذيب الكفار للرسول صلّى اللّه عليه وسلم ،
فكلما كذبوا نزلت قصة منذرة بحلول العذاب كما حلّ على المكذبين ، ولهذا قال تعالى
فى آيات : فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ وقصة يوسف لم يقصد منها ذلك.
وبهذا أيضا يحصل الجواب عن حكمة عدم تكرير قصة أصحاب الكهف ، وقصة ذى القرنين ،
وقصة موسى مع الخضر ، وقصة الذبيح.
النوع الخامس : الصفة وترد لأسباب :
أحدها : التخصيص فى النكرة نحو : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.
الثانى : التوضيح فى المعرفة : أى زيادة البيان نحو : وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ
الْأُمِّيِّ.
الثالث : المدح والثناء ، ومنه صفات اللَّه تعالى نحو : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ
يَوْمِ الدِّينِ ومنه :
يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا فهذا الوصف
للمدح وإظهار شرف الإسلام والتعريض باليهود ، وأنهم بعدآء من ملة الإسلام الذى هو
دين الأنبياء كلهم ، وأنهم بمعزل عنها.
الرابع : الذم نحو : فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ.
الخامس : التأكيد لرفع الإبهام نحو لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ فإن إلهين
للتثنية ، فاثنين بعده صفة مؤكدة للنهى عن الإشراك ، والإفادة أن النهى عن اتخاذ
إلهين إنما هو لمحض كونهما اثنين فقط ، لا لمعنى آخر من كونهما عاجزين أو غير ذلك
، ولأن الوحدة تطلق ويراد بها النوعية
كقوله صلّى اللَّه عليه وسلم : «إنما نحن وبنو المطلب شىء واحد»
، وتطلق ويراد نفى العدة ، التثنية باعتبارها. فلو قيل : لا تتخذوا إلهين فقط ،
لتوهم أنه نهى عن اتخاذ جنسى آلهة ، وإن جاز أن يتخذ من نوع واحد عدد آلهة ولهذا
أكد بالوحدة قوله : إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ.
الصفة العامة لا تأتى بعد الخاصة ، لا يقال : رجل فصيح متكلم ، بل متكلم فصيح ،
وأشكل على هذا قوله تعالى فى إسماعيل : وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا
(1/636)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 240
و أجيب بأنه حال لا صفة : أى مرسلا فى حال نبوّته ، وإذا وقعت الصفة بعد متضايقين
، وأولهما عدد ، جاز إجراؤها على المضاف وعلى المضاف إليه.
فمن الأول : سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً.
ومن الثانى : سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ.
وإذا تكررت النعوت لواحد فالأحسن أن تباعد معنى الصفات العطف نحو : هُوَ
الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وإلا تركه نحو : وَلا تُطِعْ
كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ
مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ.
وقطع النعوت فى مقام المدح والذم أبلغ من إجرائها. وإذا ذكرت صفات فى معرض المدح
أو الذم فالأحسن أن يخالف فى إعرابها ، لأن المقام يقتضى الإطناب ، فإذا خولف فى
الإعراب كان المقصود أكمل ، لأن المعانى عند الاختلاف تتنوّع وتتفنن ، وعند
الاتحاد تكون نوعا واحد.
مثاله فى المدح : وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما
أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ.
ومثاله فى الذم : وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ.
والنوع السادس : البدل ، والقصد به الإيضاح بعد الإبهام ، وفائدته البيان
والتأكيد.
أما الأول فواضح أنك إذ قلت : رأيت زيدا أخاك ، بينت أنك تريد بزيد الأخ لا غير.
وأما التأكيد فلأنه على نية تكرار العامل فكأنه من جملتين ، ولأنه دل على ما دل
عليه الأول : إما بالمطابقة فى بدل الكل ، وإما بالتضمين فى بدل البعض ، أو
بالالتزام فى بدل الاشتمال.
مثال الأول : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ
عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ.
ومثال الثانى : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ
سَبِيلًا.
و مثال الثالث : وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ.
(1/637)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 241
النوع السابع : عطف البيان ، وهو كالصفة فى الإيضاح ، لكن يفارقها فى أنهوضع ليدل
على الإيضاح باسم يختص به ، بخلافها فإنّها وضعت لتدل على معنى حاصل فى متبوعها.
والفرق بينه وبين البدل أن البدل هو المقصود ، وكأنك قررته فى موضع المبدل منه ،
وعطف البيان وما عطف عليه كل منهما مقصود.
وعطف البيان يجرى مجرى النعت فى تكميل متبوعه ، ويفارقه فى أن تكميل متبوعه بشرح
وتبيين لا بدلالة على معنى المتبوع أو سببية ، ومجرى التأكيد فى تقوية دلالته ،
ويفارقه فى أنه لا يرفع توهم مجاز ، ومجرى البدل فى صلاحيته للاستقلال ، ويفارقه
فى أنه غير منوىّ الاطراح.
ومن أمثلته : فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ.
وقد يأتى لمجرّد المدح بلا إيضاح ومنه : جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ
الْحَرامَ فالبيت الحرام عطف بيان للمدح لا للإيضاح.
النوع الثامن : عطف أحد المترادفين على الآخر :
و القصد منه التأكيد أيضا ، وجعل منه : نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي
.
النوع التاسع : عطف الخاص على العام :
و فائدته التنبيه على فضله ، حتى كأنه ليس من جنس العام تنزيلا للتغاير فى الوصف
منزلة التغاير فى الذات.
وهذا العطف ، يسمى بالتجريد ، كأنه جرّد من الجملة وأفرد بالذكر تفضيلا.
ومن أمثلته : حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى .
والمراد بالخاص والعام هنا ما كان فيه الأول شاملا للثانى.
النوع العاشر : عطف العام على الخاص :
و الفائدة فيه واضحة وهو التعميم.
ومن أمثلته : إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي والنسك العبادة ، فهو أعم.
(م 16 - الموسوعة القرانية - ج 2)
(1/638)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 242
النوع الحادى عشر : الإيضاح بعد الإبهام : يقولون : إذا أردت أن تبهم ثم توضح فإنك
تطنب.
و فائدته : إما رؤية المعنى فى صورتين مختلفتين : الإبهام والإيضاح ، أو لتمكن
المعنى فى النفس تمكنا زائدا لوقوعه بعد الطلب ، فإنه أعزّ من المنساق بلا تعب ،
أو لتكمل لذة العلم به.
فإن الشىء إذا علم من وجه ما تشوّقت النفس للعلم به من باقى وجوهه وتألمت ، فإذا
حصل العلم من بقية الوجوه كانت لذته أشد من علمه من جميع وجوهه دفعة واحدة.
ومن أمثلته : رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي فإن اشرح يفيد طلب شرح شىء ما له ، وصدرى
يفيد تفسيره وبيانه.
ومنه التفصيل بعد الإجمال نحو : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا
عَشَرَ شَهْراً إلى قوله : مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ.
وعكسه كقوله : ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ
عَشَرَةٌ كامِلَةٌ أعيد ذكر العشرة لرفع توهم أن الواو فى : وَسَبْعَةٍ بمعنى أو ،
فتكون الثلاثة داخلة فيها كما فى قوله : خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ثم قال :
وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها
أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فإن من جملتها اليومين المذكورين أولا وليست
أربعة غيرهما.
النوع الثانى عشر : التفسير :
و هو أن يكون فى الكلام لبس وخفاء فيؤتى بما يزيله ويفسره.
ومن أمثلته : إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً.
وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً فقوله : إِذا مَسَّهُ تفسير للهلوع.
ومتى كانت الجملة تفسيرا لم يحسن الوقف على ما قبلها دونها ، لأن تفسير الشىء لا
حق به ومتمم له وجار مجرى بعض أجزائه.
النوع الثالث عشر : وضع الظاهر موضع المضمر ، وله فوائد :
(1/639)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 243
منها : زيادة التقرير والتمكين نحو : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ
والأصل : هو الصمد.
ومنها : قصد التعظيم نحو : وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
و منها : قصد الإهانة والتحقير نحو : أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ
حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ.
ومنها : إزالة اللبس حيث يوهم الضمير أنه غير الأول نحو : قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ
الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ لو قال تؤتيه لأوهم أنه الأول.
ومنها : قصد تربية المهابة وإدخال الروع على ضمير السامع بذكر الاسم المقتضى لذلك
كما تقول : الخليفة أمير المؤمنين يأمرك بكذا ، ومنه : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ
أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ.
ومنها : قصد تقوية داعية - الأمور ، ومنه : فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ.
ومنها : تعظيم الأمر نحو : أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ
ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.
ومنها : الاستلذاذ بذكره ، ومنه : وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ
الْجَنَّةِ لم يقل منها ، ولهذا عدل عن ذكر الأرض إلى الجنة.
ومنها : قصد التوسل من الظاهر إلى الوصف ، ومنه : فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ بعد قوله : إِنِّي رَسُولُ
اللَّهِ لم يقل فآمنوا باللَّه ربى ليتمكن من إجراء الصفات التى ذكرها ليعلم أن
الذى وجب الإيمان به والاتباع له هو من وصف بهذه الصفات ، ولو أتى بالضمير لم يمكن
ذلك لأنه لا يوصف.
ومنها : التنبيه على عليه الحكم نحو : فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ ، لم
يقل (لهم) إعلاما بأن من عادى هؤلاء فهو كافر ، وأن اللَّه إنما عاداه لكفره.
(1/640)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 244
و منها : قصد العموم نحو : وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ
لم يقل إنها ، لئلا يفهم تخصيص ذلك بنفسه.
و منها : قصد الخصوص نحو : وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها
لِلنَّبِيِّ لم يقل (لك) تصريحا بأنه خاص به.
ومنها : الإشارة إلى عدم دخول الجملة الأولى فى حكم الأولى نحو : فَإِنْ يَشَإِ
اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ فإن وَيَمْحُ اللَّهُ
استئناف لا داخل فى حكم الشرط.
ومنها : مراعاة الجناس ، ومنه : قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ السورة.
ومنها : مراعاة الترصيع وتوازن الألفاظ فى التركيب ، ومنه قوله تعالى : أَنْ
تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى .
ومنها : أن يتحمل ضميرا لا بد منه ، ومنه : أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما
أَهْلَها لو قال استطعماها لم يصح ، لأنهما لم يستطعما القرية أو استطعماهم ،
فكذلك لأن جملة استطعما صفة لقرية النكرة لا لأهل ، فلا بد أن يكون فيها ضمير يعود
عليها ، ولا يمكن إلا مع التصريح بالظاهر.
وإعادة الظاهر بمعناه أحسن من إعادته بلفظه ، نحو : إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ
الْمُصْلِحِينَ.
وإعادته فى جملة أخرى أحسن منه فى الجملة الواحدة لانفصالها ، وبعد الطول أحسن من
الإضمار ، لئلا يبقى الذهن متشاغلا بسبب ما يعود عليه فيفوته ما شرع فيه ، كقوله :
وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ بعد قوله :
وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ.
النوع الرابع عشر : الإيغال ، وهو الإمعان ، وهو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم
المعنى بدونها ، من ذلك : يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ
لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ فقوله : وَهُمْ مُهْتَدُونَ إيغال ،
لأنه يتم المعنى بدونه ، إذ الرسول مهتد لا محالة ، لكن فيه زيادة مبالغة فى الحث
على اتباع الرسل والترغيب فيه.
(1/641)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 245
النوع الخامس عشر : التذليل ، وهو أن يأتى بجملة عقب جملة ، والثانية تشمل على
المعنى الأول لتأكيد منطوقه أو مفهومه ليظهر المعنى لمن لم يفهمه ويتقرّر عند من
فهمه نحو : ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ.
النوع السادس عشر الطرد والعكس ، وهو أن يؤتى بكلامين يقرّر الأول بمنطوقه مفهوم
الثانى وبالعكس كقوله تعالى : لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ
وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ إلى قوله :
لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ فمنطوق الأمر بالاستئذان فى
تلك الأوقات خاصة مقرّر لمفهوم رفع الجناح فيما عداها ، وبالعكس.
النوع السابع عشر : التكميل ، ويسمى بالاحتراس ، وهو أن يؤتى فى كلام يوهم خلاف
المقصود بما يدفع ذلك الوهم نحو : أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى
الْكافِرِينَ فإنه لو اقتصر على أَذِلَّةٍ لتوهم أنه لضعفهم فدفعه بقوله أعزّة.
النوع الثامن عشر : التتميم ، وهو أن يؤتى فى كلام لا يوهم غير المراد بفضلة تفيد
نكتة كالمبالغة فى قوله : وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ أى مع حبّ الطعام
: أى اشتهائه ، فإن الإطعام حينئذ أبلغ وأكثر أجرا.
النوع التاسع عشر : الاستقصاء ، وهو أن يتناول المتكلم معنى فيستقصيه ، فيأتى
بجميع عوارضه ولوازمه بعد أن يستقصى جميع أوصافه الذاتية بحيث لا يترك لمن يتناوله
بعده فيه مقالا كقوله تعالى : أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ
الآية ، فإنه تعالى لو اقتصر على قوله جنة لكان كافيا ، فلم يقف عند ذلك حتى قال
فى تفسيرها : مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ فإن مصاب صاحبها بها أعظم ، ثم زاد :
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ متمما لوصفها بذلك ، ثم كمل وصفها بعد
التتميمين فقال له : فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فأتى بكل ما يكون فى الجنان
ليشتد الأسف على إفسادها. ثم قال فى وصف صاحبها : وَأَصابَهُ الْكِبَرُ ثم استقصى
المعنى فى ذلك بما يوجب تعظيم المصاب بقوله بعد وصفه بالكبر وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ولم
يقف عند ذلك حتى وصف الذرية بالضعفاء. ثم ذكر استئصال
(1/642)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 246
الجنة التى ليس لهذا المصاب غيرها بالهلاك فى أسرع وقت حيث قال : فَأَصابَها
إِعْصارٌ ولم يقتصر على ذكره للعلم بأنه لا يحصل به سرعة الهلاك فقال : فِيهِ نارٌ
ثم لم يقف عند ذلك حتى أخبر باحتراقها لاحتمال أن تكون النار ضعيفة لا تفى باحتراقها
لما فيه من الأنهار ورطوبة الأشجار فاحترس عن هذا الاحتمال بقوله : فَاحْتَرَقَتْ
فهذا أحسن استقصاء وقع فيه كلام وأتمه وأكمله.
والفرق بين الاستقصاء والتتميم والتكميل :
أن التتميم يردّ على المعنى ليتم فيكمل.
والتكميل يردّ على المعنى التام أوصافه.
والاستقصاء يردّ على المعنى التام الكامل فيستقصى لوازمه وعوارضه وأوصافه وأسبابه
حتى يستوغب جميع ما تقع الخواطر عليه فيه فلا يبقى لأحد فيه مساغ.
النوع العشرون : الاعتراض ، ويسمى الالتفات وهو الإتيان بجملة أو أكثر لا محل لها
من الأعراب فى أثناء كلام أو كلامين اتصلا معنى لنكتة غير دفع الإيهام كقوله :
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ فقوله :
سُبْحانَهُ اعتراض لتنزيه اللَّه سبحانه وتعالى عن البنات والشناعة على جاعليها.
ووجه حسن الاعتراض حسن الإفادة مع أن مجيئه مجىء ما لا يترقب فيكون كالحسنة تأتيك
من حيث لا تحتسب.
النوع الحادى والعشرون : التعليل :
و فائدته التقرير والأبلغية ، فإن النفوس أبعث على قبول الأحكام المعللة من غيرها
، وغالب التعليل فى القرآن على تقدير جواب سؤال اقتضته الجملة الأولى ، وحروفه :
اللام ، وإن ، وأن ، وإذ ، والباء ، وكى ، ومن ، ولعل.
ومما يقتضى التعليل لفظ الحكمة : كقوله : حِكْمَةٌ بالِغَةٌ. وذكر الغاية من الخلق
نحو قوله : جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً ، وأَ لَمْ
نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً. وَالْجِبالَ أَوْتاداً.
(1/643)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 247
62 الخبر والإنشاء
قيل : إن أقسام الكلام عشرة : نداء ، ومسألة ، وأمر ، وتشفع ، وتعجب ، وقسم ، وشرط
، ووضع ، وشك ، واستفهام.
وقيل : تسعة بإسقاط الاستفهام لدخوله فى المسألة.
وقيل : سبعة بإسقاط الشك ، لأنه من قسم الخبر.
وقيل : هى ستة : خبر ، واستخبار ، وأمر ، ونهى ، ونداء ، وتمنّ.
وقيل : خمسة : خبر ، وأمر ، وتصريح ، وطلب ، ونداء.
وقيل : أربعة : خبر ، واستخبار ، وطلب ، ونداء.
وقيل : ثلاثة : خبر ، وطلب ، وإنشاء ، لأن الكلام إما أن يحتمل التصديق والتكذيب
أولا. فالأول الخبر ، والثانى إن اقترن معناه بلفظه فهو الإنشاء ، وإن لم يقترن بل
تأخر عنه فهو الطلب.
وقيل : الخبر : الكلام الذى يدخله الصدق والكذب.
وقيل : الذى يدخله التصديق والتكذيب.
وقيل : كلام يفيد بنفسه نسبة.
و قيل : الكلام المفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور نفيا أو
إثباتا.
وقيل : القول المقتضى بصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفى أو الإثبات.
والإنشاء : ما يحصل مدلوله فى الخارج بالكلام ، والخبر خلافه.
وقيل : الكلام إن أفاد بالوضع طلبا فلا يخلو إما أن يكون بطلب ذكر الماهية أو
تحصيلها أو الكفّ عنها.
والأول الاستفهام.
والثانى الأمر.
والثالث النهى.
وإن لم يفد طلبا بالوضع.
(1/644)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 248
فإن لم يحتمل الصدق والكذب سمى تنبيها وإنشاء ، لأنك نبهت به عن مقصودك وأنشأته :
أى ابتكرته من غير أن يكون موجودا فى الخارج ، سواء أفاد طلبا باللازم كالتمنى
والترجى والنداء والقسم ، أم لا ، وإن احتملهما من حيث هو فهو خبر.
والقصد بالخبر إفادة المخاطب ، وقد يرد بمعنى الأمر نحو : وَالْوالِداتُ
يُرْضِعْنَ.
وبمعنى النهى نحو : لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ.
وبمعنى الدعاء نحو : وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أى أعنا.
ومن أقسام الخبر : النفى ، بل هو شطر الكلام كله.
والفرق بينه وبين الجحد : أن النافى إن كان صادقا سمى كلامه نفيا ، ولا يسمى جحدا
، وإن كان كاذبا سمى جحدا ونفيا أيضا.
فكل جحد نفى وليس كل نفى جحدا.
مثال النفى : ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ.
ومثال الجحد نفى فرعون وقومه آيات موسى ، قال تعالى : فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا
مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها
أَنْفُسُهُمْ.
وأدوات النفى : لا ، ولات ، وما ، وإن ، ولم ، ولما.
وأصل أدوات النفى «لا وما» لأن النفى إما فى الماضى وإما فى المستقبل ، والاستقبال
أكثر من الماضى أبدا «و لا» أخفّ من «ما» فوضعوا الأخف للأكثر.
ثم إن النفى فى الماضى إما أن يكون نفيا واحدا مستمرا ، أو نفيا فيه أحكام متعددة
، وكذلك النفى فى المستقبل ، فصار النفى على أربعة أقسام ، واختاروا له أربع كلمات
: «ما ، ولم ، ولن ، ولا». وأما «إن» ، «لما» فليسا بأصلين ، فما ولا ، فى الماضى
والمستقبل متقابلان ، ولم ، كأنه مأخوذ من : لا وما ، لأن «لم» نفى للاستقبال لفظا
والمضى معنى ، فأخذ اللام من «لا» التى هى لنفى المستقبل ، والميم من «ما» التى هى
لنفى الماضى ، وجمع بينهما إشارة إلى
(1/645)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 249
أن فى «لم» إشارة إلى المستقبل والماضى ، وقدم اللام على الميم إشارة إلى أن «لا»
هى أصل النفى ، ولهذا ينفى بها فى أثناء الكلام فيقال : لم يفعل زيد ولا عمرو.
وأما «لما» فتركيب بعد تركيب كأنه قال : لم وما ، لوكيد معنى النفى فى الماضى.
وتفيد الاستقبال أيضا ولهذا تفيد «لما» الاستمرار.
ونفى العام يدل على نفى الخاص ، وثبوته لا يدل على ثبوته ، وثبوت الخاص يدل على
ثبوت العام ، ونفيه لا يدل على نفيه ، ولا شك أن زيادة المفهوم من اللفظ توجب
الالتذاذ به ، فلذلك كان نفى العام أحسن من نفى الخاص ، وإثبات الخاص أحسن من
إثبات العام.
فالأول كقوله : فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ لم يقل
بضوئهم بعد قوله أضاءت ، لأن النور أعم من الضوء ، إذ يقال على القليل والكثير ،
وإنما يقال الضوء على النور الكثير ولذلك قال : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ
ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ففى الضوء دلالة على النور فهو أخص منه ، فعدمه يوجب
عدم الضوء بخلاف العكس ، والقصد إزالة النور عنهم أصلا ولذا قال عقبه :
وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ.
والثانى كقوله : وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ ولم يقل طولهن ، لأن
العرض أخص ، إذ كل ما له عرض فله طول ولا ينعكس.
ونظير هذه القاعدة أن نفى المبالغة فى الفعل لا يستلزم نفى أصل الفعل.
و العرب إذا جاءت بين الكلامين بجحدين كان الكلام إخبارا نحو : وَما جَعَلْناهُمْ
جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ والمعنى : إنما جعلناهم جسدا يأكلون الطعام.
وإذا كان الجحد فى أول الكلام كان جحدا حقيقيّا نحو : ما زيد يخارج.
وإذا كان فى أول الكلام جحدان كان أحدهما زائدا ، وعليه : فِيما إِنْ
مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ.
ومن أقسام الإنشاء :
الاستفهام ، وهو طلب الفهم ، وهو بمعنى الاستخبار.
(1/646)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 250
و قيل : الاستخبار ما سبق أولا ولم يفهم حق الفهم ، فإذا سألت عنه ثانيا كان
استفهاما.
وأدواته : الهمزة ، وهل ، وما ، ومن ، وأى ، وكم ، وكيف ، وأين ، وأنى ، ومتى ،
وأيان.
ما عدا الهمزة نائب عنها ، ولكونه طلب ارتسام صورة ما فى الخارج فى الذهن لزم ألا
يكون حقيقة إلا إذا صدر من شاكّ مصدق بإمكان الإعلام ، فإن غير الشاكّ إذا استفهم
يلزم منه تحصيل الحاصل ، وإذا لم يصدق بإمكان الإعلام انتفت عنه فائدة الاستفهام.
وما جاء فى القرآن على لفظ الاستفهام ، فإنما يقع فى خطاب اللَّه على معنى أن
المخاطب عنده علم ذلك الإثبات أو النفى حاصل. وقد تستعمل صيغة الاستفهام فى غيره
مجازا.
وقد توسعت العرب فأخرت الاستفهام عن حقيقته لمعان ، أو أشربته تلك المعانى.
الأول : الإنكار ، والمعنى فيه على النفى ، وما بعده منفى ، ولذلك تصحبه إِلَّا
كقوله : فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ.
وكثيرا ما يصحبه التكذيب ، وهو فى الماضى بمعنى لم يكن ، وفى المستقبل بمعنى لا
يكون نحو : أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ الآية : أى لم يفعل ذلك.
الثانى : التوبيخ ، وجعله بعضهم من قبيل الإنكار ، إلا أن الأول إنكار إبطال وهذا
إنكار توبيخ ، والمعنى على أن ما بعده واقع جدير بأن ينفى ، فالنفى هنا غير قصدى ،
والإثبات قصدى ، عكس ما تقدم ، ويعبر عن ذلك بالتقريع أيضا نحو : أَفَعَصَيْتَ
أَمْرِي.
و أكثر ما يقع التوبيخ فى أمر ثابت ووبخ على فعله.
ويقع على ترك فعل كان ينبغى أن يقع كقوله : أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما
يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ.
الثالث : التقرير ، وهو حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقرّ عنده :
ولا يستعمل ذلك بهل ، كما يستعمل بغيرها من أدوات الاستفهام.
(1/647)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 251
و ذهب كثير من العلماء فى قوله : هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ
يَنْفَعُونَكُمْ إلى أن هَلْ تشارك الهمزة فى معنى التقرير أو التوبيخ.
وقيل : إن استفهام التقرير لا يكون بهل ، إنما يستعمل فيه الهمزة ، إذ أن هل تأتى
تقريرا كما فى قوله تعالى : هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ والكلام مع
التقرير موجب ، ولذلك يعطف عليه صريح الموجب ويعطف على صريح الموجب.
فالأول كقوله تعالى : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ.
والثانى نحو : أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً.
وحقيقة استفهام التقرير أنه استفهام إنكار ، والإنكار نفى ، وقد دخل على النفى ،
ونفى النفى إثبات ، ومن أمثلته : أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ.
الرابع : التعجب أو التعجيب نحو : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ.
وقد اجتمع هذا القسم وسابقاه فى قوله : أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ فالهمزة
للتقرير مع التوبيخ والتعجب من حالهم.
ويحتمل التعجب والاستفهام الحقيقى : ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ.
الخامس : العتاب كقوله : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ فما كان بين إسلامهم وبين أن عوتبوا بهذه الآية إلا
أربع سنين.
السادس : التذكير ، وفيه نوع اختصار كقوله : أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي
آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ.
السابع : الافتخار نحو : أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ.
الثامن : التفخيم نحو : ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا
كَبِيرَةً.
التاسع : التهويل والتخويف نحو : الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ.
العاشر : عكسه ، وهو التسهيل والتخفيف نحو : وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا.
(1/648)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 252
الحادى عشر : التهديد والوعيد نحو : أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ.
الثانى عشر : التكثير نحو : وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها.
الثالث عشر : التسوية وهو الاستفهام الداخل على جملة يصح حلول المصدر محلها نحو :
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ.
