كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس


مراجع في المصطلح واللغة

مراجع في المصطلح واللغة

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 مايو 2022

مجلد 15. الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 57 .

 

15.

مجلد 15. الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 57 .

 --------
[سورة يونس (10) : الآيات 28 الى 31]
وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (29) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31)
28 - وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ :
مَكانَكُمْ الزموا مكانكم لا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل بكم.
أَنْتُمْ أكد به الضمير فى مَكانَكُمْ لسده مسد قوله : الزموا.
وَ شُرَكاؤُكُمْ عطف عليه.
فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ ففرقنا بينهم وقطعنا أقرانهم ، والوصل التي كانت بينهم فى الدنيا.
ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ انما كنتم تعبدون الشياطين ، حيث أمروكم أن تتخذوا للّه أندادا فأطعتموه.
29 - فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ :
إِنْ هى المخففة من الثقيلة.
لَغافِلِينَ اللام هى الفارقة بينها وبين (ان) النافية.
30 - هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ :
هُنالِكَ فى ذلك المقام وفى ذلك الموقف ، أو فى ذلك الوقت ، على استعارة اسم المكان للزمان.
تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ تختبر وتذوق.
ما أَسْلَفَتْ من العمل فتعرف كيف هو : أقبيح أم حسن.
مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ربهم الصادق ربوبيته.
وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ وضاع عنهم ما كانوا يدعون أنهم شركاء للّه.
31 - قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ :

(1/4345)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 58
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي يرزقكم منهما جميعا ، لم يقتصر برزقكم على جهة واحدة ليفيض عليكم نعمته ويوسع رحمته.
أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحد الذي سويا عليه.
أَ فَلا تَتَّقُونَ أفلا تتقون أنفسكم ولا تحذرون عليها عقابه فيما أنتم بصدده من الضلال.
[سورة يونس (10) : الآيات 32 الى 34]
فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (33) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)
32 - فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ :
فَذلِكُمُ اشارة الى من هذه قدرته وأفعاله.
رَبُّكُمُ الْحَقُّ الثابت ربوبيته ثباتا لا ريب فيه لمن حقق النظر.
فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ يعنى أن الحق والضلالة لا واسطة بينهما ، فمن تخطى الحق وقع فى الضلال.
فَأَنَّى تُصْرَفُونَ عن الحق الى الضلال.
33 - كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ :
كَذلِكَ مثل ذلك الحق.
حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ أي كما حق وثبت أن الحق بعده الضلال ، أو كما حق أنهم مصروفون عن الحق فكذلك حقت كلمة ربك.
عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أي تمردوا فى كفرهم وخرجوا الى الحد الأقصى.
أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بدل من (الكلمة) أي حق عليهم انتفاء الايمان ، وعلم اللّه منهم ذلك.
34 - قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ :

(1/4346)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 59
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وضعت إعادة الخلق لظهور برهانها موضع ما ان دفعه دافع كان مكابرا رادا للظاهر البين الذي لا مدخل للشبهة فيه دلالة على أنهم فى انكارهم لها منكرون أمرا مسلما معترفا بصحته عند العقلاء.
قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ أمر اللّه نبيه بأن ينوب عنهم فى الجواب ، يعنى أنه لا يدعهم لجاجهم ومكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق فكلم عنهم.
[سورة يونس (10) : الآيات 35 الى 37]
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (36) وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37)
35 - قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ :
مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ يقال : هداه الى الحق ، وللحق فجمع بين اللغتين.
أَمَّنْ لا يَهِدِّي أي : أم من لا يهتدى ، أو لا يهدى غيره.
فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ بالباطل ، حيث تزعمون أنهم أنداد اللّه.
36 - وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ :
وَ ما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ فى إقرارهم باللّه.
إِلَّا ظَنًّا لأنه قول غير مستند الى برهان عندهم.
إِنَّ الظَّنَّ فى معرفة اللّه.
لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ وهو العلم.
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ وعيد من اتباع الظن.
37 - وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ :

(1/4347)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 60
أَنْ يُفْتَرى افتراء.
وَ لكِنْ كان.
تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ما تقدمه من الكتب المنزلة ، فهو عيار عليها وشاهد لصحتها.
وَ تَفْصِيلَ الْكِتابِ وتبيين ما كتب وفرض من الأحكام والشرائع.
لا رَيْبَ فِيهِ داخل فى حيز الاستدراك ، كأنه قال : ولكن كان تصديقا وتفصيلا منه لا ريب فى ذلك.
مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ متعلق بتصديق وتفصيل ، أو يكون لا رَيْبَ فِيهِ اعتراضا.
[سورة يونس (10) : الآيات 38 الى 39]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)
38 - أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ :
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بل أيقولون اختلقه ، على أن الهمزة تقرير لإلزام الحجة عليهم ، أو انكار لقولهم واستبعاد ، والمعنيان متقاربان.
قُلْ ان كان الأمر كما تزعمون.
فَأْتُوا أنتم على وجه الافتراء.
بِسُورَةٍ مِثْلِهِ فأنتم مثلى فى العربية والفصاحة. وبسورة مثله ، أي شبيهة به فى البلاغة والفصاحة وحسن النظم.
وقرىء : بسورة مثله ، على الاضافة ، أي بسورة كتاب مثله.
وَ ادْعُوا من دون اللّه.
مَنِ اسْتَطَعْتُمْ من خلقه للاستعانة بهم على الإتيان بمثله.
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أنه افتراء.
39 - بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ :

(1/4348)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 61
بَلْ كَذَّبُوا بل سارعوا الى التكذيب بالقرآن.
بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ قبل أن يفقهوه ويعلموا كنه أمره.
وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ أي كذبوا به على البديهة قبل التدبر ومعرفة التأويل ، تقليدا للآباء ، وكذبوه بعد التدبر تمردا وعنادا ، فذمهم بالتسرع الى التكذيب قبل العلم به. وجاء بكلمة التوقع ليؤذن أنهم علموا بعد علو شأنه واعجازه لما كرر عليهم التحدي.
وقيل : ولم يأتهم بعد تأويل فيه من الاخبار بالغيوب ، حتى يتبين لهم أهو كذب أم صدق.
يعنى أنه كتاب معجز من جهتين : من جهة اعجاز نظمه ، ومن جهة ما فيه من الاخبار بالغيوب ، فتسرعوا الى التكذيب به قبل أن ينظروا فى نظمه وبلوغه حد الاعجاز ، وقبل أن يخبروا أخباره بالمغيبات وصدقه وكذبه.
كَذلِكَ أي مثل ذلك التكذيب.
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعنى قبل النظر فى معجزات الأنبياء وقبل تدبرها من غير انصاف من أنفسهم.
[سورة يونس (10) : الآيات 40 الى 41]
وَ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)
40 - وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ :
وَ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يصدق به فى نفسه ويعلم أنه حق ، ولكنه يعاند بالتكذيب.
وَ مِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ ومنهم من يشك فيه لا يصدق به.
أو يكون للاستقبال ، أي : ومنهم من سيؤمن به ، ومنهم من سيصر.
وَ رَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ بالمعاندين ، أو المصرين.
41 - وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ :

(1/4349)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 62
وَ إِنْ كَذَّبُوكَ وان تموا على تكذيبك ، ويئست من اجابتهم.
فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ على جزاء عملى ولكم جزاء عملكم.
أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ أي لستم تؤخذون بما أعمل.
وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ كما سوف لا أوخذ بما تعملون.
أي خلهم وتبرأ منهم فقد أعذرت.
[سورة يونس (10) : الآيات 42 الى 44]
وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)
42 - وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ :
وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أي : ومنهم ناس يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع ، ولكنهم لا يعون ولا يقبلون.
أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ جعلهم فى عدم تصديقهم كالصم ، وما أنت تقدر على اسماع الصم.
وَ لَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ ضم الى صممهم عدم عقولهم ، لأن الأصم العاقل ربما تفرس واستدل بما يقع تحت حسه ، فإذا اجتمع سلب السمع والعقل فقد تم الأمر.
43 - وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ :
مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ فيما تسوق من أدلة.
أَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ أي : أتحسب أنك تقدر على هداية العمى ، ولو انضم الى العمى - وهو فقد البصر - فقد البصيرة ، لأن الأعمى الذي له فى قلبه بصيرة قد يحدس ، وأما العمى مع الحمق فجهد البلاء.
44 - إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ :
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً أي لا ينقصهم شيئا مما يتصل بمصالحهم من بعثة الرسل وإنزال الكتب.

(1/4350)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 63
وَ لكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بالكفر والتكذيب.
ويجوز أن يكون وعيدا للمكذبين ، يعنى أن ما يلحقهم يوم القيامة من العذاب لاحق بهم على سبيل العدل والاستيجاب ولا يظلمهم اللّه به ، ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف ما كان سببا فيه.
[سورة يونس (10) : الآيات 45 الى 46]
وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (46)
45 - وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ :
إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يستقربون وقت لبثهم فى الدنيا ، وذلك عند خروجهم من القبور.
يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ يعرف بعضهم بعضا ، كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا.
قَدْ خَسِرَ على ارادة القول ، أي يتعارفون بينهم قائلين ذلك.
أو هى شهادة من اللّه تعالى على خسرانهم. والمعنى أنهم خسروا فى تجارتهم وبيعهم الايمان بالكفر.
وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ للتجارة عارفين بها ، وهو استفهام فيه معنى التعجب ، كأنه قيل : ما أخسرهم! 46 - وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ :
وَ إِمَّا نُرِيَنَّكَ الجواب محذوف ، كأنه قيل : واما نرينك بعض الذي نعدهم فى الدنيا فذاك.
فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ جواب نَتَوَفَّيَنَّكَ ، كأنه قيل : أو نتوفينك قبل أن نريكه فنحن نريكه فى الآخرة.
ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ ذكرت الشهادة ، والمراد مقتضاها ونتيجتها ، وهو العقاب ، كأنه قال : ثم اللّه معاقب على ما يفعلون.

(1/4351)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 64
و قرىء : ثم ، بالفتح ، أي هنالك.
[سورة يونس (10) : الآيات 47 الى 50]
وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50)
47 - وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ :
وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ يبعث إليهم لينبههم على التوحيد ، ويدعوهم الى دين الحق.
فَإِذا جاءَ فاذا جاءهم.
رَسُولُهُمْ بالبينات فكذبوه ولم يتبعوه.
قُضِيَ بَيْنَهُمْ أي بين النبي ومكذبيه.
بِالْقِسْطِ بالعدل.
48 - وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ :
مَتى هذَا الْوَعْدُ استعجال لما وعدوا من العذاب استبعادا له.
49 - قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ :
لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا من مرض أو فقر.
وَ لا نَفْعاً من صحة أو غنى.
إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ استثناء منقطع ، أي ولكن ما شاء اللّه من ذلك كان ، فكيف أملك لكم الضرر وجلب العذاب.
لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ يعنى أن عذابكم له أجل مضروب عند اللّه ، وحد محدود من الزمان.
إِذا جاءَ ذلك الوقت أنجز وعدكم لا محالة ، فلا تستعجلوا.
50 - قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ :
بَياتاً على الظرف ، بمعنى : وقت بيات. يريد : ان أتاكم

(1/4352)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 65
عذابه وقت بيات فبيتكم وأنتم ساهون نائمون لا تشعرون ، كما يبيت العدو المباغت. والبيات بمعنى التبييت.
نَهاراً أي فى وقت أنتم فيه مشتغلون بطلب المعاش والكسب.
مِنْهُ العذاب. والمعنى : أن العذاب كله مكروه مر المذاق موجب للنفار ، فأى شىء يستعجلون منه وليس شىء منه يوجب الاستعجال.
ويجوز أن يكون معناه التعجب ، كأنه قيل : أي شىء له هول شديد يستعجلون منه.
ويجب أن يكون (من) هنا فى هذا الوجه للبيان.
وقيل : الضمير فى (منه) للّه تعالى.
[سورة يونس (10) : الآيات 51 الى 53]
أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)
51 - أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ :
أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ جواب الشرط ، ويكون ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ اعتراضا ، والمعنى : ان أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الايمان.
ودخول حرف الاستفهام على (ثم) كدخوله على الواو والفاء.
آلْآنَ على ارادة القول ، أي قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب : الآن آمنتم به.
وَ قَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ أي : وقد كنتم به تكذبون ، لأن استعجالهم كان على جهة التكذيب والإنكار.
52 - ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ :
ثُمَّ قِيلَ عطف على (قيل) المضمر قبل آلْآنَ.
53 - وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ :

(1/4353)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 66
وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ ويستخبرونك فيقولون.
أَ حَقٌّ هُوَ استفهام على جهة الإنكار والاستهزاء. والضمير للعذاب الموعود.
وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ بفائتين العذاب ، وهو لاحق بهم لا محالة.
[سورة يونس (10) : الآيات 54 الى 55]
وَ لَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (54) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (55)
54 - وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ :
ظَلَمَتْ صفة لقوله نَفْسٍ ، على : ولو أن لكل نفس ظالمة.
ما فِي الْأَرْضِ أي ما فى الدنيا اليوم من خزائنها وأموالها وجميع منافعها على كثرتها.
لَافْتَدَتْ بِهِ لجعلته فدية له.
وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ لأنهم بهتوا لرؤيتهم ما لم يحتسبوه ولم يخطر ببالهم ، فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخا ولا ما يفعله الجازع سوى اسرار الندم والحسرة فى القلوب.
وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ أي بين الظالمين والمظلومين.
55 - أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ :
أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي ليعلم الناس أن اللّه مالك ومهيمن على جميع ما فى السموات والأرض.
أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وليعلموا أن وعده حق فلا يعجزه شىء ، ولا يفلت من جزائه أحد.
وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ولكنهم قد غرتهم الحياة الدنيا لا يعلمون ذلك علم اليقين.

(1/4354)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 67
[سورة يونس (10) : الآيات 56 الى 59]
هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)
56 - هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ :
هُوَ اللّه سبحانه.
يُحيِي يهب الحياة بعد عدم.
وَ يُمِيتُ ويسلبها بعد وجود.
وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وإليه المرجع فى الآخرة.
ومن كان كذلك لا يعظم عليه شىء.
57 - يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ :
قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ أي قد جاءكم كتاب جامع لهذه الفوائد من موعظة وتنبيه على التوحيد.
وَ شِفاءٌ وهو شفاء ، أي دواء.
لِما فِي الصُّدُورِ لما فى صدوركم من العقائد الفاسدة.
وَ هُدىً وَرَحْمَةٌ لمن آمن به منكم.
58 - قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ :
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ أصل الكلام بفضل اللّه وبرحمته فليفرحوا ، فبذلك فليفرحوا ، والتكرير للتأكيد والتقرير ، وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا ، فحذف أحد الفعلين لدلالة المذكور عليه. والفاء داخلة لمعنى الشرط ، كأنه قيل : ان فرحوا بشىء فليخصوهما بالفرح ، فإنه لا مفروح به أحق منهما.
هُوَ راجع الى ذلك.
59 - قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ :

(1/4355)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 68
أَ رَأَيْتُمْ أخبرونى.
ما أَنْزَلَ اللَّهُ ما ، فى موضع نصب بالفعل أَنْزَلَ أو أَرَأَيْتُمْ على معنى : أخبرونيه.
فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا أي أنزله اللّه رزقا حلالا كله فبغضتموه وقلتم هذا حلال وهذا حرام.
قُلْ تكرير للتوكيد.
آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ متعلق بقوله أَرَأَيْتُمْ.
والمعنى : أخبرونى آللّه أذن لكم فى التحليل والتحريم فأنتم تفعلون ذلك باذنه ، أم تكذبون على اللّه فى نسبة ذلك اليه.
ويجوز أن تكون الهمزة للانكار ، وأَمْ منقطعة بمعنى : بل أتفترون على اللّه ، تقرير للافتراء.
[سورة يونس (10) : الآيات 60 الى 61]
وَ ما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60) وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (61)
60 - وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ :
يَوْمَ الْقِيامَةِ منصوب بالظن ، وهو ظن واقع فيه ، يعنى : أي شىء ظن المفترين فى ذلك اليوم ما يصنع بهم ، وهو يوم الجزاء بالإحسان والاساءة.
إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ حيث أنعم عليهم بالعقل ورحمهم بالوحى وتعليم الحلال والحرام.
وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ هذه النعمة ولا يتبعون ما هدوا اليه.
61 - وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ :

(1/4356)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 69
وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍ ما ، نافية ، والخطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
والشأن : الأمر.
مِنْهُ الضمير للشأن ، كأنه قيل : وما تتلو من التنزيل من قرآن ، لأن كل جزء منه قرآن ، والإضمار قبل الذكر تفخيم له ، أو اللّه عز وجل.
وَ لا تَعْمَلُونَ أنتم جميعا.
مِنْ عَمَلٍ أي عمل كان.
إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً شاهدين رقباء نحصى عليكم.
إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ من أفاض فى الأمر ، إذا اندفع فيه.
وَ ما يَعْزُبُ ما يبعد وما يغيب.
وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ القراءة بالنصب والرفع ، والوجه بالنصب على نفس الجنس والرفع على الابتداء ، ليكون كلاما برأسه.
[سورة يونس (10) : الآيات 62 الى 65]
أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65)
62 - أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ :
أَوْلِياءَ اللَّهِ الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة.
63 - الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ :
فهذا توليهم إياه.
64 - هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
:
ُمُ الْبُشْرى
فهو توليه إياهم.
تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ
لا تغيير لأقواله ولا اخلاف لمواعيده.
ِكَ
اشارة الى كونهم مبشرين فى الدارين.
65 - وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ :

(1/4357)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 70
قَوْلُهُمْ تكذيبهم لك وتهديدهم وتشاورهم فى تدبير هلاكك وابطال أمرك ، وسائر ما يتكلمون به فى شأنك.
إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ استئناف بمعنى التعليل ، كأنه قيل : ما لى لا أحزن؟
فقيل : ان العزة للّه جميعا ، أي ان الغلبة والقهر فى ملكة اللّه جميعا ، لا يملك أحد شيئا منها لا هم ولا غيرهم ، فهو يغلبهم وينصرك عليهم.
هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يسمع ما يقولون ، ويعلم ما يدبرون ويعزمون عليه ، وهو مكافئهم بذلك.
[سورة يونس (10) : الآيات 66 الى 68]
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (66) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (68)
66 - أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ :
مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ يعنى العقلاء المميزين ، فهو سبحانه وتعالى ربهم ولا يصلح أحد منهم للربوبية ولا أن يكون شريكا له فيها ، فما وراءهم مما لا يعقل أحق أن لا يكون له ندا وشريكا.
إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ظنهم أنهم شركاء.
وَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ يحزرون ويقدرون أن نكون شركاء تقديرا باطلا.
67 - هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ :
لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ سماع معتبر مدكر.
68 - قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ :
سُبْحانَهُ تنزيه له عن اتخاذ الولد.

(1/4358)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 71
هُوَ الْغَنِيُّ علة لنفى الولد ، لأن ما يطلب به الولد من يلد ، وما يطلبه له السبب فى كله الحاجة فمن كانت الحاجة منتفية عنه كان الولد عنه منتفيا.
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ فهو مستغن بملكه لهم عن اتخاذ أحد منهم ولدا.
إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا ما عندكم من حجة بهذا القول.
والباء فى بِهذا حقها أن تتعلق بقوله إِنْ عِنْدَكُمْ على أن يجعل القول مكانا للسلطان ، كأنه قيل : ان عندكم فيما تقولون سلطان.
أَ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ لما نفى عنهم البرهان جعلهم غير عالمين.
[سورة يونس (10) : الآيات 69 الى 71]
قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (69) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71)
69 - قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ :
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ باضافة الولد اليه.
70 - مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ :
مَتاعٌ فِي الدُّنْيا أي افتراؤهم هذا منفعة قليلة فى الدنيا ، وذلك حيث يقيمون رياستهم فى الكفر بالتظاهر به.
71 - وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ :
كَبُرَ عَلَيْكُمْ عظم عليكم وشق وثقل.
مَقامِي مكانى ، يعنى نفسه.
فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ من أجمع الأمر وأزمعه إذا نواه وعزم عليه.
وَ شُرَكاءَكُمْ الواو ، بمعنى : مع ، أي فأجمعوا أمركم مع شركائكم.

(1/4359)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 72
غُمَّةً سترة.
ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ ذلك الأمر الذي تريدون بي.
وَ لا تُنْظِرُونِ ولا تمهلونى.
[سورة يونس (10) : الآيات 72 الى 74]
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)
72 - فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ :
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فان أعرضتم عن تذكيرى.
فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فما كان عندى ما ينفركم عنى وتتهمونى لأجله من طمع فى أموالكم وطلب أجر على عظتكم.
إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وهو الثواب الذي يثيبنى به فى الآخرة ، أي ما نصحتكم الا لوجه اللّه لا لغرض من أغراض الدنيا.
وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الذين لا يأخذون على تعليم الدين شيئا ، ولا يطلبون به دنيا وهذا مقتضى الإسلام ، والذي كل مسلم مأمور به.
73 - فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ :
فَكَذَّبُوهُ فتموا على تكذيبه.
وَ جَعَلْناهُمْ خَلائِفَ يخلفون الهالكين بالغرق.
كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ تعظيم لما جرى عليهم ، وتحذير لمن أنذرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وتسلية له.
74 - ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ :
مِنْ بَعْدِهِ من بعد نوح.
رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ يعنى هودا وصالحا وابراهيم ولوطا وشعيبا.

(1/4360)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 73
فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالحجج الواضحة المثبتة لدعواهم.
فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا فما كان ايمانهم الا ممتنعا كالمحال ، لشدة شكيمتهم فى الكفر وتصميمهم عليه.
بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ يريد أنهم كانوا قبل الرسل أهل جاهلية مكذبين بالحق ، فما وقع فصل بين حالتيهم ، بعد بعثة الرسل وقبلها ، كأن لم يبعث إليهم أحد.
كَذلِكَ نَطْبَعُ مثل ذلك الطبع المحكم نطبع.
عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ والطبع جار مجرى الكناية عن عنادهم ولجاجهم ، لأن الخذلان يتبعه ، لهذا أسند إليهم الاعتداء ووصفهم به.
[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 76]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76)
75 - ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ :
مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد الرسل.
بِآياتِنا بالآيات التسع.
فَاسْتَكْبَرُوا عن قبولها وهو أعظم الكبر أن يتهاون العبيد برسالة ربهم بعد تبليغها ويتعظموا عن تقبلها.
وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ كفارا ذوى آثام عظام.
76 - فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ :
فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا فلما عرفوا أنه هو الحق ، وأنه من عند اللّه ، لا من قبل موسى وهارون.
قالُوا لحبهم الشهوات.
إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ وهم يعلمون أن الحق أبعد شىء من السحر الذي ليس الا تمويها.

(1/4361)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 74
[سورة يونس (10) : الآيات 77 الى 81]
قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (78) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)
77 - قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ :
قالَ مُوسى قال لهم مستنكرا.
أَ تَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا أتصفون الحق الذي جئتكم به من عند اللّه بأنه سحر.
وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ فأتوا بساحرين ليثبتوا ما تدعون ولن يفوز الساحرون فى هذا أبدا.
78 - قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ :
لِتَلْفِتَنا لتصرفنا.
عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا يعنون عبادة الأصنام.
وَ تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ أي الملك.
وَ ما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ بمصدقين فيما جئتما به.
79 - وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ :
ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ أي : أحضروا لى كل ساحر يحذق عمله.
80 - فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ :
أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ هاتوا ما عندكم من السحر.
81 - فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ :
ما جِئْتُمْ بِهِ ما ، موصولة واقعة مبتدأ.
السِّحْرُ خبر. أي الذي جئتم به هو السحر ، لا الذي سماه فرعون وقومه سحرا من آيات اللّه.
سَيُبْطِلُهُ سيسحقه ، أو يظهر بطلانه بإظهار المعجزة على الشعوذة.

(1/4362)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 75
لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ لا يثبته ولا يديمه.
[سورة يونس (10) : الآيات 82 الى 86]
وَ يُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86)
82 - وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ :
وَ يُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ ويثبته.
بِكَلِماتِهِ بأوامره وقضاياه.
83 - فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ :
فَما آمَنَ لِمُوسى فى أول أمره.
إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ الا طائفة من ذرارى بنى إسرائيل.
أَنْ يَفْتِنَهُمْ أي أن يعذبهم.
وَ إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ لغالب فيها قاهر.
وَ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ فى الظلم والفساد ، وفى الكبر والقسوة بادعائه الربوبية.
84 - وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ :
إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ صدقتم به وبآياته.
فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا فاليه أسندوا أمركم فى النصفة من فرعون.
إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ شرط فى التوكل الإسلام ، وهو أن يسلموا نفوسهم للّه ، أي يجعلوها له سالمة خالصة لاحظ للشيطان فيها.
85 - فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
:
لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً موضع فتنة لهم ، أي يفتنوننا عن ديننا.
86 - وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ :
وَ نَجِّنا من فتنتهم لنا ، وتعذيبهم إيانا لارغامنا على ذلك.

(1/4363)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 76
[سورة يونس (10) : الآيات 87 الى 91]
وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (88) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)
87 - وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ :
تَبَوَّءا تبوأ المكان : اتخذه مباءة ومرجعا.
وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً أي مساجد متوجهة نحو القبلة ، وهى الكعبة.
88 - وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ :
زِينَةً الزينة : ما يتزين به من لباس أو حلى أو فراش أو أثاث أو غير ذلك.
رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ أي ان عاقبة هذه النعم كان إسرافهم فى الضلال ، والبعد عن سبيل الحق. واللام للتعليل ، أي انهم جعلوا نعمة اللّه سببا فى الضلال ، فكأنهم أوتوها ليضلوا.
89 - قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ :
قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما أي ان دعاءكما مستجاب ، وما طلبتما كائن ، ولكن فى وقته.
فَاسْتَقِيما فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة.
وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أي لا تتبعا طريق الجهلة بعادة اللّه فى تعليقه الأمور بالمصالح ، ولا تعجلا فان العجلة ليست مصلحة.
90 - وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ :
فَأَتْبَعَهُمْ فلحقهم.
91 - آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ :

(1/4364)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 77
آلْآنَ أتؤمن الساعة فى وقت الاضطرار حين أدركك الغرق.
مِنَ الْمُفْسِدِينَ من الضالين المضلين عن الايمان.
[سورة يونس (10) : الآيات 92 الى 94]
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (94)
92 - فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ :
نُنَجِّيكَ نبعدك مما وقع فيه من قعر البحر. وقيل : نلقيك بنجوة من الأرض.
وقرىء : ننحيك ، بالحاء المهملة ، أي نلقيك بناحية مما يلى البحر.
بِبَدَنِكَ فى وضع الحال ، أي فى الحال التي لا روح فيك ، وانما أنت بدن ، أو ببدنك كاملا سويا لم ينقص منه شىء ، أو عريانا لست الا بدنا من غير لباس ، أو بدرعك.
لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً لمن وراءك من الناس علامة ، وهم بنو إسرائيل ، أو لمن يأتى بعدك من القرون.
وآية ، أي أن تظهر للناس مهانته ، وأن ما كان يدعيه من الربوبية باطل محال.
93 - وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ :
مُبَوَّأَ صِدْقٍ منزلا صالحا مرضيا.
فَمَا اخْتَلَفُوا فى دينهم وما تشعبوا فيه شعبا.
حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ أي العلم بمحمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، أهو أم ليس به.
94 - فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ :
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ أي فان وقع لك شك.

(1/4365)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 78
فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ أي فان وقع لك شك فرضا وتقديرا ، وسبيل من خالجته شبهة فى الدين أن يسارع الى حلها واماطتها ، اما بالرجوع الى قوانين الدين وأدلته واما بمقادحة العلماء المنبهين على الحق - فسل علماء أهل الكتاب.
يعنى أنهم من الإحاطة بصحة ما أنزل إليك بحيث يصلحون لمراجعة مثلك ومساءلتهم فضلا عن غيرك.
فالغرض وصف الأحبار بالرسوخ فى العلم بصحة ما أنزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، لا وصف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم بالشك فيه.
لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أي ثبت عندك بالآيات والبراهين القاطعة أن ما أتاك هو الحق الذي لا مدخل فيه لمرية.
فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ أي اثبت ودم على ما أنت عليه من انتفاء المرية عنك.
[سورة يونس (10) : الآيات 95 الى 98]
وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (97) فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (98)
95 - وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ :
الخطاب للنبى صلّى اللّه عليه وآله وسلم والمراد من اتبعه ، أي لا تكن من زمرة المكذبين بآيات اللّه فتخسر دنياك وآخرتك.
96 - إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ :
حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ثبت عليهم قول اللّه.
97 - وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ :
أي ولو جئتهم بكل حجة مهما يكن وضوحها فلن يقتنعوا وسيستمرون على خلالهم الى أن ينتهى بهم الأمر الى العذاب الأليم.
98 - فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ :
فَلَوْ لا كانَتْ فهلا كانت.

(1/4366)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 79
قَرْيَةٌ واحدة من القرى التي أهلكناها تابت عن الكفر وأخلصت الايمان قبل المعاينة.
فَنَفَعَها إِيمانُها بأن يقبله اللّه منها لوقوعه فى وقت الاختيار.
إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ استثناء من القرى ، لأن المراد أهاليها ، وهو استثناء منقطع ، بمعنى : ولكن قوم يونس لما آمنوا.
ويجوز أن يكون استثناء متصلا والجملة فى معنى النفي ، كأنه قيل : ما آمنت قرية من القرى الهالكة الا قوم يونس. وانتصابه على أصل الاستثناء.
[سورة يونس (10) : آية 99]
وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)
99 - وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ :
أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ أي تحملهم كرها على الايمان.
[سورة يونس (10) : الآيات 100 الى 102]
وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100) قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102)
100 - وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ :
وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ أي سخط اللّه وعذابه.
101 - قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ :
ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من العبر.
وَ ما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ والرسل المنذرون ، أو الانذارات.
عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ لا يتوقع ايمانهم.
102 - فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ :
أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ وقائع اللّه تعالى فيهم.

(1/4367)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 80
[سورة يونس (10) : الآيات 103 الى 106]
ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (106)
103 - ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ :
وَ الَّذِينَ آمَنُوا ومن معهم من المؤمنين.
كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ مثل ذلك الانجاء ننجى المؤمنين منكم ونهلك المشركين.
حَقًّا عَلَيْنا اعتراض ، يعنى حق ذلك علينا حقا.
104 - قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ :
يا أَيُّهَا النَّاسُ يا أهل مكة.
إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي وصحته وسداده ، فهذا دينى فاسمعوا وصفه واعرضوه على عقولكم ، لتعلموا أنه دين لا مدخل فيه للشك.
فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فلا أعبد الحجارة التي تعبدونها من دون من هو إلهكم وخالقكم.
وَ لكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وصفه بالتوفى ليريهم بأنه الحقيق بأن يخاف ويتقى ، فيعبد دون ما لا يقدر على شىء.
وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعنى أن اللّه أمرنى بذلك ، لما ركب فى من العقل ، وبما أوحى الى فى كتابه.
105 - وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ :
أَقِمْ وَجْهَكَ استقم اليه ولا تلتفت يمينا ولا شمالا.
حَنِيفاً حال من (الدين) ، أو من (الوجه).
106 - وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ :

(1/4368)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 81
فَإِنْ فَعَلْتَ أي : فان دعوت من دون اللّه ما لا ينفعك ولا يضرك ، فكنى عنه بالفعل ايجازا.
فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ إذا ، جزاء للشرط وجواب لسؤال مقدر ، كأن سائلا سأل عن تبعة عبادة الأوثان.
مِنَ الظَّالِمِينَ جعل من الظالمين ، لأنه لا ظلم أعظم من الشرك.
[سورة يونس (10) : الآيات 107 الى 109]
وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109)
107 - وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ :
وَ إِنْ يَمْسَسْكَ الخطاب للنبى صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ فلن يكشفه عنك الا هو.
وَ إِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ وان يقدر لك الخير.
فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ فلن يمنعه عنك أحد.
108 - قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ :
قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ فلم يبق لكم عذر ولا على اللّه حجة.
فَمَنِ اهْتَدى فمن اختار الهدى واتباع الحق.
فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ فما نفع باختياره الا نفسه.
وَ مَنْ ضَلَّ ومن آثر الضلال.
فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها فما ضر الا نفسه. واللام ، وعلى ، ولا على معنى النفع والضر.
وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ بحفيظ موكول الى أمركم وحملكم على ما أريد ، انما أنا بشير ونذير.
109 - وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ :
حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ لك بالنصرة عليهم.

(1/4369)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 82
(11) سورة هود
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)
1 - الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ :
الر اشارة الى أن القرآن معجز ، مع أنه مكون من الحروف التي ينطقون بها.
كِتابٌ خبر مبتدأ محذوف.
أُحْكِمَتْ آياتُهُ نظمت نظما رصينا محكما لا يقع فيه نقض ولا خلل. وهى صفة لقوله كِتابٌ.
ثُمَّ فُصِّلَتْ كما تفصل القلائد بالفرائد ، من دلائل التوحيد ، والأحكام ، والمواعظ والقصص. أو جعلت فصولا ، سورة وسورة ، وآية آية ، وفرقت فى التنزيل ، ولم تنزل جملة واحدة. أو فصل فيها ما يحتاج اليه العباد ، أي بين ولخص.
أو فرقت بين الحق والباطل.
مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ صفة ثانية لقوله كِتابٌ.
ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر.
ويجوز أن يكون صلة لقوله أُحْكِمَتْ ، وفُصِّلَتْ أي من عنده أحكامها وتفصيلها.
2 - أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ :
أَلَّا تَعْبُدُوا مفعول له ، على معنى : لئلا تعبدوا.
أو تكون (أن) مفسرة ، لأن فى تفصيل الآيات معنى القول ، كأنه قيل : قال : لا تعبدوا الا اللّه ، أو أمركم أن لا تعبدوا الا اللّه.
3 - وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى

(1/4370)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 83
أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
:
وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا أي أمركم بالتوحيد والاستغفار.
ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ منقطعا عما قبله على لسان النبي ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، إغراء منه على اختصاص اللّه بالعبادة ، ويدل عليه قوله قبل (انى لكم بشير نذير).
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ أي ثم ارجعوا اليه بالطاعة.
يُمَتِّعْكُمْ يطول نفعكم فى الدنيا.
مَتاعاً حَسَناً بمنافع حسنة مرضية من عيشة واسعة ، ونعمة متتابعة.
إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى الى أن يتوفاكم.
وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ويعط فى الآخرة من كان له فضل فى العمل وزيادة فيه جزاء فضله لا يبخس منه.
وَ إِنْ تَوَلَّوْا وان تتولوا.
عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ هو يوم القيامة ، وصفه بالكبر كما وصفه بالعظم والثقل.
[سورة هود (11) : الآيات 4 الى 5]
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (5)
4 - إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :
بيان لعذاب اليوم الكبير بأن مرجعهم الى من هو قادر على كل شىء ، فكان قادرا على أشد ما أراد من عذابهم لا يعجزه.
5 - أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ :
يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يزورون عن الحق وينحرفون عنه ، لأن من أقبل

(1/4371)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 84
على الشيء استقبله بصدره ومن ازور وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه.
لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أي ويريدون ليستخفوا من اللّه ، فلا يطلع رسوله والمؤمنون على ازورارهم.
أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ ويزيدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم أيضا كراهة لاستماع كلام اللّه تعالى.
يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ أي انه لا تفاوت فى علمه بين أسرارهم واعلانهم ، فلا وجه لتوصلهم الى ما يريدون من الاستخفاء ، واللّه مطلع على ثنيهم صدورهم واستغشائهم ثيابهم ، ونفاقهم غير نافق عنده.
[سورة هود (11) : الآيات 6 الى 7]
وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (6) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
6 - وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ :
عَلَى اللَّهِ رِزْقُها تفضل من اللّه تعالى.
مُسْتَقَرَّها مكانها من الأرض ومسكنها.
وَ مُسْتَوْدَعَها حيث كانت مودعة قبل الاستقرار ، من صلب أو رحم أو بيضة.
كُلٌّ كل واحد من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها.
فِي كِتابٍ مُبِينٍ أي ذكرها مكتوب فى كتاب مبين.
7 - وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ :
وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ أي ما كان تحته خلق قبل خلق السموات والأرض ، وارتفاعه فوقها ، الا الماء.
لِيَبْلُوَكُمْ متعلق بقوله خَلَقَ أي خلقهن لحكمة بالغة ، وهى أن يجعلها مساكن لعباده ، وينعم عليهم فيها بفنون النعم ، ويكلفهم الطاعات

(1/4372)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 85
و اجتناب المعاصي ، فمن شكر وأطاع أثابه ، ومن كفر وعصى عاقبه.
ولما أشبه هذا اختبار المختبر قال : ليبلوكم. يريد : ليفعل بكم ما يفعل المبتلى لأحوالكم كيف تعملون.
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أي ليبلوكم أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم اللّه وأسرع فى طاعة اللّه.
إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ أي ان السحر أمر باطل ، وان بطلانه كبطلان السحر تشبيها له.
[سورة هود (11) : الآيات 8 الى 9]
وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9)
8 - وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ :
إِلى أُمَّةٍ الى جماعة من الأوقات.
ما يَحْبِسُهُ ما يمنعه من النزول ، استعجالا له على وجه التكذيب والاستهزاء.
يَوْمَ يَأْتِيهِمْ منصوب بخبر لَيْسَ ويستدل به على من يستجيز تقديم خبر (ليس) على (ليس) وذلك أنه إذا جاز تقديم معمول خبرها عليها ، كان ذلك دليلا على جواز تقديم خبرها ، إذ المعمول تابع للعامل ، فلا يقع الا حيث يقع العامل.
وَ حاقَ بِهِمْ وأحاط بهم.
ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ العذاب الذي كانوا به يستعجلون ، وإنما وضع يَسْتَهْزِؤُنَ موضع (يستعجلون) ، لأن استعجالهم كان على جهة الاستهزاء.
9 - وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ :
الْإِنْسانَ للجنس.
رَحْمَةً نعمة من صحة وأمن وجدة.

(1/4373)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 86
ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ ثم سلبنا تلك النعمة.
إِنَّهُ لَيَؤُسٌ شديد اليأس من أن تعود اليه مثل تلك النعمة المسلوبة.
كَفُورٌ عظيم الكفران لما سلف له من التقلب فى نعمة اللّه.
[سورة هود (11) : الآيات 10 الى 12]
وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)
10 - وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ :
ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي أي المصائب التي أساءتنى.
إِنَّهُ لَفَرِحٌ أشر بطر.
فَخُورٌ على الناس بما أذاقه اللّه من نعمائه ، قد شغله الفرح والفخر عن الشكر.
11 - إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ :
إِلَّا الَّذِينَ آمنوا ، فان عادتهم ان نالتهم رحمة أن يشكروا ، وان زالت عنهم نعمة أن يصبروا.
12 - فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ :
فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ أي لعلك تترك أن تلقيه إليهم وتبلغه إياهم مخافة ردهم له وتهاونهم به.
وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ بأن تتلوه عليهم.
أَنْ يَقُولُوا مخافة أن يقولوا.
لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أي هلا أنزل عليه ما اقترحنا نحن من الكنز والملائكة ولم ينزل عليه ما لا نريده ولا نقترحه.
إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ أي ليس عليك الا أن تنذرهم بما أوحى إليك وتبلغهم ما أمرت بتبليغه ولا عليك ردوا أو تهاونوا أو اقترحوا.

(1/4374)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 87
وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ بحفظ ما يقولون ، فتوكل عليه ، وكل أمرك اليه ، غير ملتفت الى استكبارهم ولا مبال بسفههم واستهزائهم.
[سورة هود (11) : الآيات 13 الى 15]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15)
13 - أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ :
أَمْ منقطعة.
افْتَراهُ الضمير يعود الى ما يُوحى إِلَيْكَ فى الآية السابقة.
بِعَشْرِ سُوَرٍ تحداهم أولا بعشر سور ، ثم بسورة واحدة.
مِثْلِهِ أي : أمثاله ، ذهابا الى مماثلة كل واحدة منها له.
مُفْتَرَياتٍ صفة لعشر سور.
14 - فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ :
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ أي : فان لم يستجيبوا لك وللمؤمنين.
فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ أي أنزل ملتبسا بما لا يعلمه الا اللّه من نظم معجز للخلق ، واخبار بغيوب لا سبيل لهم اليه.
وَ اعلموا عند ذلك.
أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اللّه وحده ، وأن توحيده واجب والإشراك به ظلم عظيم.
فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ مبايعون بالإسلام بعد هذه الحجة القاطعة.
15 - مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ :
نُوَفِّ إِلَيْهِمْ نوصل إليهم أجور أعمالهم وافية كاملة من غير بخس فى الدنيا ، وهو ما يرزقون فيها من الصحة والرزق.