الرابع عشر : الأمر نحو : أَأَسْلَمْتُمْ أى أسلموا.
الخامس عشر : التنبيه ، وهو من أقسام الأمر نحو : أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ
مَدَّ الظِّلَّ أى انظر.
السادس عشر : الترغيب نحو : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً.
السابع عشر : النهى نحو : أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ
بدليل :
فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ.
الثامن عشر : الدعاء ، وهو كالنهى ، إلا أنه من الأدنى إلى الأعلى نحو :
أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ أى لا تهلكنا.
التاسع عشر : الاسترشاد نحو : أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها.
العشرون : التمنى نحو : فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ.
الحادى والعشرون : الاستبطاء نحو : مَتى نَصْرُ اللَّهِ.
الثانى والعشرون : العرض : أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ.
الثالث والعشرون : التحضيض نحو : أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ.
الرابع والعشرون : التجاهل نحو : أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا.
الخامس والعشرون : التعظيم نحو : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا
بِإِذْنِهِ.
السادس والعشرون : التحقير نحو : أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ.
السابع والعشرون : الاكتفاء نحو : أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً
لِلْمُتَكَبِّرِينَ.
(1/649)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 253
الثامن والعشرون : الاستبعاد نحو : أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى .
التاسع والعشرون : الإيناس نحو : وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى .
الثلاثون : التهكم والاستهزاء نحو : أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ.
الحادى والثلاثون : التأكيد لما سبق من معنى أداة الاستفهام قبله كقوله :
أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أى من حق عليه كلمة العذاب فإنك لا
تنقذه ، فمن للشرط ، والفاء جواب الشرط.
الثانى والثلاثون : الإخبار نحو : أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا.
ومن أقسام الإنشاء : الامر ، وهو طلب فعل غير كف ، وصيغته افعل ، ولتفعل ، وهى
حقيقة فى الإيجاب نحو : أَقِيمُوا الصَّلاةَ فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ، وترد مجازا
لمعان أخر.
منها : الندب نحو : وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا.
والإباحة نحو : فَكاتِبُوهُمْ.
والتهديد نحو : اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إذ ليس المراد الأمر بكل عمل شاءوا.
والإهانة نحو : ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ.
والتسخير : أى التذليل نحو : كُونُوا قِرَدَةً عبر به عن نقلهم من حالة إلى حالة
إذلالا لهم فهو أخص من الإهانة.
والتعجيز نحو : فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ إذ ليس المراد طلب ذلك منهم بل
إظهار عجزهم.
والامتنان نحو : كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ.
والعجب نحو : انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ.
والتسوية نحو : فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا.
والإرشاد نحو : وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ.
والاحتقار نحو : أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ.
والإنذار نحو : قُلْ تَمَتَّعُوا.
(1/650)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 254
و الإكرام نحو : ادْخُلُوها بِسَلامٍ.
والتكوين ، وهو أعم من التسخير نحو : كُنْ فَيَكُونُ.
و الإنعام ، أى تذكير النعمة نحو : كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ.
والتكذيب نحو : قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها.
والمشورة نحو : فَانْظُرْ ما ذا تَرى .
والاعتبار نحو : انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ.
والتعجب نحو : أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ.
ومن أقسامه : النهى ، وهو طلب الكفّ على فعل ، وصيغته «لا تفعل» وهى حقيقة فى
التحريم ، وترد مجازا لمعان :
منها الكراهية نحو : وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً.
والدعاء نحو : رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا.
والإرشاد نحو : لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.
والتسوية نحو : أَوْ لا تَصْبِرُوا.
والاحتقار والتقليل نحو : وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ الآية ، أى فهو قليل حقير.
وبيان العاقبة نحو : وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ أى عاقبة الجهاد الحياة لا الموت.
واليأس نحو : لا تَعْتَذِرُوا.
والإهانة نحو : اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ.
ومن أقسامه : التمنى. وهو طلب حصول شىء على سبيل المحبة ، ولا يشترط إمكان المتمنى
بخلاف المترجى ، ويقال : إن التمنى والترجى والنداء والقسم ليس فيه طلب بل هو
تنبيه ، ولا بدع فى تسميته إنشاء.
والتمنى لا يصح فيه الكذب ، وإنما الكذب فى المتمنى ، الذى يترجح عند صاحبه وقوعه
، فهو إذن وارد على ذلك الاعتقاد الذى هو ظن.
وحرف التمنى الموضوع له : ليت نحو : يا لَيْتَنا نُرَدُّ.
(1/651)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 255
و قد يتمنى بهل حيث يعلم فقده نحو : فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا.
وبلو نحو : فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ ولذا نصب الفعل فى جوابها.
وقد يتمنى بلعل فى البعيد فتعطى حكم ليت فى نصب الجواب نحو :
لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ.
و من أقسامه الترجى ، وفرق بعضهم بينه وبين التمنى بأنه فى الممكن والتمنى فيه وفى
المستحيل ، وبأن الترجى فى القريب والتمنى فى البعيد ، وبأن الترجى فى المتوقع
والتمنى فى غيره ، وبأن التمنى فى المشقوق للنفس والترجى فى غيره.
وقيل : الفرق بين التمنى وبين العرض ، هو الفرق بينه وبين الترجى ، وحرفا الترجى :
لعل وعسى ، وقد ترد مجازا لتوقع محذور ، ويسمى الإشفاق نحو : لَعَلَّ السَّاعَةَ
قَرِيبٌ.
ومن أقسامه النداء ، وهو طلب إقبال المدعو على الداعى بحرف نائب مناب أدعو ، ويصحب
فى الأكثر الأمر والنهى.
والغالب تقدمه نحو : يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ.
وقد يتأخر نحو : وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ.
وقد يصحب الجملة الخبرية فتعقبها جملة الأمر نحو : يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ
مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ.
وقد لا يعقبها نحو : يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ.
وقد تصحبه الاستفهامية نحو : يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا
يُبْصِرُ
.
وقد ترد صورة النداء لغيره مجازا كالإغراء والتحذير ، وقد اجتمعا فى قوله تعالى :
ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها.
والاختصاص كقوله : رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ.
والتنبيه كقوله : أَلَّا يَسْجُدُوا.
والتعجب كقوله : يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ.
والتحسر كقوله : ا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
.
(1/652)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 256
و أصل النداء ب «يا» أن تكون للبعيد حقيقة أو حكما ، وقد ينادى بها القريب لنكت.
منها : إظهار الحرص فى وقوعه على إقبال المدعو ، نحو : يا مُوسى أَقْبِلْ.
ومنها : كون الخطاب المتلو يعتنى به ، نحو : يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا
رَبَّكُمُ.
ومنها : قصد تعظيم شأن : المدعو ، نحو : يا رب.
و منها قصد انخفاضه ، كقول فرعون : إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً.
(1/653)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 257
63 بدائع القرآن
و لها أنواع :
منها : الإبهام ، ويدعى التورية : أن يذكر لفظ لها معنيان ، إما بالاشتراك أو
التواطؤ ، أو الحقيقة والمجاز ، أحدهما قريب والآخر بعيد ، ويقصد البعيد ويورى عنه
بالقريب ، فيتوهمه السامع من أول وهلة.
ومن أمثلتها : الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فإن الاستواء على معنيين :
الاستقرار فى المكان وهو المعنى القريب المورى به ، الذى هو غير مقصود لتنزيهه
تعالى عنه.
والثانى الاستيلاء والملك ، وهو المعنى البعيد المقصود الذى ورى به عنه بالقريب
المذكور.
وهذه التورية تسمى مجردة ، لأنها لم يذكر فيها شىء من لوازم المورى به ولا المورى
عنه.
ومنها : ما يسمى مرشحة ، وهى التى ذكر فيها شىء من لوازم هذا أو هذا كقوله تعالى :
وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ فإنه يحتمل الجارحة وهو المورى به.
ويحتمل القوة والقدرة ، وهو البعيد المقصود.
الاستخدام هو والتورية أشرف أنواع البديع ، وهما سيان بل فضله بعضهم عليها ، ولهم
فيه عبارتان :
إحداهما : أن يؤتى بلفظ له معنيان فأكثر مرادا به أحد معانيه ، ثم يؤتى بضميره
مرادا به المعنى الآخر.
والأخرى : أن يؤتى بلفظ مشترك ثم بلفظين يفهم من أحدهما أحد المعنيين ، ومن الآخر
الآخر. ومن أمثلته قوله تعالى : لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ الآية ، فلفظ كِتابٌ يحتمل
الأمد المحتوم والكتاب المكتوب. فلفظ أَجَلٍ يخدم المعنى الأول ، و(يمحو) يخدم
الثانى.
الالتفات : نقل الكلام من أسلوب إلى آخر : أى من المتكلم أو الخطاب ، أو الغيبة
إلى آخر منها بعد التعبير بالأول ، وله فوائد :
(م 17 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/654)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 258
منها : نطرية الكلام وصيانة السمع عن الضجر والملال لما جبلت عليه النفوس من حبّ
التنقلات والسلامة من الاستمرار على منوال واحد.
مثاله من المتكلم إلى الخطاب ، ووجهه حثّ السامع وبعثه على الاستماع حيث أقبل
المتكلم عليه وأعطاه فضل عناية تختص بالمواجهة ، قوله تعالى : وَما لِيَ لا
أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ الأصل ، وإليه أرجع ، فالتفت
من المتكلم إلى الخطاب ، ونكتته أنه أخرج الكلام فى معرض مناصحته لنفسه ، وهو يريد
نصح قومه تلطفا وإعلاما أنه يريد لهم ما يريد لنفسه ، ثم التفت إليهم لكونه فى
مقام تخويفهم ودعوتهم إلى اللَّه تعالى ، ومن أمثلته أيضا قوله تعالى : وَأُمِرْنا
لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ.
ومثاله من التكلم إلى الغيبة ، ووجهه أن يفهم السامع أن هذا نمط المتكلم وقصده من
السامع حضر أو غاب ، وأنه ليس فى كلامه ممن يتلون ويتوجه ويبدى فى الغيبة خلاف ما
نبديه فى الحضور قوله تعالى : إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ
لَكَ اللَّهُ والأصل : لنغفر لك.
ومثالة من الخطالب إلى المتكم لم يقع فى القرآن ، ومثل له بعضهم : فَاقْضِ ما
أَنْتَ قاضٍ ، ثم قال : إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا ، وقيل : إن المثال لا يصح لأن
شرط الالتفات أن يكون المراد به واحدا.
ومثاله من الخطاب إلى الغيبة : حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ
بِهِمْ والأصل بكم ، ونكتة العدول عن خطابهم إلى حكاية حالهم لغيرهم التعجب من
كفرهم وفعلهم ، إذ لو استمرّ على خطابهم لفاتت تلك الفائدة ، وقيل : لأن الخطاب
أولا من الناس مؤمنهم وكافرهم بدليل : هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ فلو كان «و جرين بكم» للزم الذى للجميع ، فالتفت عن الأول للإرشاد إلى
اختصاصه بهؤلاء الذين شأنهم ما طكروه عنهم فى آخر الآية عدولا من الخطاب العام إلى
الخاص.
ومثاله من الغيبة إلى المتكلم : اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ
سَحاباً فَسُقْناهُ.
و مثاله من الغيبة إلى الخطاب : وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ
جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا.
(1/655)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 259
و شرط الالتفات أن يكون الضمير فى المنتقل إليه عائدا فى نفس الأمر إلى المنتقل
عنه ، ولا يلزم عليه أن يكون فى (أنت صديقى) التفات. وشرطه أيضا أن يكون فى جملتين
، وإلا يلزم عليه أن يكون نوعا غريبا.
ومن الالتفات : بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله أو تكلمه كقوله :
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بعد أَنْعَمْتَ فإن المعنى : غير الذين غضبت
عليهم.
ومنه : أن يقدم المتكلم فى كلامه مذكورين مرتبين ، ثم يخبر عن الأول منهما ،
وينصرف عن الإخبار عنه إلى الإخبار عن الثانى ، ثم يعود إلى الإخبار عن الأول
كقوله : إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ. وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ
انصرف عن الإخبار عن الإنسان إلى الإخبار عن ربه تعالى ، ثم قال منصرفا عن الإخبار
عن ربه تعالى إلى الإخبار عن الإنسان : وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ.
ويقرب من الالتفات نقل الكلام من خطاب الواحد أو الاثنين أو الجمع لخطاب الآخر.
مثاله من الواحد إلى الاثنين : قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا
عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ.
وإلى الجمع : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ.
ومن الاثنين إلى الواحد : فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى .
وإلى الجمع : وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما
بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً.
ومن الجمع إلى الواحد : وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ.
وإلى الاثنين : يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ إلى قوله :
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
ويقرب منه أيضا الانتقال من الماضى أو المضارع أو الأمر وإلى آخر.
مثاله من الماضى إلى المضارع : أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ.
وإلى الأمر : قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ.
ومن المضارع إلى الماضى : وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ.
(1/656)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 260
و إلى الأمر قال : إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِي ءٌ.
ومن الآمر إلى الماضى : وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا.
وإلى المضارع : وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ
تُحْشَرُونَ.
الاطراد : هو أن يذكر المتكلم أسماء آباء الممدوح مرتبة على حكم ترتيبها فى
الولادة. ومنه فى القرآن قوله تعالى حكاية عن يوسف : وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي
إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وإنما لم يأت به على الترتيب المألوف ، فإن
العادة الابتداء بالأب ، ثم الجد ، ثم الجد الأعلى ، لأنه لم يرد هنا مجرد ذكر
الآباء ، وإنما ذكرهم ليذكر ملتهم التى اتبعها ، فبدأ بصاحب الملة ، ثم بمن أخذها
عنه أولا فأولا ، على الترتيب.
الانسجام : هو أن يكون الكلام لخلوه من العقادة منحدرا كتحدر الماء المنسجم ،
ويكاد لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه أن يسهل رقة ، والقرآن كله كذلك.
وقيل : وإذا قوى الانسجام فى النثر جاءت قراءته موزونة بلا قصد لقوّة انسجامه ،
ومن ذلك ما وقع فى القرآن موزونا فنمه من بحر الطويل : فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ
وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ.
ومن المديد : وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا.
ومن البسيط : فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ.
ومن الوافر : وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ
مُؤْمِنِينَ.
ومن الكامل : وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
ومن الهزج : فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً.
ومن الرجز : وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها.
و من الرمل : وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ.
ومن السريع : أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ.
ومن المنسرح : إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ.
(1/657)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 261
و من الخفيف : لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً.
ومن المضارع : يَوْمَ التَّنادِ.
ومن المقتضب : فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ.
ومن المجتث : نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
ومن المتقارب : وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ.
الإدماج : وهو أن يدمج المتكلم غرضا فى غرض ، أو بديعا فى بديع ، بحيث لا يظهر فى
الكلام إلا أحد الغرضين أو أحد البديعين كقوله تعالى : لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى
وَالْآخِرَةِ أدمجت المبالغة فى المطابقة ، لأن انفراده تعالى بالحمد فى الآخرة ،
وهى الوقت الذى لا يحمد فيه سواه ، مبالغة فى الوقت بالانفراد بالحمد ، وهو إن خرج
مخرج المبالغة فى الظاهر فالأمر فيه حقيقة فى الباطن ، فإنه ربّ الحمد والمنفرد به
فى الدارين.
وقيل فى هذه الآية : إنها من إدماج غرض فى غرض ، فإن الغرض منها تفرّده تعالى بوصف
الحمد ، وأدمج فيه الإشارة إلى البعث والجزاء.
الافتنان : هو الإتيان فى كلام بفنين مختلفين ، كالجمع بين الفخر والتعزية فى قوله
تعالى : كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ. وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ
وَالْإِكْرامِ فإنه تعالى عزّى جميع المخلوقات من الإنس والجن والملائكة وسائر
أصناف ما هو قابل للحياة ، وتمدح بالبقاء بعد فناء الموجودات فى عشر لفظات ، مع
وصفه ذاته بعد انفراده بالبقاء بالجلال والإكرام سبحانه وتعالى.
الاقتدار : هو أن يبرز المتكلم المعنى الواحد فى عدة صور اقتدارا منه على نظم
الكلام وتركيبه على صياغة قوالب المعانى والأغراض ، فتارة يأتى به فى لفظ
الاستعارة ، وتارة فى صورة الإرداف ، وحينا فى مخرج الإيجاز ، ومرة فى قالب
الحقيقة وعلى هذا أتت جميع قصص القرآن ، فإنك ترى فى الصفة الواحدة ، التى لا
تختلف معانيها ، تأتى فى صورة مختلفة وقوالب من الألفاظ متعددة ، حتى لا تكاد
تشتبه فى موضعين منه ، ولا بد أن تجد الفرق بين صورها ظاهرا.
(1/658)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 262
ائتلاف اللفظ مع اللفظ وائتلافه مع المعنى :
الأول : أن تكون الألفاظ يلائم بعضها بعضا بأن يقرن الغريب بمثله ، والمتداول
بمثله ، رعاية لحسن الجوار والمناسبة.
والثانى : أن تكون ألفاظ الكلام ملائمة للمعنى المراد ، وإن كان فخما كانت ألفاظه
مفخمة ، أو جزلا فجزلة ، أو غريبا فغريبة ، أو متداولا فمتداولة ، أو متوسطا بين الغرابة
والاستعمال فكذلك.
فالأول كقوله تعالى : تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ
حَرَضاً.
أتى بأغرب ألفاظ القسم ، وهى التاء ، فإنها أقل استعمالا وأبعد من أفهام العامة
بالنسبة إلى الباء والواو.
وبأغرب صيغ الأفعال التى ترفع الأسماء وتنصب الأخبار ، فإن (تزال) ، أقرب إلى
الأفهام وأكثر استعمالا منها.
وبأغرب الألفاظ الإهلاك وهو الحرض ، فاقتضى حسن الوضع فى النظم أن تجاور كل لفظة
بلفظة من جنسها فى الغرابة توخيا لحسن الجوار ، ورعاية فى ائتلاف المعانى بالألفاظ
، ولتتعادل الألفاظ فى الوضع وتتناسب فى النظم.
ولما أراد غير ذلك قال : وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ فأتى بجميع
الألفاظ متداولة لا غرابة فيها.
و من الثانى قوله تعالى : وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ
النَّارُ لما كان الركون إلى الظالم ، وهو الميل إليه والاعتماد عليه ، دون
مشاركته فى الظلم ، وجب أن يكون العقاب عليه دون العقاب على الظلم ، فأتى بلفظ
المس ، الذى هو دون الإحراق والاصطلاء.
الاستدراك والاستثناء شرط كونهما من البديع : أن يتضمنا ضربا من المحاسن زائدا على
ما يدل عليه المعنى اللغوى.
مثال الاستدراك : قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ
قُولُوا أَسْلَمْنا فإنه لو اقتصر على قوله لَمْ تُؤْمِنُوا لكان منفردا لهم ،
لأنهم ظنوا الإقرار بالشهادتين من غير اعتقاد إيمانا فأوجبت البلاغة ذكر الاستدراك
، ليعلم أن
(1/659)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 263
الإيمان موافقة القلب اللسان ، وإن انفرد اللسان بذلك يسمى إسلاما ولا يسمى إيمانا
، وزاد ذلك إيضاحا بقوله : وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ فلما
تضمن الاستدراك إيضاح ما عليه ظاهر الكلام من الإشكال عدّ من المحاسن.
ومثال الاستثناء : فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فإن
الإخبار عن هذه المدة بهذه الصيغة يمهد عذر نوح فى دعائه على قومه بدعوة أهلكتهم
عن آخرهم ، إذ لو قيل : فلبث فيهم تسعمائة وخمسين عاما ، لم يكن فيه من التهويل ما
فى الأول ، لأن لفظ الألف فى الأول ، أول ما يطرق السمع فيشتغل بها عن سماع بقية
الكلام ، وإذا جاء الاستثناء لم يبق له بعدا ما تقدمه وقع يزيل ما حصل عنده من ذكر
الألف.
الاقتصاص : هو أن يكون كلاما فى سورة مقتصا من كلام فى سورة أخرى ، أو فى تلك
السورة ، كقوله تعالى : وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي
الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ والآخرة دار ثواب لا عمل فيها فهذا مقتص من قوله
تعالى : وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ
الدَّرَجاتُ الْعُلى .
الإبدال : هو إقامة بعض الحروف مقام بعض ، ومنه : فَانْفَلَقَ أى انفرق ، ولهذا
قال : فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ فالراء واللام متعاقبان.
تأكيد المدح بما يشبه الذم :
و منه قوله : قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ
آمَنَّا بِاللَّهِ الآية ، فإن الاستثناء بعد الاستفهام الخارج مخرج التبويخ على
ما عابوا به المؤمنين من الإيمان يوهم أن ما يأتى بعده مما يوجب أن ينتقم على
فاعله مما يذم ، فلما أتى بعد الاستثناء بما يوجب مدح فاعله كان الكلام متضمنا
تأكيد المدح بما يشبه الذم.
التفويت : هو إتيان المتكلم بمعان شتى من المدح والوصف وغير ذلك من الفنون ، كل فن
فى جملة منفصلة عن أختها مع تساوى الجمل فى الزنة ، ويكون فى الجمل الطويلة
والمتوسطة والقصيرة.
فمن الطويلة : الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي
وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ
يُحْيِينِ.
(1/660)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 264
و من المتوسطة : يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي
اللَّيْلِ ويُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ
الْحَيِّ.
ولم يأت المركب من القصيرة فى القرآن.
التقسيم : هو استيفاء أقسام الشىء الموجودة إلا الممكنة عقلا نحو : هُوَ الَّذِي
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً إذ ليس فى رؤية البرق إلا الخوف من
الصواعق.
والطمع فى الأمطار.
التدبيج : هو أن يذكر المتكلم ألوانا يقصد التورية بها والكناية ، وكقوله تعالى :
وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ
قالمراد بذلك الكناية عن الواضح من الطرق ، لأن الجادة البيضاء هى الطريق التى كثر
السلوك عليها جدا ، وهى أوضح الطرق وأبينها ، ودونها الحمراء ، ودون الحمراء
السوداء ، كأنها فى الخفاء والالتباس ، ضد البيضاء فى الظهور والوضوح. ولما كانت
هذه الألوان الثلاثة فى الظهور للعين طرفين وواسطة ، فالطرف الأعلى فى الظهور
البيضاء ، والطرف الأدنى فى الخفاء السواد ، والأحمر بينهما ، على وضع الألوان فى
التركيب ، وكانت ألوان الجبال لا تخرج عن هذه الألوان الثلاثة ، والهداية بكل علم
نصب للهداية متقسمة هذه القسمة ، أتت الآية الكريمة منقسمة كذلك ، فحصل فيها
التدبيح وصحة التقسيم.
والتنكيت : هو أن يقصد المتكلم إلى شىء بالذكر دون غيره مما يسدّ مسده ، لأجل نكتة
فى المذكور ترجح مجيئه على سواه كقوله تعالى : وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى خص
الشعرى بالذكر دون غيرها من النجوم وهو تعالى ربّ كل شىء ، لأن العرب كان ظهر فيهم
رجل يعرف بابن أبى كبشة عبد الشعرى ، ودعا إلى عبادتها ، فأنزل اللَّه تعالى :
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى التى ادعيت فيها الربوبية.
التجريد : هو أن ينزع من أمر ذى صفة آخر مثله مبالغة فى كمالها فيه نحو :
لى من فلان صديق حميم مجرد من الرجل الصديق ، آخر مثله متصفا بصفة الصداقة. ومن
أمثلته فى القرآن : لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ ليس المعنى أن الجنة فيها دار
الخلد وغير دار خلد ، بل هى نفسها دار الخلد : فكأنه جرّد من الدار دارا.
(1/661)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 265
التعديد : هو إيقاع الألفاظ المفردة على سياق واحد ، وأكثر ما يوجد فى الصفات
كقوله : هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ
السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ.
الترتيب : هو أن يورد أوصاف الموصوف على ترتيبها فى الخلقة الطبيعية ، ولا يدخل
فيها وصفا زائدا ، ومنه قوله تعالى : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ
مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا
أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً.
التضمين : يطلق على أشياء :
أحدها : إيقاع لفظ موقع غيره لتضمنه معناه ، وهو نوع من المجاز.
الثانى : حصول معنى فيه من غير ذكر له باسم هو عبارة عنه ، وهذا نوع من الإيجاز.
الثالث : تعلق ما بعد الفاصلة بها.
الرابع : إدراج كلام الغير فى أثناء الكلام لقصد تأكيد المعنى أو ترتيب النظم ،
ومنه قوله : وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ.
الجناس : هو تشابه اللفظين فى اللفظ.
وفائدته الميل إلى الإصغاء إليه ، فإن مناسبة الألفاظ تحدث ميلا وإصغاء إليها.
ولأن الفظ المشترك إذا حمل على معنى ثم جاء والمراد به آخر كان للنفس تشوّق إليه.
وأنواع الجناس كثيرة :
منها : التام ، بأن يتفقا فى أنواع الحروف وأعدادها وهيئاتها كقوله تعالى :
وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ.
ومنها المصحف ، ويسمى جناس الخط ، بأن تختلف الحروف فى النقط كقوله : وَالَّذِي
هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ.
ومنها : المحرّف ، بأن يقع الاختلاف فى الحركات كقوله : وَلَقَدْ أَرْسَلْنا
فِيهِمْ مُنْذِرِينَ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ.
(1/662)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 266
و قد اجتمع التصحيف والتحريف فى قوله : وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ
صُنْعاً.
ومنها : الناقص ، بأن يختلف فى عدد الحروف سواء كان الحرف المزيد أولا أو وسطا أو
آخرا كقوله : وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ
الْمَساقُ.
ومنها : المذيل ، بأن يزيد أحدهما أكثر من حرف فى الآخر أو الأول ، وسمى بعضهم
الثانى بالمتوج كقوله : وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ.
ومنها : المضارع ، وهو أن يختلفا بحرف مقارب فى المخرج ، سواء كان فى الأول أو
الوسط أو الآخر ، كقوله تعالى : وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ.
ومنها : اللاحق ، بأن يختلف بحرف غير مقارب فيه كذلك كقوله :
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ.
ومنها : المرفق ، وهو ما تركب من كلمة وبعض أخرى كقوله : جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ.
ومنها : اللفظى بأن يختلفا بحرف مناسب للآخر مناسبة لفظية كالضاد والظاء كقوله :
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ.
ومنها : تجنيس القلب بأن يختلفا فى ترتيب الحروف نحو : رَّقْتَ بَيْنَ بَنِي
إِسْرائِيلَ
.
ومنها : تجنيس الاشتقاق ، بأن يجتمعا فى أصل الاشتقاق ، ويسمى المقتضب نحو :
فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ.
ومنها : تجنيس الإطلاق ، بأن يجتمعا فى المشابهة فقط كقوله : وَجَنَى
الْجَنَّتَيْنِ.
الجمع : هو أن يجمع بين شيئين أو أشياء متعددة فى حكم كقوله تعالى :
الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا جمع المال والبنون فى الزينة.
الجمع والتفريق : هو أن تدخل شيئين فى معنى وتفرّق بين جهتى الإدخال ، ومنه قوله :
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي
مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى
أَجَلٍ مُسَمًّى ، جمع النفسين فى حكم
(1/663)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 267
التوفى ، ثم فرق بين جهتى التوفى بالحكم بالإمساك والإرسال ، أى اللَّه يتوفى
الأنفس التى تقبض والتى لم تقبض ، فيمسك الأولى ويرسل الأخرى.
الجمع والتقسيم : وهو جمع متعدّد تحت حكم ثم تقسيمه كقوله تعالى :
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ
ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ.
الجمع مع التفريق والتقسيم كقوله تعالى : يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ
إِلَّا بِإِذْنِهِ الآيات ، فالجمع فى قوله لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ
لأنها متعددة معنى ، إذ النكرة فى سياق النفى تعم. والتفريق قوله : فَمِنْهُمْ
شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. والتقسيم قوله : فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا وَأَمَّا الَّذِينَ
سُعِدُوا.
جمع المؤتلف والمختلف : هو أن تريد التسوية بين الزوجين ، فتأتى بمعان مؤتلفة فى
مدحها ، وتروم بعد ذلك ترجيح أحدهما على الآخر بزيادة فضل لا تنقص الآخر ، فتأتى
لأجل ذلك بمعان تخالف معنى التسوية كقوله تعالى :
وَ داوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ الآيات ، سوّى فى الحكم والعلم وزاد فضل
سليمان بالفهم.
حسن النسق : هو أن يأتى المتكلم بكلمات متتاليات معطوفات متلاحمات تلاحما سليما
مستحسنا ، بحيث إذا أفردت كل جملة منه قامت بنفسها واستقل معناها بلفظها ، ومنه
قوله تعالى : وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ الآية ، فإن جمله معطوف بعضها على
بعض بواو النسق على الترتيب الذى تقتضيه البلاغة من الابتداء بالاسم ، الذى هو
انحسار الماء عن الأرض ، المتوقف عليه غاية مطلوب أهل السفينة من الإطلاق من سجنها
، ثم انقطاع مادة السماء المتوقف عليه تمام ذلك من دفع أذاه بعد الخروج. ومنه
اختلاف ما كان بالأرض ثم الإخبار بذهاب الماء بعد انقطاع المادتين الذى هو متأخر
عنه قطعا ، ثم بقضاء الأمر الذى هو هلاك من قدر هلاكه ونجاة من سبق نجاته.
و أخرّ عما قبله لأن علم ذلك لأهل السفينة بعد خروجهم منها ، وخروجهم موقوف على ما
تقدم ، ثم أخبر باستواء السفينة واستقرارها المفيد ذهابه الخوف وحصول الأمن من
الاضطراب ، ثم ختم بالدعاء على الظالمين لإفادة أن الغرق وإن عمّ الأرض فلم يشمل
إلا من استحق العذاب لظلمه.
(1/664)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 268
عتاب المرء نفسه منه : وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا
لَيْتَنِي الآيات.
العكس : هو أن يؤتى بكلام يقدم فيه جزء ويؤخر آخر ، ثم يقدم المؤخر ويؤخر المقدم
كقوله تعالى : ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ
عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ.
ومن غريب أسلوب هذا النوع قوله تعالى : وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ
ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا
يُظْلَمُونَ نَقِيراً ، وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ
وَهُوَ مُحْسِنٌ فإن نظم الآية الثانية عكس نظم الآية الأولى ، لتقديم العمل فى
الأولى على الإيمان ، وتأخيره فى الثانية عن الإسلام.
ومنه نوع يسمى : القلب والمقلوب المستوى وما لا يستحيل بالانعكاس ، وهو أن تقرأ
الكلمة من آخرها إلى أولها كما تقرأ من أولها إلى آخرها كقوله تعالى كُلٌّ فِي
فَلَكٍ ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ولا ثالث لهما فى القرآن.
العنوان : هو أن يأخذ المتكلم فى غرض فيأتى لقصد تكميله وتأكيده بأمثلة فى ألفاظ
تكون عنوانا لأخبار متقدمة وقصص سالفة.
ومنه نوع عظيم جدّا وهو عنوان العلوم ، بأن يذكر فى الكلام ألفاظا تكون مفاتيح
العلوم ومداخل لها.
من الأول قوله تعالى : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا
فَانْسَلَخَ مِنْها الآية ، فإنه عنوان قبصه بلعام.
و من الثانى قوله تعالى : انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ الآية ، فيها
عنوان علم الهندسة ، فإن الشكل المثلث أول الأشكال ، وإذا نصب فى الشمس على أىّ
ضلع من أضلاعه لا يكون له ظل لتحديد رءوس زواياه ، فأمر اللَّه تعالى أهل جهنم بالانطلاق
إلى ظل هذا الشكل تهكما بهم. وقوله : وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الآيات ، فيها عنوان علم الكلام وعلم الجدل وعلم الهيئة.
(1/665)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 269
الفرائد : هو مختص بالفصاحة دون البلاغة ، لأنه الإتيان بلفظة تتنزل منزلة الفريدة
من العقد ، وهى الجوهرة التى لا نظير لها تدل على عظم فصاحة هذا الكلام وقوّة
عارضته وحزالة منطقة وأصالة عربيته ، بحيث لو أسقطت من الكلام عزّت على الفصحاء ،
ومنه لفظ ، حَصْحَصَ فى قوله : الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ، والرفث فى قوله :
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ولفظة فُزِّعَ فى
قوله : حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وخائِنَةَ الْأَعْيُنِ فى قوله :
يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ ونَجِيًّا فى قوله : فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ
خَلَصُوا نَجِيًّا وبِساحَتِهِمْ فى قوله : فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ
صَباحُ الْمُنْذَرِينَ.
القسم : هو أن يريد المتكلم الحلف على شىء فيحلف بما يكون فيه فخر له ، أو تعظيم
لشأنه أو تنويه لقدره أو ذمّ لغيره ، أو جاريا مجرى الغزل الرقيق ، أو خارجا مخرج
الموعظة والزهد كقوله : فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ
ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ أقسم سبحانه وتعالى بقسم فوجب الفخر لتضمنه التمدح بأعظم
قدرة وأجلّ عظيمة لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ أقسم
سبحانه وتعالى بحياة نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم تعظيما لشأنه وتنويها بقدره.
اللف والنشر : هو أن يذكر شيئان أو أشياء ، إما تفصيلا بالنص على كل واحد ، أو
إجمالا بأن يؤتى بلفظ يشتمل على متعدد ثم يذكر أشياء على عدد ذلك ، كل واحد يرجع
إلى واحد من المتقدم ، ويفوّض إلى عقل السامع ردّ كل واحد إلى ما يليق به.
فالإجمالى كقوله تعالى : وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ
هُوداً أَوْ نَصارى أى وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا اليهود ، وقالت النصارى لن
يدخل الجنة إلا النصارى ، وإنما سوّغ الإجمال فى اللّف ثبوت العناد بين اليهود
والنصارى ، فلا يمكن أن يقول أحد الفريقين بدخول الفريق الآخر الجنة ، فوثق بالعقل
فى أنه يرد كل قول إلى فريقه لأمن اللبس ، وقائل ذلك يهود المدينة ونصارى نجران.
(1/666)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 270
و قد يكون الإجمال فى النشر لا فى اللفّ ، بأن يؤتى بمتعدد ثم بلفظ يشتمل على
متعدد يصلح لهما نحو : حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ
الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ فإن الخيط الأسود أريد به الفجر الكاذب لا
الليل.
والتفصيلى قسمان :
أحدهما أن يكون على ترتيب اللف كقوله تعالى : جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ
لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ. فالسكون راجع إلى الليل ،
والابتغاء راجع إلى النهار.
والثانى أن يكون على عكس نرتيبه كقوله تعالى : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ
وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ الآيات.
المشاكلة : ذكر الشىء بلفظ غيره لوقوعه فى صحبته تحقيقا أو تقديرا.
فالأول كقوله تعالى : تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ ،
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ فإن إطلاق النفس والمكر فى جانب البارى تعالى لمشاكلة
ما معه.
و مثال التقدير قوله تعالى : صِبْغَةَ اللَّهِ أى تطهير اللَّه ، لأن الإيمان يطهر
النفوس ، والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم فى ماء أصفر يسمونه
المعمودية ويقولون إنه تطهير لهم ، فعبر عن الإيمان بصبغة اللَّه للمشاكلة بهذه
القرينة.
المزاوجة : أن يزاوج بين معنيين فى الشرط والجزاء أو ما جرى مجراهما.
ومنه فى القرآن : آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ
فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ.
المبالغة : أن يذكر المتكلم وصفا فيزيد فيه حتى يكون أبلغ فى المعنى الذى قصد ،
وهى ضربان :
مبالغة بالوصف ، بأن يخرج إلى حدّ الاستحالة ، ومنها : يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءُ
وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ.
ومبالغة بالصيغة ، وصيغ المبالغة : فعلان ، كالرحمن ، وفعيل كالرحيم ، وفعال
كالتوّاب والغفار والقهار ، وفعول كغفور وشكور وودود ، وفعل كحذر وأشر
(1/667)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 271
و فرح ، وفعال بالتخفيف كعجاب ، وبالتشديد ككبار ، وفعل كلبد وكبر ، وفعلى كالعليا
والحسنى وشورى والسوأى.
بالمطابقة ، وتسمى : الطباق : الجمع بين متضادين فى الجملة. وهو قسمان :
حقيقى ، ومجازى ، والثانى يسمى التكافؤ ، وكل منهما :
إما لفظى أو معنوى.
وإما طباق إيجاب ، أو سلب.
فمن أمثلة الحقيقى فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً.
ومن أمثلة المجازى : أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ أى ضالا فهديناه.
ومن أمثلة طباق السلب : تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ.
ومن أمثلة المعنوى : قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ
معناه : ربنا يعلم إنا لصادقون.
ومنه نوع يسمى : الطباق الخفى كقوله : مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا
فَأُدْخِلُوا ناراً ، لأن الغرق من صفات الماء فكأنه جمع بين الماء والنار ، وهى
أخفى مطابقة فى القرآن.
و من أملح الطباق وأخفاه قوله تعالى : وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ لأن معنى
القصاص القتل ، فصار القتل سبب الحياة.
ومنه نوع يسمى : ترصيع الكلام ، وهو اقتران الشىء بما يجتمع معه فى قدر مشترك
كقوله : إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى . وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا
فِيها وَلا تَضْحى أتى بالجوع مع العرى ، وبابه أن يكون مع الظمأ ، وبالضحى مع
الظمأ ، وبابه يكون مع العرى ، لكن الجوع والعرى اشتركا فى الخلو ، فالجوع خلو
الباطن من الطعام والعرى خلو الظاهر من اللباس ، والظمأ والضحى اشتركا فى الاحتراق
، فالظمأ احتراق الباطن من العطش والضحى احتراق الظاهر من حرّ الشمس.
ومنه نوع يسمى : المقابلة ، وهى أن يذكر لفظان فأكثر ثم أضدادها على الترتيب.
والفرق بين الطباق والمقابلة من وجهين :
أحدهما : أن الطباق لا يكون إلا من ضدين فقط : والمقابلة لا تكون إلا بما زاد من
الأربعة إلى العشرة.
(1/668)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 272
و الثانى ، أى الطباق ، لا يكون إلا بأضداد ، والمقابلة بالأضداد وبغيرها.
ومن خواص المقابلة أنه إذا شرط فى الأول أمر شرط فى الثانى ضده كقوله تعالى :
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى الآيتين ، قابل بين الإعطاء والبخل ، والاتقاء
والاستغناء ، والتصديق والتكذيب ، واليسرى والعسرى ولما جعل التيسير فى الأول
مشتركا بين الإعطاء والاتقاء والتصديق ، جعل ضده وهو التعسير مشتركا بين أضدادها.
وقيل : المقابلة إما لواحد بواحد ، كقوله : لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ
واثنين باثنين كقوله : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً.
وثلاثة بثلاثة كقوله : يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ.
وأربعة بأربعة كقوله : فَأَمَّا مَنْ أَعْطى الآيتين.
أو خمسة بخمسة كقوله : إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما
الآيات ، قابل بين بَعُوضَةً فَما فَوْقَها ، وبين : فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا ،
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وبين : يُضِلُّ وَيَهْدِي ، وبين :
يَنْقُضُونَ ، ومِيثاقَ ، وبين : يَقْطَعُونَ ، وأَنْ يُوصَلَ.
أو ستة بستة كقوله : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ الآية ، ثم قال :
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ الآية ، قابل الجنات والأنهار ، والخلد والأزواج ،
والتطهير والرضوان ، بإزاء النساء والبنين ، والذهب والفضة ، والخيل المسومة
والأنعام والحرث.
وقيل ، تنقسم المقابلة إلى ثلاثة أنواع : نظيرى ، ونقيضى ، وخلافى.
مثال الأول : مقابلة السنة بالنوم فى الآية الأولى ، فإنهما جميعا من باب الرقاد
المقابل باليقظة فى آية : وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ.
وهذا مثال الثانى فإنهما نقيضان.
ومثال الثالث : مقابلة الشرّ بالرشد فى قوله : أَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ
بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً فإنهما خلافان لا
نقيضان ، فإن نقيض الشرّ الخير والرشد الغى.
(1/669)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 273
المواربة ، براء مهملة وباء موحدة : أن يقول المتكلم قولا يتضمن ما ينكر عليه ،
فإذا حصل الإنكار واستحضر بحذفه وجها من الوجوه يتخلص به إما بتحريف كلمة أو
تصحيفها أو زيادة أو نقص.
ومنه قوله تعالى حكاية عن أكبر أولاد يعقوب : ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا
يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ فإنه قرىء إن ابنك سرّق ولم يسرق ، فأتى بالكلام
على الصحة بإبدال ضمة من فتحة وتشديد الراء وكسرتها.
المراجعة : هى أن يحكى المتكلم مراجعة فى القول جرت بينه وبين محاور له بأوجز
عبارة وأعدل سبك وأعذب ألفاظ ، ومنه قوله تعالى : قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ
إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ جمعت هذه
القطعة وهى بعض آية ثلاثة مراجعات فيها معانى الكلام من الخبر ، والاستخبار ،
والأمر ، والنهى ، والوعد ، والوعيد ، بالمنطوق والمفهوم.
ويقال : جمعت الخبر والطلب ، والإثبات والنفى ، والتأكيد والحذف ، والبشارة
والنذارة ، والوعد والوعيد.
النزاهة : هى خلوص ألفاظ الهجاء من الفحش حتى يكون كما قال أبو عمرو بن العلاء ،
وقد سئل عن أحسن الهجاء : هو الذى إذا أنشدته العذراء فى خدرها لا يقبح عليها ،
ومنه قوله تعالى : وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ
إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ثم قال : أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ
ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ
أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فإن ألفاظ ذمّ هؤلاء المخبر عنهم بهذا الخبر أتت
منزّهة عما يقبح فى الهجاء من الفحش ، وسائر هجاء القرآن كذلك.
الإبداع ، بالباء الموحدة : أن يشتمل الكلام على عدة ضروب من البديع ، مثل قوله
تعالى : يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ فإن فيها عشرين ضربا من البديع ، وهى سبع عشرة
لفظه ، وذلك المناسبة التامة فى : ابلعى وأقلعى.
والاستعارة فيهما.
والطباق بين الأرض والسماء.
والمجاز فى قوله يا سَماءُ ، فإن الحقيقة يا مطر السماء.
( - 18 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/670)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 274
و الإشارة فى وَغِيضَ الْماءُ ، فإنه عبر به عن معان كثيرة ، لأن الماء لا يغيض
حتى يقلع مطر السماء ، وتبلغ الأرض ما يخرج منها من عيون الماء ، فينقص الحاصل على
وجه الأرض من الماء.
والإرداف فى : وَاسْتَوَتْ.
والتمثيل فى : وَقُضِيَ الْأَمْرُ.
و التعليل ، فإن غيض الماء علة الاستواء.
وصحة التقسيم ، فإنه استوعب فيه أقسام الماء حالة نقصه ، إذ ليس إلا احتباس ماء
السماء ، والماء النابع من الأرض ، وغيض الماء الذى على ظهرها.
والاحتراس فى الدعاء لئلا يتوهم أن الغرق لعمومه يشمل من لا يستحق الهلاك ، فإن
عدله تعالى يمنع أن يدعو على غير مستحق.
وحسن النسق.
وائتلاف اللفظ مع المعنى والإيجاز ، فإنه تعالى يقصّ القصة مستوعبة بأخصر عبارة.
والتسهيم ، فإن أول الآية يدل على آخرها.
والتهذيب ، لأن مفرداتها موصوفة بصفات الحسن كل لفظة سهلة مخارج الحروف عليها رونق
الفصاحة مع الخلو من البشاعة وعقادة التركيب.
وحسن البيان من جهة أن السامع لا يتوقف فى فهم معنى الكلام ، ولا يشكل عليه شىء منه.
والتمكين ، لأن الفاصلة مستقرّة فى محلها مطمئنة فى مكانها غير قلقة ولا مستدعاة.
والانسجام.
والاعتراض.
(1/671)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 275
64 فواصل الآى
الفاصلة : كلمة آخر الآية ، كقافية الشعر ، وقرينة السجع.
وقيل : كلمة آخر الجملة.
وقيل : الفواصل حروف متشابكة فى المقاطع يقع بها إفهام المعانى.
وثمة فرق بين الفواصل ورءوس الآى ، فالفاصلة هى الكلام المنفصل عما بعده.
والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وغير رأس.
وكذلك الفواصل يكون رءوس آية وغيرها.
وكل رأس آية فاصلة وليس كل فاصلة رأس آية.
ولمعرفة الفواصل طريقان : توقيفى ، وقياسى :
أما التوقيفى : فما ثبت أنه صلّى اللَّه عليه وسلم وقف عليه دائما تحققنا أنه
فاصلة ، وما وصله دائما تحققنا أنه ليس بفاصلة ، وما وقف عليه مرة ووصله أخرى
احتمل الوقف أن يكون لتعريف الفاصلة ، أو لتعريف الوقف التام ، أو للاستراحة ، والوصل
أن يكون غير فاصلة ، أو فاصلة وصلها لتقدم تعريفها.
وأما القياسى : فهو ما ألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص لمناسب ، ولا محذور
فى ذلك ، لأنه لا زيادة فيه ولا نقصان ، وإنما غايته أنه محل فصل أو وصل.
و الوقف على كل كلمة كلمة جائز ، ووصل القرآن كله جائز.
وفاصلة الآية كقرينة السجعة فى النثر وقافية البيت فى الشعر.
(1/672)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 276
و تقع الفاصلة عند الاستراحة بالخطاب لتحسين الكلام بها ، وهى الطريقة التى يباين
القرآن بها سائر الكلام.
وتسمى فواصل ، لأنه ينفصل عنده الكلامان ، وذلك أن آخر الآية فصل بينها وبين ما
بعدها ، وآخذ من قوله تعالى : كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ ولا يجوز تسميتها قوافى
إجماعا ، لأن اللَّه تعالى لما سلب عنه اسم الشعر وجب سلب القافية عنه أيضا ،
لأنها منه وخاصة به فى الاصطلاح ، وكما يمتنع استعمال القافية فيه يمتنع استعمال
الشعر ، لأنها صفة لكتاب اللَّه تعالى فلا تتعداه.
ولا تخرج فواصل القرآن عن أحد أربعة أشياء : التمكين ، والتصدير ، والتوشيح ،
والإيغال.
فالتمكين ، ويسمى ائتلاف القافية : أن يمهد الناثر للقرينة أو الشاعر للقافية
تمهيدا تأتى به القافية أو القرينة متمكنة فى مكانها مستقرّة فى قرارها ، مطمئنة
فى مواضعها غير نافرة ولا قلقة ، متعلقا معناها بمعنى الكلام كله تعليقا تاما ،
بحيث لو طرحت لا ختلّ المعنى واضطرب الفهم ، وبحيث لو سكت عنها كمّله السامع
بطبعه. ومن أمثلة ذلك : يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ الآية ،
فإنه لما تقدم فى الآية ذكر العبادة وتلاه ذكر التصرف فى الاموال اقتضى ذلك ذكر
الحلم والرشد على الترتيب ، لأن الحلم يناسب العبادات والرشد يناسب الأموال.
ومبنى الفواصل على الوقف ، ولهذا ساغ مقابلة المرفوع بالمجرور وبالعكس كقوله :
إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ مع قوله : عَذابٌ واصِبٌ ، وشِهابٌ ثاقِبٌ
وقوله : بِماءٍ مُنْهَمِرٍ مع قوله قَدْ قُدِرَ.
و كثر فى القرآن ختم الفواصل بحروف المدّوالين وإلحاق النون ، وحكمته وجود التمكن
من التطريب بذلك ، كما قال سيبويه : إنهم إذا ترنموا يلحقون الألف والياء والنون ،
لأنهم أرادوا مدّ الصوت ، ويتركون ذلك إذا لم يترنموا ، وجاء فى القرآن على أسهل
موقف وأعذب مقطع.
وحروف الفواصل إما متماثلة وإما متقاربة :
فالأولى : مثل : وَالطُّورِ. وَكِتابٍ مَسْطُورٍ. فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ.
وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ.
(1/673)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 277
و الثانى ، مثل : الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.
وفواصل القرآن لا تخرج عن هذين القسمين ، بل تنحصر فى المتماثلة والمتقاربة.
وكثر فى الفواصل التضمين والإيطاء لأنهما ليسا بعين فى النثر ، وإن كانا معيبين فى
النظم.
فالتضمين أن يكون ما بعد الفاصلة متعلقا بها كقوله تعالى : وَإِنَّكُمْ
لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ
. والإبطاء تكرر الفاصلة بلفظها كقوله تعالى فى الإسراء : هَلْ كُنْتُ إِلَّا
بَشَراً رَسُولًا وختم بذلك الآيتين بعدها.
(1/674)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 278
65 فواتح السور
إن اللَّه تعالى افتتح سور القرآن بعشرة أنواع من الكلام لا يخرج شىء من السور
عنها :
الأول : الثناء عليه تعالى ، والثناء قسمان :
إثبات لصفات المدح ، ونفى وتنزيه من صفات النقص.
فالأول : التحميد فى خمس سور ، وتبارك فى سورتين.
والثانى : التسبيح فى سبع سور.
والتسبيح كلمة استأثر اللَّه بها فبدأ بالمصدر فى بنى إسرائيل ، لأنه الأصل ، ثم
بالماضى ، فى الحديد والحشر ، لأنه أسبق الزمانين ، ثم بالمضارع فى الجمعة
والتغاين ، ثم بالأمر فى الأعلى استيعابا لهذه الكلمة من جميع جهاتها.
الثانى : حروف التهجى فى تسع وعشرين سورة.
والثالث : النداء فى عشر سور :
خمس بنداء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم : الأحزاب والطلاق والتحريم والمزمل
والمدثر.
و خمس بنداء الأمة : النساء والمائدة والحج والحجرات والممتحنة.
الرابع : الجمل الخبرية نحو : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ، بَراءَةٌ مِنَ
اللَّهِ ، أَتى أَمْرُ اللَّهِ ، اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ ، قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ ، سُورَةٌ أَنْزَلْناها ، تَنْزِيلُ الْكِتابِ ، الَّذِينَ
كَفَرُوا ، إِنَّا فَتَحْنا ، اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ، الرَّحْمنُ ، قَدْ سَمِعَ
اللَّهُ ، الْحَاقَّةُ ، سَأَلَ سائِلٌ ، إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً أقسم فى موضعين
،
(1/675)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 279
عَبَسَ ، إِنَّا أَنْزَلْناهُ ، لَمْ يَكُنِ ، الْقارِعَةُ ، أَلْهاكُمُ ، إِنَّا
أَعْطَيْناكَ.
فتلك ثلاث وعشرون سورة.
الخامس : القسم فى خمس عشرة سورة أقسم فيها بالملائكة ، وهى :
الصفات ، وسورتان بالأفلاك البروج ، والطارق ، وستّ سور بلوازمها :
فالنجم قسم بالثريا ، والفجر بمبدأ النهار ، والشمس بآية النهار ، والليل بشطر
الزمان ، والضحى بشطر النهار ، والعصر بالشطر الآخر أو بجملة الزمان ، وسورتان
بالهواء الذى هو أحد العناصر ، والذاريات ، والمرسلات ، وسورة بالتربة التى هى
منها أيضا وهى الطور ، وسورة بالنبات وهى والتين ، وسورة بالحيوان الناطق وهى
والنازعات ، وسورة بالبهيم وهى والعاديات.
السادس : الشرط فى سبع سور : الواقعة ، والمنافقون ، والتكوير ، والانفطار ،
والانشقاق ، والزلزلة ، والنصر.
السابع : الأمر فى ستّ سور : قُلْ أُوحِيَ ، اقْرَأْ ، قُلْ يا أَيُّهَا
الْكافِرُونَ ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، قُلْ أَعُوذُ المعوذتين.