(1/4375)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 88
[سورة هود (11) : الآيات 16 الى 17]
أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17)
16 - أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ :
وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وحبط فى الآخرة ما صنعوه ، أو صنيعهم.
يعنى لم يكن لهم ثواب ، لأنهم لم يريدوا به الآخرة ، انما أرادوا به الدنيا ، وقد وفى إليهم ما أرادوا.
وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي كان عملهم فى نفسه باطلا ، لأنه لم يعمل لوجه صحيح والعمل الباطل لا ثواب له.
وقرىء : وباطلا ، بالنصب ، على أن تكون (ما) إبهامية ، وينتصب بالفعل يَعْمَلُونَ ، ومعناه : وباطلا أي باطل كانوا يعملون. أو أن تكون بمعنى المصدر على : وبطل بطلانا ما كانوا يعملون.
17 - أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ :
أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ فمن كان على بينة من ربه ، كغيره ممن يريد الحياة الدنيا وزينتها.
مِنْ رَبِّهِ أي على برهان من اللّه وبيان أن دين الإسلام حق ، وهو دليل العقل.
وَ يَتْلُوهُ ويتبع ذلك البرهان.
شاهِدٌ أي شاهد يشهد بصحته ، وهو القرآن.
مِنْهُ من اللّه ، أو شاهد من القرآن.
وَ مِنْ قَبْلِهِ من قبل القرآن.
كِتابُ مُوسى وهو التوراة.
إِماماً كتابا مؤتما به فى الدين قدوة فيه.
وَ رَحْمَةً ونعمة عظيمة على المنزل إليهم.

(1/4376)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 89
أُولئِكَ أي من كان على بينة.
يُؤْمِنُونَ بِهِ يؤمنون بالقرآن.
مِنَ الْأَحْزابِ يعنى أهل مكة ومن ضامهم من المتحزبين على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
فِي مِرْيَةٍ فى شك.
مِنْهُ من القرآن ، أو من الموعد.
[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 20]
وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (19) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20)
18 - وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ :
يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ يحبسون فى الموقف وتعرض أعمالهم.
وَ يَقُولُ الْأَشْهادُ ويشهد عليهم الأشهاد من الملائكة والنبيين بأنهم الكذابون على اللّه بأنه اتخذ ولدا وشريكا.
(ألا لعنة الله على الكاذبين) ويقال : ألا لعنة اللّه على الكاذبين.
19 - الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ :
وَ يَبْغُونَها عِوَجاً أي يعدلون بالناس عنها الى المعاصي والشرك.
20 - أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ :
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ أي ما كانوا يعجزون اللّه فى الدنيا أن يعاقبهم لو أراد عقابهم ، وما كان لهم من يتولاهم فينصرهم منه ويمنعهم من عقابه.
ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ أي إنهم لفرط تصامهم عن استماع الحق وكراهتهم له ، كأنهم لا يستطيعون السمع.

(1/4377)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 90
[سورة هود (11) : الآيات 21 الى 25]
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25)
21 - أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ
:
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
اشتروا عبادة الآلهة بعبادة اللّه.
وَ ضَلَّ عَنْهُمْ
بطل عنهم وضاع ما اشتروه.
ما كانُوا يَفْتَرُونَ
من الآلهة وشفاعتها.
22 - لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ :
لا جَرَمَ لا صد ولا منع عن أنهم.
هُمُ الْأَخْسَرُونَ لا ترى أحدا أبين خسرانا منهم.
23 - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ :
وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ واطمأنوا اليه وانقطعوا الى عبادته بالخشوع والتواضع.
24 - مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ :
كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ أي فريق الكافرين.
وَ الْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ أي فريق المؤمنين.
وهو من الطباق ، وفيه معنيان :
أن يشبه الفريق تشبيهين اثنين.
وأن يشبه الذي جمع بين العمى والصمم ، أو الذي جمع بين البصر والسمع ، على أن تكون الواو فى وَالْأَصَمِّ وفى وَالسَّمِيعِ لعطف الصفة على الصفة.
هَلْ يَسْتَوِيانِ يعنى الفريقين.
مَثَلًا تشبيها.
25 - وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ :

(1/4378)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 91
أي أرسلنا نوحا بأنى لكم نذير ، والمعنى : أرسلناه ملتبسا بهذا الكلام ، وهو قوله إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ.
[سورة هود (11) : الآيات 26 الى 28]
أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (28)
26 - أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ :
أَنْ لا تَعْبُدُوا بدل من إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أي أرسلناه بأن لا تعبدوا إلا اللّه.
أو تكون أَنْ مفسرة متعلقة بقوله أَرْسَلْنا أو بقوله نَذِيرٌ.
يَوْمٍ أَلِيمٍ وصف اليوم بقوله أَلِيمٍ من الاسناد المجازى لوقوع الألم فيه.
27 - فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ :
الْمَلَأُ الأشراف.
ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا تعريض بأنهم أحق منه بالنبوة وأن اللّه لو أراد أن يجعلها فى أحد من البشر لجعلها فيهم.
مِنْ فَضْلٍ من زيادة شرف علينا تؤهلكم للنبوة.
بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ فيما تدعونه.
28 - قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ :
أَ رَأَيْتُمْ أخبرونى.
إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ على برهان.
مِنْ رَبِّي وشاهد منه يشهد بصحة دعواى.
وَ آتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ بإيتاء البينة على أن البينة فى نفسها هى الرحمة.
ويجوز أن يريد بالبينة : المعجزة ، وبالرحمة : النبوة.

(1/4379)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 92
فَعُمِّيَتْ فخفيت.
وعلى الوجه الأول فى تفسير البينة والرحمة فالسياق ظاهر.
وأما على الوجه الثاني فحقه أن قال : فعميتا ، والوجه أن يقدر :
فعميت ، بعد البينة ، وأن يكون حذفه للاقتصار على ذكره مرة.
أَ نُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ أي : أنكرهكم على قبولها ونقسركم على الاهتداء بها ، وأنتم تكرهونها ولا تختارونها.
[سورة هود (11) : الآيات 29 الى 31]
وَ يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (29) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)
29 - وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ :
لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ الضمير فى قوله عَلَيْهِ راجع الى قوله إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ الآيتان : 25 ، 26.
إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ أي انهم يلاقون اللّه فيعاقب من طردهم ، أو انهم مصدقون بلقاء ربهم موقنون به عالمون أنهم ملاقوه لا محالة.
قَوْماً تَجْهَلُونَ تتسافهون على المؤمنين وتدعونهم أراذل. أو تجهلون بلقاء ربكم ، أو تجهلون أنهم خير منكم.
30 - وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ :
مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ من يمنعنى من انتقامه.
إِنْ طَرَدْتُهُمْ وكانوا يسألونه أن يطردهم ليؤمنوا به ، أنفة من أن يكونوا معهم على سواء.
31 - وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ :
وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ معطوف على عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ أي لا أقول عندى خزائن اللّه ولا أقول : أنا أعلم الغيب.

(1/4380)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 93
و المعنى : لا أقول لكم عندى خزائن اللّه فأدعى فضلا عليكم فى الغنى حتى تجحدوا فضلى بقولكم وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ ولا أدعى علم الغيب حتى تنسبونى الى الكذب والافتراء ، أو حتى أطلع على ما فى نفوس أتباعى وضمائر قلوبهم.
وَ لا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ حتى تقولوا لى : ما أنت إلا بشر مثلنا.
وَ لا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ ولا أحكم على من استرذلتم من المؤمنين لفقرهم.
لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً ان اللّه لن يؤتيهم خيرا فى الدنيا والآخرة لهوانهم عليه كما تقولون ، مساعدة لكم ونزولا على هواكم.
إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ان قلت شيئا من ذلك.
[سورة هود (11) : الآيات 32 الى 34]
قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)
32 - قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ :
جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا أردت جدالنا وشرعت فيه فأكثرته.
فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب المعجل.
33 - قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ :
إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ أي ليس الإتيان بالعذاب إلى انما هو إلى من كفرتم به وعصيتموه.
إِنْ شاءَ أي إن اقتضت حكمته أن يعجله لكم.
34 - وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ :
وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ أي إنكم إذا كنتم من التصميم على الكفر بالمنزلة التي لا تنفعكم نصائح اللّه كيف ينفعكم نصحى.

(1/4381)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 94
أَنْ يُغْوِيَكُمْ أي : أن يهلككم.
[سورة هود (11) : الآيات 35 الى 37]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)
35 - أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ :
فَعَلَيَّ إِجْرامِي أي عقاب إجرامى أي افترائى.
وَ أَنَا بَرِيءٌ أي لم يثبت ذلك وأنا برىء منه.
مِمَّا تُجْرِمُونَ من إجرامكم فى إسناد الافتراء إلى فلا وجه لإعراضكم ومعاداتكم.
36 - وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ :
لَنْ يُؤْمِنَ اقناط من إيمانهم وأنه كالمحال الذي لا تعلق به لمتوقع.
إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ الا من قد وجد منه ما كان يتوقع من إيمانه وقد للتوقع وقد أصابت محزها.
فَلا تَبْتَئِسْ فلا تحزن حزن يائس مستكين.
والمعنى فلا تحزن بما فعلوه من تكذيبك وإيذائك ومعاداتك فقد حان وقت الانتقام لك منهم.
37 - وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ :
بِأَعْيُنِنا فى موضع الحال. والمعنى : اصنعها محفوظا كأن اللّه معه أعينا تكلؤه أن يزيغ فى صنعته عن الصواب ، وأن يحول بينه وبين عمله أحد من أعدائه.
وَ وَحْيِنا وأنا نوحى إليك ونلهمك كيف تصنع.
وَ لا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ولا تدعنى فى شأن قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك.

(1/4382)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 95
إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ انهم محكوم عليهم بالاغراق.
[سورة هود (11) : الآيات 38 الى 40]
وَ يَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40)
38 - وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ :
وَ يَصْنَعُ الْفُلْكَ حكاية حال ماضية.
سَخِرُوا مِنْهُ ومن عمله السفينة.
فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ يعنى فى المستقبل.
كَما تَسْخَرُونَ منا الساعة.
39 - فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ :
مَنْ يَأْتِيهِ فى محل نصب والناصب تَعْلَمُونَ أي فسوف تعلمون الذي يأتيه عذاب يخزيه.
وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ حلول الدين والحق اللازم لا انفكاك عنه.
عَذابٌ مُقِيمٌ وهو عذاب الآخرة.
40 - حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ :
حَتَّى هى التي يبتدأ بعدها الكلام ، دخلت على الجملة من الشرط والجزاء.
التَّنُّورُ وجه الأرض.
زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يعنى ذكرا وأنثى.
وَ أَهْلَكَ عطف على اثْنَيْنِ.
إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ أنه من أهل النار من أهله.

(1/4383)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 96
وَ مَنْ آمَنَ عطف على وَأَهْلَكَ يعنى : وأحمل أهلك والمؤمنين من غيرهم.
[سورة هود (11) : الآيات 41 الى 43]
وَ قالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (42) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)
41 - وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ :
بِسْمِ اللَّهِ حال من الواو فى ارْكَبُوا أي : اركبوا فيها مسمين اللّه ، أو قائلين : بسم اللّه.
مَجْراها وَمُرْساها وقت إجرائها ووقت ارسائها ، اما لأن المجرى والمرسى للوقت ، واما لأنهما مصدر ان كالاجراء والارساء ، حذف منهما الوقت المضاف.
وانتصابهما فى بِسْمِ اللَّهِ من معنى الفعل ، أو بما فيه من ارادة القول.
إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لو لا مغفرته لذنوبكم ورحمته إياكم لما نجاكم.
42 - وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ :
وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ متعلق بمحذوف دل عليه ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ كأنه قيل : فركبوا فيها يقولون بِسْمِ اللَّهِ وهى تجرى بهم ، أي :
تجرى وهم فيها.
فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ يريد موج الطوفان ، شبه كل موجة منه بالجبل فى تراكمها وارتفاعها.
43 - قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ ، قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِم َ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ
:
لا عاصِمَ لا مانع. أو لا معصوم ، أو لا ذا عصمة.

(1/4384)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 97
إِلَّا مَنْ رَحِمَ أي الا من رحمه اللّه ، أي لكن من يرحمه اللّه فهو يعصمه.
[سورة هود (11) : الآيات 44 الى 46]
وَ قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46)
44 - وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ :
وَ قِيلَ يا أَرْضُ أي ان هذه الأجرام العظام منقادة لتكوينه فيها ما يشاء غير ممتنعة عليه ، كأنها عقلاء مميزون.
وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي أمسكى.
غِيضَ الْماءُ أي نقص.
وَ قُضِيَ الْأَمْرُ وأنجز ما وعد اللّه نوحا من هلاك قومه.
وَ اسْتَوَتْ واستقرت السفينة.
عَلَى الْجُودِيِّ وهو جبل بالموصل.
وَ قِيلَ بُعْداً أي هلاكا.
45 - وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ :
إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي أي بعض أهلى ، لأنه كان ابنه من صلبه ، أو كان ربيبا له فهو بعض أهله.
وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وأن كل وعد تعده فهو الحق الثابت الذي لا شك فى إنجازه والوفاء به وقد وعدتنى أن تنجى أهلى ، فما بال ولدي.
وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ أي أعلم الحكام وأعدلهم.
46 - قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ :
إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ تعليل لانتفاء كونه من أهله.
وقيل : أي ابنك ذو عمل غير صالح ، فحذف المضاف.

(1/4385)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 98
و قيل : الضمير لنداء نوح ، أي ان نداءك هذا عمل غير صالح وليس بذاك.
وقرىء : انه عمل - على الفعلية - غير صالح ، من الكفر والتكذيب.
[سورة هود (11) : الآيات 47 الى 49]
قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)
47 - قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ :
أَنْ أَسْئَلَكَ من أن أطلب منك فى المستقبل ما لا علم لى بصحته ، تأدبا بأدبك واتعاظا بموعظتك.
وَ إِلَّا تَغْفِرْ لِي ما فرط منى من ذلك.
وَ تَرْحَمْنِي بالتوبة على.
أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ أعمالا.
48 - قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ :
بِسَلامٍ مِنَّا مسلما محفوظا من جهتنا. أو مسلما عليك مكرما.
وَ بَرَكاتٍ عَلَيْكَ ومباركا عليك.
وَ عَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ يحتمل أن تكون (من) للبيان ، فيراد :
الأمم الذين كانوا معه فى السفينة ، لأنهم كانوا جماعات. أو قيل لهم أمم ، لأن الأمم تتثعب منهم وأن تكون لابداء الغاية ، أي على أمم ممن معك ، وهى الأمم الى آخر الدهر.
وَ أُمَمٌ رفع بالابتداء.
سَنُمَتِّعُهُمْ صفة ، والخبر محذوف ، تقديره : وممن معك سنمتعهم ، وانما حذف لأن قوله مِمَّنْ مَعَكَ يدل عليه.
49 - تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ :

(1/4386)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 99
تِلْكَ اشارة الى قصة نوح عليه السلام ، ومحلها الرفع على الابتداء ، والجمل بعدها أخبار.
وَ لا قَوْمُكَ أي : ان قومك الذين أنت منهم على كثرتهم ووفور عددهم إذا لم يكن ذلك شأنهم ، ولا سمعوه ولا عرفوه ، فكيف برجل منهم.
مِنْ قَبْلِ هذا أي من قبل ايحائى إليك واخبارك بها ، أو من قبل هذا العلم الذي كسبته بالوحى ، أو من قبل هذا الوقت.
فَاصْبِرْ على تبليغ الرسالة وأذى قومك ، كما صبر نوح ، وتوقع فى العاقبة لك ولمن كذبك نحو ما قيض لنوح ولقومه.
إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ فى الفوز والنصر والغلبة للمتقين.
[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 52]
وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (50) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (51) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)
50 - وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ :
أَخاهُمْ واحدا منهم ، وانتصابه للعطف على (نوحا).
هُوداً عطف بيان.
غَيْرُهُ بالرفع ، صفة على محل الجار والمجرور.
وقرىء : غيره ، بالجر ، صفة على اللفظ.
إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ تفترون على اللّه الكذب باتخاذكم الأوثان له شركاء.
51 - يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ :
أَ فَلا تَعْقِلُونَ إذ تردون النصيحة ممن لا يطلب عليها أجرا الا من اللّه وهو ثواب الآخرة.
52 - وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ :

(1/4387)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 100
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ آمنوا به.
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ من عبادة غيره ، لأن التوبة لا تصلح الا بعد الايمان.
مِدْراراً كثيرة الدر.
وَ لا تَتَوَلَّوْا ولا تعرضوا عنى وعما أدعوكم اليه وأرغبكم فيه.
مُجْرِمِينَ مصرين على اجرامكم وآثامكم.
[سورة هود (11) : الآيات 53 الى 55]
قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55)
53 - قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ :
عَنْ قَوْلِكَ حال من الضمير فى بِتارِكِي آلِهَتِنا ، كأنه قيل :
و ما نترك آلهتنا صادرين عن قولك.
وَ ما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ وما يصح من أمثالنا أن يصدقوا مثلك فيما يدعوهم اليه إقناطا له من الاجابة.
54 - إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ :
اعْتَراكَ مفعول نَقُولُ ، وإِلَّا لغو. والمعنى : ما نقول الا قولنا اعتراك بعض آلهتنا بسوء.
بِسُوءٍ أي خبلك ومسك بجنون لسبك إياها وصدك عنها وعداوتك لها.
55 - مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ :
مِنْ دُونِهِ من اشراككم آلهة من دونه أو مما تشركونه من آلهة من دونه ، أي أنتم تجعلونها شركاء له ، ولم يجعلها هو شركاء ، ولم ينزل بذلك سلطانا.
فَكِيدُونِي جَمِيعاً أنتم وآلهتكم.

(1/4388)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 101
ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ أعجل ما تفعلون ، من غير انتظار ، فانى لا أبالى بكم وبكيدكم.
[سورة هود (11) : الآيات 56 الى 59]
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)
56 - إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ :
إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي انه على طريق الحق والعدل فى ملكه ، لا يفوته ظالم ولا يضيع عنده معتصم به.
57 - فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ :
فَإِنْ تَوَلَّوْا فان تتولوا.
وَ يَسْتَخْلِفُ كلام مستأنف ، يريد : ويهلككم اللّه ويجىء بقوم آخرين يخلفونكم فى دياركم وأموالكم.
وقرىء : (ويستخلف) بالجزم.
وَ لا تَضُرُّونَهُ بتوليكم.
وقرىء : (ولا تضروه) عطفا على محل فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ.
شَيْئاً من ضرر قط.
عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أي رقيب عليه مهيمن ، فما تخفى عليه أعمالكم.
58 - وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ :
بِرَحْمَةٍ مِنَّا بسبب الايمان الذي أنعمنا عليهم بالتوفيق له.
59 - وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ :
وَ تِلْكَ عادٌ اشارة الى قبورهم وآثارهم.

(1/4389)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 102
وَ عَصَوْا رُسُلَهُ لأنهم إذا عصوا رسولهم فقد عصوا جميع رسل اللّه.
وَ اتَّبَعُوا أطاعوا.
كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ يريد رؤساءهم وكبراءهم.
[سورة هود (11) : الآيات 60 الى 62]
وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)
60 - وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ :
بُعْداً دعاء بالهلاك.
قَوْمِ هُودٍ عطف بيان لعاد.
61 - وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ :
هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ لم ينشئكم فيها الا هو.
وَ اسْتَعْمَرَكُمْ وأمركم بالعمارة.
قَرِيبٌ دانى الرحمة سهل المطلب.
مُجِيبٌ لمن دعاه وسأله.
62 - قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ :
فِينا فيما بيننا.
مَرْجُوًّا كانت تلوح فيك مخايل الخير وأمارات الرشد فكنا نرجوك لننتفع بك ، وتكون مشاورا فى الأمور ومسترشدا فى التدابير.
يَعْبُدُ آباؤُنا حكاية حال ماضية.
مُرِيبٍ يوقع فى الريبة ، وهى قلق النفس وانتفاء الطمأنينة باليقين.

(1/4390)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 103
[سورة هود (11) : الآيات 63 الى 68]
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68)
63 - قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ :
فَما تَزِيدُونَنِي إذن.
غَيْرَ تَخْسِيرٍ يعنى تخسرون أعمالى وتبطلونها.
64 - وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ :
آيَةً نصب على الحال قد عمل فيه ما دل عليه اسم الاشارة من معنى الفعل.
لَكُمْ حال متقدمة لقوله آيَةً لأنها لو تأخرت عنها لكانت صفة لها.
عَذابٌ قَرِيبٌ عاجل لا يستأخر.
65 - فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ :
تَمَتَّعُوا استمتعوا بالعيش.
فِي دارِكُمْ فى بلدكم.
غَيْرُ مَكْذُوبٍ غير مكذوب فيه.
66 - فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ :
وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ أي : ونجيناهم من خزى يومئذ.
67 - وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ :
الصَّيْحَةُ صيحة من السماء.
جاثِمِينَ ساقطين على وجوههم.
68 - كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ :

(1/4391)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 104
بُعْداً هلاكا.
[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 72]
وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)
69 - وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ :
رُسُلُنا أي الملائكة.
بِالْبُشْرى بالبشارة بالولد.
سَلاماً سلمنا عليك سلاما.
سَلامٌ أمركم سلام.
فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ فما لبث فى المجيء به ، بل عجل فيه ، أو فما لبث مجيئه.
حَنِيذٍ مشوى بالحجارة المحماة.
70 - فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ :
نَكِرَهُمْ استوحش منهم.
وَ أَوْجَسَ أضمر.
71 - وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ :
قائِمَةٌ على رؤوسهم تخدمهم.
فَضَحِكَتْ سرورا بزوال الخيفة ، أو بهلال أهل الخبائث.
72 - قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ :
شَيْخاً نصب بما دل عليه اسم الاشارة.
عَجِيبٌ أن يولد ولد من هرمين ، وهو استبعاد من حيث العادة التي أجراها اللّه تعالى.

(1/4392)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 105
[سورة هود (11) : الآيات 73 الى 76]
قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)
73 - قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ :
رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ أي ان هذه وأمثالها مما يكرمكم به رب العزة (ويخصكم بالانعام به) يا أهل بيت النبوة ، فليست بمكان عجب.
حَمِيدٌ فاعل ما يستوجب به الحمد من عباده.
مَجِيدٌ كريم كثير الإحسان إليهم.
74 - فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ :
الرَّوْعُ ما أوجس من الخيفة حين نكر أضيافه ، أي انه لما اطمأن قلبه بعد الخوف ، وملىء سرورا بسبب البشرى فرغ للمجادلة.
75 - إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ :
لَحَلِيمٌ غير عجول على كل من أساء اليه.
أَوَّاهٌ كثير التأوه من الذنوب.
مُنِيبٌ تائب راجع الى اللّه بما يحب ويرضى.
76 - يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ :
يا إِبْراهِيمُ على ارادة القول ، أي قالت له الملائكة :
أَعْرِضْ عَنْ هذا الجدال ، وان كانت الرحمة ديدنك ، فلا فائدة منه.
إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وهذا قضاؤه وحكمه الذي لا يصدر إلا عن صواب وحكمة.
عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ والعذاب نازل بالقوم لا محالة ، لا مرد له بجدال ولا دعاء ولا غير ذلك.

(1/4393)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 106
[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 81]
وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِي ءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (79) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)
77 - وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِي ءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ :
سِي ءَ بِهِمْ أي ساءه مجيئهم.
وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً أي ضاق صدره بمجيئهم وكرهه.
يَوْمٌ عَصِيبٌ أي شديد فى الشر.
78 - وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ :
يُهْرَعُونَ يسرعون.
وَ مِنْ قَبْلُ أي ومن قبل مجىء الرسل.
كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أي كانت عادتهم إتيان الرجال.
هؤُلاءِ بَناتِي ابتداء وخبر.
هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ابتداء وخبر ، أي أزوجكموهن.
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أي لا تهينونى ولا تذلونى.
أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ أي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
79 - قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ :
وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ اشارة الى الأضياف.
80 - قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ :
لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أي أنصارا وأعوانا.
أَوْ آوِي أي ألجأ وأنصرف.
81 - قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ :

(1/4394)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 107
لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بمكروه.
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ أي سر من أول الليل.
بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ بطائفة من الليل.
وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أي لا ينظر وراءه منكم أحد ، أو لا يتخلف منكم أحد.
إِلَّا امْرَأَتَكَ بالنصب على الاستثناء.
إِنَّهُ مُصِيبُها من العذاب.
[سورة هود (11) : الآيات 82 الى 85]
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)
82 - فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ :
مِنْ سِجِّيلٍ السجيل : الكثير الشديد.
مَنْضُودٍ متتابع.
83 - مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ :
مُسَوَّمَةً معلمة ، نعت للحجارة.
بِبَعِيدٍ أي لم تكن تخطئهم.
84 - وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ :
إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ بثروة واسعة تغنيكم عن التطفيف. أو أراكم بنعمة من اللّه حقها أن تقابل بغير ما تفعلون.
عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ مهلك.
85 - وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ :
وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ لا تنقصوهم مما استحقوا شيئا.

(1/4395)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 108
وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ العثى فى الأرض ، نحو السرقة والغارة وقطع السبيل.
[سورة هود (11) : الآيات 86 الى 89]
بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)
86 - بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ :
بَقِيَّتُ اللَّهِ ما يبقى لكم من الحلال بعد التنزه عما هو حرام عليكم.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بشرط أن تؤمنوا.
87 - قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل فى أموالنا ما نشاؤا إنك لأنت الحليم الرشيد :
أ صلواتك للسخرية والهزء.
88 - قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ :
وَ رَزَقَنِي مِنْهُ أي من لدنه.
رِزْقاً حَسَناً وهو ما رزقه من النبوة والحكمة.
مَا اسْتَطَعْتُ أي مدة استطاعتي للاصلاح.
وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ وما كونى موفقا لاصابة الحق فيما آتى وأذر ، ووقوعه موافقا لرضا اللّه الا بمعونته وتأييده.
89 - وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ :
لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ أي لا يكسبنكم شقاقى إصابة العذاب.
وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ يعنى أنهم أهلكوا فى عهد قريب من عهدكم فهم أقرب الهالكين منكم.

(1/4396)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 109
[سورة هود (11) : الآيات 90 الى 93]
وَ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (91) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)
90 - وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ :
رَحِيمٌ وَدُودٌ عظيم الرحمة ، فاعل بهم ما يفعل البليغ المودة بمن يوده من الإحسان والإجمال.
91 - قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ :
ما نَفْقَهُ ما نفهم.
كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ لأنهم كانوا لا يلقون اليه أذهانهم رغبة عنه وكراهية له.
فِينا ضَعِيفاً لا قوة لك ولا عز فيما بيننا ، فلا تقدر على الامتناع منا ان أردنا بك مكروها.
لَرَجَمْناكَ لقتلناك شر قتلة.
وَ ما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ أي لا تعز علينا ولا تكرم وانما يعز علينا رهطك ، لأنهم من أهل ديننا.
92 - قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ :
أَ رَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ أي ان تهاونهم به تهاون باللّه ، فحين عز عليهم رهطه دونه ، كان رهطه أعز عليهم من اللّه.
وَ اتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا ونسيتموه وجعلتموه كالشىء المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به.
و الله بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ قد أحاط بأعمالكم علما ، فلا يخفى عليه شىء منها.
93 - وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ :
اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ أي اعملوا قارين على جهتكم التي أنتم عليها من الشرك والشنآن لى ، أو اعملوا متمكنين من عداوتى مصغين لها.

(1/4397)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 110
إِنِّي عامِلٌ على حسب ما يؤتينى اللّه من النصر أو التأييد ويمكننى.
مَنْ يَأْتِيهِ من استفهامية معلقة لفعل العلم عن عمله فيها كأنه قيل : أسوف تعلمون الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه والذي هو كاذب.
وَ مَنْ هُوَ كاذِبٌ يعنى فى زعمكم ودعواكم ، تجهيلا لهم.
وَ ارْتَقِبُوا وانتظروا العاقبة وما أقول لكم.
إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ منتظر.
[سورة هود (11) : الآيات 94 الى 98]
وَ لَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (96) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)
94 - وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ :
الصَّيْحَةُ صيحة السماء.
جاثِمِينَ هامدين.
95 - كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ :
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا كأن لم يقيموا فى ديارهم أحياء متصرفين مترددين.
أَلا بُعْداً ألا هلاكا. وقيل : بعدا لهم من الرحمة كما بعدت ثمود منها.
96 - وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ :
بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ أي آيات فيها سلطان مبين لموسى على صدق نبوته ، أو أن المراد بالسلطان المبين : العصا ، لأنها أبهرها.
97 - إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ :
وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ تجهيل لمتبعيه حيث شايعوه على أمره ، وهو ضلال مبين لا يخفى على من فيه أدنى مسكة من العقل ، أي وما أمر فرعون بصالح حميد العاقبة.
98 - يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ :

(1/4398)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 111
يَقْدُمُ قَوْمَهُ أي كيف يرشد أمر من هذه عاقبته.
فَأَوْرَدَهُمُ أي فيوردهم ، لأن الماضي يدل على أمر موجود مقطوع به ، أي يقدمهم فيوردهم النار لا محالة.
الْوِرْدُ المورود.
الْمَوْرُودُ الذي وردوه.
[سورة هود (11) : آية 99]
وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)
99 - وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ :
وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدنيا.
لَعْنَةً أي يلعنون فى الدنيا.
وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي ويلعنون فى الآخرة.
بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ أي بئس العطاء المعطى ، أو بئس العون المعان ، وهذا لأن اللعنة فى الدنيا رفد للعذاب ، وقد رفدت بالعذاب فى الآخرة.
[سورة هود (11) : الآيات 100 الى 101]
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)
100 - ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ :
ذلِكَ مبتدأ.
مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ خبر بعد خبر ، أي ذلك النبأ بعض أنباء القرى المهلكة مقصوص عليك.
مِنْها الضمير للقرى.
قائِمٌ باق.
وَ حَصِيدٌ عافى الأثر.
101 - وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ :
وَ ما ظَلَمْناهُمْ باهلاكنا إياهم.
وَ لكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بارتكابهم ما به أهلكوا.

(1/4399)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 112
فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ فما قدرت أن ترد عنهم بأس اللّه.
الَّتِي يَدْعُونَ التي يعبدون.
لَمَّا منصوب بقوله فَما أَغْنَتْ.
أَمْرُ رَبِّكَ عذابه ونقمته.
تَتْبِيبٍ تخسير.
[سورة هود (11) : الآيات 102 الى 105]
وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)
102 - وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ :
وَ كَذلِكَ محل الكاف الرفع ، والتقدير : ومثل ذلك الأخذ أخذ ربك.
وَ هِيَ ظالِمَةٌ حال من الْقُرى .
أَلِيمٌ شَدِيدٌ وجيع صعب على المأخوذ.
103 - إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ :
ذلِكَ اشارة الى ما قص اللّه من قصص الأمم الهالكة بذنوبهم.
لَآيَةً لِمَنْ خافَ لعبرة له.
النَّاسُ رفع باسم المفعول الذي هو مَجْمُوعٌ.
يَوْمٌ مَشْهُودٌ أي يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد.
والمشهود : الذي كثر مشاهدوه.
104 - وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ :
إِلَّا لِأَجَلٍ الأجل ، يطلق على مدة التأجيل كلها ، وعلى منتهاها.
والعد انما هو للمدة لا لغايتها ومنتهاها ، والمعنى : الا لانتهاء مدة معدودة ، بحذف المضاف.
105 - يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ :

(1/4400)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 113
يَوْمَ يَأْتِ حذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة كثير فى لغة هذيل.
والفاعل اللّه عز وجل. ويجوز أن يكون الفاعل ضمير اليوم.
وانتصاب الظرف يَوْمَ بإضمار (اذكر) أو بقوله لا تَكَلَّمُ واما بالانتهاء المحذوف فى قوله إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ أي ينتهى الأجل يوم يأتى.
فَمِنْهُمْ الضمير لأهل الموقف ، ولم يذكروا لأن ذلك معلوم ، ولأن قوله لا تَكَلَّمُ يدل عليه.
شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ الشقي : الذي وجبت له النار لإساءته. والسعيد :
الذي وجبت له الجنة لإحسانه.
[سورة هود (11) : الآيات 106 الى 109]
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)
106 - فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ :
زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ الزفير : إخراج النفس ، والشهيق : رده.
107 - خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ :
ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أي سماوات الآخرة وأرضها ، فهى دائمة مخلوقة للأبد. أو أن المراد التأبيد ونفى الانقطاع.
إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ استثناء من الخلود فى عذاب النار ، فمن أهل النار من يبقون فيها الى حين.
فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ يفعل بأهل النار ما يريد من العذاب.
108 - وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ :
إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ فان من أهل الجنة من يرقى الى ما هو أجل موقعا ، وهو رضوان اللّه.
غَيْرَ مَجْذُوذٍ غير مقطوع ، ولكنه ممتد الى غير نهاية.
109 - فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ :

(1/4401)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 114
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ فى شك مما أنزل عليك مما سيعرض لهم من سوء عاقبة عبادتهم.
ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ أي ان حالهم فى الشرك مثل حال آبائهم من غير تفاوت بين الحالين ، وقد بلغك ما نزل بآبائهم فسينزلن بهم مثله.
وَ إِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ أي حظهم من العذاب كما وفينا آباءهم أنصباءهم.
غَيْرَ مَنْقُوصٍ حال.
[سورة هود (11) : الآيات 110 الى 112]
وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)
110 - وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ :
فَاخْتُلِفَ فِيهِ آمن به قوم وكفر به قوم.
وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ أي كلمة الإنظار الى يوم القيامة.
لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بين قوم موسى.
111 - وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ :
وَ إِنَّ كُلًّا التنوين عوض من المضاف اليه ، يعنى : وإن كلهم.
لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ جواب قسم محذوف ، واللام فى لَمَّا موطئة للقسم. وما ، زائدة ، والمعنى : وان جميعهم واللّه ليوفينهم.
رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ من حسن وقبيح ، وايمان وجحود.
112 - فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ :
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ فاستقم استقامة مثل الاستقامة التي أمرت بها على جادة الحق ، غير عادل عنها.
وَ لا تَطْغَوْا ولا تخرجوا عن حدود اللّه.
إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ عالم ، فهو مجازيكم به ، فاتقوه.

(1/4402)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 115
[سورة هود (11) : الآيات 113 الى 116]
وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116)
113 - وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ :
وَ لا تَرْكَنُوا الركون ، هو الميل اليسير.
إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أي : الى الذين وجد فيهم الظلم.
وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ حال من قوله فَتَمَسَّكُمُ أي فتمسكم النار وأنتم على هذه الحال.
والمعنى : وما لكم من دون اللّه من أنصار تقدرون على منعكم من عذابه ، لا يقدر على منعكم منه غيره.
ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ثم لا ينصركم هو.
114 - وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ :
طَرَفَيِ النَّهارِ غدوة وعشية. وصلاة الغدوة الفجر. وصلاة العشية الظهر والعصر. وطرفى ، منصوب على الظرف ، لأنهما مضافان الى الوقت.
وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ وساعات من الليل ، وهى ساعاته القريبة من آخر النهار.
ذلِكَ اشارة الى قوله فَاسْتَقِمْ فما بعده.
ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ عظة للمتعظين.
115 - وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ :
وَ اصْبِرْ بيان لمكان الصبر ومحله.
فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ الذين أقاموا الصلوات وانتهوا عن الطغيان ولم يركنوا الى الظالمين وصبروا وفعلوا غير ذلك من الحسنات.
116 - فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ :
فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ فهلا كان.

(1/4403)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 116
أُولُوا بَقِيَّةٍ أولوا فضل وخير. أي فلو كان منهم أولوا مراقبة وخشية من انتقام اللّه.
إِلَّا قَلِيلًا استثناء منقطع. والمعنى : ولكن قليلا ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد ، وسائرهم تاركون للنهى.
مِمَّنْ أَنْجَيْنا من ، للبيان لا للتبعيض ، لأن النجاة انما هى للناهين وحدهم.
وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي تاركوا النهى عن المنكرات.
ما أُتْرِفُوا فِيهِ أي ما غرقوا فيه من حب الرياسة والثروة ، ورفضوا ما وراء ذلك ونبذوه وراء ظهورهم.
وَ كانُوا مُجْرِمِينَ مغمورين بالآثام.
[سورة هود (11) : الآيات 117 الى 119]
وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)
117 - وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ :
وَ ما كانَ وما صح واستقام.
لِيُهْلِكَ اللام لتأكيد النفي.
بِظُلْمٍ حال من الفاعل.
و المعنى : واستحال فى الحكمة أن يهلك اللّه القرى ظالما أهلها.
وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ وأهلها قوم مصلحون ، تنزيها لذاته عن الظلم ، وإيذانا بأن إهلاك المصلحين من الظلم.
118 - وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ :
أُمَّةً واحِدَةً أي ملة واحدة ، فهو لم يضطرهم الى ذلك ولكنه مكنهم من الاختيار الذي هو أساس التكليف ، فاختار بعضهم الحق وبعضهم الباطل ، فاختلفوا.
119 - إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ :
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ الا ناسا هداهم اللّه ولطف بهم.
وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ اشارة الى ما دل عليه الكلام الأول وتضمنه.

(1/4404)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 117 يعنى : ولذلك من التمكين والاختيار الذي كان عنه الاختلاف فى خلقهم.
وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ وهى قوله للملائكة :
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لعلمه بكثرة من يختار الباطل.
[سورة هود (11) : الآيات 120 الى 123]
وَ كُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)
120 - وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ :
وَ كُلًّا التنوين فيه عوض من المضاف اليه ، كأنه قيل : وكل نبأ نقص عليك.
مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ بيان لقوله وَكُلًّا.
ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ بدل من قوله وَكُلًّا.
ويجوز أن يكون المعنى : وكل نوع من أنواع الاقتصاص نقص عليك. وما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ مفعول نَقُصُّ.
ومعنى نثبت الفؤاد : زيادة يقينه وما فيه طمأنينة قلبه ، لأن كثرة الأدلة أثبت للقلب وأرسخ للعلم.
وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ أي فى هذه الأنباء المقتصة فيها ما هو حق.
121 - وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ :
عَلى مَكانَتِكُمْ على حالكم وجهتكم التي أنتم عليها.
122 - وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ :
إِنَّا مُنْتَظِرُونَ أن ينزل لكم نحو ما اقتص اللّه من النقم النازلة بأشباهكم.
123 - وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ :
وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تخفى عليه خافية مما يجرى فيهما.
وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فلا بد أن يرجع اليه أمرهم وأمرك.
فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ فانه كافيك وكافلك.

(1/4405)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 118
(12) سورة يوسف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (3)
1 - الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ :
الر ألف ، لام ، راء ، تلك الحروف وأمثالها يتكون منها كلامكم أيها العرب ، هى التي تتكون منها آيات الكتاب المعجز بكل ما فيه.
تِلْكَ اشارة الى آيات السورة.
الْكِتابِ الْمُبِينِ السورة ، أي تلك الآيات التي أنزلت إليك فى هذه السورة آيات السورة الظاهر أمرها فى اعجاز العرب وتبكيتهم ، أو التي تبين لمن تدبرها أنها من عند اللّه لا من عند البشر ، أو الواضحة التي لا تشتبه على العرب معانيها. أو قد أبين فيها ما سألت عنه اليهود من قصه يوسف.
2 - إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ :
إِنَّا أَنْزَلْناهُ أنزلنا هذا الكتاب.
قُرْآناً عَرَبِيًّا سمى بعض القرآن قرآنا ، لأن القرآن اسم جنس يقع على كله وبعضه.
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ارادة أن تفهموه بمعانيه ولا يلتبس عليكم.
3 - نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ :
الْقَصَصِ مصدر بمعنى الاقتصاص. ويجوز أن يكون تسمية المفعول بالمصدر.