الثامن : الاستفهام فى ست : هَلْ أَتى ، عَمَّ يَتَساءَلُونَ ، هَلْ أَتاكَ ،
أَلَمْ نَشْرَحْ ، أَلَمْ تَرَ ، أَرَأَيْتَ.
التاسع : الدعاء فى ثلاث : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ، وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ.
تَبَّتْ.
العاشر : التعليل فى : لِإِيلافِ قُرَيْشٍ.
و من البلاغة حسن الابتداء ، وهو أن يتأنق فى أول الكلام ، لأنه أول ما يقرع السمع
، فإن كان محرّرا أقبل السامع على الكلام ووعاه وإلا أعرض عنه ، ولو كان الباقى فى
نهاية الحسن فينبغى أن يؤتى فيه بأعذب لفظ وأجز له وأرقه وأسلسه وأحسنه نظما وسبكا
، وأصحه معنى ، وأوضحه وأحلاه من التعقيد والتقديم والتأخير الملبس ، أو الذى لا
يناسب.
وقد أتت فواتح السور على أحسن الوجوه وأبلغها وأكملها ، كالتحميدات ، وحروف الهجاء
والنداء ، وغير ذلك.
(1/676)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 280
و من الابتداء الحسن نوع أخص منه يسمى براعة الاستهلال ، وهو أن يشتمل أول الكلام
على ما يناسب الحال المتكلم فيه ، ويشير إلى ما سبق الكلام لأجله ، والعلم الأسنى
فى ذلك سورة الفاتحة التى هى مطلع القرآن ، فإنها مشتملة على جميع مقاصده.
(1/677)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 281
66 خواتم السور
هى أيضا مثل الفواتح فى الحسن ، لأنها آخر ما يقرع الأسماء. فلهذا جاءت متضمنة
للمعانى البديعة مع إيذان السامع بانتهاء الكلام ، حتى لا يبقى معه للنفوس تشوّف
إلى ما يذكر بعد ، لأنها بين أدعية ووصايا وفرائض ، وتحميد وتهليل ومواعظ ، ووعد
ووعيد إلى غير ذلك ، كتفصيل جملة المطلوب فى خاتمة الفاتحة ، إذ المطلوب الأعلى
الإيمان المحفوظ من المعاصى المسببة لغضب اللَّه والضلال ، ففصل جملة ذلك بقوله :
الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ والمراد المؤمنون ، ولذلك أطلق الإنعام ولم يقيده
ليتناول كل إنعام ، لأن من أنعم اللَّه عليه بنعمة الإيمان فقد أنعم اللَّه عليه
بكل نعمة مستتبعة لجميع النعم. ثم وصفهم بقوله :
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ يعنى أنهم جمعوا بين النعم
المطلقة ، وهى نعمة الإيمان ، وبين السلامة من غضب اللَّه تعالى والضلال المسببين
عن معاصيه وتعدّى حدوده.
وكالدعاء الذى اشتملت عليه الآيتان من آخر سورة البقرة.
و كالوصايا التى ختمت بها سورة آل عمران :
و الفرائض التى ختمت بها سورة النساء ، وحسن الختم بها لما فيها من أحكام الموت
الذى هو آخر أمر كل حىّ ، ولأنها آخر ما نزل من الأحكام.
وكالتبجيل والتعظيم الذى ختمت به المائدة.
وكالوعد والوعيد الذى ختمت به الأنعام.
وكالتحريض على العبادة بوصف حال الملائكة الذى ختمت بها الأعراف.
وكالحض على الجهاد ، وصلة الأرحام الذى ختم به الأنفال.
(1/678)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 282
و كوصف الرسول ومدحه والتهليل الذى ختمت به براءة.
وتسليته عليه الصلاة والسلام الذى ختم به يونس.
ومثلها خاتمة هود.
ووصف القرآن ومدحه الذى ختم به يوسف.
والوعيد والرد على من كذب الرسول الذى به ختم الرعد.
ومن أوضح ما آذن بالختام خاتمة إبراهيم : هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ الآية.
ومثلها خاتمة الأحقاف.
وكذا خاتمة الحجر بقوله : وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ وهو
مفسر بالموت فإنها فى غاية البراعة.
وانظر إلى سورة الزلزلة كيف بدئت بأهوال القيامة وختمت بقوله :
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ
ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
وانظر إلى براعة آخر آية نزلت وهى قوله : وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ
إِلَى اللَّهِ وما فيها من الإشعار بالآخرية المستلزمة للوفاة.
وكذا آخر سورة نزلت وهى سورة النصر فيها الإشعار بالوفاة.
وعن ابن عباس أن عمر سألهم عن قوله تعالى : إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ
فقالوا : فتح المدائن والقصور. قال : ما تقول يا ابن عباس؟ قال :
أجل ضرب لمحمد نعيت له نفسه.
و عنه أيضا قال : كان عمر يدخلنى مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وجد فى نفسه فقال :
ألم يدخل هذا معناه ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر : إنه من قد علمتم ، وثم دعاهم ذات
يوم فقال : ما تقولون فى قوله اللَّه : إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقال
بعضهم : أمرنا أن نحمد اللَّه ونستغفره إذا جاء نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم فلم
يقل شيئا ، فقال لى : أكذلك تقول يا ابن عباس؟
فقلت : لا. قال : فما تقول؟ قلت : هو أجل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعلمه
له قال :
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وذلك علامة أجلك : فَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً فقال عمر : إنى لا أعلم منها إلا
ما تقول.
(1/679)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 283
67 الآيات والسور
المناسبة فى اللغة : المشاكلة والمقاربة ، ومرجعها فى الآيات ونحوها إلى معنى رابط
بينها عام أو خاص ، عقلى أو حسى أو خيالى أو غير ذلك من أنواع العلاقات ، أو
التلازم الذهنى ، كالسبب والمسبب ، والعلة والمعلول ، والنظيرين والضدين ونحوه.
وفائدته جعل أجزاء الكلام بعضها آخذا بأعناق بعض ، فيقوى بذلك الارتباط ، ويصير
التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء.
وذكر الآية بعد الأخرى :
إما أن يكون ظاهر الارتباط لتعلق الكلم بعضه ببعض ، وعدم تمامه بالأولى فواضح ،
وكذلك إذا كانت الثانية للأولى على وجه التأكيد أو التفسير أو الاعتراض أو البدل ،
وهذا القسم لا كلام فيه.
وإما ألا يظهر الارتباط بل يظهر أن كل جملة مستقلة عن الأخرى ، وأنها خلال النوع
المبدوء به.
وإما أن تكون معطوفة على الأولى بحروف من حروف العطف المشركة فى الحكم أولا.
فإن كانت معطوفة فلا بد أن تكون بينهما جهة جامعة على ما سبق تقسيمه كقوله تعالى :
يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ
السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وقوله : وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ للتضادّ بين القبض والبسط ، والولوج ، والنزول ، والعروج ، وشبه
التضادّ بين السماء والأرض.
ومما الكلام فيه التضادّ ذكر الرحمة بعد ذكر العذاب ، والرغبة بعد الرهبة ، وقد
جرت عادة القرآن إذا ذكر أحكاما ذكر بعدها وعدا ووعيدا ليكون
(1/680)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 284
باعثا على العمل بما سبق ، ثم يذكر آيات توحيد وتنزيه ليعلم عظم الآمر والناهى.
وتأمل البقرة والنساء والمائدة تجده كذلك.
وإن لم تكن معطوفة فلا بد من دعامة تؤذن باتصال الكلام ، وهى قرائن معنوية تؤذن
بالربط.
وله أسباب :
أحدها : التنظير ، فإن إلحاق النظير بالنظير من شأن العقلاء كقوله : كَما
أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ عقب قوله : أُولئِكَ هُمُ
الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا فإنه تعالى أمر رسوله أن يمضى لأمره فى الغنائم على كره من
أصحابه ، كما مضى لأمره فى خروجه من بيته لطلب العير ، أو للقتال وهم له كارهون.
والقصد أن كراهتهم لما فعله من قسمة الغنائم ككراهتهم للخروج ، وقد تبين فى الخروج
الخير من الظفر والنصر والغنيمة وعزّ الإسلام.
فكذا يكون فيما فعله فى القسمة فليطيعوا ما أمروا به ويتركوا هوى أنفسهم.
الثانى : المضادة ، كقوله فى سورة البقرة : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ
عَلَيْهِمْ الآية ، فإن أول السورة كان حديثا عن القرآن ، وأن من شأنه الهداية.
للقوم الموصوفين بالإيمان ، فلما أكمل وصف المؤمنين عقب بحديث الكافرين ، فبينهما
جامع وهمى ، ويسمى بالتضادّ من هذا الوجه.
وحكمته : التشويق والثبوت على الأول كما قيل :
و بضدها تتبين الأشياء
فإن قيل : هذا جامع بعيد لأن كونه حديثا عن المؤمنين بالعرض لا بالذات ، والمقصود
بالذات الذى هو مساق الكلام إنما هو الحديث عن القرآن لأنه مفتتح القول.
قيل : لا يشترط فى الجامع ذلك ، بل يكفى التعلق على أىّ وجه كان ، ويكفى فى وجه
الربط ما ذكرنا ، لأن القصد تأكيد أمر القرآن والعمل به والحثّ على الإيمان.
(1/681)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 285
و لهذا لما فرغ من ذلك قال : وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى
عَبْدِنا فرجع إلى الأول.
الثالث : الاستطراد ، كقوله تعالى : يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ
لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ فهذه الآية
واردة على سبيل الاستطراد عقب ذكر بدوّ السوآت وخصف الورق عليهما إظهارا للمنة
فيما خلق من اللباس ، ولما فى العرى وكشف العورة من المهانة والفضيحة ، وإشعارا
بأن الستر باب عظيم من أبواب التقوى.
ومن الاستطراد قوله تعالى : نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً
لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
فإن أول الكلام ذكر للرّد على النصارى الزاعمين بنوة المسيح ، ثم استطرد للردّ على
العرب الزاعمين نبوّة الملائكة.
ويقرب من الاستطراد حتى لا يكاد ان يفترقان ، حسن التخلص ، وهو أن ينتقل مما
ابتدىء به الكلام إلى المقصود على وجه سهل يختلسه اختلاسا دقيق المعنى ، بحيث لا
يشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول إلا وقد وقع عليه الثانى لشدة الالتئام
بينهما.
وقيل : الفرق بين التخلص والاستطراد :
أنك فى التخلص تركت ما كنت فيه بالكلية وأقبلت على ما تخلصت إليه.
وفى الاستطراد تمرّ بذكر الأمر الذى استطردت إليه مرورا كالبرق الخاطف ، ثم تتركه
وتعود إلى ما كنت فيه كأنك لم تقصده ، وإنما عرض عروضا.
و يقرب من حسن التخلص : الانتقال من حديث إلى آخر ، تنشيطا للسامع مفصولا بهذا
كقوله فى سورة ص بعد ذكر الأنبياء : هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ
مَآبٍ فإن هذا القرآن نوع من الذكر. لما انتهى ذكر الأنبياء ، وهو نوع من التنزيل
، أراد أن يذكر نوعا آخر وهو ذكر الجنة وأهلها ، ثم لما فرغ قال : وَإِنَّ
لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ فذكر النار وأهلها.
ويقرب منه أيضا : حسن المطلب ، وهو أن يخرج إلى الغرض بعد تقدم الوسيلة كقوله :
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
(1/682)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 286
و مما اجتمع فيه حسن التخلص والمطلب معا قوله حكاية عن إبراهيم :
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ. الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ
يَهْدِينِ إلى قوله : رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.
والأمر الكلى المفيد لعرفان مناسبات الآيات فى جميع القرآن هو أنك تنظر الغرض الذى
سيقت له السورة ، وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات ، وتنظر إلى مراتب
تلك المقدمات فى القرب والبعد من المطلوب ، وتنظر عند انجرار الكلام فى المقدمات
إلى ما يستتبعه من استشراف نفس السامع إلى الأحكام واللوازم التابعة له التى تقتضى
البلاغة شفاء الغليل ، بدفع عناء الاستشراف إلى الوقوف عليها ، فهذا هو الأمر
الكلى المهيمن على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن ، فإذا عقلته تبين لك وجه
النظم مفصلا بين كل آية وآية فى كل سورة.
ولترتيب وضع السور فى المصحف أسباب تطلع على أنه توفيقى صادر عن حكيم :
أحدها : بحسب الحروف كما فى الحواميم.
الثانى : الموافقة أول السورة لآخر ما قبلها ، كآخر الحمد فى المعنى وأول البقرة.
الثالث : للتوازن فى اللفظ ، كآخر تبت وأول الإخلاص.
الرابع : لمشابهة جملة السورة لجملة الأخرى ، كالضحى وألم نشرح.
فسورة الفاتحة تضمنت الإقرار بالربوبية والالتجاء إليه فى دين الإسلام ، والصيانة
عن دين اليهوديد والنصرانية ، وسورة البقرة تضمنت قواعد الدين ، وآل عمران مكملة
لمقصودها. فالبقرة بمنزلة إقامة الدليل على الحكم ، وآل عمران بمنزلة الجواب عن
شبهات الخصوم ، ولهذا ورد فيها ذكر المتشابه لما تمسك به النصارى ، وأوجب الحج فى
آل عمران ، وأما فى البقرة فذكر أنه مشروع وأمر بإتمامه بعد الشروع فيه. وكان خطاب
النصارى فى آل عمران أكثر ، كما أن خطاب اليهود فى البقرة أكثر ، لأن التوراة أصل
والإنجيل فرع لها ، والنبىّ صلّى اللَّه عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة دعا
اليهود وجاهدهم ، وكان جهاده للنصارى فى آخر الأمر ، كما كان دعاؤه لأهل الشرك قبل
أهل الكتاب. ولهذا كانت السور المكية فيها الدين الذى اتفق عليه والأنبياء ، فخوطب
به جميع الناس.
(1/683)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 287
و السور المدنية فيها خطاب من أقرّ بالأنبياء من أهل الكتاب والمؤمنين فخوطبوا ب
أَهْلِ الْكِتابِ ، يا بَنِي إِسْرائِيلَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وأما سورة
النساء فتضمنت أحكام الأسباب التى بين الناس ، وهى نوعان :
مخلوقة للَّه ، ومقدورة لهم ، كالنسب والصهر ولهذا افتتحت بقوله :
اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها
زَوْجَها ثم قال :
وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ فانظر هذه المناسبة
العجيبة فى الافتتاح وبراعة الاستهلال ، حيث تضمنت الآية المفتتح بها ما أكثر
السورة فى أحكامه من نكاح النساء ومحرماته والمواريث المتعلقة بالأرحام ، فإن
ابتداء هذا الأمر كان بخلق آدم ، ثم خلق زوجته منه ، ثم بثّ منهما رجالا كثيرا
ونساء فى غاية الكثرة.
و أما المائدة فسورة العقود تضمنت بيان تمام الشرائع ، ومكملات الدين ، والوفاء
بعهود الرسل ، وما أخذ على الأمة ، وبها تم الدين ، فهى سورة التكميل ، لأن فيها
تحريم الصيد على المحرم الذى هو من تمام الإحرام ، وتحريم الخمر الذى هو من تمام
حفظ العقل والدين ، وعقوبه المعتدين من السراق والمحاربين الذى هو من تمام حفظ
الدماء والأموال ، وإحلال الطيبات الذى هو من تمام عبادة اللَّه تعالى ، ولهذا ذكر
فيها ما يختص شريعة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم كالوضوء والتيمم والحكم بالقرآن على
كل ذى دين ، ولهذا أكثر فيها من لفظ الإكمال والإتمام ، وذكر فيها أن من ارتدّ عوض
اللَّه بخير منه ، ولا يزال هذا الدين كاملا ، ولهذا أورد أنها آخر ما نزل فيها من
إشارات الختم والتمام.
وهذا الترتيب بين هذه السور الأربع المدنيات من أحسن الترتيب ، وحكى أن الصحابة
لما اجتمعوا على القرآن وضعوا سورة القدر عقب العلق ، استدلوا بذلك على أن المراد
بها الكناية فى قوله : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ الإشارة إلى
قوله : اقرأ.
ومن ذلك افتتاح السور بالحروف المقطعة ، واختصاص كل واحدة بما بدئت به ، حتى لم
يكن لترد آلم فى موضع الر ولا حم فى موضع طس.
وذلك أن كل سورة بدئت بحرف منها ، فإن أكثر كلماتها وحروفها مماثل له ، فحق لكل
سورة منه ألا يناسبها غير الواردة فيها ، فلو وضع ق
(1/684)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 288
موضع ن لعدم التناسب الواجب مراعاته فى كلام اللَّه ، وسورة ق بدئت به لما تكرر
فيها من الكلمات بلفظ القاف من ذكر القرآن والخلق ، وتكرير القول ومراجعته مرارا
والقرب من ابن آدم ، وتلقى الملكين ، وقول العتيد والرقيب ، والسائق ، والإلقاء فى
جهنم ، والتقدم بالوعد ، وذكر المتقين ، والقلب والقرون والتنقيب فى البلاد ،
وتشقق الأرض وحقوق الوعيد وغير ذلك.
و قد تكرر فى سورة يونس من الكلم الواقع فيها الر مائتا كلمة أو أكثر ، فلهذا
افتتحت ب الر.
واشتملت سورة ص على خصومات متعددة.
فأولها خصومة النبى صلّى اللَّه عليه وسلم مع الكفار وقولهم : أَجَعَلَ الْآلِهَةَ
إِلهاً واحِداً.
ثم اختصام الخصمين عند داود.
ثم تخاصم أهل النار.
ثم اختصام الملأ الأعلى.
ثم تخاصم إبليس فى شأن آدم ، ثم فى شأن بنيه وإغوائهم.
الم جمعت المخارج الثلاثة : الحلق واللسان والشفتين ، على ترتيبها ، وذلك إشارة
إلى البداية التى هى بدء الخلق ، والنهاية التى هى بدء الميعاد ، والوسط الذى هو
المعاش من التشريع بالأوامر والنواهى.
وكل سورة افتتحت بها فهى مشتملة على الأمور الثلاثة.
وسورة الأعراف زيد فيها (الصاد) على الم لما فيها من شرح القصص ، قصة آدم فمن بعده
من الأنبياء ، ولما فيها من ذكر : فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ ولهذا قال
بعضهم : معنى المص : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.
وزيد فى الرعد راء ، لأجل قوله رَفَعَ السَّماواتِ ولأجل ذكر الرعد والبرق
وغيرهما.
واعلم أن إعادة القرآن العظيم فى ذكر هذه الحروف أن يذكر بعدها
(1/685)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 289
ما يتعلق بالقرآن كقوله : الم ذلِكَ الْكِتابُ الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ ، المص. كِتابٌ
أُنْزِلَ إِلَيْكَ ، المر. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ طه. ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ
الْقُرْآنَ لِتَشْقى طسم. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ ، يس. وَالْقُرْآنِ ، ص
وَالْقُرْآنِ حم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ ق وَالْقُرْآنِ ، إلا ثلاث سور : العنكبوت ،
والروم ، ون ، ليس فيها ما يتعلق به.
( - 19 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/686)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 290
68 الآيات المشتبهات
و القصد به إيراد القصة الواحدة فى صور شتى وفواصل مختلفة.
بل تأتى فى موضع واحد مقدما وفى آخر مؤخرا كقوله فى البقرة :
وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ وفى الأعراف : وَقُولُوا حِطَّةٌ
وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً.
أو فى موضع بزيادة وفى آخر بدونها ففى يس وفى البقرة : وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ
وفى الأنفال : كُلُّهُ لِلَّهِ.
وفى موضع معرفا وفى آخر منكرا.
أو مفردا وفى آخر جمعا.
أو بحرف وفى آخر بحرف آخر.
أو مدغما وفى آخر مفكوكا.
وهذا النوع يتداخل مع نوع المناسبات وهذه أمثلة منه بتوجيهها :
قوله تعالى فى البقرة : هُدىً لِلْمُتَّقِينَ وفى لقمان : هُدىً وَرَحْمَةً
لِلْمُحْسِنِينَ لأنه لما ذكر هنا مجموع الإيمان ناسب المتقين ، ولما ذكر ثم
الرحمة ناسب المحسنين.
قوله تعالى : وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا وفى
الأعراف فَكُلا بالفاء ، قيل لأن السكنى فى البقرة الإقامة ، وفى الأعراف اتخاذ
المسكن ، فلما نسب القول إليه تعالى : وَقُلْنا يا آدَمُ ناسب زيادة الإكرام
بالواو الدالة على الجمع بين السكنى والأكل ، ولذا قال : مِنْها رَغَداً ، وقال :
حَيْثُ شِئْتُما لأنه أعم. وفى الأعراف : وَيا آدَمُ فأتى بالفاء الدالة على ترتيب
الأكل على السكنى المأمور باتخاذها ، لأن الأكل بعد الاتخاذ ومن حيث لا تعطى عموم
معنى. (حيث شئتى).
(1/687)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 291
قوله تعالى : وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً الآية. وقال
بعد ذلك : وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ ففيه تقديم العدل
وتأخيره ، والتعبير بقبول الشفاعة تارة وبالنفع أخرى. وذكر فى حكمته أن الضمير فى
مِنْها راجع فى الأولى إلى النفس الأولى ، وفى الثانية إلى النفس الثانية.
فبين فى الأولى أن النفس الشافعة الجازية عن غيرها لا يقبل منها شفاعة ولا يئخذ
منها عدل ، وقدمت الشفاعة لأن الشافع يقدم الشفاعة على بدل العدل عنها.
و بين فى الثانية أن النفس المطلوبة بجرمها لا يقبل منها عدل عن نفسها ، ولا
تنفعها شفاعة شافع منها ، وقدم العدل لأن الحاجة إلى الشفاعة إنما تكون عند رده
ولذلك قال فى الأولى : لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وفى الثانية : وَلا تَنْفَعُها
شَفاعَةٌ لأن الشفاعة إنما تقبل من الشافع وإنما تشفع المشفوع له.
قوله تعالى : وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ
الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ وفى إبراهيم : وَيُذَبِّحُونَ بالواو ، ولأن الأولى من
كلامه تعالى لهم فلم يعدد عليهم المحن تكرما فى الخطاب ، والثانية من كلام موسى
فعددها ، وفى الأعراف : يَقْتُلُونَ وهو من تنويع الألفاظ المسمى بالتفنن.
وقوله تعالى : وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ الآية ، وفى آية
الأعراف اختلاف ألفاظ ، ونكتته أن آية البقرة فى معرض ذكر المنعم عليهم حيث قال :
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ إلخ ، فناسب نسبة القول إلهى تعالى
وناسب قوله : (من غدا) لأن المنعم به أتم ، وناسب تقديم : وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً
وناسب خَطاياكُمْ لأنه جمع كثرة ، وناسب الواو فى : وَسَنَزِيدُ لدلالتها على
الجمع بينهما ، وناسب الفاء فى فَكُلُوا لأن الأكل مترتب على الدخول.
وآية الأعراف افتتحت بما فيه توبيخهم وهو قولهم : اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ
آلِهَةٌ ثم اتخاذهم العجل ، فناسب ذلك : وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ وناسب ترك رَغَداً
والسكنى تجامع الأكل فقال : وَكُلُوا وناسب تقديم ذكر مغفرة الخطايا ، وترك الواو
فى : سَنَزِيدُ ، ولما كان فى الاعراف تبعيض الهادين بقوله :
وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ ناسب تبعيض الظالمين بقوله :
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ولم يتقدم فى البقرة مثله فترك.
(1/688)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 292
و فى البقرة إشارة إلى سلامة غير الذين ظلموا لتصريحه بالإنزال على المتصفين
بالظلم ، والإرسال أشدّ وقعا من الإنزال ، فناسب سياق ذكر النعمة فى البقرة ذلك ،
وختم آية البقرة بيفسقون ، ولا يلزم منه الظلم ، والظلم يلزم منه الفسق فناسب كل
لفظة منها سياقه.
وكذا فى البقرة : فَانْفَجَرَتْ وفى الأعراف فَانْبَجَسَتْ لأن الانفجار أبلغ فى
كثرة الماء فناسب سياق ذكر النعم التعبير به.
قوله تعالى : وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً وفى
آل عمران :
مَعْدُوداتٍ ، لأن قائلى ذلك فرقتان من اليهود :
إحداهما قالت : إنما نعذب بالنار سبعة أيام عدد أيام الدنيا.
والأخرى قالت : إنما نعذب أربعين عدة أيام عبادة آبائهم العجل. فآية البقرة تحتمل
قصد الفرقة الثانية حيث عبر بجمع الكثرة ، وآل عمران بالفرقة الأولى حيث أتى بجمع
القلة. وقيل : إنه من باب التفنن.
قوله تعالى : إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وفى آل عمران : إِنَّ الْهُدى
هُدَى اللَّهِ لأن الهدى فى البقرة المراد به تحويل القبلة ، وفى آل عمران المراد
به الدين لتقدم قوله : لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ومعناه : أى دين اللَّه الإسلام.
وقوله تعالى : رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وفى إبراهيم : هَذَا الْبَلَدَ
آمِناً لأن الأول دعا قبل مصيره بلدا عند ترك هاجر وإسماعيل به ، وهو واد فدعا بأن
تصيره بلدا ، والثانى دعا به بعد عوده ، وسكنى جرهم به ومصيره بلدا فدعا بأمنه.
قوله تعالى : قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وفى آل عمران :
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا لأن الأولى خطاب للمسلمين ،
والثانية خطاب للنبى صلّى اللَّه عليه وسلم ، وإلى ، ينتهى بها من كل جهة ، وعلى ،
لا ينتهى بها إلا من جهة واحدة وهى العلوّ ، والقرآن يأتى المسلمين من كل جهة ،
يأتى مبلغه إياهم منها ، وإنما أتى النبى صلّى اللَّه عليه وسلم من جهة العلو خاصة
فناسب قوله علينا ، ولهذا أكثر ما جاء فى جهة النبى صلّى اللَّه عليه وسلم بعلى ،
وأكثر ما جاء فى جهة الأمة بإلى.
(1/689)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 293
قوله تعالى : تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها وقال بعد ذلك : فَلا
تَعْتَدُوها لأن الأولى وردت بعد نواه فناسب النهى عن قربانها ، والثانية بعد
أوامر فناسب النهى عن تعدّيها وتجاوزها بأن يوقف عندها.
قوله تعالى : نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ وقال : وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ
وَالْإِنْجِيلَ لأن الكتاب أنزل منجما فناسب الإتيان بنزول الدالّ على التكرير ،
بحلافهما فإنهما أنزلا دفعة.
قوله تعالى : وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ وفى الإسراء : خَشْيَةَ
إِمْلاقٍ لأن الأولى خطاب للفقراء المقلين ، أى لا تقتلوهم من فقر بكم فحسن :
نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ ما يزول به إملاقكم. ثم قال : وَإِيَّاهُمْ أى نرزقكم جميعا.
والثانية خطاب للأغنياء ، أى فقر يحصل لكم بسببهم ، ولذا حسن :
نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ.
قوله تعالى : فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وفى فصلت : إِنَّهُ
هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ لأن آية الأعراف نزلت أولا ، وآية فصلت نزلت ثانيا ،
فحسن التعريف ، أى هو السميع العليم الذى تقدم ذكره أولا عند نزوغ الشيطان.
قوله تعالى : الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وقال فى
المؤمنين : بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وفى الكفار وَالَّذِينَ كَفَرُوا
بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ لأن المنافقين ليسوا متناصرين على دين معين وشريعة
ظاهرة ، فكان بعضهم يهودا وبعضهم مشركين فقال : مِنْ بَعْضٍ أى فى الشك والنفاق ،
والمؤمنون متناصرون على دين الإسلام ، وكذلك الكفار المعلنون بالكفر كلهم أعوان
بعضهم ومجتمعون على التناصر بخلاف المنافقين ، كما قال تعالى : تَحْسَبُهُمْ
جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى.
(1/690)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 294
69 أمثال القرآن
عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال : «إن القرآن نزل على خمسة أوجه : حلال
، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال ، فاعملوا بالحلال واجتنبوا الحرام ، واتبعوا
المحكم ، وآمنوا بالمتشابه ، واعتبروا بالأمثال».
وقيل : من أعظم علم القرآن علم أمثاله.
وقد عدّه الشافعى مما يجب على المجتهد معرفته من علوم القرآن فقال : ثم معرفة ما
ضرب فيه من الأمثال الدوال على طاعته المبينة لاجتناب ناهيه.
وقال الشيخ عز الدين : إنما ضرب اللَّه الأمثال فى القرآن تذكيرا ووعظا ، فما
اشتمل منها على تفاوت ثوابا أو على إحباط عمل أو على مدح أو ذم أو نحوه فإنه يدل
على الأحكام.
وقيل : ضرب الأمثال فى القرآن يستفاد منه أمور كثيرة : التذكير ، والوعظ ، والحثّ
، والزجر ، والاعتبار ، والتقرير ، وتقريب المراد للعقل ، وتصويره بصورة المحسوس ،
فإن الأمثال تصوّر المعانى بصورة الأشخاص ، لأنها أثبت فى الأذهان لاستعانة الذهن
فيها بالحواس ، ومن ثم كان الغرض من المثل تشبيه الخفىّ بالجلى ، والغائب
بالمشاهد.
و تأتى أمثال القرآن مشتملة على بيان بتفاوت الأجر ، وعلى المدح والذم ، وعلى
الثواب والعقاب ، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره ، وعلى تحقيق أمر أو إبطاله ، قال
تعالى : وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ فامتنّ علينا بذلك لما تضمنه من الفوائد.
ومن حكمته تعليم البيان وهو من خصائص هذه الشريعة.
وقيل : التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعانى ، وإدناء المتوهم من الشاهد ، فإن كان
الممثل له عظيما كان الممثل به وإن كان حقيرا كان الممثل به كذلك.
(1/691)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 295
و لضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء النظائر شأن ليس بالخفىّ فى إبراز خفيات
الدقائق ، ورفع الأستار عن الحقائق ، تريك المتخيل فى سورة المتحقق ، والمتوهم فى
معرض المتيقن ، والغائب كأنه مشاهد.
وفى ضرب الأمثال تبكيت للخصم الشديد الخصومة ، وقمع لضرورة الجامع الأبى ، فإنه
يؤثر فى القلوب ما لا يؤثر وصف الشىء فى نفسه ، ولذلك أكثر اللَّه تعالى فى كتابه
وفى سائر كتبه الأمثال.
وأمثال القرآن قسمان :
ظاهر مصرح به.
وكامن لا ذكر للمثل فيه.
فمن أمثلة الأول قوله تعالى : مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ضرب
فيها للمنافقين مثلين : مثلا بالنار ، ومثلا بالمطر ، وعن ابن عباس قال : هذا مثل
ضربه اللَّه للمنافقين ، كانوا يعتزّون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم
ويقاسمونهم الفىء ، فلما ماتوا سلبهم اللَّه العزّ كما سلب صاحب النار ضوءه وتركهم
فى ظلمات ، ويقول فى عذاب : أَوْ كَصَيِّبٍ هو المطر ضرب مثله فى القرآن فِيهِ
ظُلُماتٌ يقول : ابتلاء وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ تخويف يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ
أَبْصارَهُمْ يقول : يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين كُلَّما أَضاءَ
لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ يقول : كلما أصاب المنافقون فى الإسلام عزّا اطمأنوا ، فإن
أصاب الإسلام نكبة قاموا فأبوا ليرجعوا إلى الكفر.
و منها قوله تعالى : أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها
الآية. فهذا مثل ضربه اللَّه احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها فَأَمَّا
الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وهو الشك وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ
فِي الْأَرْضِ وهو اليقين ، كما يجعل الحلى فى النار فيؤخذ خالصة ويترك خبثه فى
النار ، كذلك يقيل اللَّه اليقين ويترك الشك.
وقيل : هذا مثل ضربه اللَّه للمؤمن والكافر.
وقيل : هذه ثلاثة أمثال ضربها اللَّه فى مثل واحد ، يقول : كما اضمحل هذا الزبد
فصار جفاء لا يتنفع به ولا ترجى بركته كذلك يضمحل الباطل عن أهله ،
(1/692)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 296
و كما مكث هذا الماء فى الأرض فأمرعت وربت بركته وأخرجت نباتها ، وكذلك الذهب
والفضة حين أدخل النار فأذهب خبثه كذلك يبقى الحق لأهله ، وكما اضمحل خبث هذا
الذهب والفضة حين أدخل فى النار كذلك يضمحل الباطل عن أهله.
ومنها قوله تعالى : وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ الآية. فهذا مثل ضربه اللَّه للمؤمن ،
يقول : هو طيب وعمله طيب ، كما أن البلد الطيب ثمرها طيب.
والذى خبث ، صرب مثلا للكافر كالبلد السبخة المالحة ، والكافر هو الخبيث وعمله
خبيث.
ومنها قوله تعالى : أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ ، فعن ابن
عباس قال : قال عمر بن الخطاب يوما لأصحاب النبى صلّى اللَّه عليه وسلم : فيمن
ترون هذه الآية نزلت : أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ
نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ؟ قالوا : اللَّه أعلم ، فغضب عمر فقال : قولوا نعلم أو لا نعلم
، فقال ابن عباس : فى نفسى منها شىء ، فقال : يا ابن أخى ، قل ولا تحقر نفسك ، قال
ابن عباس : ضربت مثلا لعمل ، قال عمر : أىّ عمل ، قال ابن عباس : لرجل غنىّ عمل
بطاعة اللَّه ثم بعث اللَّه له الشيطان فعمل بالمعاصى حتى أغرق أعماله.
فقد قيل : إن الحسن بن الفضل سئل : هل تجد فى كتاب اللَّه : خير الأمور أوساطها؟
قال : نعم فى أربعة مواضع ، قوله تعالى : لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ
ذلِكَ وقوله تعالى : وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ
يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً وقوله تعالى : وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ
مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ وقوله تعالى : وَلا
تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا.
ثم قيل له : فهل تجد فى كتاب اللَّه : من جهل شيئا عاداه؟ قال : نعم فى موضعين :
بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ، وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ
هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ.
قيل له : فهل تجد فى كتاب اللَّه : احذر شرّ من أحسنت إليه؟ قال : نعم :
وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ.
قيل له : فهل تجد فى كتاب اللَّه : ليس الخبر كالعيان؟ قال : فى قوله تعالى :
أَ وَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.
(1/693)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 297
قيل له : فهل تجد : فى الحركات البركات؟ قال : فى قوله تعالى : وَمَنْ يُهاجِرْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً.
قيل له : فهل تجد : كما تدين تدان؟ قال : فى قوله تعالى : مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً
يُجْزَ بِهِ.
قيل له : فهل تجد فيه قولهم : حين تقلى تدرى؟ قال : وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ
يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا.
قيل له : فهل تجد فيه : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين؟ قال : هَلْ آمَنُكُمْ
عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ.
قيل له : فهل تجد فيه : من أعان ظالما سلط عليه؟ قال : كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ
مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ.
قيل له : فهل تجد فيه قولهم : لا تلد الحية إلا حيية؟ قال : قال تعالى :
وَ لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً.
وقيل له : فهل تجد فيه : للحيطان آذان؟ قال : وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ.
وقيل له : فهل تجد فيه : الجاهل مرزق والعالم محروم؟ قال : مَنْ كانَ فِي
الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا.
وقيل له : فهل تجد فيه : الحلال لا يأتيك إلا قوتا والحرام لا يأتيك إلا جزافا؟
قال : إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا
يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ.
(1/694)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 298
70 أقسام القرآن
القصد بالقسم : تحقيق الخبر وتوكيده ، حتى جعلوا مثل : وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ
الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ قسما ، وإن كان فيه إخبار بشهادة ، لأنه لما جاء
توكيدا للخبر سمى قسما.
وقد قيل : ما معنى القسم منه تعالى؟ فإنه إن كان لأجل المؤمن فالمؤمن مصدّق بمجرد
الإخبار من غيرهم قسم ، وإن كان لأجل الكافر فلا يفيده؟
و أجيب بأن القرآن نزل بلغة العرب ، ومن عادتها القسم إذا أرادت أن تؤكد أمرا.
وقيل : إن اللَّه ذكر القسم لكمال الحجة وتأكيدها ، وذلك أن الحكم يفصل باثنين :
إما بالشهادة ، وإما بالقسم ، فذكر تعالى فى كتابه النوعين حتى لا يبقى لهم حجة
فقال : شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا
الْعِلْمِ وقال : قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ.
ولا يكون القسم إلا باسم معظم ، وقد أقسم اللَّه تعالى بنفسه فى القرآن فى خمسة
مواضع بقوله : قُلْ إِي وَرَبِّي ، قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ، فَوَ
رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ، فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ
أَجْمَعِينَ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ، فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ
وَالْمَغارِبِ.
و الباقى كله قسم بمخلوقاته ، كقوله تعالى : وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ،
وَالصَّافَّاتِ ، وَالشَّمْسِ ، وَاللَّيْلِ ، وَالضُّحى فَلا أُقْسِمُ
بِالْخُنَّسِ.
فإن قيل : كيف أقسم بالخلق وقد ورد النهى عن القسم بغير اللَّه؟
أجيب عنه بأوجه :
(1/695)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 299
أحدها : أنه على حذف مضاف : أى ورب التين ، ورب الشمس ، وكذا الباقى.
الثانى : أن العرب كانت تعظيم هذه الأشياء وتقسم بها ، فنزل القرآن على ما
يعرفونه.
الثالث : أن الأقسام إنما تكون بما يعظمه المقسم أو يجله وهو فوقه ، واللَّه تعالى
ليس شىء فوقه ، فأقسم تارة بنفسه ، وتارة بمصنوعاته ، لأنها تدل على بارىء وصانع.
ثم إن القسم بالمصنوعات يستلزم القسم بالصانع ، لأن ذكر المفعول يستلزم ذكر الفاعل
، إذ يستحيل وجود مفعول بغير فاعل.
وقيل : إن اللَّه يقسم بما شاء من خلقه ، وليس لأحد أن يقسم إلا باللَّه.
وقيل : أقسم اللَّه تعالى بالنبى صلّى اللَّه عليه وسلم فى قوله لَعَمْرُكَ لتعرف
الناس عظمته عند اللَّه ومكانته لديه.
والقسم بالشىء لا يخرج عن وجهين : إما لفضيلة ، أو لمنفعة.
فالفضيلة كقوله : وَطُورِ سِينِينَ. وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ.
والمنفعة نحو : وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ.
ولقد أقسم اللَّه تعالى بثلاثة أشياء :
بذاته ، كالآيات السابقة.
وبفعله نحو : وَالسَّماءِ وَما بَناها. وَالْأَرْضِ وَما طَحاها. وَنَفْسٍ وَما
سَوَّاها.
وبمفعوله نحو : وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ، وَالطُّورِ. وَكِتابٍ مَسْطُورٍ.
والقسم ، إما ظاهر كالآيات السابقة.
وإما مضمر ، وهو قسمان :
قسم دلت عليه اللام نحو : لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ.
وقسم دل عليه المعنى نحو : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها وتقديره : واللَّه.
(1/696)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 300
و الألفاظ الجارية مجرى القسم ضربان :
أحدهما : ما تكون كغيرها من الأخبار التى ليست بقسم فلا تجاب بجوابه كقوله :
وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ فهذا ونحوه يجوز أن يكون قسما وأن يكون حالا لخلوّه من
الجواب.
والثانى : ما يتلقى بجواب القسم كقوله : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ، وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ
أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ
.
وأكثر الأقسام فى القرآن المحذوفة الفعل لا تكون إلا بالواو ، فإذا ذكرت الباء أتى
بالفعل كقوله وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ.
ولا تجد الباء مع حذف الفعل ، ومن ثم كان خطأ من جعل قسما باللَّه : إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ ، بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ
عَلِمْتَهُ وقال ابن القيم : واللَّه سبحانه وتعالى يقسم بأمور على أمور ، وإنما
يقسم بنفسه المقدسة الموصوفة بصفاته أو بآياته المستلزمه لذاته وصفاته ، وأقسامه
ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته.
فالقسم :
إما على جملة خبرية ، وهو الغالب كقوله : فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ
إِنَّهُ لَحَقٌّ.
وإما على جملة طلبية كقوله : فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا
كانُوا يَعْمَلُونَ.
مع أن هذا القسم قد يراد به تحقيق المقسم عليه فيكون من باب الخبر ، وقد يراد به
تحقيق القسم.
فالمقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه ، فلا بد أن يكون مما يحسن فيه ، وذلك
كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها.
فأما الأمور المشهورة الظاهرة كالشمس والقمر ، والليل والنهار ، والسماء والأرض ،
فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها.
وما أقسم عليه الربّ فهو من آياته ، فيجوز أن يكون مقسما به ولا ينعكس.
(1/697)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 301
و هو سبحان وتعالى يذكر جواب القسم تارة ، وهو الغالب ، ويحذفه أخرى ، كما يحذف
جواب لَوْ كثيرا للعلم به. والقسم لما كان يكثر فى الكلام ختصر فصار فعل القسم
يحذف ويكتفى بالباء ، ثم عوض من الباء كثيرا الواو فى الأسماء الظاهرة ، والتاء فى
اسم اللَّه تعالى كقوله : وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ.
ثم إنه سبحانه وتعالى يقسم على اصول الأيمان التى تجب على الخلق معرفتها.
فتارة يقسم على التوحيد.
وتارة يقسم على أن القرآن حق.
وتارة على أن الرسول حق.
وتارة على الجزاء والوعد والوعيد.
وتارة يقسم على حال الإنسان.
فالأول كقوله : وَالصَّافَّاتِ صَفًّا إلى قوله : إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ.
والثانى كقوله : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ
تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ.
والثالث كقوله : يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ.
والرابع كقوله : وَالذَّارِياتِ إلى قوله : إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ. وَإِنَّ
الدِّينَ لَواقِعٌ.
والخامس كقوله : وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى إلى قوله : إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى.
وأكثر ما يحذف الجواب إذا كان فى نفس المقسم به دلالة على المقسم عليه ، فإن
المقصود يحصل بذكره فيكون حذف المقسم عليه أبلغ وأوجز ، كقوله :
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ فإن فى المقسم به من تعظيم القرآن ، ووصفه بأنه ذو
الذكر المتضمن لتذكير العباد ، وما يحتاجون إليه ، والشرف والقدر ما يدل على
المقسم عليه ، وهو كونه حقّا من عند اللَّه غير مفترى كما يقول الكافرون ، ولهذا
قال كثيرون : إن تقدير الجواب : إن القرآن لحق.
(1/698)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 302
و هذا يطرد فى كل ما شابه ذلك كقوله : ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ وقوله :
لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ فإنه يتضمن إثبات المعاد. وقوله : وَالْفَجْرِ
الآيات ، فإنها أزمان تتضمن أفعالا معظمة من المناسك وشعائر الحج التى هى عبودية
محضة للَّه تعالى وذلّ وخضوع لعظمته ، وفى ذلك تعظيم ما جاء به محمد وإبراهيم
عليهما الصلاة والسلام.
ومن لطائف القسم الأول : وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى الآيات ، أقسم تعالى على
إنعامه على رسوله وإكرامه له ، وذلك متضمن لتصديقه له فهو قسم على صحة نبوّته ،
وعلى جزائه فى الآخرة ، فهو قسم على النبوّة والمعاد ، وأقسم بآيتين عظيمتين من
آياته ، وتأمل مطابقة هذا القسم وهو نور الضحى ، الذى يوافى بعد ظلام الليل ،
المقسم عليه ، وهو نور الوحى ، الذى وافاه بعد احتباسه عنه حتى قال أعداؤه : ودّع
محمدا ربه ، فأقسم بضوء النهار بعد ظلمة الليل على ضوء الوحى ونوره بعد ظلمة
احتباسه واحتجابه.
(1/699)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 303
71 جدل القرآن
قد اشتمل القرآن العظيم على جميع أنواع البراهين والأدلة ، وما من برهان ودلالة
وتقسيم وتحذير تبنى من كليات المعلومات العقلية والسمعية وإلا وكتاب اللَّه قد نطق
به ، لكن أورده على عادات العرب دون دقائق طرق المتكلمين لأمرين :
أحدهما : بسبب ما قاله : وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ
لِيُبَيِّنَ لَهُمْ.
والثانى : أن المائل إلى دقيق المحاجة هو العاجز عن إقامة الحجة بالجليل من الكلام
، فإن من استطاع أن يفهم بالأوضح الذى يفهمه الأكثرون لم ينحط إلى الأغمض الذى لا
يعرفه إلا الأقلون ولم يكن ملغزا ، فأخرج تعالى مخاطباته فى محاجة خلقه فى أجلى
صورة ، ليفهم العامة من جليها ، ما يقنعهم وتلزمهم الحجة وتفهم الخواص من أنبائها
ما يربى على ما أدركه فهم الخطباء.
و زعم بعضهم أن المذهب الكلامى لا يوجد منه شىء فى القرآن وهو مشحون به ، وتعريفه
أنه احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بحجة تقطع المعاند له فيه على طريقة أرباب
الكلام.
ومنه نوع منطقى تستنتج منه النتائج الصحيحة من المقدمات الصادقة.
فلقد ذكر أن من أول سورة الحج إلى قوله : وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي
الْقُبُورِ خمس نتائج تستنتج من عشر مقدمات :
قوله : ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ لأنه قد ثبت عندنا بالخبر المتواتر
أنه تعالى أخبر بزلزلة الساعة معظما لها ، وذلك مقطوع بصحته لأنه خبر أخبر به من
ثبت صدقه عمن ثبتت قدرته منقوله إلينا بالتواتر فهو حق ، ولا يخبر بالحق عما سيكون
إلا الحق فاللَّه هو الحق.
وأخبر تعالى أنه يحيى الموتى ، لأنه أخبر عن أهوال الساعة بما أخبر ، وحصول فائدة
هذا الخبر موقوتة على إحياء الموتى ليشاهدوا تلك الأحوال التى
(1/700)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 304
يقبلها اللَّه من أجلهم ، وقد ثبت أنه قادر على كل شىء ، ومن الأشياء إحياء الموتى
فهو يحيى الموتى.
وأخبر أنه على كل شىء قدير ، لأنه أخبر أنه من يتبع الشياطين ، ومن يجادل فيه بغير
علم يذقه عذاب السعير ، ولا يقدر على ذلك إلا من هو على كل شىء قدير ، فهو على كل
شىء قدير.
وأخبر أن الساعة آتية لا ريب فيها ، لأنه أخبر بالخبر الصادق أنه خلق الإنسان من
تراب إلى قوله : لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وضرب لذلك مثلا
بالأرض الهامدة التى ينزل عليها الماء فتهتزّ وتربو وتنبت من كل زوج بهيج ، ومن
خلق الإنسان على ما أخبر به فأوجده بالخلق ، ثم أعدمه بالموت ، ثم يعيده بالبعث ،
وأوجد الأرض بعد العدم فأحياها بالخلق ، ثم أماتها بالمحل ، ثم أحياها بالخصب.
و صدق خبره فى ذلك كله بدلالة الواقع المشاهد على المتوقع الغائب ، حتى انقلب الخبر
عيانا صدق خبره فى الإتيان بالساعة ، ولا يأتى بالساعة إلا من يبعث من فى القبور ،
لأنه عبارة عن مدة تقوم فيها الأموات للمجازاة فهى آتية لا ريب فيها ، وهو سبحانه
وتعالى يبعث من فى القبور.
واستدل سبحانه وتعالى على المعاد الجسمانى بضروب :
أحدها : قياس الإعادة على الابتداء كما قال تعالى : كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ.
ثانيها : قياس الإعادة على خلق السموات والأرض بطريق الأولى ، قال تعالى : أَوَ
لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ الآية.
ثالثها : قياس الإعادة على إحياء الأرض بعد موتها بالمطر والنبات.
رابعها : قياس الإعادة على إخراج النار من الشجر الأخضر.
خامسها : فى قوله تعالى : وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ
اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى . وتقريرها أن اختلاف المختلفين فى الحق لا يوجب انقلاب
الحق فى نفسه ، وإنما تختلف الطرق الموصلة إليه والحق فى نفسه واحد ، فلما ثبت أن
هاهنا حقيقة موجودة لا محالة ، وكان لا سبيل لنا فى حياتنا إلى الوقوف عليها
(1/701)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 305
وقوفا يوجب الائتلاف ويرفع عنا الاختلاف ، إذ كان الاختلاف مركوزا فى فطرنا ، وكان
لا يمكن ارتفاعه وزواله إلا بارتفاع هذه الحيلة ونقلها إلى صورة غيرها ، صح ضرورة
أن لنا حياة أخرى غير هذه الحياة فيها يرتفع الخلاف والعناد ، وهذه هى الحالة التى
وعد اللَّه بالمصير إليها فقال : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ.
فقد صار الخلاف الموجود كما ترى أوضح دليل على كون البعث الذى ينكره المنكرون.
و من ذلك الاستدلال على أن صانع العالم واحد بدلالة التمانع المشار إليها فى قوله
: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا لأنه لو كان للعالم صانعان
لكان لا يجرى تدبيرهما على نظام ولا يتسق على أحكام ، ولكان العجز يلحقهما أو
أحدهما ، وذلك لأنه لو أراد أحدهما إحياء جسم وأراد الآخر إماتته ، فإما أن تنفذ
إرادتهما فيتاقض لاستحالة تجزىء الفعل إن فرض الاتفاق ، أو لامتناع اجتماع الضدين
إن فرض الاختلاف. وإما ألا تنفذ إرادتهما فيؤدى إلى عجزهما أو لا تنفذ إرادة أحدهما
فيؤدى إلى عجزه ، والإله لا يكون عاجزا.
(م 20 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/702)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 306
72 ما وقع فى القرآن من الأسماء والكنى والألقاب
فى القرآن من أسماء الأنبياء والمرسلين خمس وعشرون هم مشاهيرهم :
[آدم ] أبو البشر ، ذكر قوم أنه أفعل ، وصف مشتق من الأدمة ولذا منع الصرف. وقيل :
أسماء الأنبياء كلها أعجمية إلا أربعة : آدم ، وصالح ، وشعيب ، ومحمد. وعن ابن
عباس قال : إنما سمى آدم لأنه خلق من أديم الأرض.
وقيل : هو اسم سريانى أصله آدام بوزن خاتام ، وعرّب بحذف الألف الثانية.
وقيل : التراب بالعبرانية ، آدام فسمى آدم به.
[نوح ] أعجمى معرّب ، ومعناه بالسريانية : الشاكر. وقيل : إنما سمى نوحا لكثرة
بكائه على نفسه ، واسمه : عبد الغفار. قال : والأكثرون إدريس.
وقيل : هو نوح بن ملك ، بفتح اللام وسكون الميم بعدها كاف - ابن متوشلخ - بفتح
الميم وتشديد المثناة المضمومة بعدها وفتح الشين المعجمة واللام بعدها معجمة - ابن
أخنوخ - بفتح المعجمة وضم النون الخفيفة بعدها واو ساكنة ثم معجمة ، وهو إدريس ،
فيما يقال.
و
عن أبى ذرّ قال : «قلت يا رسول اللَّه ، من أول الأنبياء؟ قال : آدم ، قلت : ثم
من؟ قال : نوح ، وبينهما عشرون قرنا».
وعن ابن عباس قال : كان بين آدم ونوح عشرة قرون.
و
عنه أيضا : «بعث اللَّه نوحا الأربعين سنة ، فلبث فى قومه ألف سنة إلا خمسين عاما
يدعوهم ، وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا».
وقيل : إن مولد نوح كان بعد وفاة آدم بمائة وستة وعشرين عاما.
ويقال : إنه أطول الأنبياء عمرا.
(1/703)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 307
[إدريس ] قيل : إنه قبل نوح. ويقال : كان إدريس أول بنى آدم أعطى النبوّة ، وهو
أخنوخ بن يرد بن مهلابيل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم.