(1/4406)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 119
بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ أي بإيحائنا إليك هذه السورة على أن يكون أَحْسَنَ منصوبا نصب المصدر لاضافته اليه ، ويكون المقصوص محذوفا لأن قوله بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ مغن عنه.
وَ إِنْ كُنْتَ ان ، مخففة من الثقيلة. واللام ، فى لَمِنَ الْغافِلِينَ هى التي تفرق بينها وبين النافية.
مِنْ قَبْلِهِ الضمير راجع الى قوله بِما أَوْحَيْنا.
والمعنى : وان الشأن والحديث كنت من قبل ايحائنا إليك من الغافلين عنه ، ما كان لك فيه علم قط ، ولا طرق سمعك طرف منه.
[سورة يوسف (12) : الآيات 4 الى 6]
إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (4) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)
4 - إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ :
إِذْ قالَ يُوسُفُ بدل من أَحْسَنَ الْقَصَصِ وهو من بدل الاشتمال ، لأن الوقت مشتمل على القصص ، وهو المقصوص ، فاذا قص وقته فقد قصه. أو بإضمار : اذكر.
يا أَبَتِ التاء تاء التأنيث وقعت عوضا عن ياء الاضافة. والدليل على أنها تاء التأنيث قلبها هاء فى الوقف.
رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ كأنه سؤال عن حال رؤية الكواكب الأحد عشر. وأجريت مجرى العقلاء ، لأنه لما وصفها بما هو خاص بالعقلاء ، وهو السجود ، أجرى عليها حكمهم ، كأنها عاقلة.
5 - قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ :
فَيَكِيدُوا منصوب بإضمار (أن).
عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة لما فعل بآدم وحواء.
6 - وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ :

(1/4407)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 120
وَ كَذلِكَ ومثل ذلك الاجتباء والاصطفاء.
يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ أي وكما اجتباك لمثل هذه الرؤيا العظيمة ، كذلك يجتبيك ربك لأمور عظام.
وَ يُعَلِّمُكَ كلام مبتدأ غير داخل فى حكم التشبيه.
أَبَوَيْكَ أي الأب والجد.
إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ عطف بيان لقوله أَبَوَيْكَ.
إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ يعلم من يحق له الاجتباء.
حَكِيمٌ لا يتم نعمته الا على من يستحقها.
[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 9]
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (9)
7 - لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ :
فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ أي فى قصتهم وحديثهم.
آياتٌ علامات ودلائل على قدرة اللّه وحكمته فى كل شىء.
لِلسَّائِلِينَ لمن سأل عن قصتهم وعرفها.
8 - إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ :
لَيُوسُفُ اللام ، للابتداء ، وفيها تأكيد وتحقيق مضمون الجملة.
وَ أَخُوهُ بنيامين ، وانما قالوا : أخوه ، وهم جميعا اخوته ، لأن أمهما كانت واحدة.
أَحَبُّ على الافراد ، لأن (أفعل) لا يفرق فيه بين الواحد وما فوقه ، ولا بين المذكر والمؤنث إذا كان معه (من). ولا بد من الفرق مع لام التعريف. وإذا أضيف جاز الأمران.
وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ الواو واو الحال.
إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي فى ذهاب عن طريق الصواب فى ذلك.
9 - اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ :

(1/4408)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 121
اقْتُلُوا يُوسُفَ من جملة ما حكى بعد قوله إِذْ قالُوا كأنهم أطبقوا على ذلك الا من قال :
لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ.
أَرْضاً منكرة مجهولة بعيدة من العمران.
يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ يقبل عليكم اقبالة واحدة لا يلتفت عنكم الى غيركم ، أو يفرغ لكم من الشغل بيوسف.
مِنْ بَعْدِهِ من بعد يوسف ، أو يرجع الضمير الى مصدر اقْتُلُوا أو (اطرحوا).
قَوْماً صالِحِينَ تائبين الى اللّه مما جنيتم عليه. أو يصلح ما بينكم وبين أبيكم بعذر تمهدونه. أو تصلح دنياكم وتنتظم أموركم بعده بخلو وجه أبيكم.
وَ تَكُونُوا مجزوم عطفا على يَخْلُ لَكُمْ أو منصوب بإضمار (أن) والواو بمعنى : مع.
[سورة يوسف (12) : الآيات 10 الى 12]
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (10) قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (12)
10 - قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ :
قائِلٌ مِنْهُمْ وهو يهوذا.
فِي غَيابَتِ الْجُبِّ فى غوره وما غاب منه عن عين الناظر وأظلم من أسفله.
يَلْتَقِطْهُ يأخذه.
بَعْضُ السَّيَّارَةِ بعض الأقوام الذين يسيرون فى الطريق.
إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ ان كنتم على أن تفعلوا ما يحصل به غرضكم.
11 - قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ :
أي لم تخافنا عليه ونحن نريد له الخير ونحبه ونشفق عليه.
12 - أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ :

(1/4409)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 122
يَرْتَعْ يتسع فى أكل الفواكه وغيرها.
[سورة يوسف (12) : الآيات 13 الى 16]
قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (13) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (14) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (15) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (16)
13 - قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ :
لَيَحْزُنُنِي اللام لام الابتداء.
يعنى أن ذهابهم به ومفارقته إياه مما يحزنه ، لأنه كان لا يصبر ساعة ، وكذا خوفه عليه من عدوة الذئب إذا غفلوا عنه.
14 - قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ :
لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ القسم محذوف ، تقديره واللّه. واللام موطئة للقسم.
إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ جواب للقسم مجزىء عن جواب الشرط.
وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ واو الحال.
إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ لهالكون ضعفا وخورا وعجزا ، أو مستحقون أن نهلك لأنه لا غناء عندنا ولا جدوى فى حياتنا ، أو مستحقون لأن يدعى عليهم بالخسارة والدمار.
15 - فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ :
أَنْ يَجْعَلُوهُ مفعول أَجْمَعُوا.
وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا أي انه أوحى اليه أنه سيلقاهم ويوبخهم على ما صنعوا ، وهذا قبل القائه فى الجب ، تقوية لقلبه وتبشيرا له بالسلامة.
وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ أنك يوسف ، لعلو شأنك ، حين دخلوا عليه فى مصر ممتارين فعرفهم وهم له منكرون.
16 - وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ :
عِشاءً ليلا.

(1/4410)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 123
[سورة يوسف (12) : الآيات 17 الى 19]
قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (19)
17 - قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ :
نَسْتَبِقُ نتسابق.
بِمُؤْمِنٍ لَنا بمصدق لنا.
وَ لَوْ كُنَّا صادِقِينَ ولو كنا عندك من أهل الصدق والثقة لشدة محبتك ليوسف ، فكيف لا وأنت سيىء الظن بنا ، غير واثق بقولنا.
18 - وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ :
بِدَمٍ كَذِبٍ ذى كذب ، أو وصف بالمصدر مبالغة كأنه نفس الكذب وعينه.
سَوَّلَتْ سهلت.
أَمْراً عظيما ارتكبتموه من يوسف.
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ خبر ، أي فأمرى صبر جميل ، أو خبر لكونه موصوفا ، أي فصبر جميل أمثل.
وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ أي أستعينه.
عَلى ما تَصِفُونَ على احتمال ما تصفون من هلاك يوسف.
19 - وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ :
وَ جاءَتْ سَيَّارَةٌ رفقة تسير من قبل مدين الى مصر.
فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ الوارد الذي يرد الماء ليستقى للقوم.
يا بُشْرى هذا غُلامٌ نادى البشرى ، كأنه يقول : تعالى فهذا من آونتك ، وقيل : ذهب به فلما دنا من أصحابه صاح بذلك يبشرهم به.
وقرىء : يا بشراى ، من إضافته الى نفسه.

(1/4411)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 124
وَ أَسَرُّوهُ الضمير للوارد وأصحابه. أي أخفوا أمره ووجدانهم له فى الجب.
بِضاعَةً نصب على الحال ، أي أخفوه متاعا للتجارة.
وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ لم تخف عليه أسرارهم.
[سورة يوسف (12) : الآيات 20 الى 21]
وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)
20 - وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ :
وَ شَرَوْهُ وباعوه.
بِثَمَنٍ بَخْسٍ مبخوس ناقص عن القيمة.
دَراهِمَ لا دنانير.
مَعْدُودَةٍ قليلة تعد عدا.
وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ممن يرغب عما فى يده فيبيعه بما قل من الثمن.
21 - وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ :
أَكْرِمِي مَثْواهُ اجعلي نزله ومقامه عندنا كريما.
وَ كَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ الاشارة الى ما تقدم من إنجائه ، أي كما أنجيناه كذلك مكنا له فى أرض مصر.
وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ أي كان ذلك الإنجاء والتمكين لأن غرضنا ليس الا ما تحمد عقباه من علم وعمل.
وَ اللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ أي على أمر نفسه لا يمنع عما يشاء ولا ينازع ما يريد ويقضى. أو على أمر يوسف يدبره لا يكله الى غيره ، قد أراد به اخوته ما أرادوا ، ولم يكن الا ما أراد اللّه ودبره.
وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أن الأمر كله بيد اللّه.

(1/4412)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 125
[سورة يوسف (12) : الآيات 22 الى 24]
وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
22 - وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ :
أَشُدَّهُ الأشد : بلوغ الحلم.
حُكْماً ، حكمة ، وهو العلم بالعمل واجتناب ما يجهل فيه. أو حكما بين الناس وفقها.
وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ تنبيه على أنه كان محسنا فى عمله ، متقيا فى عنفوان أمره وأن اللّه آتاه الحكم والعلم جزاء على إحسانه.
23 - وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ :
هَيْتَ لَكَ هلم وأقبل وتعال. وهذا الفعل لا مصدر له ولا تصريف.
مَعاذَ اللَّهِ أعوذ باللّه معاذا.
إِنَّهُ ان الشأن والحديث.
رَبِّي سيدى ومالكى.
أَحْسَنَ مَثْوايَ حين قال لك : أكرمى مثواه.
إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ الذين يجازون الحسن بالسيئ.
24 - وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ :
هَمَّتْ بِهِ بمخالطته.
وَ هَمَّ بِها بمخالطتها.
لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ جوابه محذوف ، تقديره : لو لا أن رأى برهان ربه لخالطها فحذف ، لأن قوله وَهَمَّ بِها يدل عليه.
كَذلِكَ الكاف منصوب بالمحل ، أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه ، أو مرفوعة المحل ، أي الأمر مثل ذلك.
لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ من خيانة السيد.
وَ الْفَحْشاءَ من الزنا.

(1/4413)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 126
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ بالفتح ، أي الذين أخلصهم اللّه لطاعته ، بأن عصمهم. وقرىء بالكسر ، أي الذين أخلصوا دينهم للّه.
[سورة يوسف (12) : الآيات 25 الى 28]
وَ اسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)
25 - وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ :
وَ اسْتَبَقَا الْبابَ وتسابقا الى الباب ، على حذف الجار وإيصال الفعل.
وَ قَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ اجتذبته من خلف فاتقد ، أي انشق ، حين هرب منها الى الباب وتبعته تشده.
وَ أَلْفَيا سَيِّدَها وصادفا بعلها.
أَنْ يُسْجَنَ فحقه أن يسجن.
أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ أو أن يعذب عذابا مؤلما.
26 - قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ :
هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ولو لا ذلك لكتم عليها.
وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها ليكون أوجب للحجة عليها وأوثق لبراءة يوسف ، وأنفى للتهمة عنه.
إِنْ كانَ قَمِيصُهُ أي وشهد شاهد فقال ان كان قميصه.
قُدَّ قطع.
مِنْ قُبُلٍ من أمام.
27 - وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ :
مِنْ دُبُرٍ من خلف.
28 - فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ :
فَلَمَّا رَأى يعنى زوجها.

(1/4414)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 127
مِنْ كَيْدِكُنَّ الخطاب لها ولأمتها.
[سورة يوسف (12) : الآيات 29 الى 31]
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (29) وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)
29 - يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ :
يُوسُفُ حذف منه حرف النداء لأنه منادى قريب مفاطن للحديث.
وفيه تقريب له وتلطيف لمحله.
أَعْرِضْ عَنْ هذا الأمر واكتمه ولا تحدث به.
وَ اسْتَغْفِرِي أنت.
مِنَ الْخاطِئِينَ من جملة القوم المتعمدين للذنب من تغليب الذكور على الإناث.
30 - وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
:
وَ قالَ نِسْوَةٌ جماعة من النساء. والنسوة اسم مفرد لجمع المرأة ، وتأنيثه غير حقيقى ، ولهذا لم تلحق التاء فعله.
فِي الْمَدِينَةِ فى مصر.
امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الحاكم.
فَتاها غلامها.
شَغَفَها حُبًّا حرق حبه شغاف قلبها حتى وصل الى الفؤاد.
حُبًّا منصوب على التمييز.
فِي ضَلالٍ مُبِينٍ فى خطأ وبعد عن طريق الصواب.
31 - فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ :
بِمَكْرِهِنَّ باغتيابهن وسوء قالتهن. وسمى الاغتياب مكرا لأنه فى خفية وغيبة كما يخفى الماكر مكره.

(1/4415)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 128
أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ دعتهن.
وَ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ما يتكئن عليه من نمارق. وقيل : متكأ :
طعاما. وقيل : طعاما يحز حزا.
أَكْبَرْنَهُ أعظمنه.
وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ جرحنها.
حاشَ كلمة تفيد معنى التنزيه. وحاش ، أي براءة.
لِلَّهِ لبيان من يبرأ وينزه.
ما هذا بَشَراً نفين عنه البشرية لغرابة جماله.
[سورة يوسف (12) : الآيات 32 الى 35]
قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (33) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)
32 - قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ :
قالَتْ فَذلِكُنَّ ولم تقل : فهذا ، وهو حاضر ، رفعا لمنزلته فى الحسن.
ما آمُرُهُ أي ما آمره به ، فحذف الجار.
33 - قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ :
السِّجْنُ وقرىء : السجن ، بالفتح ، على المصدر.
يَدْعُونَنِي على اسناد الدعوة إليهن جميعا.
وَ إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ فيه فزع الى ألطاف اللّه وعصمته.
أَصْبُ إِلَيْهِنَّ أمل إليهن.
مِنَ الْجاهِلِينَ من الذين لا يعملون بما يعلمون.
34 - فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ :
السَّمِيعُ لدعوات الملتجئين.
الْعَلِيمُ بأحوالهم وما يصلحهم.
35 - ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ :

(1/4416)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 129
بَدا لَهُمْ فاعله مضمر ، لدلالة ما يضمره عليه ، وهو : ليسجننه.
والمعنى : بدا بداء ، أي ظهر لهم رأى ليسجننه. ولهم ، يعنى العزيز وأهله.
مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ وهى الشواهد على براءته.
حَتَّى حِينٍ الى زمان.
[سورة يوسف (12) : الآيات 36 الى 38]
وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38)
36 - وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ :
مَعَهُ بدل على معنى الصحبة واستحداثها.
فَتَيانِ عبدان للملك : الخباز والساقي.
إِنِّي أَرانِي أي فى المنام ، وهى حكاية حال ماضية.
أَعْصِرُ خَمْراً أي عنبا ، تسمية للعنب بما يؤول اليه.
مِنَ الْمُحْسِنِينَ من الذين يحسنون عبارة الرؤيا ، أي يجيدونها.
37 - قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ :
بِتَأْوِيلِهِ ببيان ماهيته وكيفيته.
ذلِكُما اشارة لهما الى التأويل ، أي ذلك التأويل.
مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي وأوحى به الى ولم أقله عن تكهن وتنجم.
إِنِّي تَرَكْتُ كلام مبتدأ ، أو تعليل لما قبله.
38 - وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ :

(1/4417)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 130
ما كانَ لَنا ما صح لنا معشر الأنبياء.
أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ أي شىء كان.
ذلِكَ التوحيد.
عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ أي على الرسل وعلى المرسل إليهم ، لأنهم نبهوهم عليه وأرشدوهم اليه.
وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ المبعوث إليهم.
لا يَشْكُرُونَ فضل اللّه فيشركون.
[سورة يوسف (12) : الآيات 39 الى 40]
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (39) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40)
39 - يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ :
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أي يا صاحبى فى السجن ، فأضافهما الى السجن.
أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ يريد التفرق فى العدد والتكاثر.
خَيْرٌ لكما.
أَمِ أن يكون لكما رب.
اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ الغالب الذي لا يغالب ولا يشارك فى الربوبية.
40 - ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ :
ما تَعْبُدُونَ خطاب لهما ولمن على دينهما من أهل مصر.
إِلَّا أَسْماءً يعنى أنكم سميتم ما لا يستحق الإلهية إلها ، ثم طفقتم تعبدونها ، فكأنكم لا تعبدون الا أسماء فارغة لا مسميات تحتها.
سَمَّيْتُمُوها سميتم بها.
ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها أي بتسميتها.
مِنْ سُلْطانٍ من حجة.

(1/4418)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 131
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ فى أمر العباد والدين الا للّه.
ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ الثابت الذي دلت عليه البراهين.
[سورة يوسف (12) : الآيات 41 الى 44]
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (41) وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (43) قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (44)
41 - يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ :
أَمَّا أَحَدُكُما أي الشرابي.
فَيَسْقِي رَبَّهُ سيده.
قُضِيَ الْأَمْرُ قطع وتم ما تستفتيان فيه من أمركما وشأنكما.
42 - وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ :
ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ الظان هو يوسف ، والظن هنا بمعنى اليقين.
اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ صفنى عند الملك بصفتى.
فَأَنْساهُ أي الشرابي.
ذِكْرَ رَبِّهِ أن يذكره لربه.
بِضْعَ سِنِينَ البضع من ثلاث الى تسع.
43 - وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ :
سِمانٍ جمع سمين ، صفة للمميز.
عِجافٌ جمع عجفاء ، وهى الهزيلة.
وَ أُخَرَ يابِساتٍ أي وسبعا أخر يابسات.
يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أراد الأعيان من العلماء والحكماء.
لِلرُّءْيا ما يرى مناما.
تَعْبُرُونَ تؤولون.
44 - قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ :

(1/4419)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 132
أَضْغاثُ أَحْلامٍ تخاليطها وأباطيلها.
[سورة يوسف (12) : الآيات 45 الى 48]
وَ قالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)
45 - وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ :
نَجا مِنْهُما من الفتيين من القتل.
وَ ادَّكَرَ وقرىء بالذال المعجمة ، أي تذكر.
بَعْدَ أُمَّةٍ بعد مدة طويلة.
أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ أنا أخبركم به عمن عنده علمه.
فَأَرْسِلُونِ فابعثونى اليه لأسأله ، ومرونى باستعباره.
46 - يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ :
يُوسُفُ فأرسلوه الى يوسف فأتاه فقال : يوسف.
أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أيها البليغ فى الصدق.
لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ لأنه ليس على يقين من الرجوع فربما اخترم دونه ، ولا من علمهم فربما لم يعلموا. أو لعلهم يعلمون فضلك ومكانك من العلم.
47 - قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ :
تَزْرَعُونَ خبر فى معنى الأمر.
دَأَباً دائبين.
فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ فاتركوه فى سنبله لئلا يتسوس.
48 - ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ :
يَأْكُلْنَ من الاسناد المجازى ، جعل أكل أهلهن مسندا إليهن.

(1/4420)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 133
تُحْصِنُونَ تحوزون وتخبئون.
[سورة يوسف (12) : الآيات 49 الى 52]
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (52)
49 - ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ :
يُغاثُ من الغوث ، وهو الاعانة ، أو من الغيث ، وهو المطر.
يَعْصِرُونَ العنب والزيتون والسمسم.
وقرىء : يعصرون ، على البناء للمجهول ، من عصره إذا أنجاه.
وقيل : يعصرون ، أي يمطرون.
50 - وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ :
إِنَّ رَبِّي ان اللّه تعالى.
بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ يعنى أنه كيد عظيم لا يعلمه الا اللّه.
51 - قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ :
ما خَطْبُكُنَّ ما شأنكن.
إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ هل وجدتن منه ميلا إليكن.
قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ تعجبا من عفته وذهابه بنفسه عن شىء من الريبة ومن نزاهته عنها.
حَصْحَصَ الْحَقُّ ثبت واستقر.
52 - ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ :
ذلِكَ لِيَعْلَمَ من كلام يوسف ، أي ذلك التثبت والتشمر لظهور البراءة وليعلم العزيز.
أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ فى حرمته.
بِالْغَيْبِ يظهر الغيب. وهى فى موقع الحال من الفاعل أو المفعول

(1/4421)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 134
على معنى : وأنا غائب عنه خفى عن عينه ، أو وهو غائب عنى خفى عن عينى. ويجوز أن يكون ظرفا ، أي بمكان الغيب ، وهو الخفاء والاستتار.
وَ أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ أي وليعلم أن اللّه لا ينفذه ولا يسدده ، وكأنه تعريض بامرأته فى خيانتها أمانة زوجها ، وبه فى خيانة أمانة اللّه حين ساعدها بعد ظهور الآيات على حبسه.
ويجوز أن يكون تأكيدا لأمانته ، وأنه لو كان خائنا لما هدى اللّه كيده ولا سدده.
[سورة يوسف (12) : الآيات 53 الى 54]
وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)
53 - وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ :
وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي من الزلل ، وما أشهد لها بالبراءة الكلية.
إِنَّ النَّفْسَ أراد الجنس.
لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ أي ان هذا الجنس يأمر بالسوء ويحمل عليه بما فيه من الشهوات.
إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي الا البعض الذي رحمه ربى بالعصمة كالملائكة ، أو الا وقت رحمة ربى ، يعنى أنها أمارة بالسوء فى كل وقت وأوان الا وقت العصمة ، ويجوز أن يكون استئنافا منقطعا ، أي ولكن رحمة ربى هى التي تصرف الاساءة.
إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ وإنى لأطمع فى رحمة اللّه وغفرانه. لأنه واسع الغفران لذنوب التائبين.
54 - وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ :
أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي أجعله خالصا لنفسى وخاصا بي.
فَلَمَّا كَلَّمَهُ وشاهد منه ما لم يحتسب.
قالَ أيها الصديق.
إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ ذو مكانة ومنزلة.
أَمِينٌ مؤتمن على كل شىء.

(1/4422)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 135
[سورة يوسف (12) : الآيات 55 الى 59]
قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (57) وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59)
55 - قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ :
اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ ولنى خزائن أرضك.
إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ أمين أحفظ ما تستحفظنيه ، عالم بوجوه التصرف.
56 - وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ :
وَ كَذلِكَ ومثل ذلك التمكين الظاهر.
مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فى أرض مصر.
يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ أي كل مكان أراد أن يتخذه منزلا ومتبوأ له.
بِرَحْمَتِنا بعطائنا فى الدنيا من النعم.
مَنْ نَشاءُ من اقتضت الحكمة أن نشاء له ذلك.
وَ لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ أن نأجرهم فى الدنيا.
57 - وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ :
وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وإن ثوابه فى الآخرة لأفضل.
لِلَّذِينَ آمَنُوا لمن صدقوا به وبرسله.
وَ كانُوا يَتَّقُونَ وكانوا يراقبونه ويخافون يوم الحساب.
58 - وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ :
مُنْكِرُونَ لم يعرفوه لأنهم خلفوه حدثا.
59 - وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ :
وَ لَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ أصلحهم بعدتهم ، وهى عدة السفر من الزاد وما يحتاج اليه المسافرون وأوقر ركائبهم بما جاءوا من الميرة.
خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ خير المضيفين ، لأنه أحسن ضيافتهم مأخوذ من النزل ، وهو الطعام ، أو خير من نزلتم عليه من المأمونين ، من المنزل ، وهو الدار.

(1/4423)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 136
[سورة يوسف (12) : الآيات 60 الى 64]
فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (60) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (61) وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (63) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)
60 - فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ :
وَ لا تَقْرَبُونِ داخل فى حكم الجزاء مجزوما ، عطف على قوله فَلا كَيْلَ لَكُمْ كأنه قيل : فان لم تأتونى به تحرموا ولا تقربوا. أو أن يكون بمعنى النهى.
61 - قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ :
سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ سنخادعه عنه وسنجتهد ونحتال حتى ننتزعه من يده.
وَ إِنَّا لَفاعِلُونَ وانا لقادرون على ذلك لانتاعيا به ، أو انا لفاعلون ذلك لا محالة لا نفرط فيه ولا نتوانى.
62 - وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ :
لِفِتْيانِهِ جمع فتى. وقرىء : لفتيته.
لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها لعلهم يعرفون حق ردها وحق التكرم بإعطاء البدلين.
إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ وفرغوا ظروفهم.
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ لعل معرفتهم بذلك تدعوهم الى الرجوع إلينا.
أو لعلهم يردونها.
63 - فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ :
مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ يريدون قول يوسف فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي لأنهم إذا أنذروا بمنع الكيل فقد منع الكيل.
نَكْتَلْ نرفع المانع من الكيل ، ونكتل من الطعام ما نحتاج اليه.
64 - قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ :

(1/4424)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 137
هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ يريد أنكم قلتم فى يوسف وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.
كما تقولونه فى أخيه ، ثم خنتم بضمانكم ، فما يؤمننى من مثل ذلك.
فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً فتوكل على اللّه ودفعه إليهم.
وحافِظاً تمييز.
وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فأرجو أن ينعم على بحفظه ولا يجمع على مصيبتين.
[سورة يوسف (12) : الآيات 65 الى 66]
وَ لَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (66)
65 - وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ :
ما نَبْغِي للنفى ، أي ما نبغى فى القول ، وما نتزيد فيما وصفنا لك من احسان ذلك الملك وإكرامه.
هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا جملة مستأنفة موضحة لقوله ما نَبْغِي والجمل بعدها معطوفة عليها ، على معنى : ان بضاعتنا ردت إلينا فنستظهر بها.
وَ نَمِيرُ أَهْلَنا فى رجوعنا الى الملك.
وَ نَحْفَظُ أَخانا فما يصيبه شىء مما تخافه.
وَ نَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ونزداد وسق بعير زائد على أوساق أباعرنا.
ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ أي ذلك مكيل قليل لا يكفينا ، يعنون ما يكال لهم فأرادوا أن يزدادوا اليه ما يكال لأخيهم ، أو ذلك الكيل شىء قليل يجيبنا اليه الملك ولا يضايقنا فيه ، أو سهل عليه متيسر لا يتعاظمه.
66 - قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ :
لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ مناف لحالى - وقد رأيت منكم ما رأيت - إرساله معكم.

(1/4425)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 138
حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ حتى تعطونى ما أتوثق به من عند اللّه.
أراد أن يحلفوا له باللّه ، وانما جعل الحلف باللّه موثقا ، لأن الحلف به مما تؤكد به العهود وتشدد.
لَتَأْتُنَّنِي بِهِ جواب اليمين ، لأن المعنى : حتى تحلفوا لتأتننى به.
إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ الا أن تغلبوا فلم تطيقوا الإتيان به أو الا أن تهلكوا.
اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ من طلب الموثق وإعطائه.
وَكِيلٌ رقيب مطلع.
[سورة يوسف (12) : الآيات 67 الى 68]
وَ قالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (68)
67 - وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ :
وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أي ان أراد اللّه بكم سوءا لم ينفعكم ولم يدفع عنكم ما أشرت به عليكم من التفرق وهو مصيبكم لا محالة.
68 - وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ :
وَ لَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ أي متفرقين.
ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ رأى يعقوب ودخولهم متفرقين شيئا قط ، حيث أصابهم ما ساءهم مع تفرقهم من اضافة السرقة إليهم وافتضاحهم بذلك ، وأخذ أخيهم بوجدان الصواع فى رحله.
إِلَّا حاجَةً استثناء منقطع ، على معنى : ولكن حاجة.
فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها هى شفقة عليهم وإظهارها بما قاله لهم ووصاهم به.

(1/4426)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 139
وَ إِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ يعنى قوله وَما أُغْنِي عَنْكُمْ وعلمه بأن القدر لا يغنى عنه الحذر.
[سورة يوسف (12) : الآيات 69 الى 73]
وَ لَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (70) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (71) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (73)
69 - وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ :
آوى إِلَيْهِ أَخاهُ ضمه اليه.
فَلا تَبْتَئِسْ فلا تحزن.
بِما كانُوا يَعْمَلُونَ بنا فيما مضى.
70 - فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ :
السِّقايَةَ مشربة يسقى بها وهى الصواع.
ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ ثم نادى مناد.
الْعِيرُ الإبل التي عليها الأحمال ، ثم كثر حتى قيل لكل قافلة :
عير.
71 - قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ :
ما ذا تَفْقِدُونَ وقرىء : تفقدون ، من أفقدته ، إذا وجدته فقيدا.
72 - قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ :
وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ يقوله المؤذن. يريد : وأنا بحمل البعير كفيل أؤديه لمن جاء به.
73 - قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ :
تَاللَّهِ قسم فيه معنى التعجب مما أضيف إليهم.
لَقَدْ عَلِمْتُمْ فاستشهدوا بعلمهم لما ثبت عندهم من دلائل أمانتهم فى كرتى مجيئهم ومداخلتهم للملك.

(1/4427)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 140
[سورة يوسف (12) : الآيات 74 الى 77]
قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (74) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77)
74 - قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ :
فَما جَزاؤُهُ الضمير للصواع ، أي فما جزاء سرقته.
إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ فى جحودكم وادعائكم البراءة منه.
75 - قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ :
قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ أي جزاء سرقته أخذ من وجد فى رحله ، وكان حكم السارق فى آل يعقوب أن يسترقّ سنة.
فَهُوَ جَزاؤُهُ تقرير للحكم ، أي فأخذ السارق نفسه وهو جزاؤه لا غير.
76 - فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ :
كَذلِكَ كِدْنا مثل ذلك الكيد العظيم ليوسف. يعنى علمناه إياه وأوحينا به اليه.
ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ تفسير للكيد وبيان له ، لأنه كان فى دين ملك مصر وما كان يحكم به فى السارق أن يغرم مثلى ما أخذ ، لا أن يلزم ويستعبد.
إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أي ما كان يأخذه الا بمشيئة اللّه واذنه فيه.
نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ فى العلم كما رفعنا درجة يوسف فيه.
وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ فوقه أرفع درجة منه فى علمه ، أو فوق العلماء كلهم عليم هم دونه فى العلم وهو اللّه عز وعلا.
77 - قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ :
أَخٌ لَهُ أرادوا يوسف.

(1/4428)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 141
فَأَسَرَّها فأضمرها.
شَرٌّ مَكاناً شر منزلة فى السرقة ، لسرقتكم أخاكم من أبيكم.
وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ يعلم أنه لم يصح لى ولأخى السرقة ، وليس الأمر كما تصفون.
[سورة يوسف (12) : الآيات 78 الى 80]
قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (80)
78 - قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ :
فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ فخذه بدله.
إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ إلينا فأتمم إحسانك.
79 - قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ :
مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ نعوذ باللّه معاذا من أن نأخذ ، فأضيف المصدر الى المفعول به وحذف (من).
إِذاً جواب لهم وجزاء ، لأن المعنى : ان أخذنا بدله ظلمنا.
80 - فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ :
اسْتَيْأَسُوا يئسوا.
خَلَصُوا اعترفوا وانفردوا عن الناس خالصين لا يخالطهم سواهم.
نَجِيًّا ذوى نجوى ، أو نوجا نجيا ، أي مناجيا ، لمناجاة بعضهم بعضا.
قالَ كَبِيرُهُمْ فى السن.

(1/4429)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 142
ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ ما ، صلة ، أي ومن قبل هذا قصرتم فى شأن يوسف ولم تحفظوا عهد أبيكم.
أو مصدرية ، على أن محل المصدر الرفع على الابتداء وخبره الظرف ، وهو مِنْ قَبْلُ.
أو النصب عطفا على مفعول أَلَمْ تَعْلَمُوا كأنه قيل ألم تعلموا أخذ أبيكم عليكم موثقا ، وتفريطكم من قبل فى يوسف.
فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ فلن أفارق أرض مصر.
حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي فى الانصراف اليه.
أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي بالخروج منها ، أو بالانتصاف ممن أخذ أخى ، أو بخلاصه منه بسبب من الأسباب.
وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لأنه لا يحكم أبدا الا بالعدل والحق.
[سورة يوسف (12) : الآيات 81 الى 82]
ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (82)
81 - ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ :
وَ ما شَهِدْنا عليه بالسرقة.
إِلَّا بِما عَلِمْنا من السرقة وتيقناه ، لأن الصواع استخرج من وعائه ، ولا شىء أبين من هذا.
وَ ما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ وما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الموثق ، أو ما علمنا أنك تصاب به كما أصبت بيوسف.
82 - وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ :
الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها مصر ، أي أرسل الى أهلها فسلهم عن كنه القصة.
وَ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها والقوم الذين أقبلنا معهم.

(1/4430)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 143
[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 86]
قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (85) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (86)
83 - قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ :
قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً أردتموه.
بِهِمْ جَمِيعاً بيوسف وأخيه.
إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بحالي من الحزن والأسف.
الْحَكِيمُ الذي لم يبتلنى بذلك الا لحكمة ومصلحة.
84 - وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ :
وَ تَوَلَّى عَنْهُمْ وأعرض عنهم كراهة لما جاءوا به.
يا أَسَفى أضاف الأسى الى نفسه وهو أشد الحزن والحسرة.
والألف بدل من ياء الاضافة.
وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ أي عمى بصره.
فَهُوَ كَظِيمٌ مملوء من الغيظ على أولاده ، فعيل بمعنى مفعول.
85 - قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ :
تَفْتَؤُا أي لا تفتأ ، فحذف حرف النفي لأنه لا يلتبس بالاثبات ، لأنه لو كان اثباتا لم يكن بد من اللام. ولا تفتأ : لا تزال.
حَرَضاً مشفيا على الهلاك مرضا.
86 - الَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ
:
َّما أَشْكُوا
انى لا أشكوا الى أحد منكم ومن غيركم ، انما أشكو الى ربى ، فخلونى وشكايتى.

(1/4431)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 144
ثِّي
البث : أصعب الهم الذي لا يصبر عليه صاحبه ، فيبثه للناس ، أي ينشره.
أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ
أي أعلم من صنعه ورحمته ومن ظنى به أنه يأتينى بالفرج من حيث لا أحتسب.
[سورة يوسف (12) : الآيات 87 الى 90]
يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (87) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (89) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)
87 - يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ :
فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ فتعرفوا منهما وتطلبوا خبرهما.
مِنْ رَوْحِ اللَّهِ من فرجه وتنفيسه.
88 - فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ :
الضُّرُّ الهزال من الشدة والجوع.
مُزْجاةٍ مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقارا لها.
فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ الذي هو حقنا.
وَ تَصَدَّقْ عَلَيْنا وتفضل علينا بالمسامحة والإغماض عن رداءة البضاعة أو زدنا على حقنا.
إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ شاهد لذلك لذكر اللّه وجزائه.
89 - قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ :
إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ لا تعلمون قبح ما فعلتم.
90 - قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ :
أَ إِنَّكَ على الاستفهام.
مَنْ يَتَّقِ من يخف اللّه وعقابه.

(1/4432)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 145
وَ يَصْبِرْ عن المعاصي وعلى الطاعات.
أَجْرَ أي أجرهم ، فوضع الْمُحْسِنِينَ موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين.
[سورة يوسف (12) : الآيات 91 الى 95]
قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (91) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95)
91 - قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ :
لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا لقد فضلك علينا بالتقوى والصبر وسيرة المحسنين.
وَ إِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ وان شأننا وحالنا أنا كنا خاطئين متعمدين للاثم.
92 - قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ :
لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ لا تأنيب عليكم ولا عتب.
93 - اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ :
يَأْتِ بَصِيراً يصير بصيرا.
94 - وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ :
فَصَلَتِ الْعِيرُ خرجت من عريش مصر.
لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ أي لو لا تفنيدكم إياي لصدقتمونى. والتفنيد :
النسبة الى الفند وهو الخرف ، وانكار العقل من هرم.
95 - قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ :
لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ لفى ذهابك عن الصواب قدما فى افراط محبتك ليوسف ولهجك بذكره ورجائك للقائه.

(1/4433)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 146
[سورة يوسف (12) : الآيات 96 الى 99]
فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (96) قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (97) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99)
96 - فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ :
أَلْقاهُ أي القميص.
فَارْتَدَّ بَصِيراً فرجع بصيرا.
أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ يعنى قوله إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ.
إِنِّي أَعْلَمُ كلام مبتدأ لم يقع عليه القول.
97 - قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ :
قالُوا يا أَبانَا فى الكلام حذف ، التقدير : فلما رجعوا من مصر قالوا يا أبانا.
98 - قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ :
سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي عما فرط منكم.
99 - فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ :
آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ضمهم اليه واعتنقهما.
[سورة يوسف (12) : آية 100]
وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)
100 - وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ :
وَ خَرُّوا لَهُ يعنى الاخوة الأحد عشر والأبوين.
سُجَّداً ساجدين.
مِنَ الْبَدْوِ من البادية.
نَزَغَ أفسد بيننا وأغرى.

(1/4434)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 147
لَطِيفٌ لِما يَشاءُ لطيف التدبير لأجله حتى يجىء على وجه الحكمة والصواب.
[سورة يوسف (12) : الآيات 101 الى 104]
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (104)
101 - رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ :
مِنَ الْمُلْكِ من ، للتبعيض ، لأنه لم يعط الا بعض ملك الدنيا ، أو بعض ملك مصر.
مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ من ، للتبعيض ، لأنه لم يعط الا بعض التأويل.
أَنْتَ وَلِيِّي أنت الذي تتولانى بالنعمة فى الدارين.
تَوَفَّنِي مُسْلِماً طلب للوفاة على حال الإسلام.
وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ من آبائي ، أو على العموم.
102 - ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ :
ذلِكَ اشارة الى ما سبق من نبأ يوسف.
نُوحِيهِ إِلَيْكَ الخطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم وَهُمْ يَمْكُرُونَ بيوسف ويبغون له الغوائل.
103 - وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ :
وَ ما أَكْثَرُ النَّاسِ يريد العموم.
وَ لَوْ حَرَصْتَ وتهالكت على ايمانهم.
104 - وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ :
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ عظة من اللّه.

(1/4435)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 148
لِلْعالَمِينَ عامة.
[سورة يوسف (12) : الآيات 105 الى 109]
وَ كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (105) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِركَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ
:
مِنْ آيَةٍ من علامة ودلالة على الخالق.
يَمُرُّونَ عَلَيْها يشاهدونها.
وَ هُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ لا يعتبرون بها.
106 - وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ :
وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ فى إقرارهم به وبأنه خلقهم وخلق السموات والأرض.
إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ الا وهو مشرك بعبادته الوثن.
107 - أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ :
غاشِيَةٌ نقمة تغشاهم.
108 - قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ :
هذِهِ سَبِيلِي التي هى الدعوة الى الايمان والتوحيد.
أَنَا تأكيد للضمير المستتر فى قوله أَدْعُوا.
وَ مَنِ اتَّبَعَنِي عطف عليه ، يريد أدعو إليها ، ويدعو إليها من ابتعنى.
عَلى بَصِيرَةٍ على يقين وحق.
109 - وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ :

(1/4436)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 149
إِلَّا رِجالًا لا ملائكة.
مِنْ أَهْلِ الْقُرى لأنهم أعلم وأحلم.
وَ لَدارُ الْآخِرَةِ ولدار الساعة ، أو الحال الآخرة.
خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا للذين خافوا اللّه فلم يشركوا به ولم يعصوه.
[سورة يوسف (12) : الآيات 110 الى 111]
حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
110 - حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ :
حَتَّى متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام ، كأنه قيل : وما أرسلنا من قبلك الا رجالا فتراخى نصرهم حتى استيأسوا عن النصر.
وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون.
مَنْ نَشاءُ المؤمنون ، لأنهم الذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم.
111 - لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ :
فِي قَصَصِهِمْ الضمير للرسل.
ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى أي ما كان القرآن حديثا يفترى.
وَ لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أي قبله من الكتب السماوية.
وانتصاب ما نصب بعد. وَلكِنْ للعطف على خبر كانَ.
وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ يحتاج اليه فى الدين.

(1/4437)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 150
(13) سورة الرعد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)
1 - المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ :
المر هذه حروف صوتية تبدأ بها بعض سور القرآن وهى تشير إلى أنه معجز مع أنه مكون من الحروف التي تتكون منها كلمات العرب.
تِلْكَ اشارة الى آيات السورة.
الْكِتابِ أي السورة. أي تلك الآيات آيات السورة الكاملة العجيبة فى بابها.
الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ من القرآن كله.
الْحَقُّ هو الحق الذي لا مزيد عليه ، الا هذه السورة وحدها.
2 - اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ :
اللَّهُ الَّذِي اللّه ، مبتدأ ، والذي ، خبره. ويجوز أن يكون صفة.
وقوله يُدَبِّرُ الْأَمْرَ خبر بعد خبر.
رَفَعَ السَّماواتِ كلام مستأنف ، استظهار برؤيتهم لها كذلك.
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يدبر أمر ملكوته وربوبيته.
يُفَصِّلُ الْآياتِ فى كتبه المنزلة.
لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ بأن هذا المدبر والمفصل لا بد لكم من الرجوع اليه.
3 - وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ

(1/4438)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 151
الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
:
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يلبسه مكانه ، فيصير أسود مظلما بعد ما كان أبيض منيرا.
[سورة الرعد (13) : الآيات 4 الى 7]
وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (5) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7)
4 - وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ :
قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ بقاع مختلفة مع كونها متجاورة متلاصقة.
5 - وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ :
وَ إِنْ تَعْجَبْ يا محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم من قولهم فى انكار البعث.
أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ المتمادون فى كفرهم.
وَ أُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وصف بالإصرار ، أو هو من جملة الوعيد.
6 - وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ :
بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ بالنقمة قبل العافية.
وَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ أي عقوبات أمثالهم من المكذبين.
لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ أي مع ظلمهم أنفسهم بالذنوب.
7 - وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ :
لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ لم يعتدوا بالآيات المنزلة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم عنادا فاقترحوا نحو آيات موسى وعيسى.

(1/4439)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 152
وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ من الأنبياء يهديهم الى الدين.
[سورة الرعد (13) : الآيات 8 الى 9]
اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9)
8 - اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ :
وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ من خداج وتمام.
9 - عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ :
الْكَبِيرُ الذي كل شىء دونه.
الْمُتَعالِ المستعلى على كل شىء بقدرته.
[سورة الرعد (13) : الآيات 10 الى 13]
سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13)
10 - سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ :
سارِبٌ ذاهب فى سربه أي طريقه ووجهه.
11 - لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ :
لَهُ مردود على مِنْ ، كأنه قيل لمن أسر ومن جهر ، ومن استخفى ومن سرب.
مُعَقِّباتٌ جماعات من الملائكة تعتقب فى حفظه وكلاءته.
مِنْ والٍ ممن يلى أمرهم ويدفع عنهم.
12 - هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ :
خَوْفاً وَطَمَعاً يخاف مما تحمله من صواعق ويطمع فيما تحمله من غيث.
13 - وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ :

(1/4440)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 153
وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ويسبح سامع الرعد من العباد الراجين للمطر حامدين له ، أي يضجون بقولهم : سبحان اللّه.
مِنْ خِيفَتِهِ من هيبته وإجلاله.
وَ هُمْ أي الذين كفروا وكذبوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم آله وأنكروا آياته.
يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ حيث ينكرون على رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم ما يصفه به من القدرة على البعث.
الْمِحالِ المكر ، وهو من اللّه تعالى التدبير بالحق.
[سورة الرعد (13) : الآيات 14 الى 16]
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (15) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16)
14 - لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ :
دَعْوَةُ الْحَقِّ أي دعوة ملابسة للحق ، أو دعوة المدعو الحق الذي يسمع فيجيب.
إِلَّا فِي ضَلالٍ الا فى ضياع لا منفعة فيه.
15 - وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ :
وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ أي ينقادون لاحداث ما أراده فيهم من أفعاله.
وَ ظِلالُهُمْ أي وتنقاد له ظلالهم أيضا حيث تصرف على مشيئته فى الامتداد والتقلص والفيء والزوال.
16 - قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ :
قُلِ اللَّهُ حكاية لاعترافهم وتأكيد له عليهم.