وإدريس جدّ نوح الذى يقال له خنون ، وهو اسم سريانى ، وقيل : عربى مشتق من الدراسة
، لكثرة درسه الصحف ، وكان نبيا رسولا ، و
أنه أول من خط بالقلم.
وعن ابن عباس قال : كان فيما بين نوح وإدريس ألف سنة.
[إبراهيم ] اسم قديم ليس بعربىّ ، وقد تكلمت به العرب على وجوه أشهرها ، إبراهيم ،
وقالوا : إبراهام. وقرىء به فى السبع ، وإبراهيم بحذف الياء ، وإبراهيم ، وهو اسم
سريانى معناه أب رحيم ، وقيل مشتق من البرهمة ، وهى شدة النظر ، وهو ابن آزر ،
واسمه تارح ، بمثناة وراء مفتوحة وآخره حاء مهملة ، ابن ناحور - بنون مهملة مضمومة
- ابن شاروخ - بمعجمة وراء مضمومة وآخره خاء معجمة ، ابن راغوث ، بغين معجمة ، ابن
فالخ ، بفاء ولام مفتوحة ومعجمة ، ابن عامر ، بمهملة وموحدة ، ابن شالخ ، بمعجمتين
، ابن أرفخشذ بن سام بن نوح.
ويقال : ولد إبراهيم على رأس ألفى سنة من خلق آدم.
وفى المستدرك من طريق ابن المسيب عن أبي هريرة قال : اختتن إبراهيم بعد عشرين
ومائة سنة ، ومات ابن مائتى سنة
، ويقال إنه عاش مائة وخمسا وسبعين سنة.
[إسماعيل ] ويقال بالنون آخره. وهو أكبر ولد إبراهيم.
[إسحاق ] ولد بعد إسماعيل بأربع عشرة سنة ، وعاش مائة وثمانين سنة ، ومعنى إسحاق
بالعبرانية : الضحاك.
[يعقوب ] عاش مائة وسبعا وأربعين سنة.
[يوسف ] هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، و
يقال : إن يوسف ألقى فى الجبّ وهو ابن اثنتى عشرة سنة ، ولقى أباه بعد الثمانين
وتوفى وله.
مائة وعشرون.
وهو مرسل لقوله تعالى : لَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ.
وقيل : ليس هو يوسف بن يعقوب ، بل يوسف بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب ، وفى يوسف ست
لغات بتثليث السين مع الواو والهمزة ، والصواب أنه عجمىّ لا اشتقاق له.
(1/704)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 308
[لوط] هو لوط بن هاران بن آزر.
وقيل : اسمه عابر بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، وقيل : الراجح فى نسبه أنه هود بن عبد
اللَّه بن رباح بن حاوز بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح.
[صالح ] هو ابن عبيد بن حاير بن ثمود بن حاير بن سام بن نوح ، بعث إلى قومه حين
راهق الحلم ، فلبث فيهم أربعين عاما.
وقيل : صالح من العرب ، لما أهلك اللَّه عادا عمرت ثمود بعدها ، فبعث اللَّه إليهم
صالحا غلاما شابا فدعاهم إلى اللَّه حين شمط وكبر.
ويقال : هو صالح بن عبيد بن أسيد بن ماشج بن عبيد بن حاذر بن ثمود ابن عاد بن عوض
بن إرم بن سام بن نوح بعثة اللَّه إلى قومه وهو شاب. وكانوا عربا منازلهم بين
الحجاز والشام ، فأقام فيهم عشرين سنة ومات بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
[شعيب ] قال هو اين ميكاييل بن يشجن بن لاوى بن يعقوب ، كان يقال له خطيب الأنبياء
، وبعث رسولا إلى أمتين : مدين ، وأصحاب الأيكة ، وكان كثير الصلاة وعمى فى آخره ،
و
يقال : ما بعث اللَّه نبيّا مرتين إلا شعيبا :
مرة إلى مدين فأخذهم اللَّه بالصيحة ، ومرة إلى أصحاب الأيكة فأخذهم اللَّه بعذاب
يوم الظلة.
ويزعم بعضهم أنه بعث إلى ثلاث أمم ، والثالثة أصحاب الرس.
[موسى ] هو ابن عمران ين يصهر بن فاهث بن لاوى ين يعقوب عليهما السلام ، لا خلاف
فى نسبه ، وهو اسم سريانى.
وعن ابن عباس قال : إنما سمى موسى لأنه ألقى بين شجر وماء ، فالماء بالقبطية مو ،
والشجر سا.
[هارون ] أخو موسى شقيقه ، وقيل : لأمه فقط ، وقيل لأبيه فقط ، حكاهما الكرمانى فى
عجائبه ، كان فصيحا جدا. مات قبل موسى وكان ولد قبله بسنة. ومعنى هارون بالعبرانية
: المحبب.
[داود] هو ابن إيشا - بكسر الهمزة وسكون التحتية وبالشين المعجمة - ابن عوبد -
بوزن جعفر بمهملة وموحدة - ابن باعر - بموحدة
(1/705)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 309
و مهملة مفتوحة - ابن سلمون بن يخشون بن عمى بن يارب ، بتحتية وآخره موحدة - اين
رام بن حضرون - بمهملة ثم معجمة - ابن فارص - بفاء وآخره مهملة - ابن يهوذا بن
يعقوب.
وكان أعبد البشر ، وجمع له النبوة والملك. وقال النووى : عاش مائة سنة مدّة ملكه
منها أربعون سنة ، وكان له اثنا عشر ابنا.
[سليمان ] ولده ، كان خاشعا متواضعا ، وكان أبوه يشاوره فى كثير من أموره مع صغر
سنه لوفور عقله وعلمه.
وعن ابن عباس قال : ملك الأرض مؤمنان : سليمان ، وذو القرنين ، وكافران. نمروذ ،
وبخت نصر ، ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وابتدأ بناء بيت المقدس بعد ملكه بأربع
سنين ، ومات وله ثلاث وخمسون سنة.
[أيوب ] من بنى إسرائيل ، هو أيوب بن موص بن روح بن عيص ين إسحاق.
وحكى أن أمه بنت لوط ، وأبوه ممن آمن بإبراهيم ، وعلى هذا فكان قبل موسى. وقيل :
كان بعد شعيب. وقيل : كان بعد سليمان.
ابتلى وهو ابن سبعين ، وكانت مدة بلائه ، سبع سنين. وقيل : ثلاث عشرة ، وقيل :
ثلاث سنين ، ومدة عمره كانت ثلاثا وتسعين سنة.
[ذو الكفل ] ويقال : هو ابن أيوب.
و
يقال : إن اللَّه بعث بعد أيوب ابنه بشر بن أيوب نبيا ، وسماه ذا الكفل ، وأمره
بالدعاء إلى توحيده ، وكان مقيما بالشام عمره حتى مات وعمره خمس وسبعون سنة. وقيل
: هو إلياس.
وقيل : هو يوشع بن نون.
وقيل : هو نبى اسمه ذو الكفل.
وقيل : كان رجلا صالحا تكفل بأمور فوفى بها.
وقيل : هو زكريا فى قوله : وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا.
و قيل : هو نبىّ تكفل اللَّه له فى عمله بضعف عمل غيره من الأنبياء.
(1/706)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 310
و
قيل : لم يكن نبيا ، وأن اليسع استخلفه فتكفل له أن يصوم النهار ويقوم الليل. وقيل
: أن يصلى كل يوم مائة ركعة.
وقيل هو إليسع وأن له اسمين.
[يونس ] هو ابن متى ، بفتح الميم وتشديد التاء الفوقية مقصور ، و
يقال : إنه كان فى زمن ملوك الطوائف من الفرس وأنه لبث فى بطن الحوت أربعين يوما ،
وقيل : سبعة أيام ، وقيل : ثلاثة.
وقيل : التقمه ضحى ولفظه عشية.
وفى يونس ست لغات : تثليث النون مع الواو والهمزة ، والقراءة المشهورة بضم النون
مع الواو.
[إلياس ] هو ابن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون - أخى موسى - ابن عمران. وقيل
: إنه من سبط يوشع. وعمر كما عمر الخضر. ويقال :
إن إلياس هو إدريس.
وإلياس بهمزة قطع اسم عبرانى ، وقد زيد فى آخره ياء ونون فى قوله تعالى : سَلامٌ
عَلى إِلْ ياسِينَ كما قالوا فى إدريس : إدراسين.
[إليسع ] هو ابن أخطوب بن العجوز. والعامة تقرؤه بلام مخففة. وقرأ بعضهم : والليسع
، بلامين وبالتشديد ، فعلى هذا هو عجمى ، وكذا على الأولى.
وقيل : عربى منقول من الفعل من وسع يسع.
[زكريا] كان من ذرية سليمان بن داود ، وقتل بعد قتل ولده ، وكان له يوم بشر بولده
اثنتان وتسعون سنة.
وقيل : تسع وتسعون.
وقيل : مائة وعشرون.
وزكريا ، اسم أعجمىّ.
وفيه خمس لغات : أشهرها المد ، والثانية القصر ، وقرىء بهما فى السبع ، وزكريا ،
بتشديد الراء وتخفيفها ، وزكر : كقلم.
[يحيى ] ولده ، أول من سمى يحيى بنص القرآن ، ولد قبل عيسى بستة أشهر ، ونبىء
صغيرا ، وقتل ظلما ، وسلط اللَّه على قاتليه بخت نصر وجيوشه.
(1/707)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 311
و يحيى ، اسم عجمىّ ، وقيل : عربى.
وعلى القولين لا ينصرف.
وعلى الثانى إنما سمى به لأنه أحياه اللَّه بالإيمان.
وقيل : لأنه حيى به رحم أمه.
وقيل : لأنه استشهد والشهداء أحياء.
و قيل : معناه يموت ، كالمفازة للمهلكة ، والسليم للديغ.
[عيسى ] ابن مريم بنت عمران ، خلقه اللَّه بلا أب ، ورفع وله ثلاث وثلاثون سنة.
وعيسى اسم عبرانى أو سريانى.
ولم يكن من الأنبياء من له اسمان : إلا عيسى ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم. محمد
صلّى اللَّه عليه وسلم سمى فى القرآن بأسماء كثيرة منها محمد وأحمد.
فائدة : وثمة خسة سموا قبل أن يكونوا.
محمد : وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ.
ويحيى : إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى .
وعيسى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ.
وإسحاق ويعقوب. فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ.
وفيه من أسماء الملائكة ، جبريل ، وميكائيل ، وفيهما لغات :
جبريل - بكسر الجيم والراء بلا همز.
وجبريل ، بفتح الجيم وكسر الراء بلا همز.
وجبرائيل ، بهمزة بعد الألف.
وجبراييل بياءين بلا همز.
وجبرئيل ، بهمز وياء بلا ألف.
وجبرئل ، مشدودة اللام ، وقرىء بها.
وأصله كوريال فغير بالتعريب وطول الاستعمال إلى ما ترى.
وقرىء : ميكاييل بلا همز ، وميكئل ، ومكال.
(1/708)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 312
و عن ابن عباس قال : جبريل ، عبد اللَّه ، وميكائل عبيد اللَّه ، وكل اسم فيه إيل
فهو عبد اللَّه. وقيل : إيل : اللَّه ، بالعبرانية.
وقيل : اسم جبريل فى الملائكة ، خادم اللَّه.
وفيه من أسماء البلاد والبقاع والأمكنة والجبال :
بكة : اسم لمكة ، فقيل الباء بدل من الميم.
وقيل : مكة الحرم ، وبكة المسجد خاصة.
وقيل : مكة البلد ، وبكة البيت ، وموضع الطواف. وقيل : البيت خاصة.
والمدينة : سميت فى الأحزاب بيثرب حكاية عن المنافقين ، وكان اسمها فى الجاهلية ،
فقيل : لأنه اسم أرض فى ناحيتها.
وقيل : سميت بيثرب بن وائل ، من بنى إرم بن سام بن نوح ، لأنه أول من نزلها.
و بدر : وهى قرية قرب المدينة ، كانت بدر لرجل من جهينة يسمى بدرا فسميت به ، وبدر
ما بين مكة والمدينة.
وأحد.
وحنين : وهى قرية قرب الطائف.
وجمع : وهى مزدلفة.
والمشعر الحرام : وهو جبل بها.
ونقع : قيل : هو اسم لما بين عرفات إلى مزدلفة.
ومصر.
وبابل : وهى بلد بسواد العرق.
والأيكة وليكة بفتح اللام : بلد قوم شعيب ، والثانى اسم البلدة والأول اسم الكورة.
والحجر : منازل ثمود ناحية الشام عند وادى القرى.
(1/709)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 313
و الأحقاف : وهى جبال الرمل بين عمان وحضر موت ، وقيل : إنها جبل بالشام.
وطور سيناء : وهو الجبل الذى نودى منه موسى.
والجودىّ : وهو جبل بالجزيرة.
وطوى : اسم الوادى.
والكهف : وهو البيت المنقور فى الجبل.
والرقيم : القرية التى خرجوا منها. وقيل : الرقيم واد ، وقيل : الرقيم واد بين
عقبان وأيلة دون فلسطين. وقيل : الرقيم اسم الوادى الذى فيه الكهف.
والعرم : اسم الوادى. وحرد : اسم القرية.
والصريم : أرض باليمن تسمى بذلك.
وق : جبل محيط بالأرض.
والجرز : هو اسم أرض.
والطاغية : اسم البقعة التى أهلكت بها ثمود.
وفيه من أسماء الأماكن الأخروية.
الفردوس : وهو أعلى مكان فى الجنة.
وعليون : قيل : أعلى مكان فى الجنة.
والكوثر : نهر فى الجنة.
وسلسبيل وتسنيم : عينان فى الجنة.
وسجين : اسم لمكان أرواح الكفار.
وصعود : جبل فى جهنم.
وغى وآثام وموبق والسعر وويل وسائل وسحق : أودية فى جهنم.
وعن ابن مسعود فى قوله : فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا قال : واد فى جهنم.
وأخرج الترمذى وغيره من حديث أبى سعيد الخدرى عن رسوله اللَّه ، صلّى اللَّه عليه
وسلم ، قال ، واد فى جهنم.
(1/710)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 314
و فيه من المنسوب إلى الأماكن :
الأمى : قيل إنه نسبة إلى أمّ القرى.
وعبقرى : قيل إنه منسوب إلى عبقر ، موضع للجن ينسب إليه كل نادر.
والسامرى : قيل منسوب إلى أرض يقال لها سامرون ، وقيل : سامرة.
و العربى : قيل منسوب إلى عربة ، وهى باحة دار إسماعيل عليه السلام.
وفيه من أسماء الكواكب : الشمس ، والقمر ، والطارق ، والشعرى.
وأما الكتى ، فليس فى القرآن منها : غير أبى لهب ، واسمه عبد العزى.
وأما الألقاب فمنها : إسرائيل ، لقب يعقوب ، ومعناه عبد اللَّه.
وقيل : صفوة اللَّه.
وقيل : سرىّ اللَّه ، لأنه أسرى لما هاجر.
وفيه لغات أشهرها بياء بعد الهمزة ولام.
وقرىء : إسراييل بلا همزة.
ومنها : المسيح لقب عيسى ، ومعناه : الصديق.
وقيل : الذى ليس لرجله أخمص.
وقيل : الذى لا يمسح ذا عاهة إلا برىء.
وقيل : الجميل.
وقيل : الذى يمسح الأرض ، أى يقطعها.
ومنها : إلياس ، قيل إنه لقب إدريس.
وإلياس : هو إدريس ، وإسرائيل هو يعقوب.
ومنها : ذو الكفل.
قيل : إنه لقب إلياس.
وقيل : لقب اليسع.
وقيل : لقب يوشع.
(1/711)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 315
و قيل : لقب زكريا.
ومنها : نوح اسمه عبد الغفار ، ولقبه نوح لكثرة نوحه على نفسه فى طاعة ربه.
ومنها : ذو القرنين ، واسمه اسكندر.
وقيل : عبد اللَّه بن الضحاك بن سعد.
وقيل : المنذر بن ماء السماء.
وقيل : الصعب بن قرين بن الهمال ، ولقب ذا القرنين لأنه بلغ قرنى الأرض المشرق
والمغرب.
وقيل : لأنه ملك فارس والروم.
وقيل : كان على رأسه قرنان ، أى ذؤابتان.
وقيل : كان له قرنان من ذهب.
وقيل : كانت صفحتا رأسه من نحاس.
وقيل : كان على رأسه قرنان صغيران تواريهما العمامة.
وقيل : إنه ضرب على قرنه فمات ثم بعثه اللَّه ، فضربوه على قرنه الآخر.
وقيل : لأنه كان كريم الطرفين.
وقيل : لأنه انقرض فى وقته قرنان من الناس وهو حىّ.
وقيل : لأنه أعطى علم الظاهر وعلم الباطن.
وقيل : لأنه دخل النور والظلمة.
ومنها : فرعون ، واسمه الوليد بن مصعب ، وكنيته أبو العباس.
وقيل : أبو الوليد.
وقيل : أبو مرة.
وقيل : إن فرعون لقب لكل من ملك مصر.
ومنها : تبع ، قيل : كان اسمه أسعد بن ملكى كرب ، وسمى تبعا لكثرة من تبعه.
و قيل : إنه لقب ملوك اليمن ، سمى كل واحد منهم تبعا ، أى يتبع صاحبه ، كالخليفة
يخلف غيره.
(1/712)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 316
73 المبهمات
للإبهام فى القرآن أسباب :
أحدها : الاستغناء ببيانه فى موضع آخر كقوله : صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ
عَلَيْهِمْ فإنه مبين فى قوله : مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ
النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ.
الثانى : أن يتعين لاشتهاره كقوله : وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ
الْجَنَّةَ ولم يقل حواء لأنه ليس له غيرها.
الثالث : قصد الستر عليه ليكون أبلغ من استعطافه نحو : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا الآية ، هو الأخنس بن شريق ، وقد
أسلم بعد وحسن إسلامه.
الرابع : ألا يكون فى تعيينه كبير فائدة نحو : أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى
قَرْيَةٍ.
الخامس : التنبيه على العموم ، وأنه غير خاص ، بخلاف ما لو عين نحو :
وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً.
السادس : تعظيمه بالوصف الكامل دون الاسم نحو : وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ
.
(1/713)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 317
الباب الرابع إعجاز القرآن
(1/714)
الموسوعة القرآنية ، ج 2 ، ص : 318
(1/715)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 319
1 إعجاز القرآن
المعجزة : أمر خارق للعادة ، مقرون بالتحدى ، سالم عن المعارضة.
وهى : إما حسيّة أو عقلية.
وأكثر معجزات من سبق من الأنبياء حسية ، ومعجزة هذه الأمة عقلية ، ولأن هذه شريعة
لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة خصت بالمعجزة العقلية الباقية ،
ليراها ذوو البصائر ، كما
قال صلّى اللَّه عليه وسلم «ما من الأنبياء نبىّ إلا أعطى ما مثله آمن عليه البشر
، وإنما كان الذى أوتيته وحيا أوحاه اللَّه إلىّ ، فأرجو أن أكون اكثرهم تابعا».
قيل : إن معناه : إن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم ، فلم يشاهدها إلا من
حضرها ، ومعجزة القران مستمرة إلى يوم القيامة ، وخرقه العادة فى أسلوبه وبلاغته
وإخباره بالمغيبات ، فلا يمرّ عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شىء مما أخبر به أنه
سيكون ، يدل على صحة دعواه.
وقيل : المعنى : أن المعجزات النواضحة الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار ، كناقة
صالح ، وعصا موسى ، ومعجزات القرآن تشاهد بالبصيرة ، فيكون من يتبعه لأجلها أكثر ،
لأن الذى يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده ، والذى يشاهد بعين العقل باق
يشاهد كل من جاء بعد الأول مستمرّا.
ولا خلاف بين العقلاء أن كتاب اللَّه تعالى معجز لم يقدر أحد على معارضته بعد
تحديثهم بذلك ، قال تعالى : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ
فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ فلو لا أن سماعه حجة عليه لم يقف أمره
على سماعه ، ولا يكون حجة إلا وهو معجزة. وقال تعالى : وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ
عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما
أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ
الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ فأخبره أن الكتاب آيات من آياته كاف فى الدلالة قائم
مقام معجزات غيره ، وآيات من سواه من الأنبياء.
(1/716)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 320
و لما جاء به النبىّ صلّى اللَّه عليه وسلم إليهم ، وكانوا أفصح الفصحاء ومصاقع
الخطباء ، وتحدّاهم على أن يأتوا بمثله ، وأمهلهم طول السنين فلم يقدروا ، كما قال
تعالى :
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ.
ثم تحدّاهم بعشر سور منه فى قوله تعالى : أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا
بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ
اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا
أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ.
ثم تحدّاهم بسورة فى قوله : أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ
مِثْلِهِ الآية.
ثم كرر فى قوله : وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا
فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ الآية.
فلما عجزوا عن معارضته والإتيان بسورة تشبهه على كثرة الخطباء فيهم والبلغاء نادى
عليهم بإظهار العجز وإعجاز القرآن فقال : قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ
وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ
وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً فهذا ، وهم الفصحاء اللدّ ، وقد كانوا
أحرص شىء على إطفاء نوره وإخفاء أمره ، فلو كان فى مقدرتهم معارضته لعدلوا إليها
قطعا للحجة ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه حدّث نفسه بشىء من ذلك ولارامه ، بل عدلوا
إلى العناد تارة وإلى الاستهزاء أخرى ، فتارة قالوا : سحر ، وتارة قالوا : شعر ،
وتارة قالوا :
أساطير الأولين ، كل ذلك من التحير والانقطاع.
ثم رضوا بتحكيم السيف فى أعناقهم ، وسبى ذراريهم وحرمهم ، واستباحة أموالهم ، وقد
كانوا آنف شىء وأشده حمية ، فلو علموا أن الإتيان بمثله فى قدرتهم لبادروا إليه ،
لأنه كان أهون عليهم.
و
عن ابن عباس قال : جاء الوليد بن المغيرة إلى النبىّ صلّى اللَّه عليه وسلم فقرأ
عليه القرآن فكأنه رقّ له فبلغ أبا جهل فأتاه فقال : يا عم ، إن قومك يريدون أن
يجمعوا لك ما لا ليعطو كه لئلا تأتى محمد لتعرض لما قاله ، قال : قد علمت قريش أنى
من أكثرها مالا ، قال : فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك كاره له ، قال : وماذا أقول؟
(1/717)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 321
فو اللَّه ما فيكم رجل أعلم بالشعر منى ، ولا برجزه ، ولا بقصيده ، ولا بأشعار
الجن ، واللَّه ما يشبه الذى تقول شيئا من هذا ، وو اللَّه إن لقوله الذى يقول
حلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه لمثمر أعلاه ، مغدق أسفله ، وإنه ليعلو ولا يعلى
عليه ، وإنه ليحطم ما تحته ، قال : لا يرضى عنك قومك حتى تقول ففيه ، قال : فدعنى
حتى أفكر ، فلما فكر قال : هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره.
و لقد بعث اللَّه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم أكثر ما كانت العرب شاعرا وخطيبا ،
وأحكم ما كانت لغة ، وأشدّ ما كانت عدة ، فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد اللَّه ،
وتصديق رسالته ، فدعاهم بالحجة ، فلما قطع العذر وأزال الشبهة وصار الذى يمنعهم من
الإقرار الهوى والحمية دون الجهل والحيرة ، حملهم على حظهم بالسيف ، فنصب لهم
الحرب ونصبوا له ، وقتل عليتهم وأعلامهم وأعمامهم وبنى أعمامهم ، وهو فى ذلك يحتج
عليهم بالقرآن ، ويدعوهم صباحا ومساء إلى أن يعارضوه إن كان كاذبا بسورة واحدة ،
أو بآيات يسيرة ، فكلما ازداد تحديّا لهم بها ، وتقريعا لعجزهم عنها ، تكشف عن
نقصهم ما كان مستورا ، وظهر منه ما كان خفيّا ، فحين لم يجدوا حيلة ولا حجة قالوا
له : أنت تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف ، فلذلك يمكنك ما لا يمكننا ، قال :
فهاتوها مفتريات ، فلم يرم ذلك خطيب ، ولا طمع فيه شاعر ، ولا طبع فيه لتكلفه ،
ولو تكلفه لظهر ذلك ، ولو ظهر لوجد من يستجيده ويحامى عليه ، ويكابر فيه ، ويزعم
أنه قد عارض وقابل وناقض ، فدل ذلك العاقل على عجز القوم مع كثرة كلامهم ، واستحالة
لغتهم ، وسهولة ذلك عليهم ، وكثرة شعرائهم ، وكثرة من هجاه منهم ، وعارض شعراء
أصحابه وخطباء أمته ، لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كانت أنقض لقوله ، وأفسد لأمره ،
وأبلغ فى تكذيبه ، وأسرع فى تفريق أتباعه ، من بذل النفوس ، والخروج من الأوطان ،
وإنفاق الأموال ، وهذا من جليل التدبر الذى لا يخفى على من هو دون قريش ، والعرب
فى الرأى والعقل بطبقات ، ولهم القصيد العجيب ، والرجز الفاخر ، والخطب الطوال
البليغة والقاصر الموجزة ، ولهم الأسجاع والمزدوج واللفظ المنثور ، ثم يتحدى به
أقصاهم بعد أن أظهر عجز أدناهم ، فمحال أن يجتمع هؤلاء كلهم على الغلط فى الامر
الظاهر ، والخطا (م 21 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/718)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 322
المكشوف البين ، مع التقريع بالنقص ، والتوقيف على العجز ، وهم أشدّ الخلق أنفة
وأكثرهم مفاخرة ، والكلام سيد عملهم ، وقد احتاجوا إليه ، والحاجة تبعث على الحيلة
فى الأمر الغامض ، فكيف بالظاهر الجليل المنفعة ، وكما أنه محال أن يطيقونه ثلاثا
وعشرين سنة على الغلط فى الأمر الجليل المنفعة ، فكذلك محال أن يتركوه وهم يعرفونه
ويجدون السبيل إليه وهم يبذلون أكثر منه.
ولما ثبت كون القرآن معجزة نبينا ، صلّى اللَّه عليه وسلم ، وجب الاهتمام بمعرفة
وجه الإعجاز ، وقد خاض الناس فى ذلك كثيرا ، فبين محسن ومسىء.
فزعم قوم أن التحدىّ وقع بالكلام القديم الذى هو صفة الذات ، وأن العرب كلفت فى
ذلك ما لا يطاق وبه وقع عجزها ، وهو مردود لأن ما لا يمكن الوقوف عليه لا يتصورّ
التحدى به.
والصواب ما قاله الجمهور أنه وقع بالدالّ على القديم وهو الألفاظ ، وقد زعم بعضهم
أن إعجازه بالصرفة ، أى إن اللَّه صرف العرب عن معارضته ، وسلب عقولهم ، وكان
مقدورا لهم ، لكن عاقهم أمر خارجى فصار كسائر المعجزات.
وهذا قول فاسد بدليل : قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ الآية ، فإنه
يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم ، ولو سلبوا القدرة لم تبق فائدة لاجتماعهم لمنزلته
منزلة اجتماع الموتى ، وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره.
هذا مع أن الإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن ، فكيف يكون معجزا وليس فيه
صفة إعجاز؟ بل المعجز هو اللَّه تعالى حيث سلبهم القدرة على الإتيان بمثله.
وأيضا فيلزم من القول بالصرفة زوال الإعجاز بزوال زمان التحدّى ، وخلوّ القرآن من
الإعجاز ، وفى ذلك خرق لإجماع الأمة أن معجزة الرسول العظمى باقية ، ولا معجزة له
باقية سوى القرآن.
ومما يبطل القول بالصرفة أيضا أنه لو كانت المعارضة ممكنة ، وإنما منع منها
(1/719)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 323
الصرفة لم يكن الكلام معجزا ، وإنما يكون بالمنع معجزا فى يتضمن الكلام فضيلة على
غيره فى نفسه.
وليس هذا بأعجب من قول فريق منهم إن الكل قادرون على الإتيان بمثله ، وإنما تأخروا
عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلموه لوصلوا إليه به.
ولا بأعجب من قول آخرين : إن العجز وقع منهم ، وأما من بعدهم ففى قدرته الإتيان
بمثله.
وكل هذا لا يعتدّ به.
وقال قوم : وجه إعجازه ما فيه من الإخبار عن الغيوب المستقبلة ، ولم يكن ذلك من
شأن العرب.
وقال آخرون : ما تضمنه من الإخبار عن قصص الأولين ، وسائر المتقدمين ، حكاية من
شاهدها وحضرها.
وقال آخرون : ما تضمنه من الإخبار عن الضمائر من غير أن يظهر ذلك بقول أو فعل
كقوله : إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا ، وَيَقُولُونَ فِي
أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ.
وقيل : وجه إعجازه ما فيه من النظم والتأليف والترصيف ، وأنه خارج عن جميع وجوه
النظم المعتاد فى كلام العرب ، ومباين لأساليب خطاباتهم. ولهذا لم يمكنهم معارضته.
ولا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من أصناف البديع التى أودعوها فى الشعر ، لأنه
ليس مما يخرق العادة ، بل يمكن استدراكه بالعلم والتدريب والتصنع به كقوله الشعر ،
ووصف الخطب ، وصناعة الرسالة ، والحذق فى البلاغة ، وله طريق تسلك ، فأما شأو ونظم
القرآن فليس له مثال يحتذى ، ولا إمام يقتدى به ، ولا يصح وقوع مثله اتفاقا.
ونحن نعتقد أن الإعجاز فى بعض القرآن أظهر وفى بعضه أدقّ وأغمض.
وقيل : وجه الإعجاز الفصاحة وغرابة الأسلوب ، والسلامة من جميع العيوب.
(1/720)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 324
و قيل : وجه الإعجاز راجع إلى التأليف الخاص به لا مطلق التأليف ، بأن اعتدلت
مفرداته تركيبا وزنة ، وعلة مركباته معنى بأن يوقع كل فن فى مرتبته العليا فى
اللفظ والمعنى.
و قيل : الصحيح والذى عليه الجمهور والحذّاق فى وجه إعجازه ، أنه بنظمه وصحة
معانيه ، وتوالى فصاحة ألفاظه ، وذلك أن اللَّه أحاط بكل شىء علما ، وأحاط بالكلام
كله ، فإذا ترتيب اللفظة من القرآن علم بإحاطته أى لفظة تصلح أن تلى الأولى وتبين
المعنى بعد المعنى ، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره ، والبشر يعمهم الجهل
والنسيان والذهول. ومعلوم ضرورة أن أحدا من البشر لا يحيط بذلك ، فبهذا جاء نظم
القرآن فى الغاية القصوى من الفصاحة ، وبهذا يبطل قول من قال : إن العرب كان فى
قدرتها الإتيات بمثله فصرفوا عن ذلك. والصحيح أنه لم يكن فى قدرة أحد قط ، ولهذا
ترى البليغ ينقح القصيدة أو الخطبة حولا ، ثم ينظر فيها فيغير فيها وهلم جرّا ،
وكتاب اللَّه تعالى لو نزعت منه لفظة ، ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم
يوجد ، ونحن يتبين لنا البراعة فى أكثر ويخفى علينا وجهها فى مواضع لقصورنا عن
مرتبة العرب يومئذ فى سلامة الذوق وجودة القريحة ، وقامت الحجة على العالم بالعرب
إذا كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة ، كما قامت الحجة فى معجزة موسى بالسحرة ،
وفى معجزة عيسى بالأطباء ، فإن اللَّه إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير
أبدع ما يكون فى زمن النبى الذى أراد إظهاره ، فكان السحر قد انتهى فى مدة موسى
إلى غايته ، وكذلك الطب فى زمن عيسى ، والفصاحة فى زمن محمد صلّى اللَّه عليه
وسلم.
وقيل : وجه الإعجاز فى القرآن من حيث استمرت الفصاحة والبلاغة فيه من جميع أنحائها
فى جميعه استمرارا لا يوجد له فترة ، ولا يقدر عليه أحد من البشر ، وكلام العرب
ومن تكلم بلغتهم لا تستمر الفصاحة والبلاغة فى جميع أنحائها فى العالى منه إلا فى
الشىء اليسير المعدود ، ثم تعرض الفترات الإنسانية فينقطع طيب الكلام ورونقه ، فلا
تستمر لذلك الفصاحة فى جميعه ، بل توجد فى تفاريق وأجزاء منه.
و قيل : الجهة المعجزة فى القرآن تعرف بالتفكير فى علم البيان ، وهو كما اختاره
جماعة فى تعريفه : ما يحترز به عن الخطأ فى تأدية المعنى وعن تعقيده ،
(1/721)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 325
و يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه لمقتضى الحال ، لأن جهة إعجازه ليس
مفردات ألفاظه ، وإلا لكانت قبل نزوله معجزة ، ولا مجرد تأليفها ، وإلا لكان كل
تأليف معجزا ، ولا إعرابها وإلا لكان كل كلام معرب معجزا ، ولا مجرد أسلوبه وإلا
لكان الابتداء بأسلوب الشعر معجزا. والأسلوب : الطريق ، ولكان هذيان مسيلمة معجزا
، ولأن الإعجاز يوجد دونه ، أى الأسلوب فى نحو : فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ
خَلَصُوا نَجِيًّا ، فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ ولا بالصرف عن معارضتهم لأن تعجبهم
كان من فصاحته ، ولأن مسيلمة وابن المقفع والمعرى وغيرهم قد تعاطوها فلم يأتوا إلا
بما تمجه الأسماع وتنفر منه الطباع ، ويضحك منه فى أحوال تركيبه ، وبها ، أى بتلك
الأحوال ، أعجز البلغاء وأخرص الفصحاء ، فعلى إعجازه دليل إجمالى ، وهو أن العرب
عجزت عنه وهو بلسانها فغيرها أحرى ، ودليل تفصيلى مقدمته التفكر فى خواصّ تركيبه ،
ونتيجته العلم بأنه تنزيل من المحيط بكل شىء علما.
وقيل : إن إعجاز القرآن ذكر من وجهين :
أحدهما إعجاز متعلق بنفسه.
والثانى بصرف الناس عن معارضته.
فالأول إما أن يتعلق بفصاحته وبلاغته أو بمعناه.
أما الإعجاز المتعلق بفصاحته وبلاغته فلا يتعلق بعنصره الذى هو اللفظ والمعنى ،
فإن ألفاظه ألفاظهم ، قال تعالى : قُرْآناً عَرَبِيًّا ، بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ ولا
بمعانيه فإن كثيرا منها موجود فى الكتب المتقدمة ، قال تعالى : وَإِنَّهُ لَفِي
زُبُرِ الْأَوَّلِينَ.
وما هو فى القرآن من المعارف الإلهية وبيان المبدأ والمعاد والإخبار بالغيب.
فإعجازه ليس براجع إلى القرآن من حيث هو قرآن ، بل لكونها حاصلة من غير سبق تعليم
وتعلم ، ويكون الإخبار بالغيب إخبارا بالغيب سواء كان بهذا النظم أو بغيره ، مؤدىّ
بالعربية أو بلغة أخرى بعبارة أو إشارة ، فإذن النظم المخصوص صورة القرآن ، واللفظ
والمعنى عنصره ، وباختلاف الصور يختلف حكم الشىء واسمه لا بعنصره ، كالخاتم والقرط
والسوار ، فإنه باختلاف صورها
(1/722)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 326
اختلفت أسماؤها لا بعنصرها الذى هو الذهب والفضة والحديد. فإن الخاتم المتخذ من
الفضة ومن الذهب ومن الحديد يسمى خاتما وإن كان العنصر مختلفا. وإن اتخذ خاتم وقرط
وسوار من ذهب اختلفت أسماؤها باختلاف صورها وإن كان العنصر واحدا.
فظهر من هذا أن الإعجاز المختص بالقرآن يتعلق بالنظم المخصوص ، وبيان كون النظم
معجزا يتوقف على بيان نظم الكلام ، ثم بيان أن هذا النظم مخالف لنظم ما عداه.
ومراتب تأليف الكلام خمس :
الأولى : ضم الحروف المبسوطة بعضها إلى بعض لتحصل الكلمات الثلاث :
الاسم والفعل والحرف.
والثانية : تأليف هذه الكلمات بعضها إلى بعض لتحصل الجمل المفيدة ، وهو النوع الذى
يتداوله الناس جميعا فى مخاطباتهم وقضاء حوائجهم ، ويقال له المنثور من الكلام.
والثالثة : يضم بعض ذلك إلى بعض ضما له مباد ومقاطع ومداخل ومخارج ، ويقال له
المنظوم.
والرابعة : أن يعتبر فى أواخر الكلام مع ذلك تسجيع ، ويقال له المسجع.
والخامسة : أن يجعل مع ذلك وزن ، ويقال له : الشعر والمنظوم ، إما محاورة ويقال له
الخطابة ، وإما مكاتبة ويقال له الرسالة.
فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام ، ولكل من ذلك نظم مخصوص.
والقرآن جامع لمحاسن الجميع على نظم غير نظم شىء منها يدل على ذلك ، لأنه لا يصح
أن يقال له رسالة أو خطابة أو شعر ، أو سجع ، كما يصح أن يقال هو كلام ، والبليغ
إذا قرع سمعه فصل بينه وبين ما عداه من النظم ، ولهذا قال تعالى :
وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا
مِنْ خَلْفِهِ تنبيها على أن تأليفه ليس على هيئة نظم يتعاطاه البشر فيمكن أن يغير
بالزيادة والنقصان كحالة الكتب الآخر.
(1/723)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 327
و أما الإعجاز المتعلق بصرف الناس عن معارضته فظاهر أيضا إذا اعتبر ، وذلك أنه ما
من صناعة محمودة كانت أو مذمومة إلا وبينها وبين قوم مناسبات واتفاقات جميلة ،
بدليل أن الواحد يؤثر حرفة من الحرف فينشرح صدره بملابستها وتطيعه قواه فى
مباشرتها ، فيقبلها بانشراح صدره ويزاولها باتساع قلبه ، فلما دعا اللَّه أهل
البلاغة والخطابة الذين يهيمون فى كل واد من المعانى بسلاطة لسانهم إلى معارضة
القرآن وعجزهم عن الإتيان بمثله ، ولم يتصدّوا لمعارضته ، لم يخف على أولى الألباب
أن صارفا إليها صرفهم عن ذلك ، وأىّ إعجاز أعظم من أن يكون كافة البلغاء عجزت فى
الظاهر عن معارضته مصروفة فى الباطن عنها.
وإعجاز القرآن يدرك ولا يمكن وصفه ، كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها ،
وكالملاحة كما يدرك طيب النغم العارض لهذا الصوت ولا يدرك تحصيله لغير ذوى الفطرة
السليمة إلا بإتقان علمى المعانى والبيان والتمرين فيهما.
ولقد سئل بندار الفارسى عن موضع الإعجاز من القرآن فقال : هذه مسألة فيها حيف على
المعنى ، وذلك أنه شبيه بقولك : ما موضع الإنسان من الإنسان؟ فليس للإنسان موضع من
الإنسان ، بل متى أشرت إلى جملته فقد حققته ودللت على ذاته ، كذلك القرآن لشرفه لا
يشار إلى شىء منه إلا وكان ذلك المعنى آية فى نفسه ومعجزة لمحاوله وهدى لقائله ،
وليس فى طاقة البشر الإحاطة بأغراض اللَّه فى كلامه وأسراره فى كتابه ، فلذلك حارت
العقول وتاهت البصائر عنده. وذهب الأكثرون من علماء النظر إلى وجه الإعجاز فيه من
جهة البلاغة ، لكن صعب عليهم تفصيلها وصغوا فيه إلى حكم الذوق.
و التحقيق أن أجناس الكلام مختلفة ومراتبها فى درجات البيان متفاوتة.
وفمنها : التبليغ الرصين الجزل.
ومنها : الفصيح القريب السهل.
ومنها : الجائز المنطلق الرسل. وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود.
فالأول أعلاها ، والثانى أوسطها ، والثالث أدناها وأقربها.
فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة ، وأخذت
(1/724)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 328
من كل نوع شعبة ، فانتظم لها بانتظام هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتى الفخامة
والعذوبة ، وهما على الانفراد فى نعومتهما كالمتضادين ، لأن العذوبة نتاج السهولة
، والجزالة والمتانة يعالجان نوعا من الذعورة ، فكان اجتماع الأمرين فى نظمه مع
نبوّ كل واحد منهما على الآخر فضيلة خص بها القرآن ليكون آيه بينة لنبيه صلّى
اللَّه عليه وسلم.
وإنما تعذر عن البشر الإتيان بمثله لأمور :
منها : أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها التى هى ظروف المعانى
، ولا تدرك أفهامهم جميع معانى الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ ، ولا تكمل
معرفتهم باستيفاء جميع وجوه النظوم التى بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض ،
فيتواصلوا باختيار الأفضل من الأحسن من وجوهها إلى أن يأتوا بكلام مثله ، وإنما
يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة : لفظ حاصل ، ومعنى به قائم ، ورباط لهما ناظم.
وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه فى غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئا من
الألفاظ ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه ، ولا ترى نظما أحسن تأليفا وأشدّ تلاوة
وتشاكلا من نظمه.
وأما معانيه فكل ذى لبّ يشهد له بالتقدم فى أبوابه ، والترقى إلى أعلى درجاته ،
وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على الفرّق فى أنواع الكلام : فأما أن توجد مجموعة فى
نوع واحد منه ، فلم توجد إلا فى كلام العليم القدير.
نخرج من هذا أن القرآن إنما صار معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ فى أحسن نظوم التألف
مضمنا أصح المعانى من توحيد اللَّه تعالى ، وتنزيهه فى صفاته ، ودعائه إلى طاعته ،
وبيان لطريق عبادته ، من تحليل وتحريم وحظر وإباحة ، ومن وعظ وتقويم وأمر بمعروف
ونهى عن منكر ، وإرشاد إلى محاسن الأخلاق ، وزجر عن مساويها ، واضعا كل شىء منها
موضعه الذى لا يرى شىء أولى منه ولا يتوهم فى صورة العقل أمر أليق به منه ، مودعا
أخبار القرون الماضية ، وما نزل من مثلات اللَّه بمن مضى ، وعائد منهم منبئا عن
الكوائن المستقبلة فى الأعصار الآتية من الزمان ، جامعا فى ذلك بين الحجة والمحتج
له والدليل والمدلول عليه ، ليكون ذلك آكد للزوم ما دعا عليه وأداء عن وجوب ما أمر
به ونهى عنه.
(1/725)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 329
و معلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتنسق أمر يعجز
عنه قوى البشر ، ولا تبلغه قدرتهم ، فانقطع الخلق دونه ، وعجزوا عن معارضته بمثله
أو مناقضته فى شكله.
ثم صار المعاندون له يقولون مرة : إنه شعر لما رأوه منظوما او مرة إنه سحر لما رأوه
معجوزا عنه غير مقدور عليه ، وقد كانوا يجدون له وقعا فى القلوب ، وقلاعا فى
النفوس يرهبهم ويحيرهم ، فلم يتمالكوا ان يعترفوا به نوعا من الاعتراف ولذلك قالوا
: إن له لحلاوة ، وإن عليه لطوة ، وكانوا مرة بجهلهم يقولون : أَساطِيرُ
الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ، مع علمهم
أن صاحبهم أمىّ وليس بحضرته من يملى أو يكتب فى نحو ذلك من الأمور التى أوجبها
العناد والجهل والعجز.
و ثمة فى إعجاز القرآن وجه ذهب عنه الناس ، وهو صنيعه فى القلوب وتأثيره فى النفوس
، فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا إذا قرع السمع خلص له إلى
القلب من اللذة والحلاوة فى حال ذوى الروعة والمهابة فى حال آخر ما يخلص منه إليه
، قال تعالى : لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً
مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، وقال اللَّه : نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ
كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ
رَبَّهُمْ.
وقد اختلف أهل العلم فى وجه إعجاز القرآن ، فذكروا فى ذلك وجوها كثيرة كلها حكمة
وصوابا ، وما بلغوا فى وجوه إعجازه جزءا واحدا من عشر معشاره.
فقال قوم : هو الإيجاز مع البلاغة.
وقال آخرون : هو البيان والفصاحة.
وقال آخرون : هو الوصف والنظم.
وقال آخرون : هو كونه خارجا عن جنس كلام العرب من النظم والنثر والخطب والشعر مع
كونه حروفه فى كلامهم ومعانيه فى خطابهم وألفاظه من جنس كلماتهم ، وهو بذاته قبيل
غير قبيل كلامهم وجنس آخر متميز عن أجناس خطابهم ، حتى إن من اقتصر على معانيه
وغير حروفه أذهب رونقه ، ومن اقتصر على حروفه وغير معانيه أبطل فائدته ، فكان فى
ذلك أبلغ دلالة على إعجازه.
(1/726)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 330
و قال آخرون : هو كون قارئه لا يكلّ وسامعه لا يمل ، وإن تكررت عليه تلاوته.
وقال آخرون : هو ما فيه من الإخبار عن الأمور الماضية.
وقال آخرون : هو ما فيه من علم الغيب والحكم على الأمور بالقطع.
وقال آخرون : هو كونه جامعا لعلوم يطول شرحها ويشقّ حصرها.
وأهل التحقيق على أن الإعجاز وقع بجميع ما سبق من الأقوال لا بكل واحد على انفراده
، فإنه جمع ذلك كله فلا معنى لنسبته إلى واحد منها بمفرده مع اشتماله على الجميع ،
بل غير ذلك مما لم يسبق.
فمنها : الروعة التى له فى قلوب السامعين وأسماعهم سواء المقرّ والجاحد.
و منها : أنه لم يزل ولا يزال غضاّ طريّا فى أسماع السامعين وعلى ألسنة القارئين.
ومنها : جمعه بين صفتى الجزالة والعذوبة ، وهما كالمتضادين لا يجتمعان غالبا فى
كلام البشر.
ومنها : جعله آخر الكتب غنيّا عن غيره ، وجعل غيره من الكتب المتقدمة قد تحتاج إلى
بيان يرجع فيه إليه كما قال تعالى : إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي
إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. وقيل : وجوه إعجاز القرآن
تظهر من جهات ترك المعارضة مع توفر الدواعى وشدة الحاجة والتحدى للكافة والصرفة
والبلاغة والإخبار عن الأمور المستقبلة ونقض العادة وقياسه بكل معجزة.
ونقض العادة هو أن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة :
منها : الشعر.
ومنها : السجع.
ومنها : الخطب.
ومنها : الرسائل.
(1/727)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 331
و منها : المنثور الذى يدور بين الناس فى الحديث.
فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة فى الحسن تفوق به كل طريقة ،
ويفوق الموزون الذى هو أحسن الكلام.
وأما قياسه بكل معجزة فإنه يظهر إعجازه من هذه الجهة إذا كان سبيل فلق البحر وقلب
العصا حية ، وما جرى هذا المجرى فى ذلك سبيلا واحدا فى الإعجاز ، إذ خرج عن العادة
فصدّ الخلق عن المعارضة.
والقرآن منطو على وجوه من الإعجاز كثيرة ، وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها فى أربعة
وجوه :
أولها : حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ، ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادة
العرب الذين هم فرسان الكلام وأرباب هذا الشأن.
والثانى : صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب.
ومنها : نظمها ونثرها الذى جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته ، وانتهت إليه فواصل
كلماته ، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له.
و كل واحد من هذين النوعين الإيجاز والبلاغة بذاتها ، والأسلوب الغريب بذاته نوع
إعجاز على التحقيق لم تقدر العرب على الإتيان بواحد منهما ، إذ كل واحد خارج عن
قدرتها مباين لفصاحتها وكلامها ، خلافا لمن زعم أن الإعجاز فى مجموع البلاغة
والأسلوب.
الوجه الثالث : ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات وما لم يكن ، فوجد كما ورد.
الرابع : ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع الدائرة مما
كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذّ من أخبار أهل الكتاب الذى قطع عمره فى
تعلم ذلك ، فيورده صلّى اللَّه عليه وسلم على وجهه ويأتى به على نصه ، وهو أمّى لا
يقرأ ولا يكتب.
(1/728)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 332
فهذه الوجوه الأربعة من إعجازه بينة لا نزاع فيها.
ومن الوجوه فى إعجازه غير ذلك ، أى وردت بتعجيز قوم فى قضايا وإعلامهم أنهم لا
يفعلونها فما فعلوا ولا قدروا على ذلك كقوله لليهود : فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً فما تمناه أحد منهم ، وهذا
الوجه داخل فى الوجه الثالث.
ومنها : الروعة التى تلحق قلوب سامعيه عند سماعهم ، والهيبة التى تعتريهم عند
تلاوته ، و
قد أسلم جماعة عند سماع آياته منه كما وقع لجبير بن مطعم أنه سمع النبى صلّى
اللَّه عليه وسلم يقرأ فى المغرب بالطور ، فلما بلغ هذه الآية : أَمْ خُلِقُوا
مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ إلى قوله : الْمُصَيْطِرُونَ كاد قلبه
أن يطير.
وذلك أول ما وقر الإسلام فى قلبه.
وقد مات جماعة عند سماع آيات منه.
ومن وجوه إعجازه كونه آية باقية لا يعدم ما بقيت الدنيا مع ما تكفل اللّه بحفظه.
و منها : أن قارئه لا يمله وسامعه لا يمجه ، بل الإكباب على تلاوته يزيده حلاوة
وترديده يوجب له محبة ، وغيره من الكلام يعادى إذا أعيد ويملّ مع الترديد ، ولهذا
وصف صلّى اللَّه عليه وسلم القرآن بأنه لا يخلق على كثرة الردّ.
ومنها : جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب ولا أحاط بعلمها أحد فى كلمات
قليلة وأحرف معدودة.
(1/729)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 333
2 القرآن معجزة
القرآن الذى هو متلوّ محفوظ مرسوم فى المصاحف هو الذى جاء به النبى صلّى اللَّه
عليه وسلم ، وأنه هو الذى تلاه على من فى عصره ثلاثا وعشرين سنة ، والطريق إلى
معرفة ذلك هو النقل المتواتر الذى يقع عنده العلم الضرورى به ، وذلك أنه قام به فى
الموقف ، وكتب به إلى البلاد ، وتحمله عنه إليها من تابعه ، وأورده على غيره من لم
يتابعه ، حتى ظهر فيهم الظهور الذى لا يشتبه على أحد ، ولا يحتمل أنه قد خرج من
أتى بقرآن يتلوه ويأخذه على غيره ، ويأخذه غيره على الناس ، حتى انتشر ذلك فى أرض
العرب كلها ، وتعدىّ إلى الملوك المعاقبة ، كملك الروم والعجم القبط والحبش وغيرهم
من ملوك الأطراف.
ولما ورد ذلك مضاداّ لأديان أهل ذلك العصر كلهم ، ومخالفا لوجوه اعتقاداتهم
المختلفة فى الكفر ، وقف جميع أهل الخلاف على جملته ، ووقف أهل دينه الذين أكرمهم
اللَّه بالإيمان على جملته وتفاصيله ، وتظاهر بينهم حتى حفظه الرجال ، وتنقلت به
الرحال ، وتعلمه الكبير والصغير ، إذ كان عمدة دينهم وعلما عليه ، والمفروض تلاوته
فى صلواتهم ، والواجب استعماله فى أحكامهم.
ثم تناقله خلف عن سلف ، ثم مثلهم فى كثرتهم ، وتوفر دواعيهم عى نقله حتى انتهى
إلينا ما وصفناه من حاله.
فلن يتشكك أحد ، ولا يجوز أن يتشكك مع وجود هذه الأسباب فى أنه أتى بهذا القرآن من
عند اللَّه ، فهذا أصل.