(1/4441)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 154
قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ أبعد أن علمتموه رب السموات والأرض اتخذتم من دونه أولياء.
لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا لا يستطيعون لأنفسهم أن ينفعوها أو يدفعوا عنها ضررا.
أَمْ جَعَلُوا بل اجعلوا ، ومعنى الهمزة الإنكار.
خَلَقُوا صفة لقوله شُرَكاءَ يعنى أنهم لم يتخذوا للّه شركاء خالقين قد خلقوا مثل خلق اللّه.
فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ فتشابه عليهم خلق اللّه وخلقهم.
قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا خالق غير اللّه.
وَ هُوَ الْواحِدُ المتوحد بالربوبية.
الْقَهَّارُ لا يغالب ، وما عداه مربوب مقهور.
[سورة الرعد (13) : الآيات 17 الى 18]
أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (18)
17 - أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ :
بِقَدَرِها بمقدارها الذي عرف اللّه أنه نافع عليهم غير ضار.
أَوْ مَتاعٍ عبارة جامعة لأنواع الفلز.
زَبَدٌ مِثْلُهُ الزبد : ما يعلو وجه الماء مما لا نفع فيه.
18 - لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ :
لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا اللام متعلقة بقوله يَضْرِبُ فى الآية السابقة.
الْحُسْنى صفة لمصدر الفعل (استجابوا) ، أي استجابوا الاستجابة الحسنى.

(1/4442)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 155
لَوْ أَنَّ لَهُمْ كلام مبتدأ فى ذكر ما أعد لغير المستجيبين.
وَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ مبتدأ ، خبره لَوْ مع ما فى حيزه.
سُوءُ الْحِسابِ المناقشة فيه. وقيل : أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر منه شىء.
[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 22]
أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)
19 - أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ :
أَ فَمَنْ الهمزة لانكار أن تقع شبهه بعد ما ضرب من المثل فى أن حال من علم أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ فاستجاب ، بمعزل من حال الجاهل الذي لم يستبصر فيستجيب كبعد ما بين الزبد والماء والخبث والابريز.
إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ أي الذين إذا عملوا على قضيات عقولهم فنظروا واستبصروا.
20 - الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ :
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ مبتدأ.
وَ لا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ ولا ينقضون كل ما وثقوه على أنفسهم من الإيمان باللّه وغيره من المواثيق بينهم وبين اللّه وبين العباد.
21 - وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ :
ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ من الأرحام والقرابات.
وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ أي ويخشون وعيده كله.
وَ يَخافُونَ خصوصا :
سُوءَ الْحِسابِ فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا.
22 - وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا

(1/4443)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 156
مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ
:
صَبَرُوا مطلق فيما يصبر عليه من المصائب فى النفوس والأموال ومشاق التكليف.
مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الحلال ، لأن الحرام لا يكون رزقا ، ولا يسند الى اللّه.
وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ويدفعون.
عُقْبَى الدَّارِ عاقبة الدنيا ، وهى الجنة.
[سورة الرعد (13) : الآيات 23 الى 27]
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (26) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (27)
23 - جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ :
جَنَّاتُ عَدْنٍ بدل من عُقْبَى الدَّارِ.
24 - سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ :
سَلامٌ عَلَيْكُمْ فى موضع الحال ، لأن المعنى : قائلين سلام عليكم ، أو مسلمين.
25 - وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ :
مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ من بعد ما أوثقوه من الاعتراف والقبول.
سُوءُ الدَّارِ أي سوء عاقبة الدنيا. أو أن يكون المراد بالدار :
جهنم ، وبسوئها : عذابها.
26 - اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ :
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ أي اللّه وحده هو يبسط الرزق ويقدره دون غيره.
وَ فَرِحُوا بما بسط لهم من الدنيا.
27 - وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ :

(1/4444)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 157
أَنابَ أقبل الى الحق.
[سورة الرعد (13) : الآيات 28 الى 31]
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (31)
28 - الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ :
الَّذِينَ آمَنُوا بدل من قوله مَنْ أَنابَ :
بِذِكْرِ اللَّهِ بذكر رحمته ومغفرته بعد القلق والاضطراب من خشيته.
29 - الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ :
الَّذِينَ آمَنُوا مبتدأ.
طُوبى لَهُمْ خبره. وطوبى لهم ، أي أصابوا خيرا وطيبا. واللام فى (لهم) للبيان.
30 - كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ :
كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ مثل ذلك الإرسال أرسلناك.
فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ أي أرسلناك فى أمة قد تقدمتها أمم كثيرة فهى آخر الأمم وأنت خاتم الأنبياء.
لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لتقرأ عليهم الكتاب الذي أوحينا إليك.
وَ هُمْ يَكْفُرُونَ وحال هؤلاء أنهم يكفرون.
بِالرَّحْمنِ بالبليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شىء.
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ فى نصرتى
وَ
31 -
ْأَسِ
أ فلم يعلم.
قارِعَةٌ داهية تقرعهم بما يحل اللّه بهم من البلايا.
أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً أي القارعة فيفزعون.
حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ وهو موتهم ، أو القيامة.
[سورة الرعد (13) : الآيات 32 الى 33]
وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33)
32 - وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ :
فَأَمْلَيْتُ الاملاء : الامهال.
33 - أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ :
أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ احتجاج عليهم فى اشراكهم باللّه.
عَلى كُلِّ نَفْسٍ صالحة أو طالحة.
بِما كَسَبَتْ يعلم خبره وشره ويعد لكل جزاءه.
وَ جَعَلُوا له وهو اللّه الذي يستحق العبادة وحده.
شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أي جعلتم له شركاء فسموهم له من هم ونبئوه بأسمائهم.
أَمْ تُنَبِّئُونَهُ أم ، منقطعة. والمعنى : بل أتنبئونه بشركاء لا يعلمهم فى الأرض وهو العالم بما فى السموات والأرض فاذا لم يعلمهم علم أنهم ليسوا بشىء يتعلق به العلم.

(1/4445)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 159
و المراد نفى أن يكون له شركاء.
مَكْرُهُمْ كيدهم للاسلام بشركهم.
وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ ومن يخذله لعلمه أنه لا يهتدى.
فَما لَهُ مِنْ هادٍ فما له من أحد يقدر على هدايته.
[سورة الرعد (13) : الآيات 34 الى 38]
لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (34) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (38)
34 - لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ
:
لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
و هو ما ينالهم من قتل وأسر.
وَ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ
من حافظ من عذابه.
35 - مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ :
مَثَلُ الْجَنَّةِ صفتها التي هى غرابة المثل.
36 - وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ :
إِلَيْهِ أَدْعُوا لا أدعو الى غيره.
وَ إِلَيْهِ لا الى غيره.
مَآبِ مرجعى.
37 - وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ :
وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ ومثل ذلك الانزال أنزلناه.
حُكْماً عَرَبِيًّا حكمة عربية ، وانتصابه على الحال.
38 - وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ :

(1/4446)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 160
وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً رد على ما كانوا يعيبون الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم به من الزواج والأولاد أي هذا شأن الرسل قبلك.
[سورة الرعد (13) : الآيات 39 الى 43]
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (39) وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (40) أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (43)
39 - يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ :
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ ينسخ ما يستصوب نسخه.
وَ يُثْبِتُ بدله ما يرى المصلحة فى إثباته.
وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ أصل كل كتاب.
40 - وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ :
و كيفما دارت الحال أريناك مصارعهم وما وعدناهم من إنزال العذاب عليهم ، وتوفيناك قبل ذلك ، فما يجب عليك الا تبليغ الرسالة فحسب ، وعلينا لا عليك حسابهم ، فلا تستعجل بعذابهم.
41 - أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ :
لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ لا راد لحكمه.
42 - وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ :
فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً إذ أن من علم ما تكسب كل نفس ، وأعد لها جزاءها ، فهو المكر كله لأنه يأتى من حيث لا يعلمون ، وهم فى غفلة مما يراد بهم.
43 - وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ :
كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً لما أظهر من الأدلة على رسالتى.
وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ومن عنده علم القرآن.

(1/4447)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 161
(14) سورة إبراهيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)
1 - الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ :
الر ألف ، لام ، راء ، فى الابتداء بهذه الحروف تنبيه إلى إعجاز القرآن ، مع أنه مكون من حروف يتكلمون بها.
كِتابٌ هو كتاب ، يعنى السورة.
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ بتسهيله وتيسيره.
2 - اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ :
اللَّهِ عطف بيان ، لقوله الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ لأنه جرى مجرى الأسماء الأعلام لغلبته واختصاصه بالمعبود الذي تحق له العبادة.
3 - الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ :
الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ مبتدأ.
وَ يَبْغُونَها عِوَجاً ويطلبون زيفا واعوجاجا.
أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ خبر المبتدأ.
4 - وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ :

(1/4448)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 162
لِيُبَيِّنَ لَهُمْ أي ليفقهوا عنه ما يدعوهم اليه.
فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وهو كقوله فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ.
الْعَزِيزُ الذي لا يغلب على مشيئته.
الْحَكِيمُ فلا يخذل الا أهل الخذلان.
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 5 الى 9]
وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)
5 - وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ :
أَنْ أَخْرِجْ أي أخرج ، لأن الإرسال فيه معنى القول ، كأنه قيل :
أرسلناه وقلنا له : أخرج.
لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ يصبر على بلاء اللّه ويشكر نعماءه.
6 - وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ :
إِذْ أَنْجاكُمْ إذ ، ظرف للنعمة بمعنى الانعام ، أي انعامه عليكم فى ذلك الوقت.
بَلاءٌ ابتلاء.
7 - وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ :
وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ من جملة ما قاله موسى لقومه. وتأذن : أذن ، أي واذكروا حين تأذن ربكم.
8 - وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ :
حَمِيدٌ مستوجب للحمد.
9 - أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ

(1/4449)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 163
مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ
:
وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ أي انهم من الكثرة بحيث لا يعلم عددهم الا اللّه.
فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ فعضوها غيظا وضجرا بما جاءت به الرسل.
إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ أي هذا جوابنا لكم ليس عندنا غيره.
مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ من الايمان باللّه.
مُرِيبٍ موقع فى الريبة ، أو ذى ريبة ، وهى قلق النفس وأن لا تطمئن الى الأمر.
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 10 الى 11]
قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
10 - قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ :
أَ فِي اللَّهِ شَكٌّ أدخلت همزة الإنكار على الظرف ، لأن الكلام ليس فى الشك ، انما هو فى المشكوك فيه ، وأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة وشهادتها عليه.
يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ أي يدعوكم الى الايمان ليغفر لكم ، أو يدعوكم لأجل المغفرة.
وَ يُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى الى وقت قد سماه اللّه وبين مقداره.
إِنْ أَنْتُمْ ما أنتم.
إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا لا فضل بيننا وبينكم ، أو لا فضل لكم علينا ، فلم تخصون بالنبوة دوننا.
بِسُلْطانٍ مُبِينٍ بحجة بينة.
11 - قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى

(1/4450)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 164
مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
:
إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ تسليم لقولهم ، وأنهم بشر مثلهم. يعنون أنهم مثلهم فى البشرية وحدها ، أما ما وراء ذلك فما كانوا مثلهم.
وَ لكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ بالنبوة.
إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي ان الإتيان بالآية التي اقترحتموها ليس إلينا ولا فى استطاعتنا ، وما هو الا أمر يتعلق بمشيئة اللّه.
وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أمر منهم للمؤمنين كافة بالتوكل.
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 12 الى 14]
وَ ما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (14)
12 - وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ :
وَ ما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ أي : وأي عذر لنا فى أن لا نتوكل على اللّه.
وَ قَدْ هَدانا وقد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه.
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ أي فليثبت المتوكلون على ما استحدثوا من توكلهم ، إذ التوكل الأول فى الآية السابقة لاستحداث التوكل.
13 - وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ :
لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا ليكوننن أحد الأمرين لا محالة ، اما إخراجكم واما عودكم حالفين على ذلك.
لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ حكاية تقتضى إضمار القول أو اجراء الإيحاء مجرى القول لأنه ضرب منه.
14 - وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ :

(1/4451)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 165
ذلِكَ اشارة الى ما قضى به اللّه من إهلاك الظالمين واسكان المؤمنين لديارهم.
لِمَنْ خافَ مَقامِي موقفى ، وهو موقف الحساب ، لأنه موقف اللّه الذي يقف فيه عباده يوم القيامة.
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 15 الى 17]
وَ اسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (17)
15 - وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ :
وَ اسْتَفْتَحُوا واستنصروا اللّه على أعدائهم.
وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ أي فنصروا وظفروا وأفلحوا ، وخاب كل جبار عنيد ، وهم قومهم.
16 - مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ :
مِنْ وَرائِهِ من بين يديه. وهذا وصف حاله فى الدنيا ، لأنه مرصد لجهنم ، فكأنها بين يديه وهو على شفيرها. أو وصف حاله فى الآخرة حين يبعث ويوقف.
وَ يُسْقى عطف على محذوف ، تقديره : من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويسقى من ماء صديد كأنه أشد عذابها فخصص بها.
والصديد : ما يسيل من جلود أهل النار.
17 - يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ :
يَتَجَرَّعُهُ يتكلف جرعه.
وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ ولا يقارب أن يسيغه. ودخول (كاد) للمبالغة.
وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ كأن أسباب الموت وأصنافه كلها قد تألبت عليه وأحاطت به من جميع الجهات.
مِنْ كُلِّ مَكانٍ من جسده.
وَ مِنْ وَرائِهِ ومن بين يديه.
عَذابٌ غَلِيظٌ أشد مما قبله وأغلظ.

(1/4452)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 166
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 18 الى 21]
مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21)
18 - مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ :
مَثَلُ مبتدأ محذوف الخبر ، والتقدير : وفيما يقص عليك مثل.
والمثل ، مستعار للصفة التي فيها غرابة.
أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ جملة مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول :
كيف مثلهم ، فقيل : أعمالهم كرماد.
فِي يَوْمٍ عاصِفٍ جعل العصف لليوم ، وهو لما فيه.
لا يَقْدِرُونَ يوم القيامة.
مِمَّا كَسَبُوا من أعمالهم.
عَلى شَيْءٍ أي لا يرون له أثرا من ثواب ، كما لا يقدرون من الرماد المطير فى الريح على شىء.
ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ اشارة الى بعد ضلالهم عن طريق الحق أو عن الثواب.
19 - أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ :
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أي هو قادر على أن يعدم الناس ويخلق مكانهم خلقا آخر ، اعلاما منه باقتداره على اعدام الموجود وإيجاد المعدوم ، يقدر على الشيء وجنس ضده.
20 - وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ :
وَ ما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ بمتعذر.
21 - وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ :
وَ بَرَزُوا لِلَّهِ يبرزون يوم القيامة. وجاء بلفظ الماضي لأن ما أخبر به عز وجل لصدقه كأنه قد كان ووجد.

(1/4453)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 167
الضُّعَفاءُ الأتباع والعوام.
لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا السادة والكبراء.
تَبَعاً تابعين.
مِنْ عَذابِ اللَّهِ من النبيين.
مِنْ شَيْءٍ من للتبعيض.
فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ من باب التبكيت ، لأنهم قد علموا أنهم لا يقدرون على الإغناء عنهم.
لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ جواب المعتذرين عما كان منهم إليهم ، بأن اللّه لو هداهم الى الايمان لهدوهم ولم يضلوهم.
سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مستويان علينا الجزع والصبر ، والهمزة وأم للتسوية.
ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ أي منجى ومهرب.
[سورة إبراهيم (14) : آية 22]
وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (22)
22 - وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ :
لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ لما قطع الأمر وفرغ منه ، وهو الحساب.
إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وهو البعث والجزاء على الأعمال توفى لكم بما وعدكم.
وَ وَعَدْتُكُمْ خلاف ذلك.
وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ من تسلط وقهر فأقسركم على الكفر والمعاصي وألجئكم إليها.
إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ الا دعائى إياكم الى الضلالة بوسوستي وتزيينى.

(1/4454)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 168
فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ حيث اغتررتم بي وأطعتمونى إذ دعوتكم ، ولم تطيعوا ربكم إذ دعاكم.
ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ الاصراخ : الاستغاثة ، أي لا ينجى بعضنا بعضا من عذاب اللّه ولا يغيثه.
بِما أَشْرَكْتُمُونِ ما ، مصدرية.
مِنْ قَبْلُ متعلقة بقوله أَشْرَكْتُمُ
[سورة إبراهيم (4
نَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ
:
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ متعلق بقوله أُدْخِلَ أي أدخلتهم الملائكة الجنة بإذن اللّه وأمره.
24 - أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ :
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا اعتمد مثلا ووضعه.
كَلِمَةً طَيِّبَةً نصب بمضمر ، أي : جعل كلمة طيبة.
كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ تفسير لقوله ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا.
أَصْلُها ثابِتٌ فى الأرض ضارب بفروعه فيها.
فَرْعُها أعلاها ورأسها.
25 - تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ :
تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ تعطى ثمرها كل وقت وقته اللّه لاثمارها.
بِإِذْنِ رَبِّها بتيسير خالقها وتكوينه.
لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ لأن فى ضرب الأمثال زيادة إفهام وتذكير وتصوير للمعانى.

(1/4455)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 169
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 26 الى 28]
وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28)
26 - وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ :
كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ كمثل شجرة خبيثة ، أي صفتها كصفتها. والكلمة الخبيثة ، كلمة الشرك. وقيل كلمة قبيحة.
اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ استؤصلت.
ما لَها مِنْ قَرارٍ أي استقرار.
27 - يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ :
بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ الذي ثبت بالحجة والبرهان فى قلب صاحبه وتمكن فيه ، فاعتقده واطمأنت اليه نفسه.
فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي انهم إذا فتنوا فى دينهم لم يزلوا.
وَ فِي الْآخِرَةِ أي انهم إذا سئلوا عند تواقف الأشهاد عن معتقدهم ودينهم لم يتلعثموا ولم يبهتوا ، ولم تحيرهم أهوال الحشر.
وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ الذين لم يتمسكوا بحجة فى دينهم ، وانما اقتصروا على تقليد كبارهم وشيوخهم.
وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ أي ما توجبه الحكمة.
28 - أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ :
بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ أي شكر نعمة اللّه.
كُفْراً وضعوا مكان شكرها الذي وجب عليهم كفرا ، فكأنهم غيروا الشكر الى الكفر وبدلوه تبديلا.
وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ ممن تابعهم على الكفر.
دارَ الْبَوارِ دار الهلاك.

(1/4456)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 170
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 29 الى 33]
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (33)
29 - جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ :
جَهَنَّمَ عطف بيان.
30 - وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ :
قُلْ تَمَتَّعُوا وعيد لهم ، وهو تعليل لما هم فيه من ملاذ الدنيا إذ هو منقطع.
فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ أي مردكم ومرجعكم الى عذاب جهنم.
31 - قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ :
سِرًّا وَعَلانِيَةً أي مسرين معلنين ، أو انفاق سر وانفاق علانية.
لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ أي لا انتفاع فيه بمبايعة ولا بمخالة.
32 - اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ :
اللَّهُ مبتدأ.
الَّذِي خَلَقَ خبر.
مِنَ الثَّمَراتِ بيان للرزق ، أي أخرج به رزقا هو ثمرات.
ويجوز أن يكون مِنَ الثَّمَراتِ مفعول فَأَخْرَجَ ورِزْقاً حال من المفعول.
بِأَمْرِهِ بقوله : كن.
33 - وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ :
دائِبَيْنِ يدأبان فى سيرهما.
وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ يتعاقبان خلقة لمعاشكم وسباتكم.

(1/4457)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 171
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 34 الى 37]
وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)
34 - وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ :
وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ أي آتاكم بعض جميع ما سألتموه ، نظرا لمصالحكم ، فالحرف :
مِنْ هنا ، للتبعيض.
لا تُحْصُوها لا تحصروها ولا تطيقوا عدها وبلوغ آخرها.
لَظَلُومٌ يظلم النعمة باغفال شكرها.
كَفَّارٌ شديد الكفران لها.
35 - وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ :
هَذَا الْبَلَدَ يعنى البلد الحرام.
آمِناً ذا أمن.
وَ اجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ثبتنا وأدمنا على اجتناب عبادتها.
36 - رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
فَمَنْ تَبِعَنِي على ملتى.
فَإِنَّهُ مِنِّي أي هو بعضى لفرط اختصاصه بي وملابسته لى.
وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ نغفر له ما سلف منه من عصيانى.
37 - رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ :
مِنْ ذُرِّيَّتِي بعض أولادى ، وهم إسماعيل ومن ولد منه.
بِوادٍ هو وادي مكة.
غَيْرِ ذِي زَرْعٍ لا يكون فيه شىء من رزع قط.

(1/4458)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 172
لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ أي ما أسكنتهم هذا الوادي الخلاء البلقع الا ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم ، ويعمروه ، بذكرك وعبادتك.
أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ أفئدة من أفئدة الناس.
تَهْوِي إِلَيْهِمْ تسرع إليهم.
وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ مع سكناهم واديا ما فيه شىء ، بأن تجلب إليهم من البلاد.
لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ النعمة فى أن يرزقوا أنواع الثمرات حاضرة فى واد يباب.
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 38 الى 42]
رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42)
38 - رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ :
ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ تعلم السر كما تعلم العلن علما لا تفاوت فيه.
39 - الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ :
عَلَى الْكِبَرِ وأنا كبير.
40 - رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ :
وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي وبعض ذريتى.
وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ عبادتى.
41 - رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ :
يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ أي يوم يقوم للناس الحساب.
42 - وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ :
وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا أي لا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يفعلون لكن معاملة الرقيب عليهم المحاسب لهم.

(1/4459)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 173
تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ أي أبصارهم لا تقر فى أماكنها من هول ما ترى.
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 43 الى 45]
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَ لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45)
43 - مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ :
مُهْطِعِينَ مسرعين الى الداعي.
مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ رافعيها.
لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ لا يرجع إليهم أن يطرفوا بعيونهم ، أي لا يطرفون ولكن عيونهم مفتوحة ممدودة من غير تحريك للأجفان.
وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ صفر من الخير خاوية منه.
44 - وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَ لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ :
يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ مفعول ثان لقوله وَأَنْذِرِ وهو يوم القيامة.
أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ردنا الى الدنيا وأمهلنا الى أمد وحدّ من الزمان قريب نتدارك ما فرطنا فيه.
أَ وَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ أي أقسمتم أنكم باقون فى الدنيا ولا تزالون بالموت والفناء.
45 - وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ :
وَ سَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي قروا فيها واطمأنوا.
وَ تَبَيَّنَ لَكُمْ بالأخبار والمشاهدة.
كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ أهلكناهم وانتقمنا منهم.
وَ ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ أي صفات ما فعلوا وفعل بهم.

(1/4460)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 174
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 46 الى 50]
وَ قَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)
46 - وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ :
وَ قَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ أي مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم.
وَ عِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ أي ومكتوب عند اللّه مكرهم فهو مجازيهم عليه ، أو عند اللّه مكرهم الذي يمكرهم به ، وهو عذابهم الذي يستحقونه يأتيهم به من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون.
وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ وان عظم مكرهم وتبالغ فى الشدة.
47 - فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ :
عَزِيزٌ غالب.
ذُو انتِقامٍ لأوليائه من أعدائه.
48 - يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ :
يَوْمَ تُبَدَّلُ انتصابه على البدل من قوله يَوْمَ يَأْتِيهِمُ.
السَّماواتُ أي يوم تبدل هذه الأرض التي تعرفونها أرضا أخرى غير هذه المعروفة ، وكذلك السموات ، والتبديل : التغيير.
49 - وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ :
مُقَرَّنِينَ قرن بعضهم مع بعض.
فِي الْأَصْفادِ فى القيود.
50 - سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ :
مِنْ قَطِرانٍ القطران ما يتحلب من بعض الشجر وتهنأ به الإبل الجربى ، فيحرق الجرب بحره وحدته ، ومن شأنه أن يسرع فيه اشتعال النار.

(1/4461)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 175
وَ تَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ لأن الوجه أعز موضع فى ظاهر البدن وأشرفه.
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 51 الى 52]
لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52)
51 - لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ :
كُلَّ نَفْسٍ من مجرمة ومطيعة.
52 - هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ :
هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ كناية فى التذكير والموعظة.
وَ لِيُنْذَرُوا معطوف على محذوف ، أي لينصحوا ولينذروا.
بِهِ بهذا البلاغ.
وَ لِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ لأنهم إذا خافوا ما أنذروا به دعتهم المخافة الى النظر حتى يتوصلوا الى التوحيد ، لأن الخشية أم الخير كله.

(1/4462)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 176
(15) سورة الحجر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (4)
ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (5) وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)
1 - الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ :
الر ألف ، لام ، راء فى الابتداء بهذه الحروف تنبيه الى اعجاز القرآن ، مع أنه مكون من حروف يتكلمون بها.
تِلْكَ اشارة الى ما تضمنته السورة من الآيات.
آياتُ الْكِتابِ السورة.
وَ قُرْآنٍ مُبِينٍ تنكير قُرْآنٍ للتفخيم.
أي الكتاب الجامع للكمال والغرابة فى البيان.
2 - رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ :
لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ حكاية ودادتهم ، وانما جىء بها على لفظ الغيبة لأنهم مخبر عنهم.
3 - ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ :
يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا بدنياهم.
وَ يُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ويشغلهم أملهم.
فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ سوء صنيعهم.
4 - وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ :
وَ لَها كِتابٌ مَعْلُومٌ جملة واقعة صفة لقوله قَرْيَةٍ.
مَعْلُومٌ مكتوب معلوم.
5 - ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ :
وَ ما يَسْتَأْخِرُونَ عنه ، لأنه معلوم.
6 - وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ :
يا أَيُّهَا النداء منهم على وجه الاستهزاء.

(1/4463)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 177
[سورة الحجر (15) : الآيات 7 الى 9]
لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9)
7 - لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ :
لَوْ ما للتحضيض والمعنى : هلا تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك.
8 - ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ :
إِلَّا بِالْحَقِّ الا تنزلا ملتبسا بالحكمة والمصلحة ولا حكمة فى أن تأتيكم الملائكة عيانا ، لأنكم حينئذ مصدقون عن اضطرار.
إِذاً جواب وجزاء ، لأنه جواب لهم وجزاء الشرط مقدر ، تقديره : ولو لا نزلنا الملائكة ما كانوا منتظرين وما أخرنا عذابهم.
9 - إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ :
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ رد لانكارهم واستهزائهم.
[سورة الحجر (15) : الآيات 10 الى 14]
وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11) كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13) وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14)
10 - وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ :
فِي شِيَعِالْأَوَّلِينَ
فى فرقهم وطوائفهم.
11 - وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ :
وَ ما يَأْتِيهِمْ حكاية حال ماضية.
12 - كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ :
كَذلِكَ أي الضلال والكفر والاستهزاء والشرك.
نَسْلُكُهُ نلقيه.
13 - لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ :
لا يُؤْمِنُونَ أي غير مؤمن به ، فى موضع نصب على الحال ، أو هو بيان لقوله كَذلِكَ نَسْلُكُهُ.
سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ طريقتهم التي سنها اللّه فى إهلاكهم حين كذبوا برسلهم ، وبالذكر المنزل عليهم.
14 - وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ :
يَعْرُجُونَ يصعدون.

(1/4464)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 178
[سورة الحجر (15) : الآيات 15 الى 20]
لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (17) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)
وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (20)
15 - لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ :
سُكِّرَتْ أَبْصارُنا أي غشيها ضعف فلا يبصرون.
أي ان هؤلاء المشركين بلغ من غلوهم فى الفساد أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء ، ويسر لهم معراج يصعدون فيه إليها ، ورأوا من العيان ما رأوا لقالوا : هو شىء نتخايله لا حقيقة له ، ولقالوا : قد سحرنا محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم بذلك.
16 - وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ :
بُرُوجاً منازل للكواكب.
وَ زَيَّنَّاها يعنى السماء.
لِلنَّاظِرِينَ المعتبرين والمفكرين.
17 - وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ :
رَجِيمٍ مرجوم بالحجارة.
18 - إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ :
اسْتَرَقَ السَّمْعَ اختطت خطفا يسيرا.
فَأَتْبَعَهُ أدركه ولحقه.
شِهابٌ مُبِينٌ شهاب : كوكب مضىء. ومبين : ظاهر للمبصرين.
19 - وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ :
مَدَدْناها بسطناها.
وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ جبالا راسخة راسية ثابتة.
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ أي مقدر ومعلوم.
20 - وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ :
وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ من المطاعم والمشارب التي يعيشون بها.
وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ أي الدواب والأنعام.

(1/4465)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 179
[سورة الحجر (15) : الآيات 21 الى 27]
وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)
وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (27)
21 - وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ :
وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ أي : وان من شىء من أرزاق الخلق ومنافعه الا عندنا خزائنه.
وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ أي ولكن لا ننزله الا على حسب مشيئة وعلى حسب حاجة الخلق اليه.
22 - وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ :
لَواقِحَ حوامل ، أو ملقحة.
وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ أي ليست خزائنه عندكم.
23 - وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ :
وَ نَحْنُ الْوارِثُونَ الأرض وما عليها ولا يبقى شىء سوانا.
24 - وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ :
الْمُسْتَقْدِمِينَ أول الخلق.
الْمُسْتَأْخِرِينَ آخر الخلق.
25 - وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ :
يَحْشُرُهُمْ للحساب والجزاء.
26 - وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ :
مِنْ صَلْصالٍ أي من طين يابس.
مِنْ حَمَإٍ الحمأ : الطين الأسود.
مَسْنُونٍ متغير.
27 - وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ :
مِنْ قَبْلُ أي من قبل خلق آدم.
مِنْ نارِ السَّمُومِ نار لا دخان لها.

(1/4466)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 180
[سورة الحجر (15) : الآيات 28 الى 34]
وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32)
قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34)
28 - وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ :
مِنْ صَلْصالٍ من طين جاف.
مِنْ حَمَإٍ الحمأ : الطين الأسود.
مَسْنُونٍ متغير.
أي كان أولا ترابا ، ثم بل فصار طينا ، ثم ترك حتى أنتن فصار حمأ مسنونا ، ثم يبس فصار صلصالا.
29 - فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ :
وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي أحييته.
فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ أي خروا له ساجدين.
30 - فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ فعلوا ما أمروا به من السجود.
31 - إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ :
أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ لم يسجد معهم.
32 - قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ :
ما لَكَ أي ما المانع لك.
أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ أي فى ألا تكون.
33 - قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ :
من تكبره وحسده ، وأنه خير منه ، إذ هو من نار ، والنار تأكل الطين.
34 - قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ :
فَاخْرُجْ مِنْها أي من السموات ، أو من جنة عدن ، أو من جملة الملائكة.

(1/4467)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 181
فَإِنَّكَ رَجِيمٌ أي مرجوم بالشهب.
[سورة الحجر (15) : الآيات 35 الى 42]
وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (35) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)
إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42)
35 - وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ :
اللَّعْنَةَ أي لعنتى.
36 - قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ :
فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ألا يموت الى يوم البعث ، لأن يوم البعث لا موت فيه ولا بعده.
37 - قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ :
الْمُنْظَرِينَ المؤجلين.
38 - إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ :
أي النفخة الأولى ، أي حين تموت الخلائق.
39 - قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ :
بِما أَغْوَيْتَنِي الباء للقسم. وما مصدرية. أي تسبيبه لغيه حين أمره بالسجود فلم يسجد.
لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ بفعل المعاصي ، أو بشغلهم بزينة الدنيا عن الطاعة.
وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ أي لأضلهن عن طريق الهدى.
40 - إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ :
الْمُخْلَصِينَ أي الذين استخلصتهم وأخلصتهم.
وقرىء بكسر اللام ، أي الذين أخلصوا لك العبادة من فساد ورياء.
41 - قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ :
هذا صِراطٌ أي طريق حق.
عَلَيَّ أن أراعيه.
42 - إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ :

(1/4468)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 182
لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أي على قلوبهم.
إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ أي الضالين المشركين.
[سورة الحجر (15) : الآيات 43 الى 49]
وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47)
لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)
43 - وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ :
يعنى إبليس ومن اتبعه.
44 - لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ :
سَبْعَةُ أَبْوابٍ أي أطباق.
لِكُلِّ بابٍ لكل طبقة.
جُزْءٌ مَقْسُومٌ أي حظ معلوم.
45 - إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ :
إِنَّ الْمُتَّقِينَ أي الذين اتقوا الفواحش والشرك.
فِي جَنَّاتٍ بساتين.
وَ عُيُونٍ أنهار.
46 - ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ :
بِسَلامٍ بسلامة من كل داء وآفة. وقيل بتحية من اللّه لهم.
آمِنِينَ أي من الموت والعذاب.
47 - وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ :
إِخْواناً منصوب على الحال.
مُتَقابِلِينَ يواجه بعضهم بعضا.
48 - لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ :
نَصَبٌ أي اعياء وتعب.
49 - نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ :
نبىء عبادى أنى كثير الغفران والعفو لمن تاب وآمن وعمل صالحا وأنى كثير الرحمة.

(1/4469)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 183
[سورة الحجر (15) : الآيات 50 الى 57]
وَ أَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)
قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (56) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57)
50 - وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ :
و أخبرهم أن العذاب الذي أنزله بالعصاة الجاحدين هو العذاب المؤلم حقا ، وكل عذاب غيره لا يعد مؤلما بجواره.
51 - وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ :
ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الملائكة الذين بشروه بهلاك قوم لوط.
52 - إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ :
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ جمع لأن الضيف يصلح للواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث.
فَقالُوا سَلاماً أي سلموا سلاما.
قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ فزعون خائفون.
53 - قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ :
قالُوا لا تَوْجَلْ لا تخف.
بِغُلامٍ عَلِيمٍ عالم. وقيل : حليم.
54 - قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ :
عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ أن ، مصدرية ، أي على مس الكبر إياى.
فَبِمَ تُبَشِّرُونَ استفهام تعجب. وقيل : استفهام حقيقى.
55 - قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ :
قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ بما لا خلف فيه وأن الولد لا بد منه.
فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ من اليائسين من الولد.
56 - قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ :
إِلَّا الضَّالُّونَ المكذبون الذاهبون عن طريق الصواب.
57 - قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ :
فَما خَطْبُكُمْ فما أمركم وشأنكم.

(1/4470)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 184
[سورة الحجر (15) : الآيات 58 الى 65]
قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (60) فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62)
قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65)
58 - قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ :
مُجْرِمِينَ مشركين ضالين لنهلكهم.
59 - إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ :
إِلَّا آلَ لُوطٍ أتباعه وأهل دينه.
إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ مخلصوهم.
60 - إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ :
إِلَّا امْرَأَتَهُ استثناء من آل لوط.
قَدَّرْنا قضينا.
لَمِنَ الْغابِرِينَ الباقين فى العذاب.
61 - فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ :
أي ولما نزل الملائكة بلوط وأتباعه.
62 - قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ :
قَوْمٌ مُنْكَرُونَ لا أعرفكم.
63 - قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ :
أي يشكون أنه نازل بهم وهو العذاب.
64 - وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ :
بِالْحَقِّ بالصدق.
وَ إِنَّا لَصادِقُونَ فى إهلاكهم.
65 - فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ :
بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ بعد مرور قطع من الليل.
وَ اتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ أي كن من ورائهم لئلا يتخلف منهم أحد فيناله العذاب.

(1/4471)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 185
وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ نهوا عن الالتفات ليجدوا فى السير ويتباعدوا من القرية قبل أن يفاجئهم الصبح.
وَ امْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ قيل : الشام.
[سورة الحجر (15) : الآيات 66 الى 72]
وَ قَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (69) قالُوا أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (70)
قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)
66 - وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ :
وَ قَضَيْنا إِلَيْهِ أي أوحينا الى لوط.
دابِرَ هؤُلاءِ أي آخرهم.
مُصْبِحِينَ أي عند الصبح.
67 - وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ :
أَهْلُ الْمَدِينَةِ أي مدينة لوط سدوم.
يَسْتَبْشِرُونَ مستبشرين بالأضياف طمعا منهم فى ركوب الفاحشة.
68 - قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ :
ضَيْفِي أي أضيافى.
فَلا تَفْضَحُونِ بفضيحة ضيفى ، لأن من أسىء الى ضيفه فقد أسىء اليه.
69 - وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ :
وَ لا تُخْزُونِ يجوز أن يكون من الخزي الذي هو الذل والهوان ، أو من الخزاية ، بمعنى الحياء والخجل.
70 - قالُوا أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ :
أي عن أن تضيف أحدا لأنا نريد منهم الفاحشة. وقيل : أو لم ننهك عن أن تكلمنا فى أحد من الناس إذا قصدناه بالفاحشة.
71 - قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ :
أي فتزوجوهن ولا تركنوا الى الحرام.
72 - لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ :

(1/4472)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 186
لَعَمْرُكَ على ارادة القول ، أي قالت الملائكة للوط عليه السلام :
لعمرك.
إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ أي غوايتهم التي أذهبت عقولهم وتمييزهم بين الخطأ الذي هم عليه وبين الصواب الذي تشير به عليهم.
يَعْمَهُونَ يتحيرون.
[سورة الحجر (15) : الآيات 73 الى 79]
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)
وَ إِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (79)
73 - فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ :
الصَّيْحَةُ العذاب.
مُشْرِقِينَ داخلين فى الشروق ، وهو بزوغ الشمس.
74 - فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ :
مِنْ سِجِّيلٍ من طين.
75 - إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ :
لِلْمُتَوَسِّمِينَ المتفرسين المتأملين.
76 - وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ :
وَ إِنَّها أي وان هذه القرى وآثارها.
لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ثابت يسلكه الناس لم يندرس بعد وهم يبصرون تلك الآثار.
77 - إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ :
لَآيَةً دليلا وحجة.
78 - وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ :
أَصْحابُ الْأَيْكَةِ قوم شعيب.
79 - فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ :
وَ إِنَّهُما يعنى قرى قوم لوط والأيكة. وقيل : الضمير للأيكة ومدين ، لأن شعيبا كان مبعوثا إليهما.

(1/4473)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 187
لَبِإِمامٍ مُبِينٍ لبطريق واضح. والإمام : اسم لما يؤتم به ، فسمى به الطريق.
[سورة الحجر (15) : الآيات 80 الى 86]
وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (81) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (84)
وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (86)
80 - وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ :
أَصْحابُ الْحِجْرِ ثمود. والحجر : واديهم ، وهو بين المدينة والشام.
الْمُرْسَلِينَ يعنى بتكذيبهم صالحا ، لأن من كذب واحدا من الرسل فكأنما كذبهم جميعا.
81 - وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ :
مُعْرِضِينَ لم يعتبروا.
82 - وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ :
آمِنِينَ لوقاية البيوت واستحكامها من أن تهدم ويتداعى بنيانها.
83 - فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ :
الصَّيْحَةُ العذاب.
مُصْبِحِينَ مع الصبح.
84 - فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ :
ما كانُوا يَكْسِبُونَ من بناء البيوت الوثيقة والأموال والعدد.
85 - وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ :
إِلَّا بِالْحَقِّ الا خلقا ملتبسا بالحق والحكمة ، لا باطلا وعبثا.
وَ إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ وان اللّه ينتقم لك فيها من أعدائك.
فَاصْفَحِ فأعرض عنهم واحتمل ما تلقى منهم.
الصَّفْحَ الْجَمِيلَ إعراضا جميلا بحلم وإغفاء.
86 - إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ :

(1/4474)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 188
الْخَلَّاقُ الذي خلقك وخلقهم.
الْعَلِيمُ بحالك وحالهم ، فلا يخفى عليه ما يجرى بينكم وهو يحكم بينكم.
[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 91]
وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)
87 - وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ :
سَبْعاً سبع آيات ، وهى الفاتحة.
الْمَثانِي من التثنية ، وهى التكرير ، لأن الفاتحة مما تكرر قراءتها فى الصلاة وغيرها.
أو من الثناء ، لاشتمالها على ما هو ثناء على اللّه.
88 - لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ :
لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ أي لا تطمح ببصرك طموح راغب فيه متمنّ له.
إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ أصنافا من الكفار.
وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ أي لا تتمن أموالهم ولا تحزن عليهم أنهم لم يؤمنوا فيتقوى بمكانهم الإسلام.
وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وتواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وضعفائهم.
89 - وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ :
وَ قُلْ لهم.
النَّذِيرُ الْمُبِينُ أنذركم ببيان وبرهان أن عذاب اللّه نازل بكم.
90 - كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ :
كَما أَنْزَلْنا متعلق بقوله وَلَقَدْ آتَيْناكَ أي أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب ، وهم المقتسمون.
91 - الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ :

(1/4475)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 189
حيث قالوا بعنادهم بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل ، وبعضه باطل مخالف لهما ، فاقتسموه الى حق وباطل ، وعضوه وجزءوه.
[سورة الحجر (15) : الآيات 92 الى 99]
فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (93) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96)
وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)
92 - فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ :
لَنَسْئَلَنَّهُمْ عبارة عن الوعيد.
93 - عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ :
أي عما كانوا يعبدون ، وماذا أجابوا المرسلين.
94 - فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ :
فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ فأجهر به وأظهره.
95 - إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ :
أي ان اللّه كافيك أذاهم.
96 - الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ :
هذه صفة المستهزئين.
وقيل ، هو ابتداء ، وخبره فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.
97 - وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ :
بِما يَقُولُونَ من أقاويل الطاعنين فيك وفى القرآن.
98 - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ :
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ فافزع فيما نابك الى اللّه.
99 - وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ :
وَ اعْبُدْ رَبَّكَ ودم على عبادة ربك.
حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ أي الموت.

(1/4476)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 190
(16) سورة النحل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)
1 - أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ :
أَتى أَمْرُ اللَّهِ الذي هو بمنزلة الآتي الواقع ، وان كان منتظرا لقرب وقوعه.
فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ فاطمأنوا.
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ تبرأ عز وجل عن أن يكون له شريك ، أو عن اشراكهم ، على أن (ما) موصولة ، أو مصدرية.
2 - يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ :
بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ بما يحيى القلوب الميتة بالجهل من وحيه ، أو بما يقوم فى الدين مقام الروح فى الجسد.
أَنْ أَنْذِرُوا بدل من بِالرُّوحِ أي ينزلهم بأن أنذروا.
أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا أي : اعلموا بأن الأمر ذلك. والمعنى : يقول لهم أعلموا الناس قولى لا إله إلا أنا فاتقون.
3 - خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ :
بِالْحَقِّ للدلالة على قدرته.
4 - خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ :
فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ أي فاذا هو منطيق مجادل عن نفسه مكافح للخصوم مبين للحجة.
أو فاذا هو خصيم لربه منكر على خالقه.

(1/4477)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 191
[سورة النحل (16) : الآيات 5 الى 9]
وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (9)
5 - وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ :
وَ الْأَنْعامَ المال الراعية ، وأكثر ما يقع على الإبل ، وانتصابها بمضمر يفسره الظاهر.
خَلَقَها لَكُمْ أي ما خلقها الا لكم ولمصالحكم يا جنس الإنسان.
دِفْءٌ اسم ما يدفأ به.
وَ مَنافِعُ هى نسلها ودرها وغير ذلك.
وَ مِنْها تَأْكُلُونَ مؤذن بالاختصاص ، وقد يؤكل من غيرها.
6 - وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ :
حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وصف للحين ، والمعنى : تريحون فيه وتسرحون فيه.
7 - وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ :
لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ حيث رحمكم بخلق هذه الحوامل وتيسير هذه المصالح.
8 - وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ :
وَ الْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ عطف على الْأَنْعامَ.
لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً أي وخلق هؤلاء للركوب والزينة.
وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ من الخلق.
9 - وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ :
قَصْدُ السَّبِيلِ أي على اللّه بيان قصد السبيل ، فحذف المضاف ، وهو البيان.
جائِرٌ أي عادل عن الحق فلا يهتدى به.

(1/4478)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 192
[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 17]
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)
وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17)
10 - هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ :
تُسِيمُونَ من سامت الماشية ، إذا رعت ، فهى سائمة ، وأسامها صاحبها.
11 - يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ :
يَتَفَكَّرُونَ ينظرون فيستدلون بها عليه ، وعلى قدرته وحكمته.
12 - وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ :
لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ذكر العقل لأن الآثار العلوية أظهر دلالة على القدرة الباهرة وأبين شهادة للكبرياء والعظمة.
13 - وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ :
وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ أي وسخر ما ذرأ لكم فى الأرض ، أي خلق.
14 - وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ :
مَواخِرَ فِيهِ جارية على سطحه.
15 - وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ :
أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ كراهة أن تميد بكم وتضطرب.
16 - وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ :
وَ بِالنَّجْمِ المراد الجنس.
17 - أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ :

(1/4479)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 193
أَ فَمَنْ يَخْلُقُ أي اللّه.
كَمَنْ لا يَخْلُقُ أي الأصنام.
[سورة النحل (16) : الآيات 18 الى 23]
وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)
لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)
18 - وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ :
إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ حيث يتجاوز عن تقصيركم فى أداء شكر النعمة ولا يقطعها عنكم لتفريطكم.
19 - وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ :
أي ما تخفون وما تظهرون من أعمالكم ، وهو وعيد.
20 - وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ :
وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ والآلهة الذين يدعونهم الكفار.
21 - أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ :
وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ وما يعلم هؤلاء الآلهة متى تبعث الأحياء ، تهكما بحالها لأن شعور الجماد محال.
22 - إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ :
إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ أي قد ثبت بما تقدم من ابطال أن تكون الإلهية لغيره أنها له وحده لا شريك له فيها.
23 - لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ :
لا جَرَمَ حقا.
أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وعيد.
ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ سرهم وعلانيتهم ، فيجازيهم.
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ عن التوحيد ، يعنى المشركين ، ويجوز أن يعم كل مستكبر فيدخل هؤلاء تحت عمومه.

(1/4480)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 194
[سورة النحل (16) : الآيات 24 الى 27]
وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (25) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (27)
24 - وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ :
ما ذا فى محل نصب ، وناصبه (أنزلنا) بمعنى : أي شىء أنزل ربكم ، أو مرفوع بالابتداء بمعنى : أي شىء أنزله ربكم.
فإذا نصبت فمعنى أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ما يدعون نزوله أساطير الأولين.
وإذا رفعت فالمعنى : المنزل أساطير الأولين.
25 - لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ :
لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ أي قالوا ذلك اضلالا للناس ، فحملوا أوزارهم وضلالهم كاملة وبعض أوزار من ضل بضلالهم.
بِغَيْرِ عِلْمٍ حال من المفعول ، أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلّال.
26 - قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ :
مِنَ الْقَواعِدِ من جهة القواعد.
مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ من حيث لا يحتسبون ولا يتوقعون.
27 - ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ :
يُخْزِيهِمْ يذلهم بعذاب الخزي.
شُرَكائِيَ على الاضافة الى نفسه حكاية لاضافتهم ، ليوبخهم بها ، على طريق الاستهزاء بهم.
تُشَاقُّونَ فِيهِمْ تعادون وتخاصمون المؤمنين فى شأنهم.
قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ هم الأنبياء والعلماء من أممهم الذين كانوا

(1/4481)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 195
يدعونهم الى الايمان ويعظونهم ، فلا يلتفتون إليهم ويستكبرون عليهم ويشاقونهم.
[سورة النحل (16) : الآيات 28 الى 32]
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)
28 - الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ :
فَأَلْقَوُا السَّلَمَ فسالموا وأخبتوا ، وجاءوا بخلاف ما كانوا عليه فى الدنيا من الشقاق والكبر.
ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ وجحدوا ما وجد منهم من الكفر والعدوان.
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فهو يجازيكم عليه.
29 - فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ :
فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ دركات جهنم.
مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ مقام المتكبرين الذين تكبروا عن الايمان وعن عبادة اللّه تعالى.
30 - وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ :
خَيْراً أنزل خيرا.
وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ دار الآخرة ، فحذف المخصوص بالمدح.
31 - جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ :
كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ أي مثل هذا الجزاء يجزى اللّه المتقين.
32 - الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ :
طَيِّبِينَ طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي.

(1/4482)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 196
[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 38]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (34) وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (37)
وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (38)
33 - لْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
:
ْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ
لقبض الأرواح.
ْرُ رَبِّكَ
العذاب المستأصل أو القيامة.
لِكَ
أي مثل ذلك الفعل من الشرك والتكذيب.
ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ
بتدبيرهم.
لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
لأنهم فعلوا ما استوجبوا به التدبير.
34 - فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ :
سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا جزاء سيئات أعمالهم.
35 - وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ :
كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي أشركوا باللّه وحرموا ما أحل اللّه.
فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ الا أن يبلغوا الحق.
36 - وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ :
فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ما فعلت بالمكذبين جزاء تكذيبهم.
37 - إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ :
مِنْ ناصِرِينَ ينصرونهم من دون اللّه.
38 - وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ :
بَلى اثبات لما بعد النفي ، أي : بلى يبعثهم.

(1/4483)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 197
وَعْداً عَلَيْهِ مصدر مؤكد لما دل عليه بَلى ، لأن يبعث ، موعد من اللّه.
حَقًّا أي إن الوفاء بهذا الموعد حق واجب عليه فى الحكمة.
لا يَعْلَمُونَ أنهم يبعثون.
[سورة النحل (16) : الآيات 39 الى 44]
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (39) إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43)
بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)
39 - لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ :
وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالبعث وأقسموا عليه.
40 - إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ :
قَوْلُنا مبتدأ.
أَنْ نَقُولَ خبره.
كُنْ فَيَكُونُ من (كان) التامة التي بمعنى الحدوث والوجود.
41 - وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ :
فِي اللَّهِ فى حقه ولوجهه.
لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً أي لننزلنهم فى الدنيا منزلة حسنة.
42 - الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ :
الَّذِينَ صَبَرُوا على العذاب وعلى مفارقة الوطن.
43 - وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ :
نُوحِي إِلَيْهِمْ على ألسنة الملائكة.
فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أهل الكتاب.
44 - بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ :
ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ يعنى ما نزل اللّه إليهم فى الذكر مما أمروا به ونهوا عنه.

(1/4484)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 198
وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ وإرادة أن يصغوا الى تنبيهاته فينتهوا ويتأملوا.
[سورة النحل (16) : الآيات 45 الى 51]
أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49)
يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)
45 - أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ :
مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أي المكرات السيئات وهم أهل مكة.
46 - أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ :
فِي تَقَلُّبِهِمْ متقلبين فى مسايرهم ومتاجرهم وأسباب دنياهم.
47 - أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ :
عَلى تَخَوُّفٍ متخوفين.
48 - أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ :
يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ أي يميل من جانب الى جانب.
سُجَّداً حال من قوله (ظلال).
داخِرُونَ صاغرون.
49 - وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ :
مِنْ دابَّةٍ أي كل ما يدب على الأرض.
وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن عبادة ربهم.
50 - يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ :
مِنْ فَوْقِهِمْ أي يخافون أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم ، هذا ان علقته بقوله يَخافُونَ أو يخافون ربهم عاليا لهم قاهرا ، وهذا ان علقت بقوله رَبَّهُمْ.
51 - وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ :
إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ أي لا تتخذوا اثنين إلهين. وقيل : جاء قوله اثْنَيْنِ توكيدا.

(1/4485)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 199
فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ خافون.
[سورة النحل (16) : الآيات 52 الى 56]
وَ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56)
52 - وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ :
الدِّينُ الطاعة.
واصِباً دائما.
أَ فَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ أي لا ينبغى أن تتقوا غير اللّه.
53 - وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ :
وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ أي : أي شىء حل بكم من نعمة فهو من اللّه.
فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ فما تتضرعون الا اليه.
54 - ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ :
الضُّرَّ أي البلاء.
إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ بعد ازالة البلاء.
55 - لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ :
لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ ليجحدوا نعمة اللّه التي أنعم عليهم من كشف الضر والبلاء. أي ليجحدوا النعمة سببا للكفر.
فَتَمَتَّعُوا الأمر للتهديد.
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عاقبة أمركم.
56 - وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ :
لِما لا يَعْلَمُونَ أنه يضر وينفع وهى الأصنام.
نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ من أموالهم يتقربون به إليها.

(1/4486)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 200
تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ سؤال توبيخ.
عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ أي تختلقونه من الكذب على اللّه أنه أمركم بهذا.
[سورة النحل (16) : الآيات 57 الى 60]
وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)
57 - وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ :
وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ بزعمهم أن الملائكة بنات.
سُبْحانَهُ تنزيه للّه تعالى عما نسبوه اليه.
وَ لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ أي يجعلون لأنفسهم البنين ويأنفون من البنات.
58 - وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ :
وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى أي أخبر أحدهم بولادة بنت.
ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا متغيرا.
وَ هُوَ كَظِيمٌ أي ممتلىء غما.
59 - يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ :
يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ يختفى ويتغيب.
مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ من سوء العار الذي لحقه بسبب البنت.
عَلى هُونٍ على هوان.
أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ فى اضافة البنات الى خالقهم واضافة البنين لهم.
60 - لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ :
لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أي لهؤلاء الواصفين للّه البنات.

(1/4487)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 201
مَثَلُ السَّوْءِ صفة السوء والجهل ، لوصفهم اللّه تعالى بالصاحبة والولد.
وَ لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى أي الصفة العليا وأنه تنزه عما يصفونه به.
[سورة النحل (16) : الآيات 61 الى 64]
وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)
61 - وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ :
بِظُلْمِهِمْ أي بافترائهم.
ما تَرَكَ عَلَيْها على الأرض.
62 - وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ :
ما يَكْرَهُونَ من البنات.
وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ أي وتقول ألسنتهم الكذب.
أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى الحسنى : الجزاء وهو قولهم أن لهم البنين وللّه البنات.
لا جَرَمَ حقا.
وَ أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ متروكون منسيون فى النار.
63 - تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ :
أَعْمالَهُمْ أي أعمالهم الخبيثة.
فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ أي ناصرهم فى الدنيا وعلى زعمهم.
وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فى الآخرة.
64 - وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ :

(1/4488)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 202
الْكِتابَ القرآن.
إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ من الدين والأحكام فتقوم الحجة عليهم ببيانك.
وَ هُدىً ورشدا.
[سورة النحل (16) : الآيات 65 الى 68]
وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)
65 - وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ :
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً أي دلالة على أنه المعبود الحق.
لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ يلقنون ما يجب للّه من صفات.
66 - وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ :
لَعِبْرَةً تعتبرون بها وتتعظون.
نُسْقِيكُمْ قرىء بفتح النون وضمها.
مِمَّا فِي بُطُونِهِ الضمير للأنعام ، وهو اسم جنس يذكر ويؤنث.
مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ الفرث : الزبل الذي ينزل الى الكرش ، فاذا ما خرج لم يسم فرثا.
خالِصاً من حمرة الدم وقذارة الفرث.
سائِغاً لِلشَّارِبِينَ أي لذيذا هينا لا يغص من شربه.
67 - وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ :
تَتَّخِذُونَ أي ما تتخذون ، فحذف ، ودل على حذفه قوله مِنْهُ.
68 - وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ :
وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أي ألهمه.

(1/4489)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 203
وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ يهيئون.
[سورة النحل (16) : الآيات 69 الى 71]
ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)
69 - ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ :
سُبُلَ رَبِّكِ طرق ربك وأضاف السبل اليه لأنه خالقها. أي ادخلى طرق ربك لطلب الرزق فى الجبال وخلال الشجر.
ذُلُلًا جمع ذلول ، وهو المنقاد ، أي مطيعة مسخرة.
مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ أي أنواعه.
فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ الضمير للعسل.
لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ يعتبرون.
70 - وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ :
أَرْذَلِ الْعُمُرِ أردؤه وأضعفه.
لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً أي يرجع الى حالة الطفولية فلا يعلم ما كان يعلم قبل من الأمور لفرط الكبر.
71 - وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ :
فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ أي جعل منكم غنيا وفقيرا ، وحرا وعبدا.
فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا فى الرزق.
بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ أي لا يرد المولى على ما ملكت يمينه مما رزق شيئا حتى يستوى المملوك والمالك فى المال.
وقيل : ان الموالي والمماليك أنا رازقهم جميعا ، فهم فى رزقى سواء ،

(1/4490)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 204
فلا تحسبن الموالي أنهم يردون على مماليكهم من عندهم شيئا من الرزق ، فانما ذلك رزقى أجريه إليهم على أيديهم.
أَ فَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ فجعل ذلك من جملة جحود النعمة.
[سورة النحل (16) : الآيات 72 الى 76]
وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)
72 - وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ :
جَعَلَ خلق.
مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً يعنى آدم ، خلق منه حواء.
أَ فَبِالْباطِلِ أي بالأصنام.
وَ بِنِعْمَتِ اللَّهِ أي بالإسلام.
73 - وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ :
وَ لا يَسْتَطِيعُونَ أي لا يقدرون على شىء.
74 - فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ :
أي لا تشبهوا به الجمادات لأنه واحدا قادر لا مثال له.
75 - ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ :
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا يعلمهم كيف تضرب الأمثال.
عَبْداً مَمْلُوكاً أي كما لا يستوى عندكم عبد مملوك لا يقدر من أمره على شىء ورجل حر قد رزق رزقا حسنا ، فكذلك أنا وهذه الأصنام.
76 - وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ

(1/4491)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 205
كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
:
أَبْكَمُ من ولد أخرس.
وَ هُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أي ثقل على وليه.
[سورة النحل (16) : الآيات 77 الى 80]
وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (80)
77 - وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :
كَلَمْحِ الْبَصَرِ اللمح : النظر بسرعة.
78 - وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ :
لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً غير عالمين شيئا من حق المنعم الذي خلقكم فى البطون ، وسواكم وصوركم ثم أخرجكم من الضيق الى السعة.
وَ جَعَلَ لَكُمْ أي وما ركب فيكم هذه الآلات الا لإزالة الجهل الذي ولدتم عليه واجتلاب العلم والعمل به.
79 - أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ :
مُسَخَّراتٍ مذللات للطيران بما خلق اللّه لهن من الأجنحة والأسباب المواتية لذلك.
ما يُمْسِكُهُنَّ فى قبضهن وبسطهن ووقوعهن.
إِلَّا اللَّهُ بقدرته.
80 - وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ :
مِنْ بُيُوتِكُمْ التي تسكنونها.

(1/4492)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 206 سَكَناً تسكنون إليها.
بُيُوتاً هى الثياب من الأدم والأنطاع.
تَسْتَخِفُّونَها ترونها خفيفة المحمل.
يَوْمَ ظَعْنِكُمْ يوم ترحلون.
وَ مَتاعاً وشيئا ينتفع به.
إِلى حِينٍ الى أن تقضوا منه أوطاركم ، أو الى أن يبلى ويفنى ، أو الى أن تموتوا.
[سورة النحل (16) : الآيات 81 الى 83]
وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (83)
81 - وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ :
مِمَّا خَلَقَ من الشجر وسائر المستظلات.
أَكْناناً جمع كن ، وهو ما يستكن به.
سَرابِيلَ هى القمصان والثياب.
تَقِيكُمُ الْحَرَّ أي والبرد ، لأن ما يقى الحر يقى البرد.
وَ سَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ يعنى الدروع ونحوها.
لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ أي تنظرون فى نعمه فتؤمنون به.
82 - فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ :
فَإِنْ تَوَلَّوْا فلم يقبلوا منك.
فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ فقد تمهد عذرك بعد ما أديت ما وجب عليك من التبليغ.
83 - يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ :
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ التي عددناها حيث يعترفون بها وأنها من اللّه.
ثُمَّ يُنْكِرُونَها بعبادتهم غير المنعم بها.

(1/4493)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 207
وَ أَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ أي الجاحدون غير المعترفين.
[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 88]
وَ يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (88)
84 - وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ :
شَهِيداً نبيا يشهد عليهم.
ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا فى الاعتذار.
وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ولا هم يسترضون.
85 - وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ :
وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ ولا هم يؤجلون.
86 - وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ :
شُرَكاءَهُمْ آلهتهم التي دعوها شركاء ، أو الشياطين ، لأنهم شركاؤهم فى الكفر.
نَدْعُوا نعبد.
فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ أي قالوا لهم.
إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ أي كذبوهم فى دعواهم.
87 - وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ :
وَ أَلْقَوْا يعنى الذين ظلموا.
وإلقاء السلم ، يعنى الاستسلام لأمر اللّه وحكمه.
وَ ضَلَّ عَنْهُمْ وبطل عنهم.
ما كانُوا يَفْتَرُونَ من أن للّه شركاء.
88 - الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ :

(1/4494)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 208
الَّذِينَ كَفَرُوا فى أنفسهم.
وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وحملوا غيرهم على الكفر.
زِدْناهُمْ يضاعف اللّه عقابهم كما ضاعفوا كفرهم.
بِما كانُوا يُفْسِدُونَ بكونهم مفسدين للناس ، بصدهم إياهم عن سبيل اللّه.
[سورة النحل (16) : الآيات 89 الى 91]
وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (91)
89 - وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ :
شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يعنى نبيهم ، لأنه كان يبعث أنبياء الأمم فيهم منهم.
وَ جِئْنا بِكَ يا محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
عَلى هؤُلاءِ على أمتك.
تِبْياناً بيانا.
لِكُلِّ شَيْءٍ من أمور الدين.
90 - إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ :
بِالْعَدْلِ بالانصاف.
وَ الْإِحْسانِ التفضل.
وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى أي القرابة.
وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ الفحش ، وهو كل قبيح من قول أو فعل.
وَ الْمُنْكَرِ ما أنكره الشرع بالنهى عنه.
وَ الْبَغْيِ هو الكبر والظلم والحقد والتعدي.
91 - وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ :

(1/4495)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 209
وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ هو البيعة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم على الإسلام.
كَفِيلًا شاهدا ورقيبا.
[سورة النحل (16) : الآيات 92 الى 93]
وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93)
92 - وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ :
وَ لا تَكُونُوا فى نقض الأيمان.
كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها كالمرأة التي أنحت على غزلها بعد أن أحكمته وأبرمته.
أَنْكاثاً فجعلته أنكاثا ، جمع نكث ، وهو ما ينكث فتله.
دَخَلًا أحد مفعولى تَتَّخِذُونَ أي مفسدة ودغلا.
أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ بسبب أن تكون أمة ، يعنى جماعة.
هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ هى أزيد عددا وأوفر مالا من أمة ، من جماعة المؤمنين.
يَبْلُوكُمُ اللَّهُ يختبركم.
بِهِ الضمير لقوله أَنْ تَكُونَ لأنه فى معنى المصدر ، أي انما يختبركم بكونهم أربى ، لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد اللّه أم تكفرون بكثرة قريش وثروتهم وقلة المؤمنين وفقرهم وضعفهم.
وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ إنذار لا تحذير من مخالفة ملة الإسلام.
93 - وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ :
أُمَّةً واحِدَةً حنيفة مسلمة.
وَ لكِنْ يُضِلُّ ولكن الحكمة اقتضت أن يضل.
مَنْ يَشاءُ من علم أنه جانح للكفر.
وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ من علم أنه جانح للاسلام.

(1/4496)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 210
[سورة النحل (16) : الآيات 94 الى 97]
وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (94) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (97)
94 - وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ :
بِما صَدَدْتُمْ بصدكم أنتم ، أو بصد غيركم.
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عن الدين.
وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فى الآخرة.
95 - وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ :
وَ لا تَشْتَرُوا ولا تستبدلوا.
بِعَهْدِ اللَّهِ بيعة رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
ثَمَناً قَلِيلًا عرضا من الدنيا يسيرا.
إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ من اظهاركم وتغنيمكم ومن ثواب الآخرة.
96 - ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ :
ما عِنْدَكُمْ من أعراض الدنيا.
يَنْفَدُ يفنى.
وَ ما عِنْدَ اللَّهِ من خزائن رحمته.
باقٍ لا ينفد.
الَّذِينَ صَبَرُوا على أذى المشركين.
97 - مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ :
مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى على التبيين.
حَياةً طَيِّبَةً يعنى فى الدنيا.
وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ ثواب الدنيا والآخرة.

(1/4497)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 211
[سورة النحل (16) : الآيات 98 الى 99]
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)
98 - فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ :
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إيذانا بأن الاستعاذة من جملة الأعمال الصالحة التي يجزل اللّه عليها الثواب.
99 - إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ :
لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ أي تسلط وولاية على أولياء اللّه.
[سورة النحل (16) : الآيات 100 الى 103]
إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)
100 - إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ :
إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ على من يتولاه ويطيعه.
بِهِ الضمير يرجع الى رَبِّهِمْ.
101 - وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ :
وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ بدلنا شريعة متقدمة بشريعة مستأنفة.
قالُوا كفار قريش.
إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ أي كاذب مختلق.
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أن اللّه شرع الأحكام ويبدل البعض بالبعض.
102 - قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ :
بِالْحَقِّ أي ملتبسا بالحكمة.
لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا ليبلوهم بالنسخ ، حتى إذا قالوا فيه : هو الحق من ربنا والحكمة ، حكم لهم بثبات القدم وصحة اليقين وطمأنينة القلوب.
103 - وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ :
أَعْجَمِيٌّ غير بين.
لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ذو بيان وفصاحة.

(1/4498)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 212
[سورة النحل (16) : الآيات 104 الى 108]
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (105) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108)
104 - إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ :
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ أي يعلم اللّه منهم أنهم لا يؤمنون.
105 - إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ :
إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ هذا جواب وصفهم النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم بالافتراء.
وَ أُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ هذا مبالغة فى وصفهم بالكذب ، أي كل كذب قليل بالنسبة الى كذبهم. وأولئك ، اشارة الى قريش.
هُمُ الْكاذِبُونَ أي الذين لا يؤمنون فهم الكاذبون.
106 - مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ :
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ بدل من الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ أي انما يفترى الكذب من كفر باللّه من بعد إيمانه.
وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً أي طاب به نفسا واعتقده.
107 - ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ :
ذلِكَ أي الغضب.
بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا أي اختاروها على الآخرة.
108 - أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ :
طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ عن فهم المواعظ.
وَ سَمْعِهِمْ عن الاستماع لكلام اللّه تعالى.

(1/4499)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 213
وَ أَبْصارِهِمْ عن النظر فى الآيات.
وَ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ عما يراد بهم.
[سورة النحل (16) : الآيات 109 الى 114]
لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (113)
فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)
109 - لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ :
لا جَرَمَ حقا.
110 - ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ :
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ دلالة على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك.
مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا بالعذاب والإكراه على الكفر.
111 - يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ :
يَوْمَ تَأْتِي منصوب بقوله رَحِيمٌ أي انه غفور رحيم فى ذلك ، أو بإضمار : اذكر.
112 - وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ :
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً أي جعل القرية التي هذه حالها مثلا لكل قوم أنعم اللّه عليهم فأبطرتهم النعمة ، فكفروا وتولوا ، فأنزل اللّه بهم نقمته.
مُطْمَئِنَّةً لا يزعجها خوف.
رَغَداً واسعا.
113 - وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ :
وَ هُمْ ظالِمُونَ فى حال التباسهم بالظلم.
114 - فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ :

(1/4500)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 214
إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ أي تطيعون.
[سورة النحل (16) : الآيات 115 الى 119]
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)
115 - إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وما ذبح لغير اللّه.
فَمَنِ اضْطُرَّ فمن ألجأته ضرورة الجوع الى تناول شىء مما حرمه اللّه.
غَيْرَ باغٍ غير طالب له.
وَ لا عادٍ ولا متجاوز فى أكله حد إزالة الضرورة.
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا يؤاخذه على ذلك.
116 - وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ :
وَ لا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ أي ولا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة.
117 - مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ :
أي منفعتهم فيما هم عليه من أفعال الجاهلية منفعة قليلة وعقابها عظيم.
118 - وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ :
وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا أي اليهود.
ما قَصَصْنا عَلَيْكَ يعنى فى سورة الأنعام.
119 - ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ :
بِجَهالَةٍ فى موضع الحال ، أي عملوا السوء جاهلين غير عارفين باللّه وبعقابه.

(1/4501)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 215
مِنْ بَعْدِها من بعد التوبة.
[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 124]
إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
120 - إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ :
كانَ أُمَّةً أي انه كان أمة من الأمم لكماله فى جميع صفات الخير ، وقد تكون أُمَّةً بمعنى : مؤتم به.
121 - شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ :
اجْتَباهُ اختصه واصطفاه للنبوة.
وَ هَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ الى ملة الإسلام.
122 - وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ :
حَسَنَةً تنويه اللّه بذكره فليس من أهل دين الا وهم يتولونه.
وقيل : الأموال والأولاد.
لَمِنَ الصَّالِحِينَ لمن أهل الجنة.
123 - ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ :
اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ فى العقائد دون الفروع أي فى التبرؤ من الأوثان والتزين بالإسلام.
124 - إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ :
السَّبْتُ أي تعظيم يوم السبت ، أي انما جعل وبال السبت.
عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ واختلافهم فيه أنهم أحلوا الصيد فيه تارة وحرموه تارة وكان الواجب أن يتفقوا فى تحريمه على كلمة واحدة بعد ما حتم اللّه عليهم الصبر عن الصيد فيه وتعظيمه.
وَ إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ إذا كانوا جميعا محلين أو محرمين ، ويجازيهم جزاء اختلاف فعلهم فى كونهم محلين تارة ومحرمين تارة.

(1/4502)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 216
[سورة النحل (16) : الآيات 125 الى 128]
ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ
5
لى الكافرين.
وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ أي ولا يضيقن صدرك.
مِمَّا يَمْكُرُونَ من مكرهم.
128 - إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ :
مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا أي هو ولى الذين اجتنبوا المعاصي.
وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ أي وهو ولى الذين هم محسنون فى أعمالهم.

(1/4503)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 217
(17) سورة الإسراء
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (3) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (4)
1 - سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ :
سُبْحانَ علم للتسبيح ، وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره ، تقديره : أسبح اللّه سبحان ، ثم نزل سُبْحانَ منزلة الفعل فسد مسده.
أَسْرى سرى.
لَيْلًا نصب على الظرف ، والتنكير لتقليل مدة الإسراء ، وأنه أسرى به فى بعض الليل من مكة الى الشام.
الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ يريد بركات الدين والدنيا متعبد الأنبياء من وقت موسى.
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لأقوال محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
الْبَصِيرُ بأفعاله.
2 - وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا :
وَكِيلًا ربا تكلون اليه أموركم.
3 - ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً :
ذُرِّيَّةَ يا ذرية من حملنا مع نوح.
وقد يجعل وَكِيلًا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مفعولى الفعل تَتَّخِذُوا ، أي لا تجعلوهم أربابا.
4 - وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً :

(1/4504)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 218
وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ وأوحينا إليهم وحيا مقضيا ، أي مقطوعا مثبوتا.
فِي الْكِتابِ فى التوراة.
لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ بأنهم يفسدون فى الأرض لا محالة.
مَرَّتَيْنِ أولاهما قبل زكريا وحبس أرميا حين أنذرهم سخط اللّه ، والآخرة قتل يحيى بن زكريا ، وقصد قتل عيسى بن مريم.
وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ويتعظمون ويبغون.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 5 الى 7]
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (7)
5 - فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا :
وَعْدُ أُولاهُما أي وعد عقاب أولاهما.
وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولًا أي وكان وعد العقاب وعدا لا بد أن يفعل.
6 - ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً :
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ أي الدولة والغلبة.
عَلَيْهِمْ على الذين بعثوا عليكم حين تبتم ورجعتم عن الفساد والعلو.
أَكْثَرَ نَفِيراً مما كنتم. والنفير : من ينفر مع الرجل من قومه.
7 - إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً :
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها أي الإحسان والاساءة كلاهما مختص بأنفسكم ، ولا يتعدى النفع والضر الى غيركم.
فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ وعد المرة الآخرة بعثناهم.

(1/4505)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 219
لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ ليجعلوها بادية آثار المساءة والكآبة فيها.
لِيَدْخُلُوا أي بعثناهم ليدخلوا.
وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً أي ليهلكوا كل شىء غلبوه واستولوا عليه.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 8 الى 9]
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (8) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9)
8 - عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً :
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ بعد المرة الثانية ان تبتم توبة أخرى.
إِنْ عُدْتُمْ مرة ثالثة.
عُدْنا الى عقوبتكم.
حَصِيراً محبسا.
9 - إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً :
لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ للحالة التي هى أقوم الحالات وأشدها.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 10 الى 12]
وَ أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (12)
10 - وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً :
وَ أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ عطف على قوله قبل أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً على معنى أنه بشر المؤمنين ببشارتين بثوابهم وبعقاب أعدائهم.
11 - وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا :
وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ أي ويدعو اللّه عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله كما يدعوه لهم بالخير.
وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا يتسرع الى طلب كل ما يقع فى قلبه ويخطر بباله.
12 - وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا :

(1/4506)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 220
وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ المراد أن الليل والنهار آيتان فى أنفسهما ، فتكون الاضافة فى : آية الليل وآية النهار ، للتبيين ، كاضافة العدد الى المعدود ، أي فمحونا الآية التي هى الليل وجعلنا الآية التي هى النهار ، مبصرة.
أو المراد : وجعلنا نيرى الليل والنهار آيتين ، يريد الشمس والقمر ، فمحونا آية الليل أي جعلنا الليل ممحو الضوء مطموسه مظلما ، وجعلنا النهار مبصرا ، أي تبصر فيه الأشياء وتستبان.
وَ لِتَعْلَمُوا باختلاف الجديدين.
وَ الْحِسابَ وجنس الحساب وما تحتاجون اليه منه.
وَ كُلَّ شَيْءٍ مما تفتقرون اليه فى دينكم ودنياكم.
فَصَّلْناهُ بيناه بيانا غير ملتبس.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 13 الى 15]
وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (13) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)
13 - وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً :
طائِرَهُ عمله.
14 - اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً :
بِنَفْسِكَ فاعل : كفى.
حَسِيباً تمييز ، وهو بمعنى : حاسب.
15 - مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا :
وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها أي كل نفس حاملة أوزارا فانما تحمل وزرها لا وزر نفس أخرى.
وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا أي لم نترك الخلق سدى بل أرسلنا الرسل.

(1/4507)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 221
[سورة الإسراء (17) : الآيات 16 الى 20]
وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (16) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20)
16 - وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
:
وَ إِذا أَرَدْنا
إذا أردنا وقت إهلاك قوم.
أَمَرْنا مُتْرَفِيها
أي منعميها. والأمر هنا على سبيل المجاز. أي أرخى لهم فى النعمة فزادتهم طغيانا.
17 - وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً :
خَبِيراً عليما بهم.
بَصِيراً يبصر أعمالهم.
18 - مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً :
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ أي من كانت العاجلة همه تفضلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن يريد.
مَدْحُوراً مطرودا.
19 - وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً :
سَعْيَها حقها من السعى وكفاءها من الأعمال الصالحة.
20 - كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً :
كُلًّا كل واحد من الفريقين ، والتنوين عوض من المضاف اليه.
نُمِدُّ نزيدهم من عطائنا ، المطيع والعاصي جميعا على وجه التفضل.
وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ وفضله.

(1/4508)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 222
مَحْظُوراً ممنوعا ، لا يمنعه من عاص لعصيانه.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 21 الى 23]
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21) لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (22) وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (23)
21 - انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا :
انْظُرْ بعين الاعتبار.
كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ جعلناهم متفاوتين فى الفضل.
وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا وفى الآخرة التفاوت أكبر ، لأنها ثواب وأعواض وتفضل ، وكلها متفاوتة.
22 - لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا :
فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا فتصير جامعا على نفسك الذم والخذلان.
23 - وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً :
وَ قَضى رَبُّكَ وأمر أمرا مقطوعا به.
أَلَّا تَعْبُدُوا ألا ، مفسرة ، ولا تعبدوا ، نهى ، أو بأن لا تعبدوا.
وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وأحسنوا بالوالدين إحسانا ، أو بأن تحسنوا بالوالدين إحسانا.
إِمَّا هى ان الشرطية زيدت عليها (ما) تأكيدا لها ، ولذلك دخلت النون المؤكدة فى الفعل ، ولو أفردت (إن) لم يصح دخولها.
أَحَدُهُما فاعل الفعل يَبْلُغَنَّ.
كِلاهُما عطف على قوله أَحَدُهُما.
أُفٍّ صوت يدل على تضجر.
وَ لا تَنْهَرْهُما ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك.
وَ قُلْ لَهُما بدل التأفيف والنهر.

(1/4509)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 223
قَوْلًا كَرِيماً جميلا.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 24 الى 27]
وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27)
24 - وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً :
جَناحَ الذُّلِّ واخفض لهما جناحك الذليل ، أو الذلول.
أو أن الأمر على المبالغة فى التذلل والتواضع كأنه جعل لذله ، أو لذله جناحا خفيضا.
مِنَ الرَّحْمَةِ من فرط رحمتك لهما.
25 - رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً :
بِما فِي نُفُوسِكُمْ بما فى ضمائركم.
إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ قاصدين الصلاح والبر.
لِلْأَوَّابِينَ للتوابين.
26 - وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً :
وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وصى بغير الوالدين من الأقارب بعد التوصية بهما ، وأن يؤتوا حقهم.
وَ الْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ أي وآت هؤلاء حقهم من الزكاة.
27 - إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً :
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ الذين يفرقون المال فيما لا ينبغى ، وينفقونه على وجه الإسراف.
إِخْوانَ الشَّياطِينِ أمثالهم فى الشرارة.

(1/4510)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 224
وَ كانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً فما ينبغى أن يطاع ، فانه لا يدعو الا الى مثل فعله.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 28 الى 32]
وَ إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (28) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (32)
28 - وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً :
وَ إِمَّا تُعْرِضَنَّ وان أعرضت عن ذى القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الرد.
فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً فلا تتركهم غير مجابين إذا سألوك.
29 - وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً :
وَ لا تَجْعَلْ أمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير.
فَتَقْعُدَ مَلُوماً فتصير ملوما ، لأن المسرف غير مرضى عنه عند اللّه وعند الناس.
مَحْسُوراً منقطعا بك لا شىء عندك.
30 - إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً :
وَ يَقْدِرُ يضيق.
31 - وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً :
وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ يعنى وأدهم لبناتهم.
خَشْيَةَ إِمْلاقٍ خشية الفاقة.
خِطْأً اثما.
32 - وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا :
فاحِشَةً قبيحة زائدة على حد القبح.

(1/4511)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 225
وَ ساءَ سَبِيلًا وبئس طريقا طريقه.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 33 الى 35]
وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35)
33 - وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً :
إِلَّا بِالْحَقِّ الا بإحدى ثلاث ، إلا بأن تكفر ، أو تقتل مؤمنا عمدا ، أو تزنى بعد إحصان.
مَظْلُوماً غير راكب واحدة منهن.
لِوَلِيِّهِ الذي بينه وبينه قرابة توجب المطالبة بدمه ، فان لم يكن له ولى فالسلطان وليه.
سُلْطاناً تسلطا على القاتل فى الاقتصاص منه.
فَلا يُسْرِفْ الضمير للولى ، أي فلا يقتل غير القاتل ، ولا اثنين والقاتل واحد.
إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً أي الولي ، يعنى حسبه أن اللّه قد نصره بأن أوجب له القصاص فلا يستزد على ذلك.
أو للمظلوم ، لأن اللّه ناصره حيث أوجب القصاص بقتله ، وينصره فى الآخرة بالثواب.
34 - وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا :
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بالخصلة أو الطريقة التي هى أحسن.
إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا أي مطلوبا ، يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفى به.
35 - وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا :
بِالْقِسْطاسِ بالميزان.

(1/4512)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 226
وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا وأحسن عاقبة.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 36 الى 40]
وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (36) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (37) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39) أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (40)
36 - وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا :
وَ لا تَقْفُ ولا تتبع.
أُولئِكَ اشارة الى السمع والبصر والفؤاد.
عَنْهُ مَسْؤُلًا أي مسئولا عنه.
37 - وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا :
مَرَحاً أي ذا مرح.
لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ لن تجعل فيها خرقا بدوسك لها وشدة وطأتك.
وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا بتطاولك.
38 - كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً :
ذلِكَ اشارة الى جملة ما تقدم ذكره مما أمر به ونهى عنه.
39 - ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً :
ذلِكَ اشارة الى ما تقدم من قوله لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الى هذه الغاية.
مِنَ الْحِكْمَةِ سماه حكمة ، لأنه كلام محكم لا مدخل فيه للفساد بوجه.
مَدْحُوراً مهانا مبعدا مقصى.
40 - أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً :

(1/4513)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 227
أَ فَأَصْفاكُمْ أفخصكم ، والخطاب للذين قالوا (الملائكة بنات الله) والهمزة للانكار.
إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً باضافتكم اليه الأولاد ، وهى خاصة بالأجسام.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 41 الى 45]
وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (41) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45)
41 - وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً :
وَ لَقَدْ صَرَّفْنا ولقد بينا.
فِي هذَا الْقُرْآنِ أي هذا القرآن ، على أن فِي زائدة.
إِلَّا نُفُوراً الا تباعدا عن الحق وغفلة عن النظر والاعتبار.
42 - قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا :
لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا لطلبوا الى من له الملك والربوبية سبيلا بالمغالبة كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض.
43 - سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً :
عُلُوًّا تعاليا. والمراد. البراءة من ذلك والنزاهة.
44 - تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً :
تُسَبِّحُ لَهُ بلسان الحال حيث تدل على الصانع وقدرته.
إِنَّهُ كانَ حَلِيماً عن ذنوب عباده فى الدنيا.
غَفُوراً للمؤمنين فى الآخرة.
45 - وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِج
ُ
بدل من إِذْ هُمْ.
مَسْحُوراً سحر فجن.
48 - انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا :
ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ مثلوك بالشاعر والساحر والمجنون.
فَضَلُّوا فى جميع ذلك ضلال من يطلب فى التيه طريقا يسلكه فلا يقدر عليه ، فهو متحير فى أمره لا يدرى ما يصنع.
49 - وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً :
وَ رُفاتاً الرفات : ما تكسر وبلى من كل شىء.
أَ إِنَّا استفهام ، والمراد به الجحد والإنكار.
خَلْقاً نصب لأنه مصدر ، أي بدءا جديدا.
50 - قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً :

(1/4514)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 229
أي : قل لهم يا محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم : كونوا على جهة التعجيز حجارة أو حديدا فى الشدة والقوة أي انكم لو كنتم حجارة أو حديدا لم تفوتوا قدرة اللّه عز وجل إذا أرادكم.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 51 الى 53]
أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (52) وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53)
51 - أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً :
أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ أي مما يكبر عندكم عن قبول الحياة ويعظم فى زعمكم على الخالق إحياؤه ، فانه يحييه.
فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ فسيحركونها نحوك تعجبا واستهزاء.
وَ يَقُولُونَ مَتى هُوَ أي البعث.
قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً أي هو قريب.
52 - يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا :
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ الدعاء والاستجابة ، كلاهما مجاز ، أي يوم يبعثكم فتنبعثون مطاوعين منقادين لا تمتنعون.
بِحَمْدِهِ أي حامدين ، مبالغة فى انقيادهم للبعث.
وَ تَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا وترون الهول فعنده تستقصرون مدة لبثكم فى الدنيا ، وتحسبونها يوما أو بعض يوم.
53 - وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً :
وَ قُلْ لِعِبادِي وقل للمؤمنين.
يَقُولُوا للمشركين.
الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الكلمة التي هى أحسن وألين ولا يخاشونهم.

(1/4515)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 230
إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ اعتراض. أي يلقى بينهم الفساد ويغرى بعضهم على بعض لتقع بينهم المشادة والمشاقة.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 54 الى 57]
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (56) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57)
54 - رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا :
وَ ما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا أي ربا موكولا إليك أمرهم تقسرهم على الإسلام وتجبرهم عليه ، وانما أرسلناك بشيرا ونذيرا.
55 - وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً :
وَ لَقَدْ فَضَّلْنا اشارة الى تفضيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً دلالة على وجه تفضيله ، وهو أنه خاتم الأنبياء وأن أمته خير الأمم لأن ذلك مكتوب فى زبور داود ، قال تعالى :
وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ وهم محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم وأمته.
56 - قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا :
الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنهم آلهة من دون اللّه ، أي ادعوهم فهم لا يستطيعون أن يكشفوا عنكم الضر ، ولا أن يحولوه أو يبدلوه.
57 - أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً :
أُولئِكَ مبتدأ.
الَّذِينَ يَدْعُونَ صفته.
يَبْتَغُونَ خبره.
يعنى أن آلهتهم أولئك يبتغون الوسيلة ، وهى القربة الى اللّه تعالى.

(1/4516)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 231
أَيُّهُمْ بدل من الواو فى يَبْتَغُونَ وأي موصولة ، أي يبتغى من هو أقرب منهم الوسيلة الى اللّه ، فكيف بغير الأقرب.
إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً يحذره كل أحد من ملك مقرب ، ونبى مرسل ، فضلا عن غيرهم.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 58 الى 60]
وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (58) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (59) وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (60)
58 - وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً :
نَحْنُ مُهْلِكُوها بالموت والاستئصال.
أَوْ مُعَذِّبُوها بأنواع العذاب.
فِي الْكِتابِ فى اللوح المحفوظ.
59 - وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً :
وَ ما مَنَعَنا إرسال الآيات الا تكذيب الأولين.
والمراد بالآيات التي اقترحتها قريش من قلب الصفا ذهبا ، وغير ذلك.
مُبْصِرَةً بينة.
فَظَلَمُوا بِها فكفروا بها.
وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ أي لا نرسل الآيات المقترحة الا تخويفا من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدمة له ، فان لم يخافوا وقع عليهم.
أو ما نرسل من الآيات ، كآيات القرآن وغيرها ، الا تخويفا وانذارا بعذاب الآخرة.
60 - وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً :

(1/4517)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 232
وَ إِذْ قُلْنا واذكر إذ أوحينا إليك أن ربك أحاط بقريش ، يعنى بشرناك بوقعة بدر وبالنصرة عليهم.
مَنامِكَ بعد الوحى إليك.
وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا هى رؤيا عين أريها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم ليلة أسرى به الى بيت المقدس.
إِلَّا فِتْنَةً الا ابتلاء.
وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ هى شجرة الزقوم ، وهى فى الأصل الجحيم.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 64]
وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (62) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (64)
61 - وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً :
طِيناً أي أأسجد له وهو طين ، أي أصله طين.
62 - قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا :
أَ رَأَيْتَكَ الكاف للخطاب.
هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ أي فضلته على.
لَأَحْتَنِكَنَّ لأستولين عليهم ، ولأحتوينهم ، ولأضلنهم ، أو لأسوقنهم حيث شئت ولأقودنهم حيث أردت.
إِلَّا قَلِيلًا يعنى المعصومين.
63 - قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً :
اذْهَبْ امض لشأنك الذي اخترته.
مَوْفُوراً موفرا.
64 - وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ

(1/4518)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 233
وَ رَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً
:
وَ اسْتَفْزِزْ استخف.
وَ أَجْلِبْ من الجلبة ، وهى الصياح.
بِخَيْلِكَ الخيل : الخيالة.
وَ رَجِلِكَ اسم جمع لراجل.
وَ عِدْهُمْ المواعيد الكاذبة.
إِلَّا غُرُوراً الا باطلا.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 65 الى 68]
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65) رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (66) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (68)
65 - إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا :
إِنَّ عِبادِي أي الصالحين.
لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أي لا تقدر أن تغويهم.
وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا لهم يتوكلون به فى الاستعاذة منك.
66 - رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً :
يُزْجِي يجرى ويسير.
67 - وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً :
الضُّرُّ خوف الغرق.
ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ذهب عن أوهامكم كل من تدعونه فى حوادثكم الا إياه وحده.
68 - أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا :

(1/4519)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 234
أَ فَأَمِنْتُمْ الهمزة للانكار ، والفاء للعطف على محذوف ، تقديره :
أنجوتم فأمنتم ، فحملكم ذلك على الاعراض.
أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أي يقلبه وأنتم عليه.
أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ويجازى بالحصباء.
وَكِيلًا من يصرف ذلك عنكم.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 69 الى 72]
أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (69) وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (70) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72)
69 - أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً :
قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ وهى الريح التي لها قصيف ، أي صوت شديد.
تَبِيعاً مطالبا.
70 - وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا :
مِمَّنْ خَلَقْنا من المخلوقات.
71 - يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا :
بِإِمامِهِمْ بمن ائتموا به.
فَمَنْ أُوتِيَ من هؤلاء المدعوين.
وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شىء.
72 - وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا :
فِي هذِهِ أي فى الدنيا.
أَعْمى عن الاعتبار وأبصار الحق.
فِي الْآخِرَةِ فى أمر الآخرة.
وَ أَضَلُّ سَبِيلًا أي انه لا يجد طريقا الى الهداية.

(1/4520)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 235
[سورة الإسراء (17) : الآيات 73 الى 76]
وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (75) وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (76)
73 - وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا :
وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ان ، مخففة من الثقيلة ، واللام ، هى الفارقة بينها وبين النافية ، والمعنى أن الشأن قاربوا أن يفتنوك ، أي يخدعوك فاتنين.
عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ من أوامرنا ونواهينا ووعدنا ووعيدنا.
لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا لتقل علينا ما لم تقل.
وَ إِذاً أي ولو اتبعت مرادهم.
لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وليا.
74 - وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا :
وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ ولو لا تثبيتنا لك وعصمتنا.
لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ لقاربت أن تميل الى خدعهم ومكرهم.
75 - إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً :
إِذاً لو قاربت أن تركن إليهم أدنى ركنة.
لَأَذَقْناكَ أي لأذقناك عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين.
76 - وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا :
وَ إِنْ كادُوا وان كاد أهل مكة.
لَيَسْتَفِزُّونَكَ ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم.
مِنَ الْأَرْضِ من أرض مكة.
وَ إِذاً لا يَلْبَثُونَ لا يبقون بعد اخراجك.
إِلَّا قَلِيلًا الا زمانا قليلا.

(1/4521)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 236
[سورة الإسراء (17) : الآيات 77 الى 80]
سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (77) أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80)
77 - سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا :
سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا أي يعذبون كسنة من قد أرسلنا ، فهو نصب بإضمار (يعذبون).
تَحْوِيلًا أي لا خلاف فى وعدها.
78 - أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً :
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ لزوال الشمس ، وعليه فالآية جامعة للصلوات الخمس.
وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ صلاة الفجر ، سميت قرآنا ، وهو القراءة لأنها ركن.
79 - وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً :
وَ مِنَ اللَّيْلِ وعليك بعض الليل.
فَتَهَجَّدْ بِهِ فتعبد.
نافِلَةً لَكَ عبادة زائدة لك على الصلوات الخمس. يعنى أن التهجد زيد لك على الصلوات المفروضة فريضة عليك خاصة دون غيرك لأنه تطوع لهم.
مَقاماً مَحْمُوداً أي عسى أن يبعثك يوم القيامة فيقيمك مقاما محمودا.
80 - وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً :
مُدْخَلَ صِدْقٍ أي أدخلنى القبر ادخالا مرضيا على طهارة وطيب من السيئات.

(1/4522)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 237
وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ أي وأخرجنى عند البعث إخراجا مرضيا ملقى بالكرامة ، آمنا من السخط.
سُلْطاناً حجة تنصرنى على من خالفنى.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 81 الى 84]
وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (82) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (84)
81 - وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً :
زَهَقَ الْباطِلُ ذهب وهلك.
كانَ زَهُوقاً مضمحلا غير ثابت فى كل وقت.
82 - وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً :
مِنَ الْقُرْآنِ من للتبيين ، أو للتبعيض.
وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ ولا يزداد به الكافرون.
إِلَّا خَساراً أي نقصانا لتكذيبهم به.
83 - وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً :
وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ بالصحة والسعادة.
أَعْرَضَ عن ذكر اللّه كأنه مستغن عنه.
وَ نَأى بِجانِبِهِ تأكيد للاعراض ، لأن الاعراض عن الشيء : أن يوليه عرض وجهه ، والنأى بالجانب : أن يلوى عنه عطفه ويوليه ظهره.
وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ من فقر أو مرض أو نازلة من النوازل.
كانَ يَؤُساً شديد اليأس من روح اللّه.
84 - قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا :
قُلْ كُلٌّ أحد.
يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ أي على مذهبه وطريقته التي تشاكل حاله.

(1/4523)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 238
بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا أي أسد مذهبا وطريقة.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 85 الى 89]
وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (86) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (87) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (89)
85 - وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا :
مِنْ أَمْرِ رَبِّي أي من وحيه وكلامه.
وَ ما أُوتِيتُمْ الخطاب عام.
86 - وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا :
لَنَذْهَبَنَّ جواب قسم محذوف ، مع نيابته عن جزاء الشرط ، والسلام الداخلة على (ان) موطئة للقسم. والمعنى : ان شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه عن الصدور فلم نترك له أثرا ، وبقيت كما كنت لا تدرى ما الكتاب.
ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بعد الذهاب به.
عَلَيْنا وَكِيلًا من يتوكل علينا باسترداده وإعادته محفوظا.
87 - إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً :
إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ الا أن يرحمك ربك فيرده عليك ، أو استثناء منقطع ، والمعنى : ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به.
88 - قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً :
لا يَأْتُونَ جواب قسم محذوف ، ولو لا اللام الموطئة لجاز أن يكون جوابا للشرط ، لأن الشرط وقع ماضيا. أي لو تظاهروا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لعجزوا عن الإتيان بمثله.
ظَهِيراً معينا.
89 - وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً :

(1/4524)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 239
وَ لَقَدْ صَرَّفْنا رددنا وكررنا.
مِنْ كُلِّ مَثَلٍ من كل معنى.
فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً فلم يرضوا الا كفورا.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 90 الى 93]
وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (93)
90 - وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً :
مِنَ الْأَرْضِ أي أرض مكة.
يَنْبُوعاً عينا غزيرة من شأنها أن تنبع بالماء لا تنقطع.
91 - أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً :
تَفْجِيراً كثيرا.
92 - أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا :
كَما زَعَمْتَ يعنون قول اللّه تعالى إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ :
قَبِيلًا كفيلا بما تقول شاهدا بصحته.
93 - أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا :
مِنْ زُخْرُفٍ من ذهب.
فِي السَّماءِ فى معارج السماء.
وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ ولن نؤمن لأجل رقيك.
حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً من السماء فيه تصديقك.
سُبْحانَ رَبِّي تعجب من اقتراحاتهم عليه.

(1/4525)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 240
إِلَّا بَشَراً مثلكم.
رَسُولًا كسائر الرسل.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 98]
وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (94) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (95) قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (97) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (98)
94 - وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا :
أَنْ يُؤْمِنُوا مفعول ثان للفعل مَنَعَ.
الْهُدى الوحى.
95 - قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا :
يَمْشُونَ على أقدامهم.
مُطْمَئِنِّينَ ساكنين فى الأرض قارين.
96 - قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً :
شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ على أنى بلغت ما أرسلت به إليكم ، وأنكم كذبتم وعاندتم.
بِعِبادِهِ المنذرين والمنذرين.
خَبِيراً عالما بأحوالهم فهو مجازيهم.
97 - وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً :
فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ أنصارا.
كُلَّما خَبَتْ سكن لهبها.
98 - ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً :

(1/4526)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 241
ذلِكَ جَزاؤُهُمْ أي ذلك العذاب جزاء كفرهم.
وَ رُفاتاً ترابا.
[سورة الإسراء (17) : آية 99]
أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (99)
99 - أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً :
لا رَيْبَ فِيهِ وهو الموت أو القيامة.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 100 الى 102]
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (100) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (101) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (102)
100 - قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً :
لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ التقدير : لو تملكون ، لأن لَوْ تدخل على الأفعال دون الأسماء.
قَتُوراً ضيقا بخيلا.
101 - وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً :
تِسْعَ آياتٍ هى العصا ، واليد ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والحجر ، والبحر ، والطور الذي نتقه على بنى إسرائيل.
إِذْ جاءَهُمْ أي إذ جاء آباءهم.
مَسْحُوراً سحرت فخولط عقلك.
102 - قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً :
لَقَدْ عَلِمْتَ يا فرعون.
ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ الآيات.
بَصائِرَ بينات مكشوفات.
مَثْبُوراً هالكا.

(1/4527)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 242
[سورة الإسراء (17) : الآيات 103 الى 109]
فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (103) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (104) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107)
وَ يَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109)
103 - فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً :
أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ أن يستخفهم ، أي موسى وقومه من أرض مصر ويخرجهم منها.
104 - وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً :
اسْكُنُوا الْأَرْضَ التي أراد فرعون أن يستفزكم منها.
جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً جميعا مختلطين إياكم وإياهم.
105 - وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً :
وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وما أنزلنا القرآن الا بالحكمة المقتضية لانزاله ، وما نزل الا ملتبسا بالحق والحكمة لاشتماله على الهداية لكل خير.
وَ ما أَرْسَلْناكَ الا لتبشرهم بالجنة وتنذرهم من النار.
106 - وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا :
وَ قُرْآناً منصوب بفعل يفسره فَرَقْناهُ.
فَرَقْناهُ جعلنا مفرقا منجما.
وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا على حسب الحوادث.
107 - قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً :
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا أمر بالاعراض عنهم والازدراء بشأنهم.
108 - وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا :
لَمَفْعُولًا لواقعا.
109 - وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً :
وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً خشية.

(1/4528)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 243
[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111)
110 - قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا :
أَيًّا عوض من المضاف اليه.
ما صلة للابهام المؤكد لما فى (أي).
وَ لا تَجْهَرْ حتى تسمع المشركين.
وَ لا تُخافِتْ حتى لا تسمع من خلفك.
وَ ابْتَغِ بَيْنَ الجهر والمخافتة.
سَبِيلًا وسطا.
111 - وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً :
شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ لأنه واحد لا شريك له.
وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً عظمه عظمة تامة.

(1/4529)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 244
(18) سورة الكهف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4)
ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (5)
1 - الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً :
وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ولم يجعل له شيئا من العوج قط ، والعوج فى المعاني كالعوج فى الأعيان. والمراد نفى الاختلاف والتناقض عن معانيه.
2 - قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً :
قَيِّماً منصوب بمضمر ، والتقدير : ولم يجعل له عوجا جعله قيما ، لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة.
لِيُنْذِرَ الذين كفروا.
بَأْساً شَدِيداً عذابا شديدا.
مِنْ لَدُنْهُ صادرا من عنده.
3 - ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً :
أي دائمين فيه الى غاية.
4 - وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً :
و هم : اليهود لقولهم : عزير ابن اللّه ، والنصارى لقولهم : المسيح ابن اللّه ، وقريش لقولهم : الملائكة بنات اللّه.
5 - ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً :
ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ أي ما لهم بذلك القول علم ، لأنهم مقلدة قالوه بغير دليل.
وَ لا لِآبائِهِمْ أي أسلافهم.
كَبُرَتْ كَلِمَةً أي كبرت تلك الكلمة كلمة ، أي عظمت كلمة ، يعنى قولهم : اتخذ اللّه ولدا.

(1/4530)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 245
تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ فى موضع الصفة.
إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً أي ما يقولون الا كذبا.
[سورة الكهف (18) : الآيات 6 الى 9]
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6) إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (8) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (9)
6 - فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً :
باخِعٌ مهلك وقاتل.
عَلى آثارِهِمْ على أثر توليهم واعراضهم عنك.
إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أي القرآن.
أَسَفاً حزنا وغضبا على كفرهم.
7 - إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا :
ما عَلَى الْأَرْضِ أي ما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها.
لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أي أكثر زهدا فيها ، وأبعد عن الاغترار بها.
8 - وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً :
ما عَلَيْها من هذه الزينة.
صَعِيداً جُرُزاً يعنى مثل أرض بيضاء لا نبات فيها.
9 - أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً :
الْكَهْفِ الغار الواسع فى الجبل.
وَ الرَّقِيمِ اسم كلبهم.
يعنى أن ذلك أعظم من قصة أصحاب الكهف وابقاء حياتهم مدة طويلة.
كانُوا آية.
عَجَباً من آياتنا ، وصفا بالمصدر ، أو : ذات عجب.
[سورة الكهف (18) : آية 10]
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10)
10 - إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً :

(1/4531)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 246
مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً أي رحمة من خزائن رحمتك.
هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا الذي نحن عليه من مفارقة الكفار.
رَشَداً حتى نكون بسببه راشدين مهتدين ، أو اجعل أمرنا رشدا كله.
[سورة الكهف (18) : الآيات 11 الى 14]
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (11) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (13) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (14)
11 - فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً :
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ أي ضربنا على آذانهم حجابا من أن تسمع ، يعنى أنمناهم انامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات.
سِنِينَ عَدَداً ذوات عدد.
12 - ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً :
أَيُّ يتضمن معنى الاستفهام ، تعلق عنه لِنَعْلَمَ فلم يعمل فيه.
الْحِزْبَيْنِ المختلفين منهم فى مدة لبثهم ، لأنهم لما انتبهوا اختلفوا فى ذلك.
أَحْصى فعل ماض ، أي أيهم ضبط.
أَمَداً لأوقات لبثهم.
13 - نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً :
وَ زِدْناهُمْ هُدىً بالتوفيق والتثبيت.
14 - وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً :
رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ قويناهم بالصبر على هجر الأوطان والنعيم ، والفرار بالدين.
إِذْ قامُوا بين يدى الجبار ، وهو دقيانوس ، من غير مبالاة حين عاتبهم على ترك عبادة الصنم.
شَطَطاً قولا ذا شطط ، وهو الافراط فى الظلم والابعاد عنه.

(1/4532)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 247
[سورة الكهف (18) : الآيات 15 الى 17]
هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17)
15 - هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً :
هؤُلاءِ مبتدأ.
قَوْمُنَا عطف بيان.
اتَّخَذُوا خبره وهو اخبار فى معنى الإنكار.
لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ هلا يأتون على عبادتهم ، فحذف المضاف.
بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ أي بحجة واضحة على عبادتهم الأصنام وهذا من التبكيت لأن الإتيان بالسلطان على عبادة الأوثان محال.
مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بنسبة الشريك اليه.
16 - وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً :
وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ خطاب من بعضهم لبعض ، حين صممت عزيمتهم على الفرار بدينهم.
وَ ما يَعْبُدُونَ نصب ، عطف على الضمير. يعنى وإذ اعتزلتموهم واعتزلتم معبوديهم.
وَ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ يجوز أن يكون استثناء متصلا ، على ما روى من أنهم كانوا يقرون بالخالق ويشركون معه غيره كما أهل مكة.
ويجوز أن يكون منقطعا.
وقيل : هو كلام معترض ، اخبار من اللّه تعالى عن الفئة أنهم لم يعبدوا غير اللّه.
مِرفَقاً وهوما يرتفق به ، أي ينتفع.
17 - وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم فى فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا :
تزاور تميل.

(1/4533)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 248
ذاتَ الْيَمِينِ جهة اليمين.
تَقْرِضُهُمْ تقطعهم لا تقربهم.
وَ هُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ وهم فى متسع من الكهف. والمعنى : أنهم فى ظل نهارهم كله لا تصيبهم الشمس فى طلوعها ولا غروبها ، مع أنهم فى مكان واسع منفتح معرض لاصابة الشمس لو لا أن اللّه يحجبها عنهم.
ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ أي ما صنعه اللّه بهم ، من ازورار الشمس وقرضها طالعة وغاربة ، آية من آياته.
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ثناء عليهم بأنهم جاهدوا فى اللّه وأسلموا له وجوههم.
[سورة الكهف (18) : الآيات 18 الى 19]
وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18) وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (19)
18 - وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً :
وَ تَحْسَبُهُمْ خطاب لكل أحد.
أَيْقاظاً عيونهم مفتحة وهم نيام.
وَ نُقَلِّبُهُمْ لئلا تألم جنوبهم.
بِالْوَصِيدِ بالفناء ، وقيل : بالعتبة. وقيل : بالباب.
رُعْباً خوفا.
19 - وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً :
وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ وكما أنمناهم تلك النومة كذلك بعثناهم ، ادكارا بقدرته على الانامة والبعث جميعا.
قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ جواب مبنى على غالب الظن.
قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ انكار عليهم من بعضهم ، وأن اللّه أعلم بمدة لبثهم.

(1/4534)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 249
بِوَرِقِكُمْ الورق : الفضة مضروبة أو غير مضروبة.
أَيُّها أي : أي أهلها.
أَزْكى طَعاماً أحل وأطيب وأرخص.
وَ لْيَتَلَطَّفْ وليتكلف اللطف.
وَ لا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ولا يفعلن ما يؤدى من غير قصد منه الى الشعور بنا.
[سورة الكهف (18) : الآيات 20 الى 21]
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (20) وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21)
20 - إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً :
إِنَّهُمْ راجع الى الأهل المقدر فى أَيُّها.
إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ان يعرفوا أمركم.
يَرْجُمُوكُمْ يقتلوكم رجما بالحجارة.
أَوْ يُعِيدُوكُمْ يدخلوكم.
فِي مِلَّتِهِمْ فى دينهم بالإكراه والعنت.
وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً إن دخلتم فى دينهم.
21 - وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً :
وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ وكما أنمناهم وبعثناهم أطلعنا عليهم ليعلم الذين أطلعناهم على حالهم :
أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وهو البعث ، لأن حالهم فى نومتهم وانتباههم بعدها كحال من يموت ثم يبعث.
إِذْ يَتَنازَعُونَ متعلق بقوله أَعْثَرْنا أي أعثرناهم عليهم حين يتنازعون بينهم أمر دينهم ويختلفون فى حقيقة البعث.
ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً أي على باب كهفهم ، لئلا يتطرق إليهم الناس ، ضنا بتربتهم ومحافظة عليها.

(1/4535)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 250
لَنَتَّخِذَنَّ على باب الكهف.
مَسْجِداً يصلى فيه المسلمون.
رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ من كلام المتنازعين ، كأنهم تنازعوا أمرهم ، فلما لم يهتدوا الى حقيقة ذلك قالوا : ربهم أعلم بهم.
أو هو من كلام اللّه عز وجل ، رد لقول الخائضين فى حديثهم من أولئك المتنازعين.
[سورة الكهف (18) : الآيات 22 الى 24]
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24)
22 - سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً :
سَيَقُولُونَ الضمير لمن خاض فى قصتهم.
رَجْماً بِالْغَيْبِ رميا بالخبر الخفي واتيانا به.
فَلا تُمارِ فِيهِمْ فلا تجادل أهل الكتاب فى شأن أصحاب الكهف الا جدالا ظاهرا غير متعمق فيه.
وَ لا تَسْتَفْتِ ولا تسأل أحدا منهم عن قصتهم سؤال متعنت له.
23 - وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً :
وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ولا تقولن لأجل شىء تعزم عليه.
إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ الشيء.
غَداً فيما تستقبل من الزمان.
24 - إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً :
إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ متعلق بالنهى.
وَ اذْكُرْ رَبَّكَ أي مشيئة ربى ، وقل : ان شاء اللّه إذا فرط منك نسيان لذلك.
مِنْ هذا اشارة الى نبأ أصحاب الكهف.

(1/4536)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 251
رَشَداً وأدنى خيرا ومنفعة.
[سورة الكهف (18) : الآيات 25 الى 28]
وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)
25 - وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً :
وَ لَبِثُوا أي لبثهم فيه أحياء مضروبا على آذانهم هذه المدة.
26 - قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً :
ما لَهُمْ الضمير لأهل السموات والأرض.
مِنْ وَلِيٍّ من متول لأمورهم.
وَ لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ فى قضائه.
أَحَداً منهم.
27 - وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً :
وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ من القرآن.
لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ أي لا يقدر أحد على تبديلها وتغييرها.
مُلْتَحَداً ملتجأ تعدل اليه ان هممت بذلك.
28 - واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا :
وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ واحبسها معهم وثبتها.
بالغدوة والعشى دائبين على الدعاء فى كل وقت.
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ أي طاعته.
وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ أي لا تتجاوز عيناك الى غيرهم من أبناء الدنيا.
تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا طلبا لزينتها ، أي تتزين بمجالسة هؤلاء الرؤساء الذين اقترحوا ابعاد الفقراء من مجلسك.

(1/4537)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 252
مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا من ختمنا على قلبه عن التوحيد.
وَ اتَّبَعَ هَواهُ يعنى الشرك.
وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً من التفريط الذي هو التقصير ، أو من الافراط الذي هو مجاوزة الحد.
[سورة الكهف (18) : الآيات 29 الى 31]
وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31)
29 - وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً :
قُلِ الْحَقُّ أي قل هو الحق.
إِنَّا أَعْتَدْنا انا أعددنا.
لِلظَّالِمِينَ للكافرين الجاحدين.
سُرادِقُها ما يخرج من النار من ألسنة فتحيط بالكفار.
كَالْمُهْلِ كالنحاس المذاب.
مُرْتَفَقاً مجتمعا ، من المرافقة ، أو منزلا ومقرا ومهادا.
30 - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا :
أي لا نضيع أجر من أحسن عملا منهم فأما من أحسن عملا من غير المؤمنين فعمله محبط.
31 - أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً :
جَنَّاتُ عَدْنٍ جنات اقامة.
مِنْ سُنْدُسٍ السندس : الرقيق من الديباج.
وَ إِسْتَبْرَقٍ ما ثخن من الديباج.

(1/4538)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 253
[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 39]
وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36)
قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (39)
32 - وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً :
وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أي : مثل حال المؤمنين والكافرين بحال رجلين ، وكانا أخوين فى بنى إسرائيل.
33 - كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً :
وَ لَمْ تَظْلِمْ ولم تنقص.
34 - وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً :
وَ أَعَزُّ نَفَراً أي أنصارا وحشما.
35 - وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً :
وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وهو معجب بما أوتى ، كافر لنعمة ربه.
36 - وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً :
وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي إقسام منه على سبيل الفرض والتقدير.
مُنْقَلَباً مرجعا وعاقبة.
37 - قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا :
مِنْ تُرابٍ أي خلق أصلك.
سَوَّاكَ عدلك وكملك.
38 - لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً :
لكِنَّا أي لكن أنا.
39 - وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً :

(1/4539)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 254
ما شاءَ اللَّهُ أي الأمر ما شاء اللّه ، على أن ما موصولة مرفوعة المحل على أنها خبر مبتدأ محذوف هو : الأمر.
ويصح أن تكون ما شرطية منصوبة الموضع والجزاء محذوف ، بمعنى : أي شىء شاء اللّه كان.
لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ اقرار بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها انما هو بمعونته وتأييده.
[سورة الكهف (18) : الآيات 40 الى 43]
فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (43)
40 - فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً :
حُسْباناً أي حساب ما كسبت يداك. وقيل : صواعق ، الواحد :
حسبانة.
صَعِيداً زَلَقاً أرضا بيضاء يزلق عليها لملاستها.
41 - أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً :
غَوْراً بعيد المنال.
42 - وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً :
وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ يعنى إهلاكه.
يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ كناية عن الندم.
عَلى ما أَنْفَقَ فِيها أي فى عمارتها.
وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها أي ان كرومها المعرشة سقطت عروشها على الأرض.
43 - وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً :
يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ يقدرون على نصرته من دون اللّه.
وَ ما كانَ مُنْتَصِراً وما كان ممتنعا بقوته عن انتقام اللّه.

(1/4540)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 255
[سورة الكهف (18) : الآيات 44 الى 47]
هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (44) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (45) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (46) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (47)
44 - هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً :
هُنالِكَ فى ذلك المقام وتلك الحال.
الْوَلايَةُ النصرة.
لِلَّهِ وحده لا يملكها غيره.
هُوَ خَيْرٌ ثَواباً لأوليائه.
عُقْباً عاقبة.
45 - وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً :
فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فالتف بسببه وتكاثف حتى خالط بعضه بعضا.
فَأَصْبَحَ هَشِيماً الهشيم : ما تهشم وتحطم.
تَذْرُوهُ الرِّياحُ تطيره.
وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً قديرا.
شبه حال الدنيا فى نضرتها وبهجتها وما يتعقبها من الهلاك والفناء ، بحال النبات يكون أخضر وارفا ثم يهيج فتطيره الرياح كأن لم يكن.
46 - الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا :
وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ أعمال الخير التي تبقى ثمرتها للانسان.
خَيْرٌ أَمَلًا أي أفضل أملا من ذى المال والبنين دون عمل صالح.
47 - وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً :
بارِزَةً ليس عليها ما يسترها مما كان عليها.

(1/4541)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 256
وَ حَشَرْناهُمْ وجمعناهم الى الموقف.
[سورة الكهف (18) : الآيات 48 الى 51]
وَ عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (48) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (50) ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51)
48 - عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
:
ًّا
مصطفين ظاهرين.
َدْ جِئْتُمُونا
أي قلنا لهم : لقد جئتمونا.
ْعِداً
وقتا لإنجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشر.
49 - وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً :
الْكِتابُ للجنس ، وهو صحف الأعمال.
يا وَيْلَتَنا ينادون هلكتهم التي هلكوها خاصة من بين الهلكات.
صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً هنة صغيرة ولا كبيرة.
إِلَّا أَحْصاها الا ضبطها وحصرها.
وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً فى الصحف ، أو جزاء ما عملوا.
وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً فيكتب عليه ما لم يعمل.
50 - وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا :
فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ خرج عما أمره به ربه من السجود.
أَ فَتَتَّخِذُونَهُ الهمزة للانكار والتعجب.
51 - ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً :

(1/4542)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 257
ما أَشْهَدْتُهُمْ أي اعتضدت بهم فى خلق السموات والأرض.
عَضُداً أعوانا.
[سورة الكهف (18) : الآيات 52 الى 56]
وَ يَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (54) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (55) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56)
52 - وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً :
مَوْبِقاً أي وجعلنا بينهم أمدا بعيدا تهلك فيه الأشواط لفرط بعده ، لأنهم فى قعر جهنم وهم فى أعلى الجنة.
53 - وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً :
فَظَنُّوا فأيقنوا.
مُواقِعُوها مخالطوها وواقعون فيها.
مَصْرِفاً معدلا.
54 - وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا :
أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا أي أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدل. أو أن جدل الإنسان أكثر من جدل كل شىء.
55 - وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا :
أي وما منع الناس الايمان والاستغفار الا انتظار أن تأتيهم سنة الأولين ، وهى الإهلاك ، أو انتظار أن يأتيهم العذاب ، عذاب الآخرة.
قُبُلًا عيانا.
56 - وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً :
لِيُدْحِضُوا ليزيلوا ويبطلوا.

(1/4543)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 258
وَ ما أُنْذِرُوا ما ، موصولة ، والراجع من الصلة محذوف ، أي وما أنذروه من العذاب. أو ما مصدرية ، بمعنى : وإنذارهم.
هُزُواً موضع استهزاء.
[سورة الكهف (18) : الآيات 57 الى 59]
وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (58) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (59)
57 - وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً :
بِآياتِ رَبِّهِ بالقرآن.
فَأَعْرَضَ عَنْها فلم يتذكر حين ذكر ولم يتدبر.
وَ نَسِيَ عاقبة.
ما قَدَّمَتْ يَداهُ من الكفر والمعاصي.
فَلَنْ يَهْتَدُوا فلم يكون منهم اهتداء.
أَبَداً البتة.
58 - وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا :
الْغَفُورُ البليغ المغفرة.
ذُو الرَّحْمَةِ الموصوف بالرحمة.
بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ وهو يوم بدر.
لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا منجى ولا ملجأ.
59 - وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً :
وَ تِلْكَ الْقُرى قرى الأولين من ثمود وقوم لوط وغيرهم ، أشار لهم إليها ليعتبروا.
وَ جَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً وضربنا لاهلاكهم وقتا معلوما لا يتأخرون عنه.

(1/4544)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 259
[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 63]
وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (61) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (62) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63)
60 - وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً :
لِفَتاهُ لعبده.
لا أَبْرَحُ لا أزال. وقد حذف الخبر ، لأن الحال والكلام معا يدلان عليه ، أما الحال فلأنها كانت حال السفر ، وأما الكلام فلأن قوله حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ غاية مضروبة تستدعى ما هى غاية له ، فلا بد أن يكون المعنى : لا أبرح أسير حتى أبلغ مجمع البحرين.
مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر ، عليهما السلام.
61 - فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً :
نَسِيا حُوتَهُما أي نسيا تفقد أمره.
سَرَباً السرب : المسلك.
62 - فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً :
فَلَمَّا جاوَزا الموعد ، وهو الصخرة.
هذا اشارة الى سيرهما وراء الصخرة.
نَصَباً تعبا.
63 - قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً :
أَ رَأَيْتَ أخبرنى.
أَنْ أَذْكُرَهُ بدل من الهاء فى قوله أَنْسانِيهُ أي : وما أنسانى ذكره الا الشيطان.

(1/4545)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 260
عَجَباً ثانى مفعولى اتَّخَذَ يعنى : واتخذ سبيله سبيلا عجبا.
[سورة الكهف (18) : الآيات 64 الى 70]
قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (64) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68)
قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69) قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (70)
64 - قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً :
ذلِكَ اشارة الى اتخاذه سبيلا.
ما كُنَّا نَبْغِ الذي كنا نطلب.
فَارْتَدَّا فرجعا فى أدراجهما.
قَصَصاً يقصان قصصا ، أي يتبعان آثارهما اتباعا.
65 - فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً :
رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا هى الوحى والنبوة.
مِنْ لَدُنَّا مما يختص بنا من العلم ، وهو الاخبار عن الغيوب.
66 - قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً :
رُشْداً مفعول ثان للفعل تُعَلِّمَنِ أي ما أبغيه من علم هاد.
67 - قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً :
لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً أي لا تطيق أن تصبر على ما تراه من علمى.
68 - وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً :
خُبْراً أي لم يحط به خبرك ، بمعنى : لم تخبره.
69 - قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً :
وَ لا أَعْصِي فى محل النصب عطف على صابِراً أي ستجدنى صابرا وغير عاص.
70 - قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً :
حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً أي حتى أكون أنا الذي أفسره لك.

(1/4546)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 261
[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 76]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (71) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (72) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (73) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (75)
قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (76)
71 - فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً :
فَانْطَلَقا على ساحل البحر يطلبان السفينة.
لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً أي عظيما.
72 - قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً :
أي انك لن تقوى على الصبر معى.
73 - قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً :
بِما نَسِيتُ بالذي نسيته. أو بنسياني. أي لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة.
وَ لا تُرْهِقْنِي أي ولا تحمل على.
مِنْ أَمْرِي عُسْراً أي عسرا من أمرى ومشقة. أي لا تعسر على متابعتك ويسرها على بالإغضاء عما أسأل.
74 - فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً :
زَكِيَّةً طاهرة.
بِغَيْرِ نَفْسٍ أي لم تقتل نفسا لتقتص منها.
نُكْراً منكرا.
75 - قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً :
أي انك لن تستطيع الصبر معى.
76 - قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً :
بَعْدَها أي بعد هذه الكرة أو المسألة.
فَلا تُصاحِبْنِي فلا تقاربنى ، وان طلبت صحبتك فلا تتابعنى على ذلك.

(1/4547)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 262
و قرىء : فلا تصحبنى ، أي فلا تصحبنى ولا تجعلنى صاحبك.
مِنْ لَدُنِّي عُذْراً قد أعذرت.
[سورة الكهف (18) : الآيات 77 الى 80]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (77) قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80)
77 - فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً :
اسْتَطْعَما أَهْلَها طلبا منهم أن يطعموهما.
فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما أي امتنعوا أن يقبلوهما ضيفين.
يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ أي دانى وشارف أن يقع.
فَأَقامَهُ أي أقامه بعمود عمده اليه. وقيل : نقضه وبناه.
لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً لطلبت على عملك أجرا.
78 - قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً :
هذا اشارة الى السؤال الثالث ، أي هذا الاعتراض سبب الفراق.
79 - أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً :
وَراءَهُمْ أمامهم.
80 - وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً :
أي خفنا أن يغشى الوالدين المؤمنين طغيانا عليهما ، وكفرا لنعمتهما ، بعقوقه وسوء صنيعه ، ويلحق بهما شرا وبلاء.
أو يقرن بايمانهما طغيانه وكفره ، فيجتمع فى بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر ، أو يعديهما بدائه ويضلهما بضلاله فيرتدا بسببه ويطغيا ويكفرا بعد الايمان.

(1/4548)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 263
[سورة الكهف (18) : الآيات 81 الى 87]
فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً (85)
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (86) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (87)
81 - فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً :
أَنْ يُبْدِلَهُما أي أن يرزقهما اللّه ولدا.
خَيْراً مِنْهُ زَكاةً أي دينا وصلاحا.
وَ أَقْرَبَ رُحْماً رحمة.
82 - وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً :
رَحْمَةً مفعول له.
عَنْ أَمْرِي عن اجتهادي ورأيى ، وانما فعلته بأمر اللّه.
83 - وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً :
عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ هو الإسكندر. ويقال ملك الدنيا مؤمنان ذو القرنين وسليمان.
84 - إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً :
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أي من أسباب كل شىء أراده من أغراضه ومقاصده.
سَبَباً طريقا موصلا.
85 - فَأَتْبَعَ سَبَباً :
يوصله.
86 - حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً :
فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ صارت فيها الحمأة ، وهى الطينة السوداء.
وفى قراءة : حامية.
87 - قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً :

(1/4549)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 264
عَذاباً نُكْراً أي شديدا.
[سورة الكهف (18) : الآيات 88 الى 94]
وَ أَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (89) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (90) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (92)
حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (93) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
88 - وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً :
وَ عَمِلَ صالِحاً ما يقتضيه الايمان.
فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى أي فله أن يجازى المثوبة الحسنى ، أو فله جزاء الفعلة الحسنى التي هى كلمة الشهادة.
مِنْ أَمْرِنا يُسْراً أي لا نأمره بالصعب الشاق ولكن بالسهل المتيسر من الزكاة والخراج.
89 - ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً :
يوصله.
90 - حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً :
سِتْراً أي لباسا.
91 - كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً :
كَذلِكَ أي أمر ذى القرنين كذلك ، أي كما وصفناه.
وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ من الجنود والآلات وأسباب الملك.
خُبْراً علما.
92 - ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً :
يوصله.
93 - حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا :
بَيْنَ السَّدَّيْنِ بين الجبلين ، وهما جبلان سد ذو القرنين ما بينهما.
94 - قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا :

(1/4550)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 265
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ هما جيلان من الناس.
خَرْجاً جعلا.
[سورة الكهف (18) : الآيات 95 الى 98]
قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (97) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)
95 - قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً :
ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ما جعلنى فيه مكينا من كثرة المال واليسار خير مما تبذلون لى من الخراج فلا حاجة بي اليه.
رَدْماً حاجزا حصينا موثقا.
96 - آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً :
زُبَرَ الْحَدِيدِ قطع الحديد.
حَتَّى إِذا ساوى يعنى البناء ، فحذف لقوة الكلام عليه.
بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ الصدفان : جانبا الجبل.
قِطْراً القطر : الرصاص المذاب.
97 - فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً :
أَنْ يَظْهَرُوهُ أن يعلوه. أي لا حيلة لهم من صعوده لارتفاعه وانملاسه ، ولا نقب لصلابته وثخانته.
98 - قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا :
هذا اشارة الى السد ، أي هذا السد نعمة من اللّه.
رَحْمَةٌ على عباده.
فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي أي إذا دنا مجىء يوم القيامة وشارف أن يأتى.
جَعَلَهُ دَكَّاءَ أي جعل السد مدكوكا مبسوطا مسوى بالأرض.
وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا آخر حكاية ذى القرنين.

(1/4551)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 266
[سورة الكهف (18) : آية 99]
وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (99)
99 - وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً :
وَ تَرَكْنا وجعلنا.
بَعْضَهُمْ بعض الخلق.
يَمُوجُ فِي بَعْضٍ أي يضطربون ويختلطون.
[سورة الكهف (18) : الآيات 100 الى 105]
وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (100) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104)
أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (105)
100 - وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً :
وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ وبرزناها لهم فرأوها وشاهدوها.
101 - الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً :
عَنْ ذِكْرِي عن آياتي.
وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً وكانوا صما عنه.
102 - أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا :
عِبادِي أي الملائكة.
مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ يتولونهم من دونى ولا أعاقبهم ، ففى الكلام حذف.
نُزُلًا مقرا ومكان نزول.
103 - قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا :
بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا أشد الناس خسرانا لأعمالهم.
104 - الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً :
ضَلَّ سَعْيُهُمْ ضاع وبطل.
105 - أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً :

(1/4552)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 267
فَلا نُقِيمُ لَهُمْ فنزدرى بهم ولا يكون لهم عندنا وزن ومقدار.
[سورة الكهف (18) : الآيات 106 الى 110]
ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (107) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (108) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)
106 - ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً :
ذلِكَ اشارة الى ذلك الوزن.
107 - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا :
نُزُلًا مقاما.
108 - خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا :
حِوَلًا تحولا.
109 - قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً :
الْبَحْرُ المراد الجنس.
مِداداً المداد : اسم ما تمد به الدواة من البحر.
مَدَداً تمييز ، والمدد : المداد.
110 - قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً :
فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فمن كان يؤمل حسن لقاء ربه ، وأن يلقاه لقاء رضاء وقبول.

(1/4553)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 268
(19) سورة مريم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)
وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)
1 - كهيعص :
كهيعص قرىء بفتح الهاء وكسر الياء ، وبكسرهما ، وبضمهما.
وهى حروف صوتية لبيان أن القرآن المعجز من هذه الحروف.
2 - ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا :
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ أي هذا المتلو من القرآن ذكر رحمة ربك.
عَبْدَهُ منصوب ، والناصب له قوله ذِكْرُ.
زَكَرِيَّا بدل من قوله عَبْدَهُ.
3 - إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا :
خَفِيًّا لا جهر فيه ، لأنه أبعد من الرياء وأدخل فى الإخلاص.
4 - قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا :
وَهَنَ ضعف.
وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً شاع الشيب فيه وعم.
بِدُعائِكَ أي بدعائى إياك.
شَقِيًّا غير مستجاب الدعوة.
5 - وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا :
الْمَوالِيَ عصبته واخوته وبنو عمه.
مِنْ وَرائِي بعد موتى.

(1/4554)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 269
مِنْ لَدُنْكَ من عندك ، تأكيد لكونه وليا مرضيا.
[سورة مريم (19) : الآيات 6 الى 9]
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9)
6 - يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا :
رَضِيًّا مرضيا فى أخلاقه وأفعاله.
7 - يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا :
سَمِيًّا أي لم يسم أحد بيحيى قبله.
8 - قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا :
أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ على التعجب لا على الإنكار.
عِتِيًّا يعنى النهاية فى الكبر.
9 - قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً :
كَذلِكَ أي الأمر كذلك ، تصديق له.
هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ أي خلقه على هين.
مِنْ قَبْلُ أي من قبل يحيى.
وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً أي كما خلقك اللّه تعالى بعد العدم ولم تك شيئا موجودا ، فهو القادر على خلق يحيى وإيجاده.
[سورة مريم (19) : آية 10]
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (10)
10 - قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا :
آيَةً أي علامة أعلم بها وقوع ما بشرت به.
قالَ آيَتُكَ أي علامتك أن تمنع من الكلام فلا تنطقه.
ثَلاثَ لَيالٍ أي ثلاثة أيام ولياليهن.
سَوِيًّا وأنت سليم الجوارح سوى الخلق ما بك خرس ولا بكم.

(1/4555)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 270
[سورة مريم (19) : الآيات 11 الى 14]
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14)
11 - فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا :
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فأشرف عليهم.
مِنَ الْمِحْرابِ من المصلى. والمحراب أرفع المواضع ، وكانوا يتخذون المحاريب فيما ارتفع من الأرض.
فَأَوْحى إِلَيْهِمْ فأشار.
سَبِّحُوا صلوا.
بُكْرَةً وَعَشِيًّا صباحا ومساء.
12 - يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا :
الْكِتابَ التوراة.
بِقُوَّةٍ بجد واستظهار بالتوفيق والتأييد.
الْحُكْمَ الحكمة ، وهى الفهم للتوراة والفقه فى الدين.
وقيل : العقل ، لأن اللّه أحكم عقله فى صباه.
وقيل : النبوة ، لأن اللّه أوحى اليه وهو صبى.
13 - وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا :
وَ حَناناً ورحمة لأبويه وغيرهما ، وتعطفا وشفقة.
مِنْ لَدُنَّا من منن اللّه عليه.
وَ زَكاةً أي طهارة. وقيل : الزكاة : الصدقة ، أي يتصدق على الناس.
وَ كانَ تَقِيًّا يخشى اللّه فى كل ما يفعل.
14 - وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا
:
وَ بَرًّا
أي بارا ، كثير البر.
جَبَّاراً
متكبرا.
عَصِيًّا
غير لين الجانب.

(1/4556)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 271
[سورة مريم (19) : الآيات 15 الى 20]
وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19)
قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)
15 - وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا
:
سلم اللّه عليه فى هذه الأحوال الثلاث لأنها أوحش المواطن.
16 - وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا
:
إِذِ
بدل من مَرْيَمَ
بدل اشتمال ، لأن الأحيان مشتملة على ما فيها.
انْتَبَذَتْ
تنحت وتباعدت.
مِنْ أَهْلِها
أي ممن كان معها.
مَكاناً شَرْقِيًّا
أي مكانا من جانب الشرق.
17 - فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
:
رُوحَنا
أي جبريل عليه السلام.
فَتَمَثَّلَ لَها
أي تمثل الملك لها.
بَشَراً
تفسير ، أو حال.
سَوِيًّا
أي مستوى الخلقة.
18 - قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
:
إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
ممن يتقى اللّه ويخشاه وتحفل بالاستعاذة به.
19 - قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا
:
إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ
من استعذت به.
لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً
لأكون سببا فى هبة الغلام.
زَكِيًّا
طاهرا خيرا.
20 - قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا :
وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ المس : النكاح الحلال.
وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا أي زانية.

(1/4557)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 272
[سورة مريم (19) : الآيات 21 الى 25]
قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (22) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (23) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (25)
21 - قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا :
وَ لِنَجْعَلَهُ أي ونخلقه لنجعله.
آيَةً دلالة على قدرتنا.
وَ رَحْمَةً أي لمن آمن به.
مَقْضِيًّا مقدرا.
22 - فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا :
فَحَمَلَتْهُ أي فاطمأنت الى قوله فنفخ فى جيب درعها فحملت.
فَانْتَبَذَتْ بِهِ أي اعتزلت وهو فى بطنها.
قَصِيًّا بعيدا من أهلها.
23 - فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا :
فَأَجاءَهَا أي اضطرها.
إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ كأنها طلبت شيئا تستند اليه وتتعلق به.
يا لَيْتَنِي مِتُّ تمنت الموت مخافة أن يظن بها شر.
نَسْياً النسى ، الشيء الحقير الذي شأنه أن ينسى ولا يتألم لفقده.
24 - فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا :
فَناداها جبريل عليه السلام.
مِنْ تَحْتِها أسفل مكانها.
سَرِيًّا جدولا.
25 - وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا :
وَ هُزِّي إِلَيْكِ أمرها بهز الجذع اليابس لترى آية أخرى فى أحياء موات الجذع.

(1/4558)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 273
بِجِذْعِ الباء ، زائدة مؤكدة.
جَنِيًّا لم يذو.
[سورة مريم (19) : الآيات 26 الى 31]
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)
وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31)
26 - فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا :
وَ قَرِّي عَيْناً أي وطيبى نفسا ولا تغتمى.
صَوْماً صمتا.
إِنْسِيًّا من الإنس.
27 - فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا :
فَرِيًّا أي بأمر عظيم.
28 - يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا :
يا أُخْتَ هارُونَ كان أخاها من أبيها.
امْرَأَ سَوْءٍ فاسد الأخلاق.
بَغِيًّا فاجرة.
29 - فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا :
فَأَشارَتْ إِلَيْهِ أي هو الذي يجيبكم إذا ناطقتموه.
كَيْفَ نُكَلِّمُ أي كيف عهد قبل عيسى أن يكلم الناس صبيا فى المهد فيما سلف من الزمان حتى نكلم هذا.
30 - قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا :
وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا جعل الآتي لا محالة كأنه قد جاء.
الْكِتابَ الإنجيل.
31 - وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا :
مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ نفاعا حيث كنت ، أو معلما للخير.

(1/4559)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 274
[سورة مريم (19) : الآيات 32 الى 37]
وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)
32 - وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا :
وَ بَرًّا جعل ذاته برا لفرط بره.
جَبَّاراً متعظما متكبرا.
شَقِيًّا خائبا من الخير.
33 - وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا :
وَ السَّلامُ عَلَيَّ أي السلامة على من اللّه تعالى.
يَوْمَ وُلِدْتُ فى الدنيا.
وَ يَوْمَ أَمُوتُ فى القبر.
وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا فى الآخرة.
34 - ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ :
قَوْلَ الْحَقِّ بالنصب ، مصدر مؤكد لمضمون الجملة.
الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ يشكون. أي ذلك عيسى ابن مريم الذي فيه يمترون القول الحق.
35 - ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ :
ما كانَ لِلَّهِ ما ينبغى للّه ولا يجوز.
مِنْ وَلَدٍ من ، صلة للكلام ، أي أن يتخذ ولدا.
سُبْحانَهُ أن يكون له ولد ، أي تنزه عن أن يكون له ولد.
36 - وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ :
هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ أي دين قويم لا اعوجاج فيه.
37 - فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ :
الْأَحْزابُ النصارى لتحزبهم ثلاث فرق : نسطورية ، ويعقوبية ، وملكانية.

(1/4560)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 275
مِنْ بَيْنِهِمْ من ، زائدة ، أي بينهم.
مِنْ مَشْهَدِ من مشهود.
يَوْمٍ عَظِيمٍ يوم القيامة ، أي من شهودهم هول الحساب والجزاء فى يوم القيامة.
[سورة مريم (19) : الآيات 38 الى 41]
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (40) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41)
38 - أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ :
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يقال هذا فى موضع التعجب.
الْيَوْمَ فى الدنيا.
فِي ضَلالٍ مُبِينٍ لقولهم عيسى ابن اللّه. والضلال المبين : إغفالهم النظر والاستماع.
39 - وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ :
يَوْمَ الْحَسْرَةِ يوم يتحسرون على ما فاتهم.
إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ إذ فرغ من الحساب.
وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ وقد كانوا فى الدنيا غافلين عن ذلك اليوم.
وَ هُمْ لا يُؤْمِنُونَ لا يصدقون بالبعث والجزاء.
40 - إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ :
أي فليعلم الناس أن اللّه هو الوارث لهذا الكون وما فيه ، ومرجعهم اليه فيحاسبهم على ما فعلوا.
41 - وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا :
وَ اذْكُرْ أيها الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم للناس.
فِي الْكِتابِ ما فى القرآن من قصة ابراهيم.
إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً عظيم الصدق قولا وعملا.

(1/4561)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 276
نَبِيًّا مخبرا عن اللّه تعالى.
[سورة مريم (19) : الآيات 42 الى 46]
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِيأَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)
42 - إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
:
إِذْ
أي واذكر إذ.
قالَ لِأَبِيهِ
قال ابراهيم لأبيه.
لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ
كيف تعبد أصناما لا تسمع ولا تبصر.
وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
لا تجلب لك خيرا ، ولا تدفع عنك شرا.
43 - يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا :
قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ من طريق الوحى الإلهى.
ما لَمْ يَأْتِكَ من العلم باللّه والمعرفة بما يلزم الإنسان نحو ربه.
فَاتَّبِعْنِي فيما أدعوك إليه من الإيمان.
أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا أدلك على الصراط المستقيم.
44 - يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا :
لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ لا تطع الشيطان فيما يزين لك من عبادة الأصنام.
عَصِيًّا دائبا على معصية الرحمن.
45 - يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا :
أي إنى أخاف إن أصررت على الكفر أن يصيبك عذاب شديد من الرحمن ، فتكون قرينا للشيطان فى النار ومن أوليائه.
46 - قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا :

(1/4562)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 277
أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي أمنصرف عن عبادتها بسبك إياها.
لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لئن لم تكف عن سبها.
لَأَرْجُمَنَّكَ لأرمينك بلساني ، يريد الشتم والذم ، أو لأقتلنك رجما بالحجارة.
مَلِيًّا زمانا طويلا ، أو مليا بالذهاب عنى ، قبل أن أثخنك بالضرب فلا تقدر أن تبرح ، يقال : فلان ملى بكذا ، إذا كان مطيقا له مضطلعا به.
[سورة مريم (19) : الآيات 47 الى 51]
قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (51)
47 - قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا :
سَلامٌ عَلَيْكَ سلام توديع ومتاركة ، ويجوز أن يكون دعاء له بالسلامة استمالة له.
سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي سأدعوه لك بالهداية لتكون ممن يغفر لهم.
إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا الحفي : الواسع البر.
48 - وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا :
وَ أَعْتَزِلُكُمْ وأترككم وما أنتم عليه من عبادة الأصنام.
وَ أَدْعُوا رَبِّي وأعبد ربى.
عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا رجاء أن يقبل اللّه عبادتى.
49 - فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا :
جَعَلْنا نَبِيًّا اصطفيناه نبيا.
50 - وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا :
وَ وَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا من كل خير دنيوى.
وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا من ثناء حسن سام.
51 - وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا :

(1/4563)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 278
مُخْلَصاً أخلصه اللّه. وقرىء : مخلصا ، بكسر اللام ، أي أخلص نفسه للّه.
رَسُولًا نَبِيًّا أي نبيا مرسلا يحمل من اللّه رسالة.
[سورة مريم (19) : الآيات 52 الى 58]
وَ نادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (54) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56)
وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (57) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (58)
52 - وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا :
الْأَيْمَنِ أي من ناحيته اليمنى.
وَ قَرَّبْناهُ نَجِيًّا كلمناه دون ملك.
53 - وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا :
مِنْ رَحْمَتِنا من أجل رحمتنا وترأفنا عليه ، أو بعض رحمتنا.
هارُونَ عطف بيان.
54 - وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا :
صادِقَ الْوَعْدِ حين وعد أباه بالصبر على الذبح فوفىّ.
55 - وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا :
أَهْلَهُ أمته.
مَرْضِيًّا أي رضيا زاكيا صالحا.
56 - وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا :
صِدِّيقاً يصدق قولا وفعلا.
57 - وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا :
مَكاناً عَلِيًّا مكانا ساميا.
58 - أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا :
أُولئِكَ اشارة الى المذكورين فى السورة من لدن زكريا الى إدريس.

(1/4564)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 279
مِنَ النَّبِيِّينَ من ، للبيان.
سُجَّداً وَبُكِيًّا ساجدين باكين من خشية اللّه.
[سورة مريم (19) : الآيات 59 الى 64]
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63)
وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)
59 - فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا :
غَيًّا ضلالا عن طريق الرشاد.
60 - إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً :
وَ لا يُظْلَمُونَ شَيْئاً لا ينقصون شيئا من جزاء أعمالهم.
61 - جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا :
بِالْغَيْبِ وعدهم إياها وهى غائبة عنهم غير حاضرة ، أو وهم غائبون عنها لا يشاهدونها ، أو بتصديق الغيب والإيمان به.
مَأْتِيًّا آتيا ، مفعول بمعنى فاعل.
62 - لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا :
لَغْواً اللغو : فضول الكلام وما لا طائل تحته.
إِلَّا سَلاماً تسليم بعضهم على بعض ، أو تسليم الملائكة عليهم.
63 - تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا :
الَّتِي نُورِثُ أي نبقى عليه الجنة كما نبقى على الوارث مال الموروث.
مَنْ كانَ تَقِيًّا من خشى اللّه وأطاعه.
64 - وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا :

(1/4565)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 280
وَ ما نَتَنَزَّلُ حكاية قول جبريل عليه السلام حين استبطأه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَ ما خَلْفَنا من الجهات والأماكن.
وَ ما بَيْنَ ذلِكَ وما نحن فيه فلا نتمالك أن ننتقل من جهة الى جهة الا بأمر المليك ومشيئته.
وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وما كان تاركا لك.
[سورة مريم (19) : الآيات 65 الى 68]
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (67) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)
65 - رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا :
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بدل من قوله رَبِّكَ.
هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا أي لم يسم شىء باللّه قط.
66 - وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا :
لَسَوْفَ أُخْرَجُ من الأرض ، أو من حال الفناء.
67 - أَوَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً :
أَ وَلا يَذْكُرُ الواو ، عطف لا يَذْكُرُ على يَقُولُ ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف. والمعنى : أيقول ذاك ولا يتذكر حال النشأة الأولى حتى لا ينكر الأخرى.
مِنْ قَبْلُ من قبل الحالة التي هو فيها ، وهى حالة بقائه.
68 - فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا :
فَوَ رَبِّكَ فى إقسام اللّه تعالى باسمه مضافا الى رسوله ، تفخيم لشأن الرسول ورفع منه.
وَ الشَّياطِينَ الواو ، للعطف ، أو بمعنى : مع ، وهو الوجه ، والمعنى : أنهم يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم.

(1/4566)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 281
ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا أي وأحضروا حيث تجاثوا حول جهنم ، وأوردوا معهم النار ، وجثيا ، أي راكعين على ركبهم.
[سورة مريم (19) : الآيات 69 الى 73]
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (72) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)
69 - ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا :
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ أي لنستخرجن.
مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ من كل أمة وأهل دين.
أَيُّهُمْ بالرفع على الحكاية ، أي لننزعن من كل شيعة الذي يقال من أجل عتوه : أيهم أشد على الرحمن عتيا.
وقيل الرفع على الابتداء ، والجملة مستأنفة.
أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا أي الأعتى فالأعتى ، كأنه يبتدأ بالتعذيب بأشدهم عتيا ثم الذي يليه.
70 - ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا :
أَوْلى بِها صِلِيًّا أي أحق بدخول النار يصطلون نارها.
71 - وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا :
وَ إِنْ مِنْكُمْ قسم ، والواو يتضمنه.
وارِدُها مار بها.
حَتْماً موجبا.
مَقْضِيًّا سبق به قضاء اللّه.
72 - ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا :
جِثِيًّا جاثين على ركبهم.
73 - وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا :
بَيِّناتٍ أي : بينات المقاصد.
مَقاماً المقام ، بالفتح : موضع القيام. وقرىء بالضم ، ومعناه : الإقامة.

(1/4567)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 282
نَدِيًّا الندى : المجلس ومجتمع القوم.
[سورة مريم (19) : الآيات 74 الى 77]
وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (74) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (77)
74 - وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً :
وَ كَمْ مفعول للفعل أَهْلَكْنا.
مِنْ قَرْنٍ من ، تبيين لما فى كَمْ من إبهام ، أي كثيرا من القرون أهلكنا.
هُمْ أَحْسَنُ فى محل النصب صفة لقوله كَمْ.
أَثاثاً متاعا.
وَ رِءْياً منظرا وهيئة.
75 - قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً :
فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا أي يمهله ويملى له فى العمر.
إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ أي إلى أن يشاهدوا الموعد رأى عين.
إِمَّا الْعَذابَ فى الدنيا.
وَ إِمَّا السَّاعَةَ أو يشاهدوا الساعة ومقدماتها.
76 - وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا :
وَ يَزِيدُ معطوف على موضع فَلْيَمْدُدْ لأنه واقع موقع الخبر.
الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً أي ويزيد المهتدين هداية بتوفيقه.
وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ أعمال الآخرة كلها.
خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً من مفاخرات الكفار.
وَ خَيْرٌ مَرَدًّا أي مرجعا وعاقبة.
77 - أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً :

(1/4568)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 283
أَ فَرَأَيْتَ فى معنى : أخبر ، والفاء جاءت لإفادة معناها الذي هو التعقيب كأنه قال : أخبر أيضا بقصة هذا الكافر واذكر حديثه عقيب حديث أولئك.
[سورة مريم (19) : الآيات 78 الى 82]
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)
78 - أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً :
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أي أرتقى الى علم الغيب الذي توحد به الواحد القهار.
أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً أي وإما عهد من عالم الغيب.
79 - كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا :
كَلَّا ردع وتنبيه على الخطأ ، أي هو مخطئ فيما تصوره لنفسه ويتمناه فليرتدع عنه.
وَ نَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا أي نطول له من العذاب ما يستأهل ، أو نزيده من العذاب ونضاعف له من المدد.
80 - وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً :
وَ نَرِثُهُ ما يَقُولُ أي ونزوى عنه ما زعم أنه يناله فى الآخرة ونعطيه من يستحقه. والمعنى : مسمّى ما يقول ، وهو المال والولد.
وَ يَأْتِينا فَرْداً أي هب أنا أعطيناه ما اشتهاه فإنا نرثه منه فى العاقبة ويأتينا فردا غدا بلا مال ولا ولد.
81 - وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا :
لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا أي ليتعززوا بهم حيث يكونون لهم عند اللّه شفعاء وأنصارا ينقذونهم من العذاب.
82 - كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا :
كَلَّا ردع لهم وانكار لتعززهم بالآلهة.
سَيَكْفُرُونَ الضمير للآلهة ، أي سيجحدون عبادتهم وينكرونها ويقولون : واللّه ما عبدتمونا وأنتم كاذبون.

(1/4569)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 284
عَلَيْهِمْ ضِدًّا أي يكونون عليهم ضدا لما قصدوه وأرادوه ، أي ويكونون عليهم ذلّا لا عزّا لهم. أو ويكونون عليهم عونا.
[سورة مريم (19) : الآيات 83 الى 87]
أَ لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (86) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (87)
83 - أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا :
تَؤُزُّهُمْ أَزًّا أي تغريهم على المعاصي وتهيجهم لها بالوساوس والتسويلات.
84 - فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا :
فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ أي لا تعجل عليهم بأن يهلكوا ويبيدوا حتى تستريح أنت والمسلمون من شرورهم.
إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا أي فليس بينك وبين ما تطلب من هلاكهم الا أيام محصورة وأنفاس معدودة ، كأنها فى سرعة تقضيها الساعة التي تعد فيها لو عدت.
85 - يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً :
يَوْمَ منصوب بمضمر ، أي اذكر يوم.
نَحْشُرُ نجمع.
وَفْداً كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين للكرامة عندهم.
86 - وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً :
وَ نَسُوقُ ندفع كما تدفع النعم العطاش.
وِرْداً أي واردين. والأصل فيه للورود لأن من يرد الماء لا يرده الا لعطش.
87 - لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً :
لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ أي لا يملكون أن يشفع لهم.

(1/4570)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 285
عَهْداً أي الاستظهار بالإيمان والعمل.
[سورة مريم (19) : الآيات 88 الى 95]
وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (89) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92)
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95)
88 - وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً :
يعنى قول النصارى حين جعلوا عيسى ابنا للّه.
89 - لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا :
إِدًّا أمرا منكرا.
90 - تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا :
يَتَفَطَّرْنَ يتشققن.
91 - أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً :
أَنْ دَعَوْا فى محل جرّ بدلا من الهاء فى مِنْهُ أو فى محل نصب على تقدير سقوط اللام وإفضاء الفعل ، أي هذا لأن دعوا.
92 - وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً :
وَ ما يَنْبَغِي أي لا يستقيم عقلا ، فاتخاذ الولد من صفات المحدث ، واللّه تعالى قديم.
93 - إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً :
عَبْداً خاضعا لألوهيته.
94 - لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا :
أَحْصاهُمْ أحاط بهم علمه وعلم عددهم.
وَ عَدَّهُمْ عَدًّا تأكيد ، أي فلا يخفى عليه أحد منهم.
95 - وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً
:
فَرْداً أي واحدا لا ناصر له.

(1/4571)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 286
[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98)
96 - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا :
وُدًّا أي حبا فى قلوب عباده.
97 - فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا :
يَسَّرْناهُ أي القرآن الكريم.
بِلِسانِكَ أي بلغتك ، وهو اللسان العربي المبين.
لُدًّا شداد الخصومة بالباطل.
98 - وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً :
رِكْزاً صوتا خفيفا.

(1/4572)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 287
(20) سورة طه
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (3) تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (4)
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (6)
1 - طه :
طه أمر بالوطء ، أي بأن يطأ الأرض بقدميه معا ، فلقد كان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم يقوم فى تهجده على إحدى رجليه. والأصل : طأ ، فقلبت همزته هاء ، أو قلبت ألفا ، ثم بنى عليه الأمر ، والهاء للسكت.
وقيل : طاها ، فى لغة عك بمعنى : يا رجل.
2 - ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى :
لِتَشْقى لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم.
3 - إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى :
تَذْكِرَةً علة للفعل.
يَخْشى يخاف ربه.
4 - تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى :
تَنْزِيلًا أي نزلناه تنزيلا.
الْعُلى أي العالية الرفيعة ، جمع العليا.
5 - الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى :
الرَّحْمنُ بالرفع ، على المدح ، والتقدير : هو الرحمن ، أو على الابتداء.
وقرىء بالجر صفة لقوله مِمَّنْ خَلَقَ.
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى كناية عن الملك. ويفسره ما بعده.
6 - لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى :
وَ ما تَحْتَ الثَّرى أي وما ينطوى عليه جوف الأرض.

(1/4573)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 288
[سورة طه (20) : الآيات 7 الى 9]
وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (7) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (8) وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9)
7 - وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى :
السِّرَّ ما تسره فى نفسك.
وَ أَخْفى أي وما هو أخفى من ذلك من خطرات البال.
8 - اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى :
الْحُسْنى تأنيث الأحسن ، وصفت بها الأسماء لأن حكمها حكم المؤنث. أي هو المتصف بصفات الكمال.
9 - وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى :
ليتأسى به صلّى اللّه عليه وآله وسلم فى تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة.
[سورة طه (20) : الآيات 10 الى 12]
إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (10) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (12)
10 - إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً :
إِذْ ظرف للحديث ، أو لمضمر ، أي حين رأى نارا.
امْكُثُوا أقيموا فى مكانكم.
إِنِّي آنَسْتُ أبصرت إبصارا بينا لا شبهة فيه.
لَعَلِّي لم يقطع ويقول : إنى ، لئلا يعد ما ليس بمستيقن الوفاء به.
بِقَبَسٍ ما يقتبس من النار فى رأس عود أو نحوه.
هُدىً أي قوما يهدوننى الطريق وكان موسى قد استأذن شعيبا عليه السلام فى الخروج الى أمه ، وخرج بأهله ، فضل الطريق.
11 - فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى :
فَلَمَّا أَتاها أي فلما جاء النار.
نُودِيَ يا مُوسى أي نودى فقيل يا موسى.
12 - إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً :
إِنِّي وقرىء بالفتح ، أي نودى بأنى.
أَنَا رَبُّكَ لتوكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة.

(1/4574)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 289
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ تواضعا للّه.
الْمُقَدَّسِ المطهر.
طُوىً بالضم وبالكسر ، منصرف وغير منصرف ، بمعنى المكان والبقعة. وقيل : مرتين ، أي نودى نداءين.
[سورة طه (20) : الآيات 13 الى 19]
وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (16) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17)
قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (19)
13 - وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى :
وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ اصطفيتك للنبوة.
لِما يُوحى للذى يوحى ، أو للوحى.
14 - إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي :
لِذِكْرِي لتذكرنى ، فتعبدنى وتصلى لى.
15 - إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى :
أَكادُ أُخْفِيها أكاد أظهرها وآتى بها.
بِما تَسْعى بسعيها.
16 - فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى :
فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها أي عن تصديقها ، والضمير للقيامة.
فَتَرْدى فتهلك.
17 - وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى :
سأله ليريه عظم ما سيفعله عز وعلا فى الخشبة اليابسة.
18 - قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى :
أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها أعتمد عليها.
وَ أَهُشُّ بِها أخبط بها ورق الأشجار ليقع فتأكله غنمى.
وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى منافع أخرى.
19 - قالَ أَلْقِها يا مُوسى :
أَلْقِها أي ارم بها الى الأرض ، والضمير للعصا.

(1/4575)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 290
[سورة طه (20) : الآيات 20 الى 26]
فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (20) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (23) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (24)
قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)
20 - فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى :
فَإِذا هِيَ أي العصا.
حَيَّةٌ الحية : اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير.
تَسْعى تجرى فى خفة وسرعة وحركة.
21 - قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى :
سَنُعِيدُها أي سنعيدها كما أنشأناها أولا.
سِيرَتَهَا الْأُولى نصب بفعل مضمر ، أي تسير سيرتها الأولى ، أي سنعيدها سائرة سيرتها الأولى حيث كنت تتوكأ عليها ولك فيها المآرب التي عرفتها.
22 - وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى :
إِلى جَناحِكَ أي الى جنبك تحت العضد.
بَيْضاءَ حال.
مِنْ غَيْرِ سُوءٍ لا قبح فيها ، أي لا برص فيها ، والجار والمجرور من صلة بَيْضاءَ.
آيَةً حال ثانية.
23 - لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى :
مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى بعض معجزاتنا الكبرى لتكون دليلا على صدقك فى الرسالة.
24 - اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى :
طَغى بغى وأفسد فى الأرض.
25 - قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي :
استوهب ربه أن يشرح له صدره ليستقبل ما عسى يرد عليه من الشدائد التي يذهب معها صبر الصابر.
26 - وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي :

(1/4576)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 291
أي واجعل أمرى ميسرا سهلا ، وهذا الأمر هو خلافة اللّه فى أرضه وما يصحبها من تحمل العظائم والجلائل.
[سورة طه (20) : الآيات 27 الى 33]
وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)
وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33)
27 - وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي :
كان فى لسانه رتة من أثر الجمرة التي وضعها فى فيه على لسانه وهو صغير فى بيت فرعون.
28 - يَفْقَهُوا قَوْلِي :
يستبينوا عنى ما أقول.
29 - وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي :
وَزِيراً أي معينا يحمل عنى ثقل ما كلفت به ، وهو مفعول ثان للفعل اجْعَلْ.
30 - هارُونَ أَخِي :
هارُونَ مفعول أول للفعل اجْعَلْ وقدم ثانى المفعولين على أولهما عناية بأمر الوزارة.
أَخِي بدل من هارُونَ.
31 - اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي :
اشْدُدْ على الدعاء.
أَزْرِي الأزر : القوة ، أي قونى به. وقيل : الأزر : الظهر ، أي تقوى به نفسى.
32 - وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي :
وَ أَشْرِكْهُ على الدعاء ، أي أجعله شريكا لى فى أمرى الذي سأضطلع به.
33 - كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً :

(1/4577)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 292
أي نصلى لك. أو تلهج ألسنتنا بتمجيدك وتنزيهك عما لا يليق بجلالك.
[سورة طه (20) : الآيات 34 الى 39]
وَ نَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (35) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (37) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (38)
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39)
34 - وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً :
أي نكثر من ذكرك داعين مبتهلين.
35 - إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً أي عالما بأحوالنا وبأن التعاضد مما يصلحنا ، وأن هارون نعم المعين والعضد.
36 - قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى :
سُؤْلَكَ أي طلبتك ، فعل بمعنى مفعول.
37 - وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى :
و هى حفظه سبحانه له من الأعداء فى الابتداء.
38 - إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى :
أَوْحَيْنا ألهمنا.
ما يُوحى ما ألهمته.
39 - أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي :
أَنِ هى المفسرة ، لأن الوحى بمعنى القول.
اقْذِفِيهِ ضعيه.
فِي التَّابُوتِ فى صندوق يهيأ لهذا.
فِي الْيَمِّ فى البحر ، يعنى نهر النيل.
فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ فليقذفه البحر الى الساحل.
مِنِّي متعلق بقوله أَلْقَيْتُ أي إنى أحببتك ومن أحبه اللّه

(1/4578)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 293
أحبته القلوب ، أو هو متعلق بمحذوف صفة لمحبة ، أي محبة حاصلة أو واقعة منى ، قد ركزتها أنا فى القلوب وزرعتها فيها.
وَ لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي أي ولتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك وراقبك ، كما يراعى الرجل الشيء بعينيه إذا اعتنى به.
[سورة طه (20) : الآيات 40 الى 43]
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43)
40 - إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى :
إِذْ العامل فيه أَلْقَيْتُ أو لِتُصْنَعَ. وقد يكون بدلا من إِذْ أَوْحَيْنا.
فُتُوناً أي فتناك ضروبا من الفتن ، جمع فتنة ، على ترك الاعتداد بتاء التأنيث.
مَدْيَنَ على ثمانى مراحل من مصر. وفيها كان شعيب عليه السلام ، وعليه نزل موسى وعنده أقام.
ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ أي فى وقت بعينه قد وقته لذلك ، فما جئت الا على ذلك القدر غير مستقدم ولا مستأخر.
وقيل : على مقدار من الزمان يوحى فيه إلى الأنبياء ، وهو رأس أربعين سنة.
41 - وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي :
أي استخلصتك ، وخصصتك بالكرامة والأثرة.
42 - اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي :
وَ لا تَنِيا الونى : الفتور والتقصير ، أي لا تنسيانى ولا أزال منكما على ذكر حيثما تقلبتما.
43 - اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى :

(1/4579)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 294
طَغى بغى وأفسد.
[سورة طه (20) : الآيات 44 الى 48]
فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)
44 - فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى :
لَيِّناً فى رفق.
يَتَذَكَّرُ يفكر ، ويرتد عن طغيانه.
أَوْ يَخْشى أو يخاف العاقبة.
45 - قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى :
أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أن يجعل ولا يتدبر ما نقوله له.
أَوْ أَنْ يَطْغى أو أن يعتدى علينا.
46 - قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى :
مَعَكُما أي حافظكما وناصركما.
أَسْمَعُ وَأَرى ما يجرى بينكما وبينه من قول وفعل ، فأفعل ما به حفظى ونصرتى لكما.
47 - فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى :
قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ فى مجرى البيان والتفسير لقوله إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ.
وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى أي من اتبع ما جئنا به من هدى سلم من عذاب اللّه وسخطه.
48 - إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى :
أَنَّ الْعَذابَ أي الهلاك والدمار فى الدنيا والخلود فى جهنم فى الآخرة.
عَلى مَنْ كَذَّبَ أنبياء اللّه.

(1/4580)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 295
وَ تَوَلَّى أعرض عن الايمان.
[سورة طه (20) : الآيات 49 الى 53]
قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (49) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (50) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (51) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (53)
49 - قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى :
خاطب الاثنين ووجه النداء الى أحدهما وهو موسى ، لأنه الأصل فى النبوة ، وهارون وزيره ونائبه.
50 - قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى :
خَلْقَهُ مفعول أول للفعل أَعْطى أي أعطى خليقته كل شىء يحتاجون اليه ويرتفقون به.
أو هو المفعول الثاني ، والتقدير : أعطى كل شىء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به.
ثُمَّ هَدى أي عرفه كيف يرتفق بما أعطى وكيف يتوصل إليه.
51 - قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى :
القائل فرعون يسأله عن حال من تقدم وخلا من القرون الأولى ، وشقاء من شقى وسعادة من سعد.
52 - قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى :
أي ان هذا سؤال عن الغيب وقد استأثر اللّه به لا يعلمه إلا هو.
53 - الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى :
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ فى محل رفع صفة لقوله رَبِّي ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أو فى محل نصب على المدح.
مَهْداً أي مهدها مهدا.
وَ سَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا أي جعل لكم فيها سبلا وطرقا.
أَزْواجاً أصنافا.

(1/4581)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 296
شَتَّى مختلفة النفع.
[سورة طه (20) : الآيات 54 الى 58]
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (54) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (55) وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (56) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (58)
54 - كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى :
كُلُوا وَارْعَوْا حال من الضمير فى فَأَخْرَجْنا أي أخرجنا أصناف النبات آذنين فى الانتفاع بها ، مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها.
55 - مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى :
مِنْها خَلَقْناكُمْ يعنى آدم عليه السلام لأنه خلق من الأرض.
وَ فِيها نُعِيدُكُمْ بعد الموت.
وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ أي للبعث والحساب.
تارَةً أُخْرى يرجع الى قوله مِنْها خَلَقْناكُمْ أي من الأرض أخرجناكم ونخرجكم بعد الموت من الأرض تارة أخرى.
56 - وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى :
أَرَيْناهُ بصرناه ، أو عرفناه صحتها ويقناه بها.
فَكَذَّبَ ظالما.
وَ أَبى ولم يؤمن.
57 - قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى :
أي جئت توهم الناس أنك جئت بآية توجب اتباعك والإيمان بك حتى تغلب على أرضنا.
58 - فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً :
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ أي لنعارضنك بمثل ما جئت به ليتبين للناس أن ما أتيت به ليس من عند اللّه.
مَوْعِداً أي وعدا ، أو هو اسم مكان.

(1/4582)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 297
لا نُخْلِفُهُ أي لا نخلف ذلك الموعد. والإخلاف : أن يعد شيئا ولا ينجزه.
مَكاناً سُوىً أي سوى هذا المكان. وقيل : مكانا مستويا يتبين للناس ما بيناه فيه.
[سورة طه (20) : الآيات 59 الى 63]
قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (60) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (61) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (62) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (63)
59 - قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى :
يَوْمُ الزِّينَةِ يوم عيد لهم كانوا يتزينون ويجتمعون فيه.
وَ أَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى أي وأن يجمع الناس بعد طلوع الشمس.
وقرىء : وأن تحشر ، أي وأن تحشر أنت يا فرعون الناس.
60 - فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى :
فَجَمَعَ كَيْدَهُ أي حيله وسحره ، والمراد : جمع السحرة.
ثُمَّ أَتى الميعاد.
61 - قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى :
لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي لا تدعوا آياته ومعجزاته سحرا.
فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ أي فيستأصلكم.
62 - فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى :
فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ أي تشاوروا ، يريد السحرة.
وَ أَسَرُّوا النَّجْوى فمن قائل إن كان ما جاء به سحرا فسنغلبه ، ومن قائل : إن كان من عند اللّه فسيكون له الأمر. والنجوى : المناجاة.
63 - قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى :
إِنْ هذانِ لَساحِرانِ أي ما هذان إلا ساحران.

(1/4583)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 298
بِطَرِيقَتِكُمُ بسنتكم وسمتكم.
الْمُثْلى تأنيث الأمثل ، بمعنى : الأفضل.
[سورة طه (20) : الآيات 64 الى 69]
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (64) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (65) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (67) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (68)
وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (69)
64 - فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى :
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ أي أزمعوه واجعلوه مجمعا عليه.
ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا أي لا تختلفوا ولا يشذ واحد منكم.
مَنِ اسْتَعْلى من غلب.
65 - قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى :
إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ أي اختر أحد الأمرين ، أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا.
66 - قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى :
فَإِذا للمفاجأة والتحقيق ، وناصبها فعل المفاجأة والجملة ابتدائية ، والتقدير : مفاجأة موسى وقت تخييل سعى حبالهم وعصيهم ، وهذا تمثيل. والمعنى : على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعى.
67 - فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى :
أي أضمر فى نفسه شيئا من الخوف.
68 - قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى :
فيه تقرير لغلبته وقهره.
69 - وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى :
وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ أي عصاك.
تَلْقَفْ تلقم.
ما صَنَعُوا أي الذي صنعوا.
إِنَّما صَنَعُوا أي إن الذي صنعوا.

(1/4584)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 299
وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أي لا يفوز.
حَيْثُ أَتى من الأرض ، أو حيث احتال.
[سورة طه (20) : الآيات 70 الى 72]
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (70) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (71) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (72)
70 - فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى :
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً أي وقعوا على الأرض ساجدين.
71 - قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى :
لَكَبِيرُكُمُ لعظيمكم.
مِنْ خِلافٍ أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، لأن كل واحد من العضوين خالف الآخر ، بأن هذا يد وذاك رجل ، وهذا يمين وذاك شمال.
والحرف مِنْ لابتداء الغاية ، لأن القطع مبتدأ وناشىء من مخالفة العضو للعضو لا من وفاقه إياه.
و محل الجار والمجرور النصب على الحال ، أي لأقطعنها مختلفات.
فِي جُذُوعِ النَّخْلِ أي على جذوع النخل.
أَيُّنا يريد نفسه وموسى عليه السلام.
72 - قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا :
لَنْ نُؤْثِرَكَ لن نختارك.
عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ من اليقين والعلم.
وَ الَّذِي فَطَرَنا عطف على ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ أي لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ، ولا على الذي فطرنا ، أي خلقنا.
وقيل : هو قسم ، أي واللّه لن نؤثرك.

(1/4585)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 300
ما أَنْتَ قاضٍ أي قاضيه ، أي فاصنع ما أنت صانعه.
إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا أي انما ينفذ أمرك فيها. وهى منصوبة على الظرف.
والمعنى : انما تقضى فى متاع هذه الحياة الدنيا ، أو وقت هذه الحياة الدنيا.
[سورة طه (20) : الآيات 73 الى 75]
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75)
73 - إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى :
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا أي صدقنا باللّه وحده لا شريك له وما جاء به موسى.
لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا يريدون الشرك الذي كانوا عليه.
وَ ما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ما ، فى موضع نصب معطوفة على (الخطايا).
وَ اللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى أي ثوابه خير وأبقى. وقيل : واللّه خير لنا منك وأبقى عذابا لنا من عذابك لنا.
74 - إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى :
إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً هذا من قول السحرة لما آمنوا.
ومجرما ، أي كافرا.
75 - وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى :
وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً أي من يمت على الإيمان ويوافيه مصدقا به.
قَدْ عَمِلَ أي وقد عمل.
الصَّالِحاتِ أي الطاعات وما أمر به ونهى عنه.
الْعُلى أي الرفيعة التي قصرت دونها الصفات.

(1/4586)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 301
[سورة طه (20) : الآيات 76 الى 81]
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (79) يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80)
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81)
76 - جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى :
جَنَّاتُ عَدْنٍ بيان للدرجات وبدل منها. والعدن : الإقامة.
مَنْ تَزَكَّى من تطهر من الكفر والمعاصي.
77 - وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى :
فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فاجعل لهم طريقا.
يَبَساً مصدر وصف به.
لا تَخافُ حال من الضمير فى قوله فَاضْرِبْ.
دَرَكاً إدراكا.
78 - فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ :
ما غَشِيَهُمْ أي ما أغرقهم.
79 - وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى :
وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ حيث قادهم إلى ما فيه حتفهم.
وَ ما هَدى أي وما هداهم الى خير.
80 - يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى :
يا بَنِي إِسْرائِيلَ خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر وإهلاك آل فرعون.
وَ نَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى فى التيه.
81 - كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى :
وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ أي ولا تحملنكم العاقبة أن تعصوا. والطغيان :
التجاوز الى ما لا يجوز.

(1/4587)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 302
فَقَدْ هَوى فقد هلك.
[سورة طه (20) : الآيات 82 الى 86]
وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (83) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (84) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86)
82 - وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى :
ثُمَّ اهْتَدى أي استقام وثبت على الهدى ، وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح.
83 - وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى :
أي : أي شىء عجل بك عنهم ، وكان قد مضى مع النقباء إلى الطور على الموعد المضروب ، ثم تقدمهم شوقا الى كلام ربه ، وتنجز ما وعد به.
84 - قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى :
عَلى أَثَرِي أي بالقرب منى ينتظرون عودتى إليهم.
لِتَرْضى لأكون أقرب إلى رضاك.
85 - قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ :
قالَ الضمير للّه تعالى.
فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ أخبر تعالى عن الفتنة المترقبة بلفظ الموجودة الكامنة ، أو أن السامري انتهز غيبته فعزم على إضلالهم وأخذ فى تدبير ذلك. فكان بدء الفتنة موجودا.
والفتنة : الاختبار بخلق العجل وحملهم السامري على عبادته.
وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ السامري نسبة الى قبيلة من بنى إسرائيل يقال لها : السامرة.
وقرىء : وأضلّهم ، أي أشدهم ضلالا. وكان السامري منافقا.
86 - فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي :

(1/4588)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 303
أَسِفاً شديد الغضب.
الْعَهْدُ الأمان. يريد مدة مفارقته لهم.
فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي بعبادتكم العجل.
[سورة طه (20) : الآيات 87 الى 89]
قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (88) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (89)
87 - قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ :
ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا أي ما أخلفنا موعدك بأن ملكنا أمرنا ، ولو ملكنا أمرنا وخلينا وشأننا لما أخلفناه.
وَ لكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ أي حملنا أحمالا من حلى القبط التي استعرناها منهم.
فَقَذَفْناها فى نار السامري التي أوقدها فى الحفرة وأمرنا أن نطرح الحلي فيها.
فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ أي أراهم أنه يلقى حليا فى يده مثل ما ألقوا ، وانما ألقى التربة التي أخذها من موطىء فرس جبريل.
88 - فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ :
فَأَخْرَجَ لَهُمْ السامري من الحفرة.
عِجْلًا جَسَداً من الحلي التي سبكتها النار.
لَهُ خُوارٌ يخور كما يخور العجل.
فَنَسِيَ أي فنسى موسى أن يطلبه هاهنا وذهب يطلبه عند الطور.
أو فنسى السامري وترك ما كان عليه من الإيمان الظاهر.
89 - أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً :
أَ فَلا يَرَوْنَ أي يعتبرون ويتفكرون.

(1/4589)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 304
أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا أي لا يكلمهم.
وقرىء بالرفع ، على (أن) مخففة من الثقيلة ، كما قرىء بالنصب على أنها الناصبة للأفعال.
[سورة طه (20) : الآيات 90 الى 95]
وَ لَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (91) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)
قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (95)
90 - وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي :
مِنْ قَبْلُ أي من قبل أن يقول لهم السامري ما قال.
إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ أي بالعجل حين استحسنتموه فأضللتم.
91 - قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى :
لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ أي لن نزال مقيمين على عبادته.
92 - قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا :
ضَلُّوا أي أخطئوا الطريق وكفروا.
93 - أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي :
أَلَّا تَتَّبِعَنِ لا ، مزيدة ، أي : ما منعك أن تتبعنى فى الغضب للّه وشدة الزجر عن الكفر والمعاصي ، أو ما لك لم تلحقنى.
أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي يعنى أمره إليه وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ :
94 - الَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
:
لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
و لم تعمل بوصيتي فى حفظهم ، أو لم تنتظر عهدى وقدومى.
95 - قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ :
فَما خَطْبُكَ فما أمرك وشأنك.

(1/4590)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 305
[سورة طه (20) : الآيات 96 الى 97]
قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْتَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (97)
96 - قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي :
بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ أي علمت ما لم يعلموه ، وفطنت الى ما لم يفطنوه.
قَبْضَةً المرة من القبض.
مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ أي من أثر فرس الرسول ، يعنى جبريل عليه السلام.
فَنَبَذْتُها فطرحتها فى العجل.
سَوَّلَتْ زينت.
97 - قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً :
قالَ القائل موسى.
فَاذْهَبْ أي من بيننا. والمخاطب السامري.
لا مِساسَ علم للمس ، أي لا أمس شيئا ولا يمسنى شىء طول الحياة ، يعنى أن موسى نفاه عن قومه وأمر بنى إسرائيل ألا يخالطوه ولا يقربوه عقوبة له ، وهكذا جعل موسى عقوبة السامري ألا يماس الناس ولا يماسوه.
وَ إِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ يعنى يوم القيامة. أي ان لك وعدا لعذابك لن يخلف اللّه موعده.
الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ أي دمت عليه وأقمت.
عاكِفاً ملازما.
لَنُحَرِّقَنَّهُ لنبردنّه ونحك بعضه ببعض.
ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ ثم لنطيرنه. والنسف : نقض الشيء لتذهب به الريح ، وهو التذرية.

(1/4591)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 306
[سورة طه (20) : الآيات 98 الى 99]
إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99)
98 - إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً :
وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أي وسع علمه كل شىء.
99 - كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً :
كَذلِكَ الكاف فى موضع نصب نعت لمصدر محذوف ، أي كما قصصنا عليك خبر موسى كذلك نقص عليك.
ذِكْراً يعنى القرآن الكريم.
[سورة طه (20) : الآيات 100 الى 103]
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (100) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (103)
100 - مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً :
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ أي عن ذكرى. وتوحيد الضمير حملا على اللفظ.
وِزْراً أي عقوبة ثقيلة باهظة ، سماها وزرا تشبيها فى ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الذي يفدح الحامل وينقض ظهره.
101 - خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا :
فِيهِ أي فى ذلك الوزر.
ساءَ أي بئس.
102 - يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً :
زُرْقاً حال من المجرمين. والزرقة أبغض شىء من الألوان الى العرب.
103 - يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً :
يَتَخافَتُونَ يتسارون.
إِنْ لَبِثْتُمْ أي ما لبثتم ، يعنى فى الدنيا ، أي يقول بعضهم لبعض فى الموقف سرا ما لبثتم فى الدنيا الا عشرا.
إِلَّا عَشْراً أي عشر ليال.

(1/4592)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 307
[سورة طه (20) : الآيات 104 الى 109]
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (104) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (106) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (108)
يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (109)
104 - نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً :
أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً أقربهم الى تصور شعورهم.
105 - وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً :
يَنْسِفُها يجعلها كالرمال.
106 - فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً :
فَيَذَرُها أي فيذر مقارها ومراكزها. أو الضمير للأرض وان لم يجر لها ذكر قاعاً صَفْصَفاً القاع : الأرض الملساء. والصفصف : المستوي.
107 - لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً :
وَ لا أَمْتاً أي نتوءا يسيرا.
108 - يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً :
لا عِوَجَ لَهُ أي لا يعوجّ له مدعو ، بل يستوون اليه من غير انحراف متبعين لصوته.
وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ أي خفضت الأصوات من شدة الفزع وخفتت.
فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً وهو الركز الخفي.
109 - يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا :
إِلَّا مَنْ من ، فى موضع نصب على الاستثناء ، أي لا تنفع الشفاعة أحدا إلا شفاعة من أذن له الرحمن.
وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا أي رضى قوله فى الشفاعة.

(1/4593)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 308
[سورة طه (20) : الآيات 110 الى 114]
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (112) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114)
110 - يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً :
أي يعلم ما تقدمهم من الأحوال وما يستقبلونه ، ولا يحيطون بمعلوماته علما.
111 - وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً :
وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ ذلت وخشعت.
وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً أي كل من ظلم فهو خائب خاسر.
112 - وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً :
ظُلْماً الظلم : أن يأخذ من صاحبه فوق حقه.
وَ لا هَضْماً : الهضم : أن يكسر من حق أخيه فلا يوفيه له.
113 - وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً :
وَ كَذلِكَ أي ومثل ذلك الإنزال ، وكما أنزلنا عليك هؤلاء الآيات المضمنة للوعيد.
أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا أنزلنا القرآن كله على هذه الوتيرة.
وَ صَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ أي بينا ما فيه من التخويف والتهديد والعقاب.
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي يخافون اللّه فيجتنبون معاصيه.
أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً أي موعظة.
114 - فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً :
فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ استعظام له تعالى.
وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ يعلّم اللّه نبيه كيف يتلقى القرآن ، فكان عليه السلام يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل من الوحى حرصا على الحفظ.
وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً أي فهما.

(1/4594)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 309
[سورة طه (20) : الآيات 115 الى 121]
وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (116) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (117) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (119)
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (120) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (121)
115 - وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً :
وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ وهو ألا يأكل من الشجرة.
وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً صبرا.
116 - وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى :
وَ إِذْ منصوب بمضمر ، أي واذكر وقت.
117 - فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى :
فَلا يُخْرِجَنَّكُما فلا يكونن سببا لإخراجكما.
فَتَشْقى أسند الى آدم وحده فعل الشقاء دون حواء بعد إشراكهما فى الخروج ، لأن فى ضمن شقاء الرجل شقاء أهله ، إذ هو قيمهم.
118 - إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى :
فِيها أي فى الجنة.
119 - وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى :
تَضْحى أي تبرز للشمس فتجد حرها.
120 - فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى :
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ أي أنهى اليه الوسوسة.
121 - فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى :
مِنْها أي من شجرة الخلد.
وَ طَفِقا أخذا وجعلا.
يَخْصِفانِ عَلَيْهِما أي يلزقان الورق بسوآتهما للتستر.
فَغَوى فضل سواء السبيل.

(1/4595)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 310
[سورة طه (20) : الآيات 122 الى 126]
ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (122) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (124) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (126)
122 - ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى :
ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ ثم قبله بعد التوبة وقربه اليه.
وَ هَدى أي وفقه لحفظ التوبة.
123 - قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى :
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ على لفظ الجماعة لأنهما أصل البشر ، فخوطبا مخاطبتهم.
هُدىً كتاب وشريعة.
124 - وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى :
ضَنْكاً وصف بالمصدر ، ويستوى فى الوصف به المذكر والمؤنث.
ومعيشة ضنكا ، أي عيشا ضيقا.
أَعْمى يتخبط فى أمره لا يهتدى لمخرج.
125 - قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً :
قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى لا أهتدى لشىء.
وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً فى الدنيا أملك أن أهتدى ، وفيه تحسر على ما فات وكأنه يتمنى أن لو رزق البصر بعد أن رأى العذاب واقع.
126 - قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى :
كَذلِكَ أي مثل ذلك فعلت أنت.
أَتَتْكَ آياتُنا واضحة.
فَنَسِيتَها قبل أن تنظر إليها بعين المعتبر.
وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى نتركك على عماك وإغماضك عينيك عن الهدى.

(1/4596)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 311
[سورة طه (20) : الآيات 127 الى 130]
وَ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (128) وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130)
127 - وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى :
مَنْ أَسْرَفَ من جاوز الحد فى إغماضه عينيه عن الهدى واسترساله فى المعاصي.
وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ على إسرافه.
أَشَدُّ يفوق شدة إسرافه ، فكما غالى فى الإسراف سوف يغالى له فى العذاب.
وَ أَبْقى أي إن إسرافه إلى زوال وعذابه إلى بقاء.
128 - أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى :
أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ أفلم يتبين لهم ، يعنى قريشا.
يَمْشُونَ الضمير لقريش.
فِي مَساكِنِهِمْ أي فى مساكن من أهلكنا ويعاينون آثار هلاكهم.
لِأُولِي النُّهى من لهم عقول يتدبرون بها.
129 - وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى :
كَلِمَةٌ سَبَقَتْ العدة بتأخير جزائهم الى الآخرة.
لَكانَ لِزاماً لكان مثل إهلاكنا من قبلهم لازما لهؤلاء الكفرة ، واللزام ، إما مصدر للفعل (لازم) وصف به. واما فعال بمعنى مفعل ، أي ملزم.
وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عطف على قوله كَلِمَةٌ أو على الضمير فى كان أي لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم كما كانا لازمين لعاد وثمود ، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل.
130 - فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى :

(1/4597)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 312
بِحَمْدِ رَبِّكَ فى موضع الحال ، أي وأنت حامد لربك على أن وفقك للتسبيح وأعانك عليه.
والتسبيح ، على ظاهره ، أو المراد به الصلاة.
لَعَلَّكَ تَرْضى أي تطمئن نفسا بأن قد فعلت ما تنال به الرضا من ربك.
[سورة طه (20) : الآيات 131 الى 132]
وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (132)
131 - وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى :
وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ولا تطيلن النظر.
أَزْواجاً مِنْهُمْ أصنافا من الكفرة.
زَهْرَةَ النصب على الاختصاص ، أو على تضمين مَتَّعْنا معنى : أعطينا وخولنا.
لِنَفْتِنَهُمْ لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب.
وَ رِزْقُ رَبِّكَ ما ادخر له من ثواب الآخرة ، أو ما رزقه من نعمة الإسلام والنبوة.
خَيْرٌ منه فى نفسه.
وَ أَبْقى وأدوم.
132 - وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى :
وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ أي وأقبل أنت مع أهلك على عبادة اللّه والصلاة.
وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها واستعينوا بها على خصاصتكم.
لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً ولا تهتم بأمر الرزق والمعيشة ولا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك.
نَحْنُ نَرْزُقُكَ فإن رزقك مكفى عندنا ونحن رازقوك.
وَ الْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى ففرغ بالك لأمر الآخرة فالجنة لأهل التقوى.

(1/4598)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 313
[سورة طه (20) : الآيات 133 الى 135]
وَ قالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (135)
133 - وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى :
وَ قالُوا يريد كفار مكة.
لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ أي محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم بآية ظاهرة.
ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى يريد التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة.
134 - وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى :
مِنْ قَبْلِهِ أي من قبل بعثة محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم ونزول القرآن.
لَقالُوا أي يوم القيامة.
لَوْ لا أي هلا.
135 - قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى :
كُلٌّ أي كل واحد منا ومنكم.
مُتَرَبِّصٌ للعاقبة ولما يؤول اليه أمرنا وأمركم.
السَّوِيِّ المستقيم.

(1/4599)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 314
(21) سورة الأنبياء
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)
1 - اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ :
لِلنَّاسِ اللام ، صلة للفعل اقْتَرَبَ أو تأكيد لإضافة الحساب إليهم.
مُعْرِضُونَ عن التأهب للحساب.
2 - ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ :
مِنْ ذِكْرٍ الطائفة النازلة من القرآن.
وَ هُمْ يَلْعَبُونَ وهم يلهون.
3 - لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ :
لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ غافلة ذاهلة.
وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى أخفوا ما يتناجون به وما يتسارون.
الَّذِينَ ظَلَمُوا بدل من الواو فى وَأَسَرُّوا.
هَلْ هذا فى محل النصب بدل من النَّجْوَى أي وأسروا هذا الحديث.
أَ فَتَأْتُونَالسِّحْرَ
أ فتحضرون السحر.
وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ وأنتم تشاهدون وتعاينون أنه سحر.
فلقد كانوا يعتقدون أن كل من ادعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر ، فلذلك قالوا هذا على سبيل الإنكار.

(1/4600)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 315
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 4 الى 8]
قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (8)
4 - قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ :
يَعْلَمُ الْقَوْلَ سره وجهره.
فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي لا يخفى عليه شىء فيهما وما كانت نجواهم لتغيب عن سمعه وعلمه.
5 - بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ :
أَضْغاثُ أَحْلامٍ أخلاط كالأحلام المختلطة ، أي أهاويل رآها فى المنام.
بَلِ افْتَراهُ بل اختلقه ، لما رأوا أن الأمر ليس كما ادعوا أولا انتقلوا الى هذا الادعاء الثاني.
كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ أي كما أرسل موسى بالعصا وغيرها من الآيات.
6 - ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ :
أي إنهم ، أعنى من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات ، وعاهدوا أنهم يؤمنون عندها ، فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا ، فأهلكهم اللّه ، فلو أعطيناهم ما يقترحون لكانوا أنكث.
7 - وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ :
أَهْلَ الذِّكْرِ أي أهل الكتاب كى يعلموهم أن رسل اللّه الموحى إليهم كانوا بشرا ولم يكونوا ملائكة كما اعتقدوا.
8 - وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ :
لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ صفة لقوله جَسَداً. والمعنى : وما جعلنا الأنبياء عليهم السلام قبله ذوى جسد غير طاعمين.
وَ ما كانُوا خالِدِينَ أي يموتون كما نموت.

(1/4601)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 316
[سورة الأنبياء (21) : آية 9]
ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9)
9 - ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ :
ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ يعنى الأنبياء.
وَ مَنْ نَشاءُ أي الذين صدقوا الأنبياء.
الْمُسْرِفِينَ أي المشركين.
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 15]
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (14)
فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (15)
10 - لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ :
فِيهِ ذِكْرُكُمْ شرفكم وصيتكم ، أو موعظتكم.
11 - وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ :
وَ كَمْ قَصَمْنا أي أهلكنا. والقصم : أفظع الكسر.
مِنْ قَرْيَةٍ أي أهل قرية.
12 - فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ :
يَرْكُضُونَ يخفّون هاربين من قريتهم لما رأوا بوادر العذاب.
13 - لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ :
إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ من العيش الرافه والحال الناعمة.
لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ تهكم بهم. أي لعلكم تسألون عما حل بكم.
14 - قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ :
اعترفوا بأنهم ظلموا حين لا ينفع الاعتراف.
15 - فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ :
تِلْكَ اشارة الى قولهم يا وَيْلَنا.
دَعْواهُمْ أي دعوتهم.
حَصِيداً الحصيد : الزرع المحصود ، أي جعلناهم رمادا.

(1/4602)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 317
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 16 الى 22]
وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20)
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)
16 - وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ :
لاعِبِينَ أي عبثا وباطلا.
17 - لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ :
مِنْ لَدُنَّا أي من جهة قدرتنا.
إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ تأكيد لانتفاء العبث عن أفعاله جل وعلا.
18 - بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ :
بَلْ إضراب عن اتخاذ اللهو واللعب وتنزيه منه لذاته.
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ أي ندحض الباطل بالحق.
فَيَدْمَغُهُ فيبطله ويمحقه.
مِمَّا تَصِفُونَ أي مما تصفونه به مما لا يجوز عليه وعلى حكمته.
19 - وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ :
وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ أي ولا يعيون.
20 - يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ :
لا يَفْتُرُونَ أي لا يضيقون ولا يسأمون.
21 - أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ :
هُمْ يُنْشِرُونَ أي يحيون الموتى. ينكر عليهم أن يكون آلهتهم التي اتخذوا من الأرض لها قدرة على الإحياء.
22 - لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ :
لَفَسَدَتا أي الأرض والسماء.
فَسُبْحانَ اللَّهِ أن تنزه اللّه عن أن يكون له شريك فى ملكه.
عَمَّا يَصِفُونَ أي عما يصفونه به من الشركة.

(1/4603)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 318
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 23 الى 28]
لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)
23 - لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ :
وَ هُمْ يُسْئَلُونَ أي الأرباب الذين اتخذوهم آلهة ، أي هم مملوكون مستعبدون يحاسبون على ما فعلوا وهو فوقهم جميعا سائلهم ومحاسبهم على ما فعلوا.
24 - أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ :
قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ أي وصفتم اللّه تعالى بأن له شركاء فهاتوا برهانكم على ذلك.
هذا ذِكْرُ أي الوحى الوارد فى معنى توحيد اللّه ونفى الشركاء عنه ، كما ورد علىّ ، فقد ورد على جميع الأنبياء ، فهو ذكر ، أي موعظة للذين معى ، يعنى أمته ، وذكر للذين من قبلى ، يريد أمم الأنبياء عليهم السلام.
مُعْرِضُونَ عن الحق.
25 - وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ :
توكيد لما سبق من أن توحيد اللّه وتنزيهه عن الشركاء ، هو ما عليه الأنبياء جميعا فلا حجة لكم فاتجهوا بالعبادة لهذا الواحد الأحد.
26 - وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ :
وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً يعنى من قالوا إن الملائكة بنات اللّه.
مُكْرَمُونَ مقربون.
27 - لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ :
أي يتبعون قوله ولا يقولون شيئا حتى يقوله ، فلا يسبق قولهم قوله ، وعملهم كذلك مبنى على أمره.
28 - يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ :

(1/4604)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 319
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ أي جميع ما يأتون ويذرون ، مما قدموا وأخروا ، بعين اللّه.
وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى ورعاية منهم للعبودية لا يسألون شفاعة الا لمن ارتضاه اللّه لأن يشفع له.
وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وهم مع هذا من خوف اللّه وجلون.
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 29 الى 31]
وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)
29 - وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ :
كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ أي كما نجزى من ادعى أنه إله النار كذلك نجزى الظالمين الواضعين الألوهية والعبادة فى غير موضعهما.
30 - أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ :
كانَتا رَتْقاً على تقدير موصوف ، أي كانتا شيئا رتقا ، أي إن السماء كانت لاصقة بالأرض لافضاء بينهما.
فَفَتَقْناهُما ففصل ما بينهما.
31 - وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ :
رَواسِيَ جبالا ثابتة.
أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ أي لئلا تميد بهم ، فحذف (لا) واللام ، أي لئلا تضطرب بهم.
فِجاجاً فى موضع الحال ، وفجاجا ، أي واسعة. وإذا تقدم الوصف على الموصوف وقع حالا.
سُبُلًا طرقا. أي إنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة. ولو تأخرت الصفة كما فى قوله تعالى لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً لكان المراد أنه جعل فيها طرقا واسعة.

(1/4605)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 320
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 32 الى 36]
وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (35) وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36)
32 - وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ :
مَحْفُوظاً من أن يقع ويسقط على الأرض.
عَنْ آياتِها أي عما وضع اللّه فيها من الأدلة والعبر.
33 - وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ :
كُلٌّ بالتنوين الذي هو عوض من المضاف اليه ، أي كلهم.
فِي فَلَكٍ أي فى مدار.
يَسْبَحُونَ الضمير للشمس والقمر ، والمراد بهما جنس الطوالع كل يوم وليلة ، جعلوها متكاثرة تكاثر مطالعها ، وهو السبب فى جمعهما بالشموس والأقمار.
34 - وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ :
أي قضى اللّه أن لا يخلّد فى الدنيا بشرا ، فلا أنت ولا هم الا عرضة للموت ، وإذا كان الأمر كذلك أفإن مت أنت أيبقى هؤلاء؟ وهذا لأنهم كانوا يقدرون أنه سيموت فيشمتون بموته ، فنفى اللّه تعالى عنه الشماتة بهذه الآية.
35 - كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ :
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ أي إلى فناء.
وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ أي نختبركم بما يجب فيه الصبر من البلايا ، وما يجب فيه الشكر من النعم.
وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ وإلينا مرجعكم فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر أو الشكر.
36 - وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ :
إِنْ يَتَّخِذُونَكَ ما يتخذونك.

(1/4606)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 321
إِلَّا هُزُواً يستهزئون بك.
أَ هذَا الَّذِي أي : يقولون : أهذا الذي؟ فأضمر القول ، وهو جواب إِذا.
يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ بالسوء والعيب.
وَ هُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ أي بالقرآن.
هُمْ كافِرُونَ هم ، توكيد كفرهم ، أي هم الكافرون ، مبالغة فى وصفهم بالكفر.
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 37 الى 39]
خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)
37 - خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ :
خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ إشارة الى استعجالهم آيات اللّه.
سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ نهى لهم عن الاستعجال وزجر.
38 - وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ :
وَ يَقُولُونَ الضمير للكفار.
الْوَعْدُ أي الموعود ، أو الوعيد الذي يعدنا من عذاب. وقيل :
القيامة.
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يا معشر المؤمنين.
39 - لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ :
لَوْ جوابها محذوف ، أي لو يعلمون مصيرهم لما كانوا بتلك الصفة من الكفر واستهزائهم بالرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
حِينَ مفعول به للفعل يَعْلَمُ أي لو يعلمون الوقت.
لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ حين تحيط بهم فلا يقدرون على دفعها.

(1/4607)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 322
وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ أي لا يجدون ناصرا ينصرهم.
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 40 الى 43]
بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (41) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)
40 - بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ :
بَلْ تَأْتِيهِمْ أي الساعة التي يستعجلونها.
بَغْتَةً على غرة من حيث لا يشعرون ويقدرون.
فَتَبْهَتُهُمْ فإذا هم مبهوتون متحيرون.
وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ أي ولا يؤخرون ولا يمهلون.
41 - وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ :
فَحاقَ فأحاط.
بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ أي بالكافرين الذين سخروا من الرسل.
ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي جزاء استهزائهم.
42 - قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ :
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ يحرسكم ويحفظكم.
مِنَ الرَّحْمنِ من بأسه وعذابه.
بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ أي لا يلقون بالا لما يذكّرهم بربهم وآياته.
43 - أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ :
أَمْ لَهُمْ أي ألهم.

(1/4608)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 323
مِنْ دُونِنا أي مما نريده بهم.
لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ أي هؤلاء الآلهة.
وَ لا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ أي يجارون ويمنعون. أي كما لا يملكون لأنفسهم نصرا كذلك لا يملكون أن يجيرهم مجير مما يريد اللّه بهم.
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 46]
بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (46)
44 - بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ :
بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ يريد أهل مكة ، أي بسطنا لهم ولآبائهم فى نعيمها.
حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ فى النعمة وظنوا أنها لا تزول عنهم.
أَ فَلا يَرَوْنَ تذكير لهم بالاعتبار والتدبر فى قدرة اللّه.
نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها بالظهور عليها لك يا محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم أرضا بعد أرض وفتحها بلدا بعد بلد ، مما حول مكة.
أَ فَهُمُ الْغالِبُونَ ردهم الى الاعتبار بما لهم من حول الى جانب حول اللّه غير مغترين بما نعموا به من نعيم طويل هم وآباؤهم.
45 - قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ :
قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ أي بما يوحى الى من قرآن فيه الوعيد لمن خالف ولم يستجب.
وَ لا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ يصف حالهم وما هم عليه من إغفال لاستماع النذر فعل الأصم يفوت عليه ما يلقى اليه من تحذير فيهلك.
46 - وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ :
نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ طرف منه.

(1/4609)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 324
لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا يصيحون صيحة المتردى فى العذاب.
إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ مقرين على أنفسهم بحقيقة ما كانوا عليه فى دنياهم حين لم يستجيبوا للرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 47 الى 49]
وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)
47 - وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ :
الْمَوازِينَ الْقِسْطَ وصف الموازين بالقسط ، وهو العدل ، مبالغة كأنها فى أنفسها قسط ، أو هى على حذف مضاف ، أي ذوات القسط.
لِيَوْمِ الْقِيامَةِ أي لأجل يوم القيامة ، ولأهل يوم القيامة.
فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً أي لا ينقص من إحسان محسن ، ولا يزاد فى إساءة مسىء.
أَتَيْنا بِها أي جازينا بها.
وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ أي مجازين على ما قدموا من خير أو شر.
48 - وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ :
الْفُرْقانَ التوراة.
وَ ضِياءً أي وأتينا به ضياء. أي إنه فى نفسه ضياء وذكر.
يعنى : وآتيناهما بما فيه من الشرائع والمواعظ ضياء وذكر.
49 - الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ :
الَّذِينَ فى محل جر على الوصفية ، أو نصب على المدح ، أو رفع عليه أيضا.
بِالْغَيْبِ نظرا واستدلالا ، لا عن مشاهدة ، وهذه أقوى الإيمان.
مُشْفِقُونَ خائفون وجلون.

(1/4610)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 325
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 50 الى 55]
وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50) وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (51) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (52) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (53) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (54)
قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (55)
50 - وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ :
وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ يعنى القرآن. وبركته : كثرة ما فيه من نفع وخير.
أَ فَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ جاحدون به.
51 - وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ :
وَ لَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ أي وفقناه للهدى وللنظر والاستدلال.
مِنْ قَبْلُ أي من قبل النبوة ، أو من قبل موسى وهارون.
وَ كُنَّا بِهِ عالِمِينَ أي إنه أهل لإيتاء الرشد.
52 - إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ :
إِذْ متعلق بقوله آتَيْنا أو بقوله رُشْدَهُ أو بمحذوف ، تقديره : اذكر ، أي : اذكر من أوقات رشده هذا الوقت.
ما هذِهِ التَّماثِيلُ تجاهل لشأنها.
أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ أي قائمون.
53 - قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ :
أي نعبدها أسوة بآبائنا.
54 - قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ :
أَنْتُمْ تأكيد ، جىء به ليصح العطف.
مُبِينٍ بين جلى لمن له أدنى مسكة من عقل.
55 - قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ :
يقولون : أهذا الذي تقوله جد وحق ، أم هو لون من ألوان الهزل؟
يعنون : أأنت جاد أم هازل فى دعواك؟ وكأنهم قد دهشوا حين فاجأهم إبراهيم بما قال.

(1/4611)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 326
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 56 الى 58]
قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)
56 - قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ :
بَلْ للإضراب ، أي لست بهازل.
رَبُّكُمْ أي وإذا كنتم متخذين ربا فاتجهوا بالعبودية لمن خلق السموات والأرض ، لا لمن هو مخلوق.
الَّذِي فَطَرَهُنَّ أي خلقهن وأبدعهن ، يعنى السموات والأرض.
وَ أَنَا عَلى ذلِكُمْ على أنه الخالق المبدع ، ولا خالق ولا مبدع سواه.
مِنَ الشَّاهِدِينَ من المصدقين بصدق استدلالى.
57 - وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ :
وَ تَاللَّهِ القسم باللّه توكيد منه لهم بإثبات الألوهية ، ولفت منه لهم بأن يؤلهوا ما أله.
لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ أي لأفعلن بها ما يدل على امتهانى لها.
بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا بعد أن تذهبوا.
مُدْبِرِينَ راجعين الى مقاركم.
58 - فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ :
فَجَعَلَهُمْ أي صيرهم ، يعنى الأصنام ، وأعاد إليهم ضمير العقلاء من قبل التهكم.
جُذاذاً أي قطعا وفتاتا.
إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ أي للأصنام ، يعنى صنما جعلوه على رأس تلك الأصنام.
لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ بالسؤال عما حاق بالأصنام بين يديه.

(1/4612)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 327
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 59 الى 64]
قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (60) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (62) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (63)
فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)
59 - قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ :
مَنْ فَعَلَ أي الذي فعل.
إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ أي من العادين دون حق.
60 - قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ :
سَمِعْنا فَتًى فيه ما يدل على سن ابراهيم عندها.
يَذْكُرُهُمْ بعيب.
61 - قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ :
فَأْتُوا بِهِ فأحضروه.
عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ معاينين له ومشاهدين إياه.
لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ يقرون عليه بما سمعوه منه.
62 - قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ :
سألوه سؤال المستوثق ليضموا الى إقراره بالتهديد إقراره بالفعل.
63 - قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ :
قالَ القائل : إبراهيم.
بَلْ أي لم أفعله بل فعله.
كَبِيرُهُمْ أي كبير الأصنام الذي تركه إبراهيم ولم يكسره.
فَسْئَلُوهُمْ أي الأصنام المهشمة لتقول ما فعله بهم كبيرهم.
و فى هذا من التهكم ما فيه لعلهم يرتدون الى عقولهم ، فيعلموا أن هذا من فعل فاعل ، وأن هذا الفاعل لم يكن غير إبراهيم ، فهو إقرار منه خفى بفعله ليوقظ مداركهم.
64 - فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ :

(1/4613)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 328
و لقد أفلح إبراهيم فيما قصد إليه فإذا هم يعلمون أن الظالمين المجاوزين الحق هم لا إبراهيم.
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 65 الى 68]
ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (65) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (68)
65 - ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ :
ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ أي عادوا الى جهلهم وعنادهم ، وقيل :
طأطئوا رؤوسهم خجلا من ابراهيم.
لَقَدْ عَلِمْتَ قالوا : لقد علمت ، والخطاب لإبراهيم.
ما هؤُلاءِ أي الأصنام.
يَنْطِقُونَ رجوع منهم الى قول إبراهيم لهم قبل : فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ وكأنهم يريدون بهذا أن تكون لهم الحجة عليه.
66 - قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ :
و إذ قد أقروا بعجز آلهتهم اتجه إليهم ابراهيم يردهم عن عبادة ما تبين عجزه الى عبادة من ثبتت قدرته وهو اللّه الذي بيده النفع والضر.
67 - أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ :
أُفٍّ كلمة تضجر وتأفف.
لَكُمْ حيث غابت عقولكم.
وَ لِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حيث هانت وصغرت شأنا.
أَ فَلا تَعْقِلُونَ أفلا ترتدون الى عقولكم فتحكموها.
68 - قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ :
قالُوا حَرِّقُوهُ أي ألقوه فى النار ، وهذا شأن من انقطعت به الحجة.
وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ وردوا الى آلهتكم جلالها بعد أن امتهنها ابراهيم وحط من شأنها.

(1/4614)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 329
إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ شيئا تنصرون به آلهتكم.
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 69 الى 73]
قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (69) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (71) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (72) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73)
69 - قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ :
كُونِي أمر ممن أمره للشىء : كن فيكون.
بَرْداً لا حر لاذع فيك.
وَ سَلاماً أي بردا غير مؤذ.
70 - وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ :
وَ أَرادُوا بِهِ كَيْداً أي إيذاء وضرا لتعلو كلمتهم ويخسر هو كسبه إياهم على الايمان.
فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ إذ خسروا ما أرادوه من ضر ، كما خسروا أن يكونوا من المهتدين.
71 - وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ :
وَ نَجَّيْناهُ وَلُوطاً أي نجينا إبراهيم ولوطا.
إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ أرض الشام ، وكانا بالعراق.
72 - وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ :
نافِلَةً النافلة : ولد الولد ، وقيل : سأل إسحاق فأعطيه ، وأعطى يعقوب نافلة ، أي زيادة وفضلا من غير سؤال.
73 - وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ :
وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً أي رؤساء يقتدى بهم فى الخيرات وأعمال الطاعات.
يَهْدُونَ بِأَمْرِنا أي بما أنزل عليهم من الوحى والأمر والنهى.
وقيل : يهدون الناس إلى ديننا بأمرنا إياهم بإرشاد الخلق ، ودعائهم الى التوحيد.

(1/4615)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 330
وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ أي أن يفعلوا الطاعات.
وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ مطيعين.
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 74 الى 77]
وَ لُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (77)
74 - وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ :
وَ لُوطاً منصوب بفعل مضمر دل عليه المذكور ، أي آتينا لوطا آتيناه. وقيل : واذكر.
حُكْماً أي النبوة.
وَ عِلْماً معرفة بأمر الدين.
وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ يريد سدوم.
قَوْمَ سَوْءٍ أي خارجين عن طاعة اللّه.
75 - وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ :
فِي رَحْمَتِنا أي إنجاءه من قومه.
76 - وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ :
وَ نُوحاً أي واذكر نوحا.
إِذْ نادى إذ دعا.
مِنْ قَبْلُ أي من قبل ابراهيم ولوط.
وَ أَهْلَهُ يعنى المؤمنين.
مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ أي من الغرق.
77 - وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ :
مِنَ الْقَوْمِ أي على القوم. وقيل : انتقمنا له من القوم.

(1/4616)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 331
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 80]
وَ داوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (80)
78 - وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ :
وَ داوُدَ وَسُلَيْمانَ أي واذكر داود وسليمان.
فِي الْحَرْثِ فى الزرع.
إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ أي رعت فيه ليلا. والنفش : الرعي بالليل.
وَ كُنَّا لِحُكْمِهِمْ فيه دليل على أن أقل الجمع اثنان. وقيل : المراد :
الحاكمان والمحكوم عليه.
شاهِدِينَ غير غائبين عنه نعلم علمه.
79 - فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ :
فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ أي فهمناه القضية والحكومة ، فكنى عنها إذ سبق ما يدل عليها.
وفضل حكم سليمان حكم أبيه فى أنه رأى أن يبقى ملك كل واحد منهما على متاعه وتبقى نفسه طيبة بذلك على حين رأى داود عليه السلام أن يدفع الغنم الى صاحب الحرث.
يُسَبِّحْنَ بتسبيحه.
وَ كُنَّا فاعِلِينَ أي قادرين على أن نفعل هذا.
80 - وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ :
وَ عَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ يعنى اتخاذ الدروع بإلانة الحديد له.
لِتُحْصِنَكُمْ لنجعلكم فى حرز.
مِنْ بَأْسِكُمْ من حربكم.

(1/4617)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 332
فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ على تيسير نعمة الدروع لكم.
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 81 الى 84]
وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (82) وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84)
81 - وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ :
وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً أي وسخرنا لسليمان الريح عاصفة ، أي شديدة الهبوب.
إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها أي الشام.
وَ كُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ أي كل شىء عملناه عالمين بتدبيره.
82 - وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ :
وَ مِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ أي وسخرنا له من الشياطين من يغوصون تحت الماء ليستخرجوا له ما فى جوف البحر من جواهر.
وَ يَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ أي سوى ذلك من الغوص.
وَ كُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ أي لأعمالهم.
83 - وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ :
وَ أَيُّوبَ أي واذكر أيوب.
أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ أي نالنى ضر فى بدني ومالى وأهلى.
84 - فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ :
فَاسْتَجَبْنا لَهُ أي لدعائه.
فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ فأزحناه عنه.
وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ أي رزقناه أولادا بقدر ما فقد.
وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ أي وزدناه مثلهم. ==

====

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جلد 3. الحيوان للجاحظ /الجزء الثالث

  الجزء الثالث بسم الله الرحمن الرحيم فاتحة استنشاط القارئ ببعض الهزل وإن كنَّا قد أمَلْلناك بالجِدِّ وبالاحتجاجاتِ الصحيحة والم...