و إذا ثبت هذا الأصل وجودا ، ولقد تحداهم إلى أن يأتوا بمثله ، وقرعهم على ترك
الإتيان به طول السنين التى وصفناها فلم يأتوا بذلك ، والذى يدل على هذا الأصل أنا
قد علمنا أن ذلك مذكور فى القرآن فى المواضع الكثيرة ، كقوله :
وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ
مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي
وَقُودُهَا النَّاسُ
(1/730)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 334
وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ
و كقوله : أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ
مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ. فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ
اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
فجعل عجزهم عن الإتيان بمثله دليلا على أنه منه ، ودليلا على وحدانيته.
وذلك يدل على بطلان قول من زعم أنه لا يمكن أن يعلم بالقرآن الوحدانية ، وزعم أن
ذلك مما لا سبيل إليه إلا من جهة العقل ، لأن القرآن كلام اللَّه عز وجل ، ولا يصح
أن يعلم الكلام حتى يعلم المتكلم أولا ، وإذا ثبت بما تبين إعجازه ، وأن الخلق لا
يقدرون عليه ، ثبت أن الذى أتى به غيرهم ، وأنه إنما يختص بالقدرة عليه من يختص
بالقدرة عليهم وأنه صدق ، وإذا كان كذلك كان ما يتضمنه صدقا.
ومن ذلك قوله عز وجل : قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ
يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً وقوله أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا
يُؤْمِنُونَ. فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ.
فقد ثبت بما تبين أنه تحدّاهم إليه ولم يأتوا بمثله.
وفى هذا أمران :
أحدهما التحدّى إليه.
والآخر أنه لم يأتوا له بمثل.
والذى يدل على ذلك النقل المتواتر الذى يقع به العلم الضرورى ، فلا يمكن جحود واحد
من هذين الأمرين.
وإن قال قائل : لعله لم يقرأ عليهم الآيات التى فيها ذكر التحدى ، وإنما قرأ عليهم
ما سوى ذلك من القرآن.
كان كذلك قولا باطلا يعلم بطلانه مثل ما يعلم به بطلان قول من زعم أن القرآن أضعاف
هذا ، وهو يبلغ حمل جمل ، وأنه كتم وسيظهره المهدى.
ويدعى أن هذا القرآن ليس هو الذى جاء به النبى صلّى اللَّه عليه وسلم ، وإنما هو شىء
وضعه عمر أو عثمان رضى اللَّه عنهما حيث وضع المصحف.
(1/731)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 335
أو يدعى فيه زيادة أو نقصانا.
وقد ضمن اللَّه حفظ كتابه أن يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ، ووعده الحق.
ومعروف أن العدد الذين أخذوا القرآن فى الأمصار وفى البوادى وفى الأسفار والحضر
وضبطوه حفظا من بين صغير وكبير ، وعرفوه حتى صار لا يشتبه على أحد منهم حرف ، لا
يجوز عليهم السهو والنسيان ولا التخليط فيه والكتمان ، ولو زادوا ونقصوا أو غيروا
لظهر.
وقد علمت أن شعر امرىء القيس وغيره لا يجوز أن يظهر ظهور القرآن ولا أن يحفظ كحفظه
ولا أن يضبط كضبطه ، ولا أن تمس الحاجة إليه مساسها إلى القرآن ، لوزيد فيه بيت أو
نقص منه بيت ، لا بل لو غير فيه لفظ ، لتبرأ منه أصحابه وأنكره أربابه ، فإذا كان
كذلك مما لا يمكن فى شعر امرىء القيس ونظائره ، مع أن الحاجة إليه تقطع لحفظ
العربية ، فكيف يجوز أو يمكن ما ذكروه فى القرآن مع شدة الحاجة إليه فى أصل الدين
، ثم فى الأحكام والشرائع واشتمال الهمم المختلفة على ضبطه.
فمنهم من يضبطه لإحكام قراءته ومعرفة وجوهها وصحة أدائها.
ومنهم : من يحفظه للشرائع والفقه.
ومنهم من يضبطه ليعرف تفسيره ومعانيه. ومنهم من يقصد بحفظه الفصاحة والبلاغة.
و من الملحدين من يحصله لينظر فى عجيب شأنه.
وكيف يجوز على أهل هذه الهمم المختلفة والآراء المتباينة ، على كثرة أعدادهم ،
واختلاف بلادهم ، وتفاوت أغراضهم ، أن يجتمعوا على التغيير والتبديل والكتمان.
وإنك إذا تأملت ما ذكر فى أكثر السور فى ردّ قومه عليه وردّ غيرهم وقولهم : لَوْ
نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا وقول بعضهم : إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ إلى الوجوه
التى يصرف إليها قولهم فى الطعن عليه.
فمنهم من يستهين بها ، ويجعل ذلك سببا لتركه الإتيان بمثله.
(1/732)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 336
و منهم من يزعم أنه مفترى فلذلك لا يأتى بمثله.
ومنهم من يزعم أنه دارس وأنه أساطير الأولين.
ولو جاز أن يكون بعضه مكتوما جاز على كله.
ولو جاز أن يكون بعضه موضوعا جاز ذلك فى كله ، فثبت من هذا أنه تحدى إليه ، وأنهم
لم يأتوا له بمثل.
فإذا ثبت هذا وجب أن يعلم أن تركهم للإتيان بمثله كان لعجزهم عنه.
والذى يدل على أنهم كانوا عاجزين عن الإتيان بمثل القرآن أنه تحداهم إليه حتى طال
التحدى ، وجعله دلالة على صدقه وثبوته. وتضمن أحكامه استباحة دمائهم وأموالهم وسبى
ذريتهم ، فلو كانوا يقدرون على تكذيبه لفعلوا وتوصلوا إلى تخليص أنفسهم وأهليهم
وأموالهم من حكمه بأمر قريب هو عادتهم فى لسانهم ، ومألوف من خطابهم ، وكان ذلك
يغنيهم عن تكلف القتال وإكثار المراء والجدال ، وعن الجلاء عن الأوطان ، وعن تسليم
الأهل والذرية للسبى.
فلما لم يحصل هناك معارضة منهم على أنهم عاجزون عنها.
ومعلوم أنهم لو عارضوه بم تحداهم إليه لكان فيه توهين أمره ، وتكذيب قوله ، وتفريق
جمعه ، وتشتيت أسبابه ، وكان من صدق به يرجع على أعقابه ، ويعود فى مذهب أصحابه.
فلما لم يفعلوا شيئا من ذلك مع طول المدة ، ووقوع الفسحة ، وكان أمره يتزايد حالا
فحالا ، ويعلو شيئا فشيئا ، وهم على العجز عن القدح فى آيته ، والطعن فى دلالته ،
علم أنهم كانو لا يقدرون على معارضته ولا على توهين حجته.
وقد أخبر اللَّه تعالى عنهم أنهم قوم خصمون وقال : وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا
وقال : خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وعلم أيضا
أن ما كانوا يقولونه من وجوه اعتراضهم على القرآن مما حكى اللَّه عز وجل عنهم من
قولهم :
لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ وقولهم
: ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ
وقالوا : يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ
(1/733)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 337
عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ
و قالوا : أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ وقالوا :
أَ إِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ
جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً. وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ
تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ
إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً وقوله : الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ إلى
آيات كثيرة فى نحو هذا تدل على أنهم كانوا متحيرين فى أمرهم متعجبين من عجزهم ،
يفزعون إلى نحو هذه الأمور من تعليل وتعذير ومدافعة بما وقع التحدّى إليه وعرف
الحث عليه.
و قد علم منهم أنهم ناصبوه الحرب وجاهروه ونابذوه ، وقطعوا الأرحام وأخطروا
بأنفسهم ، وطالبوه بالآيات والإتيان بغير ذلك من المعجزات يريدون تعجيزه ليظهروا
عليه بوجه من الوجوه ، فكيف يجوز أن يقدروا على معارضته القريبة السهلة عليهم ،
وذلك يدحض حجته ويفسد دلالته ويبطل أمره ، فيعدلون عن ذلك إلى سائر ما صاروا إليه
من الأمور التى ليس عليها مزيد فى المنابذة والمعاداة ، ويتركون الأمر الخفيف هذا
مما يمتنع وقوعه فى العادات ، ولا يجوز إتقانه من العقلاء.
ويمكن أن يقال إنهم لو كانوا قادرين على معارضته والإتيان بمثل ما أتى به لم يجز
أن يتفق منهم ترك المعارضة ، وهم على ما هم عليه من الذراية والسلاقة والمعرفة
بوجوه الفصاحة ، وهو يستطيل عليهم بأنهم عاجزون عن مباراته ، وأنهم يضعفون عن
مجاراته ، ويكرر فيما جاء به ذكر عجزهم عن مثل ما يأتى به ويقرعهم ويؤنبهم عليه ،
ويدرك آماله فيهم ، وينجح ما يسعى له بتركهم المعارضة ، وهو يذكر فيما يتلوه تعظيم
شأنه وتفخيم أمره حتى يتلوا قوله تعالى :
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا
الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً
وقوله : يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ
عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ وقوله ،
وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وقوله :
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ وقوله : وَإِنَّهُ
لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ وقوله : هُدىً لِلْمُتَّقِينَ
وقوله : اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ (م 22 - الموسوعة القرآنية - ج 2)
(1/734)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 338
جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ
إِلى ذِكْرِ اللَّهِ إلى غير ذلك من الآيات التى تتضمن تعظيم شأن القرآن.
فمنها ما يتكرّر فى السورة فى مواضع منها.
ومنها ما ينفرد فيها.
وذلك مما يدعوهم إلى المباراة ، ويحضهم على المعارضة وإن لم يكن متحديا إليه. ألا
ترى أنهم قد كان ينافر شعراؤهم بعضهم بعضا؟ ولهم فى ذلك مواقف معروفة وأخبار
مشهورة وأيام منقولة.
وكانوا يتنافسون على الفصاحة والخطابة والذلاقة ، ويتبجحون بذلك ويتفاخرون بينهم.
فلن يجوز والحالة هذه أن يتغافلوا عن معارضته لو كانوا قادرين عليها تحدّاهم إليها
أو لم يتحداهم.
ولو كان هذا القبيل مما يقدر عليه البشر لوجب فى ذلك أمر آخر ، وهو أنه لو كان
مقدورا للعباد لكان قد اتفق إلى وقت مبعثه من هذا القبيل ما كان يمكنهم أن يعارضوه
به ، وكانوا لا يفتقرون إلى تكلف وضعه وتعمل نظمه فى الحال.
فلما لم نرهم احتجوا عليه بكلام سابق وخطبة متقدمة ورسالة سالفة ونظم بديع ، ولا
عارضوه به فقالوا هذا أفصح مما جئت به ، وأغرب منه أو هو مثله ، علم أنه لم يكن
إلى ذلك سبيل ، وأنه لم يوجد له نظير ، ولو كان وجد له مثل لكان ينقل إلينا
ولعرفناه كما نقل إلينا أشعار أهل الجاهلية ، وكلام الفصحاء والحكماء من العرب ،
وأدى إلينا كلام الكهان وأهل الرجز والسجع والقصيد ، وغير ذلك من أنواع بلاغتهم ،
وصنوف فصاحاتهم.
فإن قيل : الذى بنى على الأمر فى تثبيت معجزة القرآن أنه وقع التحدى إلى الإتيان
بمثله وأنهم عجزوا عنه بعد التحدى إليه ، ومما يؤكد هذا أن النبى صلّى اللَّه عليه
وسلم قد دعا الآحاد إلى الإسلام محتجاّ عليهم بالقرآن ، لأنا نعلم أنه لم يلزمهم
تصديقه تقليدا ، ونعلم أن السابقون الأولين إلى الإسلام لم يقلدوه ، وإنما دخلوا
على
(1/735)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 339
بصيرة ، ولم نعلمه قال لهم : ارجعوا إلى جميع الفصحاء ، فإن عجزوا عن الإتيان
بمثله فقد ثبتت حجتى ، بل لما رآهم يعلمون إعجازه ، ألزمهم حكمه فقبلوه وتابعوا
الحق وبادروا إليه مستسلمين ، ولم يشكوا فى صدقه ولم يرتابوا فى وجه دلالته ، فمن
كانت بصيرته أقوى ومعرفته أبلغ كان إلى القبول منه أسبق ، ومن اشتبه عليه وجه
الإعجاز ، واشتبه عليه بعض شروط المعجزات ، وأدلة النبوات ، كان أبطأ إلى القبول ،
حتى تكاملت أسبابه واجتمعت له بصيرته وترادفت عليه مواده. ونحن نعلم تفاوت الناس
فى إدراكه ومعرفة وجه دلالته ، لأن الأعجمى لا يعلم أنه معجزا إلا بأن يعلم عجز
العرب عنه ، وهو يحتاج فى معرفة ذلك إلى أمور لا يحتاج إليها من كان من أهل صنعة
الفصاحة. فإذا عرف عجز أهل الصنعة حل محلهم وجرى مجراهم فى توجه الحجة عليه.
وكذلك لا يعرف المتوسط من أهل اللسان من هذا الشأن ما يعرفه العالى فى هذه الصنعة
، فربما حلّ فى ذلك محل الأعجمىّ فى أن لا يتوجه عليه الحجة حتى يعرف عجز المتناهى
فى الصنعة عنه.
وكذلك لا يعرف المتناهى فى معرفة الشعر وحده أو الغاية فى معرفة الخطب أو الرسائل
وحدهما غور هذا الشأن ما يعرف من استكمل معرفة جميع تصاريف الخطاب ، ووجوه الكلام
وطرق البراعة ، فلا تكون الحجة قائمة على المختص ببعض هذه العلوم بانفرادها دون
تحققه بعجز البارع فى هذه العلوم كلها عنه.
فأما من كان متناهيا فى معرفة وجوه الخطاب وطرق البلاغة والفنون التى يمكن فيها
إظهار الفصاحة فهو متى سمع القرآن عرف إعجازه ، لأنه يعرف من حال نفسه أنه لا يقدر
عليه ، ويعرف من حال غيره مثل ما يعرف من حال نفسه ، ومتى علم البليغ المتناهى فى
صنوف البلاغات عجزه عن القرآن علم عجز غيره ، لأنه كهو لأنه يعلم أن حاله وحال
غيره فى هذا الباب سواء.
فالبليغ المتناهى فى وجوه الفصاحة يعرف إعجاز القرآن وتكون معرفته حجة عليه إذا
تحدّى إلى وعجز عن مثله وإن لم ينتظر وقوع التحدى فى غيره وما الذى يصنع ذلك
الغير.
(1/736)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 340
قلو قيل : لو كان هذا لوجب أن يكون حال الفصحاء الذين كانوا فى عصر النبى صلّى
اللَّه عليه وسلم على طريقة واحدة فى إسلامهم عند سماعه.
قيل : لا يجب ذلك ، لأن صوارفهم كانت كثيرة :
منها أنهم كانوا يشكّون.
ومنهم من يشك فى إثبات الصانع.
وفيهم من يشك فى التوحيد.
وفيهم من يشك فى النبوة. ألا ترى
أن أبا سفيان بن حرب لما جاء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليسلم عام
الفتح قال له النبى عليه الصلاة والسلام : «أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا
اللَّه؟ قال : بلى ، فشهد ، قال : أما آن لك أن تشهد أنى رسول اللَّه ، قال : أما
هذه ففى النفس منها شى ء».
فكانت وجوه شكوكهم مختلفة ، وطرق شبههم متباينة.
فمنهم من قلت شبهه وتأمل الحجة حق تأملها ولم يستكبر فأسلم.
ومنهم من كبرت شبهه وأعرض عن تأمل الحجة حتى تأملها أو لم يكن فى البلاغة على حدود
النهاية ، فتطاول عليه الزمان إلى أن نظر واستبصر وراعى واعتبر ، واحتاج إلى أن
يتأمل عجز غيره عن الإتيان بمثله فلذلك وقف أمره.
ولو كانوا فى الفصاحة على مرتبة واحدة ، وكانت صوارفهم وأسبابهم متفقة ، لتوافقوا
إلى القبول جملة واحدة.
(1/737)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 341
3 وجوه إعجاز القرآن
ثمة ثلاثة أوجه من الإعجاز :
أحدها : يتضمن الإخبار عن الغيوب ، وذلك مما لا يقدر عليه البشر ولا سبيل لهم
إليه. فمن ذلك ما وعد اللَّه تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أنه سيظهر دينه على
الأديان بقوله عز وجل : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ
الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ففعل
ذلك.
و كان أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه إذا أغزى جيوشه عرفهم ما وعدهم اللَّه من
إظهار دينه ليثقوا بالنصر ويستيقنوا بالنجح.
وكان عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه يفعل كذلك فى أيامه ، حتى وقف أصحاب جيوشه عليه
، فكان سعد بن أبى وقاص رحمه اللَّه وغيره من أمراء الجيوش من جهته يذكر ذلك لأصحابه
، ويحرّضهم به ، ويوثق لهم ، وكانوا يلقون الظفر فى مواجهاتهم ، حتى فتح إلى آخر
أيام عمر رضى اللَّه عنه إلى بلخ وبلاد الهند ، وفتح فى أيامه مرو الشاهجان ومرو
الروذ ، ومنعهم من العبور بجيحون ، وكذلك فتح فى أيامه فارس إلى إصطخر ، وكرمان
ومكران وسجستان وجميع ما كان من مملكة كسرى ، وكل ما كان يملكه ملوك الفرس بين
البحرين من الفرات إلى جيحون ، وأزال ملك ملوك الفرس ، إلى حدود أرمينية وإلى باب
الأبواب ، وفتح أيضا ناحية الشام والأردنّ وفلسطين وفسطاط مصر ، وأزال ملك قيصر
عنها ، وذلك من الفرات إلى بحر مصر وهو ملك قيصر ، وغزت الخيول فى أيامه إلى
عمورية ، فأخذ الضواحى كلها ولم يبق دونها إلا ما حجز دونه بحر أو حال عنه جبل
منيع أو أرض خشنة أو بادية غير مسلوكة.
وقال اللَّه عز وجل : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى
جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ فصدق فيه.
(1/738)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 342
و قال فى أهل بدر : وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها
لَكُمْ ووفى لهم بما وعد.
وجميع الآيات التى يتضمنها القرآن من الإخبار عن الغيوب تكثر جدا.
والوجه الثانى : أنه كان معلوما من حال النبى صلّى اللَّه عليه وسلم أنه كان أميا
لا يكتب ولا يحسن أن يقرأ وكذلك كان معروفا من حاله أنه لم يكن يعرف شيئا من كتب
المتقدمين وأقاصيصهم وأنبائهم وسيرهم. ثم أتى بجملة ما وقع وحدث من عظيمات الأمور
، ومهمات السير من حين خلق الله آدم عليه السلام إلى حين مبعثه.
فذكر فى الكتاب الذى جاء به معجزة له قصة آدم عليه السلام ، وابتداء خلقه وما صار
إليه أمره من الخروج من الجنة ، ثم جملا من أمر ولده وأحواله وتوبته.
ثم ذكر قصة نوح عليه السلام وما كان بينه وبين قومه وما انتهى إليه أمره.
وكذلك أمر إبراهيم عليه السلام إلى ذكر سائر الأنبياء المذكورين فى القرآن والملوك
والفراعنة الذين كانوا فى أيام الأنبياء صلوات اللَّه عليهم. وهذا مما لا سبيل
إليه إلا عن تعلم ، وإذا كان معروفا أنه لم يكن ملابسا لأهل الآثار وحملة الأخبار
ولا مترددا إلى التعلم منهم ، ولا كان ممن يقرأ فيجوز أن يقع إليه كتاب فيأخذ منه
علم أنه لا يصل إلى علم ذلك إلا بتأييد من جهة الوحى ، ولذلك قال عز وجل :
وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ
إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ وقال :
وَ كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ.
والوجه الثالث : أنه بديع النظم عجيب التأليف متناه فى البلاغة إلى الحدّ الذى
يعلم عجز الخلق عنه ، والذى يشتمل عليه بديع نظمه المتضمن للإعجاز وجوه :
منها : ما يرجع إلى الجملة ، وذلك أن نظم القرآن على تصررّف وجوهه واختلاف مذاهبه
خارج عن المعهود من نظام جميع كلامهم ومباين للمألوف من ترتيب خطابهم ، وله أسلوب
يختص به ويتميز فى تصرفه عن أساليب الكلام
(1/739)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 343
المعتاد ، وذلك أن الطرق التى يتقيد بها الكلام البديع المنظوم تنقسم إلى أعاريض
الشعر على اختلاف أنواعه ، ثم إلى أنواع الكلام الموزون غير المقفى ، ثم إلى أصناف
الكلام المعدل المسجع ، ثم إلى معدل موزون غير مسجع ، ثم إلى ما يرسل إرسالا فتطلب
فيه الإصابة والإفادة وإفهام المعانى المعترضة على وجه بديع ، وترتيب لطيف وإن لم
يكن معتدلا فى وزنه ، وذلك شبيه بجملة الكلام الذى لا يتعمل ولا يتصنع له. وقد
علمنا أن القرآن خارج من هذه الوجوه ومباين لهذه الطرق. ليس من باب السجع ولا فيه
شىء منه ، وليس من قبيل الشعر ، لأن من الناس من زعم أنه كلام مسجع ، ومنهم من
يدعى أن فيه شعرا كثيرا ، فهذا إذا تأمله المتأمل تبين بخروجه عن أصناف كلامهم وأساليب
خطابهم أنه خارج عن العادة وأنه خصوصية ترجع إلى جملة القرآن وتميز حاصل فى جميعه.
و منها : أنه ليس للعرب كلام مشتمل على هذه الفصاحة والغرابة والتصرّف البديع
والمعانى اللطيفة والفوائد الغزيرة والحكم الكثيرة والتناسب فى البلاغة ، والتشابه
فى البراعة على هذا الطول وعلى هذا القدر ، وإنما تنسب إلى حكيمهم كلمات معدودة
وألفاظ قليلة ، وإلى شاعرهم قصائد محصورة يقع فيها ما نبينه بعد هذا من الاختلال ،
ويعترضها ما نكشفه من الاختلاف ، ويقع فيها ما نبديه من التعمل والتكلف والتجوّز
والتعسف ، وقد حصل القرآن على كثرته وطوله متناسبا فى الفصاحة على ما وصفه اللَّه
تعالى به فقال عزّ من قائل : اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً
مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ
ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ، وَلَوْ كانَ مِنْ
عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً فأخبر أن كلام الآدمى
إن امتدّ وقع فيه التفاوت وبان عليه الاختلال ، وفى ذلك معنى ثابت وهو أن عجيب
نظمه وبديع تأليفه لا يتفاوت ولا يتباين على ما يتصرف إليه من الوجوه التى يتصرف
فيها ، من ذكر قصص ومواعظ واحتجاج وحكم وأحكام ، وإعذار وإنذار ، ووعد ووعيد ،
وتبشير وتخويف ، وأوصاف وتعليم أخلاق كريمة وشيم رفيعة وسير مأثورة ، وغير ذلك من
الوجوه التى يشتمل عليها. ونجد كلام البليغ الكامل والشاعر المفلق والخطيب المصقع
يختلف على حسب اختلاف هذه الأمور. فمن الشعراء من يجود فى المدح
(1/740)
الموسوعة
القرآنية ، ج 2 ، ص : 344
دون الهجو ، ومنهم من يبرز فى الهجو دون المدح ، ومنهم من يسبق فى التقريظ دون
التأبين ، ومنهم من يجوز فى التأبين دون التقريظ ، ومنهم من يغرب فى وصف الإبل
والخيل أو سير الليل ، أو وصف الروض. أو وصف الخمر أو الغزل أو غير ذلك مما يشتمل
عليه الشعراء ويتداوله الكلام ، ولذلك ضرب المثل :
بامرىء القيس إذا ركب ، والنابغة إذا رهب ، وبزهير إذا رغب ، ومثل ذلك يختلف فى
الخطيب والرسائل وسائر أجناس الكلام. ومتى تأملت شعر الشاعر البليغ رأيت التفاوت
فى شعره على حسب الأحوالالتى يتصرف فيها ، فيأتى بالغاية فى البراعة فى معنى ،
فإذا جاء إلى غيره قصر عنه ووقف دونه وبان الاختلاف على شعره.
ثم نجد فى الشعراء من يجود فى الرجز ولا يمكنه نظم القصيد أصلا ، ومنهم من ينظم
القصيد ، ولكن يقصر فيه مهما تكلفه أو عمله ، ومن الناس من يجود فى الكلام المرسل
، فإذا أتى بالموزون قصر ونقص نقصانا عجيبا ، ومنهم من يوجد بضد ذلك. وقد تأملنا
نظم القرآن فوجدنا جميع ما يتصرف فيه من الوجوه التى قدمنا ذكرها على حدّ واحد فى
حسن النظم وبديع التأليف والرصف ، لا تفاوت فيه ولا انحطاط عن المنزلة العليا ،
ولا إسفال فيه إلى الرتبة الدنيا. وكذلك قد تأملنا ما يتصرف إليه وجوه الخطاب من
الآيات الطويلة والقصيرة ، فرأينا الإعجاز فى جميعه على حدّ واحد لا يختلف. وكذلك
قد يتفاوت كلام الناس عند إعادة ذكر القصة الواحدة فرأيناه غير مختلف ولا متفاوت ،
بل هو على نهاية البلاغة وغاية البراعة ، فعلمنا بذلك أنه مما لا يقدر عليه البشر
، لأن الذى يقدون عليه قد بينا فيه التفاوت الكثير عند التكرار ، وعند تباين
الوجوه واختلاف الأسباب التى يتضمن.
ومعنى رابع : وهو أن كلام الفصحاء يتفاوت تفاوتا بينا فى الفصل والوصل ، والعلوّ
والنزال ، والتقريب والتبعيد ، وغير ذلك مما ينقسم إليه الخطاب عن النظم ويتصرف
فيه القول عند الضم والجمع ، ألا ترى أن كثيرا من الشعراء قد وصف بالنقص عن التنقل
من معنى إلى غيره ، والخروج من باب إلى سواه ، حتى إن أهل الصنعة قد اتفقوا على
تقصير البحترى مع جودة نظمه =
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق