كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس


مراجع في المصطلح واللغة

مراجع في المصطلح واللغة

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 مايو 2022

البحث العروضي والبلاغي في لسان العرب دراسة مع معجم بمصطلحات العروض والبلاغة تأليف د. عامر مهدي صالح

077


البحث العروضي والبلاغي في لسان العرب دراسة مع معجم بمصطلحات العروض والبلاغة  تأليف  د. عامر مهدي صالح  

 البحث العروضي والبلاغي في لسان العرب 

دراسة مع معجم بمصطلحات العروض والبلاغة

تأليف د. عامر مهدي صالح

العلواني 

الإهداء إلى ابنتَي .. بلنسية وجلنار   .. وأمهما الأعز .. عذراً ، بيد أنه قيل : ماءٌ راكدٌ خيرٌ من ظمأ مميت

وبحةُ المؤذنِ خير ٌ من صمتِ المآذن 

عامر 

المقدمة 

الحمد لله حتى يرضى ، والصلاة والسلام على محمدٍ وآله وصحبه ، وبعد

فلا يخفى على طالب علم كم هي الحاجة ملحةٌ إلى إفراد مصطلحات العروض والبلاغة بمعاجم ، ولاسيما معجم لمصطلحات العروض يجمع ما يحتاج إليه كل باحث في حد مصطلحٍ أو بيان مفهومٍ ، لا سيما وأن مصطلحات العروض العربي تذكر في مظانها متفرقة يُكتفى بذكرها أول مرةٍ ثم لا يعاد لتعريفها إن ذكرت ثانية وثالثة مما يجعل الرجوع إلى حدِّها متعسراً على كثيرٍ من طلبة هذا العلم ، وقد لا يستوفي كتاب من كتب هذا العلم جميع مصطلحاته ، فما يذكره كتابٌ قد يغفله آخر وليس جميع هذه الكتب في متناول اليد ، فرأيت أن أجمع لهذه المصطلحات كتاباً يعرض لها مرتبةً على حروف الهجاء ليسهل العود إليها ، بيد أنها كانت عسيرة ً في الجمع لأنني أردت أن أضع لكل مصلحٍ تعريفاً أخرجه من مصدرٍ يمكِّن للباحث  أن يحيل عليه ولا يكون كتاباً محدثاً أو مرجعاً أخذ مادة التعريف عن غيره ، وهو مما لا يتوافق مع متطلبات البحث العلمي ، الأمر الذي قادني للنظر في معاجم اللغة فرأيت ابن منظور قد جمع من مباحث العروض غير قليل ، وله أشارات جيدة في البلاغة ، واستقصى في مادة معجمه خمسة معاجم من الأصول فقد جمع فيه بين ( تهذيب الأزهري ) و ( محكم بن سيده ) و ( صحاح الجوهري ) وحواشيه و ( جمهرة ابن دريد ) و ( نهاية ابن الأثير ) مستوعباً موادها ضامَّـاً بعضها إلى بعضٍ مما يجعل معجمه نواةً لما كنت به دائماً أحلم ، وهو أن أستوعب كل ما قيل عن العروض والبلاغة في معاجم اللغة فقرأت موادَّه مادةً مادة حتى صار يقيناً ظنُّ الأمس وتجمعت عندي مصطلحاتٌ كثيرة قد لا أحظى لها بتعريفٍ يوازي تعريفه أو تعريف غيره مما نقله في معجمه ، فصارت بعد ترتيبها تعاريف مستخرجة من واحدٍ من أهم معاجم العربية وأوسعها بعد التاج ، لا سيما إذا تنبهنا إلى ما قد يذكر من مصطلحات خاصة بهذا العالم أو ذاك مما قد يحمل معنى يخالف تعريفاتها في كتب الفن دون أن ينبه على خصوصية هذا أهله .

ولست أدعي أني أول محاولٍ جمع معجم خاص بمصطلحات العروض والبلاغة  فلقد سبقني إلى هذا الدرب من هو أعلم مني به ، بيد أني أدعي لنفسي أني أول من استخرجها من مصدر واحدٍ لا جدل في أنه من أصحِّ معاجمهم وأوسعها مما يجعل الإحالة على حدوده موثوقاً بها ، يطْمَئِنُ الآخِذُ بها أنها مما اجتمعت عليه كلمات ستٍّ من جهابذة اللغة إذ لو ذكر أحدهم شيئاً غير ما نص عليه ابن منظور لعُدَّ مخالفة لمنهجهه ، الذي أخلص له في لسانه ، إلا في مواضعَ لا يتجاوز عددها عددَ أصابع اليدين نصَّ عليها من جاء بعده في تصحيحاتهم على اللسان واستدراكاتهم ، وقد عدتُ إليها فلم أجد منها ما يتعلق بما أنا بصدده ، فاطمأن قلبي بما قمت به . 

وقد جعلته باللسان خالصاً لما تقدم ، وقد كنت سبقته ببحثٍ موقوفٍ على تاج العروس وما ورد فيه من مصطلحٍ عروضي أو بلاغي ، يسر الله لي أن أجمع بينهما ليجتمع المعجم الذي أريد جامعاً لما ورد في اللسان ومصادره والتاج ومصادره ولو لم يكن غير القاموس في مواده لكان في ذلك كفاية .

ثمت أني لا أدعي هنا صواباً كاملاً فربما تفلت مني ما لا يسع مثلي حصره وإن لم أدخر في ذلك وسعاً ، فلطالما وصلت الليل بالنهار مدة ثلاث سنوات في جمع موادِّهما ، لكنها عصارة المبتدي وجهد المقل وليس في غير كتاب الله عصمة عن الخطأ . 

ترجمة ابن منظور  (( [1]  ))

 

هو محمَّدُ بنُ جَلالِ الدِّينِ أبو العِزِّ مكرَّمُ ( بتشديد الراء ) بنُ نجيبِ الدِّينِ أبو الحسنِ عليُّ ، وقيلَ : رضوانُ ،  بنُ أحمدَ بنُ أبي القاسمِ بنُ حنفيةَ ابنُ منظور ، جمالُ الدِّينِ أبو الفضلِ الأنصاريُّ الرويفعيُّ الإفريقيُّ ثمَّ المصريُّ  ، هذا ما ذكرته الكتب من اسمه ، والغريب أن من ترجم له لم يتنبه إلى أنه ذكر نسبه كاملاً في مادة ( جرب ) من لسان العرب حين ذكر قرية ( جربة ) بالمغرب الوارد ذكرها في حديث رُوَيْفِع ابن ثابت ، رضي اللّه عنه ، فقد قال :

فأَما جَرْبةُ ، بالهاءِ ، فقرية بالمَغْرب لها ذكر في حديث رُوَيْفِع ابن ثابت، رضي اللّه عنه . قال عبداللّه بن مكرم : رُوَيْفِعُ بن ثابت هذا هو جَدُّنا الأَعلى من الأَنصار، كما رأَيته بخط جدّي نَجِيبِ الدِّين ، والدِ المُكَرَّم أَبي الحسن علي بن أَحمد بن أَبي القاسم بن حَبْقةَ بن محمد بن منظور بن مُعافى بن خِمِّير بن ريام بن سلطان بن كامل بن قُرة بن كامل بن سِرْحان بن جابر بن رِفاعة بن جابر بن رويفع بن ثابت، هذا الذي نُسِب هذا الحديثُ إليه. وقد ذكره أَبو عُمَر بن عبد البر، رحمه اللّه ، في كتاب الاسْتيعاب في معرفة الصحابة ، رضي اللّه عنهم ، فقال: رويفع بن ثابت بن سَكَن بن عديّ بن حارثة الأَنصاري من بني مالك بن النجار ، سكن مصر واخْتَطَّ بها داراً. وكان معاوية ، رضي اللّه عنه، قد أَمَّره على طرابُلُس سنة ست وأَربعين، فغزا من طرابلس افريقية سنة سبع وأَربعين ، ودخلها وانصرف من عامه ، فيقال : مات بالشام ، ويقال مات ببَرْقةَ وقبره بها ..... قال : ونعود إلى تتِمَّةِ نَسَبِنا من عديّ بن حارثةَ فنقول :

هو عديُّ بن حارثةَ بن عَمْرو بن زيد مناة بن عديّ بن عمرو بن مالك بن النجار ، واسم النجار تَيْمُ اللّه ، قال الزبير : كانوا تَيْمَ اللاتِ ، فسماهم النبي، صلى اللّه عليه وسلم، تَيْمَ اللّهِ؛ ابن ثَعْلَبَةَ بن عمرو بن الخَزْرج ، وهو أَخو الأَوْس ...

وهو صاحبُ ( لسانِ العربِ ) : الإمامُ اللغويُّ الحجَّةُ . من نَسْلِ رُويفعِ بنِ ثابتٍ الانصاريّ الصحابيّ رضي الله عنه . وُلِدَ في أوَّل سنة ((630 هـ )) ، قال الصفدي : أخبرني من لفظه شيخنا العلامة أثير الدين قال : ولد يوم الإثنين الثاني والعشرين من المحرَّمِ من السنة المذكورة  بمِصْرَ ، وقيل : في طرابلس الغرب وهو والد القاضي قطب الدين بن المكرم ، وسمِع من
( ابن
المقير ) و( مرتضى بن حاتِم ) و( عبد الرحيم بن الطفيل ) و( يوسف ابن المخيلي )
و( أبي المعز ) وطائفة ٍغيرهم .

خدَم في ديوان الانشاء مدة عمره بالقاهرة ، وأتى في عمله بما يخجل النجوم الزاهرة ، ثم وليَ القضاء في طرابلس وكان صدرا رئيسا فاضلا في الأدب مليح الإنشاء .

عاد إلى مصر فتوفي فيها ، وقد ترك بخطه نحو خمسمائة مجلد ، وعميَ في آخر عمره ، وتفرَّد وعمَّر وكبر وحدَّث فأكثروا عنه روى عنه السبكي والذهبي تفرَّد بالعوالي ، وكان عارفا بالنحو واللغة والتاريخ والكتابة واختصر تاريخ دمشق في نحو ربعه ، قال الذهبي كان عنده تشيع بلا رفض ، مات في شعبان سنة إحدى عشر وسبعمائة ، له شعرٌ رقيقٌ ، ، ذا خط حسن ، وله أدب ونظم ونثر ، قال الصفدي : له شعر غاص على معانيه وأبهج به نفسَ من يعانيه وكان قادراً على الكتابة لا يمل من مواصلتها ولا يولّي عن مناصلتها ، وقال أبو حيان والصفدي عن أثير الدين أنشدني لنفسه سادس ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وست مئة (( [2] )) :

 

ضعْ كتابي إذا أتاكَ إلى الأر
ج

ضِ وقلِّبهُ في يديكَ لماما

فعلى خَتْمِهِ وفي جانبيهِ

قُـبَلٌ قد وضعتهنَّ تواما

كان قصدي بها مباشرةَ الأر
جج

ضِ وكفَّيكَ بالْتِثامي إذا ما
ج

 

قال الصفدي عن أثير الدين :وأنشدني لأبيه ، وقال ابن حجر عن أبي حيان وأنشدني لنفسه (( [3] )) :

الناسُ قد أثَمُوا فينا بظنِّهِمُ
ج

وصدَّقوا بالَّذي أدري وتدرينا
ج

ماذا يضرُّكِ في تصديقِ قولِهِمُ

بأنْ نُحَقِّقَ (( [4] )) ما فينا يَظُنُّونا
ج

حِمْلِي وحِمْلُكِ ذنباً واحِداً ثِقَةً

بالعفوِ أجملُ مِنْ إثمِ الورى فينا

 

 

 

قال الصفدي : هو معنى مطروق للقدماء لكن زاد فيه زيادة ، وقوله : ثقةً بالعفو من أحسن متمات البلاغة وذكر ابن فضل الله أنه عمي في آخر عمره وكان صاحب نكت ونوادر ، قال الصفدي : وأنشدني شيخنا أثير الدين قال : أنشدنا فتح الدين أبو عبد الله البكري، قال: أنشدنا ابن المكرم لنفسه (( [5] )) :

باللهِ إنْ جُزْتَ بوادي الأراكْ

وقَبْلَتْ عيدانُهُ الخُضْرُ (( [6] )) فاكْ

ابعث إلى المملوكَ (( [7] )) من بعضها

فإنني والله مالي سواكْ

قال الصفدي وبه الى المكرم (( [8] )) :

توهّم فينا الناس أمراً وصمّمت

على ذاك منهم أنفسٌ وقلوبُ

وظنوا وبعضُ الظن إثم وكلهم

لأقواله فينا عليه رقيب

تعالي نحقق ظنهم لنريحهم

من الإثم فينا مرة ونتوب

وأنشدت له (( [9] )) :

وفاتر الطرف ممشوق القوام له
ج

فعل الأسنة والهندية القضبِ
ج

في حُسنه الفرد أوصاف مركبة
جج

الخَلقُ للترك والأخلاق للعربِ

 

مات في شعبان سنة 711هـ . قال ابن حجر : كان مغرى باختصار كتب الأدب المطولة اختصر الأغاني والعقد والذخيرة ونشوار المحاضرة ومفردات ابن البيطار والتواريخ الكبار وكان لا يمل من ذلك ، قال الصفدي : لا أعرف في كتب الأدب وغيره كتاباً مطولاً إلا وقد اختصره وزوّق عنقوده واعتصره ، تفرد بهذه الخاصة البديعة، وكانت همته بذلك في بُرْد الزمان وشيعه ، قال وأخبرني ولده قطب الدين أنه ترك بخطه خمس مائة مجلدة ويقال ان الكتب التي علقها بخطه من مختصراته خمس مائة مجلدة .

 

وجمع في اللغة كتاباً سماه لسان العرب وهو أتم المؤلفات التي صنفت في اللغة وهو مرجع العلماء والعمدة المعول عليه بين أهل هذا اللسان رتبه على ترتيب الصحاح للجوهري جمع فيه أمات كتب اللغة ، فكاد يغني عنها جميعا وجمع فيه بين تذهيب الازهري ومحكم بن سيده والصحاح وحواشيه وجمهرة ابن دريد ونهاية ابن الاثير جوده ما شاء ورتبه ترتيب الصحاح وهو كبير وشرح ما أتى به من الشواهد ومن آيات وأحاديث وأشعار فرغ منه سنة (689 هـ ).

وقد امتدحه كبار العلماء وأثنوا عليه وعلى معجمه ، فقد وصفه الزبيدي بأنه من ائمة اللغة (( [10] )) ، ووصفه بكمال التتبُّع لما استُدرِك على الجوهري (( [11] )) ، وقال عنه : كَفَى به قُدْوَةً (([12])) وكفى به حُجَّةً (([13])) وكفى به عمدة (([14])) . وقال عنه أبو حيان :

 

أَيا طالِباً أَن يَنالَ الأَرَب
ج

قَريباً عَلَيكَ لِسانُ العَرَب

تُشاهِدُ مَجموعَ ذي خِبرَةٍ
ج

بصيرٍ بِما قَد نَأَى وَاقتَرَب

وَإِنَّ الجمالَ إمامُ العُلومِ
ج

فَفي كُلِّ سَهمٍ لَها قَد ضَرَب

لأُطلِعَهُ وَهوَ شَمسُ الضُحى
ج

فَنجمُ العُلومِ لَهُ قَد غَرَب

وَهَذَّبَ أَلفاظَ تَهذيبِهِم

فَقَد صارَ نَبعاً وَكانَ العَذَب

وَكانَ الصِّحاحُ بِها جَرَبٌ

فَداوى الصّحاح وَزالَ الجَرَب
ج

وَأَحكمَ تَرتيبَ مُحكمِهِم
ج

فَسَرَّ العِناج وَسر الكَرَب

صَحائِفُ كانَ بِها مَيَلٌ

فَثقَّفَ مِن مَيلها ما اضطَرب

وَقَد كانَ نَدَّت شَوارِدُها

فردَّ الَّذي كانَ مِنها هَرَب

دَعاها بِلَفظٍ رَقيقٍ رَفيقٍ

فَهزَّ المَعاطفَ مِنها الطَرَب

جَزى اللَهُ جامِعَها جَنَّةً

لِيُسقى بِها لبناً مَعْ ضَرَب

وقال :

أَجَلتُ لِحاظي في الرِياضِ الرَمائثِ

وَنَزَّهتُ فكري في فُنونِ المَباحثِ

وَشاهَدتُ مَجموعاً حَوى العلمَ كُلَّه

فَأَولُ مَكتوبٍ وَثانٍ وَثالثِ

فَيا حُسنه مِن جامِعٍ لِفَضائلٍ

جَليلٍ على نَيلِ المَعارفِ باعثِ

لَحازَ لِسانَ العُربِ أَجمَعَ فَاِغتَدى

نِهايةَ مُرتادٍ وَمَطلَبَ باحِثِ

بِهِ أَزهَرَت لِلأَزهَريِّ رِياضُهُ

فَأَنوارُها تَجلو دَياجي الحَوادثِ

وَصَحَّت بِهِ لِلجَوهَريِّ صِحاحُه

فَلا كسرَ يَعروها وَلا نقرَ عابِثِ
ج

وَسادَ بِهِ بَينَ الأَنامِ ابنُ سيدةٍ

فَمحكمُهُ ما فيهِ عيثٌ لِعايثِ

وَبرّ ابنُ بريٍّ وَصَحَّت بِنَقدِهِ الص

صحاحُ اِستَقَلَّت في بَراثِنِ ضابثِ

وَللجزريِّ ابنِ الأَثير نِهايَةٌ

إِذا قُرِئَت أَزرَت بِسَمعِ المَثالِبِ

وَكُلّ مُجَلٍّ إِذ تَقادَمَ عَهدُهُ

وَلَيسَ المُصلّي في السباقِ بِرابِثِ

وَإِنَّ جَمالَ الدينَ جَمَّلَ كُتبَهُمُ

بإصلاحِ ما قَد أَوهَنوا مِن رَثائِثِ

لَقَد فاقَهَم عِلماً وَزادَ عَلَيهِم

وَأَنّى بِبادي الفتخ حُرج الأَباغِثِ

تَجمَّع فيهِ ما تَفَرَّقَ عِندَهُم

وَأَربى عَلَيهِم بِالعلوم الأثائِثِ

بنثرٍ كَشِبهِ الزَهرِ غِبَّ سَمائِهِ

وَنَظمٍ كَمثلِ الزَهرِ بِالسحرِ نافثِ

لَهُ قدمٌ في ساحةِ الفَضلِ راسِخٌ

وَمَجدٌ قَديمٌ لَيسَ فيهِ بِحادثِ

وَنسبةُ علمٍ كابِراً بَعدَ كابرٍ

فَمِن خَيرِ مَوروثٍ إِلى خَيرِ وَارثِ

حَفيظٍ لِأَسرارِ المُلوكِ أَمينها

عَليمٍ بِتَصريفِ الخُطوبِ الكَوارثِ

بِهِ افتخرت قحطانُ وَاشتَدَّ أَزرُها

وَباهت بِهِ الأَملاكَ أَبناءُ يافثِ

وَلا بَرِحَت روحُ الجَمالِ مُقيمَةً

 

 

 

بِعَدنٍ لَدى الحُورِ الحِسانِ الأَواعثِ

كتب ابن منظور

مختار الأغاني في الأخبار والتهاني رتبه على حروف الهجاء ، وأضاف إليه ترجمة واسعة لأبي نواس التي أغفلها أبو الفرج في كتابه ، ونشر الكتاب محققا في القاهرة في ثمانية أجزاء سنة (1385هـ = 1966م) .

مختصر مفردات ابن البيطار - خ .

لطائف الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة - خ ، اختصر به ذخيرة ابن بسام .

مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر في ثلاثين مجلداً ، وقد اقترح سعيد الافغاني رحمه الله على دار الفكر في الاحتفال بمرور ألف سنة على وفاة ابن عساكر الذي اقامته محافظة دمشق عام 1979 مشروع إصدار مختصر ابن منظور لتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر فشكلت الدار لجنة نواتها د. مطيع الحافظ ود. نزار اباظة روحية النحاس ود. رياض مراد . وقد اختارت اللجنة باشراف الدار الناشرة عددا من المحققين وعهدت اليهم بالتحقيق .

مختصر تاريخ بغداد للسمعاني - خ .

مختصر تاريخ الخطيب

مختصر ذيل ابن النجار على تاريخ الخطيب .

مختصر كتاب الحيوان للجاحظ - خ .

أخبار أبى نواس - مطبوع في جزئين صغيرين .

مختصر أخبار المذاكرة ونشوار المحاضرة - خ ،في مكتبة الامبروزيانة ( 119  )

المنتخب والمختار في النوادر والاشعار - خ ، في شستربتى ( 5032 )

تهذيب الخواص من درة الغواص للحريري  .

الجمع بين الصحاح للجوهري والمحكم لابن سيدة ، ذكره غير واحدٍ في مختصراته مع لسان العرب ، وكلام الصفدي يؤكد بأنه لسان العرب فقد قال : جمع بين كتاب صحاح الجوهري والمحكم لابن سيده ، فجاء في سبعة وعشرين مجلداً وسماه لسان العرب .

سرور المنفس في مختصر فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولى الألباب للتيفاشي في عشر مجلدات .

نوادر المحاضرات .

نثار الازهار في الليل والنهار وأطائب أوقات الاصائل والاسحار وسائر ما يشتمل عليه من كواكبه الفلك الدوار، هو كتاب في الأدب ، فيه نخبة الأشعار والأقوال، رتبها على عشرة أبواب ، كأوصاف الليل والإصطباح والهلال على اختلاف مظاهره ونحو ذلك ، وإذا ذكر شيئاً عرفه وأورد طبائعه فهو جامع بين الفكاهة والعلم ، طبع في مطبعة الجوائب أستانة 1298هـ

ومن كتبه المخطوطة كما ذكره جرجي زيدان كتابه ( سرور النفس بمدارك الحواس الخمس - خ ) في مجلدين يشتمل على النظر في المحسوسات كلها ، وهو في الأصل تأليف شرف الدين التيفاشي ، ثم وقف عليه ابن منظور فهذبه وذكر في المقدمة أنه كان وهو طفل يرى أباه يعجب بهذا الكتاب فلما توفي أبوه سنة 645هـ ، طلب الكتاب حتى وقف على نسخة منه بعد الجهد فرآها فاسدة مختلة فهذبها وسماها ( سرور النفس بمدارك الحواس الخمس ) وهو جزءان كل منهما عشرة أبواب ... منه نسخة في دار الكتب المصرية في جملة كتب زكي باشا في 460 صفحة منقولة عن مكتبة طوبقبو بالإستانة (( [15] )) .

مختصر العقد الفريد لابن عبد ربه .

مختصر زهر الآداب للحصري .

مختصر يتيمة الدهر للثعالبي .

مختصر نشوان المحاضرة للتنوخي .

مختصر صفوة الصفوة .

قال الصفدي في نكت الهميان : ورأيت كتاب الصحاح للجوهريفي مجلدة واحدة بخطه في غاية الحسن ، بيد أنه لم يذكر إن كانت هذه المجلدة مختصراً أو نسخاً .

 

 

 

 

 

المنهج العام لابن منظور  في معجمه

يعدُّ لسان العرب من أشمل وأشهر معجمات اللغة العربية للألفاظ في العصور المتأخِّرة ، نهج في ترتيبه على نهج الجوهري في الصحاح ، باعتماد الترتيب الهجائي للحروف بانياً أبوابه على الحرف الأخير من اللفظة ، وقد جمع فيه بين : تهذيب اللغة للأزهري
و المحكم لابن سيده ، والصحاح للجوهري ، وحواشي ابن بري على الصحاح ، والنهاية
في غريب الحديث لعز الدين ابن الأثير.

وأخطأ بعضهم فجعل خامسهم الجمهرة لابن دريد مع أنه رجع إليها كثيراً
في مواده وإن كان غالب نقله عن الأزهري عنها .

قال احمد باشا تيمور في كتابه تصحيح لسان العرب : والصواب أن الجمهرة ليست مما جمعه ابن منظور بل مبنى كتابه على الخمسة فقط وهي التي صرح بأسمائها
في خطبته.

وقد تقصر القراءة الأولى لمواد اللسان عمل ابن منظور على الجمع بين موادِّ هذه المعاجم وأنه الجهد الوحيد له فيه ، ولعل الحامل على هذه النظرة أخذه ما في هذه المصادر الخمسة بالنصِّ غالباً دون الخروج عليها متبرأً من تبعة أية أخطاء محتملة بأن ما قد يقع
في الكتاب من خطأ هو من الأصول ، قال رحمه الله  : ولا أدعي فيه دعوى فأقول : شافهت أو سمعت أو فعلت أو صنعت أو شددت الرحال أو رحلتُ أو نقلت عن العرب العرباء
أو حملت ، فكل هذه الدعاوى لم يترك فيها الأزهري وابن سيدة لقائلٍ مقالا .... ، وليس
في هذا الكتاب فضيلة أمت بها ، أو وسيلة أتمسك بسببها سوى أني جمعت فيه ما تفرق
في تلك الكتب من العلوم وبسطت القول فيه ، ولم أشبع باليسير وطالب العلم منهوم ، فمن وقف فيه على صوابٍ أو زلل ، أو صحة أو خلل فعهدته على المصنف الأول ، وحمده وذمه لأصله الذي عليه المعول ؛ لأنني نقلت من كل أصل ، ولم أبدل منه شيئًا ، فيقال : فإنما إثمه على الذين يبدلونه    بل أديت الأمانة في نقل الأصول بالنص ، وما تصرفت فيه بكلامٍ غير
ما فيه من النص ، فيعتد من ينقل عن كتابي هذا أن ينقل عن هذه الأصول
الخمسة .

 

 

 

 

عدد مواد اللسان

بلغ عدد المواد اللغوية التي احتواها لسان العرب 80.000 مادة  و هو ضعف ما في الصحاح ، وأكثر بـ 20.000 مادة من المعجم الذي جاء بعده وهو القاموس المحيط للفيروزابادي .

وقد حوى كتاب (الصحاح ) للجوهري (ت 393هـ ) (5618 ) جذراً 
في حين حوى ( لسان العرب ) لابن منظور (ت711 هـ ) (9273 ) جذراً  . وقد عمل (( علي حلمي موسى )) إحصائيات جذور معجم لسان العرب باستخدام الكمبيوتر (( [16] )) .

طبعاته

طبع هذا المعجم الكبير عدة مرات منها :

في مطبعة بولاق بمصر سنة (1300هـ) وكمل سنة (1307هـ) في عشرين جزءا ً.

في مطبعة دار صادر في بيروت سنة (1955م ) ، وطبعته الدار المذكورة بعد ذلك عدة مرات في ( 15 مجلداً )   .

في دار إحياء التراث العربي في بيروت سنة ( 1988) في ( 18 ) مجلداً وقد نسقه وعلَّق عليه علي شيري

وطبعته مؤسسة الأعلمي للمطبوعات في بيروت ، في (4) أجزاء في مجلدين وقد راجعه ودققَّه يوسف البقاعي وإبراهيم شمس الدين ونضال علي .

وطبعته دار المعارف في القاهرة 1979، مرتباً على الحرف الأول في ست مجلدات ، وقد حققه عبد الله علي الكبير ومحمد أحمد حسب الله وهاشم محمد الشاذلي .

وطبعته الدار المصرية 1890 في عشرين مجلداً في ( 8317 ) صفحة .

وطبعته المطبعة الكبرى الميرية في 1882 في عشرين مجلداً في ( 8709 ) صفحة .

وطبعته دار إحياء التراث العربي مؤسسة التاريخ العربي في بيروت سنة 1996في 18 مجلداً ، اعتنى بتصحيحه أمين محمد عبد الوهاب ومحمد الصادق العبيدي ثم قام الأستاذ الأديب يوسف خياط بإعادة بنائه على الحرف الأول من الكلمة وإضافة المصطلحات العلمية والفنية وما أقرته المجامع اللغوية في دمشق وبغداد والقاهرة وجامعتا دمشق والرباط إليه  وطبعه باسم " لسان العرب المحيط " قامت بنشره دار لسان العرب في بيروت في أربع مجلدات كبار  .

تصحيح طبعاته

تصحيح لسان العرب : للعلامة المشهور الشيخ أحمد تيمور باشا المتوفي سنة (1384هـ) رحمه الله تعالى ، جزءان  ، قال : هذه تنبيهات على أغلاط وقعت في نسخة لسان العرب للامام ابن منظور المطبوعة ببولاق سنة 1300 - 1308  كنا عثرنا عليها أثناء المراجعة ونشرنا عنها فصولا في صحيفة المؤيد ومجلتي الضياء والآثار ، ثم بدا لنا أن نجمع شتاتها الخ القسم الاول مط الجمالية 1334 ص 59 وطبع القسم الثاني سنة 1924 م (( [17] )) .

تحقيقات وتنبيهات في معجم لسان العرب ، للشيخ عبد السلام محمد هارون ، طبع في مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة (1399هـ) في مجلد من منشورات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بمكة المكرمة  .

تهذيب لسان العرب إشراف أ.علي مهنا ، طبع في دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1993 في مجلدين .

مقالة تصحيحات للسان العرب ، لعبد الستار أحمد فراج في مجلة مجمع اللغة العربية في القاهرة مجلد 12 جزء 12 سنة 1960 صفحة 171 .

أمثلة من الأغلاط الواقعة في لسان العرب لتوفيق داود قربان في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق مجلد 39 سنة 1964في 510 صفحة.

مقالة بعنوان لسان العرب لإبراهيم اليازجي في مجلة الضياء المجلد 6 جزء 3 سنة 1903-1904 صفحة 66 .

الحسن والإحسان في ماخلا عنه اللسان ، لعبد الله بن عمر البارودي الحسيني ، شرته عالم الكتب في بيروت سنة (1407هـ) في جزء لطيف .

 

 

 

فهارسه

1. فهارس لسان العرب ، للدكتور خليل بن أحمد عمايره ، قامت بنشرها مؤسسة الرسالة في بيروت الطبعة الأولى سنة (1407هـ) في سبع مجلدات .

2. فهارس لسان العرب ، دار الفكر ، بيروت ، سنة 1994 ، في ثلاثة مجلدات .

3. فهارس لسان العرب ، مع طبعة دار إحياء التراث العربي مؤسسة التاريخ العربي سنة 1996 في ثلاثة مجلدات 16- 18 .

 

مختصراته

1. مختصر لسان العرب : لعبد الله بن محمد بن عبد الله الطبلاوي وسماه رشف الضرب من لسان العرب لم يكمل(( [18] ))  .

2. تهذيب اللسان ، للشيخ عبد الله بن إسماعيل الصاوي . رتبه باعتبار أوائل الكلمات .طبع منه خمسة أجزاء آخرها ( سنة  1355هـ ) .

3. تهذيب لسان العرب إشراف أ.علي مهنا ، طبع في دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1993 في مجلدين .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الدراسة

 

غير خافٍ أن مادة لسان العرب مادةٌ ثريةٌ جداً بالمسائل اللغوية على اختلاف فروعها ، مما يجعل من دراسة هذه المادة أمراً صعباً بعض الشئ لتماهي شخصية ابن منظور رحمه الله في هذا الكم الهائل من نصوص اللغويين الذين جعل من لسان العرب كتاباً لجمع أقوالهم ، حتى أن الباحث ليجد لأياً في محاولته تجريد كلام ابن منظور من كلامهم .

بيد أن اختيار الرجل جزء من عقله والنقل بلا نقاش ورد لا يعني إلا أن المنقول صار جزء من علم الناقل لأنه لو لم يرض به لما نقله دون إشارة لرفضٍ أو مناقشة ؛ وتأسيساً على ما تقدم فقد اعتمدت منقولات ابن منظور جزءً من جهده ومادته تمثل رأيه وتعبر عن قناعاته .

وإن حاولت أن أخرج من هذا المشكل سواء في عنوانات البحث أو دراسته إذ عقدتها جمعياً على ( لسان العرب ) لا على ( ابن منظور ) كيلا يرد علي أن من مادة البحث ما هو من منقولات ابن منظور لا من بنيات أفكاره ، وهو لا شك كثير ، ذلك أنني أردت أن تكون مادة اللسان لحجمها وغزارتها وتأصيلاتها التي لا يختلف حولها اثنان مادة لبحثي وإن حاولت أن أنسب ذلك لابن منظور تعريفاً بمنهجه وقراءةً أولى لشخصيته العلمية من خلال اللسان .

فجاءت الدراسة بشقيها : العروضي والبلاغي بعد أن جمعت ما قيل في اللسان حول أي مصطلح عروضي أو بلاغي وأستقرأتها مادة مادة مسجلاً ملامح البحث العروضي والبلاغي
في اللسان مع محاولة الكشف عن منهج ابن منظور في عرض هذه المادة والتعامل معها .

وقد قسمت الدراسة على قسمين جاء أولهما في البحث العروضي في لسان العرب وتناول الآخر منهما البحث البلاغي في لسان العرب .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أولاً : البحث العروضي في لسان العرب :

 

البحث العروضي في اللسان واضح جدا سواء في تعريف مصطلحٍ أو تعليقٍ على بيتِ شعرٍ
أو تصحيح رواية ، ولا يكاد متتبع ذلك في اللسان يفتقد شيئاً من مباحث علم العروض والقافية اللهم إلا عرضها مرتبةً كما هو الأمر عليه في كتب هذا الفن ، فتحديد بحور الشعر للأبيات والكلام عن الأوزان للبحر الواحد وذكر تعريفات الزحافات والعلل ، ظاهرٌ بينٌ في غالبِ
موادِّ اللسان ، فلقد ظهر لي أن ابن منظور جعل من منهجه في شرح المادة المعجمية أن يأتي على المصطلح العروضي المشتق من هذه المادة ، فذِكْرُ المصطلح العروضي في المادة المعجمية من منهج ابن منظور الذي التزمه في اللسان ، فهو يذكر مشتقات المادة معدداً صورها وأشكالها بالاشتقاق مبينا معنى كل صورة منها ، ذاكراً متى جاءت الصيغة المشتقة على صيغة مصطلحٍ عروضي ذلك المصطلح ناصَّاً على أنه من علم العروض كما في الأمثلة الآتية :

في أَسماءِ اللّهِ عزَّ وجل المُبْدئ .... والبَدْء فِعْلُ الشيءِ أَوَّلُ بَدأَ بهِ وبَدَأَهُ يَبْدَؤُهُ بَدْءاً وأَبْدَأَهُ وابْتَدَأَهُ ويقالُ لكَ البَدْءُ والبَدْأَةُ والبُدْأَةُ والبَدِيئةُ والبَداءة والبُداءة بالمدِّ والبَدَاهةُ على البدلِ أي : .... والبَدْءُ والبَدِيءُ الأَوَّلُ ومنهُ قولهم ... والابتداءُ في العَرُوض اسم لِكُلِّ جُزْءٍ يَعْتَلُّ في أَوّلِ البيتِ بِعلةٍ (( [19] ))  .

قَرُبَ الشيءُ بالضم يَقْرُبُ قُرْباً وقُرْباناً وقِرْباناً أَي دَنا ... وقالوا هو قُرابتُك أَي قَريبٌ منك .. واقْتَرَبَ الوعدُ .. وقارَبْتُه في البيع مُقاربة والتَّقارُبُ ضِدُّ التَّباعد ... والمُتَقارِبُ في العَروض فَعُولُن ثماني مرات (( [20] ))  .

الغايةُ مَدَى الشيء والغايَةُ أَقْصى الشيء الليْثُ الغايَةُ مَدى كلِّ شيءٍ وأَلِفُه ياءٌ وهو من تأْليف غَيْنٍ وياءَينِ وتَصْغيرُها غُيَيَّة تقول غَيَّيْت غاية وفي الحديث أَنه سابَق بَيْنَ الخَيْلِ فجعَلَ غايةَ المُضَرَّةِ كذا هو من غاية كلِّ شيءٍ مَداهُ ومُنْتَهاه وغاية كلِّ شيءٍ مُنْتهاهُ وجمعها غاياتٌ وغايٌ مثلُ ساعَةٍ وساعٍ قال أَبو إسحق الغاياتُ في العَروضِ أَكْثرُ مُعْتَلاًّ ... (( [21] )) .

السَّلامُ والسَّلامَة ُ البراءة   ... قال وتأْويل السَّلام اسم اللَّه ... السَّالِمُ في العَرُوض كل جزء يجوز فيه الزِّحافُ فَيَسْلَمُ منه .. (( [22] )) .

بعكس ما هو عليه في المصطلح البلاغي الذي لم يكن يأتي في مادة اللسان إلا عرضاً تعليقاً
لا تأسيساً ، وقد ظهرت شخصية ابن منظور قويةً في تناولها للمصطلح العروضي غزيرةً في مادتها متنوعة في مصادرها. ويمكن تلمس معالم المنهج العروضي في لسان العرب عند ابن منظور من خلال الملاحظات الآتية :

الرد على العلماء :

ز عم ( الأَخْفَشُ ) : أَن ( الخليل ) جَعَلَ ( فاعلاتن )  في أَوّلِ ( المديدِ ) ابتداءً ؛ قال: وَلم يدرِ الأَخْفَشُ لِمَ جَعَلَ فاعِلاتُن ابْتداءً ، وهي تكون فَعِلاتن وفاعِلاتن كما تكون أَجزاءُ الحَشْوِ . وذهبَ على الأَخْفَشِ أَنَّ الخَليل جعلَ فاعِلاتُن هنا ليست كالحَشو لأَن أَلِفَها تسقُطُ أَبداً بِلا مُعاقبة ، وكُلُّ ما جاز في جُزْئهِ الأَوّلِ ما لا يجوز في حَشْوِهِ ، فاسمه الابتداءُ ؛ وإِنما سُمِّي ما وقع في الجزءِ ابتداءً لابتدائِكَ بِالإِعْلالِ (( [23] )) .

ومن ذلك :

كحِبِّي، إذا تَلاقَوا ، و     وُجُوهُ القَوْمِ أَقْرانُ

وأَنتَ الطاعِنُ النَّجْلا         ءِ منها مُزْبِدٌ آنِ

وفي الكَفِّ حُسامٌ صا        رِمٌ أَبْيَضُ خَذَّامُ

وقد تَرْحَلُ بالرَّكْبِ ،    فما تُخْنِي لصُخْبانِ

ابن سيده : هكذا رواها الأَخفش كلها مقيدة ، ورواها أَبو عمرو مطلقة . قال ابن جني : إذا قيدت ففيها عيب واحد وهو الإكْفاء بالنون والميم ، وإذا أَطلقت ففيها عيبان الإكْفاء والإقْواء ، قال : وعندي أَن ابن جني قد وهم في قوله رواها أَبو الحسن الأَخفش مقيدة ، لأَن الشعر من الهَزَج وليس في الهزج مفاعيل بالإسكان ولا فَعُولانْ ، فإن كان الأَخْفش قد أَنشده هكذا فهو عندي على إنشاد من أَنشد :

أَقِلِّي اللَّوْمَ عاذِلَ والعِتابْ

بسكون الباء ، وهذا لا يعتدّ به ضرباً لأَن فَعُولْ مسكَّنة ليست من ضروب الوافر ، فكذلك مفاعيلْ أَو فَعُولانْ ليست من ضروب الهزج ، وإذا كان كذلك فالرواية كما رواه أَبو عمرو ، وإن كان في الشعر حينئذ عيبان من الإقواء والإكفاء إذ احتمالُ عيبين وثلاثة وأَكثر من ذلك أَمْثَلُ من كسر البيت ، وإن كنت أَيها الناظر في هذا الكتاب من أَهل العَروض ، فعِلْمُ هذا عليك من اللازم المفروض (( [24] )) .

العَجُزُ في العَرُوض : حذفك نون فاعلاتن لمعاقبتها أَلف فاعلن ، هكذا عبر الخليل عنه ففسر الجَوْهر الذي هو العَجُز بالعَرَض الذي هو الحذف وذلك تقريب منه ، وإِنما الحقيقة أَن تقول العَجُز النون المحذوفة من فاعلاتن لمعاقبة أَلف فاعلن ، أَو تقول التَّعْجيز حذف نون فاعلاتن لمعاقبة أَلف فاعلن  (( [25] )) .

الدفاع عن العلماء ، مثل :

كأَنها، بعدَ كلالِ الزاجرِ         ومَسْحِه، مَرُّ عُقابٍ كاسِرِ

أَراد: كأَنّ مَرَّها مَرُّ عُقابٍ؛ وأَنشده سيبويه:

ومَسْحِ مَرُّ عُقابٍ كاسِرِ

يريد: ومَسْحِه فأَخفى الهاء. قال ابن جني: قال سيبويه كلاماً يظن به في ظاهره أَنه أَدغم الحاء في الهاء بعد أَن قلب الهاء حاء فصارت في ظاهر قوله ومَسْحّ، واستدرك أَبو الحسن ذلك عليه، وقال: إِن هذا لا يجوز إِدغامه لأَن السين ساكنة ولا يجمع بين ساكنين ؛ قال: فهذا لعمري تعلق بظاهر لفظه فأَما حقيقة معناه فلم يُرِدْ مَحْضَ الإِدغام ؛ قال ابن جني: وليس ينبغي لمن نظر في هذا العلم أَدنى نظر أَن يظنَّ بسيبويه أَنه يتوجه عليه هذا الغلط الفاحش حتى يخرج فيه من خطإِ الإِعراب إِلى كسر الوزن ، لأَن هذا الشعر من مشطور الرجز وتقطيع الجزء الذي فيه السين والحاء ومسحه مفاعلن فالحاء بإِزاء عين مفاعلن ، فهل يليق بسيبويه أَن يكسر شعراً وهو ينبوع العروض وبحبوحة وزن التفعيل، وفي كتابه أَماكن كثيرة تشهد بمعرفته بهذا العلم واشتماله عليه ، فكيف يجوز عليه الخطأ فيما يظهر ويبدو لمن يَتَسانَدُ إِلى طبعه فضلاً عن سيبويه في جلالة قدره ؟ قال: ولعل أَبا الحسن الأَخفش إِنما أَراد التشنيع عليه وإِلا فهو كان أَعرف الناس بجلاله (( [26] )) .

 

 

 

 

 

كان رحمه الله لا يكتفي بالتعريف العروضي للمصطلح ، وإنما كان يبحث الخيار اللفظي والصرفي للشاعر بحثاً عروضياً قلَّ أن نجده في الدرس الأدبي بل في الدرس العروضي حتى مثل :

هذا الشعر في سَمائِيَا على غير المستعمل ، والآخر أَنه قال سَمائي، وكان القياس الذي غلب عليه الاستعمال سَمايا فجاء به هذا الشاعر لما اضطرَّ على القياس المتروك ، فقال سَمائي على وزن سَحائبَ ... الإخراج عن الأَصل المستعمَل والردِّ إلى القِياس المَتروكِ الاستعمالِ ، ثم حرَّك الياءَ بالفتح في موضع الجر كما تُحَرَّكُ من جَوارٍ ومَوالٍ فصار مثل مَواليَ ؛ وقوله :

أَبِيتُ على مَعاريَ واضِحاتٍ

فهذا أَيضاً وجهٌ ثالثٌ من الإخراج عن الأَصل المستعمل ، وإنما لم يأْتِ بالجمع في وجهه ، أَعني أَن يقولَ : ( فوق سبع سَمايا ) ؛ لأَنه كان يصير إلى الضرب الثالث من الطويل، وإنما مَبْنى هذا الشِّعرِ على الضرب الثاني الذي هو مَفاعِلن ،لا على الثالث الذي هو فعولن (( [27] )) .

 

نقل المصطلحات الخاصة بالعالم ، والتي قد تخالف ما توافق عليه غيره لنفس المصطلح  ولا يخفى ما لهذا من الأهمية البالغة في رفع التوهم أو فهم أقوال العلماء على غير مرادهم مثل :

وسمَّى قطرب البيتَ الرابع من المديد ، وهو قوله :

إِنما الذَّلْفاءُ ياقُوتَةٌ     أُخْرِجَتْ مِنْ كيسِ دُهْقانِ

سماه أَبْتَرَ ، قال أَبو إِسحق : وغلط قطرب ، إِنما الأَبتر في المتقارب ، فأَما هذا الذي سماه قطرب الأَبْتَرَ فإِنما هو المقطوع (( [28] )) .

والإِجازَة في الشِّعْر : أَن تُتِم مِصْراع غيرك، وقيل: الإِجازَة في الشِّعْر أَن يكون الحرفُ الذي يلي حرفَ الرَّوِي مضموماً ثم يكسر أَو يفتح ويكون حرف الروي مُقَيّداً . والإِجازَة في قول الخليل: أَن تكون القافية طاءً والأُخرى دالاً ونحو ذلك ، وهو الإِكْفاء في قول أَبي زيد ، ورواه الفارسي الإِجارَة، بالراء غيرَ معجمة (( [29] )) .

وقال أَبو عبيد : الإِقواء نقصان الحروف من الفاصلة فَيَنْقُص من عَرُوضِ البيت قُوَّةٌ ، وكان الخليل يسمى هذا المُقْعَدَ . قال أَبو منصور : هذا صحيح عن الخليل وهذا غير الزحاف وهو عيب في الشعر والزحاف ليس بعيب (( [30] )) .

ابن سيده: الرَّمَل من الشِّعْر كل شعر مهزول غير مؤتَلِف البناء ، وهو مما تُسَمِّي العرب من غير أَن يَحُدُّوا في ذلك شيئاً نحو قوله:

أَقْفَرَ من أَهله مَلْحوبُ         فالقُطَبِيَّاتُ فالذَّنُوبُ

ونحو قوله:

أَلا لله قَوْمٌ وَ         لَدَتْ أُختُ بني سَهْم

أَراد ولدتهم ، قال: وعامة المَجْزوء يَجْعَلونه رَمَلاً ؛ كذا سمع من العرب ؛ قال ابن جني : قوله وهو
مما تسمي العرب ، مع أَن كل لفظة ولقب استعمله العَروضيُّون فهو من كلام العرب، تأْويله إِنما استعملته في الموضع الذي استعمله فيه العَروضيُّون، وليس منقولاً عن موضعه لا نقل العَلَم ولا نقل التشبيه على
ما تقدم من قولك في ذينك ، أَلا ترى أَن العَروض والمِصْراع والقَبْض والعَقْل وغير ذلك من
الأَسماء (( [31] )) .

الفاصِلة الصغرى من أَجزاء البيت: هي السببان المقرونان، وهو ثلاث متحركات بعدها ساكن نحو مُتَفا من مُتَفاعِلُن وعلتن من مفاعلتن، فإِذا كانت أَربع حركات بعدها ساكن مثل فَعَلتن فهي الفاصِلة الكُبْرى، قال: وإِنما بدأْنا بالصغرى لأَنها أَبسط من الكُبْرى؛ الخليل: الفاصِلة في العَروض أَن يجتمع
ثلاثة أَحرف متحركة والرابع ساكن مثل فَعَلَت، قال: فإِن اجتمعت أَربعة أَحرف متحركة فهي
الفاضِلة، بالضاد المعجمة، مثل فعَلتن (( [32] )) .

 

جمع التعريفات والأقوال المختلفة للمصطلح الواحد ، مثل :

الإِجازَة في الشِّعْر : أَن تُتِم مِصْراع غيرك، وقيل: الإِجازَة في الشِّعْر أَن يكون الحرفُ الذي يلي حرفَ الرَّوِي مضموماً ثم يكسر أَو يفتح ويكون حرف الروي مُقَيّداً . والإِجازَة في قول الخليل: أَن تكون القافية طاءً والأُخرى دالاً ونحو ذلك ، وهو الإِكْفاء في قول أَبي زيد ، ورواه الفارسي الإِجارَة، بالراء غيرَ معجمة (( [33] ))  .

قال الأَخفش : زعم الخليل أَنَّ الإِكْفَاءَ هو الإِقْواءُ ، وسمعته من غيره من أَهل العلم . قال: وسَأَلتُ العَربَ الفُصَحاءَ عن الإكْفَاءِ ، فإذا هم يجعلونه الفَسادَ في آخِر البيت والاخْتِلافَ من غير أَن يَحُدُّوا في ذلك شيئا ًً، إلاَّ أَني رأَيت بعضهم يجعله اختلاف الحُروف (( [34] )) .

العِظَالُ في القَوَافي : التضمين، يقال : فلان لا يُعاظِل بين القَوَافي . وعاظَلَ الشاعرُ في القافية عِظَالاً: ضَمَّن (( [35] )) .

ذكر سبب تسمية المصطلحات وربطها في الغالب بالمعنى اللغوي للمصطلح ، مثل :

قال ابن سيده: قال أَبو إِسحق: سمي أَحَذَّ لأَنه قَطْعٌ سريعٌ مستأْصلٌ.قال ابن جني: سمي أَحَذَّ لأَنه لما قطع آخر الجزء قَلَّ وأَسْرَعَ انقضاؤه وفناؤه. (( [36] )).

البَيْتُ من الشِّعْرِ مشتقٌّ من بَيْت الخِباء، وهو يقع على الصغير والكبير، كالرجز والطويل ، وذلك لأَنه يَضُمُّ الكلام، كما يَضُمُّ البيتُ أَهلَه، ولذلك سَمَّوْا مُقَطَّعاتِه أَسباباً وأَوتاداً، على التشبيه لها بأَسباب البيوت وأَوتادها، (( [37] )) .

الخَبْل في عَروض البسيط والرجز : ذهاب السين والتاء من مستفعلن ، مشتق من الخَبْل الذي هو قطع اليد ؛ قال أَبو إِسحق: لأَن الساكن كأَنه يد السبب فإِذا حذف الساكنان صار الجزء كأَنه قطعت يداه فبقي مضطرباً ، وقد خَبَل الجزءَ وخَبَّله (( [38] )) .

الدَّخِيل: الحرف الذي بين حرف الرَّوِيّ وأَلف التأْسيس كالصاد من قوله :

كِلِيني لِهَمٍّ، يا أُمَيْمة، ناصب

سُمِّي بذلك لأَنه كأَنه دَخِيل في القافية ، أَلا تراه يجيء مختلفاً بعد الحرف الذي لا يجوز اختلافه أَعني أَلف التأْسيس (( [39] )) .

الطويل من الشِّعْر : جنس من العَرُوض ، وهي كلمة مُوَلَّدة ، سمي بذلك لأَنه أَطْوَلُ الشِّعْر كُلِّه ، وذلك أَن أَصله ثمانية وأَربعون حرفاً ، وأَكثر حروف الشعر من غير دائرته اثنان وأَربعون حرفاً ، ولأَن أَوتاده مبتدأ بها ، فالطُّول لمتقدم أَجزائه لازم أَبداً ، لأَن أَول أَجزائه أَوتاد والزوائد أَبداً يتقدم أَسبابَها ما أَوَّلُه وَتِدٌ (( [40] )) .

 

ولربما خالف رحمه الله أو ذكر ما يخالف ما عليه الدرس العروضي مثل :

الإِضْمارُ : سُكونُ التاء من مُتَفاعِلن في الكامل حتى يصير مُتْفاعلن ، وهذا بناءٌ غير مَعْقولٍ فنُقِل إِلى بناءٍ مَقُولٍ ، مَعْقولٍ ، وهو مُسْتَفْعِلن ، كقول عنترة:

إِني امْرُؤٌ من خيرِ عبْسٍ مَنْصِباً   شَطْرِي ، وأَحْمِي سائري بالمُنْصُلِ

فكلُّ جزء من هذا البيت مُسْتَفْعلن وأَصْلُه في الدائرة مُتَفاعلن (( [41] )) .

الاعتماد : اسم لكل سبب زاحفته، وإِنما سمي بذلك لأَنك إِنما تُزاحِفُ الأَسباب لاعْتِمادها على الأَوْتاد (( [42] ))  .

ولا يقع في الأَوتاد زحاف لأَنَّ اعتماد الجزء إِنما هو عليها ، إِنما يقع في الأَسْباب لأَن الجزء غير معتمد عليها (( [43] )) .

التام : التَّامُّ من الشِّعْرما يمكن أَن يَدْخُله الزِّحافُ فيَسلَمُ منه ، وقد تم الجُزء تَماماً (( [44] )).

وما نقله عن الأخفش : قال : وقد سمعت هذا من العرب كثيراً لا أُحصي ، وقَلَّت قصيدة ينشدونها إِلا وفيها إِقْواء ثم لا يستنكِرونه لأَنه لا يكسر الشعر ، وأَيضاً فإِن كل بيت منها كأَنه شعر على حِياله . قال ابن جني : أَما سَمْعُه الإِقواء عن العرب فبحيث لا يُرتاب به لكن ذلك في اجتماع
الرفع مع الجرّ ... (( [45] )) .

 

وربما كان من منهجه أن يكتفي بنقل النقاش العروضي فقط ولا سيما في النقاش المسهب دون محاولة تدخل على قلة مثل هذا ، كما في نقاشه للتشعيث :

التَّشْعيثُ في عَروضِ الخَفيفِ : ذَهابُ عين فاعلاتن ، فيبقى فالاتن ، فينقل في التقطيع
إِلى مفعولن ، شبهوا حذف العين ههنا بالخرم ، لأَنها أَوَّلُ وَتِدٍ ؛ وقيل : إِن اللام هي الساقطة ، لأَنها أَقرب إِلى الآخر ، وذلك أَن الحذف إِنما هو في الأَواخر ، وفيما قَرُبَ منها ؛ قال أَبو إِسحق : وكلا القولين جائز حَسَنٌ ، إِلاّ أَن الأَقيس على ما بَلَوْنا في الأَوتاد من الخَرْم ، أَن يكون عينُ فاعلاتن هي المحذوفة ، وقياسُ حذف اللام أَضعفُ ، لأَن الأَوتاد إِنما تحذف مِن أَوائلها أَو مِن أَواخرها ؛ قال : وكذلك أَكثر الحذف في العربية ، إِنما هو من الأَوائل ، أَو من الأَواخر ، وأَما الأَوساط ، فإِن ذلك قليل فيها ؛ فإِن قال قائل : فما تنكر من أَن تكون الأَلف الثانية من فاعلاتن هي المحذوفة ، حتى يبقى فاعلَتُن ثم تسكن اللام حتى يبقى فاعلْتن ، ثم تنقله في التقطيع إِلى مفعولن، فصار مثل فعلن في البسيط الذي كان أَصله فاعلن ؟ قيل له : هذا لا يكون إِلا في الأَواخر ، أَعني أَواخر الأَبيات ؛ قال : وإِنما كان ذلك فيها ، لأَنها موضع وقف ، أَو في الأَعاريض ، لأَن الأَعاريض كلها تتبع الأَواخر في التصريع ؛ قال : فهذا لا يجوز ، ولم يقله أَحد . قال ابن سيده : والذي أَعتقده مُخالَفةُ جميعهم ، وهو الذي لا يجوز عندي غيره ، أَنه حذفت أَلف فاعلاتن الأُولى ، فبقي فعلاتن ، وأُسكنت العين ، فصار فعْلاتن ، فنقل إِلى مفعولن، فإِسكان المتحرّك قد رأَيناه يجوز في حشو البيت ، ولم نرَ الوتد حُذف أَوّله إِلا في أَوّل البيت ، ولا آخرُه إِلا في آخر البيت ، وهذا كله قول أَبي إِسحق (( [46] )) .

 

ومن منهجه تصحيح المصطلح والـتأكيد على دقة العبارة ، من ذلك :

التطريف : ابن سيده: والطرَفانِ في المَديد حذف أَلف فاعلاتن ونونِها ؛ هذا قول الخليل وإنما حكمه أَن يقول : التَّطْريفُ حذف أَلف فاعلاتن ونونها ، أَو يقول الطرَفانِ الأَلف والنون المحذوفتان من فاعلاتن (( [47] )) .

الصَّدْرُ في العَروضِ: حَذْف أَلِفِ فاعِلُنْ لِمُعاقَبَتِها نون فاعِلاتُنْ؛ قال ابن سيده: هذا قول الخليل، وإِنما حكمه أَن يقول الصَدْر الأَلف المحذوفة لِمُعاقَبَتها نون فاعِلاتُنْ (( [48] )) .

 

ومن جهده العروضي الواضح تصحيح روايات الأبيات أو التنبيه على الخطأ العروضي فيها كما في :

قول الكميت:

أَقُولُ له، إذا ما جاء : مَهْلاً         وما مَهْلٌ بَواعِظة الجَهُول

وهذا البيت أَورده الجوهري:

أَقول له إِذ جاء : مهلاً             وما مَهْل بواعظة الجهول

قال ابن بري: هذا البيت نسبه الجوهري للكميت وصدره لجامع بن مُرْخِيَةَ الكِلابيِّ ، وهو مُغَيَّر
ناقص جزءاً ، وعَجُزه للكميت ووزنهما مختلفٌ : الصَّدْرُ من الطويل والعَجُز من الوافر؛ وبيت جامع:

أَقول له : مَهْلاً، ولا مَهْلَ عنده    ولا عنْدَ جارِي دَمْعِهِ المُتَهَلِّلِ

وأَما بيت الكميت فهو:

وكُنَّا ، يا قُضاع، لكم فَمَهْلاً         وما مَهْلٌ بواعِظة الجَهُولِ

فعلى هذا يكون البيت من الوافر موزوناً (( [49] )) .

وقال في مادة ( سوا ) :

طال على رَسْم مَهْدَدٍ أَبَدُهْ        وعَفا واستَوى به بَلَدُهْ

وهذا البيت مختلِفُ الوزنِ فالمِصراعُ الأَول من المنسرح والثاني من الخفيف (( [50] )) .

وقال في مادة ( ثمر ) : والمُثْمِر: الذي بلغ أَن يجنى ؛ هذه عن أَبي حنيفة؛ وأَنشد:

تَجْتَنِي ثامرَ جُدَّادِهِ         بين فُرادَى بَرَمٍ أَو تُؤَامْ

وقد أَخطأَ في هذه الرواية لأَنه قال بين فرادى فجعل النصف الأَوّل من المديد والنصف الثاني من السريع، وإِنما الرواية بين فرادى وهي معروفة (( [51] )) .

 

انفراده ببعض العبارات التفسيرية للعمل العروضي :

مثل : سُكونُ التاء من مُتَفاعِلن في الكامل حتى يصير مُتْفاعلن ، وهذا بناءٌ غير مَعْقولٍ فنُقِل إِلى بناءٍ مَقُولٍ ، مَعْقولٍ ، وهو مُسْتَفْعِلن ... (( [52] ))

والجَزْل في زِحاف الكامل : إِسكانُ الثاني من مُتَفَاعِلُن وإِسقاطُ الرابع فيبقى مُتْفَعِلُنْ ، وهو بناء غير منقول، فينقل إِلى بناء مَقُول مَنْقُول وهو مُفْتَعلُن (( [53] )) .

الخَزْل والخُزْلة في الشِّعْر ضَرْب من زِحاف الكامل سقوط الأَلف وسكون التاء من متفاعلن فيبقى متفعلن ، وهذا البناء غير مَقُول فيصرف إِلى بناءٍ مَقول وهو مفتعلن (( [54] )) .

 

 

انفراده ببعض المصطلحات التي لم ترد عند غيره :

مثل الأبواب تعبيراً عن البحور ، قال : الدَّائِرَةُ في العَرُوض : هي التي حصر الخليل بها الشُّطُورَ لأَنها على شكل الدائرة التي هي الحلقة ، وهي خمس دوائر : الأُولى فيها ثلاثة أَبواب الطويل والمديد والبسيط ، والدائرة الثانية فيها بابان الوافر والكامل ، والدائرة الثالثة فيها ثلاثة أَبواب الهزج والرجز والرمل ، والدائرة الرابعة فيها ستة أَبواب السريع والمنسرح والخفيف والمضارع والمقتضب والمجتث ، والدائرة الخامسة فيها المتقارب فقط (( [55] )) .

 

تقريره لقواعد عروضية عامة يمكن وصفها بالشمولية مثل :

إِنما تُزاحِفُ الأَسباب لاعْتِمادها على الأَوْتاد (( [56] ))  .

ولا يقع في الأَوتاد زحاف لأَنَّ اعتماد الجزء إِنما هو عليها ، إِنما يقع في الأَسْباب لأَن الجزء غير معتمد عليها (( [57] )) .

وقال : ضربُ البسيط لا يأْتي على فاعلن (( [58] )) .

ونقل : أَكثر الحذف في العربية ، إِنما هو من الأَوائل ، أَو من الأَواخر ، وأَما الأَوساط ، فإِن ذلك قليل فيها (( [59] )) .

وإذا كانت الحال على هذا فكلما ازدادت حاجة البيت الأَول إلى الثاني واتصل به اتصالاً شديداً كان أَقبح مما لم يحتج الأَول إلى الثاني هذه الحاجة (( [60] )) .

ابن سيده: والحَذْوُ من أَجزاءِ القافية حركةُ الحرف الذي قبل الرِّدْفِ، يجوز ضمته مع كسرته ولا يجوز مع الفتح غيرُه نحو ضمة قُول مع كسرة قِيل، وفتحة قَوْل مع فتحة قَيْل، ولا يجوز بَيْعٌ مع
بِيع (( [61] )) .

قال أَبو إِسحق : وإِنما جازت هذه الزيادة في أَوائل الأَبيات كما جاز الخَرْمُ ، وهو النقصان في أَوائل الأَبيات ، وإِنما احْتُمِلَتِ الزيادةُ والنقصانُ في الأَوائل لأَن الوزن إِنما يستبين في السمع ويظهر عَوارُهُ إذا ذهبتَ في البيت ... (( [62] )) .

أَن كل لفظة ولقب استعمله العَروضيُّون فهو من كلام العرب (( [63] )) .

جميع حروف المعجم تكون رَويّاً إِلا الأَلف والياء والواو الزوائد في أَواخر الكلم في بعض الأَحوال غير مَبْنِيَّات في أَنْفُس الكلم بناء الأُصول (( [64] )) .

الأَعرابي البدويّ لا يبالي الزِّحافَ (( [65] )) .

قال أَبو إِسحق : وإِنما سمي وسط البيت عَرُوضاً لأَن العروض وسط البيت من البِناء ، والبيتُ من الشعْر مَبنيّ في اللفظ على بناء البيت المسكون للعرب ، فَقِوامُ البيت من الكلام عَرُوضُه كما أَنّ قِوامَ البيت من الخِرَقِ العارضةُ التي في وسطه، فهي أَقْوَى ما في بيت الخرق ، فلذلك يجب أَن تكون العروض أَقوى من الضرْب (( [66] )) .

العرب لا تعرف الحروف.  (( [67] )) .

وربما قدم بين يدي حد المصطلح قصة توضحه أو تبين مراده كما في كلامه عن التعجيز :

عَجَّز الشاعرُ: جاء بعَجُز البيت . وفي الخبر : أَن الكُمَيْت لما افتتح قصيدته التي أَولها :

أَلا حُيِّيتِ عَنَّا يا مَدِينا

أَقام بُرْهة لا يدري بما يُعَجِّز على هذا الصدر إِلى أَن دخل حمَّاماً وسمع إِنساناً دخله ، فسَلَّم على
آخر فيه فأَنكر ذلك عليه فانتصر بعض الحاضرين له فقال : وهل بأْسٌ بقول المُسَلِّمِينَ ؟
فاهْتَبلَها الكُمَيْتُ فقال :

وهل بأْسٌ بقولِ مُسَلِّمِينا ؟ (( [68] )) .

 

نقله للخلاف بين العلماء في القضية العروضية وهو خلاف قل أن تنقله الكتب بالدقة التي نقلها ابن منظور ، مثل:

والخليل لا يجيز اختلاف التوجيه ويجيز اختلاف الإِشباع ، ويرى أَن اختلاف التوجيه سِنادٌ  وأَبو الحسن بضدّه يرى اختلاف الإِشباع أَفحش من اختلاف التوجيه ، إِلا أَنه يرى اختلافهما ، بالكسر والضم ، جائزاً ، ويرى الفتح مع الكسر والضم قبيحاً في التوجيه والإِشباع ، والخليل يستقبحه في التوجيه أَشدّ من استقباحه في الإِشباع ، ويراه سِناداً بخلاف الإِشباع ، والأَخفش يجعل اختلاف الإِشباع بالفتح والضم أَو الكسر سِناداً  (( [69] )) .

وربما عرض المسألة العروضية عن طريق افتراض السؤال ومن ثم الإجابة عليه ، مثل :

فإن قلت : الردف يتلو الراكبَ والرِّدْفُ في القافية إنما هو قبل حرف الرَّوِيّ لا بعده ، فكيف جاز لك أَن تُشَبِّهَه به والأَمر في القضية بضدّ ما قدَّمته ؟

فالجواب : أَن الرِّدْفَ وإِن سبق في اللفظ الروِيَّ فإنه لا يخرج مما ذكرته ، وذلك أَن القافية كما كانت وهي آخر البيت وجهاً له وحِلْيَةً لصنعته ، فكذلك أَيضاً آخِرُ القافية زينةٌ لها
ووجهٌ لِصَنْعَتِها ، فعلى هذا ما يجب أَن يَقَعَ الاعْتِدادُ بالقافِية والاعتناءُ بآخِرِها أَكثر منه بأَوّلها ، وإذا كان كذلك فالرّوِيّ أَقْرَبُ إلى آخر القافية من الرّدف ، فبه وَقَعَ الابتداء في الاعتداد ثم تَلاه الاعتدادُ بالردف (( [70] )) .

قال ابن سيده : فإِن قلت فقد قال الآخر :

أَعِنِّي على بَرْقٍ أُرِيكَ وَمِيضَهُو

فوقف بالواو وليست اللفظة قافيةً ، وهذه المَدَّة مستهلكة في حال الوقف ؟

قيل : هذه اللفظة وإِن لم تكن قافيةً فيكون البيتُ بها مُقَفّىً ومُصَرَّعاً ، فإِن العرب قد تَقِفُ على العَروض نحواً من وُقوفِها على الضَّرْب (( [71] )) .

يشيع عنده تعليل الآراء والأحكام التي ترد عن العلماء ، مثل :

أَوْ مُذْهَبٌ جَدَدٌ، على أَلْواحِهِ         أَلنَّاطِقُ المَبْرُوزُ والمَخْتُومُ

ويروى : على أَلواحِهِنَّ النَّاطِقُ، وإِنما عَدَل عن ذلك بعض الرُّواةِ اسْتِيحاشاً من قَطْعِ أَلِفِ الوَصْل، وهذا جائِزٌ عند سيبويه في الشِّعْرِ، ولاسِيَّما في الأَنْصافِ، لأَنها مواضِعُ فُصُولٍ (( [72] ))  .

وقد يذكر ما جاء نادراً عن العرب منبهاً على ذلك ، مثل :

قال:

أَيَرُدُّني ذاكَ الضَّوِيطةُ عن هَوَى         نَفْسِي، ويَفْعَلُ ما يُرِيدُ؟

قال ابن سيده: هذا البيت من نادر الكامل لأَنه جاء مخمساً (( [73] )) .

استعمل الأَخفش المَهْزول في الشعر فقال: الرَّمَل كل شِعر مَهْزُول ليس بمؤتلف البناء كقوله:

أَقْفَرَ من أَهْلِه مَلْحُوبُ         فالقُطَبِيَّات فالذَّنُوبُ

وهذا نادر (( [74] )) .

 

تأثره بالنقل عن ابن جني وابن سيده في المادة العروضية واضح جداً ، كما أنه يكثر من النقولات لآراء الأخفش والخليل .

قال ابن سيده : هكذا أَنشده الخليل بتسكين الراء ولو أَطلقه لجاز ، ما لم يمنع منه مخافةُ
إِقواء (( [75] ))  .

قال ( ابن سيده ) :قال (أَبو إِسحق) : سمِّيَ ( أَحَذَّ ) ؛لأَنه قَطْعٌ سريعٌ مستأْصلٌ (( [76] )) .

( ابن سيده ) : الخَرْمُ في العَروض : ذهاب الفاء من ( فَعولن ) فيبقى ( عولُنْ ) ، فينقل في التقطيع إِلى ( فَعْلُنْ ) ، قال : ولا يكون الخَرْمُ إِلا في أَول الجزء في البيت (( [77] )) .

قال ( ابن سيده ) : وقد يجوز أَن يكون أَلف ( تَنُوفى ) إشباعاً للفتحة (( [78] )) .

قال ابن جني : سُمّي بذلك من قِبَل أَنه ليس قبل الرويّ حرف مسمى إِلا ساكناً أَعني التأْسيس والرِّدْفِ (( [79] )) .

وقال الأَخفش : ......وقد سمعت هذا من العرب كثيراً لا أُحصي ، وقَلَّت قصيدة ينشدونها إِلا وفيها إِقْواء ثم لا يستنكِرونه لأَنه لا يكسر الشعر ، وأَيضاً فإِن كل بيت منها كأَنه شعر على حِياله قال ابن جني : أَما سَمْعُه الإِقواء عن العرب فبحيث لا يُرتاب به لكن ذلك في اجتماع
الرفع مع الجرّ .... (( [80] )) .

قال ابن جني : إذا قيدت ففيها عيب واحد وهو الإكْفاء بالنون والميم ..... (( [81] )) .

قال ابن جني: فقول الأَخفش يلزم بعد الرَّوِيِّ الوَصْل، لا يريد به أَنه لا بُدَّ مع كل رَويّ أَن
يَتْبَعه الوَصْل (( [82] )) .

قال الخليل بن أَحمد: الخُرُوجُ الأَلف التي بعد الصلة في القافية (( [83] )) .

زعم الخليل أن الرجز ليس بشعر وإنما هو أنصاف أبيات وأثلاث (( [84] )) .

قال الخليل : إذا كان بيت من الشِّعْر فيه زِحافٌ قيل له مُقْعَدٌ (( [85] )) .

والخليل لا يجيز اختلاف التوجيه ويجيز اختلاف الإِشباع، ويرى أَن اختلاف التوجيه سِنادٌ،
وأَبو الحسن بضدّه (( [86] )) .

قول الأَخفش في ضِخَمّا : وهذا أَشدُّ لأَنه حرك الخاء وثقل الميم، يريد أَنه غيَّر بناء
ضَخْم (( [87] )) .

قال الأَخفش: المُقَيَّدُ على وجهين: إِمَّا مُقَيَّد (( [88] )) .

استعمل الأَخفش المَهْزول في الشعر فقال: الرَّمَل كل شِعر مَهْزُول (( [89] )) .

قال الأَخفش: القافية آخر كلمة في البيت، وإنما قيل لها قافية لأَنها تقفو الكلام (( [90] )) .

 

 

 

 

ثانياً : البحث البلاغي في لسان العرب

 

إن التأمل في ما اجتمع من استقراء للمادة البلاغية في لسان العرب ليؤكد اختلاف هذه المادة عنها في البحث العروضي الأمر الذي يثير تساؤلات لعل من أهمها :

هل إن ابن منظور في العروض العربي أقوى منه في البلاغة ؟ وحتى لو كان الأمر على ما قيل أو ليس ابن منظور محكوم بمعجمه بمادة أصوله الستة وأصحابها هم من هم عربية تأصيلاً وسعة اطلاع ، فقلة مادة البلاغة ولا سيما في تعريف اصطلاحاتها في لسان العرب إنما هو صورة لقلتها في ( تهذيب الأزهري ) و ( محكم بن سيده ) و ( صحاح الجوهري ) وحواشيه و ( جمهرة ابن دريد ) و ( نهاية ابن الأثير ) ولا يعقل أن تجتمع كل هذه المعجمات على هذه القلة دون أن يكون وراءها سببٌ واضحاً ؟

وهل يصح في البحث المعجمي أن يهتم المعجمي بحدود المصطلح العروضي ويغفل حدود مصطلحات البلاغة ؟ وكلاهما ألفاظ عربية جديرة بأن يدرس كلاهما أو أن يغفلا على حد سواء.

ويمكن لمن سبر طريقة أهل المعاجم ونظر في جهودهم نظرة المدقق أن يقول : بأن صنيعهم هذا منهج اعتمدوه سار عليه المعجم العربي في بنائه ، فهو منهج متبع لا إغفال مادة أو ضعف في اطلاع . ويمكن أن يجاب عن الأسئلة المتقدمة بالقول :

بأن ابن منظور إنما اهتم بالعروض لتعلق العروض باللفظ ، فالعروض وإن كان يمثل الشكل الصوتي للجملة العربية إلا أن مباحثه من حيث الزحاف والعلة والضرورة الشعرية إنما تكون في اللفظ الواحد لا في ألفاظ الجملة ، لذلك تكون أغلب مباحثه دائرة حول اللفظ منفرداً وهو يشبه من هذه الجهة طبيعة العمل المعجمي .

ولم يهتم ابن منظور كثيراً بالبلاغة ومصطلحاتها ؛ لأنها تتعلق في غالب مباحثها بالمعنى فالبلاغة العربية في صورة تبسيطية لعملها إنما هي دراسة لمعنى الجملة ، تهتم أكثر ما تهتم بالفروق بين معاني الجمل فقد يكون المعنى العام واحداً في جمل متشابهة إلا أن البلاغة العربية تقيم فروقا بين معاني هذه الجمل فتفرق بين الجملتين باعتبار التقديم والتأخير أو الخبر والإنشاء أو الايجاز والإطناب أو استعمال التشبيه أو الاستعارة أو الكناية أو التورية ، وخير مثال على ذلك تلك التفرقة الشهيرة التي ذكرها المبرد للفيلسوف الكندي بين جمل :

عبد الله قائم ، وإن عبد الله قائم ، وإن عبد الله لقائم ، ومن هنا نستطيع أن نتلمس سبباً مهماً لطالما كان حاضراً في النظرة التي لا تعد البديع علماً أساساً من علوم البلاغة ، وأنه إنما يدور في غالب ملاحظه حول الزخرفة اللفظية التي تبتعد عن روح البلاغة ، على ما في هذه النظرة من الخطأ في التعامل مع علم البديع .

واهتمام أهل المعاجم يدور حول الأشكال اللفظية للمعاني لاهتمامهم بألفاظ العربية ومحاولة حصرها ؛ لذلك نراهم يثبتون الترادف في ألفاظ العربية ويهملون فروق المعاني في التوجه العام للمعجميين العرب هذا من جهة .

ومن جهة أخرى : فإن البحث البلاغي إنما يتعلق بالجملة ومعنى المعنى بحسب نظرية النظم ، إذ لا حسن ولا مزية عندهم للفظة منفردة وإنما قيمتها باعتبار علاقاتها مع الألفاظ الأخرى التي تدخل في سياق واحدٍ معها ، بعكس ما عليه البحث المعجمي الذي يهتم باللفظ ومعناه مجرداً دائما دون أن يبحث في سياقه .

فالمعجم يهتم بمعنى اللفظ المنفرد بعكس البلاغة التي تهتم بالمعنى داخل النظم ؛ لذلك غلب على ما بحثه ابن منظور في لسانه من مباحث علم البلاغة غلب عليه ما كان يرجع إلى اللفظ كالكناية التي يقال عن اللفظة أو اللفظتين أنها كناية عن كذا ، وكذلك الاستعارة . وأما ما كان منها متعلقاً ببناء الجملة كرد الأعجاز على الصدور والجناس والطباق فنادراً ما يذكر في اللسان بل في معاجم اللغة عامة . وإن ذكر بعض ذلك فإنما يكون تعليقاً عارضاً أو إطنابا في إيضاح شاهد
أو تعليقاً على لفظٍ ذكر ولاسيما إن كان في آية أو حديثٍ نبوي قد يتعلق ببيانه معنى الآية
أو الحديث ، كما يُرى واضحاً في الكلام عن المشاكلة .

على أن ذلك لا يعني خلو لسان العرب من بحث حسن في المادة البلاغية وإن كان لا يرقى لما هو في البحث العروضي ، ويمكن دراسة منهج ابن منظور في البحث البلاغي في لسان العرب من خلال النقاط الآتية :

 

 

 

 

 

 

 

ربما ذكر ابن منظور حد المصطلح مدللا عليه بالمعنى اللغوي لإثبات معناه الاصطلاحي مثل :

الإبهام قال ابن منظور كلام مُبْهَم: لا يعرَف له وَجْه يؤتى منه ، مأخوذ من قولهم حائط مُبْهَم إذا لم يكن فيه بابٌ . ابن السكيت : أَبْهَمَ عليّ الأَمْرَ إذا لم يَجعل له وجهاً أَعرِفُه . وإبْهامُ الأَمر : أَن يَشْتَبه فلا يعرَف وجهُه ، وقد أَبْهَمه (( [91] )) .

واخْتِصارُ الكلام: إِيجازه. والاختصار في الكلام: أَن تدع الفضول وتَسْتَوْجِزَ الذي يأْتي على المعنى، وكذلك الاختصار في الطريق. والاختصار في الجَزِّ: أَن لا تستأْصله. والاختصارُ: حذفُ الفضول من كل شيء (( [92] ))

 

من منهج ابن منظور في البحث البلاغي تقرير القواعد العامة التي يمكن وصفها بالشمولية مثل :

إنما يقع المجاز ويُعدَل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة: وهي الاتساع والتوكيد والتشبيه ، فإن عُدِم هذه الأوصافُ كانت الحقيقة البتَّةَ  (( [93] )) .

قال المبرد : بل حكمها الاستدراك أَينما وقعت في جحد أَو إيجاب، قال: وبلى يكون إيجاباً للمنفي لا غير (( [94] ))

كانوا يقدمون ضمير الميت على الدعاء له كقوله:

عليك سلام من أمير وباركت         ورحمته في ذاك الأديم الممزق

وكقول الآخر:

عليك السلام الله قيس بن عاصم         ورحمته ما شاء أن يترحما

قال: وإنما فعلوا ذلك لأن المسلم على القوم يتوقع الجواب وأن يقال له عليك السلام، فلما كان الميت لا يتوقع منه جواب جعلوا السلام عليه كالجواب (( [95] ))

وهذا من حملهم الأَصل على الفرع فيما كان الفرع أَفاده من الأَصل، ونظائره كثيرة، والعرب تفعل هذا كثيراً، أَعني أَنها إذا شبهت شيئاً بشيء مكَّنَتْ ذلك الشبه لهما وعَمَّت به وجه الحال بينهما، أَلا تراهم لما شبهوا الفعل المضارع بالاسم فأَعربوه تمموا ذلك المعنى بينهما بأَن شبهوا اسم الفاعل بالفعل فأَعملوه (( [96] ))  .

 

قد يذكر من المصطلحات البلاغية ما قد لا يذكر عند غيره أو حتى في مظان المصطلح البلاغي ؛ مما ينبئ عن سعة اطلاع على الدرس البلاغي ومعرفة بمصطلحاته وإن لم يلتزم بهذا غالباً لأنه لم يصنف اللسان في علم البلاغة قصداً ، بل يأتي المصطلح فرعاً في الحديث عن المادة المعجمية ، ومن أهم ما يستدل به على ما سبق ذكره لمصطلح المجاز التعليقي والذي ذكره نوعاً ن أنواع علم البيان ونص على أنه من أحسن انواع المجاز ، هذا المصطلح الذي لم تذكره غالب مصنفات البلاغة بحدود اطلاعي ، إذ لم أقف على
من ذكره غير الزبيدي في تاج العروس (( [97] )) وما جاء في النهاية في غريب
الحديث (( [98] )) ، وعباراتهم واحدة كعبارات ابن منظور في اللسان مما يدلل على أن مصدرها واحد ، بل لم تذكره معاجم مصطلحات البلاغة  قال ابن منظور :

في الحديث يَبْعَثُ اللهُ السَّحابَ فيَضْحَكُ أَحْسَنَ الضَّحِكِ ويَتَحَدَّث أَحْسَن الحَديث ، قال ابن الأَثير جاءَ في الخبر أَن حَديثَه الرَّعْدُ وضَحِكَه البَرْقُ وشَبَّهه بالحديث لأَنه يُخْبِر عن المطر وقُرْبِ مجيئه فصار كالمُحَدِّث به ومنه قول نُصَيْب :

فعاجُوا فأَثْنَوْا بالذي أَنتَ أَهْلُه     ولو سَكَتُوا أَثْنَتْ عليكَ الحَقائبُ

وهو كثير في كلامهم ويجوز أَن يكون أَراد بالضحك افْتِرارَ الأَرض بالنبات وظهور الأَزْهار وبالحديث ما يَتَحدَّثُ به الناسُ في صفة النبات وذِكْرِه ويسمى هذا النوعُ في علم البيان المجازَ التَّعْليقِيَّ وهو من أَحْسَن أَنواعه (( [99] )) .

وقد لا يكتفي ابن منظور بذكر المصطلح البلاغي أو حده ، بل يعمد إلى التمثيل ولربما أسهب في إيضاح الشاهد منه ومال إلى شرحه مثل :

قوله تعالى : واسأَل القرية التي كنّا فيها ؛ قال سيبويه : إِنما جاء على اتساع الكلام والاختصار ، وإنما يريد أَهل القرية فاختصر وعمل الفعل في القرية كما كان عاملاً في الأَهل لو كان ههنا؛ قال ابن جني: في هذا ثلاثة معانٍ: الاتساع والتشبيه والتوكيد، وأَما الاتساع فإِنه استعمل لفظ السؤال مع ما لا يصح في الحقيقة سؤاله، أَلا تراك تقول وكم من قرية مسؤولة وتقول القرىوتسآلك كقولك أَنت وشأْنُك فهذا ونحوه اتساع، وأَما التشبيه فلأَنها شبهت بمن يصح سؤاله لما كان بها ومؤالفاً لها، وأَما التوكيد فلأَنه في ظاهر اللفظ إِحالة بالسؤال على من ليس من عادته الإِجابة فكأَنهم تضمنوا لأَبيهم، عليه السلام، أَنه إِن سأَل الجمادات والجِمال أَنبأَته بصحة قولهم، وهذا تَناهٍ في تصحيح الخبر أي لو سأَلتها لأَنطقها الله بصدقنا فكيف لو سأَلت ممن عادته الجواب؟ (( [100] )) .

 

اعتماد المنهج الافتراضي في السؤال والإجابة مثل :

فإِن قلت: فهلا كان التقدير على حذف المعطوف عليه أَي الناقةُ وراكبُ الناقةِ طَليحانِ قيل لبُعْدِ ذلك من وجهين ... (( [101] )) .

 

قد لا ينص رحمه الله على مصطلح واحد في المثال الذي يذكر بل يعطف عليه غيره،مثل :

فجاء به على اتِّساع الكلام والمجاز (( [102] ))

قولهم: غَضَبَ الخَيْلِ على اللُّجُم؛ كَنَوْا بغَضَبِها، عن عَضِّها على اللُّجُم، كأَنها إِنما تَعَضُّها لذلك؛ وقوله أَنشده ثعلب:

تَغْضَبُ أَحْياناً على اللِّجامِ         كغَضَبِ النارِ على الضِّرَام

فسره فقال: تَعَضُّ على اللِّجامِ من مَرَحِها، فكأَنها تَغْضَبُ، وجَعَلَ للنار غَضَباً، على الاستعارة، أَيضاً، وإِنما عَنى شِدَّةَ التهابها، كقوله تعالى: سَمِعُوا لها تَغَيُّظاً وزَفيراً؛ أَي صَوْتاً كصَوْتِ المُتَغَيِّظ، واستعاره الراعي للقِدْرِ، فقال:

إِذا أَحْمَشُوها بالوَقودِ تَغَضَّبَتْ       على اللَّحْمِ، حتى تَتْرُكَ العَظْمَ بادِيا

وإِنما يريد: أَنها يَشتَدُّ غَلَيانُها، وتُغَطْمِطُ فيَنضَجُ ما فيها حتى يَنْفَصِلَ اللحمُ من
العظم (( [103] )) وأَورثه المرض ضعفاً والحزنُ هَمّاً، كذلك. وأَوْرَث المَطَرُ النباتَ نَعْمَةً، وكُلُّه على الاستعارة والتشبيه بِوِراثَةِ المال والمجد (( [104] ))

قول أَبي بكر، رضي الله عنه، في حديث الشَّفاعةِ : إنما نحن حَفْنَةٌ من حَفَناتِ الله ؛ أَراد إنَّا على كَثرتِنا قليلٌ يوم القيامة عند الله كالحَفْنةِ أَي يسير بالإضافة إلى مُلْكِه ورحمته، وهي مِلْءُ الكَفِّ على جهة المجاز والتمثيل ، تعالى الله عز وجل عن التشبيه؛ وهو كالحديث الآخر : حَثْية من حَثَياتِ
رَبِّنا (( [105] ))

 

قد يقف رحمه الله على مادة تتعلق بالبحث البلاغي فيغفلها عمداً ؛ معتذراً بأن اللسان ليس موضعاً لهذا البحث كما في :

قال ابن سيده بين الإِيجاز والاختصار فرق مَنْطِقِيٌّ ليس هذا موضعه (( [106] )) .

 

ربما ذكر رحمه الله بعض تصويبات العلماء على قول يذكره ، مثل :

وأَما إلا فهي حرف استثناء يُستثنى بها على خمسة أَوجه: بعد الإيجاب وبعد النفي والمُفَرَّغِ والمُقَدَّمِ والمُنْقَطِع؛ قال ابن بري: هذه عبارة سيئة، قال: وصوابها أَن يقول الاستثناء بإلاَّ يكون بعد الإيجاب وبعد النفي متصلاً ومنقطعاً ومُقَدَّماً ومؤخراً (( [107] )) .

 

قد يذكر المعنى البلاغي ثم يقرر شيوع هذا المعنى مؤكدا على ذلك بذكر أمثلة متعددة له مثل :

قوله ( صلى الله عليه وسلم ) في الحديث الآخر: ارْتَعُوا في رِياض الجنة أَي مَجالِسِ الذكر، وحديث ابن مسعود: مَن أَراد أَن يَرْتَعَ في رياض الجنة فليقرأْ أَلَ حم ، وهذا المعنى من الاستعارة في الحديث كثير ، كقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : عائدُ المَريض في مَخارِف الجنة ، والجنةُ تحت بارقةِ السيوف ، وتحت أَقدام الأُمهات أَي أَن هذه الأَشياء تؤدّي إِلى الجنة (( [108] ))

قال الفارسي: هذا من معكوس التشبيه، إِنما يقال في الناقةِ جُماليَّة تشبيهاً لها بالجمل لشدّته وصلابته وفضله في ذلك على الناقة، ولكنهم ربما عكسوا فجعلوا المشبه به مشبهاً والمشبه مشبهاً به، وذلك لِما يريدون من استحكام الأَمر في الشَّبَه، فهم يقولون للناقةِ جُمالِيَّةٌ، ثم يُشْعِرُونَ باستحكام الشَّبَهِ فيقولون للذكر جُمالِيٌّ، ينسبونه إِلى الناقة الجُماليَّة، وله نظائر في كلام العرب وكلام سيبويه؛ أَما كلام العرب فكقول ذي الرمة:

ورَمْلٍ كأَوْراكِ النساءِ اعْتَسَفْتُه،         إِذا لَبَّدَتْهُ السارياتُ الرَّكائِكُ

فشبه الرمل بأَوراك النساء والمعتاد عكس ذلك، وأَما من كلام سيبويه فكقوله في باب اسم الفاعل: وقالوا هو الضاربُ الرجلَ كما قالوا الحَسَنُ الوَجْهَ، قال: ثم دار فقال وقالوا هو الحَسَنُ الوَجْهَ كما قالوا الضاربُ الرجلَ (( [109] ))  والعرب تسمي الناقةَ السوداءَ عُقاباً، على التشبيه (( [110] )) .

قد يثبت ملحظاً بلاغياً ما في مثاله الذي يذكره نقلاً عن غيره دون أن يكتفي بما نقل بل يرجح غير ما نقل عليه ، مثل :

في الحديث: بَكَى حتى خضَبَ دَمْعُه الحَصى؛ قال ابن الأَثير: أَي بَلَّها، من طَريقِ الاسْتِعارةِ؛ قال: والأَشْبَهُ أَن يكون أَراد المُبالغةَ في البُكاءِ، حتى احْمَرَّ دمعهُ، فَخَضَبَ الحَصى (( [111] )) .

 

من منهجه أحيانا ذكر ما يحتمله الأسلوب من معانٍ ، مثل :

وقوله تعالى: يا أَبانا ما نَبْغي هذه بضاعَتُنا ؛ يجوز أَن يكون ما نَبْتَغي أَي ما نطلب، فما على هذا إستفهام، ويجوز أَن يكون ما نكْذب ولا نَظْلِم فما على هذا جَحْد. (( [112] ))

وقيل في قوله:

فهلْ عند رَسْمٍ دارِسٍ من مُعَوَّلِ

مذهبان: أَحدهما أَنه مصدر عَوَّلْت عليه أَي اتَّكَلْت، فلما قال إِنَّ شِفائي عَبْرةٌ مُهْراقةٌ، صار كأَنه قال إِنما راحتي في البكاء فما معنى اتكالي في شفاء غَلِيلي على رَسْمٍ دارسٍ لا غَناء عنده عنِّي؟ فسَبيلي أَن أُقْبِلَ على بُكائي ولا أُعَوِّلَ في بَرْد غَلِيلي على ما لا غَناء عنده، وأَدخل الفاء في قوله فهل لتربط آخر الكلام بأَوّله، فكأَنه قال إذا كان شِفائي إِنما هو في فَيْض دمعي فسَبِيلي أَن لا أُعَوِّل على رَسمٍ دارسٍ في دَفْع حُزْني، وينبغي أَن آخذ في البكاء الذي هو سبب الشّفاء، والمذهب الآخر أَن يكون مُعَوَّل مصدر عَوَّلت بمعنى أَعْوَلْت أَي بكَيْت، فيكون معناه: فهل عند رَسْم دارس من إِعْوالٍ وبكاء، وعلى أَي الأَمرين حمَلْتَ المُعوَّلَ فدخولُ الفاء على هل حَسَنٌ جميل .. (( [113] )) .

 

 

 

 

قد يستدل بمخالفة الشاهد لمقرر البحث البلاغي على عدم صحة الشاهد أو صنعه كما في :

قال ابن سيده: فأَما قول الآخر:

إِضْرِبَ عنكَ الهُمُومَ طارِقَها         ضَرْبَك بالسَّوْطِ قَوْنَسَ الفَرَس

فإِنَّ ابن جني قال: هو مَدْفوع مصنوع عند عامة أَصحابنا ولا رواية تثبُت به ، وأَيضاً فإِنه ضعيف ساقط في القياس ، وذلك لأَن التأْكيد من مواضع الإِطْناب والإِسْهاب فلا يَليق به الحَذْف والاختصار ، فإِذا كان السماعُ والقياسُ يدفعان هذا التأْويل وَجَب إِلغاؤه والعُدول إِلى غيره مما كثر استعماله وصحَّ قياسه (( [114] )) .

 

كثرة ايضاح ابن منظور للمصطلح البلاغي بضده ، فهي طريقة دأب عليها في اللسان ربما اكتفى بها دون أن يزيد عليها في تعريفه للمصطلح ، وربما رجع ليضع حدا للمصطلح او يشرح مادته أو يمثل لها ، مثل :

التعْرِيضُ: خلاف التصريح (( [115] ))  ، وقد أسهب رحمه الله بعد هذا القول بشرح التعريض وذكر معانيه واستعمالاته في كلام العرب .

العِيُّ خلافُ البيانِ (( [116] ))

التصريحُ: خلافُ التعريض (( [117] )) .

أَضْمَرَه على خلاف ما أَظهره (( [118] )) .

 

قد يذكر حداً للمصطلح ثم لا يكتفي به بل يلجأ للشرح والإيضاح وإن كان الحد الذي ذكر أدق عبارة ، منقولاً في مظان الفن مثل :

قال: البَيان إظهار المقصود بأَبلغ لفظٍ ، وهو من الفَهْم وذكاءِ القلْب مع اللَّسَن، وأَصلُه الكَشْفُ والظهورُ، وقيل: معناه إن الرجُلَ يكونُ عليه الحقُّ ، وهو أَقْوَمُ بحُجَّتِه من خَصْمِه، فيَقْلِبُ الحقَّ بِبَيانِه إلى نَفْسِه (( [119] ))  .

معجم المصطلحات العروضية في لسان العرب

الابتداءُ :

اسم لِكُلِّ جُزْءٍ يَعْتَلُّ في أَوّلِ البيتِ بِعلةٍ لا يكون في شيءٍ من حَشْوِ البيتِ
كـ( ـالخَرْم ) في ( الطَّوِيلِ ) و( الوافِرِ ) و( الهَزَجِ ) و( المُتقارَب ) ، فإِنَّ هذه كلها يُسَمَّى كلُ واحِدٍ
من أَجْزائِها ، إذا اعْتَلَّ ، ابتداءً ، وذلك لأنَّ ( فعولن ) تُحذف منهُ ( الفاءُ ) في الابتداءِ ، ولا تحذف
( الفاء ) من ( فعولن ) في حَشْوِ البيت البتةَ ؛ وكذلك أَوّل ( مُفاعلتن ) وأَوّل ( مَفاعيلن ) يُحذفان
في أَولِ البيت ، ولا يُسمى ( مُسْتَفْعِلُن ) في ( البسيطِ ) وما أَشبههُ مما علَّتُه كعلَّة أَجزاءِ حَشوهِ ، ابتداءً ، وزعم ( الأَخْفَشُ ) : أَن ( الخليل ) جَعَلَ ( فاعلاتن )  في أَوّلِ ( المديدِ ) ابتداءً ؛ قال: وَلم يدرِ
( الأَخْفَشُ ) لِمَ جَعَلَ ( فاعِلاتُن ) ابْتداءً ، وهي تكون ( فَعِلاتن ) و( فاعِلاتن ) ، كما تكون أَجزاءُ الحَشْوِ . وذهبَ على ( الأَخْفَشِ ) أَنَّ ( الخَليل ) جعلَ ( فاعِلاتُن ) هنا ليست كالحَشو لأَن أَلِفَها تسقُطُ أَبداً بِلا مُعاقبة ، وكُلُّ ما جاز في جُزْئهِ الأَوّلِ ما لا يجوز في حَشْوِهِ ، فاسمه الابتداءُ ؛ وإِنما سُمِّي ما وقع في الجزءِ ابتداءً لابتدائِكَ بِالإِعْلالِ (( [120] )) .

الأبترُ :

من عَرُوض ( المُتَقَارَب ) : الرابع من المثمَّن ، كقوله :

خَلِيليَّ، عُوجَا على رَسْمِ دَارٍ     خَلَتْ مِنْ سُلَيْمى ومِنْ مَيَّهْ

والثاني من المُسَدَّس ، كقوله :

تَعَفَّفْ ولا تَبْتَئِسْ     فما يُقْضَ يَأْتيكَا

فقوله : ( يَهْ ) من ( مَيَّهْ ) ، وقوله : (كا ) مِنْ ( يَأْتِيكا ) كلاهما ( فُلْ ) ، وإِنما حكمهما ( فعولن ) ، فحذفت ( لُن ) فبقي ( فعو ) ثم حذفت الواو وأُسكنت العين فبقي ( فُلْ ) وسمَّى ( قطرب ) البيتَ الرابع من ( المديد ) ، وهو قوله :

إِنما الذَّلْفاءُ ياقُوتَةٌ     أُخْرِجَتْ مِنْ كيسِ دُهْقانِ

سماه أَبْتَرَ ، قال ( أَبو إِسحق ) : وغلط قطرب ، إِنما الأَبتر في ( المتقارب ) ، فأَما هذا الذي سماه
( قطرب ) الأَبْتَرَ فإِنما هو ( المقطوع ) (( [121] )) .

 

الأثرم :

من أَجزاء العَروض : ما اجتمع فيه ( القَبْض ) و( الخَرْمُ ) ، يكون ذلك في
( الطَّويل ) و( المتَقارَب ) ، شُـبِّهَ بالأَثْرَم من الناس (( [122] ))  .

الإجازة :

الإِجازَة في الشِّعْر : أَن تُتِم مِصْراعَ غيرك ، وقيل : الإِجازَة في الشِّعْر : أَن يكون الحرفُ الذي يلي حرفَ ( الرَّوِي ) مضموماً ثم يكسر أَو يفتح ويكون حرف ( الروي ) مُقَيّداً .
والإِجازَة في قول ( الخليل ) : أَن تكون القافية ( طاءً ) والأُخرى ( دالاً ) ونحو ذلك ، وهو ( الإِكْفاء ) في قول ( أَبي زيد ) ، ورواه ( الفارسي ) : الإِجارَة ، بالراء غيرَ معجمةٍ (( [123] )) .

الأحذ :

( الأَزهري ) : الأَحَذُّ اسم عروض من أَعاريض الشعر ؛ قال ( ابن سيده ) : هو من          ( الكامل ) إِلى ( مُتفا ) ونقله إِلى ( فَعِلُنْ ) ، أَو ( مُتْفاعِلُنْ ) إِلى ( مُتْفا ) ونقله إِلى ( فَعْلُنْ ) ، وذلك لخفتها بالحذف . وزاده ( الأَزهري ) إِيضاحاً فقال : يكون صدره ثلاثة أَجزاء ( متفاعلن ) ، وآخره جزآن تامّان ، والثالث قد حذف منه ( علن ) وبقيت القافية ( متفا ) فجعلت ( فَعْلُنْ ) أَو ( فَعِلُنْ ) كقول ( ضابيء ) :

إِلاَّ كُمَيْتاً كالقَناةِ وضابيا     بالقَرْحِ بَيْنَ لَبانِهِ ويَدِه

وكقوله:

وحُرِمْتَ مِنَّا صاحِباً ومُؤازِراً    وأَخاً على السَّرَّاءِ والضُّرّ

والقصيدة ( حَذَّاءُ ) ؛ قال ( ابن سيده ) : قال ( أَبو إِسحق ) : سمِّيَ ( أَحَذَّ ) ؛ لأَنه قَطْعٌ سريعٌ مستأْصلٌ  قال ( ابن جني ) : سمِّيَ أَحَذَّ ؛ لأَنه لما قطع آخر الجزء قَلَّ وأَسْرَعَ انقضاؤه وفناؤه . وجُزءٌ ( أَحَذُّ ) إذا كان كذلك (( [124] )) .

 

 

 

 

 

الإخراج  :

هذا الشعر في ( سَمائِيَا ) على غير المستعمل ، والآخر أَنه قال : ( سَمائي ) ، وكان القياس الذي غلب عليه الاستعمال ( سَمايا ) فجاء به هذا الشاعر لما اضطرَّ على القياس المتروك ، فقال : ( سَمائي ) على وزن ( سَحائبَ ) ... ، الإخراج عن الأَصل المستعمَل والردِّ إلى القِياس المَتروكِ الاستعمالِ ، ثم حرَّك الياءَ بالفتح في موضع الجر ، كما تُحَرَّكُ من ( جَوارٍ ) و( مَوالٍ ) ، فصار مثل
( مَواليَ ) ؛ وقوله :

أَبِيتُ على مَعاريَ واضِحاتٍ

فهذا أَيضاً وجهٌ ثالثٌ من ( الإخراج ) عن الأَصل المستعمل ، وإنما لم يأْتِ بالجمع في وجهه ، أَعني أَن يقولَ : ( فوق سبع سَمايا ) ؛ لأَنه كان يصير إلى الضرب الثالث من ( الطويل ) ، وإنما مَبْنى هذا الشِّعرِ على الضرب الثاني الذي هو ( مَفاعِلن ) ، لا على الثالث الذي هو ( فعولن ) (( [125] )) .

الأخرم :

الأَخْرَمُ من الشِّعْرِ : ما كان في صدره ( وَتدٌ مجموعُ الحركتينِ ) فَخُرِمَ أَحدهما وطُرِحَ كقوله :

إِنَّ امْرأ ًً قد عاش عِشرِينَ حِجَّةً    إِلى مِثلها يَرْجو الخُلودَ ، لجاهِلُ

كان تمامه : وإِنَّ امرأ ً؛ قال ( الزجاج ) : من عِلَلِ ( الطَّويل ) الخَرْمُ وهو حذف فاء
( فَعُولُنْ ) وهو يسمَّى ( الثَّلْمَ ) ، قال : وخَرْمُ ( فَعولُنْ ) بيتُه ( أَثْلَمُ ) ، وخَرْمُ ( مَفاعِيلن ) بيته
( أَعْضَبُ ) ، ويسمَّى ( مُتَخَرِّماً ) ؛ ليُفْصَلَ بين اسم مُنْخَرم ( مَفاعِيلن ) وبين مُنْخَرِمِ أَخْرَم ؛ قال
( ابن سيده ) : الخَرْمُ في العَروض : ذهاب الفاء من ( فَعولن ) فيبقى ( عولُنْ ) ، فينقل في التقطيع
إِلى ( فَعْلُنْ ) ، قال : ولا يكون الخَرْمُ إِلا في أَول الجزء في البيت ، وجمعه ( أَبو إِسحق ) على خُرُوم ، قال : فلا أَدري أَجَعَله اسماً ثم جمعه على ذلك أَم هو تسمُّح منه (( [126] )) . وينظر : الابتداء .

الإرقال :

الإرْقالُ: ضربٌ من الخَبَب (( [127] ))  .

الإشباع :

( تَنُوفى )  : موضعٌ ؛ قال امرؤ القيس :

كأَنَّ دِثاراً حَلَّقَتْ بِلَبُونِه     عُقابُ تَنُوفى ، لا عُقابُ القَواعِلِ

قال ( ابن جني ) : قلت مرّة لـ( أَبي علي ) يجوز أَن تكون ( تَنُوفى ) مقصورة من ( تَنوفاء  بمنزلة
( بَرُوكاء ) ، فسمع ذلك وتَقَبَّلَه ؛ قال ( ابن سيده ) : وقد يجوز أَن يكون أَلف ( تَنُوفى ) إشباعاً للفتحة لا سيما وقد رويناه مفتوحاً وتكون هذه الأَلف ملحَقةً مع الإشباع لإقامة الوزن ؛ أَلا تراها مقابلة لياء
( مفاعيلن ) كما أَن ( الأَلف ) في قوله :

يَنْباعُ من ذِفْرى غَضُوبٍ جَسْرةٍ

إنما هي إشْباعٌ للفتحة طلَباً لإِقامة الوزن ، أَلا ترى أَنه لو قال : ( يَنْبَعُ من ذفرى ) لصح الوزن
إلا أَن فيه زِحافاً ، وهو ( الخَزْلُ ) ، كما أَنه لو قال تَنُوفَ لكان الجزء ( مَقْبوضاً ) فالإشْباعُ إذا
في الموضعين إنما هو مخافةَ الزِّحاف الذي هو جائز (( [128] )) .

وقال في مادة ( سكن ) : في الأَصل ( فما استَكَنُوا ) فمدّت فتحة ( الكاف ) بأَلف كقوله :

لها مَتْنتان خَظانا

أَراد : ( خَظَتا ) فمدّ فتحة الظاء بأَلف . ..... ، قال ابن سيده: وأَكثر ما جاءَ إشباع حركة العين
في الشعر كقوله :

يَنْباعُ من ذفرى غَضُوب

أَي يَنَبَع ، مدّت فتحة الباء بأَلف ، وكقوله :

أَدْنو فأَنظُورُ (( [129] )) . وينظر ( الوقف ) .

والإِشباعُ في القوافي: حركة الدَّخِيل، وهو الحرف الذي بعد التأْسيس ككسرة الصاد من قوله:

كِلِينِي لِهَمٍّ، يا أُمَيْمةَ، ناصِبِ

وقيل: إِنما ذلك إذا كان الرَّويّ ساكناً ككسرة الجيم من قوله :

كَنِعاجِ وَجْرةَ ساقَهُنْ         نَ إِلى ظِلالِ الصَّيْفِ ناجِرْ

وقيل: الإِشباع اختلاف تلك الحركة إذا كان الرَّوِيّ مقيداً كقول الحطيئة في هذه القصيدة:

الواهِبُ المائةِ الصَّفا         يا، فَوْقَها وَبَرٌ مُظاهَر

بفتح الهاء، وقال الأَخفش: الإِشباع حركة الحرف الذي بين التأْسيس والرَّوِيّ المطلق نحو قوله:

يَزِيدُ يَغُضُّ الطَّرْفَ دُونِي، كأَنَّما    زَوَى بَيْنَ عَيْنَيْه عليَّ المَحاجِمُ

كسرةُ الجيم هي الإِشباعُ، وقد أَكثر منها العرب في كثير من أَشْعارها، ولا يجوز أَن يُجْمع فتح مع كسر ولا ضمٍّ، ولا مع كسر ضمٌّ، لأَن ذلك لم يُقل إِلا قليلاً، قال: وقد كان الخليل يُجِيزُ هذا ولا يُجيزُ التوجيهَ، والتوجيهُ قد جمعته العرب وأَكثرت من جمعه، وهذا لم يُقل إِلا شاذّاً فهذا أَحْرَى أَن لا
يجوز، وقال ابن جني : سُمّي بذلك من قِبَل أَنه ليس قبل الرويّ حرف مسمى إِلا ساكناً أَعني التأْسيس والرِّدْفِ، فلما جاء الدخيل محركاً مخالفاً للتأْسيس والرِّدْفِ صارت الحركة فيه كالإِشباع له، وذلك لزيادة المتحرك على الساكن لاعتماده بالحركة وتمكنه بها (( [130] )) .

الإشمام :

ترى أَن سيبويه حين أَنشد:

مَتَى أَنامُ لا يُؤَرّقْنِي الكَرِي

مجزومَ القاف قال بعد ذلك : وسمعت بعض العرب يُشِمُّها الرفْع كأَنه قال : متى أَنامُ غَيْرَ مُؤَرَّقٍ ؟ التهذيب : والإِشمام أَن يُشَمَّ الحرفُ الساكنُ حَرْفاً كقولك في الضمة هذا العمل وتسكت ، فتَجِدُ في فيك إِشماماً للاَّم لم يبلغ أَن يكون واواً ، ولا تحريكاً يُعتدّ به ، ولكن شَمَّةٌ من ضمَّة خفيفة ، ويجوز ذلك في الكسر والفتح أَيضاً . الجوهري : وإِشْمامُ الحَرْف أَن تُشِمَّه الضمةَ أَو الكسرةَ ، وهو أَقل من رَوْمِ الحركة لأَنه لا يُسمع وإِنما يتبين بحركة الشفة ، قال : ولا يُعتدّ بها حركة لضعفها ؛ والحرف الذي فيه الإِشمام ساكن أَو كالساكن مثل قول الشاعر :

متى أَنامُ لا يُؤَرِّقْني الكَرِي     ليلاً ، ولا أَسْمَعُ أَجْراسَ المَطِي

قال سيبويه: العرب تُشِمُّ القاف شيئاً من الضمة، ولو اعتددت بحركة الإِشمام لانكسر البيت ، وصار تقطيع : رِقُني الكَري، متفاعلن ، ولا يكون ذلك إِلاَّ في الكامل، وهذا البيت من الرجز (( [131] )) .

قال سيبويه : جزمه لأَنه في معنى : إن يكن لي نوم في غير هذه الحال لا يؤَرقني الكرى . قال ابن جني : هذا يدلك من مذاهب العرب على أنَّ الإشمام يقرُب من السكون وأَنه دون رَوْم الحركة ، قال : وذلك لأَن الشعر من الرجز ووزنه :

متى أَنا ، م لا يؤر ،  رقْني الكرى

مفاعلن ،  مفاعلن  ، مستفعلـن

والقاف من يؤَرقني بإزاء السين من مستفعلن ، والسين كما ترى ساكنة ؛ قال: ولو اعتددت بما في القاف من الإشمام حركة لصار الجزء إلى متفاعلن، والرجز ليس فيه متفاعلن إنما يأْتي  في الكامل، قال : فهذه دلالة قاطعة على أَن حركة الإشمام لضعفها غير معتدّ بها، والحرف الذي هي فيه ساكن أَو كالساكن، وأَنها أَقل في النسبة والزنة من الحركة المُخفاة في همزة بين بين وغيرها. قال سيبويه: وسمعت بعض العرب يُشمُّها الرفع ،كأَنه قال : غير مؤَرَّق ، وأَراد الكَرِيّ فحذف إحدى الياءَين (( [132] )) .

الأصلم :

الأَصْلَمُ من الشِّعْر: ضَرْبٌ من المديد والسريع على التشبيه . التهذيب: والأَصْلَم المُصَلَّمُ من الشِّعْر وهو ضرب من السريع يجوز في قافيته فَعْلُن فَعْلُن ،كقوله:

ليس على طُولِ الحياةِ نَدَمْ     ومِنْ وَراءِ الموتِ ما يُعْلَمْ (( [133] )) .

الإِضْمارُ :

سُكونُ التاء من مُتَفاعِلن في الكامل حتى يصير مُتْفاعلن ، وهذا بناءٌ غير مَعْقولٍ فنُقِل إِلى بناءٍ مَقُولٍ ، مَعْقولٍ ، وهو مُسْتَفْعِلن ، كقول عنترة:

إِني امْرُؤٌ من خيرِ عبْسٍ مَنْصِباً   شَطْرِي ، وأَحْمِي سائري بالمُنْصُلِ

فكلُّ جزء من هذا البيت مُسْتَفْعلن وأَصْلُه في الدائرة مُتَفاعلن ، وكذلك تسكينُ العين من فَعِلاتُنْ فيه
أَيضاً فَيْبقى فَعْلاتن فيُنْقَل في التقطيع إِلى مفعولن ؛ وبيته قول الأَخطل:

ولقد أَبِيتُ من الفَتاة بمَنْزِلِ ،       فأَبِيتُ لا حَرِجٌ ولا مَحْرُومُ

وإِنما قيل له مُضْمَرٌ لأَن حركته كالمُضْمَر ، إِن شئت جئت بها ، وإِن شئت سَكَّنْته ، كما أَن أَكثر المُضْمَر في العربية إِن شئت جئت به ، وإِن شئت لم تأْتِ به (( [134] )) .

الاعتماد :

اسم لكل سبب زاحفته، وإِنما سمي بذلك لأَنك إِنما تُزاحِفُ الأَسباب لاعْتِمادها على الأَوْتاد (( [135] ))  . ولا يقع في الأَوتاد زحاف لأَنَّ اعتماد الجزء إِنما هو عليها ، إِنما يقع في الأَسْباب لأَن الجزء غير معتمد عليها (( [136] )) .

الأقطع :

اقْطَعَ الشاعِرُ: انْقَطَعَ شِعْرُه (( [137] )) .

الإقواء :

أَبو عمرو بن العلاء : الإِقْواء أَن تختلف حركات الروي ، فبعضه مرفوع وبعضه منصوب أَو مجرور . أَبو عبيدة : الإِقواء في عيوب الشعر نقصان الحرف من الفاصلة يعني من عَرُوض البيت ، وهو مشتق من قوَّة الحبل ، كأَنه نقص قُوَّة من قُواه وهو مثل القطع في عروض الكامل؛ وهو كقول الربيع بن زياد :

أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مالِك بن زُهَيْر      تَرْجُو النِّساءُ عَواقِبَ الأَطْهار ؟

فنقَص من عَروضه قُوَّة .

والعَروض : وسط البيت : وقال أَبو عمرو الشيباني : الإِقْواء اختلاف إِعراب القَوافي ؛ وكان يروي بيت الأَعشى :

ما بالُها بالليل زالَ زَوالُها

بالرفع ، ويقول : هذا إِقْواء ، قال: وهو عند الناس الإِكفاء ، وهو اختلاف إِعراب القَوافي ، وقد
أَقْوى الشاعر إِقْواء ، ابن سيده : أَقْوَى في الشعر خالفَ بين قَوافِيه ، قال : هذا قول أَهل اللغة .
وقال الأَخفش : الإِقْواء رفع بيت وجرّ آخر نحو قول الشاعر :

لا بَأْسَ بالقَوْمِ من طُولٍ ومن عِظَمٍ     جِسْمُ البِغال وأَحْلامُ العَصافيرِ

ثم قال :

كأَنهم قَصَبٌ ، جُوفٌ أَسافِلُه       مُثَقَّبٌ نَفَخَتْ فيه الأَعاصيرُ

قال : وقد سمعت هذا من العرب كثيراً لا أُحصي ، وقَلَّت قصيدة ينشدونها إِلا وفيها إِقْواء
ثم لا يستنكِرونه لأَنه لا يكسر الشعر ، وأَيضاً فإِن كل بيت منها كأَنه شعر على حِياله . قال ابن جني : أَما سَمْعُه الإِقواء عن العرب فبحيث لا يُرتاب به لكن ذلك في اجتماع الرفع مع الجرّ ، فأَما مخالطة النصب لواحد منهما فقليل، وذلك لمفارقة الأَلف الياء والواو ومشابهة كل واحدة منهما جميعاً أُختها ؛ فمن ذلك قول الحارث بن حلزة :

فَمَلَكْنا بذلك الناسَ ، حتى      مَلَكَ المُنْذِرُ بنُ ماءِ السَّماءِ

مع قوله :

آذَنَتْنا بِبَيْنِها أَسْماءُ         رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنْه الثَّواءُ (( [138] ))

قال الخليل : إذا كان بيت من الشِّعْر فيه زِحافٌ قيل له مُقْعَدٌ ؛ والمُقْعَدُ من الشعر: ما نَقَصَتْ من عَرُوضِه قُوَّة ، كقوله :

أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مالِكِ بنِ زُهَير   تَرْجُو النساءُ عَوَاقِبَ الأَطْهارِ ؟

قال أَبو عبيد : الإِقواء نقصان الحروف من الفاصلة فَيَنْقُص من عَرُوضِ البيت قُوَّةٌ ، وكان الخليل يسمى هذا المُقْعَدَ . قال أَبو منصور : هذا صحيح عن الخليل وهذا غير الزحاف
وهو عيب في الشعر والزحاف ليس بعيب (( [139] )) .

كحِبِّي، إذا تَلاقَوا ، و     وُجُوهُ القَوْمِ أَقْرانُ

وأَنتَ الطاعِنُ النَّجْلا         ءِ منها مُزْبِدٌ آنِ

وفي الكَفِّ حُسامٌ صا        رِمٌ أَبْيَضُ خَذَّامُ

وقد تَرْحَلُ بالرَّكْبِ ،    فما تُخْنِي لصُخْبانِ

ابن سيده : هكذا رواها الأَخفش كلها مقيدة ، ورواها أَبو عمرو مطلقة . قال ابن جني : إذا قيدت ففيها عيب واحد وهو الإكْفاء بالنون والميم ، وإذا أَطلقت ففيها عيبان الإكْفاء والإقْواء ، قال : وعندي أَن ابن جني قد وهم في قوله رواها أَبو الحسن الأَخفش مقيدة ، لأَن الشعر من الهَزَج وليس في الهزج مفاعيل بالإسكان ولا فَعُولانْ ، فإن كان الأَخْفش قد أَنشده هكذا فهو عندي على إنشاد من أَنشد :

أَقِلِّي اللَّوْمَ عاذِلَ والعِتابْ

بسكون الباء ، وهذا لا يعتدّ به ضرباً لأَن فَعُولْ مسكَّنة ليست من ضروب الوافر ، فكذلك مفاعيلْ أَو فَعُولانْ ليست من ضروب الهزج ، وإذا كان كذلك فالرواية كما رواه أَبو عمرو ، وإن كان في الشعر حينئذ عيبان من الإقواء والإكفاء إذ احتمالُ عيبين وثلاثة وأَكثر من ذلك أَمْثَلُ من كسر البيت ، وإن كنت أَيها الناظر في هذا الكتاب من أَهل العَروض ، فعِلْمُ هذا عليك من اللازم المفروض (( [140] )) .

قال البُرَيْق الهذلي:

ويَحْمِي المُضافَ إذا ما دعا         إذا ما دعا اللِّمّة الفَيْلَمُ

هكذا رواه أَبو عبيد بالإطلاق مرفوعاً ، ورواه غيره بالإطلاق أيضاً مجروراً على الصفة
للِّمّة ؛ قال ابن سيده : وعندي أَنَّ الرواية الصحيحة إنما هي الإسكان على أَنه من الضرب الرابع من المُتَقارَب لأَنك إن أَطلقتها فهي مُقْواة ،كانت مرفوعة أَو مجرورة ،أَلا ترى أَن فيها :

بعثت إذا طَلَعَ المِرْزَمُ

وفيها :

والعَبدَ ذا الخُلُق الأَفْقَما

وفيها :

وأَقضي بصاحبها مَغْرَمِي

فإذا سكّنت ذلك كله فقلت المِرْزَمْ الأَفقمْ مغرمْ ، سَلِمت القِطعةُ من الإقواءِ فكان الضرْب

فلْ ، فلم يخرج من حكم المتقارَب (( [141] )) .

رَدَدْنا الكتيبةَ مَفْلولةً               بها أَفْنُها وبها ذابُها

ولستُ، إذا كنتُ في جانبٍ     أَذُمُّ العَشيرةَ، أَغْتابُها

ولكنْ أُطاوِعُ ساداتِها،         ولا أَتَعَلَّمُ أَلْقابَها.

وفي شعره إقواءٌ في المرفوع والمنصوب. والمُذانُ: لغة في المُذال (( [142] )) .

الإكفاء :

أَكْفَأَ في الشعر: خالَف بين ضُروبِ إِعْرابِ قَوافِيه ، وقيل : هي المُخالَفةُ بين هِجاءِ قَوافِيهِ ، إذا تَقارَبَتْ مَخارِجُ الحُروفِ أَو تَباعَدَتْ . وقال بعضهم : الإكْفَاءُ في الشعر هو المُعاقَبَةُ بين الراء واللام ، والنون والميم . قال الأَخفش : زعم الخليل أَنَّ الإِكْفَاءَ هو الإِقْواءُ ، وسمعته من غيره من أَهل العلم . قال: وسَأَلتُ العَربَ الفُصَحاءَ عن الإكْفَاءِ ، فإذا هم يجعلونه الفَسادَ في آخِر البيت والاخْتِلافَ من غير أَن يَحُدُّوا في ذلك شيئا ًً، إلاَّ أَني رأَيت بعضهم يجعله اختلاف الحُروف ، فأَنشدته :

كأَنَّ فا قارُورةٍ لم تُعْفَصِ

منها، حِجاجا مُقْلةٍ لم تُلْخَصِ

كأَنَّ صِيرانَ المَها المُنَقِّزِ

فقال : هذا هو الإِكْفَاءُ . قال : وأَنشد آخَرُ قوافِيَ على حروف مختلفة ، فعابَه ، ولا أَعلمه إلاَّ قال له : قد أَكْفَأْتَ . وحكى الجوهريّ عن الفرَّاءِ : أَكْفَأَ الشاعر إذا خالَف بين حَركات الرَّوِيّ ، وهو مثل الإِقْواءِ . قال ابن جني : إذا كان الإِكْفَاءُ في الشِّعْر مَحْمُولاً على الإِكْفاءِ في غيره ، وكان وَضْعُ الإِكْفَاءِ إِنما هو للخلافِ ووقُوعِ الشيءِ على غير وجهه ، لم يُنْكَر أَن يسموا به الإقْواءَ في اخْتلاف حُروف الرَّوِيِّ جميعاً ، لأَنَّ كلَّ واحد منهما واقِعٌ على غير اسْتِواءٍ . قال الأَخفش : إلا أَنِّي رأَيتهم إذا قَرُبت مَخارِجُ الحُروف ، أَو كانت من مَخْرَج واحد ، ثم اشْتَدَّ تَشابُهُها ، لم تَفْطُنْ لها عامَّتُهم ، يعني عامَّةَ العرب .

وقد عاب الشيخ أَبو محمد بن بري على الجوهريّ قوله : الإِكْفاءُ في الشعر أَن يُخالَف بين قَوافِيه
فيُجْعَلَ بعضُها ميماً وبعضها طاءَ ، فقال: صواب هذا أَن يقول وبعضها نوناً لأَن الإِكْفَاءَ إِنما يكون في الحروف المُتقارِبة في المخرج ، وأَما الطاء فليست من مخرج الميم . والمُكْفَأُ في كلام العرب هو المَقْلُوب وإلى هذا يذهبون . قال الشاعر:

ولَمَّا أَصابَتْنِي، مِنَ الدَّهْرِ، نَزْلةٌ،       شُغِلْتُ، وأَلْهَى الناسَ عَنِّي شُؤُونُها

إذا الفارِغَ المَكْفِيَّ مِنهم دَعَوْتُه،         أَبَرَّ، وكانَتْ دَعْوةً يَسْتَدِيمُها

فَجَمَعَ الميم مع النون لشبهها بها لأَنهما يخرجان من الخَياشِيم (( [143] )) ، قال :

إِذا رَحَلْتُ فاجْعَلوني وسَطَا      إِني كَبيرٌ لا أُطِيقُ العُنَّدَا

جمع بين الطاء والدال، وهو إِكفاءٌ (( [144] )) ، وينظر : الإقواء .

ألف التأسيس : ينظر : التأسيس .

الأوابد :

يقال للشوارد من القوافي أَوابد؛ قال الفرزدق:

لَنْ تُدْرِكوا كَرَمي بِلُؤْمِ أَبيكُمُ        وأوابِدِي بتَنَحُّل الأشعارِ

ويقال للكلمة الوحشية: آبدة، وجمعها الأَوابد (( [145] )) .

الإيطاء :

أَما تَـراني رَجُلاً كما تَرَى

أَحْمِلُ فَوْقي بِزَّنِي كما تَرَى

على قَلُوص صعبة كما تَرَى

أَخافُ أَن تَطْرَحَني كما تَرَى

فما تَرى فيما تَرَى كما تَرَى

قال ابن سيده : فالقول عندي في هذه الأَبيات أَنها لو كانت عدَّتُها ثلاثة لكان الخطب فيها أَيسر، وذلك لأَنك كنت تجعل واحداً منها من رُؤْية العَيْنِ كقولك كما تُبْصِر ، والآخر من رُؤْية القَلْبِ في معنى العلم فيصير كقولك : كما تَعْلم ، والثالث من رأَيْت التي بمعنى الرَّأْي الاعتقاد ، كقولك : فلان يرَى رَأْي الشُّراةِ أَي يعتَقِدُ اعْتِقادَهم ... قال ابن سيده : فلذلك قلنا لو كانت الأَبيات ثلاثة لجاز أَن لا يكون فيها إِيطاء لاختلاف المعاني وإِن اتفقت الأَلفاظ ، وإِذْ هِي خمسة فظاهر أَمرها أَن تكون إِيطاء لاتفاق الأَلفاظ والمعاني جميعاً ، وذلك أَن العرب قد أَجرت الموصول والصلة مُجْرى الشيء الواحد ونَزَّلَتْهما منزلة الخبر
المنفرد، وذلك نحو قول الله عز وجل: الذي هو يُطْعِمُني ويَسْقِينِ وإِذا مَرِضْتُ فهُو يَشْفِينِ والذي يُميتُني
ثم يُحْيِينِ والذي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لي خطيئَتي يومَ الدِّينِ ؛ لأَنه سبحانه هو الفاعل لهذه الأَشياء كلها
وحده ، والشيء لا يُعْطَف على نفسِه ، ولكن لما كانت الصلة والموصول كالخبر الواحد وأَراد عطف الصلة جاء معها بالموصول لأَنهما كأَنهما كلاهما شيء واحد مفرد؛ وعلى ذلك  قول الشاعر:

أَبا ابْنَةَ عبدِ الله وابْنَةَ مالِكٍ،         ويا ابْنَةَ ذي الجَدَّينِ والفَرَسِ الوَرْدِ

إِذا ما صَنَعْتِ الزَّادَ، فالْتَمِسي لهُ       أَكِيلاً، فإِني لسْتُ آكُلُه وَحْدي

فإِنما أَراد: أَيا ابْنة عبدِ الله ومالِكٍ وذي الجَدّين لأَنها واحدةٌ، أَلا تَراهُ يقول صنعتِ ولم يَقُلْ صنعتُنَّ ؟ فإِذا جازَ هذا في المضاف والمضاف إِليه كان في الصِّلَةِ والموصولِ أَسْوَغَ ، لأَنَّ اتِّصالَ الصِّلَةِ بالموصول أَشدُّ من اتصال المضافِ إِليه بالمُضاف ؛ وعلى هذا قول الأَعرابي وقد سأَله أَبو الحسن الأَخفشُ عن قول الشاعر:

بَناتُ وَطَّاءٍ على خَدِّ اللَّيْل

فقال له: أَين القافية ؟ فقال: خدّ الليلْ ؛ قال أَبو الحسن الأَخفش : كأَنه يريد الكلامَ الذي
في آخر البيت قلَّ أَو كَثُر ، فكذلك أَيضاً يجعل ما تَرَى وما تَرَى جميعاً القافية ، ويجعل ما مَرَّةً مصدراً ومرة بمنزلة الذي فلا يكون في الأَبيات إِيطاء ؛ قال ابن سيده: وتلخيص ذلك أَن يكون تقديرها أَما تراني رجلاً كُرؤْيَتِك أَحمل فوقي بزتي كمَرْئِيِّك على قلوص صعبة كعِلْمِكَ أَخاف أَن تطرحني كمَعْلُومك فما ترى فيما ترى كمُعْتَقَدِك ، فتكون ما ترى مرة رؤية العين ، ومرة مَرْئِيّاً، ومرة عِلْماً ومرة مَعلوماً، ومرة مُعْتَقَداً ، فلما اختلفت المعاني التي وقعت عليها ما واتصلت بها فكانت جزءاً منها لاحقاً بها صارت القافية وما ترى جميعاً ، كما صارت في قوله خدّ الليل هي خدّ الليل جميعاً لا الليل وحده ؛ قال: فهذا قياس من القوّة بحيث تراه ، فإِن قلت: فما رويّ هذه الأَبيات ؟ قيل: يجوز أَن يكون رَوّيها الأَلفَ فتكون مقصورة يجوز معها سَعَى وأتى لأَن الأَلف لام الفعل كأَلف سَعَى وسَلا ، قال: والوجه عندي أَن تكون رائِيَّة لأَمرين : أَحدهما أَنها قد التُزِمَت ، ومن غالب عادة العرب أَن لا تلتزم أَمراً إِلا مع وجوبه ، وإِن كانت في بعض المواضع قد تتَطوَّع بالتزام ما لا يجب عليها وذلك أَقل الأَمرين وأَدْوَنُهما ، والآخر أَن الشعر المطلق أَضعاف الشعر المقيد ، وإِذا جعلتها رائية فهي مُطْلقة ، وإذا جعلتها أَلِفِيَّة فهي مقيدة ، أَلا ترى أَن جميع ما جاء عنهم من الشعر المقصور لا تجد العرب تلتزم فيه ما قبل الأَلف بل تخالف ليعلم بذلك أَنه ليس رَوِيّاً ؟ وأَنها قد التزمت القصر كما تلتزم غيره من إِطلاق حرف الروي ، ولو التزمت ما قبل الأَلف لكان ذلك داعياً إِلى إِلْباس الأَمر الذي قصدوا لإِيضاحِه، أَعني القصرَ الذي اعتمدوه ، قال: وعلى هذا عندي قصيدة يزيدَ بنِ الحَكَم ، التي فيها مُنْهَوي ومُدَّوي ومُرْعَوي ومُسْتَوي ، هي واويَّة عندنا لالتزامه الواو في جميعها والياءاتُ بعدها وُصُول لما ذكرنا (( [146] )) .

ومما اتفق لفظه واختلف معناه فلم يكن إِيطاءً قولُ بعض المولّدين :

يا طِيبَ لَذَّةِ أَيامٍ لنا سَلَفَتْ         وحُسْنَ بَهْجَةِ أَيامِ الصِّبا عُودِي

أَيامَ أَسْحَبُ ذَيْلاً في مَفارِقِها          إِذا تَرَنَّمَ صَوْتُ النَّايِ والعُودِ

وقهْوَةٍ من سُلافِ الدَّنِّ صافِيَةٍ      كالمِسْكِ والعَنبَرِ الهِندِيِّ والعُود

تستَلُّ رُوحَكَ في بِرٍّ وفي لَطَفٍ  إِذا جَرَتْ منكَ مجرى الماءِ في العُودِ

قوله أَوَّلَ وهْلَةٍ عُودي : طَلَبٌ لها في العَوْدَةِ ، والعُودُ الثاني: عُودُ الغِناء ، والعُودُ الثالث : المَنْدَلُ وهو العُودُ الذي يتطيب به ، والعُودُ الرابع: الشجرة ، وهذا من قَعاقعِ ابن سيده ؛ والأَمر فيه أَهون من الاستشهاد به أَو تفسير معانيه وإِنما ذكرناه على ما وجدناه (( [147] )) .

ــــ   ب    ـــ

البتر : ينظر : الأبتر .

البراء :

البَرَاءُ في المَدِيدِ : الجُزْءُ السَّالِمُ مِنْ زِحَافِ المُعاقبَةِ . وكلُّ جزءٍ يمكِنُ أَنْ يَدْخُله الزِّحافُ كالمُعاقبَةِ ، فيَسْلَمُ منهُ ، فهو بَرِيءٌ (( [148] )) .

البسيط :

البَسِيط: جِنْس من العَرُوضِ سمي به لانْبِساط أَسبابه ؛ قال أَبو إِسحق : انبسطت فيه الأَسباب فصار أَوّله مستفعلن فيه سببان متصلان في أَوّله (( [149] )) .

وقال:

قَفْرُ فَيافٍ ، تَرى ثَوْرَ النِّعاجِ بها     يَروحُ فَرْداً ، وتَبْقى إلْفُه طاوِيهْ

وهذا من شاذ البسيط ؛ لأَن قوله ( طاوِيهْ ) فاعِلُنْ وضربُ البسيط لا يأْتي على
فاعلن ، والذي حكاه أَبو إسحَق وعزاه إلى الأَخفش : أن أَعرابيّاً سئل أَن يصنع بيتاً تاماً
من البسيط فصنع هذا البيت ، وهذا ليس بحُجة فيُعْتَدَّ بفاعلن ضرباً في البسيط ، إنما هو في موضوع الدائرة ، فأَما المستعمل فهو فعِلن وفَعْلن (( [150] )) .

البيت  :

البَيْتُ من الشِّعْرِ مشتقٌّ من بَيْت الخِباء، وهو يقع على الصغير والكبير، كالرجز والطويل ، وذلك لأَنه يَضُمُّ الكلام، كما يَضُمُّ البيتُ أَهلَه، ولذلك سَمَّوْا مُقَطَّعاتِه أَسباباً وأَوتاداً، على التشبيه لها بأَسباب البيوت وأَوتادها، والجمع: أَبْيات. وحكى سيبويه في جمعه بُيوتٌ، فتَبِعَه ابنُ جني فقال، حين أَنشد بَيْتَي العَجَّاج:

يا دارَ سَلْمى يا اسْلَمِي، ثم اسْلَمِي      فَخنْدِفٌ هامَةُ هذا العالَم

جاءَ بالتأْسيس، ولم يجئ بها في شيء من البُيوتِ . قال أَبو الحسن؛ وإِذا كان البَيْتُ من
الشِّعْرِ مُشَبَّهاً بالبيت من الخِباءِ وسائر البناءِ، لم يمتنع أَن يُكَسَّرَ على ما كُسِّرَ عليه .
التهذيب: والبَيْتُ من أَبيات الشِّعْر سمي بيتاً، لأَنه كلامٌ جُمِعَ منظوماً، فصار كبَيْتٍ جُمِعَ
من شُقَقٍ ، وكِفاءٍ ، ورِواقٍ ، وعُمُد ؛ وقول الشاعر:

وبيتٍ، على ظَهْر المَطِيِّ، بَنَيْتُه    بأَسمرَ مَشْقُوقِ الخَياشِيم ، يَرْعُفُ

قال: يعني بيت شِعْرٍ كتَبه بالقلم (( [151] )) .

ــــ   ت    ـــ

التأسيس :

التهذيب : والتَّأسيس في الشِّعْر أَلِفٌ تلزم القافية وبينها وبين حرف الروي حرف يجوز كسره ورفعه ونصبه نحو مفاعلن ، ويجوز إِبدال هذا الحرف بغيره ، وأَما مثل محمد لو جاء في قافية
لم يكن فيه حرف تأْسيس حتى يكون نحو مجاهد فالأَلف تأْسيس ، وقال أَبو عبيد : الروي حرف القافية نفسها ، ومنها التأْسيس ؛ وأَنشد:

أَلا طال هذا الليلُ واخْضَلَّ جانِبُه

فالقافية هي الباء والأَلف فيها هي التأْسيس والهاء هي الصلة ، ويروى : واخْضَرَّ جانبه ؛ قال الليث :
وإِن جاء شيء من غير تأْسيس فهو المُؤَسَّس، وهو عيب في الشعر غير أَنه ربما اضطر بعضهم ، قال : وأَحسن ما يكون ذلك إذا كان الحرف الذي بعده مفتوحاً لأَن فتحه يغلب على فتحة الأَلف كأَنها تزال من الوَهم ؛ قال العجّاج:

مُبارَكٌ للأَنبياء خاتَمُ         مُعَلِّمٌ آيَ الهُدى مُعَلَّمُ

ولو قال خاتِم ، بكسر التاء ، لم يحسن ، وقيل : إن لغة العجاج خأْتم ، بالهمزة ، ولذلك أَجازه ، وهو مثل السَّأْسَم ، وهي شجرة جاء في قصيدة المِيسَم والسَّأْسَم ؛ وفي المحكم : التأْسيس في القافية الحرف الذي قبل الدخيل ، وهو أَول جزء في القافية كأَلف ناصبِ . وقيل : التأْسيس في القافية هو الأَلف التي ليس بينها وبين حرف الروي إِلا حرف واحد ، كقوله :

كِليني لِهَمٍّ ، يا أُمَيْمَة ، ناصِبِ

فلا بد من هذه الأَلف إِلى آخر القصيدة . قال ابن سيده : هكذا سماه الخليل تأْسيساً جعل المصدر اسماً
له ، وبعضهم يقول أَلف التأْسيس ، فإِذا كان ذلك احتمل أَن يريد الاسم والمصدر . وقالوا في الجمع : تأْسيسات فهذا يؤْذن بأَن التأْسيس عندهم قد أَجروه مجرى الأَسماء ، لأَن الجمع في المصادر ليس بكثير
ولا أَصل فيكون هذا محمولاً عليه . قال: ورأى أَهل العروض إِنما تسمحوا بجمعه ، وإِلا فإِن الأَصل إِنما هو المصدر ، والمصدر قلما يجمع إِلا ما قد حدّ النحويون من المحفوظ كالأَمراض والأَشغال والعقول .

وأَسَّسَ بالحرف : جعله تأْسيساً ، وإِنما سمي تأْسيساً لأَنه اشتق من أُسِّ الشيء ؛ قال ابن جني : أَلف التأْسيس كأَنها أَلف وأَصلها أُخذ من أُسِّ الحائط وأَساسه ، وذلك أَن أَلف التأْسيس لتقدّمها والعناية بها والمحافظة عليها كأَنها أُسُّ القافية اشتق من أَلف التأْسيس ، فأَما الفتحة قبلها فجزء
منها (( [152] )) .

التام :

التَّامُّ من الشِّعْرما يمكن أَن يَدْخُله الزِّحافُ فيَسلَمُ منه ، وقد تم الجُزء تَماماً (( [153] )) .

التحريد:

المُنحَرِد : المنفرد ، في لغة هذيل ؛ قال أَبو ذؤيب :

كأَنه كوكب في الجوّ منحرد

ورواه أَبو عمرو بالجيم وفسره : منفرد ... ، ومنه التحريد في الشعر ولذلك عُدَّ عيباً ؛ لأَنه بُعْدٌ وخلاف للنظير (( [154] )) .

 

التذييل : ينظر : المذال .

الترفيل :

التَّرْفيل في عروض الكامل : زيادة سبب في قافيته . ابن سيده : الترفيل في مُرَبَّع الكامل أَن يزاد ( تُنْ ) على مُتَفاعلن فيجيء مُتَفاعِلاتُنْ وهو المُرَفَّل ؛ وبيته قوله :

ولقد سَبَقْتَهُمُ إِليْ     يَ فلِمْ نَزَعْتَ ، وأَنت آخر ؟

فقوله ( تَ وَأَنت آخر ) متفاعلاتن ؛ قال : وإِنما سُمِّي مُرَفَّلاً لأَنه وُسِّع فصار بمنزلة الثقوب الذي يُرْفَل فيه . وشَعرٌ رَفالٌ : طويل ؛ قال الشاعر :

بفاحِمٍ مُنْسدِلٍ رَفال (( [155] )) .

التسبيغ : ينظر : المسبغ

التسميط : ينظر : المسمط

التشعيث :

التَّشْعيثُ في عَروضِ الخَفيفِ : ذَهابُ عين فاعلاتن ، فيبقى فالاتن ، فينقل
في التقطيع إِلى مفعولن ، شبهوا حذف العين ههنا بالخرم ، لأَنها أَوَّلُ وَتِدٍ ؛ وقيل : إِن اللام هي
الساقطة ، لأَنها أَقرب إِلى الآخر ، وذلك أَن الحذف إِنما هو في الأَواخر ، وفيما قَرُبَ منها ؛ قال أَبو إِسحق : وكلا القولين جائز حَسَنٌ ، إِلاّ أَن الأَقيس على ما بَلَوْنا في الأَوتاد من الخَرْم ، أَن يكون عينُ فاعلاتن هي المحذوفة ، وقياسُ حذف اللام أَضعفُ ، لأَن الأَوتاد إِنما تحذف مِن أَوائلها أَو مِن أَواخرها  قال : وكذلك أَكثر الحذف في العربية ، إِنما هو من الأَوائل ، أَو من الأَواخر ، وأَما الأَوساط ، فإِن ذلك قليل فيها ؛ فإِن قال قائل : فما تنكر من أَن تكون الأَلف الثانية من فاعلاتن هي المحذوفة ، حتى يبقى فاعلَتُن ثم تسكن اللام حتى يبقى فاعلْتن ، ثم تنقله في التقطيع إِلى مفعولن، فصار مثل فعلن في البسيط الذي كان أَصله فاعلن ؟ قيل له : هذا لا يكون إِلا في الأَواخر ، أَعني أَواخر الأَبيات ؛ قال : وإِنما كان ذلك فيها ، لأَنها موضع وقف ، أَو في الأَعاريض ، لأَن الأَعاريض كلها تتبع الأَواخر في التصريع ؛ قال :
فهذا لا يجوز ، ولم يقله أَحد . قال ابن سيده : والذي أَعتقده مُخالَفةُ جميعهم ، وهو الذي لا يجوز عندي غيره ، أَنه حذفت أَلف فاعلاتن الأُولى ، فبقي فعلاتن ، وأُسكنت العين ، فصار فعْلاتن ، فنقل إِلى مفعولن، فإِسكان المتحرّك قد رأَيناه يجوز في حشو البيت ، ولم نرَ الوتد حُذف أَوّله إِلا في أَوّل البيت ، ولا آخرُه إِلا في آخر البيت ، وهذا كله قول أَبي إِسحق (( [156] )) .

التصريع  :

قال الأَزهري : والمِصْراعانِ من الشعْر ما كان فيه قافيتان في بيت واحد ، ومن الأَبواب ما له بابان منصوبان ينضَمّان جميعاً مَدْخَلُهما بينهما في وسط المصراعين ، وبيتٌ من الشعْر مُصَرَّعٌ له مِصْراعانِ ، وكذلك باب مُصَرَّعٌ . والتصريعُ في الشعر : تَقْفِهُ المِصْراعِ الأَول مأْخوذ من مِصْراعِ الباب ، وهما مُصَرَّعانِ ، وإِنما وقع التصريعُ في الشعر ليدل على أَنّ صاحبه مبتدِئ إِما قِصّةً وإِما قصِيدة ، كما أَن إِمّا إِنما ابْتُدِئ بها في قولك ضربت إِما زيداً وإِمّا عمراً ليعلم أَن المتكلم شاكّ؛ فمما العَرُوضُ فيه أَكثر حروفاً من الضرب فَنَقَصَ في التصريعِ حتى لحق بالضرب قَوْلُ امرِئ القَيْسِ:

لِمَنْ طَلَلٌ أَبْصَرْتُه فَشَجَاني         كَخَطِّ زَبُورٍ في عَسِيبِ يَماني؟

فقوله شَجاني فعولن وقوله يماني فعولن والبيت من الطويل وعروضه المعروف إِنما هو مفاعلن ، ومما زِيد في عروضه حتى ساوَى الضرْبَ قول امرئ القيس:

أَلا انْعِمْ صَباحاً أَيُّها الطَّلَلُ البالي      وهل يَنْعَمَنْ مَن كان في العُصُرِ الخالي؟

وصَرَّعَ البيتَ من الشعر : جعلَ عَرُوضه كضربه (( [157] )) .

التضمين :

المُضَمَّنُ من الشعر : ما ضَمَّنْتَهُ بيتاً ، وقيل ما لم تتم معاني قوافيه إلا بالبيت الذي يليه كقوله : يا ذا الذي في الحُبِّ يَلْحَى ، أَما          واللهِ لو عُلِّقْتَ منه كما

عُلِّقْتُ من حُبِّ رَخِيمٍ ، لما         لُمْتَ على الحُبِّ ، فَدَعْني وما

قال : وهي أَيضاً مشطورة مُضَمَّنَة أَي أُلْقِيَ من كل بيت نصف وبُنِيَ على نصف ؛ وفي المحكم :
المُضَمَّنُ من أَبيات الشعر ما لم يتم معناه إِلا في البيت الذي بعده ، قال : وليس بعيب عند الأَخفش ، وأَن لا يكونَ تَضْمِينٌ أَحْسَنُ ؛ قال الأَخفش : ولو كان كل ما يوجد ما هو أَحسن منه قبيحاً كان قول الشاعر:

سَتُبْدي لك الأَيامُ ما كنت جاهلاً     ويأْتيك بالأَخْبارِ من لم تُزَوِّدِ

رديئاً إذا وجدت ما هو أَشْعر منه ، قال : فليس التضمين بعيب كما أَن هذا ليس برديء ، وقال
ابن جني : هذا الذي رآه أَبو الحسن من أَن التضمين ليس بعيب مذهبٌ تراه العرب وتستجيزه ، ولم يَعْدُ
فيه مذهبَهم من وجهين : أَحدهما السماع ، والآخر القياس ، أَما السماع فلكثرة ما يرد عنهم من التضمين ، وأَما القياس فلأَن العرب قد وضعت الشعر وضعاً دلت به على جواز التضمين عندهم ؛ وذلك ما أَنشده صاحب الكتاب وأَبو زيد وغيرهما من قول الرَّبيعِ بن ضَبُعٍ الفَزَاري:

أَصْبَحْتُ لا أَحْمِلُ السلاحَ، ولا            أَملك رأْس البعيرِ ، إن نَفَرا

والذئبَ أَخْشاه ، إن مَرَرْتُ به        وَحْدِي ، وأَخْشَى الرياحَ والمَطَرا .

فنَصْبُ العربِ الذِّئْبَ هنا ، واختيارُ النحويين له من حيث كانت قبله جملة مركبة من فعل وفاعل ، وهي قوله لا أَملك ، يدلك على جريه عند العرب والنحويين جميعاً مجرى قولهم: ضربت زيداً وعمراً لقيته ، فكأَنه قال : ولقيت عمراً لتتجانس الجملتان في التركيب ، فلولا أَن البيتين جميعاً عند العرب يجريان مجرى الجملة الواحدة لما اختارت العرب والنحويون جميعاً نصب الذئب ، ولكن دل على اتصال أَحد البيتين بصاحبه وكونهما معاً كالجملة المعطوف بعضها على بعض ، وحكم المعطوف والمعطوف عليه أَن يجريا مجرى العقدة الواحدة ، هذا وجه القياس في حسن التضمين ، إلا أَن بإِزائه شيئاً آخر يقبح التضمين لأَجله ، وهو أَن أَبا الحسن وغيره قد قالوا : إِن كل بيت من القصيدة شعر قائم بنفسه ، فمن هنا قَبُحَ التضمين شيئاً ، ومن حيث ذكرنا من اختيار النصب في بيت الربيع حَسُنَ ، وإذا كانت الحال على هذا فكلما ازدادت حاجة البيت الأَول إلى الثاني واتصل به اتصالاً شديداً كان أَقبح مما لم يحتج الأَول إلى الثاني
هذه الحاجة ؛ قال: فمن أَشدَّ التضمين قول الشاعر روي عن قُطْرُب وغيره :

وليس المالُ، فاعْلَمْهُ، بمالٍ         من الأَقْوامِ إلا للَّذِيِّ

يُرِيدُ به العَلاءَ ويَمْتَهِنْهُ          لأَقْرَبِ أَقْرَبِيه، وللقَصِيِّ.

فضَمَّنَ بالموصول والصلة على شدة اتصال كل واحد منهما بصاحبه ؛ وقال النابغة :
وهم وَرَدُوا الجِفارَ على تميمٍ،         وهم أَصحابُ يومِ عُكاظَ، إنِّي

شَهِدْتُ لهم مَواطِنَ صادِقاتٍ،            أَتَيْتُهُمُ بِوُدِّ الصَّدْرِ مِنِّي

وهذا دون الأَول ؛ لأَنه ليس اتصالُ المخبر عنه بخبره في شدة اتصال الموصول بصلته ؛ ومثله قول القُلاخ لسَوَّار بن حَيّان المَنْقَريّ :

ومثل سَوَّارٍ ردَدْناه إلى

إدْرَوْنِه ولُؤْمِ إصِّه على

أَلرَّغْمِ مَوْطوءَ الحِمى مُذَلَّلا (( [158] )) .

 

 

 

 

التطريف :

ابن سيده: والطرَفانِ في المَديد حذف أَلف فاعلاتن ونونِها ؛ هذا قول الخليل
وإنما حكمه أَن يقول : التَّطْريفُ حذف أَلف فاعلاتن ونونها ، أَو يقول الطرَفانِ الأَلف والنون المحذوفتان من فاعلاتن (( [159] )) .

التعجيز :

عَجَّز الشاعرُ: جاء بعَجُز البيت . وفي الخبر : أَن الكُمَيْت لما افتتح قصيدته التي أَولها :

أَلا حُيِّيتِ عَنَّا يا مَدِينا

أَقام بُرْهة لا يدري بما يُعَجِّز على هذا الصدر إِلى أَن دخل حمَّاماً وسمع إِنساناً دخله ، فسَلَّم على آخر فيه فأَنكر ذلك عليه فانتصر بعض الحاضرين له فقال : وهل بأْسٌ بقول المُسَلِّمِينَ ؟ فاهْتَبلَها الكُمَيْتُ فقال :

وهل بأْسٌ بقولِ مُسَلِّمِينا ؟ (( [160] )) .

التفعيل :

وكنى ابن جني بالتَّفْعِيل عن : تَقْطِيع البيت الشعريِّ لأَنه إِنما يَزِنه بأَجزاء مادَّتها كلها فعل كقولك : فَعُولن مَفاعِيلن ، وفاعِلانن فاعِلن ، ومُسْتَفْعِلن فاعِلن .. وغير ذلك من ضُروب مقطَّعات
الشعر (( [161] )) .

التقطيع :

تَقْطِيعُ الشعر : وَزْنه بأَجزاء العَرُوضِ وتَجْزئته بالأَفعالِ (( [162] )) .

التقفية :

قَفَّيْتُ الشِّعر تَقْفِية أَي جعلت له قافية (( [163] )) .

التوجيه :

في قَوافي الشِّعْرِ التأْسيس والتَّوْجيهُ والقافيةُ، وذلك في مثل قوله :

كِلِيني لهَمٍّ، يا أُمَيمَةَ، ناصِبِ

فالباء هي القافية، والأَلف التي قبل الصاد تأْسيسٌ، والصادُ تَوْجِيهٌ بين التأْسيس والقافية، وإِنما قيل له تَوْجِيهٌ لأَن لك أَن تُغَيِّرَه بأَيِّ حرفٍ شئتَ، واسم الحرف الدَّخِيلُ. الجوهري: التَّوْجيهُ هو الحرف الذي بين أَلف التأْسيس وبين القافية، قال: ولك أَن تغيره بأَي حرف شئتَ كقول امرئ القيس:

......... أَنِّي أَفِرْ

مع قوله :

......جميعاً صُبُرْ

........واليومُ قَرّ

ولذلك قيل له تَوْجيهٌ ؛ وغيره يقول: التوجيه اسم لحركاته إذا كان الرَّوِيُّ مُقَيَّداً . قال ابن بري:
التَّوْجيهُ هو حركة الحرف الذي قبل الرويِّ المقيد، وقيل له توجيه لأَنه وَجَّهَ الحرفَ الذي قبل الرَّوِيِّ المقيد إِليه لا غير ، ولم يَحْدُث عنه حرفُ لِينٍ كما حدث عن الرَّسِّ والحَذْوِ والمَجْرَى والنَّفادِ ، وأَما الحرف الذي بين أَلف التأْسيس والرَّوِيِّ فإِنه يسمى الدَّخيلَ ، وسُمِّي دَخِيلاً لدخوله بين لازمين ، وتسمى حركته الإِشباعَ ، والخليل لا يجيز اختلاف التوجيه ويجيز اختلاف الإِشباع ، ويرى أَن اختلاف التوجيه سِنادٌ ، وأَبو الحسن بضدّه يرى اختلاف الإِشباع أَفحش من اختلاف التوجيه ، إِلا أَنه يرى اختلافهما ، بالكسر والضم ، جائزاً ، ويرى الفتح مع الكسر والضم قبيحاً في التوجيه والإِشباع ، والخليل يستقبحه في التوجيه أَشدّ من استقباحه في الإِشباع ، ويراه سِناداً بخلاف الإِشباع ، والأَخفش يجعل اختلاف الإِشباع بالفتح والضم أَو الكسر سِناداً ؛ قال: وحكاية الجوهري مناقضة لتمثيله، لأَنه حكى أَن التَّوْجِيهَ الحرف الذي بين أَلف التأْسيس والقافية، ثم مثَّله بما ليس له أَلف تأْسيس نحو قوله: أَني أَفرْ، مع قوله: صُبُرْ، واليومُ قَرّ. ابن سيده: والتَّوْجِيهُ في قَوافي الشِّعْرِ الحرفُ الذي قبل الرَّوِيّ في القافية المقيدة، وقيل: هو أَن تضمه وتفتحه  فإِن كسرته فذلك السِّنادُ؛ هذا قول أَهل اللغة، وتحريره أَن تقول: إِن التَّوْجيهَ اختلافُ حركة الحرف الذي قبل الرَّوِيَّ المقيد كقوله:

وقاتِمِ الأَعْماقِ خاوِي المُخْتَرَقْ

وقوله فيها:

أَلَّفَ شَتَّى ليس بالراعي الحَمِقْ

وقوله مع ذلك:

سِرّاً وقد أَوَّنَ تأْوينَ العُقُقْ

قال: والتوجيه أَيضاً الذي بين حرف الروي المطلق والتأْسيس كقوله:

أَلا طالَ هذا الليلُ وازْوَرَّ جانِبُهْ

فالأَلف تأْسيس، والنون توجيه، والباء حرف الروي، والهاء صلة؛ وقال الأَحفش: التَّوْجيهُ حركة الحرف الذي إلى جنب الرَّوِيّ المقيد لا يجوز مع الفتح غيره نحو:

قد جَبَرَ الدِّينَ الإِلهُ فجَبَرْ

التزم الفتح فيها كلها، ويجوز معها الكسر والضم في قصيدة واحدة كما مثَّلنا. وقال ابن جني : أَصله من التَّوْجِيه ، كأَن حرف الرَّوِيّ مُوَجَّهٌ عندهم أَي كأَنَّ له وجهين : أَحدهما من قبله، والآخر من بعده ، أَلا ترى أَنهم استكرهوا اختلاف الحركة من قبله ما دام مقيداً نحو : الحَمِقْ والعُقُقْ والمُخْتَرَقْ ؟ كما يستقبحون اختلافها فيه ما دام مطلقاً نحو قوله:

عَجْلانَ ذا زَادٍ وغيرَ مُزَوَّدِ

مع قوله فيها:

وبذاك خَبَّرَنا الغرابُ الأَسْوَدُ

وقوله:

عَنَمٌ يكادُ من اللَّطافَةِ يُعْقَدُ

فلذلك سميت الحركة قبل الرويّ المقيد تَوجيهاً، إَعلاماً أَن للرويّ وجهين في حالين مختلفين، وذلك أَنه
إذا كان مقيداً فله وَجْهٌ يتقدّمه، وإِذا كان مطلقاً فله وَجْهٌ يتأَخر عنه، فجرى مجرى الثوب المُوَجَّهِ
ونحوِه؛ قال: وهذا أَمثل عندي من قول مَنْ قال إِنما سُمِّي تَوْجيهاً لأَنه يجوز فيه وُجُوهٌ من اختلاف الحركات، لأَنه لو كان كذلك لمَا تَشدَّد الخليل في اختلاف الحركات قبله، ولمَا فَحُشَ ذلك
عنده (( [164] )) .

ــــ   ث   ـــ

الثرم : ينظر الأثرم .

الثلم :

الثلم في العروض : نوع من الخرم وهو يكون في الطويل والمتقارب (( [165] )) .

ــــ   ج   ـــ

الجزل :

الجَزْل في زِحاف الكامل : إِسكانُ الثاني من مُتَفَاعِلُن وإِسقاطُ الرابع فيبقى مُتْفَعِلُنْ ، وهو

بناء غير منقول، فينقل إِلى بناء مَقُول مَنْقُول وهو مُفْتَعلُن ؛ وبيتُه :

مَنْزِلة صَمَّ صَدَاها وعَفَتْ         أَرْسُمُها، إِن سُئِلَتْ لم تُجِبِ

وقد جَزَله يَجْزِله جَزْلاً . قال أَبو إِسحق : سُمِّي مَجْزولاً لأَن رابعه وَسَطُه فشُبِّه بالسَّنَام
المَجْزول (( [166] )) .

الجمم :

والجَمَمُ: أَن تُسَكِّنَ اللامَ من مُفاعَلَتُنْ فيصير مَفاعِيلُنْ، ثم تُسْقِطَ الياء فيبقى مَفاعِلُنْ ، ثم تَخْرِمَه فيبقى فاعِلُنْ؛ وبيته :

أَنْتَ خَيْرُ مَنْ رَكِبَ المَطايا       وأَكْرَمُهُمْ أَخاً وأَباً وأُمّا (( [167] )) .

ــــ   ح   ـــ

الحذذ : ينظر : الأحذ .

حَذَّاءُ : ينظر : الأحذ .

الحذف:

الأَزهري: تَحْذِيفُ الشَّعر تَطْريرُه وتَسْويَتُه، وإذا أَخذت من نواحيه ما تُسَوِّيه به فقد حَذَّفْتَه؛ وقال امرؤ القيس:

لها جَبْهةٌ كسَراةِ المِجَنِّ         حَذَّفَه الصّانِعُ المُقْتَدِرْ

وهذا البيت أَنشده الجوهري على قوله حَذَّفَه تَحْذيفاً أَي هَيَّأَه وصَنَعه (( [168] )) .

الحذو :

ابن سيده: والحَذْوُ من أَجزاءِ القافية حركةُ الحرف الذي قبل الرِّدْفِ، يجوز ضمته مع كسرته ولا يجوز مع الفتح غيرُه نحو ضمة قُول مع كسرة قِيل، وفتحة قَوْل مع فتحة قَيْل، ولا يجوز بَيْعٌ مع بِيع؛ قال ابن جني:إِذا كانت الدلالة قد قامت على أَن أَصل الرِّدْفِ إِنما هو الأَلف ثم حملت الواو والياء فيه عليهما، وكانت الأَلف أَعني المدّة التي يردف بها لا تكون إِلا تابعة للفتحة وصِلَةً لها ومُحْتَذاةً على جنسها، لزم من ذلك أَن تسمى الحركة قبل الرِّدْف حَذْواً أَي سبيلُ حرف الرَّويِّ أَن يَحْتَذِيَ الحركةَ قبله فتأْتي الأَلف بعد الفتحة والياء بعد الكسرة والواو بعد الضمة؛ قال ابن جني: ففي هذه السمة من الخليل رحمه الله ، دلالة على أَن الرِّدْفَ بالواو والياء المفتوح ما قبلها لا تَمَكُّنَ له كَتَمكُّن ما تَبِعَ من الرَّوِيّ حركةَ ما قبله (( [169] )) .

الحشو:

وحَشْوُ البيت من الشِّعْر: أَجزاؤُه غير عروضه وضربه، وهو من ذلك (( [170] )) .

ــــ   خ   ـــ

الخبل :

الخَبْل في عَروض البسيط والرجز : ذهاب السين والتاء من مستفعلن ، مشتق من الخَبْل الذي هو قطع اليد ؛ قال أَبو إِسحق: لأَن الساكن كأَنه يد السبب فإِذا حذف الساكنان صار الجزء كأَنه قطعت يداه فبقي مضطرباً ، وقد خَبَل الجزءَ وخَبَّله (( [171] )) .

الخبن :

والمخَبْوُنُ من أجزاء الشعر: ما قبض من حروف حشوه مما يجوز في الزحاف فيلزم قبضه كقولك في "فاعلن" "فعلن" في القافية، أو في النصف فيلزم ذلك القبض، وذلك الشعر مَخْبُونٌ ، والجزء مَخْبُونٌ (( [172] )) .

اختلاف الوزن :

قال الكميت:

أَقُولُ له، إذا ما جاء : مَهْلاً         وما مَهْلٌ بَواعِظة الجَهُول

وهذا البيت أَورده الجوهري:

أَقول له إِذ جاء : مهلاً             وما مَهْل بواعظة الجهول

قال ابن بري : هذا البيت نسبه الجوهري للكميت وصدره لجامع بن مُرْخِيَةَ الكِلابيِّ ، وهو مُغَيَّر ناقص جزءاً ، وعَجُزه للكميت ووزنهما مختلفٌ : الصَّدْرُ من الطويل والعَجُز من الوافر؛ وبيت جامع :

أَقول له : مَهْلاً، ولا مَهْلَ عنده    ولا عنْدَ جارِي دَمْعِهِ المُتَهَلِّلِ

وأَما بيت الكميت فهو:

وكُنَّا ، يا قُضاع، لكم فَمَهْلاً         وما مَهْلٌ بواعِظة الجَهُولِ

فعلى هذا يكون البيت من الوافر موزوناً (( [173] )) .

وقال في مادة ( سوا ) :

طال على رَسْم مَهْدَدٍ أَبَدُهْ        وعَفا واستَوى به بَلَدُهْ

وهذا البيت مختلِفُ الوزنِ فالمِصراعُ الأَول من المنسرح والثاني من الخفيف (( [174] )) .

وقال في مادة ( ثمر ) :

والمُثْمِر: الذي بلغ أَن يجنى ؛ هذه عن أَبي حنيفة؛ وأَنشد:

تَجْتَنِي ثامرَ جُدَّادِهِ         بين فُرادَى بَرَمٍ أَو تُؤَامْ

وقد أَخطأَ في هذه الرواية لأَنه قال بين فرادى فجعل النصف الأَوّل من المديد والنصف

الثاني من السريع، وإِنما الرواية بين فرادى وهي معروفة (( [175] )) .

الخرب :

الخَرْبُ في الهَزَجِ : أَن يدخل الجُزءَ الخَرْمُ والكَفُّ مَعاً فيصير مَفاعِيلُنْ إلى فاعِيلُ ، فيُنْقَل في التقطيع إلى مَفعولُ ، وبيتُه :

لو كانَ أَبُو بِشْرٍ       أَمِيراً، ما رَضِيناهُ

فقوله: لو كان ، مفعولُ . قال أَبو إسحق : سُمي أَخْرَبَ ، لذهاب أَوَّله وآخِره ، فكأَنَّ الخَرابَ لحقه لذلك (( [176] )) .

الخرم :

ينظر : الأَخْرَمُ ، والخزم ، وينظر : ابتداء .

الخروج :

قال الخليل بن أَحمد: الخُرُوجُ الأَلف التي بعد الصلة في القافية ، كقول لبيد:

عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّها فَمُقَامُها

فالقافية هي الميم ، والهاء بعد الميم هي الصلة ، لأَنها اتصلت بالقافية ، والأَلف التي بعد الهاء هي الخُرُوجُ  قال الأَخفَش : تلزم القافية بعد الروي الخروج ، ولا يكون إِلا بحرف اللين ، وسبب ذلك أَن هاء الإِضمار لا تخلو من ضم أَو كسر أَو فتح نحو : ضربه ، ومررت به ، ولقيتها ، والحركات إذا أُشبعت لم يلحقها أَبداً إِلا حروف اللين ، وليست الهاء حرف لين فيجوز أَن تتبع حركة هاء الضمير ؛ هذا أَحد قولي ابن جني ، جعل الخروج هو الوصل، ثم جعل الخروج غير الوصل ، فقال: الفرق بين الخروج والوصل أَن الخروج أَشد بروزاً عن حرف الروي واكتنافاً من الوصل لأَنه بعده ، ولذلك سمي خروجاً لأَنه برز وخرج عن حرف الروي ، وكلما تراخى الحرف في القافية وجب له أَن يتمكن في السكون
واللين ، لأَنه مقطع للوقف والاستراحة وفناء الصوت وحسور النفس ، وليست الهاء في لين الأَلف والياء والواو ، لأَنهن مستطيلات ممتدات (( [177] )) .

الخزل :

ابن سيده : الخَزْل والخُزْلة في الشِّعْر ضَرْب من زِحاف الكامل سقوط الأَلف وسكون التاء من متفاعلن فيبقى متفعلن ، وهذا البناء غير مَقُول فيصرف إِلى بناءٍ مَقول وهو مفتعلن ؛ وبيته :

مَنْزِلة صَمَّ صَدَاها وعَفَت         أَرْسُمُها، إِن سُئِلَتْ لم تُجِبِ

الليث: الخُزْلة سقوط تاء متفاعلن ومفاعلتن؛ وبعضهم يقول خزلة كقوله :

وأَعطى قَوْمه الأَنصار فَضْلاً         وإِخوتَهُم من المُهاجِرِينا

وتمامه : من المُتَهاجِرينا. قال : ولا يكون هذا إِلا في الوافر والكامل؛ ومثله :

لقد بَحِحْتُ من النِّدا         ء بِجَمْعِكم: هَلْ من مُبارِز؟

تمامه : ولقد، بالواو، ويسمى هذا أَخزل ومخزولاً .... ابن سيده : والاختزال الحذف ، استعمله سيبويه كثيراً ، قال : ولا أَعلم ذلك عن غيره .... ويقول القائل إذا أَنشد بيتاً فلم يحفظه كله: قد كان عندي خُزْلة هذا البيت أَي الذي يُقيمه إذا انْخَزل فذَهَب ما يُقيمه (( [178] )) .

الخزلة : ينظر : الخزل

الخزم :

الخَزْمُ ، بالزاي ، في الشعر : زيادة حرف في أَول الجزء أَو حرفين أَو حروف من حروف المعاني نحو الواو وهل وبل ، والخَرْمُ: نقصان ؛ قال أَبو إِسحق : وإِنما جازت هذه الزيادة في أَوائل الأَبيات كما جاز الخَرْمُ ، وهو النقصان في أَوائل الأَبيات ، وإِنما احْتُمِلَتِ الزيادةُ والنقصانُ في الأَوائل لأَن الوزن إِنما يستبين في السمع ويظهر عَوارُهُ إذا ذهبتَ في البيت ، وقال مرة : قال أَصحاب العروض جازت الزيادة في أَول الأَبيات ولم يُعْتَدَّ بها كما زيدت في الكلام حروفٌ لا يُعْتَدُّ بها نحو ما في قوله تعالى: فَبما رَحْمةٍ من اللهِ لِنْتَ لهم ؛ والمعنى : فبرحمةٍ من الله ، ونحو : لئِلاَّ يعلم أَهلُ الكتاب ، معناه لأَنْ يعلم أَهلُ الكتاب ، قال : وأَكثر ما جاء من الخَزْمِ بحروف العطف ، فكأَنك إِنما تعطف ببيت على بيت فإِنما تحتسب بوزن البيت بغير حروف العطف ؛ فالخَزْمُ بالواو كقول امرئ القيس :

وكأَنَّ ثَبِيراً ، في أَفانينِ وَدْقِهِ ،    كبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ

فالواو زائدة ، وقد رويت أَبيات هذه القصيدة بالواو، والواو أَجود في الكلام لأَنك إذا وَصَفْتَ فقلت كأَنه الشمسُ وكأَنه الدُّرُّ كان أَحسن من قولك كأَنه الشمسُ كأَنه الدُّرُّ ، بغير واو ، لأَنك أَيضاً إذا لم تعطف لم يَتَبَيَّنْ أَنك وصفتَه بالصفتين ، فلذلك دخل الخَزْمُ ؛ وكقوله :

وإِذا خَرَجَتْ من غَمْرَةٍ بعد غَمْرَةٍ

فالواو زائدة . وقد يأْتي الخَزْمُ في أَول المِصْراعِ الثاني ؛ أَنشد ابن الأَعرابي :

بل بُرَيْقاً بِتُّ أَرْقُبُهُ ،         بَلْ لا يُرى إِلا إذا اعْتَلَما

فزاد بَلْ في أَول المصراع الثاني وإِنما حَقُّه :

بل بُرَيْقاً بِتُّ أَرقبه ،         لا يُرى إِلا إذا اعْتَلَما

وربما اعْتَرَضَ في حَشْوِ النصف الثاني بين سَببٍ ووَتِدٍ كقول مَطرِ بن أَشْيَمَ :

الفَخْرُ أَوَّلُهُ جَهْلٌ ، وآخره         حِقْدٌ إذا تُذُكِّرَتِ الأَقوالُ والكَلِمُ

فإِذا هنا معترضة بين السبب الآخر الذي هو تَفْ وبين الوتد المجموع الذي هو عِلُنْ ؛ وقد زادوا الواو في أَول النصف الثاني في قوله :

كُلَّما رابَكَ مِنِّي رائبٌ ،         ويَعْلَمُ العالِمُ مِني ما عَلِمْ

وزادوا الباء ؛ قال لبيد :

والهَبانِيقُ قِيامٌ مَعَهُمْ        بكُلِّ مَلْثومٍ ، إذا صُبَّ هَمَل

وزادوا ياء أَيضاً ؛ قالوا :

يا نَفْسِ أَكْلاً واضْطِجا       عاً، يا نَفْسِ لَسْتِ بخالِدَه

والصحيح :

يا نفسِ أَكْلاً واضطجا         عاً، نَفْسِ لَسْتِ بخالده

وكقوله:

يا مَطَرُ بن ناجِيةَ بن ذِرْوَةَ إِنني     أُجْفى، وتُغْلَقُ دوننا الأَبْوابُ

وقد يكون الخَزْمُ بالفاء كقوله :

فَنَرُدّ القِرْنَ بالقِرْنِ         صَريعَيْنِ رُدافى

فهذا من الهَزَجِ، وقد زيد في أَوله حرف؛ وخَزَمُوا بِبَلْ كقوله:

بل لم تَجْزَعُوا يا آل حُجْرٍ مَجْزَعا

وقال:

هَل تَذَكَّرُونَ إِذْ نُقاتِلكُمْ،         إِذ لا يَضُرُّ مُعْدِماً عَدَمُهْ

وخَزَمُوا بنَحْنُ قال:

نَحْنُ قَتَلْنا سَيِّدَ الخَزْرَ         جِ سَعْدَ بن عُبادَهْ

ونظير الخَزْمِ الذي في أَول البيت ما يُلْحِقُونَهُ بعد تمام البناء من التَّعدِّي والمُتَعَدِّي، والغُلُوّ
والغالي (( [179] )) .

الخفيف :

الخَفِيفُ: ضَرْبٌ من العروض، سمي بذلك لخِفَّته (( [180] )).

ــــ  د   ـــ

الدائرة العروضية :

الدَّائِرَةُ في العَرُوض : هي التي حصر الخليل بها الشُّطُورَ لأَنها على شكل الدائرة التي هي الحلقة ، وهي خمس دوائر : الأُولى فيها ثلاثة أَبواب الطويل والمديد والبسيط ، والدائرة الثانية فيها بابان الوافر والكامل ، والدائرة الثالثة فيها ثلاثة أَبواب الهزج والرجز والرمل ، والدائرة الرابعة فيها ستة أَبواب السريع والمنسرح والخفيف والمضارع والمقتضب والمجتث ، والدائرة الخامسة فيها المتقارب فقط (( [181] )) .

الدخيل :

الدَّخِيل: الحرف الذي بين حرف الرَّوِيّ وأَلف التأْسيس كالصاد من قوله :

كِلِيني لِهَمٍّ، يا أُمَيْمة، ناصب

سُمِّي بذلك لأَنه كأَنه دَخِيل في القافية ، أَلا تراه يجيء مختلفاً بعد الحرف الذي لا يجوز اختلافه أَعني أَلف التأْسيس (( [182] )) . قال هميان:

لوْ لَقِيَ الفِيلُ بِأَرْضٍ سابِجَا ،         لَدَقَّ منه العُنْقَ والدَّوَارِجا

وإِنما أَراد هِمْيانُ: سابَجَا ، فكسر لتسوية الدخيل ، لأَن دخيل هذه القصيدة كلها مكسور (( [183] )) .

ــــ  ذ ـــ

الذلل :

ذَلَّت القوافي للشاعر إذا سَهُلت (( [184] )) .

ــــ   ر   ـــ

الرجز :

قال ابن سيده : والرجز شعر ابتداء أجزائه سببان ثم وتد ، وهو وزن يسهل في السمع ويقع في النفس ، ولذلك جاز أن يقع فيه المشطور وهو الذي ذهب شطره ، والمنهوك ، وهو الذي قد ذهب منه أربعة أجزائه، وبقي جزآن نحو:

يا ليتني فيها جدع         أخب فيها وأضع

وقد اختلف فيه فزعم قوم أنه ليس بشعر وأن مجازه مجاز السجع ، وهو عند الخليل شعر صحيح ، ولو جاء منه شيء على جزء واحد لاحتمل الرجز ذلك لحسن بنائه . وفي التهذيب : وزعم الخليل أن الرجز ليس بشعر وإنما هو أنصاف أبيات وأثلاث ، ودليل الخليل في ذلك ما روي عن النبي ، صلى الله عليه
وسلم ، في قوله :

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا    ويأتيك من لم تزود بالأخبار

قال الخليل : لو كان نصف البيت شعرا ما جرى على لسان النبي ، صلى الله عليه وسلم :

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

وجاء بالنصف الثاني على غير تأليف الشعر، لأن نصف البيت لا يقال له شعر ، ولا بيت ، ولو جاز
أن يقال لنصف البيت شعر لقيل لجزء منه شعر ، وقد جرى على لسان النبي ، صلى الله عليه وسلم :
" أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" قال بعضهم : إنما هو لا كذبَ بفتح الباء على الوصل ، قال الخليل: فلو كان شعرا لم يجر على لسان النبي، صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : وما علمناه الشعر وما ينبغي له ، أي وما يتسهل له ، قال الأخفش: قول الخليل إن هذه الأشياء شعر ، قال : وأنا أقول إنها ليست بشعر ، وذكر أنه هو ألزم الخليل ما ذكرنا وأن الخليل اعتقده . قال الأزهري : قول الخليل الذي كان بنى عليه أن الرجز شعر ومعنى قول الله عز وجل : وما علمناه الشعر وما ينبغي له ، أي لم نعلمه الشعر فيقوله ويتدرب فيه حتى ينشئ منه كتبا ، وليس في إنشاده ، صلى الله عليه وسلم ، البيت والبيتين لغيره ما يبطل هذا المعنى فيه إنا لم نجعله شاعرا .

قال الخليل : الرجز المشطور والمنهوك ليسا من الشعر ، قال : والمنهوك كقوله : أنا النبي لا كذب. والمشطور: الأنصاف المسجعة. وفي حديث الوليد بن المغيرة حين قالت قريش للنبي ، صلى الله عليه وسلم: إنه شاعر، فقال: لقد عرفت الشعر ورجزه وهزجه وقريضه فما هو به . والرجز: بحر من
بحور الشعر معروف ونوع من أنواعه يكون كل مصراع منه مفردا، وتسمى قصائده أراجيز، واحدتها أرجوزة، وهي كهيئة السجع إلا أنه في وزن الشعر، ويسمى قائله راجزا كما يسمى قائل بحور الشعر شاعرا. قال الحربي: ولم يبلغني أنه جرى على لسان النبي ، صلى الله عليه وسلم، من ضروب الرجز
إلا ضربان: المنهوك والمشطور، ولم يعدهما الخليل شعرا ، فالمنهوك كقوله في رواية البراء إنه رأى
النبي ، صلى الله عليه وسلم ، على بغلة بيضاء يقول : أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب .
والمشطور كقوله في رواية جندب: إنه ، صلى الله عليه وسلم ، دميت إصبعه فقال :"هل أنت إلا إصبع دميت ؟ وفي سبيل الله ما لقيت" ، ويروى أن العجاج أنشد أبا هريرة :

ساقا بخنداة وكعبا أدرما

فقال : كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يعجبه نحو هذا من الشعر . قال الحربي : فأما القصيدة فلم يبلغني أنه أنشد بيتا تاما على وزنه إنما كان ينشد الصدر أو العجز ، فإن أنشده تاما لم يقمه على وزنه ، إنما أنشد صدر بيت لبيد:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

وسكت عن عجزه وهو:

وكل نعيم لا محالة زائل

وأنشد عجز بيت طرفة:

ويأتيك من لم تزود بالأخبار

وصدره:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

وأنشد:

أتجعل نهبي ونهب العبيـ    ـد بين الأقرع وعيينة ؟

فقال الناس: بين عيينة والأقرع ، فأعادها : بين الأقرع وعيينة ، فقام أبو بكر ، رضي الله عنه ، فقال : أشهد انك رسول الله! ثم قرأ : وما علمناه الشعر وما ينبغي له ، قال : والرجز ليس بشعر عند أكثرهم . وقوله: أنا ابن عبد المطلب، لم يقله افتخارا به لأنه كان يكره الانتساب إلى الآباء الكفار، ألا تراه لما قال له الأعرابي: يا ابن عبد المطلب، قال: قد أجبتك؟ ولم يتلفظ بالإجابة كراهة منه لما دعاه به، حيث لم ينسبه إلى ما شرفه الله به من النبوة والرسالة ، ولكنه أشار بقوله: أنا ابن عبد المطلب، إلى رؤيا كان رآها عبد المطلب كان مشهورة عندهم رأى تصديقها فذكرهم إياها بهذا القول. وفي حديث ابن مسعود، رضي الله عنه: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز، إنما سماه راجزا لأن الرجز أخف على لسان المنشد، واللسان به أسرع من القصيد.

قال أبو إسحق. إنما سمي الرجز رجزا لأنه تتوالى فيه في أوله حركة وسكون ثم حركة وسكون إلى أن تنتهي أجزاؤه، يشبه بالرجز في رجل الناقة ورعدتها، وهو أن تتحرك وتسكن ثم تتحرك وتسكن ، وقيل : سمي بذلك لاضطراب أجزائه وتقاربها، وقيل: لأنه صدور بلا أعجاز، وقال ابن جني: كل شعر تركب تركيب الرجز سمي رجزا، وقال الأخفش مرة: الرجز عند العرب كل ما كان ثلاثة أجزاء، وهو الذي يترنمون به في عملهم وسوقهم ويحدون به، قال ابن سيده: وقد روى بعض من أثق به نحو هذا عن الخليل، قال ابن جني: لم يحتفل الأخفش ههنا بما جاء من الرجز على جزأين نحو قوله: يا ليتني فيها
جذع، قال: وهو لعمري، بالإضافة إلى ما جاء منه على ثلاثة أجزاء، جزء لا قدر له لقلته، فلذلك لم يذكره الأخفش في هذا الموضع، فإن قلت: فإن الأخفش لا يرى ما كان على جزأين شعرا ، قيل : وكذلك لا يرى ما هو على ثلاثة أجزاء أيضا شعرا ، ومع ذلك فقد ذكره الآن وسماه رجزا ، ولم يذكر ما كان منه على جزأين وذلك لقلته لا غير ، وإذا كان إنما سمي رجزا لاضطرابه تشبيها بالرجز في
الناقة ، وهو اضطرابها عند القيام، فما كان على جزأين فالاضطراب فيه أبلغ وأوكد، وهي الأرجوزة
للواحدة، والجمع الأراجيز. رجز الراجز يرجز رجزا وارتجز الرجاز ارتجازا: قال أرجوزة . وتراجزوا وارتجزوا : تعاطوا بينهم الرجز، وهو رجاز ورجازة وراجز (( [185] )) .

الردف :

الجوهري: الرِّدْفُ في الشعر حَرْفٌ ساكن من حروف المَدّ واللِّينِ يَقعُ قبل حرف الرّوِيّ ليس بينهما شيء ، فإن كان أَلفاً لم يَجُز معها غيرها، وإن كان واواً جاز معه الياء .
ابن سيده : والردف الأَلف والياء والواو التي قبل الروي، سمي بذلك لأَنه ملحق في التزامه وتَحَمُّلِ مراعاته بالروي، فجرى مَجْرى الرِّدْفِ للراكب أَي يَلِيه لأَنه ملحق به، وكُلْفَته على الفرس والراحلة أَشَقُّ من الكُلْفة بالمُتَقَدِّم منهما، وذلك نحو الأَلف في كتاب وحساب، والياء في تَلِيد وبَلِيد، والواو في خَتُولٍ وقَتول؛ قال ابن جني: أَصل الردف للأَلف لأَن الغَرَض فيه إنما هو المدّ، وليس في الأَحرف الثلاثة ما يساوي الأَلف في المدّ لأَن الأَلف لا تفارق المدَّ، والياء والواو قد يفارقانه، فإذا كان الرِّدْف أَلفاً فهو الأَصل، وإذا كان ياء مكسوراً ما قبلها أَو واواً مضموماً ما قبلها فهو الفرع الأَقرب إليه، لأَن الأَلف لا تكون إلا ساكنة مفتوحاً ما قبلها، وقد جعل بعضهم الواو والياء رِدْفَيْن إذا كان ما قبلهما مَفْتوحاً نحو رَيْبٍ وثَوْبٍ ، قال: فإن قلت الردف يتلو الراكبَ .

والرِّدْفُ في القافية إنما هو قبل حرف الرَّوِيّ لا بعده ، فكيف جاز لك أَن تُشَبِّهَه به والأَمر في القضية بضدّ ما قدَّمته ؟ فالجواب أَن الرِّدْفَ وإِن سبق في اللفظ الروِيَّ فإنه لا يخرج مما ذكرته ، وذلك أَن القافية كما كانت وهي آخر البيت وجهاً له وحِلْيَةً لصنعته ، فكذلك أَيضاً آخِرُ القافية زينةٌ لها ووجهٌ
لِصَنْعَتِها ، فعلى هذا ما يجب أَن يَقَعَ الاعْتِدادُ بالقافِية والاعتناءُ بآخِرِها أَكثر منه بأَوّلها ، وإذا كان كذلك فالرّوِيّ أَقْرَبُ إلى آخر القافية من الرّدف ، فبه وَقَعَ الابتداء في الاعتداد ثم تَلاه الاعتدادُ بالردف ، فقد صار الردف كما تراه وإن سبق الروي لفظاً تبعاً له تقديراً ومعنىً ، فلذلك جاز أَن يشبه الردفُ قبل الرَّوِيّ بالردف بعدَ الراكبِ، وجمع الرِّدْفِ أَرْدافٌ لا يُكَسَّر على غير ذلك (( [186] )) .

الرس :

التهذيب : والرَّسُّ في قوافي الشعر صرف الحرف الذي بعد أَلف التأْسيس نحو حركة عين فاعل في القافية كيفما تحرّكت حركتها جازت وكانت رَسّاً للأَلف ؛ قال ابن سيده: الرَّسُّ فتحة الحرف الذي قبل حرف التأْسيس، نحو قول امرئ القيس:

فَدَعْ عنكَ نَهْباً صِيحَ في حَجَراته ،     ولكن حديثاً، ما حَدِيثُ الرَّواحِلِ

ففتحة الواو هي الرس ولا يكون إِلا فتحة وهي لازمة، قال: هذا كله قول الأَخفش، وقد دفع أَبو عمرو الجرمي اعتبار حال الرس وقال: لم يكن ينبغي أَن يذكر لأَنه لا يمكن أَن يكون قبل الأَلف إِلا فتحة فمتى جاءت الأَلف لم يكن من الفتحة بدّ؛ قال ابن جني: والقول على صحة اعتبار هذه الفتحة وتسميتها إِن أَلف التأْسيس لما كانت معتبرة مسماة، وكانت الفتحة داعية إِليها ومقتضية لها ومفارقة لسائر الفتحات التي لا أَلف بعدها نحو قول وبيع وكعب وذرب وجمل وحبل ونحو ذلك، خصت باسم لما ذكرنا ولأَنها على كل حال لازمة في جميع القصيدة، قال: ولا نعرف لازماً في القافية إِلا وهو مذكور مسمى، بل إذا جاز أَن نسمي في القافية ما ليس لازماً أَعني الدخيل فما هو لازم لا محالة أَجْدَر وأَحْجى بوجوب التسمية له؛ قال ابن جني: وقد نبه أَبو الحسن على هذا المعنى الذي ذكرته من أَنها لما كانت متقدمة للأَلف بعدها وأَول لوازم للقافية ومبتدأها سماها الرَّسَّ ، وذلك لأَن الرسَّ والرَّسِيسَ أَوّلُ الحُمَّى الذي يؤذن بها ويدل على ورودها (( [187] )) .

 

الرمل :

الرَّمَل: ضرب من عروض يجيء على فاعلاتن فاعلاتن ؛ قال :

لا يُغْلَب النازعُ ما دام الرَّمَل     ومن أَكَبَّ صامتاً فقد حَمَل

ابن سيده: الرَّمَل من الشِّعْر كل شعر مهزول غير مؤتَلِف البناء ، وهو مما تُسَمِّي العرب من غير أَن يَحُدُّوا في ذلك شيئاً نحو قوله:

أَقْفَرَ من أَهله مَلْحوبُ         فالقُطَبِيَّاتُ فالذَّنُوبُ

ونحو قوله:

أَلا لله قَوْمٌ وَ         لَدَتْ أُختُ بني سَهْم

أَراد ولدتهم ، قال: وعامة المَجْزوء يَجْعَلونه رَمَلاً ؛ كذا سمع من العرب ؛ قال ابن جني : قوله وهو مما تسمي العرب ، مع أَن كل لفظة ولقب استعمله العَروضيُّون فهو من كلام العرب، تأْويله إِنما استعملته في الموضع الذي استعمله فيه العَروضيُّون، وليس منقولاً عن موضعه لا نقل العَلَم ولا نقل التشبيه على ما تقدم من قولك في ذينك ، أَلا ترى أَن العَروض والمِصْراع والقَبْض والعَقْل وغير ذلك من الأَسماء التي استعملها أَصحاب هذه الصناعة قد تعلقت العربْ بها ؟ ولكن ليس في المواضع التي نقلها أَهل هذا العلم إِليها ، إِنما العَروض الخَشَبة التي في وسط البيت المَبْنِيِّ لهم ، والمِصْراع أَحد صِفْقَي الباب فنقل ذلك
ونحوه تشبيهاً ، وأَما الرَّمَل فإِن العرب وضعت فيه اللفظة نفسها عبارة عندهم عن الشِّعْر الذي وصفه باضطراب البناء والنقصان عن الأَصل، فعلى هذا وضعه أَهل هذه الصناعة ، لم ينقلوه نقلاً عَلَمِيّاً ولا نقلاً تشبيهيّاً ، قال: وبالجملة فإِن الرَّمَل كل ما كان غيرَ القَصِيد من الشِّعْر وغَيْرَ الرَّجَز (( [188] )) .

الروي :

الرَّويُّ: حرف القافية ؛ قال الشاعر:

لو قد حَداهُنَّ أَبو الجُوديِّ،

بِرَجَزٍ مُسْحَنْفِرِ الرَّويِّ،

مُسْتَوِياتٍ كنَوى البَرْنيِّ

ويقال: قصيدتان على رَويّ واحد؛ قال الأَخفش : الرَّويُّ الحرف الذي تُبْنى عليه القصيدة ، ويلزم في كل بيت منها في موضع واحد نحو قول الشاعر:

إِذا قلَّ مالُ المَرْءِ قلَّ صديقُه،     وأَوْمَتْ إِليه بالعُيوبِ الأَصابعُ

قال : فالعين حرف الرَّويّ وهو لازم في كل بيت ؛ قال : المتأَمل لقوله هذا غير مقْنعٍ في حرف الرَّويّ، أَلا ترى أَن قول الأَعشى:

رحَلَتْ سُمَيَّةُ غُدْوَةً أَجْمالَها ،     غَضْبى عليكَ، فما تقولُ بدا لها

تجد فيه أَربعة أَحرف لوازم غير مختلفة المواضع ، وهي الأَلف قبل اللام ثم اللام والهاء والأَلف فيما
بعد ، قال: فليت شعري إذا أَخذ المبتدي في معرفة الرَّويّ بقول الأَخفش هكذا مجرداً كيف يصح له ؟ قال الأَخفش : وجميع حروف المعجم تكون رَوِيّاً إِلا الأَلف والياء والواو اللَّواتي يكُنَّ للإِطلاق .
قال ابن جني: قوله اللواتي يكنَّ للإِطلاق فيه أَيضاً مسامحة في التحديد ، وذلك أَنه إِنما يعلم أَن الأَلف والياء والواو للإطلاق ، إذا عَلِمَ أَن ما قبلها هو الرويّ فقد استغنى بمعرفته إِياه عن تعريفه بشيء آخر . ولم يبقَ بعد معرفته ههنا غرضٌ مطلوب لأَن هذا موضع تحديده ليُعرف ، فإِذا عُرف وعُلم أَن ما بعده إِنما هو للإطلاق فما الذي يُلتَمس فيما بعد ؟ قال : ولكن أَحْوَطُ ما يقال في حرف الرويّ أَن جميع حروف المعجم تكون رَويّاً إِلا الأَلف والياء والواو الزوائد في أَواخر الكلم في بعض الأَحوال غير مَبْنِيَّات في أَنْفُس الكلم بناء الأُصول نحو أَلف الجَرَعا من قوله:

يا دارَ عَفْراء مِن مُحْتَلِّها الجَرعَا

وياء الأَيَّامي من قوله:

هَيْهاتَ منزِلُنا بنَعْفِ سُوَيْقةٍ،         كانتْ مباركةً من الأَيَّامِ

وواو الخِيامُو من قوله:

متى كان الخِيامُ بذي طُلُوحٍ،         سُقيتِ الغَيْثَ، أَيتها الخِيامُ،

وإِلاَّ هاءي التأْنيث والإِضمار إذا تحرك ما قبلهما نحو طَلْحَهْ وضرَبَهْ، وكذلك الهاء التي تُبَيَّنُ بها الحركة نحو ارْمِهْ واغْزُهْ وفِيمَهْ ولِمَهْ، وكذلك التنوين اللاحق آخر الكلم للصرف كان أَو لغير نحو زيداً وصَهٍ وغاقٍ ويومئذٍ ؛ وقوله:

أَقِلِّي اللَّوْمَ، عاذِلَ، والعِتابَنْ

وقول الآخر:

دايَنْتُ أَرْوى والدُّيونُ تُقْضَيَنْ

وقال الآخر:

يا أَبَتا علَّك أَو عَساكَنْ

وقول الآخر:

يَحْسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلَمَنْ

وقول الأَعشى:

ولا تَعْبُدِ الشيطانَ واللهَ فاعْبُدَنْ

وكذلك الأَلفات التي تبدل من هذه النونات نحو:

قد رابني حَفْصٌ فحَرِّكْ حَفْصا

وكذلك قول الآخر:

يَحْسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلَما

وكذلك الهمزة التي يبدلها قوم من الأَلف في الوقف نحو رأَيت رَجُلأْ وهذه حُبْلأْ، ويريد أَن يضربَهأْ، وكذلك الأَلف والياء والواو التي تلحق الضمير نحو رأَيتها ومررت بهي وضربتهو وهذا غلامهو ومررت بهما ومررت بهمي وكلمتهمو، والجمع رَوِيَّات ؛ حكاه ابن جني (( [189] )) .

قال الشاعر:

صَفيَّةُ قُومي ولا تَقْعُدِي،         وبَكِّي النساءَ على حَمْزه

ويروى: ولا تَعْجزي، هكذا روي بالإسكان، فالزاي على هذا هو الرويّ لا الهاء لأَنها هاء تأنيث، وهاء التأْنيث لا تكون رويّاً، ومن رواه مطلقاً قال: على حمزة، جعل التاء هي الرويّ واعتقدها تاء لا هاء لأَن التاء تكون رويّاً، والهاء لا تكون البتة رويّاً (( [190] )) .

إِذْ ذَاكَ إِذْ حَبْلُ الوِصالِ مُدْمَشُ

إِنما أَراد مُدْمَجُ ، فأَبدل الشين من الجيم لمكان الرَّويِّ (( [191] )) . وينظر ( الوقف ) .

ــــ  ز   ـــ

الزحاف :

الزِّحافُ في الشِّعْر: معروفٌ، سمي بذلك لثِقَله تُخَصُّ به الأَسْباب دون الأَوتاد إلا القَطْعَ فإنه يكون في أَوتادِ الأَعاريض والضُّرُوبِ، وهو سَقَطَ ما بين الحرفين حرف فَزَحَفَ أَحدهما إلى الآخر (( [192] )) .

قال:

أَنا شَماطِيطُ الذي حُدِّثْتَ بهْ،         مَتَى أُنَبَّهْ للغَداء أَنْتَبِهْ

ثم أُنَزِّ حَوْلَهُ وأَحْتَبِهْ،            حتى يقالَ سَيِّدٌ، ولستُ بِهْ

وكان حكمه أَن يقول أَتَنَبَّه لأَنه قال أُنَبَّه، ومطاوع فعَّلَ إنما هو تَفَعَّلَ، لكن لما كان أُنَبَّه في معنى أُنْبَه جاء بالمطاوع عليه، فافهم، وقوله ثم أُنَزِّ معطوف على قوله أَنْتَبِهْ، احْتَمَلَ الخَبْنَ في قوله زِ حَوْلَهُ، لأَن الأَعرابي البدويّ لا يبالي الزِّحافَ، ولو قال زِي حَوْلَهُ لكَمَلَ الوزنُ ، ولم يكن هناك زِحافٌ، إلا أَنه من باب الضرورة، ولا يجوز القطعُ في أُنَزِّي في باب السَّعَةِ والاختيار لأَن بعده مجزوماً، وهو قوله وأَحْتَبِهْ، ومحال أَن تقطع أَحد الفعلين ثم ترجع في الفعل الثاني إلى العطف، لا يجوز إنْ تأْتني أُكْرِمُك وأُفْضِلْ عليك برفع أُكْرِمك وجزم أُفضل فَتَفَهَّم (( [193] )) .

ــــ   س   ـــ

السالم :

السالم في العروض: كل جزء يجوز فيه الزحاف فيسلم منه كسلامة الجزء من القبض والكف وما أشبهه (( [194] )) .

السبب :

السببُ، من مُقَطَّعات الشِّعْرِ: حَرْفٌ مُتَحَرِّكٌ وحرفٌ ساكنٌ، وهو على ضَرْبَيْن : سَبَبانِ مَقرونانِ، وسَببانِ مَفْروقان؛ فالمقْرونانِ ما توالَتْ فيه ثلاثُ حَرَكاتٍ بعدَها ساكِنٌ، نحو مُتَفَا من
مُتَفاعِلُنْ، وعَلَتُنْ من مُفاعَلَتُن، فحركة التَّاءِ من مُتَفا، قد قَرَنَت السَّبَبَين ، وكذلك حركةُ اللامِ من عَلَتُنْ، قد قَرَنَتِ السَّبَبَيْنِ أَيضاً ؛ والمَفْرُوقان هما اللذانِ يقومُ كلُّ واحدٍ منهما بنفسِه أَي يكونُ حرفٌ متحركٌ وحرفٌ ساكنٌ، ويَتْلُوه حرفٌ متحرك، نحو مُسْتَفْ ، من مُسْتَفْعِلُنْ ؛ ونحو عِيلُنْ، مِن مَفاعِيلُنْ، وهذه الأَسبابُ هي التي يَقَع فيها الزِّحافُ على ما قد أَحْكَمَته صِناعةُ العَروض، وذلك لأَن الجُزْءَ غيرُ مُعْتَمِدٍ
عليها (( [195] )) .

الاستدراك :

اسْتَدْرَك الشيءَ بالشيءِ : حاول إِدْراكه به ، واستعمل هذا الأَخفش في أَجزاء العروض ، فقال: لأَنه لم ينقص من الجزء شيء فيستدركه (( [196] )) .

 

 

السناد :

أَبو عبيدة: من عيوب الشعر السِّنادُ وهو اختلاف الأَرْدادِ، كقول عَبِيد بن الأَبرص:

فَقَدْ أَلِجُ الخِباءَ على جَوارٍ،         كأَنَّ عُيونَهُنَّ عُيونُ

عِينِ ثم قال:

فإِنْ يكُ فاتَني أَسَفاً شَبابي         وأَضْحَى الرأْسُ مِني كاللُّجَينِ

وهذا العجز الأَخير غيره الجوهري فقال:

وأَصبح رأْسُه مِثلَ اللُّجَين

والصواب في إِنشادهما تقديم البيت الثاني على الأَول. وروي عن ابن سلام أَنه قال: السَّنادُ في القوافي مثل شَيْبٍ وشِيبٍ؛ وساندَ فلان في شعره. ومن هذا يقال: خرج القوم مُتسانِدين أَي على رايات شَتى إذا خرج كل بني أَب على راية، ولم يجتمعوا على راية واحدة، ولم يكونوا تحت راية أَمير واحد. قال ابن بُزرُخ: يقال أَسنَد في الشعر إِسناداً بمعنى سانَدَ مثل إِسناد الخبر، ويقال سانَدَ الشاعر؛ قال ذو الرمة:

وشِعْرٍ، قد أَرِقْتُ له، غَريبٍ         أُجانِبُه المَسانِدَ والمُحالا

ابن سيده: سانَدَ شعره سِناداً وسانَدَ فيه كلاهما: خالف بين الحركات التي تلي الأَرْدافَ

في الروي، كقوله:

شَرِبنا مِن دِماءِ بَني تَميم         بأَطرافِ القَنا، حتى رَوِينا

وقوله فيها:

أَلم ترأَنَّ تَغْلِبَ بَيْتُ عِزٍّ،         جبالُ مَعاقِلٍ ما يُرْتَقَيِنا؟

فكسر ما قبل الياء في رَوِينا وفتح ما قبلها في يُرْتَقَيْنا، فصارت قَيْنا مع وينا وهو عيب . قال ابن جني : بالجملة إِنَّ اختلاف الكسرة والفتحة قبل الرِّدْفِ عيب، إِلاَّ أَنَّ الذي استهوى في استجازتهم إِياه أَن الفتحة عندهم قد أُجريَتْ مُجْرى الكسرة وعاقَبتها في كثير من الكلام، وكذلك الياء المفتوح ما قبلها قد أُجريت مجرى الياء المكسور ما قبلها، أَما تَعاقُبُ الحركتين ففي مواضع: منها أَنهم عَدَلوا لفظ المجرور فيما لا ينصرف إِلى لفظ المنصوب ، فقالوا مررت بعُمَر كما قالوا ضربت عُمر، فكأَن فتحة راء عُمَر عاقبت ما كان يجب فيها من الكسرة لو صرف الاسم فقيل مررت بعُمرٍ، وأَما مشابهة الياء المكسور ما قبلها للياء المفتوح ما قبلها فلأَنهم قالوا هذا جيب بَّكر فأَغموا مع الفتحة، كما قالوا هذا سعيد دَّاود، وقالوا شيبان وقيس عيلان فأَمالوا كما أَمالوا سِيحان وتِيحان، وقال الأَخفش بعد أَن خصص كيفية السناد : أَما ما سمعت من العرب في السناد فإِنهم يجعلونه كل فساد في آخر الشعر ولا يحدّون في ذلك شيئاً وهو عندهم عيب، قال: ولا أَعلم إِلاَّ أَني قد سمعت بعضهم يجعل الإِقواءَ سناداً؛ وقد قال الشاعر:

فيه سِنادٌ وإِقْواءٌ وتحْريدُ

فجعل السناد غير الإِقْواء وجعله عيباً. قال ابن جني: وجه ما قاله أَبو الحسن أَنه إذا كان الأَصل السِّناد إِنما هو لأَن البيت المخالف لبقية الأَبيات كالمسند إِليها لم يمتنع أَن يشيع ذلك في كل فساد في آخر البيت فيسمى به ، كما أَن القائم لما كان إِنما سمي بهذا الاسم لمكان قيامه لم يمتنع أَن يسمى كل من حدث عنه القيام قائماً؛ قال: ووجه من خص بعض عيوب القافية بالسناد أَنه جار مجرى الاشتقاق، والاشتقاق على ما قدمناه غير مقيس، إِنما يستعمل بحيث وضع إِلاَّ أَن يكون اسم فاعل أَو مفعول على ما ثبت في ضارب ومضروب؛ قال وقوله :

فيه سناد وإِقواءٌ وتحريد

الظاهر منه ما قاله الأَخفش من أَن السناد غير الإِقواء لعطفه إِياه عليه، وليس ممتنعاً في القياس أَن يكون السناد يعني به هذا الشاعرُ الإِقواءَ نفْسَه، إِلاَّ أَنه عطف الإِقواءَ على السناد لاختلاف لفظيهما كقول الحطيئة:

وهِنْد أَتى مِن دونِها النَّأْيُ والبُعْد

قال: ومثله كثير (( [197] )) .

سناد الإشباع : ينظر : الإشباع

سناد التأسيس : ينظر : التأسيس

سناد التوجيه :

التَّوْجيهُ وفي قَوافي الشِّعْرِ التأْسيس والتَّوْجيهُ والقافيةُ، وذلك في مثل قوله:

كِلِيني لهَمٍّ ، يا أُمَيمَةَ، ناصِبِ

فالباء هي القافية، والأَلف التي قبل الصاد تأْسيسٌ، والصادُ تَوْجِيهٌ بين التأْسيس والقافية، وإِنما قيل له تَوْجِيهٌ لأَن لك أَن تُغَيِّرَه بأَيِّ حرفٍ شئتَ، واسم الحرف الدَّخِيلُ. الجوهري: التَّوْجيهُ هو الحرف الذي بين أَلف التأْسيس وبين القافية، قال: ولك أَن تغيره بأَي حرف شئتَ كقول امرئ القيس: أَنِّي أَفِرْ، مع قوله: جميعاً صُبُرْ، واليومُ قَرّ، ولذلك قيل له تَوْجيهٌ؛ وغيره يقول: التوجيه اسم لحركاته إذا كان الرَّوِيُّ مُقَيَّداً. قال ابن بري: التَّوْجيهُ هو حركة الحرف الذي قبل الرويِّ المقيد، وقيل له توجيه لأَنه وَجَّهَ الحرفَ الذي قبل الرَّوِيِّ المقيد إِليه لا غير، ولم يَحْدُث عنه حرفُ لِينٍ كما حدث عن الرَّسِّ والحَذْوِ والمَجْرَى والنَّفادِ، وأَما الحرف الذي بين أَلف التأْسيس والرَّوِيِّ فإِنه يسمى الدَّخيلَ، وسُمِّي دَخِيلاً لدخوله بين لازمين، وتسمى حركته الإِشباعَ ، والخليل لا يجيز اختلاف التوجيه ويجيز اختلاف الإِشباع، ويرى أَن اختلاف التوجيه سِنادٌ، وأَبو الحسن بضدّه يرى اختلاف الإِشباع أَفحش من اختلاف التوجيه، إِلا
أَنه يرى اختلافهما، بالكسر والضم، جائزاً، ويرى الفتح مع الكسر والضم قبيحاً في التوجيه
والإِشباع ، والخليل يستقبحه في التوجيه أَشدّ من استقباحه في الإِشباع، ويراه سِناداً بخلاف
الإِشباع، والأَخفش يجعل اختلاف الإِشباع بالفتح والضم أَو الكسر سِناداً؛ قال : وحكاية الجوهري مناقضة لتمثيله، لأَنه حكى أَن التَّوْجِيهَ الحرف الذي بين أَلف التأْسيس والقافية، ثم مثَّله بما ليس له أَلف تأْسيس نحو قوله: أَني أَفرْ، مع قوله: صُبُرْ، واليومُ قَرّ. ابن سيده: والتَّوْجِيهُ في قَوافي الشِّعْرِ الحرفُ الذي قبل الرَّوِيّ في القافية المقيدة، وقيل: هو أَن تضمه وتفتحه، فإِن كسرته فذلك السِّنادُ ؛ هذا قول أَهل اللغة، وتحريره أَن تقول: إِن التَّوْجيهَ اختلافُ حركة الحرف الذي قبل الرَّوِيَّ المقيد كقوله :

وقاتِمِ الأَعْماقِ خاوِي المُخْتَرَقْ

وقوله فيها :

أَلَّفَ شَتَّى ليس بالراعي الحَمِقْ

وقوله مع ذلك :

سِرّاً وقد أَوَّنَ تأْوينَ العُقُقْ

قال : والتوجيه أَيضاً الذي بين حرف الروي المطلق والتأْسيس كقوله :

أَلا طالَ هذا الليلُ وازْوَرَّ جانِبُهْ

فالأَلف تأْسيس، والنون توجيه ، والباء حرف الروي، والهاء صلة؛ وقال الأَحفش : التَّوْجيهُ حركة الحرف الذي إلى جنب الرَّوِيّ المقيد لا يجوز مع الفتح غيره نحو :

قد جَبَرَ الدِّينَ الإِلهُ فجَبَرْ

التزم الفتح فيها كلها ، ويجوز معها الكسر والضم في قصيدة واحدة كما مثَّلنا. وقال ابن جني : أَصله من التَّوْجِيه ، كأَن حرف الرَّوِيّ مُوَجَّهٌ عندهم أَي كأَنَّ له وجهين: أَحدهما من قبله ، والآخر من بعده ، أَلا ترى أَنهم استكرهوا اختلاف الحركة من قبله ما دام مقيداً نحو الحَمِقْ والعُقُقْ والمُخْتَرَقْ ؟ كما يستقبحون اختلافها فيه ما دام مطلقاً نحو قوله :

عَجْلانَ ذا زَادٍ وغيرَ مُزَوَّدِ

مع قوله فيها :

وبذاك خَبَّرَنا الغرابُ الأَسْوَدُ

وقوله :

عَنَمٌ يكادُ من اللَّطافَةِ يُعْقَدُ

فلذلك سميت الحركة قبل الرويّ المقيد تَوجيهاً، إَعلاماً أَن للرويّ وجهين في حالين مختلفين، وذلك أَنه
إذا كان مقيداً فله وَجْهٌ يتقدّمه، وإِذا كان مطلقاً فله وَجْهٌ يتأَخر عنه، فجرى مجرى الثوب المُوَجَّهِ
ونحوِه  ؛ قال: وهذا أَمثل عندي من قول مَنْ قال إِنما سُمِّي تَوْجيهاً لأَنه يجوز فيه وُجُوهٌ من اختلاف الحركات، لأَنه لو كان كذلك لمَا تَشدَّد الخليل في اختلاف الحركات قبله، ولمَا فَحُشَ ذلك
عنده (( [198] )) .

سناد الحذو : ينظر : الحذو

سناد الردف : ينظر : الردف

ــــ   ش   ـــ

الشتر :

الشَّتْرُ: من عَروض الهَزَجِ أَن يدخله الخَرْمُ والقَبْضُ فيصير فيه مفاعيلن فاعل كقوله:

قلتُ: لا تَخَفْ شيّا ،         فما يكونُ يأْتيكا

وكذلك هو في جزء المضارع الذي هو مفاعيلن، وهو مشتق من شَتَرِ العين، فكأَن البيت قد وقع فيه من ذهاب الميم والياء ما صار به كالأَشْتَرِ العيْن (( [199] )) .

ــــ   ص   ـــ

الصحيح :

الصحيح من الشِّعْر: ما سَلِمَ من النقص، وقيل: كل ما يمكن فيه الزِّحافُ فَسَلِمَ منه، فهو صحيح؛ وقيل: الصحيح كل آخر نصف يسلم من الأَشياء التي تقع عِللاً في الأَعاريض والضروب ولا تقع في الحشو (( [200] )) .

الصدر :

الصَّدْرُ في العَروضِ: حَذْف أَلِفِ فاعِلُنْ لِمُعاقَبَتِها نون فاعِلاتُنْ؛ قال ابن سيده: هذا قول الخليل، وإِنما حكمه أَن يقول الصَدْر الأَلف المحذوفة لِمُعاقَبَتها نون فاعِلاتُنْ (( [201] )) .

 

 

الصلم :

الأَصْلَمُ من الشِّعْر: ضَرْبٌ من المديد والسريع على التشبيه. التهذيب : والأَصْلَم المُصَلَّمُ من الشِّعْر وهو ضرب من السريع يجوز في قافيته فَعْلُن فَعْلُن ، كقوله :

ليس على طُولِ الحياةِ نَدَمْ ،      ومِنْ وَراءِ الموتِ ما يُعْلَمْ (( [202] )) .

ــــ   ض   ـــ

الضرب :

والضَّرْبُ من بيت الشِّعْر: آخرُه ، كقوله : فَحَوْمَلِ من قوله:

بسقْطِ اللِّوَى بين الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ

والجمع: أَضْرُبٌ وضُرُوبٌ (( [203] )) .

الضرورة :

وبعده:

مُحَلّىً بأَطْواقٍ عِتاقٍ كأَنَّها         بَقايا لُجَيْنٍ، جَرْسُهنَّ صَلِيلُ

وقال ابن جني : إِنما ذلك لضرورة في الشعر وللتشبيه للضمير المنفصل بالضمير المتصل في عَصاه
وقَناه ، ولم يقيد الجوهري حذفَ الواو من هُوَ بقوله إذا كان قبلها أَلف ساكنة بل قال وربما حُذِفت من هو الواو في ضرورة الشعر، وأَورد قول الشاعر :

فبيناه يشري رحله

قال : وقال آخر :

إِنَّه لا يُبْرِئ داءَ الهُدَبِدْ         مِثْلُ القَلايا مِنْ سَنامٍ وكَبِدْ

وكذلك الياء من هي ؛ وأَنشد:

دارٌ لِسُعْدَى إِذْ هِ مِنْ هَواكا

قال ابن سيده : فإِن قلت فقد قال الآخر :

أَعِنِّي على بَرْقٍ أُرِيكَ وَمِيضَهُو

فوقف بالواو وليست اللفظة قافيةً ، وهذه المَدَّة مستهلكة في حال الوقف ؟ قيل : هذه اللفظة وإِن لم تكن قافيةً فيكون البيتُ بها مُقَفّىً ومُصَرَّعاً ، فإِن العرب قد تَقِفُ على العَروض نحواً من وُقوفِها على
الضَّرْب ، وذلك لوقُوفِ الكلام المنثور عن المَوْزُون ؛ أَلا تَرَى إِلى قوله أَيضاً :

فأَضْحَى يَسُحُّ الماءَ حَوْلَ كُتَيْفةٍ

فوقف بالتنوين خلافاً للوُقوف في غير الشعر. فإِن قلت: فإِنَّ أَقْصَى حالِ كُتَيْفةٍ إِذ ليس قافيةً أَن يُجْرى مُجْرى القافية في الوقوف عليها، وأَنت ترى الرُّواةَ أَكثرَهم على إِطلاقِ هذه القصيدة ونحوها بحرف اللِّين نحو قوله فحَوْمَلي ومَنْزِلي، فقوله كُتَيْفة ليس على وقف الكلام ولا وَقْفِ القافيةِ؟ قيل: الأَمرُ على ما ذكرته من خلافِه له، غير أَنَّ الأَمر أَيضاً يختص المنظوم دون المَنْثُور لاستمرار ذلك عنهم؛ أَلا ترى
إِلى قوله:

أَنَّى اهْتَدَيْتَ لتَسْلِيمٍ على دِمَنٍ     بالغَمْرِ، غَيَّرَهُنَّ الأَعْصُرُ الأُوَلُ

وقوله:

كأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ، غُدْوةً         خَلايا سَفِينٍ بالنَّواصِفِ مِنْ دَدِ

ومثله كثير، كلُّ ذلك الوُقوفُ على عَرُوضِه مخالف للوُقوف على ضَرْبه، ومخالفٌ أَيضاً لوقوف الكلام غير الشعر. وقال الكسائي: لم أَسمعهم يلقون الواو والياء عند غير الأَلف، وتَثْنِيَتُه هما وجمعُه هُمُو، فأَما قوله هُم فمحذوفة من هُمُو كما أَن مُذْ محذوفة من مُنْذُ، فأَما قولُك رأَيْتُهو فإِنَّ الاسام إِنما هو الهاء وجيء بالواو لبيان الحركة، وكذلك لَهْو مالٌ إِنما الاسم منها الهاء والواو لما قدَّمنا، ودَلِيلُ ذلك أَنَّك إذا وقفت حذفت الواو فقلت رأَيته والمالُ لَهْ، ومنهم من يحذفها في الوصل مع الحركة التي على الهاء ويسكن
الهاء ؛ حكى اللحياني عن الكسائي : لَهْ مالٌ أَي لَهُو مالٌ؛ الجوهري: وربما حذفوا الواو مع الحركة . قال ابن سيده : وحكى اللحياني لَهْ مال بسكون الهاء ، وكذلك ما أَشبهه ؛ قال يَعْلَى بن الأَحْوَلِ :

أَرِقْتُ لِبَرْقٍ دُونَه شَرَوانِ         يَمانٍ، وأَهْوَى البَرْقَ كُلَّ يَمانِ

فظَلْتُ لَدَى البَيْتِ العَتِيقِ أُخِيلُهو         ومِطْوايَ مُشْتاقانِ لَهْ أَرِقانِ

فَلَيْتَ لَنا، مِنْ ماء زَمْزَمَ، شَرْبةً         مُبَرَّدةً باتَتْ على طَهَيانِ

قال ابن جني : جمع بين اللغتين يعني إِثْبات الواو في أُخِيلُهو وإِسكان الهاء في لَهْ،وليس إِسكان الهاء في له عن حَذْف لَحِقَ الكلمة بالصنعة، وهذا في لغة أَزْد السَّراة كثير؛ ومثله ما روي عن قطرب من قول الآخر:

وأَشْرَبُ الماء ما بي نَحْوَهُو عَطَشٌ         إِلاَّ لأَنَّ عُيُونَهْ سَيْلُ وادِيها

فقال: نَحْوَهُو عطش بالواو، وقال عُيُونَهْ بإِسكان الواو؛ وأَما قول الشماخ:

لَهُ زَجَلٌ كأَنَّهُو صَوْتُ حادٍ         إِذا طَلَبَ الوَسِيقةَ، أَوْ زَمِيرُ

فليس هذا لغتين لأَنا لا نعلم رِوايةً حَذْفَ هذه الواوِ وإِبقاء الضمةِ قبلها لُغةً، فينبغي أَن يكون ذلك ضَرُورةً وصَنْعةً لا مذهباً ولا لغة، ومثله الهاء من قولك بِهِي هي الاسم والياء لبيان الحركة، ودليل ذلك أَنك إذا وقفت قلت بِهْ، ومن العرب من يقول بِهِي وبِهْ في الوصل. قال اللحياني: قال الكسائي سمعت أَعراب عُقَيْل وكلاب يتكلمون في حال الرفع والخفض وما قبل الهاء متحرك، فيجزمون الهاء في الرفع ويرفعون بغير تمام، ويجزمون في الخفض ويخفضون بغير تمام، فيقولون: إِنَّ الإِنسانَ لِرَبِّهْ لَكَنُودٌ، بالجزم، ولِرَبِّه لكَنُودٌ، بغير تمام، ولَهُ مالٌ ولَهْ مالٌ، وقال: التمام أَحب إِليَّ ولا ينظر في هذا إِلى جزم ولا غيره لأَنَّ الإِعراب إِنما يقع فيما قبل الهاء؛ وقال: كان أَبو جعفر قارئ أَهل المدينة يخفض ويرفع لغير تمام؛ وقال أَنشدني أَبو حزام العُكْلِي:

لِي والِدٌ شَيْخٌ تَهُضُّهْ غَيْبَتِي         وأَظُنُّ أَنَّ نَفادَ عُمْرِهْ عاجِلُ

فخفف في موضعين، وكان حَمزةُ وأَبو عمرو يجزمان الهاء في مثل يُؤدِّهْ إِليك ونُؤْتِهْ مِنها ونُصْلِهْ جَهَنَّمَ، وسمع شيخاً من هَوازِنَ يقول: عَلَيْهُ مالٌ، وكان يقول: عَلَيْهُم وفِيهُمْ وبِهُمْ (( [204] )) .

وقولُ دَهْلَب بن قُرَيْع يخاطب ابناً له:

أُحِبُّ منكَ موضِعَ الوُشْحُنِّ         وموضعَ اللَّبَّةِ والقُرْطُنِّ

يعني الوُشاحَ ، وإِنما يزيدون هذه النون المشدّدة في ضرورة الشعر ؛ وأَورده الأَزهري : وموضعَ الإِزارِ والقَفَنَّ وقال : فإِنه زاد نوناً في الوُشُح والقفا (( [205] )) .

ومن أَبيات الكتاب:

متى أَنامُ لا يُؤَرِّقْني الكَرِي        ليْلاً، ولا أَسْمَعُ أَجْراسَ المَطِي

قال سيبويه: أَراد لا يُؤَرِّقْني الكَرِيُّ فاحتاجَ فأَشمَّ الساكنَ الضمة، وإِنما قال سيبويه ذلك لأَن بعده
ولا أَسمعُ، وهو فعل مرفوع، فحُكْمُ الأَول الذي عُطف عليه هذا الفعل أَن يكون مرفوعاً، لكن لما لم يمكنه أَن يُخلص الحركة في يؤرِّقْني أَشمها وحمل أَسمعُ عليه لأَنه وإِن كانت الحركة مشمة فإِنها في نية الإِشباع، وإِنما قلنا في الإِشمام هنا إِنه ضرورة لأَنه لو قال لا يؤرقني فأَشبع لخرج من الرجز إِلى
الكامل ، ومحال أَن يجمع بين عروضين مختلفين ؛ وأَنشد الأَخفش :

أَلم تَكُنْ حَلَفْتَ باللهِ العَلي         أَنَّ مَطاياكَ لَمِنْ خَيْرِ المَطي؟

جعل التي في موضع ياءٍ فَعِيلٍ القافية وأَلقى المتحركة لما احتاج إِلى إِلقائها ، وقد قال قوم : إِنما أَلقى الزائد وذلك ليس بحسن لأَنه مستخفٌّ للأَوَّل ، وإِنما يَرْتَدِع عند الثانية ، فلما جاءَ لفظ لا يكون مع الأَول تركه كما يقف على الثقيل بالخفة ؛ قال ابن جني : ذهب الأَخفش في العلي والمطي إِلى حذف الحرف الأَخير الذي هو لام وتبقية ياء فعيل ، وإِن كانت زائدة ، كما ذهب في نحو مَقُول ومَبيع إِلى حذف العين وإِقرار واو مفعول ، وإِن كانت زائدة، إِلا أَن جهة الحذف هنا وهناك مختلفتان لأَن المحذوف من المَطيّ
والعليّ الحرف الآخر، والمحذوف في مقول لعلة ليست بعلة الحذف في المطِيّ والعَليّ، والذي رآه في المَطِيّ حسن لأَنك لا تتناكر الياء الأُولى إذا كان الوزن قابلاً لها وهي مكلمة له، أَلا ترى أَنها بإِزاءِ نون مستفْعلن؟ وإِنما استغنى الوزن عن الثانية فإِياها فاحذف، ورواه قطرب: أَنّ مطاياك، بفتح أَن مع
اللام، وهذا طريق، والوجه الصحيح كسر إِن لتزول الضرورة، إِلا أَنا سمعناها مفتوحة الهمزة (( [206] )) .

الأَزهري : والقراءة الجيدة التي لا يجوز عندي غيرها هي قراءة العامّة التي بها قرأَ القرّاء المشهورون        ( وعَبَدَ الطاغوتَ ) على التفسير الذي بينته أَوّلاً ؛ وأَما قَوْلُ أَوْسِ بن حَجَر:

أَبَنِي لُبَيْنَى، لَسْتُ مُعْتَرِفاً،     لِيَكُونَ أَلأَمَ مِنْكُمُ أَحَد

أَبَني لُبَيْنى ، إِنَّ أُمَّكُمُ          أَمَةٌ ، وإِنَّ أَباكُمُ عَبُدُ

فإِنه أَراد وإِن أَباكم عَبْد فَثَقَّل للضرورة ، فقال عَبُدُ لأَن القصيدة من الكامل وهي
حَذَّاء (( [207] ))  .

وقيل: العَيْهل الطويلة .... قال الجوهري : وربما قالوا عَيْهَلٌّ ، مشدداً في ضرورة الشعر ؛ قال منظور بن مَرْثَد الأَسدي:

إِنْ تَبْخَلي، يا جُمْل، أَو تَعْتَلِّي         أَو تُصْبحي في الظَّاعِنِ المُوَلِّي

نُسَلِّ وَجْد الهائم المُعْتَلِّ         ببازِلٍ وَجْناءَ أَو عَيْهَلِّ

قال ابن سيده: شدد اللام لتمام البناء إِذ لو قال أَو عَيْهَل ، بالتخفيف ، لكان من كامل السريع ، والأَول كما تراه من مشطور السريع ، وإِنما هذا الشدّ في الوقف فأَجراه الشاعر للضرورة حين وَصَل مُجْراه
إذا وَقَف (( [208] )) .

ضَخُمَ الشيءُ ضِخَماً وضَخامةً وهذا أَضخم منه، وقد شُدِّد في الشعر لأَنهم إذا وقفوا على اسم شدَّدُوا آخره إذا كان ما قبله متحركاً كالأَضْخَمّ والضِّخَمّ والإضْخَمّ؛ قال ابن سيده: فأَما ما أَنشده سيبويه من قول رؤبة:

ضَخْم يُحِبُّ الخُلُقَ الأضْخَمّا

فعلى أَنه وَقَفَ على الأَضْخَمِّ، بالتشديد، كلغة من قال : رأيت الحَجَرّْ، وهذا محمدّْ وعامِرّْ وجَعْفَرّْ، ثم احتاج فأَجراه في الوصل مُجْراه في الوقف، وإنما اعْتَدَّ به سيبويه ضرورةً لأَن أَفْعَلاً مُشدَّداً عَدَمٌ في الصفات والأسماء، وأَما قوله: ويرْوى الإضْخَمَّا فليس مُوَجهاً على الضرورة، لأَن إفْعَلاًّ موجودٌ في الصفات وقد أَثبته هو فقال: إرْزَبٌّ صفةٌ، مع أَنه له وَجَّهَه على الضرورة التَناقَضَ، لأنه قد أَثبت أَن إفْعَلاً مخفَّفاً عدَمٌ في الصفات، ولا يَتَوَجَّه هذا على الضرورة، إلاَّ أَن تُثْبِت إفْعَلاً مخففاً في الصفات، وذلك ما قد نَفاه هو، وكذلك قوله: ويُرْوى الضِّخَمّا، لا يتوجه على الضرورة، لأَن فِعَلاً موجودٌ في الصفة وقد أَثبته هو فقال: والصِّفةٌ خِدَبٌّ، مع أَنه لو وجهه على الضرورة لَتناقَضَ، لأَن هذ إنما يتجه على أَن في الصفات فِعَلاً، وقد نفاه أَيضاً إلاّ في المعتلِّ وهو قولهم: مكانٌ سِوىً، فثبت من ذلك أَن الشاعر لو قال الإضْخَمّا والضِّخَمّا كان أَحْسَنَ، لأَنهما لا يَتَّجِهان على الضرورة، لكن سيبويه أشعَرك أَنه قد سَمِعه على هذه الوجوه الثلاثة، قال: والأَضْخَمُّ، بالفتح، عندي في هذا البيت على أَفْعَلَ المُقْتضِيةِ للمُفاضَلة، وأَن اللامَ فيها عَقِيبُ مِنْ، وذلك أَذْهَبُ في المدح، ولذلك احتمل الضرورة لأَن أَخَوَيْه لا مُفاضَلَة فيهما. قال ابن سيده: وأَما قولُ أهلِ اللغة شيءٌ أَضخَمُ فالذي أَتَصَوَّرُه في ذلك أَنهم لم يَشْعُروا بالمُفاضلةِ في هذا البيت، فجعلوه من باب أَحْمَر، قال: ويدلُّك على المُفاضَلة أَنهم لم يَجِيئُوا به في بيت ولا مَثَلٍ مُجَرَّداً من اللام فيما علمناه من مشهور أشعارهم، على أَن الذي حكاه أَهل اللغة لا يمتنع، فإن قلت: فإن للشاعر أَن يقول الأَضْخَمَ مخففاً، قيل: لا يكون ذلك لأَن القطعة من مَكْشوفِ مَشْطورِ السريع، والشَّطْرُ على ما قُلْتُ أَنت من الضرب الثاني منه وذلك مُسَدَّسٌ؛ وبيته:

هاجَ الْهَوَى رَسْمٌ بذاتِ الغَضى،         مُخْلَوْلِقٌ مُسْتَعْجِمٌ مُحْوِلُ

فإن قلت: فإن هذا قد يجوز على أَن تَطْوي مفعولن وتنقُلَه في التقطيع إلى فاعلن، قيل: لا يجوز ذلك في هذا الضرب لأَنه لا يجتمع فيه الطي والكشف، وقول الأَخفش في ضِخَمّا : وهذا أَشدُّ لأَنه حرك الخاء وثقل الميم، يريد أَنه غيَّر بناء ضَخْم، وهذا التحريف كثيرٌ عنهم فاشٍ مع الضرورة في استعمالهم؛ ألا ترى أنهم قالوا في قول الزَّفَيان:

بِسَبْحَلِ الدَّفَّيْنِ عَيْسَجُور  (( [209] )) .

قال الأَعشى:

وذا شُرُفاتٍ يقصرُ الطَّرْفُ دونه،         ترى للحَمامِ الوُرْقِ فيها قَرامِصا

حذف ياء قراميص للضرورة ولم يقل قراميص، وإِن احتمله الوزن لأَن القطعة من الضرب الثاني من الطويل ، ولو أَتم لكان من الضرب الأَول منه (( [210] )) .

أَوْ مُذْهَبٌ جَدَدٌ، على أَلْواحِهِ         أَلنَّاطِقُ المَبْرُوزُ والمَخْتُومُ

ويروى : على أَلواحِهِنَّ النَّاطِقُ، وإِنما عَدَل عن ذلك بعض الرُّواةِ اسْتِيحاشاً من قَطْعِ أَلِفِ الوَصْل، وهذا جائِزٌ عند سيبويه في الشِّعْرِ، ولاسِيَّما في الأَنْصافِ، لأَنها مواضِعُ فُصُولٍ (( [211] ))  .

ــــ   ط   ـــ

الطرفان :

ابن سيده : والطرَفانِ في المَديد حذف أَلف فاعلاتن ونونِها ؛ هذا قول الخليل وإنما حكمه أَن يقول : التَّطْريفُ حذف أَلف فاعلاتن ونونها ، أَو يقول الطرَفانِ الأَلف والنون المحذوفتان من فاعلاتن (( [212] )) .

الطويل :

الطويل من الشِّعْر : جنس من العَرُوض ، وهي كلمة مُوَلَّدة ، سمي بذلك لأَنه أَطْوَلُ الشِّعْر كُلِّه ، وذلك أَن أَصله ثمانية وأَربعون حرفاً ، وأَكثر حروف الشعر من غير دائرته اثنان وأَربعون حرفاً ، ولأَن أَوتاده مبتدأ بها ، فالطُّول لمتقدم أَجزائه لازم أَبداً ، لأَن أَول أَجزائه أَوتاد والزوائد أَبداً يتقدم أَسبابَها ما أَوَّلُه وَتِدٌ (( [213] )) .

الطي :

الطَّيُّ في العَرُوضِ : حَذْفُ الرابِعِ من مُسْتَفْعِلُنْ ومَفْعُولاتُ ، فيبقى مُسْتَعِلُنْ ومَفْعُلات فيُنْقَل مُسْتَعِلُنْ إلى مُفْتَعِلُنْ ومَفْعُلات إِلى فاعلاتُ ، يكون ذلك في البَسيطِ والرَّجَز والمنْسَرِح ، وربما سمي هذا الجزءُ إذا كان ذلك مَطْوِيّاً لأَن رابعهُ وسَطُه على الاسْتِواء فشُبِّه بالثَّوْبِ الذي يُعطَفُ من
وَسَطه (( [214] )) .

 

 

 

 

ــــ   ع   ـــ

العجز :

العَجُزُ في العَرُوض : حذفك نون فاعلاتن لمعاقبتها أَلف فاعلن ، هكذا عبر الخليل عنه ففسر الجَوْهر الذي هو العَجُز بالعَرَض الذي هو الحذف وذلك تقريب منه ، وإِنما الحقيقة أَن تقول العَجُز النون المحذوفة من فاعلاتن لمعاقبة أَلف فاعلن ، أَو تقول التَّعْجيز حذف نون فاعلاتن لمعاقبة أَلف فاعلن وهذا كله إِنما هو في المديد . وعَجُز بيت الشعر: خلاف صدره (( [215] )) .

العروض :

العَرُوضُ : عَرُوضُ الشعر وهي فَواصِلُ أَنصاف الشعْر وهو آخر النصف الأَول من البيت ، أُنْثَى ، وكذلك عَرُوض الجبل ، وربما ذُكِّرتْ ، والجمع أَعارِيضُ على غير قياس ، حكاه
سيبويه ، وسمي عَرُوضاً لأَن الشعر يُعْرَضُ عليه ، فالنصف الأَول عَروضٌ لأَن الثاني يُبْنى على الأَول والنصف الأَخير الشطر ، قال : ومنهم من يجعل العَروضَ طَرائق الشعْر وعَمُودَه مثل الطويل يقول هو عَرُوضٌ واحد ، واخْتِلافُ قَوافِيه يسمى ضُرُوباً ، قال : ولكُلٍّ مقَالٌ ؛ قال أَبو إِسحق : وإِنما سمي وسط البيت عَرُوضاً لأَن العروض وسط البيت من البِناء ، والبيتُ من الشعْر مَبنيّ في اللفظ على بناء البيت المسكون للعرب ، فَقِوامُ البيت من الكلام عَرُوضُه كما أَنّ قِوامَ البيت من الخِرَقِ العارضةُ التي في
وسطه، فهي أَقْوَى ما في بيت الخرق ، فلذلك يجب أَن تكون العروض أَقوى من الضرْب ، أَلا ترى أَن الضُّروبَ النقصُ فيها أَكثر منه في الأَعارِيض ؟ والعَرُوضُ: مِيزانُ الشعْر لأَنه يُعارَضُ بها ، وهي مؤنثة ولا تجمع لأَنها اسم جنس (( [216] )) .

العصب :

العصب في عروض الوافر: إسكان لام مفاعلتن ، ورد الجزء بذلك إلى مفاعلين . وإنما سمي عصبا لأنه عصب أن يتحرك أي قبض (( [217] )) .

العضب :

العَضْبُ : أَن يكون البيتُ ، من الوافر ، أَخْرَمَ. والأَعْضَب : الجُزءُ الذي لَحِقَه العَضَبُ  فينقل مفاعلتن إِلى مفتعلن؛ ومنه قولُ الحُطَيْئَة:

إِن نَزَلَ الشتاءُ بدار قَومٍ،      تَجَنَّبَ جارَ بَيْتِهِمُ الشتاءُ (( [218] ))

العظال :

العِظَالُ في القَوَافي : التضمين، يقال : فلان لا يُعاظِل بين القَوَافي . وعاظَلَ الشاعرُ في القافية عِظَالاً: ضَمَّن (( [219] )) .

العقص :

العَقَصُ في زِحاف الوافر : إِسكان الخامس من مفاعلتن فيصير مفاعلين بنقله ثم تحذف النون منه مع الخرم فيصير الجزء مفعول كقوله:

لَوْلا مَلِكٌ رؤوفٌ رَحِيم      تَدارَكَني برَحْمتِه ، هَلَكْتُ

سُمِّي أَعْقَصَ لأَنه بمنزلة التَّيْسِ الذي ذهبَ أَحدُ قَرْنَيْه مائلاً كأَنه عُقِصَ أَي عُطِفَ على التشبيه
بالأَوَّل (( [220] )) .

العقل :

العَقْلُ في العَروض: إِسقاط الياء من مَفاعِيلُنْ بعد إِسكانها في مُفاعَلَتُنْ فيصير مَفاعِلُنْ ؛ وبيته :

مَنازِلٌ لفَرْتَنى قِفارٌ      كأَنَّما رسُومُها سُطور (( [221] )) .

العوض :

والدَّعْوى والثّنْوى والفَتْوى عوضاً للواو من كثرة دخول الياء عليها ، وكما جعل لزوم الضرب الأَول من المنسرح لمفتعلن ، وحظر مجيئه تامّاً أَو مخبوناً ، بل توبعت فيه الحركات الثلاث البتة تعويضاً للضرب من كثرة السواكن فيه نحو مفعولن ومفعولان ومستفعلان ، ونحو ذلك مما التقى في آخره من الضرب ساكنان (( [222] )) .

 

 

 

 

 

ــــ  غ   ـــ

الغايات :

قال أَبو إسحق: الغاياتُ في العَروضِ أَكْثرُ مُعْتَلاًّ ، لأنَّ الغاياتِ إذا كانت فاعِلاتُنْ أَو مَفاعِيلُنْ أَو فَعُولُن فقد لَزِمَها أَنْ لا تُحْذَف أَسْبابُها، لأَنَّ آخِرَ البَيتِ لا يكونُ إلا ساكناً فلا يجوزُ أَن يُحَذَف الساكنُ ويكونَ آخِرُ البيتِ مُتَحَرِّكاً، وذلك لأن آخر البيت لا يكون إلاَّ ساكناً، فمن الغايات المَقطُوعُ والمَقصورُ والمَكْشوف والمَقْطُوف، وهذه كلها أشياء لا تكون في حَشْوِ البيتِ، وسُمِّي غايَةً لأَنه نهاية البيت (( [223] )) .

الغلو :

الغُلُوُّ في القافِية: حَرَكَةُ الرَّوِيّ الساكِنِ بعد تمامِ الوزنِ، والغالي: نونٌ زائدة بعد تلك الحركة، وذلك نحو قوله في إنشادِ من أَنشده هكذا:

وقاتِم الأَعْماقِ خاوي المُخْتَرَقِنْ

فحركة القافِ هي الغُلُوُّ، والنونُ بعد ذلك هي الغالي، وإنما اشتُقَّ من الغُلُوِّ الذي هو التجاوُزُ لقدر ما يحبُ، وهو عندهم أَفْحَشُ من التَّعَدّي، وقد ذكرنا التَّعَدِّيَ في الموضع الذي يَليق
به، ولا يُعْتَدُّ به في الوزنِ لأَنَّ الوزنَ قد تَناهَى قبلَه، جعلوا ذلك في آخرِ البيت بمَنْزلة الخَزْمِ في
أَوَّله (( [224] )) .

ــــ   ف   ـــ

الفاصلة :

الفاصِلة الصغرى من أَجزاء البيت: هي السببان المقرونان، وهو ثلاث متحركات بعدها ساكن نحو مُتَفا من مُتَفاعِلُن وعلتن من مفاعلتن، فإِذا كانت أَربع حركات بعدها ساكن مثل فَعَلتن فهي الفاصِلة الكُبْرى، قال: وإِنما بدأْنا بالصغرى لأَنها أَبسط من الكُبْرى؛ الخليل: الفاصِلة في العَروض أَن يجتمع ثلاثة أَحرف متحركة والرابع ساكن مثل فَعَلَت، قال: فإِن اجتمعت أَربعة أَحرف متحركة فهي الفاضِلة، بالضاد المعجمة، مثل فعَلتن (( [225] )) .

 

 

فصل العروض :

الفَصْل: كلُّ عَرُوض بُنِيت على ما لا يكون في الحَشْو إِمَّا صحة وإِمَّا إِعلال كمَفاعِلن في الطويل، فإِنها فَصْل لأَنها قد لزمها ما لا يلزم الحَشْو لأَن أَصلها إِنما هو مَفاعيلن، ومفاعيلن في الحَشْو على ثلاثة أَوجه: مفاعيلن ومَفاعِلن ومفاعيلُ، والعَروض قد لزمها مَفاعِلن
فهي فَصْل، وكذلك كل ما لزمه جنس واحد لا يلزم الحَشْو، وكذلك فَعِلن في البسيط فَصْل أَيضاً؛ قال أَبو إِسحق: وما أَقلّ غير الفُصُول في الأَعارِيض، وزعم الخليل أَن مُسْتَفْعِلُن
في عَروض المُنْسَرِح فَصْل، وكذلك زعم الأَخفش؛ قال الزجاج : وهو كما قال لأَن مستفعلن هنا لا يجوز فيها فعلتن فهي فَصْل إِذ لزمها ما لا يلزم الحَشْو، وإِنما سمي فَصْلاً لأَنه النصف
من البيت (( [226] )) .

ــــ   ق   ـــ

القافية :

القافية من الشعر : الذي يقفو البيت ، وسميت قافية لأَنها تقفو البيت ، وفي الصحاح : لأَن بعضها يتبع أَثر بعض. وقال الأَخفش: القافية آخر كلمة في البيت، وإنما قيل لها قافية
لأَنها تقفو الكلام، قال: وفي قولهم قافية دليل على أَنها ليست بحرف لأَن القافية مؤنثة والحرف مذكر، وإن كانوا قد يؤنثون المذكر، قال: وهذا قد سمع من العرب ، وليست تؤخذ الأَسماء بالقياس، أَلا ترى
أَن رجلاً وحائطاً وأَشباه ذلك لا تؤخذ بالقياس إِنما ينظر ما سمته العرب، والعرب لا تعرف الحروف.  قال ابن سيده: أَخبرني من أَثق به أَنهم قالوا لعربي فصيح أَنشدنا قصيدة على الذال فقال: وما الذال؟
قال: وسئل بعض العرب عن الذال وغيرها من الحروف فإِذا هم لا يعرفون الحروف؛ وسئل أَحدهم عن قافية :

لا يَشْتَكينَ عَمَلاً ما أَنْقَيْنْ

فقال: أَنقين؛ وقالوا لأَبي حية : أَنشدنا قصيدة على القاف فقال :

كَفى بالنَّأْيِ من أَسماء كاف

فلم يعرف القاف. قال محمد بن المكرّم: أَبو حية، على جهله بالقاف في هذا كما ذكر ، أَفصح منه على معرفتها، وذلك لأَنه راعى لفظة قاف فحملها على الظاهر وأَتاه بما هو على وزن قاف من كاف
ومثلها، وهذا نهاية العلم بالأَلفاظ وإِن دق عليه ما قصد منه من قافية القاف، ولو أَنشده شعراً على غير هذا الروي مثل قوله :

آذَنَتْنا بِبَيْنِها أَسماءُ

ومثل قوله:

لِخَوْلةَ أَطْلالٌ ببُرْقةِ ثَهْمَدِ

كان يعد جاهلاً وإِنما هو أَنشده على وزن القاف، وهذه معذرة لطيفة عن أَبي حية، والله أَعلم .
وقال الخليل: القافية من آخر حرف في البيت إِلى أَوّل ساكن يليه مع الحركة التي قبل الساكن، ويقال مع المتحرك الذي قبل الساكن كأَن القافية على قوله من قول لبيد:

عَفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها

من فتحة القاف إِلى آخر البيت، وعلى الحكاية الثانية من القاف نفسها إِلى آخر البيت؛ وقال قطرب : القافية الحرف الذي تبنى القصيدة عليه، وهو المسمى رَوِيّاً؛ وقال ابن كيسان: القافية كل شيء لزمت إِعادته في آخر البيت، وقد لاذ هذا بنحو من قول الخليل لولا خلل فيه؛ قال ابن جني: والذي يثبت عندي صحته من هذه الأَقوال هو قول الخليل؛ قال ابن سيده: وهذه الأَقوال إِنما يخص بتحقيقها صناعة
القافية، وأَما نحن فليس من غرضنا هنا إِلا أَن نعرّف ما القافية على مذهب هؤلاء من غير إسهاب ولا إطناب؛ وأَما ما حكاه الأَخفش من أَنه سأَل من أَنشد :

لا يشتكين عملاً ما أَنقين

فلا دلالة فيه على أَن القافية عندهم الكلمة، وذلك أَنه نحا نحو ما يريده الخليل، فلَطُف عليه أَن يقول هي من فتحة القاف إِلى آخر البيت فجاء بما هو عليه أَسهل وبه آنَس وعليه أَقْدَر، فذكر الكلمة المنطوية على القافية في الحقيقة مجازاً، وإِذا جاز لهم أَن يسموا البيت كله قافية لأَن في آخره قافية، فتسميتهم الكلمة التي فيها القافية نفسها قافية أَجدر بالجواز، وذلك قول حسان:

فَنُحْكِمُ بالقَوافي مَن هَجانا         ونَضْرِبُ حينَ تخْتَلِطُ الدِّماءُ

وذهب الأَخفش إِلى أَنه أَراد هنا بالقوافي الأَبيات؛ قال ابن جني: لا يمتنع عندي أَن يقال في

هذا إِنه أَراد القصائد كقول الخنساء:

وقافِيةٍ مِثْلِ حَدِّ السِّنا         نِ تَبْقى، ويَهْلِك مَن قالَها

تعني قصيدة والقافية القصيدة؛ وقال:

نُبِّئْتُ قافِيةً قيلَتْ، تَناشَدَها         قَوْمٌ سأَتْرُك في أَعْراضِهِمْ نَدَبا

وإِذا جاز أَن تسمى القصيدة كلها قافية كانت تسمية الكلمة التي فيها القافية قافية أجدر، قال: وعندي أَن تسمية الكلمة والبيت والقصيدة قافية إِنما هي على إِرادة ذو القافية، وبذلك خَتَم ابن جني رأْيه في تسميتهم الكلمة أَو البيت أَو القصيدة قافية. قال الأَزهري: العرب تسمي البيت من الشِّعر قافية وربما سموا القصيدة قافية. ويقولون: رويت لفلان كذا وكذا قافية (( [227] )) .

القبض:

القَبْضُ في زِحافِ الشعر: حذف الحرف الخامس الساكن من الجزء نحو النون من فعولن أَينما تصرفت، ونحو الياء من مفاعيلن؛ وكلُّ ما حُذف خامسه، فهو مَقْبُوض، وإِنما سمي مَقْبوضاً لِيُفْصَل بين ما حذف أَوله وآخره ووسطُه (( [228] )) .

القصم :

القصم في عَروض الوافر: حذف الأَول وإِسكان الخامس، فيبقى الجزء فاعِيلن ، فينقل في التقطيع إِلى مَفْعولن، وذلك على التشبيه بقَصْم السن أَو القَرْن (( [229] )) .

القصيد :

القَصِيدُ من الشِّعْر: ما تمَّ شطر أَبياته، وفي التهذيب: شطر ابنيته، سمي بذلك لكماله وصحة وزنه. وقال ابن جني: سمي قصيداً لأَنه قُصِدَ واعتُمِدَ وإِن كان ما قَصُر منه واضطرب بناؤُه نحو الرمَل والرجَز شعراً مراداً مقصوداً، وذلك أَن ما تمَّ من الشِّعْر وتوفر آثرُ عندهم وأَشَدُّ تقدماً في أَنفسهم مما قَصُر واختلَّ، فسَمُّوا ما طال ووَفَرَ قَصِيداً أَي مُراداً مقصوداً، وإِن كان الرمل والرجز أَيضاً مرادين مقصودين، والجمع قصائد، وربما قالوا: قَصِيدَة. الجوهري: القَصِيدُ جمع القَصِيدة كسَفِين جمع
سفينة، وقيل: الجمع قصائدُ وقصِيدٌ؛ قال ابن جني: فإِذا رأَيت القصيدة الواحدة قد وقع عليها القصيد بلا هاء فإِنما ذلك لأَنه وُضِعَ على الواحد اسمُ جنس اتساعاً، كقولك: خرجت فإِذا السبع، وقتلت اليوم الذئب، وأَكلت الخبز وشربت الماء؛ وقيل: سمي قصيداً لأَن قائله احتفل له فنقحه باللفظ الجيِّد والمعنى المختار، وأَصله من القصيد وهو المخ السمين الذي يَتَقَصَّد أَي يتكسر لِسِمَنِه، وضده الرِّيرُ والرَّارُ وهو المخ السائل الذائب الذي يَمِيعُ كالماء ولا يتقصَّد، إذا نُقِّحَ وجُوِّدَ وهُذِّبَ؛ وقيل: سمي الشِّعْرُ التامُّ قصيداً لأَن قائله جعله من باله فَقَصَدَ له قَصْداً ولم يَحْتَسِه حَسْياً على ما خطر بباله وجرى على لسانه، بل رَوَّى فيه خاطره واجتهد في تجويده ولم يقتَضِبْه اقتضاباً فهو فعيل من القصد وهو الأَمُّ؛ ومنه قول النابغة:

وقائِلةٍ: مَنْ أَمَّها واهْتَدَى لها ؟     زيادُ بنُ عَمْروٍ أَمَّها واهْتَدَى لها

 

أَراد قصيدته التي يقول فيها:

يا دارَ مَيَّةَ بالعَلْياءِ فالسَّنَدِ

ابن بُزُرج : أَقصَدَ الشاعرُ وأَرْملَ وأَهْزَجَ وأَرْجَزَ من القصيد والرمَل والهَزَج والرَّجَزِ. وقَصَّدَ الشاعرُ وأَقْصَدَ: أَطال وواصل عمل القصائد؛ قال:

قد وَرَدَتْ مِثلَ اليماني الهَزْهاز،

تَدْفَعُ عن أَعْناقِها بالأَعْجاز،

أَعْيَتْ على مُقْصِدِنا والرَّجَّاز

فَمُفْعِلٌ إِنما يراد به ههنَا مُفَعِّل لتكثير الفعل، يدل على أَنه ليس بمنزلة مُحْسِن ومُجْمِل ونحوه مما لا يدل على تكثير لأَنه لا تكرير عين فيه أَنه قرنه بالرَّجَّاز وهو فعَّال، وفعَّال موضوع للكثرة. وقال أَبو الحسن الأَخفش: ومما لا يكاد يوجد في الشعر البيتان المُوطَآن ليس بينهما بيت والبيتان المُوطَآن، وليست القصيدة إِلا ثلاثة أَبيات فجعل القصيدة ما كان على ثلاثة أَبيات؛ قال ابن جني: وفي هذا القول من الأَخفش جواز، وذلك لتسميته ما كان على ثلاثة أَبيات قصيدة، قال: والذي في العادة أَن يسمى ما كان على ثلاثة أَبيات أَو عشرة أَو خمسة عشر قطعة، فأَما ما زاد على ذلك فإِنما تسميه العرب قصيدة. وقال الأَخفش: القصيد من الشعر هو الطويل والبسيط التامّ والكامل التامّ والمديد التامّ والوافر التامّ والرجز التامّ والخفيف التامّ، وهو كل ما تغنى به الركبان، قال: ولم نسمعهم يتغنون بالخفيف؛ ومعنى قوله المديد التامُّ والوافر التامّ يريد أَتم ما جاء منها في الاستعمال، أَعني الضربين الأَوّلين منها، فأَما أَن يجيئا على أَصل وضعهما في دائرتيهما فذلك مرفوض مُطَّرَحٌ (( [230] )) .

القطع : ينظر : المقطوع

القطف :

القَطفُ في الوافر: حذف حرفين من آخر الجُزْء وتسكين ما قبلها كحذفك ( تُن ) من مفاعلتن وتسكين اللام فيبقى مفاعل فينقل في التقطيع إلى فعولن، ولا يكون إلا في عروض أَو
ضرب ، وليس هذا بحادث للزّحاف، إنما هو المستعمل في عروض الوافر وضربه، وإنما سمي مقطوفاً لأَنك قطفت الحرفين ومعهما حركة قبلهما (( [231] )) .

 

 

ــــ   ك  ـــ

الكامل :

الكامِل من شطور العَروض: معروف وأَصله متفاعلن ست مرات ، سمي كاملاً لأَنه استكمَل على أَصله في الدائرة . وقال أَبو إِسحق: سمي كامِلاً لأَنه كَمُلَت أَجزاؤه وحركاته، وكان أَكْمَل من الوافِر، لأَن الوافِر تَوَفَّرتْ حركاته ونقصت أَجزاؤه (( [232] )) .

قال:

أَيَرُدُّني ذاكَ الضَّوِيطةُ عن هَوَى         نَفْسِي، ويَفْعَلُ ما يُرِيدُ؟

قال ابن سيده: هذا البيت من نادر الكامل لأَنه جاء مخمساً (( [233] )) .

كسر الوزن :

تَكْسِرُ جناحيها وتضمهما إذا أَرادت السقوط؛ ابن سيده: وعُقاب كاسر؛ قال:

كأَنها، بعدَ كلالِ الزاجرِ         ومَسْحِه، مَرُّ عُقابٍ كاسِرِ

أَراد: كأَنّ مَرَّها مَرُّ عُقابٍ؛ وأَنشده سيبويه:

ومَسْحِ مَرُّ عُقابٍ كاسِرِ

يريد: ومَسْحِه فأَخفى الهاء. قال ابن جني: قال سيبويه كلاماً يظن به في ظاهره أَنه أَدغم الحاء في الهاء بعد أَن قلب الهاء حاء فصارت في ظاهر قوله ومَسْحّ، واستدرك أَبو الحسن ذلك عليه، وقال: إِن هذا لا يجوز إِدغامه لأَن السين ساكنة ولا يجمع بين ساكنين ؛ قال: فهذا لعمري تعلق بظاهر لفظه فأَما حقيقة معناه فلم يُرِدْ مَحْضَ الإِدغام ؛ قال ابن جني: وليس ينبغي لمن نظر في هذا العلم أَدنى نظر أَن يظنَّ بسيبويه أَنه يتوجه عليه هذا الغلط الفاحش حتى يخرج فيه من خطإِ الإِعراب إِلى كسر الوزن ، لأَن هذا الشعر من مشطور الرجز وتقطيع الجزء الذي فيه السين والحاء ومسحه مفاعلن فالحاء بإِزاء عين مفاعلن ، فهل يليق بسيبويه أَن يكسر شعراً وهو ينبوع العروض وبحبوحة وزن التفعيل، وفي كتابه أَماكن كثيرة تشهد بمعرفته بهذا العلم واشتماله عليه ، فكيف يجوز عليه الخطأ فيما يظهر ويبدو لمن يَتَسانَدُ إِلى طبعه فضلاً عن سيبويه في جلالة قدره ؟ قال: ولعل أَبا الحسن الأَخفش إِنما أَراد التشنيع عليه وإِلا فهو كان أَعرف
الناس بجلاله (( [234] )) .

ونُبايِعُ، بغير همز: موضع؛ قال أَبو ذؤيب:

وكأَنَّها بالجِزْع جِزعِ نُبايعٍ         وأُولاتِ ذي العَرْجاء، نَهْبٌ مُجْمَعُ

قال ابن جني : هو فِعْلٌ منقول ، وزْنه نُفاعِلُ كنُضارِبُ ونحوه إِلا أَنه سمي به مجرداً من ضميره ، فلذلك أُعرب ولم يُحْكَ ، ولو كان فيه ضميره لم يقع في هذا الموضع لأَنه كان يلزم حكايتُه إِن كان جملة كذَرَّى حبّاً وتأبَّطَ شَرّاً، فكان ذلك يكسر وزن البيت لأَنه كان يلزمه منه حذفُ ساكن الوتد فتصير متفاعلن إِلى متفاعِلُ، وهذا لا يُجِيزه أَحد، فإِن قلت: فهلا نوَّنته كما تُنوِّن في الشعر الفعل نحو قوله:

مِنْ طَلَلٍ كالأَتْحمِيّ أَنْهَجَن

وقوله:

دايَنْتُ أَرْوَى والدُّيُون تُقْضَيَنْ

فكان ذلك يَفِي بوزن البيت لمجيء نون متفاعلن؟ قيل: هذا التنوين إِنما يلحق الفعل في الشعر إذا كان الفعل قافية، فأَما إذا لم يكن قافية فإِن أَحداً لا يجيز تنوينه، ولو كان نبايع مهموزاً لكانت نونه وهمزته أَصليتين فكان كعُذافِر، وذلك أَن النون وقعت موقع أَصل يحكم عليها بالأَصلية، والهمزة حَشْو فيجب أَن تكون أَصلاً، فإِن قلت: فلعلها كهمزة حُطائطٍ وجُرائض؟ قيل: ذلك شاذ فلا يَحْسُنُ الحَمْل عليه وصَرْفُ نُبايعٍ، وهو منقول مع ما فيه من التعريف والمِثال، ضرورةٌ، والله أَعلم (( [235] )) .

وأَما قول الشاعر الهُذَلي:

أَبِيتُ على مَعارِيَ واضِحَاتٍ         بِهِنَّ مُلَوَّبٌ كَدَمِ العِباطِ

فإنما نَصَبَ الياءَ لأنه أَجْراها مُجْرى الحَرْفِ الصحيح في ضَرُورةِ الشِّعْرِ، ولم يُنَوّن لأنه لا يَنْصرِف، ولو قال مَعارٍ لم ينكَسر البيتُ ولكنه فرَّ من الزحاف. قال ابن سيده: والمَعَارِي الفُرُش، وقيل: إنَّ الشاعر عَناها، وقيل: عَنى أَجْزاءَ جِسْمِها واخْتار مَعَارِيَ على مَعَارٍ لأنه آثَرَ إتْمامَ الوَزْنِ، ولو قال معارٍ لمَا كُسر الوزن لأنه إنما كان يصير من مُفاعَلَتُن إلى مَفاعِيلن، وهو العَصْب؛ ومثله قول الفرزدق:

فلَوْ كانَ عبدُ اللهِ مَولىً هَجَوْتُه         ولكِنَّ عبدَ اللهِ مَولى مَوَالِياَ

قال ابن بري: هو للمُتَنَخّل الهذلي (( [236] )) .

الكشف :

ينظر : المكشوف .

 

 

الكف :

الكَفُّ في العَرُوض: حذف السابع من الجزء نحو حذفك النون من مفاعيلن حتى يصير مفاعيلُ ومن فاعلاتن حتى يصير فاعلات، وكذلك كلُّ ما حُذف سابعه ، على التشبيه بكُفّة القميص التي تكون في طرف ذيله، قال ابن سيده: هذا قول ابن إسحق. والمَكفوف في عِلل العروض مفاعيلُ كان أَصله مفاعيلن، فلما ذهبت النون قال الخليل هو مكفوف (( [237] )) .

ــــ   م   ـــ

المتدارك :

الليث: المُتَدَارِك من القَوَافي والحروف المتحركة ما اتفق متحركان بعدهما ساكن مثل فَعُو وأَشباه ذلك؛ قال ابن سيده: والمُتَدَارِكُ من الشِّعْر كل قافية توالى فيها حرفان متحركان بين ساكنين، وهي متفاعِلُنْ ومستفعلن ومفاعِلُنْ، وفَعَلْ إذا اعتمد على حرف ساكن نحو فَعُولُنْ فَعَلْ، فاللام من فعل ساكنة، وفُلْ إذا اعتمد على حرف متحرك نحو فَعُولُ فُلْ، اللام من فُلْ ساكنة والواو من فَعُولُ ساكنة، سمي بذلك لتوالي حركتين فيها، وذلك أَن الحركات كما قدمنا من آلات الوصل وأَماراته، فكأنَّ بعض الحركات أدرك بعضاً ولم يَعُقْده عنه اعتراض الساكن بين المتحركين (( [238] )) .

المترادف :

كل قافية اجتمع في آخرها ساكنان وهي متفاعلان ومستفعلان ومفاعلان ومفتعلان وفاعلتان وفعلتان وفعليان ومفعولان وفاعلان وفعلان ومفاعيل وفعول، سمي بذلك لأَن غالب العادة في أَواخر الأَبيات أَن يكون فيها ساكن واحد، رَوِيّاً مقيداً كان أَو وصْلاً أَو خُروجاً، فلما اجتمع في هذه القافية ساكنان مترادفان كان أَحدُ الساكنين رِدْفَ الآخَرِ ولاحقاً به (( [239] )) .

المتراكب :

المُتراكِبُ من القافِيَةِ: كلُّ قافِيةٍ توالت فيها ثلاثة أَحْرُفٍ متحركةٍ بين ساكنَين، وهي مُفاعَلَتُن ومُفْتَعِلُن وفَعِلُنْ لأَنَّ في فَعِلُنْ نوناً ساكنةً، وآخر الحرف الذي قبل فَعِلُنْ نون ساكنة، وفَعِلْ إذا كان يَعْتَمِدُ على حَرْفٍ مُتَحَرِّك نحو فَعُولُ فَعِلْ، اللامُ الأَخيرة ساكنة، والواوُ في فَعُولُ
ساكنة (( [240] )) .

المتقارب :

المُتَقارِبُ في العَروض: فَعُولُن، ثماني مرات، وفعولن فعولن فَعَلْ، مرتين، سُمِّي مُتَقارِباً لأَنه ليس في أَبنية الشعر شيءٌ تَقْرُبُ أَوْتادُه من أَسبابه، كقُرْبِ المتقارِبِ ؛ وذلك لأَن كل أَجزائه مَبْنِيٌّ على وَتِدٍ وسببٍ (( [241] )) .

المتمم :

قيل: المُتَمَّمُ كلُّ ما زدت عليه بعد اعتدالِ البيت، وكانا من الجُزْء الذي زِدْتَه عليه نحو فاعِلاتُنْ في ضرب الرمل، سمي مُتَمَّماً لأَنك تَمَّمْتَ أَصل الجُزْء (( [242] )) .

المتواتر :

المُتَواتِرُ: كل قافية فيها حرف متحرّك بين حرفين ساكنين نحو مفاعيلن وفاعلاتن وفعلاتن ومفعولن وفَعْلُنْ وفَلْ إذا اعتمد على حرف ساكن نحو فَعُولُنْ فَلْ؛ وإِياه عنى أَبو الأَسود بقوله:

وقافيةٍ حَذَّاءَ سَهْلٍ رَوِيُّها     كَسَرْدِ الصَّنَاعِ، ليس فيها تواتُرُ (( [243] ))

المثلوث :

المَثْلُوثُ: ما أُخِذَ ثُلُثه؛ وكلُّ مَثْلُوثٍ مَنْهُوك؛ وقيل: المَثْلُوثُ ما أُخِذَ ثُلُثه، والمَنْهوكُ ما أُخِذَ ثُلُثاه، وهو رَأْيُ العَروضِيِّين في الرجز والمنسرح. والمَثْلُوثُ من الشعر: الذي ذهب جُزْآنِ من ستة أَجزائه (( [244] )) . والمَثْلُوث: الذي ذهب جزآن من ستة أَجزاء (( [245] )) .

المجتث :

المُجْتَثُّ: ضَرْبٌ من العروض ، على التشبيه بذلك ، كأَنه اجْتُثَّ من الخفيف أَي قُطع؛ وقال أَبو إِسحق: سمي مُجْتَثّاً ، لأَنك اجْتَثَثْتَ أَصلَ الجُزء الثالث وهو ( مف ) فوقع ابتداء البيت من عولات ( مُسْ ) (( [246] )) .

 

 

المجرى :

قال الأَخفش والمَجْرَى في الشِّعْرِ حركة حرف الرويّ فتْحَتُه وضَمَّتُه وكَسْرتُه، وليس في الرويّ المقيد مَجْرىً لأَنه لا حركة فيه فتسمى مَجْرىً، وإنما سمي ذلك مَجْرىً لأَنه موضع جَرْيِ حركات الإعراب والبناء (( [247] )) .

المجزوء :

جزأت الشيء بالتخفيف : نقصت منه جزءاً ، ومنه المجزوء من الشعر (( [248] )) .

مخبون : ينظر : خبن

المخلع :

المُخَلَّعُ من الشِّعر: مَفْعولن في الضرب السادس من البَسيط مُشتَقٌّ منه، سمي بذلك لأَنه خُلِعَتْ أَوْتاده في ضَرْبه وعَرُوضه، لأَن أَصله مستفعلن مستفعلن في العروض والضرب، فقد حُذف منه جُزْآن لأَنَّ أَصله ثمانية، وفي الجُزْأَين وتِدانِ وقد حذفت من مستفعلن نونه فَقُطِعَ هذان الوتدانِ فذهب من البيت وتدان، فكأَنَّ البيتَ خُلِّعَ إِلا أَن اسم التخليع لَحِقَه بقطع نون مستفعلن، لأَنهما من البيت كاليدين، فكأَنهما يدان خُلِعتا منه، ولما نقل مستفعلن بالقطع إِلى مفعولن بقي وزنه مثل قوله:

ما هَيَّجَ الشَّوْقَ من أَطْلالٍ         أَضْحَتْ قِفاراً، كَوَحْيِ الواحِي

فسمي هذا الوزن مخلعاً؛ والبيت الذي أَورده الأَزهري في هذا الموضع هو بيت الأَسود:

ماذا وُقوفي على رَسْمٍ عَفا         مُخْلَوْلِقٍ دارِسٍ مُسْتَعْجِم

وقال: المُخَلَّع من العَرُوض ضرب من البسيط وأَورده. ويقال: أَصابه في بعض أَعْضائه
بَيْنُونة، وهو زوالُ المَفاصل من غير بَيْنُونة (( [249] )) .

المخمس:

المُخَمَّسُ من الشِّعْرِ: ما كان على خمسة أَجزاء، وليس ذلك في وضع العَرُوض. وقال أَبو إِسحق: إذا اختلطت القوافي، فهو المُخَمَّسُ . وشيء مُخَمَّسٌ أَي له خمسة أَركان (( [250] )) .

 

 

المديد :

المَدِيدُ: ضرب من العَرُوض، سمي مديداً لأَنه امتَدَّ سبباه فصار سَبَب في أَوله وسبب بعد الوتد (( [251] )) .

المذال :

المُذالُ من البسيط والكامل: ما زِيدَ على وتِده من آخر البيت حرفان، وهو المُسَبّغ في الرَّمَل، ولا يكون المُذال في البسيط إِلاَّ من المُسَدّس ولا في الكامل إِلاَّ من المربع؛ مثال الأَول قوله: إِنَّا

ذَمَمْنا على ما خَيَّلَتْ         سَعْدُ بنُ زيدٍ، وعَمْراً من تَمِيمْ

ومثال الثاني قوله:

جَدَثٌ يكونُ مُقامُه         أَبَداً، بمُخْتَلِفِ الرِّياحْ

فقوله ( رَنْ من تميمْ ) مستفعلان، وقوله ( تَلَفِرْ رِياحْ ) مُتَفاعلان؛ وقال الزجاج: إذا زيد على الجزء حرف واحد، وذلك الجزء مما لا يُزاحَف، فاسمه المُذال نحو متفاعلان أَصله متفاعلن فزدت حرفاً فصار ذلك الحرف بمنزلة الذَّيْل للقميص (( [252] )) .  وينظر : المسبغ

المذيل :ينظر : المذال

المراقبة :

المُراقَبَة في عَرُوضِ المُضارِعِ والمُقْتَضَبِ، أَن يكون الجُزْءُ مَرَّةً مَفاعِيلُ ومرَّة مفاعِلُنْ؛ سمي بذلك لأَن آخرَ السَّببِ الذي في آخِرِ الجزءِ، وهو النُّونُ من مَفاعِيلُن، لا يثبت مع آخِر السَّببِ الذي قَبْلَه، وهو الياءُ في مَفاعِيلُن، وليست بمعاقَبَةٍ، لأَنَّ المُراقَبَة لا يَثْبُت فيها الجزآن
المُتراقِبانِ، وإِنما هو من المُراقَبَة المُتَقَدّمة الذِّكْر، والمُعاقَبة يَجْتمعُ فيها المُتعاقِبانِ. التهذيب، الليث : المُراقَبَة في آخِرِ الشِّعْرِ عند التَّجْزِئَة بين حَرْفَيْنِ، وهو أَن يَسْقُط أَحدهما، ويَثْبُتَ الآخَرُ، ولا يَسْقُطانِ مَعاً، ولا يَثْبُتان جَمِيعاً، وهو في مَفاعِيلُن التي للمُضارع لا يجوز أَن يتمَّ ، إِنما هو مَفاعِيلُ أَو مَفاعِلُنْ (( [253] )) .

 

 

 

 

المربوع :

المَرْبُوع من الشعر: الذي ذهَب جزآن من ثمانية أَجزاء من المَديد والبَسِيط (( [254] )) .

 

 

المرفل :

التَّرْفيل في عروض الكامل: زيادة سبب في قافيته. ابن سيده: الترفيل في مُرَبَّع الكامل أَن يزاد تُنْ على مُتَفاعلن فيجيء مُتَفاعِلاتُنْ وهو المُرَفَّل؛ وبيته قوله:

ولقد سَبَقْتَهُمُ إِليْ      ـيَ فلِمْ نَزَعْتَ، وأَنت آخر؟

فقوله تَ وَأَنت آخر متفاعلاتن؛ قال: وإِنما سُمِّي مُرَفَّلاً لأَنه وُسِّع فصار بمنزلة الثقوب الذي يُرْفَل
فيه (( [255] )) .

المسبغ :

المُسَبَّغُ من الرَّمَل: ما زِيدَ على جزئه حرف نحو فاعِلاتانْ من قوله:

يا خَلِيلَيَّ ارْبَعا فاسْ         تَنْطِقا رَسْماً بِعُسْفانْ

فقوله: مَن بعُسْفانْ فاعِلاتانْ؛ قال أَبو إِسحق: معنى قولهم مُسَبَّغاً كأَنَّه جُعِلَ سابغاً، والفرق بين المُسَبَّغِ والمُذَيَّلِ أَن المُسَبَّغَ زيد على ما يُزاحَفُ مِثْلُه، وهو أَقلّ متحركات من المُذَيَّلِ، وهو زيادة على سبب، والمُذَيَّلُ على وَتِدٍ. قال أَبو إسحق: سُمِّي مُسبَّغاً لوُفُورِ سُبُوغِه لأَن فاعلاتن إذا تامّاً فهو سابغ، فإِذا زِدْتَ على السابغ فهو مَسَبَّغ كما أَنك تقول لذي الفَضْل فاضِلٌ، وتقول للذي يكثر فضله فَضّالٌ
ومُفَضَّلٌ (( [256] )) .

المسمط :

المُسَمَّطُ من الشِّعر: أَبيات مَشْطورة يجمعها قافية واحدة، وقيل: المُسَمَّطُ من الشعر ما قُفِّي أَرباعُ بُيُوتِه وسُمِّطَ في قافية مخالفة؛ يقال: قصِيدةٌ مُسَمَّطة وسِمْطِيّةٌ كقول الشاعر، وقال ابن بري هو لبعض المحدَثين:

وشَيْبَةٍ كالقَسِمِ غَيْر سُودَ اللِّمَمِ

داوَيْتُها بالكَتَمِ زُوراً وبُهْتانا

وقال الليث: الشعر المُسَمَّط الذي يكون في صدر البيت أَبيات مَشْطورة أَو مَنْهوكة مُقَفّاة، ويجمعها قافية مُخالِفةٌ لازمة للقصيدة حتى تنقَضي؛ قال: وقال امرؤُ القيس في قصيدتين سِمْطِيَّتَينِ على هذا المثال تسميان السمطين، وصدر كل قصيدة مِصْراعانِ في بيت ثم سائره ذو سُموط، فقال في إِحداهما:

ومُسْتَلْئِمٍ كشَّفْتُ بالرُّمْحِ ذَيْلَه،

أَقَمْتُ بعَضْبٍ ذي سَفاسِقَ مَيْلَه،

فجَعْتُ به في مُلْتَقَى الخيْلِ خيْلَه،

تركتُ عِتاقَ الطير تحْجُلُ حَوْلَه

كأَنَّ، على سِرْبالِه، نَضْحَ جِرْيالِ

وأَورد ابن بري مُسَمَّطَ امرئ القيس:

توَهَّمْتُ من هِنْدٍ معالِمَ أَطْلالِ،

عَفاهُنَّ طُولُ الدَّهْر في الزَّمن الخالي

مَرابعُ من هِنْدٍ خَلَتْ ومَصايِفُ،

يَصِيحُ بمَغْناها صَدىً وعَوازِفُ

وغَيَّرَها هُوجُ الرِّياحِ العَواصِفُ،

وكلُّ مُسِفٍّ ثُمَّ آخَرُ رادِفُ

بأَسْحَمَ من نَوْءِ السِّماكَينِ هَطَّالِ

وأَورد ابن بري لآخر:

خَيالٌ هاجَ لي شَجَنا،

فَبِتُّ مُكابِداً حَزَنا،

عَمِيدَ القلْبِ مُرْتَهَنا،

بذِكْرِ اللّهْوِ والطَّرَبِ

سَبَتْني ظَبْيَةٌ عَطِلُ،

كأأَنَّ رُضابَها عَسَلُ،

يَنُوءُ بخَصْرِها كَفَلُ،

بنَيْلِ رَوادِفِ الحَقَبِ

يَجُولُ وِشاحُها قَلَقا،

إِذا ما أُلْبِسَتْ، شَفَقا،

رقاقَ العَصْبِ،أَو سَرَقا

مِن المَوْشِيَّةِ القُشُبِ

يَمُجُّ المِسْكَ مَفْرِقُها،

ويُصْبي العَقْلَ مَنْطِقُها،

وتُمْسِي ما يُؤَرِّقُها

سَقامُ العاشِقِ الوَصِبِ (( [257] )) .

المشطور :

المَشْطُورُ من الرَّجَزِ والسَّرِيعِ: ما ذهب شَطْرُه (( [258] )) .

المشكول :

المَشْكُولُ من العَرُوض: ما حُذف ثانيه وسابعُه نحو حذفك أَلفَ فاعلاتن والنونَ منها، سُمِّي بذلك لأَنك حذفت من طرفه الآخِر ومن أَوّله فصار بمنزلة الدابَّة الذي شُكِلَت يَدُه
ورجلُه (( [259] )) .

المصراع : ينظر : التصريع

المصراعان :

قال الأَزهري : والمِصْراعانِ من الشعْر ما كان فيه قافيتان في بيت واحد ، ومن الأَبواب ما له بابان منصوبان ينضَمّان جميعاً مَدْخَلُهما بينهما في وسط المصراعين ، وبيتٌ من الشعْر مُصَرَّعٌ له مِصْراعانِ ، وكذلك باب مُصَرَّعٌ  (( [260] ))

المضارع :

المُضارِعُ في العَرُوضِ: مفاعيل فاع لاتن مفاعيل فاع لاتن كقوله:

دَعاني إِلى سُعاد         دَواعِي هَوَى سُعاد

سمِّي بذلك لأَنه ضارَعَ المُجْتَثَّ (( [261] )) .

 

المعاقبة :

المُعاقَبةُ في الزِّحافِ: أَن تَحْذِفَ حَرْفاً لثَباتِ حَرْفٍ، كأَنْ تَحْذِفَ الياء من مفاعيلن وتُبْقي النونَ، أَو تَحْذِفَ النون وتُبْقي الياء، وهو يقع في جملة شُطُورٍ من شطور العَروض (( [262] )) .

المعلول :

استعمل أَبو إِسحق لفظة المَعْلول في المُتقارِب من العَروض فقال: وإِذا كان بناء المُتَقارِب على فَعُولن فلا بُدَّ من أَن يَبْقى فيه سبب غير مَعْلُول، وكذلك استعمله في المضارع فقال: أُخِّر المضارِع في الدائرة الرابعة، لأَنه وإِن كان في أَوَّله وَتِدٌ فهو مَعْلول الأَوَّل، وليس في أَول الدائرة بيت مَعْلولُ الأَول، وأَرى هذا إِنما هو على طرح الزائد كأَنه جاء على عُلَّ وإِن لم يُلْفَظ به، وإِلا فلا وجه
له، والمتكلمون يستعملون لفظة المَعْلول في مثل هذا كثيراً؛ قال ابن سيده: وبالجملة فَلَسْتُ منها على ثِقَةٍ ولا على ثَلَجٍ، لأَن المعروف إِنَّما هو أَعَلَّه الله فهو مُعَلٌّ، اللهم إِلاَّ أَن يكون على ما ذهب إِليه سيبويه من قولهم مَجْنُون ومَسْلول، من أَنه جاء على جَنَنْته وسَلَلْته، وإِن لم يُسْتَعْملا في الكلام استُغْنِيَ عنهما بأَفْعَلْت  (( [263] )) .

مفتعل :

يقال: شعر مُفْتَعَل إذا ابتَدعه قائله ولم يَحْذُه على مِثالٍ تَقدَّمه فيه مَنْ قَبْلَه، وكان يقال: أَعذب الأَغاني ما افتُعِل وأَظرَفُ الشعر ما افتُعِل ؛ قال ذو الرمة :

غَرائِبُ قد عُرِفْن بكلِّ أُفْقٍ     من الآفاق، تُفْتَعَل افْتِعالا

أَي يبتدَع بها غِناء بديع وصوت محدَث . ويقال لكل شيء يسوَّى على غير مِثال تقدَّمه : مُفْتَعَل؛ ومنه قول لبيد:

فرَمَيْت القوم رَشْقاً صائِباً     ليس بالعُصْل ولا بالمُفْتَعَل (( [264] )) .

المفروق : ينظر : الوتد

المقتضب :

المُقْتَضَبُ من الشِّعْر: فاعلاتُ مُفْتعلن مرتين؛ وبيته:

أَقْبَلَتْ، فَلاحَ لها         عارِضانِ كالْبَرَدِ

وإِنما سُمِّي مُقْتَضَباً، لأَنه اقْتُضِبَ مفعولات، وهو الجزء الثالث من البيت، أَي قُطِعَ (( [265] )).

المقرون : ينظر : الوتد

المقصور :

المَقْصُور: من عروض المديد والرمل ما أُسْقِطَ آخِرُه وأُسْكِنَ نحو فاعلاتن حذفت نونه وأُسكنت تاؤه فبقي فاعلات فنقل إِلى فاعلان، نحو قوله:

لا يَغُرَّنَّ امْرَأً عَيْشُه،     كلُّ عَيْشٍ صائرٌ للزَّوالْ

وقوله في الرمل:

أَبِلِغِ النُّعمانَ عَنِّي مَأْلُكاً :         انَّنِي قد طالَ حَبْسِي وانْتِظارْ

قال ابن سيده : هكذا أَنشده الخليل بتسكين الراء ولو أَطلقه لجاز ، ما لم يمنع منه مخافةُ
إِقواء (( [266] ))  .

المقطعات :

مُقَطَّعاتُ الشعْرِ ومَقاطِيعُه: ما تَحَلَّل إِليه وترَكَّبَ عنه من أَجْزائِه التي يسميها عَرُوضِيُّو العرب الأَسْبابَ والأَوْتادَ (( [267] )) .

المقطوع :

المَقْطُوعُ من المديد والكامل والرَّجَزِ: الذي حذف منه حرفان نحو فاعلاتن ذهب منه تن فصار محذوفاً فبقي فاعلن ثم ذهب من فاعِلن النون ثم أُسكنت اللام فنقل في التقطيع إِلى فعْلن كقوله في المديد:

إِنما الذَّلْفاءُ ياقُوتةٌ         أُخْرِجَتْ من كِيسِ دِهْقانِ

فقوله قاني فعْلن، وكقوله في الكامل:

وإِذا دَعَوْنَكَ عَمَّهُنَّ، فإِنَّه         نَسَبٌ يَزِيدُكَ عِنْدَهُنَّ خَبالا

فقوله نَخَبالا فعلاتن وهو مقطوع؛ وكقوله في الرجز:

دار لِسَلْمَى، إِذ سُلَيْمَى جارةٌ         قَفْرٌ تُرى آياتها مِثْلَ الزُّبُرْ

وكقوله في الرجز:

القَلْبُ منها مُسْتَرِيحٌ سالِمٌ         والقلبُ مِنِّي جاهِدٌ مَجْهُودُ

فقوله مَجْهُود مَفْعُولُنْ (( [268] )) . وينظر : ( الأبتر ).

المقعد :

قال الخليل : إذا كان بيت من الشِّعْر فيه زِحافٌ قيل له مُقْعَدٌ ؛ والمُقْعَدُ من الشعر: ما نَقَصَتْ من عَرُوضِه قُوَّة ، كقوله :

أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مالِكِ بنِ زُهَير      تَرْجُو النساءُ عَوَاقِبَ الأَطْهارِ؟

قال أَبو عبيد : الإِقواء نقصان الحروف من الفاصلة فَيَنْقُص من عَرُوضِ البيت قُوَّةٌ ، وكان الخليل يسمى هذا المُقْعَدَ . قال أَبو منصور : هذا صحيح عن الخليل وهذا غير الزحاف وهو عيب في الشعر والزحاف ليس بعيب (( [269] )) .

المقيد :

المُقَيَّدُ من الشِّعْرِ: خلافُ المُطْلَق؛ قال الأَخفش: المُقَيَّدُ على وجهين: إِمَّا مُقَيَّد قد تمَّ نحو قوله:

وقاتِمِ الأَعْماقِ خاوِي المُخْتَرَقْ

قال: فإِن زدت فيه حركة كان فضلاً على البيت، وإِما مُقَيَّد قد مُدَّ على ما هو أَقصر منه نحو فَعُولْ في آخر المُتَقارَب مُدَّ عن فَعُلْ، فزيادته على فعل عوض له من الوصل (( [270] )) .

المكشوف :

المَكشوف في عَروض السريع: الجُزء الذي هو مفعولن أَصله مفْعولات، حذفت التاء فبقي مفعولاً فنقل في التقطيع إلى مفعولن (( [271] )) .

المنهوك :

المَنْهوك من الرجز والمنْسرح: ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه كقوله في الرجز:

يا ليتني فيها جَذَعْ

وقوله في المنسرح:

وَيْلُ امّه سَعْدٍ سعْ دَا

وإِنما سمي بذلك لأَنك حذفت ثلثيه فَنَهَكْتَه بالحذف أَي بالغت في إمراضه والإِجحاف
به (( [272] ))  .

المهزول :

استعمل الأَخفش المَهْزول في الشعر فقال: الرَّمَل كل شِعر مَهْزُول ليس بمؤتلف البناء كقوله:

أَقْفَرَ من أَهْلِه مَلْحُوبُ         فالقُطَبِيَّات فالذَّنُوبُ

وهذا نادر (( [273] )) .

المُؤَسَّس :

إِن جاء شيء من غير تأْسيس فهو المُؤَسَّس ، وهو عيب في الشعر غير أَنه ربما اضطر
بعضهم ، قال : وأَحسن ما يكون ذلك إذا كان الحرف الذي بعده مفتوحاً لأَن فتحه يغلب على فتحة الأَلف كأَنها تزال من الوَهم ؛ قال العجّاج:

مُبارَكٌ للأَنبياء خاتَمُ         مُعَلِّمٌ آيَ الهُدى مُعَلَّمُ

ولو قال خاتِم ، بكسر التاء ، لم يحسن ، وقيل : إن لغة العجاج خأْتم ، بالهمزة ، ولذلك أَجازه ، وهو مثل السَّأْسَم ، وهي شجرة جاء في قصيدة المِيسَم والسَّأْسَم (( [274] )) .

الموفور :

الموفورُ في العروض: كل جزء يجوز فيه الزحاف فيسلم منه؛ قال ابن سيده: هذا قول أَبي إِسحق، قال: وقال مرة الموفور ما جاز أَن يخرم فلم يخرم، وهو فعولن ومفاعلين ومفاعلتن، وإِن
كان فيها زحاف غير الخرم لم تخلُ من أَن تكون موفورة، قال: وإِنما سميت موفورة لأَن أَوتادها
توفرت (( [275] )) .

الموقوف :

المَوْقُوف من عَروض مَشْطُور السَّريع والمُنْسَرِح: الجزء الذي هو مفعولان، كقوله: يَنْضَحْنَ في حافاتِها بالأَبْوالْ فقوله بالأَبوال مفعولانْ أَصله مفعولاتُ أُسكنت التاء فصار
مفعولاتْ، فنقل في التقطيع إلى مفعولان، سمي بذلك لأَن حركة آخره وُقِفَت فسمي
موقوفاً، كما سميت مِنْ وقَطْ وهذه الأَشياء المبنية على سكون الأَواخِر موقوفاً (( [276] )) .

 

ــــ   ن   ـــ

النقص :

النَّقْصُ في الوافر من العَروض: حذْفُ سابعِه بعد إِسكان خامسه، نَقَصَه يَنْقُصُه نَقْصاً وانْتَقَصَه (( [277] )) .

ــــ   هـ   ـــ

الهزج :

نوع من أعاريض الشعر وهو مفاعيلن مفاعيلن، على هذا البناء كله أَربعة أَجزاء، سمِّي بذلك لتقارب أَجزائه، وهو مُسَدَّس الأَصل، حملاً على صاحبيه في الدائرة، وهما الرجز والرمل إِذ تركيب كل واحد منهما من وتد مجموع وسببين خفيفين (( [278] )) .

ــــ   و   ـــ

الوافر :

الوافِرُ: ضَرْب من العَرُوض، وهو مفاعلتن مفاعلتن فعولن، مرتين، أَو مفاعلتن مفاعلتن، مرتين، سمي هذا الشطر وافراً لأَن أَجزاءه موفرةٌ له وُفورَ أَجزاء الكامل، غير أَنه حذف من حروفه فلم يكمل (( [279] )) .

الوافي :

الوافِي من الشِّعْر: ما اسْتَوفَى في الاستعمال عِدَّة أَجزائه في دائرته، وقيل: هو كل جزء يمكن أَن يدخله الزِّحاف فسَلِمَ منه (( [280] )) .

 

الوتد :

الأَوتادُ في الشعر على ضربين : أَحدهما حرفان متحركان والثالث ساكن نحو فعو و علن وهذا الذي يسميه العروضِيون المقرون لأَن الحركة قد قرنت الحرفين ، والآخر ثلاثة أَحرف متحرك ثم ساكن ثم متحرك وذلك لات من مفعولات وهو الذي يسميه العروضيون المفروق لأَن الحرف قد فرق بين المتحركين ، ولا يقع في الأَوتاد زحاف لأَنَّ اعتماد الجزء إِنما هو عليها ، إِنما يقع في الأَسْباب لأَن الجزء غير معتمد عليها (( [281] )) .

الوزن :

أَوْزانُ العربِ: ما بَنَتْ عليه أَشعارها، واحدها وَزْنٌ، وقد وَزَنَ الشِّعْرَ وَزْناً فاتَّزَنَ؛ كلُّ ذلك عن أَبي إِسحق. وهذا القول أَوْزَنُ من هذا أَي أَقوى وأَمكنُ (( [282] )) .

الوصل :

حَرْفُ الوَصْل: هو الذي بعد الرَّوِيِّ، وهو على ضربين: أَحدهما ما كان بعده خروج كقوله:

عفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها

والثاني أَن لا يكون بعده خروجٌ كقوله:

أَلا طالَ هذا الليلُ وازْوَرَّ جانِبُهْ         وأَرَّقَني أَن لا حَليلٌ أُلاعِبُهْ

قال الأَخفش: يلزم بعد الرَّوِيِّ الوَصْل ولا يكون إِلا ياءً أَو واواً أَو أَلِفاً كل واحدة منهنّ ساكنة في الشعر المُطْلَق، قال: ويكون الوَصْل أَيضاً هاءً الإِضْمار وذلك هاءُ التأْنيث التي في حَمْزة ونحوها، وهاءُ للمُذكَّر والمؤَنث متحرِّكة كانت أَو ساكنة نحو غُلامِه وغُلامِها، والهاء التي تُبَيَّن بها الحركة نحو عَلَيَّهْ وعَمَّهْ واقْضِهِ وادْعُهُ، يريد عَلَيَّ وعَمَّ واقضِ وادعُ، فأُدخلت الهاء لتُبَيَّن بها حركة الحروف؛ قال ابن جني: فقول الأَخفش يلزم بعد الرَّوِيِّ الوَصْل، لا يريد به أَنه لا بُدَّ مع كل رَويّ أَن يَتْبَعه الوَصْل، أَلا ترى أَن قول العجاج:

قد جَبَر الدِّينَ الإِلَهُ فجَبَرْ

لا وَصْل معه؛ وأَن قول الآخر:

يا صاحِبَيَّ فَدَتْ نفْسي نُفوسَكما         وحيْثُما كُنْتُما لاقَيْتُما رَشَدَا

إِنما فيه وَصْل لا غير، ولكن الأَخفش إِنما يريد أَنه مما يجوز أَن يأْتي بعد الرَّوِيٍّ، فإِذا أَتَى لَزِم فلم يكن منه بُدٌّ، فأَجْمَل القَوْلَ وهو يعتقد تفصِيله، وجمعه ابن جني على وُصُول، وقياسُه أَن لا يُجْمَع. والصِّلةُ: كالوَصْل الذي هو الحرف الذي بعد الرَّوِيّ وقد وَصَل به (( [283] )) .

 

 

الوقص :

الوَقْصُ: إِسكان الثاني من متفاعلن فيبقى متْفاعلن، وهذا بناء غير منقول فيصرف عنه إِلى بناء مستعمل مقول منقول، وهو قولهم مستفعلن، ثم تحذف السين فيبقى مُتَفْعِلن فينقل في التقطيع إِلى مفاعلن؛ وبيته أَنشده الخليل:

يَذُبُّ عَنْ حَرِيمِه بِسَيْفِه،         ورُمْحِهِ ونَبْلِه ويَحْتَمِي

سمي بذلك لأَنه بمنزلة الذي انْدَقّتْ عنُقه (( [284] )) .

الوقف :

العرب قد تَقِفُ على العَروض نحواً من وُقوفِها على الضَّرْب، وذلك لوقُوفِ الكلام المنثور عن المَوْزُون؛ أَلا تَرَى إِلى قوله أَيضاً:

فأَضْحَى يَسُحُّ الماءَ حَوْلَ كُتَيْفةٍ

فوقف بالتنوين خلافاً للوُقوف في غير الشعر. فإِن قلت: فإِنَّ أَقْصَى حالِ كُتَيْفةٍ إِذ ليس قافيةً أَن يُجْرى مُجْرى القافية في الوقوف عليها، وأَنت ترى الرُّواةَ أَكثرَهم على إِطلاقِ هذه القصيدة ونحوها بحرف اللِّين نحو قوله فحَوْمَلي ومَنْزِلي، فقوله كُتَيْفة ليس على وقف الكلام ولا وَقْفِ القافيةِ؟ قيل: الأَمرُ على ما ذكرته من خلافِه له، غير أَنَّ الأَمر أَيضاً يختص المنظوم دون المَنْثُور لاستمرار ذلك عنهم؛ أَلا ترى إِلى قوله:

أَنَّى اهْتَدَيْتَ لتَسْلِيمٍ على دِمَنٍ    بالغَمْرِ، غَيَّرَهُنَّ الأَعْصُرُ الأُوَلُ

وقوله:

كأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ، غُدْوةً         خَلايا سَفِينٍ بالنَّواصِفِ مِنْ دَدِ

ومثله كثير، كلُّ ذلك الوُقوفُ على عَرُوضِه مخالف للوُقوف على ضَرْبه، ومخالفٌ أَيضاً لوقوف الكلام غير الشعر. وقال الكسائي: لم أَسمعهم يلقون الواو والياء عند غير الأَلف، وتَثْنِيَتُه هما وجمعُه هُمُو، فأَما قوله هُم فمحذوفة من هُمُو كما أَن مُذْ محذوفة من مُنْذُ، فأَما قولُك رأَيْتُهو فإِنَّ الاسام إِنما هو الهاء وجيء بالواو لبيان الحركة، وكذلك لَهْو مالٌ إِنما الاسم منها الهاء والواو لما قدَّمنا، ودَلِيلُ ذلك أَنَّك إذا وقفت حذفت الواو فقلت رأَيته والمالُ لَهْ، ومنهم من يحذفها في الوصل مع الحركة التي على الهاء ويسكن الهاء؛ حكى اللحياني عن الكسائي: لَهْ مالٌ أَي لَهُو مالٌ؛ الجوهري: وربما حذفوا الواو مع الحركة. قال ابن سيده: وحكى اللحياني لَهْ مال بسكون الهاء، وكذلك ما أَشبهه؛ قال يَعْلَى بن الأَحْوَلِ:

أَرِقْتُ لِبَرْقٍ دُونَه شَرَوانِ         يَمانٍ، وأَهْوَى البَرْقَ كُلَّ يَمانِ

فظَلْتُ لَدَى البَيْتِ العَتِيقِ أُخِيلُهو         ومِطْوايَ مُشْتاقانِ لَهْ أَرِقانِ

فَلَيْتَ لَنا، مِنْ ماء زَمْزَمَ، شَرْبةً         مُبَرَّدةً باتَتْ على طَهَيانِ

قال ابن جني: جمع بين اللغتين يعني إِثْبات الواو في أُخِيلُهو وإِسكان الهاء في لَهْ،وليس إِسكان الهاء في له عن حَذْف لَحِقَ الكلمة بالصنعة، وهذا في لغة أَزْد السَّراة كثير؛ ومثله ما روي عن قطرب من قول الآخر:

وأَشْرَبُ الماء ما بي نَحْوَهُو عَطَشٌ         إِلاَّ لأَنَّ عُيُونَهْ سَيْلُ وادِيها

فقال: نَحْوَهُو عطش بالواو، وقال عُيُونَهْ بإِسكان الواو؛ وأَما قول الشماخ:

لَهُ زَجَلٌ كأَنَّهُو صَوْتُ حادٍ         إِذا طَلَبَ الوَسِيقةَ، أَوْ زَمِيرُ

فليس هذا لغتين لأَنا لا نعلم رِوايةً حَذْفَ هذه الواوِ وإِبقاء الضمةِ قبلها لُغةً، فينبغي أَن يكون ذلك ضَرُورةً وصَنْعةً لا مذهباً ولا لغة، ومثله الهاء من قولك بِهِي هي الاسم والياء لبيان الحركة، ودليل ذلك أَنك إذا وقفت قلت بِهْ، ومن العرب من يقول بِهِي وبِهْ في الوصل. قال اللحياني: قال الكسائي سمعت أَعراب عُقَيْل وكلاب يتكلمون في حال الرفع والخفض وما قبل الهاء متحرك، فيجزمون الهاء في الرفع ويرفعون بغير تمام، ويجزمون في الخفض ويخفضون بغير تمام، فيقولون: إِنَّ الإِنسانَ لِرَبِّهْ لَكَنُودٌ، بالجزم، ولِرَبِّه لكَنُودٌ، بغير تمام، ولَهُ مالٌ ولَهْ مالٌ، وقال: التمام أَحب إِليَّ ولا ينظر في هذا إِلى جزم ولا غيره لأَنَّ الإِعراب إِنما يقع فيما قبل الهاء؛ وقال: كان أَبو جعفر قارئ أَهل المدينة يخفض ويرفع لغير تمام؛ وقال أَنشدني أَبو حزام العُكْلِي:

لِي والِدٌ شَيْخٌ تَهُضُّهْ غَيْبَتِي         وأَظُنُّ أَنَّ نَفادَ عُمْرِهْ عاجِلُ

فخفف في موضعين، وكان حَمزةُ وأَبو عمرو يجزمان الهاء في مثل ( يُؤدِّهْ إِليك ) و( نُؤْتِهْ مِنها ) و( نُصْلِهْ جَهَنَّمَ ) ، وسمع شيخاً من هَوازِنَ يقول: عَلَيْهُ مالٌ، وكان يقول: عَلَيْهُم وفِيهُمْ وبِهُمْ ، قال: وقال الكسائي هي لغات يقال فيهِ وفِيهِي وفيهُ وفِيهُو، بتمام وغير تمام، قال: وقال لا يكون الجزم في الهاء إذا كان ما قبلها ساكناً. التهذيب: الليث هو كناية تذكيرٍ، وهي كنايةُ تأْنيثٍ، وهما للاثنين، وهم للجَماعة من الرجال، وهُنَّ للنساء، فإِذا وقَفْتَ على هو وَصَلْتَ الواو فقلت هُوَهْ، وإِذا أَدْرَجْتَ طَرَحْتَ هاء الصِّلةِ. وروي عن أَبي الهيثم أَنه قال: مَرَرْتُ بِهْ ومررت بِهِ ومررت بِهِي، قال: وإِن شئت مررت بِهْ وبِهُ وبِهُو، وكذلك ضَرَبه فيه هذه اللغات، وكذلك يَضْرِبُهْ ويَضْرِبُهُ ويَضْرِبُهُو، فإِذا أَفردت الهاء من الاتصال بالاسم أَو بالفعل أَو بالأَداة وابتدأْت بها كلامك قلت هو لكل مذكَّر غائب، وهي لكل مؤنثة غائبة، وقد جرى ذِكْرُهُما فزِدْتَ واواً أَو ياء استثقالاً للاسم على حرف واحد، لأَن الاسم لا يكون أَقلَّ من حرفين، قال: ومنهم مَن يقول الاسم إذا كان على حرفين فهو ناقِصٌ قد ذهب منه حَرْفٌ، فإِن عُرف تَثْنِيَتُه وجَمْعُه وتَصْغِيرُه وتَصْريفه عُرِفَ النَّاقِصُ منه، وإِن لم يُصَغَّر ولم يُصَرَّفْ ولم يُعْرَفْ له اشتِقاقٌ زيدَ فيه مثل آخره فتقول هْوَّ أَخوك، فزادوا مع الواو واواً؛ وأَنشد:

وإِنَّ لِسانِي شُهْدةٌ يُشْتَفَى بِها         وهُوَّ علَى مَنْ صَبَّه اللهُ عَلْقَمُ

كما قالوا في مِن وعَن ولا تَصْرِيفَ لَهُما فقالوا مِنِّي أَحْسَنُ مِن مِنِّكَ، فزادوا نوناً مع النون. أَبو الهيثم: بنو أَسد تُسَكِّن هِي وهُو فيقولون هُو زيدٌ وهِي هِنْد، كأَنهم حذفوا المتحرك، وهي قالته وهُو قاله؛ وأَنشد:

وكُنَّا إذا ما كانَ يَوْمُ كَرِيهةٍ         فَقَدْ عَلِمُوا أَنِّي وهُو فَتَيانِ

فأَسكن. ويقال: ماهُ قالَه وماهِ قالَتْه، يريدون: ما هُو وما هِيَ؛ وأَنشد:

دارٌ لسَلْمَى إِذْهِ مِنْ هَواكا

فحذف ياء هِيَ. الفراء: يقال إِنَّه لَهْوَ أَو الحِذْلُ عَنَى اثْنَيْنِ، وإِنَّهُمْ لَهُمْ أَو الحُرَّةُ دَبِيباً، يقال هذا إذا أَشكل عليك الشيء فظننت الشخص شخصين. الأَزهري: ومن العرب من يشدد الواو من هُوّ والياء من هِيَّ؛ قال:

أَلا هِيْ أَلا هِي فَدَعْها، فَإِنَّما         تَمَنِّيكَ ما لا تَسْتَطِيعُ غُروزُ (( [285] )) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

معجم المصطلحات البلاغية في لسان العرب

أ  -

الابتداء :

الاسْتِئنافُ: الابتداء ، وكذلك الائْتِنافُ (( [286] )) ، وينظر : ( براعة الاستهلال )

الإبداع :

فلان بِدْعٍ في هذا الأَمر أَي أَوّل لم يَسْبِقْه أَحد. ويقال: ما هو منّي ببِدْعٍ وبَديع ، قال الأَحوص : فَخَرَتْ فانْتَمَتْ فقلتُ: انْظُرِيني ليس جَهْلٌ أَتَيْته ببدِيعِ (( [287] ))  .

الإبدال :

تَبَدَّل الشيءَ وتَبدل به واستبدله واستبدل به، كُلُّه : اتخذ منه بَدَلاً . وأَبْدَل الشيءَ من الشيء وبَدّله : تَخِذَه منه بدلاً . وأَبدلت الشيء بغيره وبدّله الله من الخوف أَمْناً. وتبديل الشيء: تغييره وإِن لم تأْت ببدل .  والمبادلة : التبادُل. والأَصل في التبديل تغيير الشيء عن حاله، والأَصل في الإِبدال جعل شيء مكان شيء آخر كإِبدالك من الواو تاء في تالله، والعرب تقول للذي يبيع كل شيء من المأْكولات بَدَّال ؛ قاله أَبو الهيثم، والعامة تقول بَقَّال  .... قال أَبو العباس: وحقيقته أَن التبديل تغيير الصورة إِلى صورة أُخرى والجَوْهرةُ بعينها..... وحروف البدل: الهمزة والأَلف والياء والواو والميم والنون والتاء والهاء والطاء والدال والجيم، وإِذا أَضفت إِليها السين واللام وأَخرجت منها الطاء والدال والجيم كانت حروفَ الزيادةِ؛ قال ابن سيده: ولسنا نريد البدل الذي يحدث مع الإِدغام إِنما نريد البدل في غير إِدغام (( [288] )) .

وقال : فأَخذ منها قَبْضَةً من تُرابٍ فَحَذا بها ... أَيحَثَى؛ قال ابن الأَثير: أَي حَثَى على الإِبدال أَو هما لغتان . لسان العرب (( [289] )) .

وقال : الخَبْعُ في الخَبْء فعلى الإِبدال (( [290] ))

الإبهام :

كلام مُبْهَم: لا يعرَف له وَجْه يؤتى منه ، مأخوذ من قولهم حائط مُبْهَم إذا لم يكن فيه بابٌ . ابن السكيت : أَبْهَمَ عليّ الأَمْرَ إذا لم يَجعل له وجهاً أَعرِفُه . وإبْهامُ الأَمر : أَن يَشْتَبه فلا يعرَف وجهُه ، وقد أَبْهَمه (( [291] )) .

الاتساع :

إنما يقع المجاز ويُعدَل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة: وهي الاتساع والتوكيد والتشبيه ، فإن عُدِم هذه الأوصافُ كانت الحقيقة البتَّةَ  (( [292] )) .

وقالوا: ليل ساهر أَي ذو سَهَرٍ ، كما قالوا ليل نائم ؛ وقول النابغة:

كَتَمْتُكَ لَيْلاً بالجَمُومَيْنِ ساهرا،         وهَمَّيْنِ: هَمّاً مُسْتَكِنّاً وظاهرا

وقال : يجوز أَن يكون ساهراً نعتاً لليل جعله ساهراً على الاتساع  (( [293] ))  .

وفي حديث عمر، رضي الله تعالى عنه : أَن أَبا بكر،رضي الله عنه، أَعطاه سَيْفاً مُحَلّىً فنزَعَ عُمَرُ الحِلْيةَ وأَتاه بها وقال: أَتيتك بهذا لِمَا يَعْزُرُك من أُمور الناس؛ قال ابن الأَثير: الأَصل فيه
يَعُرُّك ، ففَكّ الإِدغامَ ، ولا يجيء مثل هذا الاتساعِ إلا في الشعر (( [294] ))  .

وقوله تعالى : واسأَل القرية التي كنّا فيها؛ قال سيبويه: إِنما جاء على اتساع الكلام والاختصار، وإنما يريد أَهل القرية فاختصر وعمل الفعل في القرية كما كان عاملاً في الأَهل لو كان ههنا؛ قال ابن جني: في هذا ثلاثة معانٍ: الاتساع والتشبيه والتوكيد، وأَما الاتساع فإِنه استعمل لفظ السؤال مع ما لا يصح في الحقيقة سؤاله، أَلا تراك تقول وكم من قرية مسؤولة وتقول القرى وتسآلك كقولك أَنت وشأْنُك فهذا ونحوه اتساع، وأَما التشبيه فلأَنها شبهت بمن يصح سؤاله لما كان بها ومؤالفاً لها، وأَما التوكيد فلأَنه في ظاهر اللفظ إِحالة بالسؤال على من ليس من عادته الإِجابة، فكأَنهم تضمنوا لأَبيهم، عليه السلام، أَنه إِن سأَل الجمادات والجِمال أَنبأَته بصحة قولهم، وهذا تَناهٍ في تصحيح الخبر أي لو سأَلتها لأَنطقها الله بصدقنا فكيف لو سأَلت ممن عادته الجواب؟ (( [295] ))

وقال تعالى: وفي السماء رِزْقُكم وما تُوعدون؛ قال مجاهد: هو المطر وهذا اتساع في اللغة كما يقال التمر في قَعْر القَلِيب يعني به سَقْيَ النخل  (( [296] ))

ومن كلام العرب: راكبُ الناقة طَلِيحانِ أَي والناقةُ، لكنه حذف المعطوف لأَمرين: أَحدهما تقدّم ذكر الناقة، والشيء إذا تقدم دل على ما هو مثله؛ ومثلُه من حذف المعطوف قولُ الله عز وجل: فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه أَي فضرب فانفجرت، فحذف فضرب، وهو معطوف على قوله فقلنا؛ وكذلك قول التَّغْلَبي:

إِذا ما الماءُ خالَطَها سَخِينا

أَي فَشَرِبْناها سَخِيناً، فإِن قلت: فهلا كان التقدير على حذف المعطوف عليه أَي الناقةُ وراكبُ الناقةِ طَليحانِ، قيل لبُعْدِ ذلك من وجهين: أَحدهما أَن الحذف اتساع، والاتساع بابه آخِرُ الكلام وأَوسطُه، لا صدره وأَوّله، أَلا ترى أَن من اتسع بزيادة كان حشواً أَو آخراً لا يجيز زيادتها أَوّلاً؛ والآخر أَنه لو كان تقديره الناقة وراكب الناقة طليحان كان قد حذف حرف العطف وبَقَاء المعطوفِ به، وهذا شاذ (( [297] ))

والغَبراء: الأَرض في قوله، صلى الله عليه وسلم: ما أَظلَّت الخَضراء ولا أَقلَّت الغَبْراء ذا لَهْجة أَصْدَقَ من أَبي ذرّ؛ قال ابن الأَثير: الخَضراء السماء، والغَبْراء الأَرض؛ أَراد أَنه مُتَناهٍ في الصِّدق إِلى الغاية فجاء به على اتِّساع الكلام والمجاز (( [298] ))

والعرب تقول: لا آتيك مِعْزَى الفِرْزِ أَي أَبداً؛ موضعُ مِعْزَى الفِرْزِ نصب على الظرف، وأَقامه مقام الدهر، وهذا منهم اتساع (( [299] ))

والعرب تقول: لا آتيك هُبَيْرَةَ بنَ سَعْدٍ أَي حتى يَؤُوبَ هُبَيْرَةُ، فأَقاموا هُبَيْرَةَ مقام الدَّهْرِ ونصبوه على الظرف وهذا منهم اتساع؛ قال اللحياني: إِنما نصبوه لأَنهم ذهبوا به مذهب الصفات، ومعناه لا آتيك أَبداً  (( [300] ))

الإجازة :

والإِجازَة في الشِّعْر: أَن تُتِم مِصْراع غيرك، وقيل: الإِجازَة في الشِّعْر أَن يكون الحرفُ الذي يلي حرفَ الرَّوِي مضموماً ثم يكسر أَو يفتح ويكون حرف الروي مُقَيّداً. والإِجازَة في قول الخليل: أَن تكون القافية طاءً والأُخرى دالاً ونحو ذلك، وهو الإِكْفاء في قول أَبي زيد، ورواه الفارسي الإِجارَة، بالراء غيرَ معجمة (( [301] )) .

الاختصار :

وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: كلُّ صَلاةٍ ليست فيها قراءَةٌ، فهي خِداجٌ أَي ذات خِداجٍ، وهو النقصان. قال: وهذا مذهبهم في الاختصار للكلام كما قالوا: عبدُ الله إِقبالٌ وإِدْبارٌ أَي مُقْبِلٌ ومُدْبِرٌ؛ أَحَلُّوا المصدر محلَّ الفعل (( [302] ))

واخْتِصارُ الكلام: إِيجازه. والاختصار في الكلام: أَن تدع الفضول وتَسْتَوْجِزَ الذي يأْتي على المعنى، وكذلك الاختصار في الطريق. والاختصار في الجَزِّ: أَن لا تستأْصله. والاختصارُ: حذفُ الفضول من كل شيء (( [303] ))

الأَزهري: رَبِحَ فلانٌ ورابَحْته، وهذا بيعٌ مُرْبِحٌ إذا كان يُرْبَحُ فيه؛ والعرب تقول: رَبِحَتْ تجارته إذا رَبِحَ صاحبُها فيها. وتجارة رابحةٌ: يُرْبَحُ فيها. وقوله تعالى: فما رَبِحَت تجارَتُهم؛ قال أَبو إِسحق: معناه ما رَبِحُوا في تجارتهم، لأَن التجارة لا تَرْبَحُ، إِنما يُرْبَحُ فيها ويوضع فيها، والعرب تقول: قد خَسِرَ بيعُك ورَبِحَتْ تجارتُك؛ يريدون بذلك الاختصار وسَعَة الكلام؛ قال الأَزهري: جعل الفعل للتجارة، وهي لا تَرْبَحُ وإِنما يُربح فيها، وهو كقولهم: ليل نائم وساهر أَي يُنام فيه ويُسْهَر؛ قال جرير:

ونِمْتُ وما ليلُ المَطِيِّ بنائِم

وقوله: فما رَبِحَتْ تجارتُهم؛ أَي ما رَبِحوا في تجارتهم، وإِذا ربحوا فيها فقد رَبحَتْ، ومثله: فإِذا عَزَمَ الأَمْرُ، وإِنما يُعْزَمُ على الأَمْرِ ولا يَعْزِمُ الأَمْرُ، وقوله: والنهارَ مُبْصِراً أَي يُبْصَر
فيه (( [304] ))

وَجُزَ الكلامُ وَجازَةً ووَجْزاً وأَوْجَزَ قَلَّ في بلاغة وأَوْجَزَه اختصره قال ابن سيده بين الإِيجاز والاختصار فرق مَنْطِقِيٌّ ليس هذا موضعه (( [305] ))

الاختصار في الكَلاَم: أنْ يَدَعَ الفُضُولَ ويَسْتَوْجِزَ الذي يَأْتِي على المَعْنَى (( [306] ))

الاختصاص :

في حديث كعب بن مالك: فَتَخَلَّفْنا أَيَّتُها الثلاثة؛ يريد تَخَلُّفَهم عن غزوة تَبُوكَ
وتأَخُّر توبتهم. قال: وهذه اللفظة تقال في الاختصاص وتختص بالمُخْبر عن نفسه والمُخاطَب، تقول أَما أَنا فأَفعل كذا أَيُّها الرجلُ، يعني نفسه، فمعنى قول كعب أَيتها الثلاثة أَي المخصوصين
بالتخلف (( [307] ))

قال ابن جني في قوله عز وجل:كونوا قِرَدَةً خاسئين: ينبغي أَن يكون خاسئين خبراً آخر
لكونوا والأَوَّلُ قِرَدَةً، فهو كقولك هذا حُلْو حامض، وإِن جعلته وصفاً لقِرَدَة صَغُرَ معناه، أَلا ترى أَن القِرْد لذُّلِّه وصَغارِه خاسئ أَبداً، فيكون إذا صفة غير مُفيدَة، وإِذا جعلت خاسئين خبراً ثانياً حسن وأَفاد حتى كأَنه قال كونوا قردة كونوا خاسئين، أَلا ترى أَن لأَحد الاسمين من الاختصاص بالخبرية ما لصاحبه وليست كذلك الصفة بعد الموصوف، إِنما اختصاص العامل بالموصوف ثم الصفةُ بعد تابعة له. قال: ولست أَعني بقولي كأَنه قال كونوا قردة كونوا خاسئين أَن العامل في خاسئين عامل ثان غير الأَوّل، معاذ الله أَن أُريد ذلك، إِنما هذا شيء يُقَدَّر مع البدل،فأَما في الخبرين فإِن العامل فيهما جميعاً واحد. ولو كان هناك عامل لما كانا خبرين لمخبر عنه واحد. ولو كان هناك عامل لما كانا خبرين لمخبر عنه واحد، وإِنما مفاد الخبر من مجموعهما؛ قال: ولهذا كان عند أَبي علي أَن العائد على المبتدإِ من مجموعهما وإِنما أُريد أَنك متى شئت باشرت كونوا أَي الاسمين آثَرْتَ وليس كذلك الصفة، ويُو نِسُ لذلك أَنه لو كانت خاسئين صفة لقردة لكان الأَخلقُ أَن يكون قردة خاسئة، فأَنْ لم يُقْرأْ بذلك البتةَ  دلالةٌ على أَنه ليس بوصف وإِن كان قد يجوز أَن يكون خاسئين صفة لقردة على المعنى، إِذ كان المعنى إِنما هي هم في المعنى إِلا أَن هذا إِنما هو جائز، وليس بالوجه بل الوجه أَن يكون وصفاً لو كان على اللفظ فكيف وقد سبق ضعف الصفة هنا؟ والأُنثى قِرْدَة والجمع قِرَدٌ مثل قِرْبَةٍ وقِرَبٍ (( [308] ))

اخراج الكلام مخرج النداء :

قال حَنْظلةُ بن مصبح:

يا رِيَّها اليومَ على مُبِينِ،         على مبينٍ جَرَدِ القَصيمِ

التارك المَخاضَ كالأُرومِ،         وفَحْلَها أَسود كالظَّليمِ

جمع بين النون والميم، وهذا هو الإكْفاء؛ قال الجوهري: وهو جائز للمطْبوع على قُبْحِه، يقول:
يا رِيَّ ناقتي على هذا الماء فأَخرَجَ الكلامَ مُخْرَجَ النداء وهو تعجُّب (( [309] ))

 

 

 

 

 

إخراج الكلام مخرج العدد :

كان أَبو الجرّاح يقول: مَضَت الثلاثاءُ بما فيهن ، يُخْرِجُها مُخْرَج العدد (( [310] ))

وأَما قول الشاعر:

كأَنَّ خُصْيَيْه مِنَ التَّدَلْدُلِ         ظَرْفُ عجوزٍ فيه ثِنْتا حَنْظَلِ

أَراد أَن يقول: فيه حنظلتان، فأَخرج الاثنين مخرج سائر الأَعداد للضرورة وأَضافه إِلى ما بعده، وأَراد ثنتان من حنظل كما يقال ثلاثة دراهم وأَربعة دراهم، وكان حقه في الأَصل أَن يقول اثنا دراهم واثنتا نسوة إِلاَّ أَنهم اقتصروا بقولهم درهمان وامرأَتان عن إِضافتهما إِلى ما بعدهما  (( [311] ))

وكان أَبو الجراح يقول: مضى الاثنان بما فيهما، ومضى الثلاثاء بما فيهنّ، ومضى الأَرْبعاء بما فيهن، ومضى الخميس بما فيهن، فيَجْمع ويُؤنث يُخْرج ذلك مُخْرج العدد (( [312] ))

والخَمِيسُ : من أَيام الأُسبوع معروف، وإِنما أَرادوا الخامِسَ ولكنهم خَصوه بهذا البناء كما خصوا النجم بالدَّبَرانِ. قال اللحياني: كان أَبو زيد يقول مَضى الخميسُ بما فيه فيفرد ويذكر، وكان أَبو الجرَّاح يقول: مضى الخميس بما فيهن فيجمع ويؤَنث يخرجه مخرج العدد (( [313] ))

الازدواج :

ازْدَوَجَ الكلامُ وتَزَاوَجَ أَشبه بعضه بعضاً في السجع أَو الوزن أَو كان لإِحدى القضيتين تعلق بالأُخرى (( [314] ))

الاستئناف

وذلك مثل قول الله عز وجل: ولا يَحْزُنْك قولُهم إن العِزَّة لله جميعاً؛ وكذلك المعنى استئنافٌ كأَنه قال: يا محمد إن العزَّة لله جميعاً، وكذلك: وقوْلِهم إنَّا قَتَلْنا المسيحَ عيسى بن مَريَمَ، كسَرْتَها لأَنها بعد القول على الحكاية (( [315] ))

الاستثناء

وأَما إلا فهي حرف استثناء يُستثنى بها على خمسة أَوجه: بعد الإيجاب وبعد النفي والمُفَرَّغِ والمُقَدَّمِ والمُنْقَطِع؛ قال ابن بري: هذه عبارة سيئة، قال: وصوابها أَن يقول الاستثناء بإلاَّ يكون بعد الإيجاب وبعد النفي متصلاً ومنقطعاً ومُقَدَّماً ومؤخراً، وإلا في جميع ذلك مُسَلِّطة للعامل ناصِبة أَو مُفَرَّغة غير مُسَلِّطة، وتكون هي وما بعدها نعتاً أَو بدلاً؛ قال الجوهري فتكون في الاستثناء المنقطع بمعنى لكن لأَن المُسْتَثْنَى من غير جنس المُسْتَثْنَى منه، وقد يُوصفُ بإلاَّ، فإن وصَفْتَ بها جَعلْتها وما بعدها في موضع غير وأَتبعت الاسم بعدها ما قبله في الإعراب فقلت جاءني القومُ إلا زيدٌ، كقوله تعالى: لو كان فيهما آلهةٌ إلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا؛ وقال عمرو بن معديكرب:

وكلُّ أخٍ مُفارِقُه أَخُوه         لَعَمْرُ أَبِيكَ، إلاَّ الفَرْقدانِ

كأَنه قال: غير الفَرْقَدَيْنِ. قال ابن بري: ذكر الآمِدي في المؤتَلِف والمُخْتَلِف أَنّ هذا البيت لحضرمي بن عامر؛ وقبله:

وكلُّ قَرينةٍ قُرِنَتْ بأُخْرَى         وإن ضَنَّت، بها سَيفَرَّقانِ

قال: وأَصل إلاَّ الاستثناء والصفةُ عارضةٌ، وأصل غير صفةٌ والاستثناء عارضٌ؛ وقد تكون إلاَّ بمنزلة الواو في العطف كقول المخبل:

وأَرَى لها داراً بأَغْدِرةِ ال         سِّيدان لم يَدْرُسْ لها رَسْمُ

إلاَّ رَماداً هامداً دَفَعَتْ         عنه الرِّياحَ، خَوالِدٌ سُحَمُ

يريد: أَرَى لها داراً ورَماداً؛ وآخر بيت في هذه القصيدة:

إنَّي وجَدْتُ الأَمْرَ أَرْشَدُه         تَقْوَى الإلهِ، وشَرُّه الإِثْمُ

قال الأزهري: أَما إلاَّ التي هي للإستثناء فإنها تكون بمعنى غَيْر، وتكون بمعنى سِوَى، وتكون بمعنى لَكِنوتكون بمعنى لَمّا، وتكون بمعنى الاستثناء المَحْضِ. وقال أبو العباس ثعلب: إذا اسْتَثْنَيْتَ بإلاَّ من كلام ليس في أَوّله جَحْدٌ فانصب ما بعد إلا، وإذا استثنيت بها من كلام أَوّلُه جحد فارفع ما بعدها، وهذا أَكثر كلام العرب وعليه العمل؛ من ذلك قوله عز وجل: فشَرِبُوا منه إلاَّ قَلِيلاً منهم؛ فنصب لأَنه لا جحد في أَوّله؛ وقال جل ثناؤه: ما فعَلُوه إلاَّ قَليلٌ منهم؛ فرفع لأن في أَوّله الجحد، وقس عليهما ما شاكلهما وأَما قول الشاعر:

وكلُّ أَخ مفارقه أَخوه         لعَمر أَبيك، إلا الفرقدان

فإن الفراء قال: الكلام في هذا البيت في معنى جحد ولذلك رفع بإلا كأَنه قال ما أَحَدٌ إلا مُفارِقُه أَخُوه إلا الفَرْقَدانِ فجعلها مُتَرْجِماً عن قوله ما أَحَدٌ؛ قال لبيد:

لو كانَ غَيْرِي، سُلَيْمَى، اليومَ غَّيْرَه         وَقْعُ الحوادِثِ إلا الصَّارِمُ الذَّكَرُ

جعله الخليل بدلاً من معنى الكلام كأَنه قال: ما أَحد إلا يتغير من وقع الحوادث إلاّ الصارمُ الذكَرُ فإلاَّ ههنا بمعنى غير، كأَنه قال غيري وغيرُ الصارمِ الذَّكرِ. وقال الفراء في قوله عز وجل: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدنا، قال: إلا في هذا الموضع بمنزلة سوى كأَنك قلت لو كان فيهما آلهةٌ سِوَى الله لفَسَدَنا قال أَبو منصور: وقال غيره من النحويين معناه ما فيهما آلهةٌ إلا اللهُ، ولو كان فيهما سِوَي الله لفسدنا وقال الفراء: رَفْعُه على نِيَّةِ الوصل لا الانْقطاع من أوّل الكلام، وأما قوله تعالى: لئلاّ يكونَ للناس عليكم حُجَّةٌ إلاَّ الذين ظلموا منهم فلا تَخْشَوْهُم؛ قال الفراء: قال معناه إلاّ الذين ظلموا فإنه لا حجة لهم فلا تَخْشَوْهُم، وهذا كقولك في الكلام الناس كلُّهم لك حامدُون إلاَّ الظالِمَ لك المعتدي، فإن ذلك لا يُعتدُّ ربهم؛ فقد سميت حجةً إلاَّ أَنها حجةُ مُبْطِل، فليست بحجة موجبة حقّاً، قال: وهذا بيان شافٍ إن شاء الله تعالى. وأَما قوله تعالى: لا يَذُوقُون فيها الموتَ إلاَّ المَوْتَةَ الأُولى، وكذلك قوله تعالى: ولا تَنْكِحوُا ما نَكَح آباؤكم من النساء إلاَّ ما قد سَلَفَ؛ أَراد سوى ما قد سلف. وأَما قوله تعالى: فلولا كانت قريةٌ آمَنَتْ فنَفَعَها إيمانُها إلاَّ قَوْمَ يُونُسَ؛ فمعناه فهَلاَّ كانت قريةٌ أَي أَهلُ قرية آمنُوا، والمعنى معنى النفي أَي فما كانت قريةٌ آمنوا عند نزول العذاب بهم فنفعها إيمانها، ثم قال: إلا قومَ يونسَ، استثناء ليس من الأَوّل كأَنه قال: لكن قومُ يُونُسَ لمَّا آمنُوا انقطعوا من سائر الأُمم الذين لم يَنْفَعْهم إيمانُهم عند نزول العذاب بهم؛ ومثله قول النابغة

عَيّتْ جَواباً، وما بالرَّبْع من أَحدٍ         إلاَّ أَواريَّ لأْياً ما أُبَيِّنُها

فنصَب أَواريَّ على الانقطاع من الأَوّل، قال: وهذا قول الفراء وغيره من حذاق النحويين، قال: وأَجازوا الرفع في مثل هذا، وإن كان المستثنى ليس من الأوّل وكان أَوّله منفيّاً يجعلونه كالبدل؛ ومن ذلك قول الشاعر:

وبَلْدَةٍ ليس بها أَنِيس         إلا اليَعافِيرُ وإلاَّ العِيسُ

ليست اليَعافيرُ والعِيسُ من الأنِيس فرفَعَها، ووجْهُ الكلام فيها النَّصبُ. قال ابن سلام: سأَلت سيبويه عن قوله تعالى: فلولا كانت قريةٌ آمَنَتْ فنَفَعَها إيمانُها إلاَّ قَومَ يُونُسَ، على أَيّ شيء نصب؟ قال إذا كان معنى قوله إلاَّ لكنْ نُصب، قال الفراء: نُصب إلا قومَ يونس لأَنهم منقطعون مما قبل إذ لم يكونوا من جِنْسه ولا من شَكْله، كأَن قومَ يونس منقطعون من قَوْمِ غيره من الأَنبياء، قال: وأَمَّا إلاَّ بمعنى لمَّا فمِثل قول الله عز وجل: إنْ كللٌّ إلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ؛ وهي في قراءة عبد الله إنْ كُلُّهم لمَّا كذَّبَ الرُّسُلَ، وتقول: أَسأَلُك باللهِ إلاَّ أَعْطَيْتَني ولَمَّا أَعطيتني بمعنى واحد. وقال أَبو العباس ثعلب: وحرف من الاستثناء تَرفع به العربُ وتَنْصِبُ لغتان فصيحتان، وهو قولك أَتاني إخْوَتُك إلاَّ أن يكون زيداً وزيدٌ، فمن نَصب أَراد إلاَّ أَن يكون الأَمْرُ زيداً، ومن رفع به جعل كان ههنا تامة مكتفية عن الخبر باسمها، كما تقول كان الأَمر، كانت القصة .

وسئل أَبو العباس عن حقيقة الاستثناء إذا وقع بإلا مكرّراً مرتين أَو ثلاثاً أَو أَربعاً فقال: الأَوّل حَطٌّ، والثاني زيادةٌ، والثالث حَطٌّ، والرابع زيادة، إلا أَن تجعل بعض إلاَّ إذا جُزْت الأَوّل بمعنى الأوّل فيكون ذلك الاستثناء زيادة لا غير، قال: وأَما قول أَبي عبيدة في إلاَّ الأُولى إنها تكون بمعنى الواو فهو خطاً عند الحذاق. وفي حديث أنس، رضي الله عنه: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال أَما إنَّ كلَّ بناءٍ وَبالٌ على صاحبه إلاَّ ما لا إلاَّ ما لا أَي إلاَّ ما لا بُدَّ منه للإنسان من الكِنّ الذي تقُوم به الحياة (( [316] ))

حاشى : من حروف الاستثناء تَجُرُّ ما بعدها كما تَجُرُّ حتى ما بعدها. وحاشَيْتُ من القوم فلاناً : استَثنيْت . وحكى اللحياني: شَتمْتُهم وما حاشَيْتُ منهم أَحداً وما تحَشَّيْتُ وما حاشَيْتُ أَي ما قلت حاشَى لفلان وما استثنيت منهم أَحداً. وحاشَى للهِ وحَاشَ للهِ أَي بَرَاءةً لله ومَعاذاً لله؛ قال الفارسي : حذفت منه اللام كما قالوا ولو تَرَ ما أَهل مكة، وذلك لكثرة الاستعمال. الأَزهري: حاشَ لله كان في الأَصل حاشَى لله فكَثُر في الكلام وحذفت الياء وجعل اسماً، وإِن كان في الأَصل فعلاً، وهو حرف من حروف الاستثناء مثل عَدَا وخَلا، ولذلك خَفَضُوا بحاشَى كما خفض بهما، لأَنهما جعلا حرفين وإِن كانا في الأَصل فعلين . وقال الفراء في قوله تعالى: قُلْنَ حاشَ للهِ؛ هو من حاشَيْتُ أُحاشي. قال ابن الأَنباري: معنى حاشَى في كلام العرب أَعْزِلُ فلاناً من وَصْفِ القوم بالحَشَى وأَعْزِلُه بناحية ولا أُدْخِله في جُمْلتهم ، ومعنى الحَشَى الناحيةُ ؛ وأَنشد أَبو بكر في الحَشَى الناحية بيت المُعَطَّل الهذلي:

بأَيِّ الحَشَى أَمْسى الحَبيبُ المُبايِنُ

وقال آخر:

حاشَى أَبي مَرْوان، إِنَّ به         ضَنّاً عن المَلْحاةِ والشَّتْمِ

وقال آخر:

ولا أُحاشِي من الأَقْوامِ من أَحَدِ

ويقال: حاشَى لفلان وحاشَى فُلاناً وحاشَى فلانٍ وحَشَى فلانٍ؛ وقال عمر بن أَبي ربيعة:

مَن رامَها، حاشَى النَّبيِّ وأَهْلِه         في الفَخْرِ، غَطْمَطَه هناك المُزْبِدُ

وأَنشد الفراء:

حَشا رَهْطِ النبيِّ، فإِنَّ منهمْ         بُحوراً لا تُكَدِّرُها الدِّلاءُ

فمن قال حاشَى لفلان خفضه باللام الزائدة، ومن قال حاشَى فلاناً أَضْمَر في حاشَى مرفوعاً ونصَب فلاناً بحاشَى، والتقدير حاشَى فِعْلُهم فلاناً، ومن قال حاشَى فلان خفَض بإِضمار اللام لطول صُحبتها حاشَى، ويجوز أَن يخفضه بحاشى لأَن حاشى لما خلت من الصاحب أَشبهت الاسم فأُضيفت إِلى ما بعدها، ومن العرب من يقول حاشَ لفلان فيسقط الأَلف، وقد قرئ في القرآن بالوجهين. وقال أَبو إِسحق في قوله تعالى: قُلْنَ حاشَ لله؛ اشْتُقَّ من قولك كنتُ في حَشا فلان أَي في ناحية فلان والمعنى في حاشَ لله بَراءةً لله من هذا، وإِذا قلت حاشى لزيد هذا من التَّنَحِّي، والمعنى قد تنَحَّى زيدٌ من هذا وتَباعَدَ عنه كما تقول تنَحَّى من الناحية، كذلك تحاشَى من حاشيةِ الشيء، وهو ناحيتُه. وقال أَبو بكر بنُ الأَنْباري في قولهم حاشى فلاناً: معناه قد استثنيتُه وأَخرجته فلم أُدخله في جملة المذكورين قال أَبو منصور: جعَلَه من حَشى الشيء وهو ناحيته؛ وأَنشد الباهلي في المعاني:

ولا يَتحَشَّى الفَحْلُ إِنْ أَعْرَضَتْ به،         ولا يَمْنَعُ المِرْباعَ منها فَصِيلُها

قال: لا يَتحَشَّى لا يُبالي من حاشى. الجوهري: يقال حاشاكَ وحاشى لكَ والمعنى واحد. وحاشى: كلمة يستثنى بها، وقد تكون حرفاً، وقد تكون فعلاً، فإِن جعلتها فعلاً نصبت بها فقلت ضربتهم حاشى زيداً وإِن جعلتها حرفاً خفضت بها، وقال سيبويه: لا تكون إِلا حرف جر لأَنها لو كانت فعلاً لجاز أَن تكون صلة لما كما يجوز ذلك في خلا، فلما امتنع أَن يقال جاءني القوم ما حاشى زيداً دلت أَنها ليست بفعل. وقال المُبرد: حاشى قد تكون فعلاً؛ واستدل بقول النابغة (( [317] ))

وخَلا: كلمة من حروف الاستثناء تَجُرُّ ما بعدها وتنصِبُه، فإِذا قلت ما خَلا زيداً فالنصب لا غير . الليث: يقال ما في الدار أَحد خلا زيداً وزيدٍ، نصْبٌ وجَرّ، فإِذا قلت ما خلا زيداً فانْصِبْ فإِنه قد بُيِّنَ الفِعْلُ. قال الجوهري: تقول جاؤوني خلا زيداً، تنصب بها إذا جَعَلْتها فعلاً وتضمر فيها الفاعل كأَنك قلت خلا مَنْ جاءني مِنْ زيد؛ قال ابن بري:صوابه خلا بعضُهم زيداً، فإِذا قلت خلا زيد فجررتْ فهو عند بعض النحويين حرف جرّ بمنزلة حاشى، وعند بعضهم مصدر مضاف، وأَما ما خلا فلا يكون بعدها إِلاَّ النصب، تقول جاؤوني ما خلا زيداً لأَن خلا لا تكون بعد ما إِلاَّ صلة لها، وهي معها مصدر (( [318] )) .

ورأيتهم عدا أَخاك وما عدَا أَخاكَ أَي ما خَلا، وقد يُخْفَض بها دون ما، قال الجوهري: وعَدَا فعل يُسْتَثْتى به مع ما وبغير ما، تقولُ جاءَني القومُ ما عَدَا زيداً ، وجاؤوني عداً زيداً، تنصبُ ما بعدها بها والفاعلُ مُضْمَر فيها . قال الأَزهري: من حروف الاستثناء قولهم ما رأَيت أَحداً ما عَدَا زيداً كقولك ما خلا زيداً ، وتَنْصب زيداً في هذَيْن ، فإذا أَخرجتَ ما خَفَضتَ ونَصَبت فقلتَ ما رأيتُ أَحداً عدَا زيداً وعدا زيدٍ وخلا زَيْداً وخَلا زيدٍ، النصب بمعنى إلاَّوالخفضُ بمعنى سِوى (( [319] ))

وقيل: غير بمعنى سِوَى، والجمع أَغيار، وهي كلمة يوصف بها ويستثنى، فإِن وصف بها أَتبعتها إِعراب ما قبلها، وإِن استثنيت بها أَعربتها بالإِعراب الذي يجب للاسم الواقع بعد إِلا، وذلك أَن أَصل غير صفة والاستثناء عارض؛ قال الفراء: بعض بني أَسد وقُضاعة ينصبون غيراً إذا كان في معنى إِلاَّ، تمَّ الكلام قبلها أَولم يتم، يقولون: ما جاءني غيرَك وما جاءني أَحد
غيرَك (( [320] ))

قال الكسائي : حرفان من الاستثناء لا يقعان أَكثر ما يقعان إلا مع الجحد وهما
بل ولكن، والعرب تجعلهما مثل واو النسق. ابن سيده: ولكن ولكنّ حرف يُثْبَتُ به بعد النفي (( [321] ))

وليس:من حروف الاستثناء كإِلاَّ، والعرب تستثني بليس فتقول: قام القوم ليس أَخاك وليس أَخَوَيْك، وقام النِّسْوَة ليس هنداً ، وقام القوم لَيْسي ولَيْسَني وليس إِيَّاي ؛ وأَنشد:

قد ذَهَبَ القوْمُ الكِرام لَيْسِي

وقال آخر:

وأَصْبح ما في الأَرض مِني تَقِيَّةً         لِناظِرِه، لَيْسَ العِظامَ العَوالِيا

قال ابن سيده: ولَيْس من حروف الاستثناء؛ تقول: أَتى القوم ليس زيداً أَي ليس الآتي، لا يكون إِلا مضمراً فيها. قال الليث: لَيْس كلمة جُحُود. قال الخليل: وأَصله لا أَيْسَ فطُرِحَتِ الهمزة وأُلْزِقَت اللام بالياء ، وقال الكسائي: لَيس يكون جَحْداً ويكون استثناء ينصَب به كقولك ذهب القوم لَيْس زيداً يعني ما عَدا زيداً ، ولا يكون أَبداً ويكون بمعنى إِلا زيداً؛ وربما جاءت ليس بمعنى لا التي يُنسَقُ بها (( [322] )) .

الاستدراك

ثم قال: بلى من كسب سيئة ؛ والمعنى بل من كسب سيئة؛ وقال المبرد : بل حكمها الاستدراك أَينما وقعت في جحد أَو إيجاب، قال: وبلى يكون إيجاباً للمنفي لا غير. الفراء قال:
بل تأْتي لمعنيين : تكون إضراباً عن الأَول وإيجاباً للثاني كقولك عندي له دينار لا بل ديناران ، والمعنى الآخر أَنها توجب ما قبلها وتوجب ما بعدها وهذا يسمى الاستدراك لأَنه أَراده فنسيه ثم
استدركه (( [323] ))

قال ابن سيده: بَلْ كلمة استدراكٍ وإعلامٍ بالإضْراب عن الأَولِ، وقولهم : قام زيد بَلْ عَمْروٌ وبَنْ عَمْروٌ، فإن النون بدلٌ من اللام (( [324] ))

الاستعارة

قوله في الحديث الآخر: ارْتَعُوا في رِياض الجنة أَي مَجالِسِ الذكر، وحديث ابن مسعود: مَن أَراد أَن يَرْتَعَ في رياض الجنة فليقرأْ أَلَ حم ، وهذا المعنى من الاستعارة في الحديث كثير ، كقوله عائدُ المَريض في مَخارِف الجنة ، والجنةُ تحت بارقةِ السيوف ، وتحت أَقدام الأُمهات أَي أَن هذه الأَشياء تؤدّي إِلى الجنة وقيل: التُّرعة في الحديث الدَّرجةُ، وقيل: الروضة (( [325] ))

قال الأَزهري: اللبن يكون في الخَريفِ أَدْسَمَ. وقال الهروي: الرّواية اللبنُ الخَريفُ، قال:
فيُشْبِه أَنه أَجْرى اللبن مُجْرى الثِّمار التي تُخْتَرَفُ على الاستعارة ، يريد الطَّريَّ الحَديثَ العَهْدِ
بالحَلَبِ (( [326] ))  .

وفي الحديث: بَكَى حتى خضَبَ دَمْعُه الحَصى؛ قال ابن الأَثير: أَي بَلَّها، من
طَريقِ الاسْتِعارةِ؛ قال: والأَشْبَهُ  أَن يكون أَراد المُبالغةَ في البُكاءِ، حتى احْمَرَّ دمعهُ، فَخَضَبَ الحَصى (( [327] ))

والراوية: هو البعير أَو البغل أَو الحمار الذي يُستقى عليه الماء والرَّجل المستقي أَيضاً راوية. قال: والعامة تسمي المَزادة راوية، وذلك جائز على الاستعارة، والأَصل الأَول؛ قال أَبو النجم :

تَمْشِي مِنَ الرِّدَّةِ مَشْيَ الحُفَّلِ      مَشْيَ الرَّوايا بالمَزادِ الأَثْقَلِ (( [328] ))

وقد يقال للإِنسان مشافر على الاستعارة. وقال اللحياني: إِنه لعظيم المشافر، يقال ذلك في الناس  والإِبل (( [329] ))

وقولهم: غَضَبَ الخَيْلِ على اللُّجُم؛ كَنَوْا بغَضَبِها، عن عَضِّها على اللُّجُم، كأَنها إِنما تَعَضُّها لذلك؛ وقوله أَنشده ثعلب:

تَغْضَبُ أَحْياناً على اللِّجامِ،         كغَضَبِ النارِ على الضِّرَام

فسره فقال: تَعَضُّ على اللِّجامِ من مَرَحِها، فكأَنها تَغْضَبُ، وجَعَلَ للنار غَضَباً، على الاستعارة، أَيضاً، وإِنما عَنى شِدَّةَ التهابها، كقوله تعالى: سَمِعُوا لها تَغَيُّظاً وزَفيراً؛ أَي صَوْتاً كصَوْتِ المُتَغَيِّظ، واستعاره الراعي للقِدْرِ، فقال:

إِذا أَحْمَشُوها بالوَقودِ تَغَضَّبَتْ         على اللَّحْمِ، حتى تَتْرُكَ العَظْمَ بادِيا

وإِنما يريد: أَنها يَشتَدُّ غَلَيانُها، وتُغَطْمِطُ فيَنضَجُ ما فيها حتى يَنْفَصِلَ اللحمُ من
العظم (( [330] )) وأَورثه المرض ضعفاً والحزنُ هَمّاً، كذلك. وأَوْرَث المَطَرُ النباتَ نَعْمَةً، وكُلُّه على الاستعارة والتشبيه بِوِراثَةِ المال والمجد (( [331] ))

وقول ذي الرمة:

أَلا طَرَقَتْ مَيٌّ هَيُوماً بذِكْرِها         وأَيْدِي الثُّرَيّا جُنَّحٌ في المَغارِب

استعارةٌ واتساع، وذلك أَنَّ اليَدَ إذا مالَتْ نحو الشيء ودَنَتْ إِليه دَلَّتْ على قُرْبها منه ودُنوِّها نحوَه، وإِنما أَراد قرب الثريا من المَغْربِ لأُفُولها فجعل لها أَيْدِياً جُنَّحاً نحوها؛ قال لبيد:

حتى إذا أَلْقَتْ يَداً في كافِر         وأَجَنَّ عَوْراتِ الثُّغُورِ ظَلامُها

يعني بدأَت الشمس في المَغِيب، فجعل للشمس يَداً إِلى المَغِيب لما أَراد أَن يَصِفَها بالغُروب؛ وأَصل هذه الاستعارة لثعلبة بن صُعَيْر المازني في قوله:

فتَذَكَّرا ثَقَلاً رَثِيداً بَعْدَما         أَلْقَتْ ذُكاءُ يَمِينها في كافِرِ

وكذلك أَراد لبيد أَن يُصرِّح بذكر اليمين فلم يمكنه (( [332] ))

ومن المجاز : قوله:

تخال الحباب المرتقي فوق نورها         إلى سوق أعلاها جماناً مبذرا

أراد قطرات الطل، سماها حباباً استعارة، ثم شبهها بالجمان. (( [333] ))

واسْتَعار سُوَيْد بن كراع الأَبْوابَ للقوافِي فقال:

أَبِيتُ بأَبْوابِ القَوافِي، كأَنَّما         أَذُودُ بها سِرْباً، مِنَ الوَحْشِ، نُزَّعا (( [334] )).

 

 

 

 

 

 

استعمال العام والخاص

وفي حديث عُقْبة بن عامر: أَسْلم الناسُ وآمَنَ عمرُو بن العاص؛ كأَنَّ هذا إشارةٌ إلى جماعةٍ آمَنوا معه خوفاً من السيف وأنَّ عَمْراً كان مُخْلِصاً في إيمانه، وهذا من العامّ الذي يُرادُ به
الخاصّ (( [335] ))

وقوله عز وجل: وأَنزلنا عليكَ الكتاب تِبْياناً لكلّ شيءٍ؛ أَي بُيِّن لك فيه كلُّ ما تحتاج إليه أَنت وأُمتُك من أَمر الدِّين، وهذا من اللفظ العامِّ الذي أُريد به الخاصُّ  (( [336] ))

قال ابن سيده: المَخِيمُ والجَوُّ موضعان، فإِذا كان ذلك فقد وضَعَ الخاصَّ موضع العام كقولنا : ذَهَبْتُ الشامَ (( [337] ))

وقال في قول حسان:

فإِنَّ أَبي ووالِدَه وعِرْضِي

أَراد فإِنّ أَبي ووالده وآبائي وأَسلافي فأَتى بالعُموم بعد الخُصوص كقوله عزّ وجلّ: ولقد آتيناك سَبعاً من المثاني والقرآنَ العظيم، أَتى بالعموم بعد الخصوص. (( [338] )) .

الاستفهام

وأَجَلْ، بفتحتين: بمعنى نَعَمْ، وقولهم أَجَلْ إِنما هو جواب مثل نعَمْ؛ قال الأَخفش: إِلا أَنه أَحسن من نعم في التصديق، ونعم أَحسن منه في الاستفهام، فإِذا قال أَنت سوف تذهب قلت أَجَلْ، وكان أَحسن من نَعَمْ، وإذا قال أَتذهب قلت نعَم، وكان أَحسن من أَجَلْ. وأَجل: تصديق لخبر يخبرك به صاحبك فيقول فعل ذلك فتصدقه بقولك له أَجَلْ، وأَما نعَمْ فهو جواب المستفهم بكلام لا جَحْد فيه، تقول له : هل صليت؟ فيقول: نَعَمْ، فهو جواب المستفهم.  (( [339] ))

وأَما أَلا التي للعَرْضِ فمُرَكَّبة من لا وأَلف الاستفهام. (( [340] ))

وأَمَّا أَما التي للاستفهام فمركبة من ما النافية وأَلف الاستفهام. الأَزهري: قال الليث أَمَا استفهام جحود كقولك أَمَا تستحي من الله،  (( [341] ))

وأَمْ حرف عَطف، معناه الاستفهام، ويكون بمعنى بَلْ. التهذيب: الفراء أَمْ في المعنى تكون ردّاً على الاستفهام على جِهَتَيْن : إحداهما أن تُفارِق معنى أَمْ، والأُخرى أن تَسْتَفْهِم بها على جهة النّسَق ، والتي يُنْوى به الابتداء إلاَّ أَنه ابتداء متصِل بكلام، فلو ابْتَدَأْت كلاماً ليس قبله كلامٌ ثم استَفْهَمْت لم يكن إلا بالأَلف أو بهَلْ من ذلك قوله عز وجل : ألم تَنْزيلُ الكِتاب لا رَيْبَ فيه مِن رَبِّ العالَمين أمْ يَقولونَ افْتَراه ، فجاءت بأَمْ وليس قَبْلَها استفهام فهذه دليل على أَنها استفهام مبتدأٌ على كلام قد سبقه ، قال: وأَما قوله أَمْ تُريدُون أن تَسْأَلوا رَسولَكم، فإن شئت جعَلْته استفهاماً مبتدأً قد سبقه كلامٌ ، وإن شئت جعَلْته مردوداً على قوله ما لنا لا نرى ومثله قوله : أَلَيْسَ لي مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأَنهارُ تَجْري من تحتي، ثم قال : أَم أَنا خَيْرٌ ، فالتفسير فيهما واحدٌ. وقال الفراء : وربما جَعَلتِ العرب أَمْ إذا سبقها استفهام ولا يَصْلُح فيه أَمْ على جهة بَلْ فيقولون : هل لك قِبَلَنا حَقٌّ أَم أَنتَ رجل معروف بالظُّلْم ، يُريدون بل أنت رجُل معروف بالظُّلْم ؛ وأَنشد :

فوَالله ما أَدري أَسَلْمى تَغَوَّلَتْ         أَمِ النَّوْمُ أَمْ كلٌّ إليَّ حَبِيبُ

يُريد: بَلْ كلٌّ، قال: ويفعلون مثل ذلك بأَوْ، وهو مذكور في موضعه؛ وقال الزجاج: أَمْ إذاكانت معطوفة على لفظ الاستفهام فهي معروفة لا إشكال فيها كقولك زيد أَحسن أَمْ عَمرو، أَكذا خيرٌ أَمْ كذا، وإذا كانت لا تقَعُ عطفاً على أَلِف الاستفهام، إلا أَنها تكون غير مبتدأَة، فإنها تُؤذِن بمعنى بَلْ ومعنى أَلف الاستفهام ثم ذكر قول الله تعالى: أَمْ تُريدُون أَن تَسأَلوا رَسُولكم، قال: المعنى بَلْ تُريدون أَن تَسأَلوا رسولَكم قال: وكذلك قوله: ألم تَنْزيلُ الكتاب لا رَيب فيه من ربِّ العالمين أمْ يَقولون افْتَراه؛ قال: المعنى بَلْ يقولون افْتَراه ، قال الليث: أَمْ حَرْف أَحسَن ما يكون في الاستفهام على أَوَّله، فيصير المعنى كأَنه استفهام بعد استفهام، قال: ويكون أمْ بمعنى بَلْ، ويكون أم بمعنى ألِف الاستفهام كقولك: أَمْ عِنْدك غَداء حاضِرٌ ؟ وأنت تريد : أَعِندَك غداء حاضِرٌ وهي لغة حسنة من لغات العرب؛ قال أَبو منصور: وهذا يَجُوز إذا سبقه كلام، قال الليث: وتكون أَمْ مبتدَأَ الكلام في الخبر، وهي لغة يَمانية، يقول قائلُهم: أم نَحْن خَرَجْنا خِيارَ الناس، أَمْ نُطْعِم الطَّعام، أَمْ نَضْرِب الهامَ، وهو يُخْبِر. وروي عن أبي حاتم قال: قال أَبو زيد أَم تكون زائدة لغةُ أَهل اليمن؛ قال وأَنشد:  (( [342] )) .

وقال الفراء: أَيٌّ إذا أَوْقَعْتَ الفعل المتقدّم عليها خرجت من معنى الاستفهام، وذلك إِن أَردته جائز، يقولون لأَضْربنَّ أَيُّهم يقول ذلك، لأَن الضرب على اسم يأْتي بعد ذلك استفهام، وذلك أَن الضرب لا يقع اننين قال: وقول الله عز وجل: ثم لننزعنَّ من كل شيعةٍ أَيُّهم أَشَدُّ على الرحمن عِتِيّاً؛ من نصب أَيّاً أَوقع عليها النَّزْعَ وليس باستفهام كأَنه قال لنستخرجن العاتي الذي هو أَشدّ، ثم فسر الفراء وجه الرفع وعليه القراء على ما قدمناه من قول ثعلب والمبرد  (( [343] ))

الباء في بمثله متعلقة بقوله يُبَل، وقوله ما عبدُ شمس تعظيم، كقولك سبحان الله ما هو ومن هو، لا تريد الاستفهام عن ذاته تعالى إِنما هو تعظيم وتفخيم  (( [344] ))

وأَما ما روي عن ابن عباس أَنه قرأَ بلى آأَدْرَكَ عِلْمهم في الآخرة، فإنه إن صح استفهام فيه ردّ وتهكّم، ومعناه لم يُدْرِكْ علمهم في الآخرة، ونحو ذلك روى شعبة عن أَبي حمزة عن ابن عباس في تفسيره؛ ومثله قول الله عز وجل: أَم له البَناتُ ولكم البنُون؛ معنى أَم أَلف الإستفهام كأَنه قال أَله البنات ولكم البنون، اللفظ لفظ الإستفهام ومعناه الردّ والتكذيب لهم، وقول الله سبحانه وتعالى: لا تخاف دَرَكا ولا تخشى؛ أَي لا تخاف أَن يُدْرِ كَكَ فرعونُ ولا تخشاه، ومن قرأَ لا تَخَفْ فمعناه لا تَخَفْ أَن يُدْرِ كَكَ ولا تخشَ الغرق  (( [345] ))

قال الأَخفش في قوله تعالى: وتلك نعمة، قال: يقال هذا استفهام كأَنه قال أَو تلك نعمة تمنها عليّ ثم فسر فقال: أَن عَبَّدْتَ بني إِسرائيل، فجعله بدلاً من النعمة؛ قال أَبو العباس: وهذا غلط لا يجوز أَن يكون الاستفهام مُلْقىً وهو يُطْلَبُ، فيكون الاستفهام كالخبر؛ وقد استُقْبِحَ ومعه أَمْ وهي دليل على الاستفهام، استقبحوا قول امرئ القيس:تروحُ مِنَ الحَيِّ أَم تَبْتَكِرْ قال بعضهم: هو أَتَروحُ مِنَ الحَيِّ أَم تَبْتَكِر فحذفُ الاستفهام أَولى والنفي تام؛ وقال أَكثرهم: الأَوّل خبر والثاني استفهام فأَما وليس معه أَم لم يقله إِنسان. قال أَبو العباس: وقال الفراء: وتلك نعمة تمنها عليّ، لأَنه قال وأَنت من الكافرين لنعمتي أَي لنعمة تربيتي لك فأَجابه فقال: نعم
هي نعمة عليّ أَن عبَّدْت بني إسرائيل ولم تستعبدني، فيكون موضع أَن رفعاً ويكون نصباً وخفضاً، من رفع ردّها على النعمة كأَنه قال وتلك نعمة تمنها عليّ تَعْبِيدُك بني إِسرائيل ولم تُعَبِّدْني، ومن خفض أَو نصب أَضمر اللام؛ قال الأَزهري: والنصب أَحسن الوجوه؛ المعنى: أَن فرعون لما قال لموسى: أَلم نُرَبِّك فينا وليداً ولبثت فينا من عُمُرِكَ سنين، فاعْتَدَّ فرعون على موسى بأَنه ربَّاه وليداً منذُ وُلدَ إِلى أَن كَبِرَ فكان من جواب موسى له: تلك نعمة تعتدّ بها عليّ لأَنك عبَّدْتَ بني إِسرائيل، ولو لم تُعَبِّدْهم لكَفَلَني أَهلي ولم يُلْقُوني في اليمّ، فإِنما صارت نعمة لما أَقدمت عليه مما حظره الله عليك قال أَبو إِسحق: المفسرون أَخرجوا هذه على جهة الإِنكار أَن تكون تلك نعمة، كأَنه قال: وأَيّ نعمة لك عليّ في أَن عَبَّدْتَ بني إِسرائيل، واللفظ لفظ خبر؛ قال: والمعنى يخرج على ما قالوا على أَن لفظه لفظ الخبر وفيه تبكيت المخاطب، كأَنه قال
له : هذه نعمة أَنِ اتَّخَذْتَ بني إِسرائيلَ عَبيداً ولم تتخذني عبداً (( [346] ))

وتكون بمعنى الاستفهام كقولك: لَعَلَّك تَشْتُمُني فأُعاقِبَك؟ معناه هل تشْتُمني(( [347] ))

قال الأَزهري: سمعت المُنْذِرِيَّ يقول: أَفادني ابن اليَزيديّ عن أَبي حاتم في قوله تعالى: فظن أَن لن نقدر عليه؛ أَي لن نضيق عليه، قال: ولم يدر الأَخفش ما معنى نَقْدِر وذهب إِلى موضع القدرة إِلى معنى فظن أَن يَفُوتَنَا ولم يعلم كلام العرب حتى قال: إِن بعض المفسرين
قال أَراد الاستفهام، أَفَظَنَّ أَن لن نَقْدِرَ عليه، ولو علم أَن معنى نَقْدِر نُضَيِّق لم يخبط هذا
الخبط  (( [348] ))

قال: اعلم أَنُ العرب تقول: قال إِنه وزعم أَنه، فكسروا الأَلف في قال على الابتداء وفتحوها في زعم لأَن زعم فِعْل واقع بها متعدٍّ إِليها ، تقول زعمت عبدَ الله قائماً، ولا تقول قلت زيداً خارجاً إِلاَّ أَن تدخل حرفاً من حروف الاستفهام في أَوله فتقول : هل تَقُوله
خارجاً، ومتى تَقُوله فعَل كذا وكيف تقوله صنع ، وعَلامَ تَقُوله فاعلاً، فيصير عند دخول حروف الاستفهام عليه بمنزلة الظن وكذلك تقول: متى تَقُولني خارجاً، وكيف تَقُولك صانعاً ؟ وأَنشد:

فمتى تَقُول الدارَ تَجْمَعُنا

قال الكميت:

عَلامَ تَقُول هَمْدانَ احْتَذَتْنا         وكِنْدَة، بالقوارِصِ، مُجْلِبينا؟

والعرب تُجْري تقول وحدها في الاستفهام مجرى تظنُّ في العمل ؛ قال هدبة بن خَشْرم:

متى تَقُول القُلُصَ الرَّواسِما         يُدْنِين أُمَّ قاسِمٍ وقاسِما؟

فنصب القُلُص كما ينصب بالظنِّ؛ وقال عمرو بن معديكرب:

عَلامَ تَقُول الرُّمْحَ يُثْقِلُ عاتِقي         إِذا أَنا لم أَطْعُنْ ، إذا الخيلُ كَرَّتِ؟

وقال عمر بن أَبي ربيعة:

أَمَّا الرَّحِيل فدُون بعدَ غدٍ         فمتى تَقُولُ الدارَ تَجْمَعُنا؟

قال: وبنو سليم يُجْرون متصرِّف قلت في غير الاستفهام أَيضاً مُجْرى الظنِّ فيُعدُّونه إِلى مفعولين ، فعلى مذهبهم يجوز فتح انَّ بعد القَول. وفي الحديث: أَنه سَمِعَ صوْت رجل يقرأُ بالليل فقال أَتَقُوله مُرائياً أَي أَتظنُّه؟ وهو مختصٌّ بالاستفهام؛ ومنه الحديث: لمَّا أَراد أَن يعتَكِف ورأَى الأَخْبية في المسجد فقال: البِرَّ تَقُولون بهنَّ أَي تظنُّون وتَرَوْن أَنهنَّ أَردْنَ البِرَّ، (( [349] ))

وكيْفَ: اسم معناه الاستفهام؛ قال اللحياني: هي مؤنثة وإن ذكِّرت جاز، فأَما قولهم: كَيَّف الشيءَ فكلام مولّد. الأَزهري: كيفَ حرف أَداة ونصْبُ الفاء فراراً به من الياء الساكنة فيها لئلا يلتقي ساكنان . وقال الزجاج في قول اللّه تعالى: كيف تكفرون باللّه وكنتم أَمواتاً: تأَويل كيف استفهام في معنى التعجب، وهذا التعجب إنما هو للخلق والمؤمنين أَي اعجَبوا من هؤلاء كيف يكفرون وقد ثبتت حجة اللّه عليهم، وقال في مصدر كيف: الكَيْفِيَّة. الجوهري: كيف اسم مبهم غير متمكن وإنما حرك آخره لالتقاء الساكنين، وبني على الفتح دون الكسر لمكان الياء وهو للاستفهام عن الأَحوال ، وقد يقع بمعنى التعجب (( [350] )) .

ونَعَمْ ونَعِمْ: كقولك بَلى، إلا أن نَعَمْ في جواب الواجب، وهي موقوفة الآخِر لأنها حرف جاء لمعنى، وفي التنزيل: هلْ وجَدْتُمْ ما وعَدَ ربُّكم حَقّاً قالوا نَعَمْ؛ قال الأزهري: إنما يُجاب به الاستفهامُ الذي لا جَحْدَ فيه، قال: وقد يكون نَعَمْ تَصْديقاً ويكون عِدَةً، وربما ناقَضَ بَلى إذا قال: ليس لك عندي ودِيعةٌ، فتقول: نَعَمْ تَصْديقٌ له وبَلى تكذيبٌ (( [351] ))

وفي الحديث: قالوا ما شَأْنُه أَهَجَرَ؟ أَي اختلف كلامه بسبب المرض على سبيل الاستفهام أَي هل تغير كلامه واختلط لأَجل ما به من المرض. قال ابن الأَثير: هذا أَحسن ما يقال فيه ولا يجعل إِخباراً فيكون إِما من الفُحْشِ أَو الهَذَيانِ، قال: والقائلُ كان عُمَر ولا يظن به ذلك. (( [352] ))

وهَلْ: حرف استفهام، فإِذا جعلته اسماً شددته. قال ابن سيده: هل كلمة استفهام هذا هو المعروف ، قال: وتكون بمنزلة أَم للاستفهام، وتكون بمنزلة بَلْ، وتكون بمنزلة قَدْ كقوله عز وجل: يَوْمَ نقولُ لجهنَّم هَلِ امْتَلأْتِ وتقولُ هَلْ مِنْ مزيدٍ؟ قالوا: معناه قد امْتَلأْت؛ قال ابن جني: هذا تفسير على المعنى دون اللفظ وهل مُبقاة على استفهامها، وقولها هَلْ مِن مزيد أَي أَتعلم يا ربَّنا أَن عندي مزيداً، فجواب هذا منه عزَّ اسمه لا، أَي فكَما تعلم أَن لا مَزيدَ فحسبي ما عندي، وتكون بمعنى الجزاء، وتكون بمعنى الجَحْد، وتكون بمعنى الأَمر. قال الفراء: سمعت أَعرابيّاً يقول: هل أَنت ساكت؟ بمعنى اسكت؛ قال ابن سيده: هذا كله قول ثعلب وروايته. الأَزهري: قال الفراء هَلْ قد تكون جَحْداً وتكون خبَراً، قال: وقول الله عز وجل: هَلْ أَتى على الإِنسان حينٌ من الدهر؛ قال: معناه قد أَتى على الإِنسان معناه الخبر، قال: والجَحْدُ أَن تقول: وهل يقدِر أَحد على مثل هذا؛ قال: ومن الخبَر قولك للرجل: هل وعَظْتك هل أَعْطَيتك، تقرَّره بأَنك قد وعَظْته وأَعطيته؛ قال الفراء: وقال الكسائي هل تأْتي استفهاماً، وهو بابُها، وتأْتي جَحْداً مثل قوله:

أَلا هَلْ أَخو عَيْشٍ لذيذٍ بدائم

معناه أَلا ما أَخو عيشٍ؛ قال: وتأْتي شرْطاً، وتأْتي بمعنى قد، وتأْتي تَوْبيخاً، وتأْتي أَمراً، وتأْتي تنبيهاً؛ قال: فإِذا زدت فيها أَلِفاً كانت بمعنى التسكين، وهو معنى قوله إذا ذُكِر الصالحون فحَيَّهَلاً بعُمَر، قال: معنى حَيّ أَسرِعْ بذكره، ومعنى هَلاً أَي اسْكُن عند ذكره حتى تنقضي فضائله؛ وأَنشد: وأَيّ حَصانٍ لا يُقال لَها هَلاً أَي اسْكُني للزوج؛ قال: فإِن شَدَّدْت لامَها صارت بمعنى اللوْم والحضِّ، اللومُ على ما مضى من الزمان، والحَضُّ على ما يأْتي من الزمان، قال: ومن الأَمر قوله: فهَلْ أَنتُم مُنْتَهون. وهَلاً: زجْر للخيل ، وهالٍ مثله أَي اقرُبي. وقولهم: هَلاً استعجال وحث. وفي حديث جابر: هَلاَّ بكْراً تُلاعِبُها وتُلاعِبُك؛ هَلاَّ ، بالتشديد: حرف معناه الحثُّ والتحضيضُ؛ يقال: حيّ هَلا الثريدَ، ومعناه هَلُمَّ إِلى الثريد، فُتحت ياؤه لاجتماع الساكنين .... قريب، معناه هَلاَّ. وهَلْ قد تكون بمعنى ما؛ قالت ابنة الحُمارِس :

هَلْ هي إِلاَّ حِظَةٌ أَو تَطْلِيقْ         أَو صَلَفٌ من بين ذاك تَعْلِيقْ

أَي ما هي ولهذا أُدخلت لها إِلا. وحكي عن الكسائي أَنه قال: هَلْ زِلْت تقوله بمعنى ما زِلْتَ تقوله، قال: فيستعملون هَلْ بمعنى ما. ويقال: متى زِلْت تقول ذلك وكيف زِلْت؛ وأَنشد:

وهَلْ زِلْتُمُ تأْوِي العَشِيرةُ فيكُم         وتنبتُ في أَكناف أَبلَجَ خِضْرِمِ؟

وقوله: وإِنَّ شِفائي عَبْرَةٌ مُهَرَاقَة، فهَل عند رَسْمٍ دارسٍ من مُعَوَّل؟ قال ابن جني: هذا ظاهره استفهام لنفسه ومعناه التحضيض لها على البكاء، كما تقول أَحسنت إِليّ فهل أَشْكُرك أَي فَلأَشْكُرَنَّك، وقد زُرْتَني فهل أُكافِئَنَّك أَي فَلأُكافِئَنَّك. وقوله: هل أَتَى على الإِنسان؟ قال أَبو عبيدة: معناه قد أَتَى؛ قال ابن جني: يمكن عندي أَن تكون مُبْقاةً في هذا الموضع على ما بها من الاستفهام فكأَنه قال، والله أَعلم: وهل أَتَى على الإِنسان هذا، فلا بدّ في جَوابهم من نَعَمْ ملفوظاً بها أَو مقدرة أَي فكما أَن ذلك كذلك ، فينبغي للإِنسان أَن يحتقر نفسه ولا يُباهي بما فتح له، وكما تقول لمن تريد الاحتجاج عليه: بالله هل سأَلتني فأَعطيتك أَم هل زُرْتَني فأَكرمتك أَي فكما أَن ذلك كذلك فيجب أَن تعرِف حقي عليك وإِحْساني إِليك ؛ قال الزجاج: إذا جعلنا معنى هل أَتى قد أَتى فهو بمعنى أَلَمْ يأْتِ على الإِنسان حينٌ من الدَّهْر؛ (( [353] ))

وقوله تعالى: يا أَبانا ما نَبْغي هذه بضاعَتُنا ؛ يجوز أَن يكون ما نَبْتَغي أَي ما نطلب، فما على هذا إستفهام، ويجوز أَن يكون ما نكْذب ولا نَظْلِم فما على هذا جَحْد. (( [354] ))

أَبو عبيد عن أَبي عبيدة أَنه أَنشده قول الأَعشى:

أَثوى وقصَّر ليله ليزوَّدا

قال شمر: أَثْوى عن غير استفهام وإنما يريد الخبر، قال: ورواه ابن الأَعرابي أَثَوَى على الاستفهام؛ قال أَبو منصور: والروايتان تدلان على أَن ثَوَى وأَثْوَى معناهما أَقام. (( [355] ))

وقيل في قَولِهِ: أَفَنَضْرِبُ عنكم الذِّكر صَفْحاً: إِن معناه أَفَنَضْرِبُ القرآنَ عنكم، ولا نَدْعُوكم إِلى الإِيمان به صَفْحاً أَي مُعْرِضين عنكم. أَقامَ صَفْحاً وهو مصدر مقامَ صافِحين. وهذا تَقْريع لهم، وإِيجابٌ للحجة عليهم، وإِن كان لفظه لفظ استفهام (( [356] ))

 

 

وقيل في قوله:

فهلْ عند رَسْمٍ دارِسٍ من مُعَوَّلِ

مذهبان: أَحدهما أَنه مصدر عَوَّلْت عليه أَي اتَّكَلْت، فلما قال إِنَّ شِفائي عَبْرةٌ مُهْراقةٌ، صار كأَنه قال إِنما راحتي في البكاء فما معنى اتكالي في شفاء غَلِيلي على رَسْمٍ دارسٍ لا غَناء عنده عنِّي؟ فسَبيلي أَن أُقْبِلَ على بُكائي ولا أُعَوِّلَ في بَرْد غَلِيلي على ما لا غَناء عنده، وأَدخل الفاء في قوله فهل لتربط آخر الكلام بأَوّله، فكأَنه قال إذا كان شِفائي إِنما هو في فَيْض دمعي فسَبِيلي أَن لا أُعَوِّل على رَسمٍ دارسٍ في دَفْع حُزْني، وينبغي أَن آخذ في البكاء الذي هو سبب الشّفاء، والمذهب الآخر أَن يكون مُعَوَّل مصدر عَوَّلت بمعنى أَعْوَلْت أَي بكَيْت، فيكون معناه: فهل عند رَسْم دارس من إِعْوالٍ وبكاء، وعلى أَي الأَمرين حمَلْتَ المُعوَّلَ فدخولُ الفاء على هل حَسَنٌ جميل، أَما إذا جَعَلْت المُعَوَّل بمعنى العويل والإِعوال أَي البكاء فكأَنه قال: إِن شفائي أَن أَسْفَحَ، ثم خاطب نفسه أَو صاحبَيْه فقال: إذا كان الأَمر على ما قدّمته من أَن في البكاء شِفاءَ وَجْدِي فهل من بكاءٍ أَشْفي به غَليلي؟ فهذا ظاهره استفهام لنفسه، ومعناه التحضيض لها على البكاء كما تقول: أَحْسَنْتَ إِليَّ فهل أَشْكُرُك أَي فلأَشْكُرَنَّك، وقد زُرْتَني فهل أُكافئك أَي فلأُكافِئَنَّك، وإِذا خاطب صاحبيه فكأَنه قال: قد عَرَّفْتُكما ما سببُ شِفائي، وهو البكاء والإِعْوال ، فهل تُعْوِلان وتَبْكيان معي لأُشْفَى ببكائكما؟ وهذا التفسير على قول من قال: إِن مُعَوَّل بمنزلة إِعْوال، والفاء عقدت آخر الكلام بأَوله، فكأَنه قال: إذا كنتما قد عَرَفتما ما أُوثِرُه من البكاء فابكيا وأَعْوِلا معي وإِذا استَفْهم نفسه فكأَنه قال: إذا كنتُ قد علمتُ أَن في الإِعْوال راحةً لي فلا عُذْرَ لي في ترك البكاء (( [357] ))

وفي حديث بيع الرُّطَب بالتمر قال: أَيَنْقُص الرُّطَب إذا يَبِس؟ قالوا: نعم، لفظُه استفهام ومعناه تنبيهٌ وتقرير لِكُنْهِ الحُكْم وعلَّته ليكون معتبراً في نظائره، وإِلا فلا يجوز أَن يخفى مثل هذا على النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، كقوله تعالى: أَلَيْسَ اللّهُ بكافٍ عَبْدَه؛ وقول جرير: أَلَسْتُم خيرَ مَنْ رَكِبَ المَطايا (( [358] ))

الإشارة

في حديث عُقْبة بن عامر: أَسْلم الناسُ وآمَنَ عمرُو بن العاص ؛ كأَنَّ هذا إشارةٌ إلى جماعةٍ آمَنوا معه خوفاً من السيف وأنَّ عَمْراً كان مُخْلِصاً في إيمانه (( [359] ))

وفي حديث علي، كرم اللّه وجهه: كانوا يَبْعَرُون بَعَراً وأَنتم تَثْلِطُون ثَلْطاً أَي كانوا يتغوَّطون يابساً كالبعر لأَنهم كانوا قليلي الأَكل والمآكل وأَنتم تثلِطون رقيقاً وهو إِشارة إِلى كثرة المآكل وتَنَوُّعِها. (( [360] ))

وفي حديث عمر قال لجرير بن عبد اللَّه وقد جاء من الكوفة: أَخْبِرني عن الناس، فقال: هم كسِهامِ الجَعْبةِ منها القائمُ الرائِشُ أَي ذو الريش إِشارة إِلى كماله واستقامته. (( [361] ))

فقال عليه السلام: اعْمَلْ عَمَلَ من يَظُنُّ أَنه يُخَلَّد، فلا تَحْرِصْ في العمل؛ فيكون حَثّاً على الترك، والتقليل بطريق أَنيقةٍ من الإِشارة والتنبيه، ويكون أَمره لعمل الآخرة على ظاهره، فيَجْمَع بالأَمرين حالةً واحدةً، وهو الزهدُ والتقليل، لكن بلفظين مختلفين؛ قال: وقد اختصر الأَزهري هذا المعنى فقال: معنى هذا الحديث تقديمُ أَمر الآخرة وأَعمالها، حِذارَ الموت بالفَوْت، على عَمل الدنيا، وتأْخيرُ أَمر الدنيا، كراهيةَ الاشْتغال بها عن عمل الآخرة (( [362] ))

وفي حديث التسليم: قل السلام عليك فإن عليك السلام تحية الموتى، قال: هذه إشارة إلى ما جرت به عادتهم في المراثي، كانوا يقدمون ضمير الميت على الدعاء له كقوله:

عليك سلام من أمير وباركت         ورحمته في ذاك الأديم الممزق.

وكقول الآخر:

عليك السلام الله قيس بن عاصم         ورحمته ما شاء أن يترحما

قال: وإنما فعلوا ذلك لأن المسلم على القوم يتوقع الجواب وأن يقال له عليك السلام، فلما كان الميت لا يتوقع منه جواب جعلوا السلام عليه كالجواب (( [363] )) .

الإضافة

وقال أُمية بن أَبي عائذ:

فَلَوْ غَيْرَها، من وُلْد كَعْب بن كاهِلِ         مدحْتَ بقول صادق، لم تُفَيَّلِ

فإِنه أَراد: لم يفيَّل رأْيُك، وفي هذا دليل على أَن المضاف إذا حذف رِفِض حكمه، وصارت المعاملة إِلى ما صرت إِليه وحصلت عليه، أَلا ترى أَنه ترك حرف المضارعة المؤذن بالغَيْبة، وهو الياء، وعدل إِلى الخطاب البتة فقال تُفَيَّل، بالتاء، أَي لم تفيَّل أَنت؟ ومثله بيت الكتاب:

أَولئك أَولَى من يَهودَ بِمِدْحَة         إِذا أَنتَ يوماً قلتَها لم تُفَنَّد

أَي يفنَّد رأْيُك. قال أَبو عبيدة: الفَائِل من المتفرِّسين الذي يظن ويخطيء، قال:
ولا يعد (( [364] ))

الإظهار موضع الإضمار

وأَنشد الأَخفش لعدي بن زيد، وقيل هو لسوادة بن زيد ابن عديّ:

لا أَرَى الموتَ يَسْبِقُ الموتُ شيئاً،         نَغَّصَ الموتُ ذا الغِنَى والفَقِيرا

قال فأَظهر الموت في موضع الإِضمار، وهذا كقولك أَمّا زيدٌ فقد ذهب زيد،
وكقوله عزّوجلّ: وللّه ما في السموات وما في الأَرض وإِلى اللّه تُرْجَعُ الأُمور، فثنى الاسم
وأَظهره (( [365] ))

الإطالة

قال ابن سيده: وأَبْصَعُ نعت تابع لأَكْتَعَ وإِنما جاؤُوا بأَبْصَعَ وأَكْتَعَ وأَبْتَعَ إِتباعاً لأَجْمَع لأَنهم عدلوا عن إِعادة جميع حروف أَجمع إِلى إِعادة بعضها، وهو العين، تحَامِياً من الإِطالة
بتكرير الحروف كلها (( [366] ))

معنى كم التكثير ومعنى ربّ التقليل والتكثير، وهي مغنية عن الكلام الكثير المتناهي
في البُعد والطول، وذلك أَنك إذا قلت: كمْ مالُك؟ أَغناك ذلك عن قولك: أَعَشَرة مالُك
أَم عِشرون أَم ثلاثون أَم مائة أَم أَلف؟ فلو ذهبت تَسْتَوعب الأَعداد لم تبلغ ذلك أَبداً لأَنه
غير مُتَناهٍ، فلما قلت كَمْ، أَغنتك هذه اللفظة الواحدة عن الإِطالة غير المُحاط بآخرها
ولا المُسْتَدْركة (( [367] ))  .

الاطناب

والإِطْنابُ: البلاغة في المَنْطِق والوَصْفِ، مدحاً كان أَو ذمّاً. وأَطْنَبَ في الكلام: بالَغَ فيه. والإِطْنابُ: المبالغة في مدح أَو ذم والإِكثارُ فيه. والمُطْنِبُ: المَدَّاحُ لكل أَحد. ابن الأَنباري: أَطْنَبَ في الوصف إذا بالغ واجْتَهد؛ وأَطْنَبَ في عَدْوه إذا مَضى فيه باجتهاد ومبالغة.  (( [368] ))

قال ابن سيده: فأَما قول الآخر:

إِضْرِبَ عنكَ الهُمُومَ طارِقَها         ضَرْبَك بالسَّوْطِ قَوْنَسَ الفَرَس

فإِنَّ ابن جني قال: هو مَدْفوع مصنوع عند عامة أَصحابنا ولا رواية تثبُت به، وأَيضاً فإِنه ضعيف ساقط في القياس، وذلك لأَن التأْكيد من مواضع الإِطْناب والإِسْهاب فلا يَليق به الحَذْف والاختصار، فإِذا كان السماعُ والقياسُ يدفعان هذا التأْويل وَجَب إِلغاؤه والعُدول إِلى غيره
مما كثر استعماله وصحَّ قياسه. وهَوْلٌ هائلٌ ومَهُول، وكَرِهَها بعضهم، وقد جاء في الشعر
الفصيح (( [369] ))

الاعتراض

وقول كُثَير:

وإنِّي، وتَهْيامِي بعَزَّةَ، بَعْدَما         تَخَلَّيْتُ مِمَّا بَيْنَنا وتَخَلَّتِ

قال ابن جني: سأَلت أَبا عليٍّ فقلت له: ما موضعُ تَهْيامي من الإعراب؟ فأَفْتَى بأَنه مرفوع بالابتداء، وخبرُه قولُه بِعَزّة، وجعل الجملة التي هي تَهْيامِي بعزّة اعتراضاً بين إنّ وخبرِها لأن في هذا أَضْرُباً من التشديد للكلام، كما تقول: إنّك، فاعْلَم، رجلُ سَوْءٍ وإنه، والحقَّ أَقولُ، جَمِيلُ المَذْهَب، وهذا الفصلُ والاعتراض الجاري مَجْرى التوكيد كثيرٌ في كلامهم، قال: وإذا جازَ الاعتراض بين الفعل والفاعل في نحو قوله:

وقد أَدْرَكَتْني، والحَوادِثُ جَمّةٌ،         أَسِنّةُ قَوْمٍ لا ضِعافٍ، ولا عُزْلِ

كانَ الاعتراضُ بين اسم إنّ وخبرها أَسْوَغَ، وقد يحتمل بيتُ كُثَيّر أَيضاً تأْويلاً آخرَ غير ما ذهب إليه أَبو عليّ، وهو أَن يكون تَهْيامِي في موضع جرٍّ على أَنه أَقْسَم به كقولك: إنّي، وحُبِّك، لَضنِينٌ بك قال ابن جني: وعَرَضْتُ هذا الجوابَ على أَبي عليّ فتقبَّله، ويجوز أن يكون تَهْيامي أَيضاً مُرْتَفِعاً بالابتداء، والباء متعلقة فيه بنفس المصدر الذي هو التَّهْيامُ، والخبر محذوف كأَنّه قال وتَهْيامِي بعزّة كائنٌ أو واقعٌ على ما يُقَدَّر في هذا ونحوه، وقد هَيَّمَه الحُبُّ  (( [370] ))

الاقتصاد

في الحديث: قولوا بقَوْلكم أَو بعض قَوْلِكم .. وقوله بعض قولِكم يعني الاقتصادَ في المقال وتركَ الإِسراف فيه، قال: وذلك أَنهم كانوا مدحوه فكره لهم المبالغة في المدح فنهاهم عنه، يريد تكلَّموا بما يحضُركم من القَوْلِ ولا تتكلَّفوه كأَنكم وُكلاءُ الشيطان ورُسُلُه تنطِقون عن
لسانه (( [371] )) .

الإلغاز

أَلْغَزَ الكلامَ وأَلْغَزَ فيه: عَمَّى مُرادَه وأَضْمَرَه على خلاف ما أَظهره.... واللُّغْزُ واللُّغَزُ واللَّغَزُ: ما أُلْغِزَ من كلام فَشُبِّه معناه، مثل قول الشاعر أَنشده الفراءُ:

ولما رأَيتُ النَّسْرَ عَزَّ ابْنَ دَأْيَةٍ       وعَشَّشَ في وَكْرَيْهِ، جاشَتْ له نَفْسي

أَراد بالنسر الشيب شبهه به لبياضه، وشبه الشباب بابن دَأْيَةَ، وهو الغراب الأَسود، لأَن شعر الشباب أَسود. واللُّغَزَ: الكلام المُلَبَّس. وقد أَلْغَزَ في كلامه يُلْغِزُ إِلغازاً إذا ورَّى فيه وعَرَّضَ ليَخْفَى، والجمع أَلغاز مثل رُطَب وأَرطاب (( [372] ))

الأمر

أَو: تكون للشك والتخيير ، وتكون اختياراً. قال الجوهري: أَو حرف إذا دخل الخبر دلَّ على الشك والإِبهام، وإِذا دخل الأَمر والنهي دل على التخيير والإباحة، فأَما الشك فقولك: رأَيت زيداً أَو عمراً والإِبهام كقوله تعالى: وأَنا أَو إِياكم لعلى هدى أَو في ضلال مبين؛ والتخيير كقولك: كل السمك أَو اشرب اللبن أَي لا تجمع بينهما (( [373] ))  .

الانتحال

ويقال: نُحِل الشاعرُ قصيدة إذا نُسِبَت إِليه وهي من قِيلِ غيره؛ وقال الأَعشى في الانتحال:

فكيْفَ أَنا وانتِحالي القَوا         فِيَ بَعدَ المَشِيب كفَى ذاك عارا

وقَيَّدَني الشِّعْرُ في بيتِه           كما قَيَّد الأُسُراتُ الحِمارا

أَراد انتِحالي القوافيَ فدَلَّت كسرة الفاء من القوافي على سقوط الياء فحذفها  (( [374] )) .

الإنكار

الإِنْكارُ : الاستفهام عما يُنْكِرُه، وذلك إذا أَنْكَرْتَ أَن تُثْبِتَ رَأْيَ السائل على ما
ذَكَرَ، أَو تُنْكِرَ أَن يكون رأْيه على خلاف ما ذكر، وذلك كقوله: ضربتُ زيداً، فتقول مُنْكِراً لقوله: أَزَيْدَنِيهِ؟ ومررتُ بزيد ، فتقول : أَزَيْدِنِيهِ ؟ ويقول: جاءني زيد، فتقول : أَزَيْدُنِيه ؟ قال سيبويه : صارت هذه الزيادة عَلَماً لهذا المعنى كعَلمِ النَّدْبَةِ، قال : وتحركت النون لأَنها كانت ساكنة ولا يسكن حرفان . التهذيب : والاسْتِنْكارُ استفهامك أَمراً تُنْكِرُه، (( [375] ))

الإيجاز

قول عمر بن عبد العزيز،رضي الله عنه: عَجِبْت لمن لاحَنَ الناسَ كيف لا يَعْرِفُ جَوامِعَ الكلم؛ معناه كيف لا يَقْتَصِر على الإِيجاز ويَترك الفُضول من الكلام، وهو من قول النبي، صلى الله عليه وسلم: أُوتِيتُ جَوامِعَ الكَلِم يعني القرآن وما جمع الله عز وجل بلطفه من المعاني الجَمَّة في الأَلفاظ القليلة كقوله عز وجل : خُذِ العَفْو وأْمُر بالعُرْف وأَعْرِضْ عن الجاهلين. وفي صفته، صلى الله عليه وسلم: أَنه كان يتكلم بجَوامِعِ الكَلِم أَي أَنه كان كثير المعاني قليل الأَلفاظ. وفي الحديث: كان يَستحِبُّ الجَوامع من الدعاء ؛ هي التي تَجْمع الأَغْراض الصالحةَ والمَقاصِدَ الصحيحة
أَو تَجْمع الثناء على الله تعالى وآداب المسأَلة (( [376] ))

فرقوا بين أَسماء الدُّرُوع والدُّرّاعة والمِدْرعة لاختلافها في الصَّنْعة إِرادة الإِيجاز
في المَنطِق (( [377] ))

وَجُزَ الكلامُ وَجازَةً ووَجْزاً وأَوْجَزَ: قَلَّ في بلاغة، وأَوْجَزَه: اختصره. قال ابن سيده : بين الإِيجاز والاختصار فرق مَنْطِقِيٌّ ليس هذا موضعه. وكلامٌ وَجْزٌ : خفيف. وأَمر وَجْزٌ وواجِزٌ ووَجِيزٌ ومُوجَزٌ ومُوجِزٌ. والوَجْزُ: الوَحَى؛ يقال: أَوْجَزَ فلانٌ إِيجازاً في كل أَمر. وأَمرٌ وَجِيزٌ وكلام وَجِيز أَي خفيف مقتصر؛ قال رؤبة:

لولا عَطاءٌ من كَريمٍ وَجْز

أَبو عمرو: الوَجْزُ السريع العطاء . يقال: وَجَزَ في كلامه وأَوْجَزَ ؛ قال رؤبة:

على جَزَابِيٍّ جُلالٍ وَجْز

يعني بعيراً سريعاً. وأَوْجَزْتُ الكلام: قَصَرْتُه. وفي حديث جَرِيرٍ: قال له، عليه السلام: إذا قُلْتَ فأَوجِز أَي أَسرع واقْتَصِرْ. وتَوَجَّزْتُ الشيء: مثل تَنَجَّزْتُه. ورجل مِيْجاز : يُوجِزُ في الكلام والجواب. وأَوْجَزَ القولَ والعطاء : قلَّله (( [378] ))

الإيماء

وقيل: الإِيماءُ أَن يكونَ أَمامَك فتُشِيرَ إليه بيدكَ، وتُقْبِلَ بأَصابِعك نحو راحَتِكَ تَأْمُرُه بالإِقْبالِ إلَيْكَ ، وهو أَوْمَأْتُ إليه (( [379] ))

وَأَوْمَأَ كَوَمَأَ ، ولاتقل أَوْمَيْتُ . الليث: الإِيماءُ أَن تُومئ برَأْسِكَ أَوْ بيَدِك كما يُومِئ المَرِيضُ برأْسه للرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وقد تَقُولُ العرب : أَوْمَأَ برأْسِه أَي قال لا . قال ذو الرمة:

قِياماً تَذُبُّ البَقَّ، عن نُخَراتِها،         بِنَهْزٍ، كإِيماءِ الرُّؤُوسِ المَوانِع

وقوله، أَنشده الأخفش في كِتابه المَوْسُوم بالقوافي:

إذا قَلَّ مالُ المَرْءِ قَلَّ صَديقُه،         وأَوْمَتْ إليه بالعُيُوبِ الأَصابِعُ

إنما أَراد أَوْمَأَتْ (( [380] ))

ما أدري أَيُّ الوَمى هو أَي أَيٌّ الناسِ هو . وأَوْمَيْتُ: لغة في أَوْمَأْتُ؛ عن ابن قتيبة. الفراء: أَوْمى يُومي ووَمى يَمِي مثل أَوْحى ووَحَى . وفي الحديث: كان يُصَلِّي على حِمار يُومي إيماء ؛ الإيماءُ : الإشارة بالأَعْضاء كالرأْس واليد والعين والحاجب، وإنما يُريد به ههنا الرأْسَ. يقال: أَوْمَأْتُ إِليه أُومئ إِيماء، وومَأْتُ لغة فيه ، ولا تقل أَوْمَيْتُ (( [381] ))  .

ب -

البديع

البَدِيعُ : المُحْدَثُ العَجيب . والبَدِيعُ : المُبْدِعُ. وأَبدعْتُ الشيء : اخْتَرَعْته لأعلى مِثال
والبديعُ : المُبْتَدِع والمُبْتَدَع . وشيء بِدْعٌ، بالكسر ، أَي مُبتدَع . وأَبدْعَ الشاعرُ : جاء
بالبديعِ (( [382] ))

وفي كلامه عن أبي نواس قال :

لو لم يكن له من البَدِيع الغَريبِ الحَسَنِ العَجِيبِ إلا أَرْجُوزَتُه التي هي :

وبَلْدةٍ فيها زَوَرْ

لكانَ في ذلك أَدَلُّ دَلِيلٍ على نُبْلِه وفَضْلِه. وقد شَرَحَها ابن جني رحمه اللّه. وقال، في شرحها، من تقريظ أَبي نُواس وتَفْضِيله ووَصْفِه بمَعْرِفةِ لُغات العرب وأَيَّامِها ومآثِرِها ومَثالِبِها ووقائعِها، وتفرده بفنون الشعر العشرة المحتوية على فنونه، ما لم يَقُلْه في غيرِه (( [383] ))

البلاغة

البَلاغةُ: الفَصاحةُ. والبَلْغُ والبِلْغُ : البَلِيغُ من الرجال . ورجل بَلِيغٌ وبِلْغٌ : حسَنُ
الكلام فَصِيحُه يبلغ بعبارة لسانه كُنْهَ ما في قلبه، والجمعُ بُلَغاءُ ، وقد بَلُغَ ، بالضم ، بَلاغةً
أَي صار بَلِيغاً . وقولٌ بَلِيغٌ : بالِغٌ وقد بَلُغَ . والبَلاغاتْ : كالوِشاياتِ. والبِلَغْنُ : البَلاغةُ ؛ عن السيرافي  (( [384] ))

البيان

روى ابنُ عباس عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: إنّ من البيان لسِحْراً وإنّ
من الشِّعر لحِكَماً قال: البَيان إظهار المقصود بأَبلغ لفظٍ ، وهو من الفَهْم وذكاءِ القلْب مع
اللَّسَن، وأَصلُه الكَشْفُ والظهورُ، وقيل: معناه إن الرجُلَ يكونُ عليه الحقُّ ، وهو أَقْوَمُ بحُجَّتِه
من خَصْمِه، فيَقْلِبُ الحقَّ بِبَيانِه إلى نَفْسِه، لأَن معنى السِّحْر قَلْبُ الشيءِ في عَيْنِ الإنسانِ وليس بِقَلْبِ الأَعيانِ، وقيل: معناه إنه يَبْلُغ من بَيانِ ذي الفصاحة أَنه يَمْدَح الإنسانَ فيُصدَّق فيه حتى يَصْرِفَ القلوبَ إلى قولِه وحُبِّه، ثم يذُمّه فيُصدّق فيه حتى يَصْرِفَ القلوبَ إلى قوله وبُغْضِهِ، فكأَنه سَحَرَ السامعين بذلك، وهو وَجْهُ قوله: إن من البيانِ لسِحْراً . وفي الحديث عن أَبي أُمامة: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: الحياءُ والعِيُّ شُعْبتان من الإيمانِ، والبَذاءُ والبيانُ شُعْبتانِ من النِّفاق؛ أَراد أَنهما خَصْلتان مَنْشَؤهما النِّفاق، أَما البَذاءُ وهو الفُحْشُ فظاهر، وأَما البيانُ فإنما أَراد منه بالذّم التعمُّق في النُّطْق والتفاصُحَ وإظهارَ التقدُّم فيه على الناس وكأَنه نوعٌ من العُجْب والكِبْرِ، ولذلك قال في رواية أُخْرى: البَذاءُ وبعضُ البيان، لأَنه ليس كلُّ البيانِ مذموماً.
وقال الزجاج في قوله تعالى: خَلَق الإنْسان علَّمَه البيانَ؛ قيل إنه عنى بالإنسان ههنا النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، علَّمَه البيان أَي علَّمه القرآنَ الذي فيه بيانُ كلِّ شيء، وقيل: (( [385] ))

وعيِيَ به يَعْيا عِيّاً وعَيَّ ، بالإدغام والتشديد ، مثلُ عَييَ . ومنه حديث الهَدْي : فأَزْحَفَتْ
عليه بالطريق فعَيَّ بشأْنِها أَي عَجَزَ عنها وأَشكل عليه أَمرُها . قال الجوهري : العِيُّ خلافُ
البيانِ (( [386] )) .

ت -

التاكيد

فتح اللام لسكون الهاء وسكون الأَلف قبلها، واختاروا الفتحة لأَنها من جنس الأَلف التي قبلها، فلما تحرَّكت اللام لم يلتق ساكنان فتحذف الأَلف لالتقائهما؛ قال ابن سيده:
فأَما قول الآخر:

إِضْرِبَ عنكَ الهُمُومَ طارِقَها         ضَرْبَك بالسَّوْطِ قَوْنَسَ الفَرَس

فإِنَّ ابن جني قال: هو مَدْفوع مصنوع عند عامة أَصحابنا ولا رواية تثبُت به، وأَيضاً فإِنه ضعيف ساقط في القياس، وذلك لأَن التأْكيد من مواضع الإِطْناب والإِسْهاب فلا يَليق به الحَذْف والاختصار، فإِذا كان السماعُ والقياسُ يدفعان هذا التأْويل وَجَب إِلغاؤه والعُدول إِلى غيره
مما كثر استعماله وصحَّ قياسه. وهَوْلٌ هائلٌ ومَهُول، وكَرِهَها بعضهم، وقد جاء في الشعر
الفصيح (( [387] ))

وفي حديث الأَعرابي الذي جاء يَسأَل عن شرائع الإِسْلام: فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: أَفْلَح وأَبيه إِن صدَق؛ قال ابن الأَثير: هذه كلمة جارية على أَلْسُن العرب تستعملها كثيراً في خِطابها وتُريد بها التأْكيد، وقد نهى النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، أَن يحلِف الرجلُ بأَبيهِ فيحتمل أَن يكون هذا القولُ قبل النهي، ويحتمل أَن يكون جَرى منه على عادة الكلام الجاري على الأَلْسُن، ولا يقصد به القَسَم كاليمين المعفوِّ عنها من قَبيل اللَّغْوِ، أَو أَراد به توكيدَ الكلام لا اليمين، فإِن هذه اللفظة تَجري في كلام العرب على ضَرْبَيْن: التعظيم وهو المراد بالقَسَم المنهِيِّ عنه، والتوكيد كقول الشاعر:

لَعَمْرُ أَبي الواشِينَ، لا عَمْرُ غيرهِمْ،         لقد كَلَّفَتْني خُطَّةً لا أُريدُها

فهذا تَوْكيد لا قَسَم لأَنه لا يَقْصِد أَن يَحْلِف بأَبي الواشين، وهو في كلامهم
كثير (( [388] ))

تقول: رأَيت النسوة جُمَعَ، غير منون ولا مصروف، وهو معرفة بغير الأَلف
واللام ، وكذلك ما يَجري مَجراه منه التوكيد لأَنه للتوكيد للمعرفة، وأَخذت حقّي أَجْمَعَ في توكيد المذكر ، وهو توكيد مَحْض، وكذلك أَجمعون وجَمْعاء وجُمَع وأَكْتعون وأَبْصَعُون وأَبْتَعُون لا تكون إِلا تأْكيداً تابعاً لما قبله لا يُبْتَدأُ ولا يُخْبر به ولا عنه، ولا يكون فاعلاً
ولا مفعولاً كما يكون غيره من التواكيد اسماً مرةً وتوكيداً أُخرى مثل نفْسه وعيْنه
وكلّه (( [389] ))

وفي الحديث: رَجَبُ مُضَرَ الذي بين جُمادَى وشعبانَ؛ قوله : بين جُمادَى
وشعبانَ ، تأْكيد للبَيانِ وإِيضاحٌ له ، لأَنهم كانوا يؤَخرونه من شهر إِلى شهر، فيَتَحَوَّل عن موضعه الذي يَخْتَصُّ به ، فبين لهم أَنه الشهر الذي بين جُمادَى وشعبانَ، لا ما كانوا يسمونه على حِساب النَّسِيءِوإِنما قيل: رَجَبُ مُضَرَ، إِضافة إِليهم، لأَنهم كانوا أَشدّ تعظيماً له من غيرهم، فكأَنهم اخْتَصُّوا به (( [390] ))

وقولهم: كان ذلك في الجاهِلِيَّة الجَهْلاء، هو توكيد للأَول، يشتق له من اسمه ما يؤكد به كما يقال وَتِدٌ واتِدٌ وهَمَجٌ هامِجٌ ولَيْلة لَيْلاء ويَوْمٌ أَيْوَم (( [391] ))

قال ابن كيسان: أَعلم أَن المصدر المنصوب بالفعل الذي اشتُقَّ منه مفعولٌ وهو توكيد
للفعل، وذلك نحو قمت قِياماً وضربته ضَرْباً إِنما كررتهوفي قمتُ دليلٌ لتوكيد خبرك على أَحد
وجهين: أَحدهما أَنك خِفْت أَن يكون من تُخاطِبه لم يَفهم عنك أَوَّلَ كلامك، غير أَنه علم أَنك
قلت فعلت فعلاً، فقلتَ فعلتُ فِعلاً لتردِّد اللفظ الذي بدأْت به مكرَّراً عليه ليكون أَثبت عنده
من سماعه مرَّة واحدة، والوجه الآخر أَن تكون أَردت أَن تؤكد خَبَرَكَ عند مَنْ تخاطبه بأَنك
لم تقل قمتُ وأَنت تريد غير ذلك، فردَّدته لتوكيد أَنك قلتَه على حقيقته، قال: فإِذا وصفته بصفة لو عرَّفتْه دنا من المفعول به لأَن فعلته نوعاً من أَنواع مختلفة خصصته بالتعريف، كقولك قلت قولاً حسناً وقمت القيام الذي وَعَدْتك (( [392] )) .

التثبيج

وثَبَّجَ الكتابَ والكلامَ تَثْبيجاً : لم يبينه ؛ وقيل : لم يأْت به على وجهه . والثَّبَجُ : اضطرابُ الكلام وتَفَنُّنُه . والثَّبَجُ : تَعْمِيَةُ الخَط وتَرْكُ بيانه . الليث : التَّثْبيجُ التخليط . وكتابٌ مُثَبَّجٌ ، وقد ثُبِّجَ تَثْبيجاً (( [393] ))

التخيير

أَوْ: حرف عطف . وأَو: تكون للشك والتخيير، وتكون اختياراً. قال الجوهري : أَو حرف إذا دخل الخبر دلَّ على الشك والإِبهام ، وإِذا دخل الأَمر والنهي دل على التخيير والإباحة، فأَما الشك فقولك: رأَيت زيداً أَو عمراً، والإِبهام كقوله تعالى: وأَنا أَو إِياكم لعلى هدى أَو في ضلال مبين  والتخيير كقولك: كل السمك أَو اشرب اللبن أَي لا تجمع بينهما، والإِباحة كقولك: جالس الحسن أَو ابن سيرين (( [394] ))

الترتيب

تقولون : ما شاءَ اللّهُ وشَئتُ. فأَمَرَهم النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم أَن يقولوا: ما شاءَ اللّه ثم شِئْتُ ... وإنما فَرَق بين قوله ما شاءَ اللّه وشِئتُ ، وما شاءَ اللّه ثم شِئتُ ، لأَن الواو تفيد الجمع دون الترتيب ، وثم تَجْمَعُ وتُرَتِّبُ، فمع الواو يكون قد جمع بَيْنَ اللّهِ وبينه في المَشِيئةِ، ومَع ثُمَّ يكون قد قَدَّمَ مشِيئَة اللّهِ على مَشِيئتِه (( [395] ))

ورد في الحديث : أَنَّ رَجُلاً قال مَنْ يُطِعِ اللهَ ورسُوله فقَدْ رَشَدَ ومنْ يَعْصِهِما فقد غَوى ، فقال له النبي ، صلى الله عليه وسلم : بِئْسَ الخَطِيبُ أَنتَ ، قُلْ : ومَنْ يَعْصِ اللهَ ورسُوله فقد غَوى؛ إِنما ذمَّه لأَنه جمَع في الضَّمِير بين الله تعالى ورسُوله في قوله ومَنْ يَعْصِهِما ، فأَمَرَهُ أَن
يَأْتي بالمُظْهَرِ ليَتَرَتَّب اسم الله تعالى في الذِّكْر قبل اسْم الرَّسُول، وفيه دليل على أَن الواو
تُفِيد التَّرْتِيب (( [396] ))

الفاء : ...... يُعطَف بها وتَدلّ على الترتيب والتعقيب مع الإِشْراك، تقول ضَرَبْت
زَيْداً  فعَمْراً (( [397] ))

الترصيع

وزعم ابن الأَعرابي واللحياني أَنَّ أَبْوِبةً جمع باب من غير أَن يكون إِتباعاً، وهذا نادر، لأَن باياً فَعَلٌ ، وفَعَلٌ لا يكسّر على أَفْعِلةٍ. وقد كان الوزيرُ ابن المَغْربِي يَسْأَلُ عن هذه اللفظة على سبيلِ الامْتِحان ، فيقول: هل تعرف لَفظَةً تُجْمع على أَفْعِلةٍ على غير قياس جَمْعِها المشهور طَلَباً
للازدواج . يعني هذه اللفظةَ وهي أَبْوِبةٌ . قال: وهذا في صناعةِ الشعر ضَرْبٌ من البَدِيع يسمى التَّرْصِيعَ ، قال: ومما يُسْتَحْسَنُ منه قولُ أَبي صَخْرٍ الهُذلِي في صِفَة

مَحْبُوبَتِه: عَذْبٌ مُقَبَّلُها، خَدْل مُخَلْخَلُها      كالدِّعْصِ أَسْفَلُها، مَخْصُورة القَدَمِ

سُودٌ ذَوائبُها، بِيض تَرائبُها،                 مَحْض ضَرائبُها، صِيغَتْ على الكَرَمِ

عَبْلٌ مُقَيَّدُها، حالٍ مُقَلَّدُها،                         بَضّ مُجَرَّدُها، لَفَّاءُ في عَمَمِ

سَمْحٌ خَلائقُها، دُرْم مَرافِقُها              يَرْوَى مُعانِقُها من بارِدٍ شَبِمِ (( [398] ))

التشبيه

قال أَبو ذؤيب يصف قوماً حفروا بئراً، وشبه القبر بالبئر:

وقد أَرْسَلُوا فُرّاطَهُم، فَتَأَثَّلوا         قَلِيباً سَفَاهَا كالإِماءِ القَواعِد

أَراد أَنهم حفروا له قبراً يُدْفَن فيه فسماه قليباً على التشبيه (( [399] ))

وأُذِنَ : شكا أُذُنَه ؛ وأُذُنُ القلبِ والسهمِ والنَّصْلِ كلُّه على التشبيه ، ولذلك قال بعض المُحاجِين : ما ذُو ثلاث آذان يَسْبِقُ الخَيْل بالرَّدَيان ؟ يعني السَّهمَ. وقال أَبو حنيفة : إذا رُكِّبت القُذَذُ على السهم فهي آذانُه . وأُذُنُ كلّ شيء مَقْبِضُه ، كأُذُنِ الكوز والدَّلْو على التشبيه ، وكلُّه
مؤنث (( [400] ))

وامرأَة عَرِيضةٌ أَرِيضةٌ: وَلُودٌ كاملة على التشبيه بالأَرْض (( [401] ))

والإِزارُ المرأَة ، على التشبيه؛ أَنشد ، الفارسي :

كَانَ منها بحيث تُعْكَى الإِزارُ (( [402] ))

تَعدُو المَنايا على أُسامةَ في ال

خِيس، عليه الطَّرْفاءُ والأَسَلُ

والأَسَل : الرِّماح على التشبيه به في اعتداله وطوله واستوائه ودقة أَطرافه (( [403] ))

والأَطُوم: البَقَرةُ، قيل: إِنما سُمِّيت بذلك على التَّشْبيه بالسَّمَكة لغِلَظ جِلْدها؛ وأَنشد الفارسي:

كأَطُومٍ فَقَدَتْ بُرْغُزَها،         أَعْقبَتْها الغُبْسُ منها نَدَما

غَفَلَتْ ثم أَتَتْ تَطْلُبُه،               فإِذا هي بِعِظام وَدَما

وفي قصيدة كعب بن زُهَير يمدح سيدَنا رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم:

وجِلْدُها من أَطُوم لا يُؤَيِّسُهُ

قال ابن الأَثير: الأَطُومُ الزَّرافةُ يَصِفُ جِلْدها بالقُوَّة والمَلاسَةِ، لا يُؤَيِّسه: لا يُؤَثِّر
فيه (( [404] ))

قال : ويروى البحر، بالحاء ، يريد غمرات الدنيا شبهها بالبحر لتحير أَهلها
فيها . والبَحْرُ : الرجلُ الكريمُ الكثيرُ المعروف . وفَرسٌ بَحْرٌ : كثير العَدوِ ، على التشبيه
بالبحر (( [405] ))  .

وبَدْرُ القومِ: سَيِّدُهم ، على التشبيه بالبَدْرِ ، قال ابن أَحمر:

وَقَدْ نَضْرِبُ البَدْرَ اللَّجُوجَ بِكَفِّه         عَلَيْهِ، ونُعْطِي رَغْبَةَ المُتَودِّدِ (( [406] ))

وقد قالوا : رجل بازل ، على التشبيه بالبعير ، وربما قالوا ذلك يعنون به كماله في عقله وتَجْربته ؛ وفي حديث علي بن أَبي طالب ، كرم الله وجهه : بازلُ عامَيْن حَديثٌ سِنِّي يقول : أَنا مستجمع الشباب مستكمل القوة ؛ وذكره ابن سيده عن أَبي جهل بن هشام فقال : قال أَبو جهل ابن هشام:

ما تنكر الحَرْبُ العَوَانُ مني         بازِلُ عامَينِ حَدِيثٌ سِنِّي

قال: إِنما عَنَى بذلك كماله لا أَنه مُسِنٌّ كالبازل ، أَلا تراه قال حديث سنِّي والحديث لا يكون بازلاً (( [407] ))

وأَراد بثوبي زُورٍ هذين الحالَيْن اللَّذَيْنِ ارْتَكَبَهما، واتَّصفَ بهما، وقد سبق أَن الثوبَ يُطلق على الصفة المحمودة والمذمومة ، وحينئذ يصح التشبيه في التثنية لإنه شَبَّه اثنين باثنين ، واللّه
أَعلم (( [408] ))

قول أَبي بكر، رضي الله عنه، في حديث الشَّفاعةِ : إنما نحن حَفْنَةٌ من حَفَناتِ الله؛ أَراد إنَّا على كَثرتِنا قليلٌ يوم القيامة عند الله كالحَفْنةِ أَي يسير بالإضافة إلى مُلْكِه ورحمته، وهي مِلْءُ الكَفِّ على جهة المجاز والتمثيل، تعالى الله عز وجل عن التشبيه؛ وهو كالحديث الآخر: حَثْية من حَثَياتِ رَبِّنا (( [409] ))

وقوله تعالى: حتى يتَبَيَّنَ لكم الخيْطُ الأَبيضُ من الخيطِ الأَسودِ من الفجر؛ يعني بياضَ الصبحِ وسوادَ الليل، وهو على التشبيه بالخَيْطِ لدِقَّته (( [410] ))

وتَرَحَّم عليه: دعا له بالرَّحْمَةِ. واسْتَرْحَمه: سأَله الرَّحْمةَ، ورجل مَرْحومٌ ومُرَحَّمٌ
شدّد للمبالغة. وقوله تعالى: وأَدْخلناه في رَحْمتنا؛ قال ابن جني: هذا مجاز وفيه من الأَوصاف ثلاثة: السَّعَةُ والتشبيه والتوكيد، أَما السَّعَةُ فلأَنه كأَنه زاد في أَسماء الجهات والمحالّ اسم
هو الرَّحْمةُ، وأَما التشبيه فلأنه شَبَّه الرَّحْمةَ وإِن لم يصح الدخول فيها بما يجوز الدخول فيه فلذلك وضعها موضعه، وأَما التوكيد فلأَنه أَخبر عن العَرَضِ بما يخبر به عن الجَوْهر، وهذا تَغالٍ بالعَرَضِ وتفخيم منه إذا صُيِّرَ إِلى حَيّز ما يشاهَدُ ويُلْمَسُ ويعاين، أَلا ترى إِلى قول بعضهم في الترغيب في الجميل: ولو رأَيتم المعروف رجلاً لرأَيتموه حسناً جميلاً ؟ كقول الشاعر:

ولم أَرَ كالمَعْرُوفِ، أَمّا مَذاقُهُ         فحُلْوٌ، وأَما وَجْهه فجميل

فجعل له مذاقاً وجَوْهَراً، وهذا إِنما يكون في الجواهر، وإِنما يُرَغِّبُ فيه وينبه عليه ويُعَظِّمُ من قدره بأَن يُصَوِّرَهُ في النفس على أَشرف أَحواله وأَنْوَه صفاته، وذلك بأَن يتخير شخصاً مجسَّماً لا عَرَضاً متوهَّماً (( [411] ))

قوله كلَّ جُمالِيٍّ عَضِه؛ أَراد كل جُماليَّةٍ ولا يَعْني به الجملَ لأَن الجمل لا يضاف إِلى نفسه، وإِنما يقال في الناقة جُمالِيَّة تشبيهاً لها بالجمل كما قال ذو الرمة:

جُمالِيَّةٌ حَرْفٌ سِنادٌ يَشُلُّها

ولكنه ذكَّره على لفظ كل فقال: كلَّ جُمالِيٍّ عضه. قال الفارسي: هذا من معكوس التشبيه، إِنما يقال في الناقةِ جُماليَّة تشبيهاً لها بالجمل لشدّته وصلابته وفضله في ذلك على الناقة، ولكنهم ربما عكسوا فجعلوا المشبه به مشبهاً والمشبه مشبهاً به، وذلك لِما يريدون من استحكام الأَمر في الشَّبَه، فهم يقولون للناقةِ جُمالِيَّةٌ، ثم يُشْعِرُونَ باستحكام الشَّبَهِ فيقولون للذكر جُمالِيٌّ، ينسبونه إِلى الناقة الجُماليَّة، وله نظائر في كلام العرب وكلام سيبويه؛ أَما كلام العرب فكقول ذي الرمة:

ورَمْلٍ كأَوْراكِ النساءِ اعْتَسَفْتُه،         إِذا لَبَّدَتْهُ السارياتُ الرَّكائِكُ

فشبه الرمل بأَوراك النساء والمعتاد عكس ذلك، وأَما من كلام سيبويه فكقوله في باب اسم الفاعل: وقالوا هو الضاربُ الرجلَ كما قالوا الحَسَنُ الوَجْهَ، قال: ثم دار فقال وقالوا هو الحَسَنُ الوَجْهَ كما قالوا الضاربُ الرجلَ (( [412] ))

والعرب تسمي الناقةَ السوداءَ عُقاباً، على التشبيه (( [413] ))

وفاحت القِدْرُ تَفِيحُ وتَفُوحُ إذا غَلَتْ، وقد أَخرجه مَخْرَجَ التشبيه أَي كأَنه نار جهنم في حرِّها (( [414] ))

وقوله تعالى: واسأَل القرية التي كنّا فيها؛ قال سيبويه: إِنما جاء على اتساع الكلام والاختصار، وإنما يريد أَهل القرية فاختصر وعمل الفعل في القرية كما كان عاملاً في الأَهل لو كان ههنا؛ قال ابن جني: في هذا ثلاثة معانٍ: الاتساع والتشبيه والتوكيد، وأَما الاتساع فإِنه استعمل لفظ السؤال مع ما لا يصح في الحقيقة سؤاله، أَلا تراك تقول وكم من قرية مسؤولة وتقول القرى وتسآلك كقولك أَنت وشأْنُك فهذا ونحوه اتساع، وأَما التشبيه فلأَنها شبهت بمن يصح سؤاله لما كان بها ومؤالفاً لها، وأَما التوكيد فلأَنه في ظاهر اللفظ إِحالة بالسؤال على من ليس من عادته الإِجابة، فكأَنهم تضمنوا لأَبيهم، عليه السلام، أَنه إِن سأَل الجمادات والجِمال أَنبأَته بصحة قولهم، وهذا تَناهٍ في تصحيح الخبر أي لو سأَلتها لأَنطقها الله بصدقنا فكيف لو سأَلت ممن عادته الجواب؟  (( [415] ))

الليث: العرب تقول كذا وكذا، كافهما كاف التشبيه وذا اسم يشار به (( [416] ))

الكَلْبانِ: نجمان صغيران كالمُلْتَزِقَيْن بين الثُّرَيَّا والدَّبَرانِ. وكِلابُ الشتاءِ: نُجومٌ، أَوَّلَه، وهي: الذراعُ والنَّثْرَةُ والطَّرْفُ والجَبْهة؛ وكُلُّ هذه النجومِ، إِنما سميت بذلك على التشبيه
بالكِلابِ (( [417] ))

التهذيب: وأَما كما فإِنها ما أُدخل عليها كاف التشبيه، وهذا أَكثر الكلام، وقد قيل: إِن العرب تحذف الياء من كَيْما فتجعله كما، يقول أَحدهم لصاحبه اسْمع كما أُحَدِّثك، معناه كَيْما أُحَدِّثك (( [418] ))

وقوله:

تَغَلْغَلَ حُبُّ عَثْمةَ في فؤَادي         فَبادِيهِ مع الخافي يَسِيرُ

أَراد فبادِيهِ مضموماً إِلى خافِيه يسِيرٌ، وذلك أَنه لما وصف الحبّ بالتغَلْغُلِ إِنما
ذلك  وصْفٌ يَخُصُّ الجَواهِرَ لا الأَحْداثَ، أَلا تر أَن المتغَلغِلَ في الشيء لا بدَّ أَن يتجاوز مكاناً إِلى آخر؟ وذلك تفرِيغُ مَكانٍ وشُغْلُ مكان، وهذه أَوصاف تخص في الحقيقة الأَعيان لا
الأَحداث، فأَما التشبيه فلأَنه شبه ما لا ينتقل ولا يزول بما ينتقل ويزول، وأما المبالغة والتواليد فإِنه أَخرجه عن ضعف العَرَضِيَّةِ إِلى قوة الجَوْهَرِيَّةِ (( [419] ))

والمَهاةُ: بَقرةُ الوحش، سُمِّيت بذلك لبياضها على التشبيه بالبِلَّورْة والدُّرَّة، فإِذا شُبِّهت
المرأَة بالمَهاةِ في البَياض فإِنما يُعنى بها البِلَّوْرة أَو الدُّرَّة، فإِذا شُبهت بها في العينين فإِنما يُعنى
بها البقرة (( [420] )) .

وقوله تعالى: مَثَل الذين كفروا كمَثَل الذي يَنْعِقُ بما لا يسمع إلا دعاء ونداء؛ قال
الفراء: أضاف المَثَل إلى الذين كفروا ثم شبههم بالراعي ولم يقل كالغنم، والمعنى، والله أعلم، مَثَل الذين كفروا كالبهائم التيلا تَفْقَهُ ما يقول الراعي أكثر من الصوت، فأضاف التشبيه إلى الراعي والمعنى في المَرّعِيّ، قال: ومثله في الكلام فلان يخافك كخوف الأسد، المعنى كخوفِهِ الأسدَ لأَن الأَسد معروف أَنه المَخُوف ، وقال أَبو إسحق: ضرب الله لهم هذا المثل وشبههم بالغنم المَنْعُوق بما لا يسمع منه إلا الصوت، فالمعنى مَثَلُك يا محمد ومَثَلُهم كمثَلَ الناعِقِ والمَنْعُوق بها بما لا يسمع، لأن سمعهم لم يكن ينفعهم فكانوا في تركهم قبولَ ما يسمعون بمنزلة من لم يسمع (( [421] ))

بَنُو فلان يَطَؤُهم الطريقُ أَي أَهلُ الطَريقِ، حكاه سيبويه. قال ابن جني: فيه مِن السَّعةِ إخْبارُكَ عمّا لا يَصِحُّ وطْؤُه بما يَصِحُّ وطْؤُه، فنقول قِياساً على هذا: أَخَذْنا على الطريقِ الواطِئ لبني فلان، ومَررْنا بقوم مَوْطُوئِين بالطَّريقِ، ويا طَريقُ طَأْ بنا بني فلان أَي أَدِّنا اليهم. قال: ووجه التشبيه إخْبارُكَ عن الطَّريق بما تُخْبِرُ بِهِ عن سالكيه، فَشَبَّهْتَه بهم إذْ كان المُؤَدِّيَ له، فَكأَنَّه هُمْ، وأَما التوكيدُ فِلأَنَّك إذا أَخْبَرْتَ عنه بوَطْئِه إِيَّاهم كان أَبلَغَ مِن وَطْءِ سالِكِيه لهم. وذلك أَنّ الطَّريقَ مُقِيمٌ مُلازِمٌ، وأَفعالُه مُقِيمةٌ معه وثابِتةٌ بِثَباتِه ، وليس كذلك أَهلُ الطريق لأَنهم قد يَحْضُرُون فيه وقد يَغِيبُون عنه، فأَفعالُهم أَيضاً حاضِرةٌ وقْتاً وغائبةٌ آخَرَ، فأَيْنَ هذا مما أَفْعالُه ثابِتةٌ مستمرة. ولمَّا كان هذا كلاماً الغرضُ فيه المدحُ والثَّنَاءُ اخْتارُوا له أَقْوى اللَّفْظَيْنِ لأَنه يُفِيد أَقْوَى المَعْنَيَيْن (( [422] ))  .

وقيل: الأَصل في هذا تشبيه الناقة بالجمل، فلما شاع ذلك واطَّرد صار كأَنه أَصل في بابه حتى عادوا فشَبَّهوا الجَمَل بالناقة في ذلك؛ وهذا كقول ذي الرمة:

ورَمْلٍ، كأَوْراك النِّساءِ، قَطَعْتُه         إِذا أَظلمته المُظْلِمات الحَنادِسُ

وهذا من حملهم الأَصل على الفرع فيما كان الفرع أَفاده من الأَصل، ونظائره كثيرة، والعرب تفعل هذا كثيراً، أَعني أَنها إذا شبهت شيئاً بشيء مكَّنَتْ ذلك الشبه لهما وعَمَّت به وجه الحال بينهما، أَلا تراهم لما شبهوا الفعل المضارع بالاسم فأَعربوه تمموا ذلك المعنى بينهما بأَن شبهوا اسم الفاعل بالفعل فأَعملوه؟ ورجل جُمَاليٌّ، بالضم والياء مشددة: ضَخْم الأَعضاء تامُّ الخَلْق على التشبيه بالجَمَل لعظمه (( [423] ))  .

لولا فَوارِسُ من نُعْمٍ وأُسْرَتِهِمْ         يَوْمَ الصُّلَيْفاء، لم يُوفُونَ بالجارِ

قال: لم يوفون، وهو شاذٌّ، وإنما جاز على تشبيه لم بلا إذ معناهما النفي فأثبت النون كما قال الآخر:

أَنْ تَهْبِطِينَ بِلادَ قَوْ         مِ يَرْتَعُونَ من الطِّلاحِ

قال ابن جني: فهذا على تشبيه أَن بما التي بمعنى المصدر في قول الكوفيين؛ قال ابن سيده: فأما على قولنا نحن فإنه أَراد أَنَّ الثقيلة وخفّفها ضرورة، وتقديره أَنك تَهْبِطِين (( [424] ))  .

واقْتِذاء الطير: فَتْحُها عُيونَها وتَغْمِيضُها كأَنها تُجَلِّي بذاك قَذاها ليكون أَبْصَرَ لها، يقال: اقْتَذى الطائرُ إذا فتح عينه ثم أَغمضَ إِغماضة، وقد أَكثرت العرب تشبيه لَمْع البرقِ به فقال شاعرهم محمد بن سَلَمة:

أَلا يا سَنى بَرْقٍ على قُلَل الحِمى         لَهِنَّكَ مِنْ بَرْقٍ عَليَّ كَريمُ

لَمَعْتَ اقْتِذاءَ الطيرِ، والقومُ هُجَّعٌ         فَهَيَّجْتَ أَحْزاناً، وأَنت سَلِيمُ

وقال حميد بن ثور:

خَفَى كاقْتِذاء الطير وَهْناً كأَنَّه         سِراجٌ، إذا ما يَكْشِفُ الليلُ أَظْلما

والقَذى: ما علا الشراب من شيءٍ يسقط فيه، التهذيب: وقال حميد يصف برقاً:

خَفَى كاقتذاء الطير، والليلُ واضِع         بأَوْراقِه، والصُّبْحُ قد كادَ يَلْمَعُ

قال الأَصمعي: لا أَدري ما معنى قوله كاقتذاء الطير، وقال غيره: يريد كما غَمَّضَ الطير عينه من قَذاة وقعت فيها (( [425] )) .

وفي حديث الصدقة: كأَنما يَضَعُها في كفِّ الرحمن؛ قال ابن الأَثير: هو كناية عن محل القَبول والإثابة وإلا فلا كفّ للرحمن ولا جارِحةَ، تعالى اللّه عما يقول المُشَبِّهون عُلُوّاً كبيراً. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: إن اللّه إن شاء أَدخل خلْقه الجنة بكفّ واحدة، فقال النبي، صلى اللّه عليه وسلم: صدق عمر. وقد تكرر ذكر الكف والحفْنة واليد في الحديث وكلُّها تمثيل من غير
تشبيه (( [426] ))

التصريح

والتصريحُ: خلافُ التعريض (( [427] )) .

التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي

حكى أَبو عبيدفي الغَرِيب المصنَّف ورواه عن الزَّيْدِيِّين آخَيْتَ وواخَيتَ وآسَيْتَ ووَاسَيْتَ وآكَلْتَ وواكَلْتَ، ووجه ذلك من جِهة القِياس هو حَمْل الماضي على المُسْتقبل إِذ كانوا يقولون يُواخِي، بقلب الهمزة واواً على التخفيف، وقيل: إِنَّ وَاخاهُ لغة ضعيفة، وقيل: هي بدل (( [428] ))

دَلَفْتُ لها أَوانَئِذٍ بسَهْمٍ         نَحِيضٍ لم تُخَوِّنْه الشُّرُوجُ

قال ابن الأَنباري في إِذْ وإِذا: إِنما جاز للماضي أَن يكون بمعنى المستقبل إذا وقع الماضي صِلَةً لِمُبْهَم غير مُؤَقت، فجَرى مَجْرى قوله: إِنَّ الذين كَفَروا ويَصُدُّون عن سبيل الله؛ معناه إِنَّ الذين يكفرون ويَصُدُّون عن سبيل الله، وكذلك قوله: إِلا الذين تابوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عليهم؛ معناه إِلا الذين يتوبون، قال: ويقال لا تَضْرِب إِلا الذي ضَرَبَك إذا سلمت عليه، فتَجِيء بإِذا لأَنَّ الذي غير مُوَقت، فلو وَقَّته فقال اضْرِبْ هذا الذي ضَرَبَك إِذ سلَّمْتَ عليه، لم يجز إذا في هذا اللفظ لأَن توقيت الذي أَبطل أَن يكون الماضي في معنى المستقبل، وتقول العرب: ما هَلَكَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَه، فإِذا جاؤوا بإِذا قالوا ما هَلَكَ إذا عَرَفَ قَدْرَه، لأَن الفِعل حَدَثٌ عن منكور يراد به الجنس، كأَنَّ المتكلم يريد ما يَهْلِكُ كل امْرِئ إذا عَرَف قَدْرَه ومتى عَرَف قدره، ولو قال إذ عرف قدره لوجب توقيت الخبر عنه وأَن يقال ما هَلَك امْرُؤٌ إِذْ عرَف قدره، ولذلك يقال قد كنتُ صابراً إذا ضَرَبْتَ وقد كنتُ صابراً إِذ ضَربتَ، تَذهب بإِذا إِلى ترْدِيد الفعل تُريد قد كنتُ صابراً كلَّما ضَرَبْتَ، والذي ... (( [429] ))

التعجب

وقد تكرَّر في الحديث لا أَبا لَك، وهو أَكثر ما يُذْكَرُ في ا لمَدْح أَي لا كافيَ لك غير نفسِك، وقد يُذْكَر في مَعْرض الذمّ كما يقال لا أُمَّ لكَ؛ قال: وقد يذكر في مَعْرض التعجُّب ودَفْعاً للعَيْن كقولهم لله دَرُّك، وقد يذكر بمعنى جِدَّ في أَمْرِك وشَمِّر لأَنَّ مَن له أَبٌ اتَّكَلَ عليه في بعض شأْنِه (( [430] ))

وفي خبر ابن مسعود، رضي اللّه عنه: أَنَّ رجلاً اعترض النبي، صلى اللّه عليه وسلم، لَيَسْأَلَه، فصاح به الناسُ، فقال عليه السلام: دَعُوا الرَّجلَ أَرِبَ ما لَه؟ قال ابن الأَعرابي:
 احْتاجَ فسَأَلَ ما لَه. وقال القتيبي في قوله أَرِبَ ما لَه: أَي سَقَطَتْ أَعْضاؤُه وأُصِيبت، قال:
 وهي كلمة تقولها العرب لا يُرادُ بها إذا قِيلت وقُوعُ الأَمْرِ كما يقال عَقْرَى حَلْقَى؛ وقوْلِهم تَرِبَتْ يدَاه. قال ابن الأَثير: في هذه اللفظة ثلاث رِوايات: إحداها أَرِبَ بوزن عَلِمَ، ومعناه
الدُّعاءِ عليه أَي أُصِيبَتْ آرابُه وسقَطَتْ، وهي كلمة لا يُرادُ بها وقُوعُ الأَمر كما يقال تَرِبَتْ
يدَاك وقاتَلكَ اللّهُ، وإنما تُذكَر في معنى التعجب. قال: وفي هذا الدعاء من النبي، صلى اللّه عليه
وسلم، قولان: أَحدهما تَعَجُّبُه من حِرْصِ السائل ومُزاحَمَتِه، والثاني أَنه لَمَّا رآه
بهذه الحال
مِن الحِرص غَلَبه طَبْعُ البَشَرِيَّةِ، فدعا عليه. وقد قال في غير هذا الحديث: اللهم
إنما أَنا بَشَرٌ
فَمَن دَعَوْتُ عليه، فاجْعَلْ دُعائي له رَحْمةً. وقيل: معناه احْتاجَ فسأَلَ، مِن
أَرِبَ الرَّجلُ يَأْرَبُ
إذا احتاجَ، ثم قال ما لَه أَي أَيُّ شيءٍ به، وما يُرِيدُ. قال: والرواية الثانية (( [431] ))

قال ابن بري في تفسير يت كعب بن سعد قال: قوله هَوَتْ أُمُّه، يُسْتَعْمَل على جهة التعَجُّب كقولهم: قاتَله الله ما أَسْمَعه، ما يَبْعَث الصبحُ: ما استفهام فيها معنى التعَجُّب وموضعها نَصْب بيَبْعَث، أيْ أَيُّ شيءٍ يَبعَثُ الصُّبْح من هذا الرجل؟ أَي إذا أَيْقَظه الصُّبح تصرَّف في فِعْل
ما يُريده (( [432] )) .

 

 

 

 

التعريض

التعْرِيضُ: خلاف التصريح. والمَعارِيضُ: التَّوْرِيةُ بالشيء عن الشيء. وفي المثل، وهو حديث مخرّج عن عمران بن حصين، مرفوع: إِنَّ في المَعاريضِ لَمَنْدُوحةً عن الكذب أَي سَعةً؛ المَعارِيضُ جمع مِعْراضٍ من التعريضِ. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: أَمَا في المَعارِيض ما يُغْني المسلم عن الكذب؟ وفي حديث ابن عباس : ما أُحب بمَعارِيضِ الكلام حُمْر النعَم. ويقال: عَرّض الكاتبُ إذا كتب مُثَبِّجاً ولم يبين الحروف ولم يُقَوِّمِ الخَطّ؛ وأَنشد الأَصمعي للشماخ:

كما خَطَّ عِبْرانِيّةً بيَمينه،         بتَيماءَ، حَبْرٌ ثم عَرَّضَ أَسْطُرا

والتَّعْرِيضُ في خِطْبةِ المرأَة في عدّتها: أَن يتكلم بكلام يشبه خِطْبتها ولا يصرّح به، وهو أَن يقول لها: إِنك لجميلة أَو إِن فيك لبقِيّة أَو إِن النساء لمن حاجتي. والتعريض قد يكون بضرب الأَمثال وذكر الأَلغاز في جملة المقال. وفي الحديث: أَنه قال لعَديّ ابن حاتم إِن وِسادَكَ
لعَرِيضٌ، وفي رواية: إِنك لعَريضُ القَفا، كَنى بالوِساد عن النوم لأَن النائم يتَوَسَّدُ أَي إِن نومك لطويل كثير، وقيل: كنى بالوساد عن موضع الوساد من رأْسه وعنقه، وتشهد له الرواية الثانية
فإِنّ عِرَضَ القفا كناية عن السِّمَن، وقيل: أَراد من أَكل مع الصبح في صومه أَصبح عَريضَ القفا لأَن الصوم لا يؤثِّر فيه (( [433] ))

وروى ابن الأَعرابي عن عثمان أَن النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، قال له: إِن اللّه سَيُقَمِّصُك قميصاً وإِنك سَتُلاصُ على خَلْعِهِ فإِياك وخَلْعَه، قال: أَراد بالقميص الخلافة في
هذا
الحديث وهو من أَحسن الاستعارات (( [434] ))  .

قال ابن سيده: عنَى بأَطراف الأَحاديث مُختارها، وهو ما يتعاطاه المحبون ويتَفاوَضُه
ذوو الصبابة المُتَيَّمون من التعريض والتَّلْوِيحِ والإيماء دون التصريح، وذلك أَحْلى وأَخفُّ
وأَغْزَل وأَنسبُ من أَن يكونَ مشافَهة وكشْفاً ومُصارَحة وجهراً (( [435] ))  .

واللَّحْنُ الذي هو التَّعْريض والإِيماء؛ قال القتَّالُ الكلابي:

ولقد لَحَنْتُ لكم لِكَيما تَفْهَموا،         ووَحَيْتُ وَحْياً ليس بالمُرْتابِ

ومنه قوله، صلى الله عليه وسلم، وقد بعث قوماً ليُخْبِرُوه خبَرَ قريش: الْحَنُوا لي لَحْناً، وهو ما روي أَنه بعث رجلين إِلى بعض الثُّغُور عَيْناً فقال لهما: إذا انصرفتما فالْحَنا لي لَحْناً
أَي أَشيرا إِليَّ ولا تُفْصِحا وعَرِّضا بما رأَيتما، أَمرهما بذلك لأَنهما ربما أَخبرا عن
العَدُوِّ ببأْسٍ وقُوَّة، فأَحَبَّ أَن لا يقفَ عليه المسلمون. ويقال: جعَلَ كذا لَحْناً لحاجته إذا  عَرَّضَ ولم
يُصَرِّح (( [436] ))

وإِنك لفي نُدْحةٍ ومَنْدُوحةٍ من كذا أَي سَعَةٍ؛ يعني أَن في التعريض بالقول من الاتساع
ما
يغني الرجلَ عن تَعَمُّدِ ذلك. وفي حديث الحجاج: وادٍ نادِحٌ أَي واسع. الجوهري: النُّدْحُ، بالضم الأَرض الواسعة. والمَنادِحُ: المَفاوِزُ. والمُنْتَدَحُ: المكان الواسع. وفي حديث عمران ابن حُصَيْن: إِن في المَعاريضِ لمَنْدوحةً عن الكذب؛ قال أَبو عبيد: أَي سعة وفُسْحة، الجوهري: ولا تقل مَمْدوحة قال: ومنه قيل للرجل إذا عظم بطنه واتسع: قد انْداحَ بطنه وانْدَحى، لغتان، فأَراد أَن في المَعاريض ما يستغني به الرجل عن الاضطرار إِلى الكذب (( [437] ))  .

التعليق

وفي حديث عليّ، كرم الله وجهه: إِن حِبِّي نهاني أَن أُصلي في أَرض بابِلَ فإِنها ملعونة؛ بابِلُ: هذا الصُّقْع المعروف بأَرض العراق، وأَلفه غير مهموزة؛ قال الخطابي: في إِسناد هذا الحديث مقال، قال: ولا أَعلم أَحداً من العلماء حَرَّمَ الصلاة في أرض بابل، ويشبه إِن ثبت هذا الحديث أَن يكون نهاه أَن يتخذها وَطَناً ومُقاماً، فإِذا أَقام بها كانت صلاته فيها، قال: وهذا من باب التعليق في علم البيان أَو لعل النهي له خاصة، أَلا تراه قال: نهاني؟ ومثله حديثه الآخر: نهاني أَن أَقرأ ساجداً وراكعاً ولا أَقول نهاكم، ولعل ذلك إِنذار منه بما لقي من المحنة بالكوفة، وهي من أَرض بابل (( [438] )) .

وفي الحديث: مَن شَرِبَ الخَمْرَ في الدنيا، لم يَشْرَبها في الآخرة؛ قال ابن الأَثير: هذا
 من باب التَّعْلِيقِ في البيان؛ أَراد: أَنه لم يَدْخُلِ الجنَّةَ، لأَنَّ الجنةَ شرابُ أَهلِها الخمْرُ، فإِذا لم يَشْرَبْها في الآخرة، لم يَكن قد دَخَلَ الجنةَ (( [439] ))  .

 

 

 

التعمية

وعَمِيَ عليه الأَمْرُ: الْتَبَس؛ ومنه قوله تعالى: فعَمِيَتْ عليهمُ الأَنباء يومئذٍ. والتَّعْمِيَةُ: أَنْ تُعَمِّيَ على الإِنْسانِ شيئاً فتُلَبِّسَه عليه تَلْبِيساً. وفي حديث الهجرة: لأُعَمِّيَنَّ على مَنْ وَرائي
من التَّعْمِية والإِخْفاء والتَّلْبِيسِ، حتى لا يَتبعَكُما أَحدٌ. وعَمَّيتُ معنى البيت تَعْمِية، ومنه المُعَمَّى من الشِّعْر وقُرئ: فعُمِّيَتْ عليهم، بالتشديد (( [440] )).

التغليب

ومنه قوله: دَبَّ إِلْيكُم داءُ الأُمَمِ قَبْلَكُم البَغْضاءُ والحَسَدُ، فنَقَل الداءَ من الأَجْسامِ إِلى
المعاني ومنْ أَمْر الدُّنيا إِلى أَمْر الآخِرَةِ، قال: وليست بدَواءٍ وإِن كان فيها دَواءٌ من بعض الأَمْراض
على التَّغْلِيبِ والمبالغة في الذمّ، وهذا كما نقل الرَّقُوبُ والمُفْلِسُ والصُّرَعةُ لضرب من التَّمْثِيل
والتَّخْيِيل (( [441] )) .

التفخيم

وقوله تعالى: وأَنْ لَوِ اسْتَقاموا على الطَّرِيقة؛ أَراد لَوِ استقاموا على طَرِيقة الهُدى، وقيل، على طَريقة الكُفْر، وجاءت معرَّفة بالأَلف واللام على التفخيم، كما قالوا العُودَ للمَنْدَل وإِن كان كل شجرة عُوداً (( [442] )) .

وفي حديث عليّ، رضي اللّه عنه، أَنه مَرَّ بعبد الرحمن ابن عَتَّابِ بنِ أُسَيْدٍ مَقْتُولاً، يوم الجَمل فقال: لَهْفِي عليك، يَعْسُوبَ قُرَيْشٍ، جَدَعْتُ أَنْفي، وشَفَيْتُ نَفْسِي؛ يَعْسُوبُ قريش: سَيِّدُها. شَبَّهه في قُرَيش بالفَحْلِ  في النَّحْلِ. قال أَبو سعيد: وقوله في عبد الرحمن بن أُسَيْدٍ على التَّحْقِير له، والوَضْعِ من قَدْرِه، لا على التفخيم لأَمره. قال الأَزهري: وليس هذا القولُ
بشيء (( [443] ))  .

 

 

 

 

التقديم والتأخير

وقد يكون معناه أَيضاً أخرج المَرْعَى أَحْوى أَي أَخضر فجعله غُثاءً بعد خُضْرته فيكون مؤخراً معناه التقديم. والأَحْوَى: الأَسود من الخُضْرة، كما قال:مُدْهامَّتانِ. النضر (( [444] )) .

وفي التنزيل: الحمد لله الذي أَنزل على عبده الكتاب لم يجعل له عِوَجاً قَيِّماً؛ قال
الفراء: معناه الحمد لله الذي أَنزل على عبده الكتاب قَيِّماً ولم يجعل له عِوَجاً، وفيه تأْخير أُريد
به التقديم (( [445] ))

قال الليث: القَرْقف اسم للخمر ويوصف به الماء البارد ذو الصفاء؛ وقال:

ولا زاد إلا فَضْلتانِ: سُلافةٌ         وأَبيضُ من ماء الغمامةِ قَرْقَفُ

أَراد به الماء. قال الأَزهري: قول الليث إنه يوصف بالقَرقف الماء البارد وهَم. وأَوهَمه بيت الفرزدق، وفي البيت مؤخّر أُريد به التقديم، وذلك الذي شَبّه على الليث، والمعنى فضْلتانِ سلافةٌ قَرْقَفٌ وأَبيضُ من ماء الغَمامة (( [446] )) .

قال أَبو حاتم: وقرأْتُ غريبَ القرآن على أَبي عبيدة فلما أَتيتُ على قولِه: ولقد هَمَّت
به وهَمَّ بها قال أَبو عبيدة: هذا على التقديم والتأْخير كأَنه أَراد: ولقد هَمَّت به، ولولا أَنْ رَأَى
بُرْهانَ (( [447] )) .

عبدِ الله البَجَلي نافر رجلاً من اليَمَن إِلى الأَقْرَع ابن حابس التَّمِيمي حَكَم العرب فقال:

يا أَقْرَعُ بنَ حابسٍ يا أَقْرَعُ         إِنك إِن يُصْرَعْ أَخُوك تُصْرَعُ

فجعل نفسه له أَخاً، وهو مَعَدِّيٌّ، وإِنما رفع تُصْرَع وحقُّه الجزم على إِضمار الفاء كما قال عبد الرحمن ابن حسان:

مَنْ يَفْعَلِ الحَسَناتِ، اللهُ يشكرُها         والشَّرُّ بالشرِّ عندَ الله مِثْلانِ

اي فالله يشكرها، ويكون ما بعد الفاء كلاماً مبتدأً، وكان سيبوبه يقول: هو على تقديم
الخبر كأَنه قال إِنك تُصْرع إِن يصرع أَخوك، وأَما البيت الثاني فلا يختلفون أَنه مرفوع
بإِضمار الفاء (( [448] )) .

وقوله تعالى: يسأَلونك كأَنك حَفِيٌّ عنها؛ قال الزجاج: يسأَلونك عن أَمر القيمة كأَنك
فرحٌ بسؤالهم، وقيل: معناه كأَنك أَكثرت المسأَلة عنها، وقال الفراء: فيه تقديم وتأْخير ، معناه
يسأَلونك عنها كأَنك حفِيٌّ بها؛ قال:ويقال في التفسير كأَنك حَفِيٌّ عنها كأَنك عالم بها ، معناه
حافٍ عالمٍ (( [449] )) .

كأَنَّ أَصْواتَ، من إِيغالِهِنَّ بِنا،         أَواخِرِ المَيْسِ، إِنْقاضُ الفَرارِيجِ

قال الأَزهري: هكذا أَقرأَنِيه المُنْذِري رواية عن أَبي الهيثم، وفيه تقديم أُريد التأْخير، أَراد كأَنَّ أَصواتَ أَواخِرِ المَيْسِ إِنْقاضُ الفراريج إذا أَوْغَلَت الرِّكابُ بنا أَي أَسْرَعَت (( [450] )) .

قول شَبيب بن البَرْصاء:

نُفَلِّقُ، ها مَنْ لم تَنَلْه رِماحُنا         بأَسْيافِنا هامَ المُلوكِ القَماقِمِ

فإِنَّ أَبا سعيد قال: في هذا تقديم معناه التأُخر إِنما هو نُفَلِّقُ بأَسيافنا هامَ المُلوك القَماقِمِ، ثم قال: ها مَنْ لم تَنَلْه رِماحُنا، فها تَنْبِيه (( [451] )) .

التكرير

ومن قرأَ: هذا بَعْلي شيخٌ، ففيه وجوه: أَحدها التكرير كأَنك قلت هذا بعلي هذا شيخ، ويجوز أَن يجعل شيخ مُبِيناً عن هذا، ويجوز أَن يجعل بعلي وشيخ جميعاً خبرين عن هذا فترفعهما جميعاً بهذا كما تقول هذا حُلْوٌ حامض (( [452] ))

وقوله عز وجل: هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ؛ في رفعها ثلاثة أوجه عند النحويين: أَحدها أَنه على إِضمار التكرير كأَنه قال: هذا ما لدي هذا عتيد، ويجوز أَن ترفعه على أَنه خبر بعد خبر، كما تقول هذا حلو حامض، فيكون المعنى هذا شيء لديّ عتيد، ويجوز أَن يكون بإِضمار هو كأَنه قال: هذا ما لديّ هو عتيد، يعني ما كتبه من عمله حاضر عندي، وقال بعضهم قريب (([453] )) .

يقال: رجل جائعٌ نائِعٌ، وقيل: النُّوعُ العطَشُ وهو أَشبه لقولهم في الدّعاء على الإِنسان:
جُوعاً ونوعاً، والفعل كالفعل، ولو كان الجُوع نُوعاً لم يحسن تكريره، وقيل: إذا اختلف اللفظان
جاز التكرير، قال أَبو زيد: يقال جُوعاً له ونُوعاً، وجُوساً له وجُوداً، لم يَزِدْ على هذا، وقيل:
جائِعٌ نائِعٌ أَي جائعٌ، وقيل عطشانُ، وقيل إِتباع كقولك حَسَنٌ بَسَنٌ، قال ابن بري: وعلى
هذا يكون من باب بُعْداً له وسُحقاً مما تَكَرَرَ فيه اللفظانِ المختلفانِ بمعنى، قال: وذلك أَيضاً
تقوية لمن يزعم أَنه إِتباع لأَن الإِتباع أَن يكون الثاني بمعنى الأَوَّل، ولو كان بمعنى العطش
لم يكن إِتباعاً لأَنه ليس من معناه،قال: والصحيح أَنَّ هذا ليس إِتباعاً لأَن الإِتباع لا يكون
بحرف العطف، والآخرُ أَنَّ له معنى في نفسه يُنْطَقُ به مفرداً غير تابع (( [454] ))

التمثيل

التنزيل: فظَلَّت أَعْناقُهم لها خاضِعين؛ قال أَبو عمرو: خاضِعين ليست من صفة الأَعناق
إِنما هي من صفة الكناية عن القوم الذي في آخر الأَعناق فكأَنه في التمثيل: فظلت أَعناق
القوم لها خاضعين، والقوم في موضع هم؛ وقال الكسائي: أَراد فظلت أَعناقُهم خاضِعيها هم كما تقول يدُك باسِطُها، تريد أَنت فاكتفَيْتَ بما ابتدأْت من الاسم أَن تُكَرِّره؛ قال الأَزهري: وهذا
غير ما قاله أَبو عمرو؛ وقال الفراء: الأَعناق إذا خَضَعَت فأَربابها خاضِعُون، فجعل الفعل
أَوّلاً للأَعْناق ثم جعل خاضِعِين للرِّجال، قال: وهذا كما تقول خَضَعْت لك فتكتفي من قولك خَضَعَتْ لك رقبتي. وقال أَبو إِسحق: قال خاضعين وذكَّر الأَعناق لأَن معنى خُضوع الأَعناق هو خضوع أَصحاب الأَعناق، لما لم يكن الخُضوع إِلا خُضوع الأَعناق جاز أَن يخبر عن المضاف إِليه كما قال الشاعر:

رأَتْ مَرَّ السِّنين أَخَذْنَ منِّي         كما أَخَذ السِّرارُ من الهِلالِ

لما كانت السنون لا تكون إِلا بمَرٍّ أَخْبر عن السنين، وإِن كان أَضاف إِليها المرور، قال: وذكر بعضهم وجهاً آخر قالوا: معناه فظلت أَعناقهم لها خاضعين هم وأَضمر هم (( [455] ))

ومنه قوله: دَبَّ إِلْيكُم داءُ الأُمَمِ قَبْلَكُم البَغْضاءُ والحَسَدُ، فنَقَل الداءَ من الأَجْسامِ
إِلى المعاني ومنْ أَمْر الدُّنيا إِلى أَمْر الآخِرَةِ، قال: وليست بدَواءٍ وإِن كان فيها دَواءٌ من بعض الأَمْراضعلى التَّغْلِيبِ والمبالغة في الذمّ، وهذا كما نقل الرَّقُوبُ والمُفْلِسُ والصُّرَعةُ لضرب من التَّمْثِيل والتَّخْيِيل (( [456] ))  .

والمُتَشابِهاتُ: المُتَماثِلاتُ. وتَشَبَّهَ فلانٌ بكذا. والتَّشْبِيهُ: التمثيل. وفي حديث حذيفة :
وذَكَر فتنةً فقال تُشَبَّهُ مُقْبِلَةً وتُبَيِّنُ مُدْبِرَةً؛ قال شمر: معناه أَن الفتنة إذا أَقبلت شَبَّهَتْ على القوم
وأَرَتْهُمْ أَنهم على الحق حتى يدخلوا فيها ويَرْكَبُوا منها ما لا يحل (( [457] )) .

لَهَث الكلب، بالفتح، يَلْهَثُ لَهْثاً ولُهاثاً، بالضم، إذا أَخرج لسانه من التعب
أَو العطش؛ وكذلك الرجل إذا أَعيا. وفي التنزيل العزيز: كَمَثَل الكلب إِن تحمِلْ عليه يلهث أَو تتركه يلهث؛ لأَنك إذا حملتَ على الكلب نبح وولَّى هارباً، وإِن تركته شدَّ عليك ونبح، فيتعب نفسه مقبلاً عليك ومدبراً عنك، فيعتريه عند ذلك ما يعتريه عند العطش من إِخراج اللسان. قال أَبو إِسحق: ضرب الله، عز وجل، للتارك لآياته والعادل عنها أَخَسَّ شيءٍ في أَخَسِّ أَحواله مثلاً، فقال: فمثَله كمثل الكلب إِن كان الكلب لَهْثان، وذلك أَنَّ الكلب إذا كان يلهث، فهو لا يقدر لنفسه على ضرٍّ ولا نفع، لأَن التمثيل به على أَنه يلهث على كل حال، حملْتَ عليه أَو تركتَهُ، فالمعنى فمثَله كمثل الكلب لاهثاً (( [458] )) .

وفي التنزيل العزيز: وكذلك جَعَلْناكم أُمّة وسَطاً؛ قال الزجاج: فيه قولان: قال بعضهم
وسَطاً عَدْلاً، وقال بعضهم خِياراً، واللفظان مختلفان والمعنى واحد لأَن العَدْل خَيْر والخير
عَدْلٌ ، وقيل في صفة النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم: إِنه كان من أَوْسَطِ قومِه أَي خِيارِهم، تَصِف الفاضِلَ النسَب بأَنه من أَوْسَطِ قومه، وهذا يَعرِف حقيقَته أَهلُ اللغة لأَن العرب تستعمل التمثيل كثيراً، فَتُمَثِّل القَبِيلةَ بالوادي والقاعِ وما أَشبهه، فخيرُ الوادي وسَطُه (( [459] )) .

التعريض

والتعْرِيضُ: خلاف التصريح. والمَعارِيضُ: التَّوْرِيةُ بالشيء عن الشيء. وفي المثل، وهو
حديث مخرّج عن عمران بن حصين، مرفوع: إِنَّ في المَعاريضِ لَمَنْدُوحةً عن الكذب
أَي سَعةً؛ المَعارِيضُ جمع مِعْراضٍ من التعريضِ. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: أَمَا في المَعارِيض ما يُغْني المسلم عن الكذب؟ وفي حديث ابن عباس: ما أُحب بمَعارِيضِ الكلام حُمْر
النعَم (( [460] )) .

قال: واسْتَوْرَيْتُ فلاناً رأْياً سأَلته أَن يستخرج لي رأْياً، قال: ويحتمل أَن يكون من التَّوْرِية
عن الشيء، وهو الكناية عنه  (( [461] )) .

التوكيد

والاثْنان: ضعف الواحد. فأَما قوله تعالى: وقال الله لا تتخذوا إِلَهين اثنَين، فمن التطوّع المُشامِ للتوكيد، وذلك أَنه قد غَنِيَ بقوله إِلَهَيْن عن اثنين، وإِنما فائدته التوكيد والتشديد؛ ونظيره
قوله تعالى:ومَنَاة الثالثةَ الأُخرى؛ أَكد بقولة الأُخرى، وقوله تعالى: فإِذا نُفخ في الصور نفخةٌ
واحدةٌ، فقد علم بقوله نفخة أَنها واحدة فأَكد بقوله واحدة (( [462] ))

وقوله تعالى: وأَدْخلناه في رَحْمتنا؛ قال ابن جني: هذا مجاز وفيه من الأَوصاف ثلاثة: السَّعَةُ والتشبيه والتوكيد، أَما السَّعَةُ فلأَنه كأَنه زاد في أَسماء الجهات والمحالّ اسم هو الرَّحْمةُ، وأَما التشبيه فلأنه شَبَّه الرَّحْمةَ وإِن لم يصح الدخول فيها بما يجوز الدخول فيه فلذلك وضعها موضعه
وأَما التوكيد فلأَنه أَخبر عن العَرَضِ بما يخبر به عن الجَوْهر، وهذا تَغالٍ بالعَرَضِ وتفخيم منه إذا صُيِّرَ إِلى حَيّز ما يشاهَدُ ويُلْمَسُ ويعاين (( [463] ))

وقوله عز وجل: ولكن تَعْمَى القُلوب التي في الصُّدُور؛ والقلب لا يكون إِلاَّ في
الصَّدْر إِنما جرى هذا على التوكيد، كما قال عز وجل: يقولون بأَفواههم؛ والقول لا يكون إِلاَّ بالفَمِ لكنه أَكَّد بذلك  (( [464] ))

وقال أَحمد بن يحيى في قوله تعالى: وكَلَّم الله موسى تَكْلِيماً؛ لو جاءت كَلَّمَ الله مُوسَى مجردة لاحتمل ما قلنا وما قالوا، يعني المعتزلة، فلما جاء تكليماً خرج الشك الذي كان يدخل
في الكلام، وخرج الاحتمال للشَّيْئين والعرب تقول إذا وُكِّد الكلامُ لم يجز أن يكون التوكيد
لغواً، والتوكيدُ بالمصدر دخل لإخراج الشك (( [465] ))  .

ماوِيَّ، يا رُبَّتَما غارةٍ         شَعْواء كاللَّذْعةِ بالمِيسَمِ

يريد يا رُبَّتَ غارة، وتجيءُ ما صِلَةً يُريد بها التَّوْكِيدَ كقول الله عز وجل: فبِما نَقْضِهم مِيثاقَهُم؛ المعنى فبِنَقْضِهم مِيثاقَهم، وتجيء مصدراً كقول الله عز وجل: فاصْدَعْ بما تؤمر؛ أَي فاصْدَعْ بالأَمر، وكقوله عز وجل: ما أَغْنى عنه مالُه وما كَسَبَ؛ أَي وكَسْبُه (( [466] ))

وإنِّي، وتَهْيامِي بعَزَّةَ، بَعْدَما         تَخَلَّيْتُ مِمَّا بَيْنَنا وتَخَلَّتِ

قال ابن جني: سأَلت أَبا عليٍّ فقلت له: ما موضعُ تَهْيامي من الإعراب؟ فأَفْتَى بأَنه مرفوع بالابتداء ، وخبرُه قولُه بِعَزّة، وجعل الجملة التي هي تَهْيامِي بعزّة اعتراضاً بين إنّ وخبرِها لأن في هذا أَضْرُباً من التشديد للكلام ، كما تقول: إنّك، فاعْلَم، رجلُ سَوْءٍ وإنه، والحقَّ أَقولُ ، جَمِيلُ المَذْهَب، وهذا الفصلُ والاعتراض الجاري مَجْرى التوكيد كثيرٌ في كلامهم، قال: وإذا جازَ الاعتراض بين الفعل والفاعل في نحو قوله:

وقد أَدْرَكَتْني، والحَوادِثُ جَمّةٌ،         أَسِنّةُ قَوْمٍ لا ضِعافٍ، ولا عُزْلِ

كانَ الاعتراضُ بين اسم إنّ وخبرها أَسْوَغَ، وقد يحتمل بيتُ كُثَيّر أَيضاً تأْويلاً آخرَ
غير ما ذهب إليه أَبو عليّ، وهو أَن يكون تَهْيامِي في موضع جرٍّ على أَنه أَقْسَم به كقولك: إنّي
وحُبِّك، لَضنِينٌ بك ، قال ابن جني: وعَرَضْتُ هذا الجوابَ على أَبي عليّ فتقبَّله، ويجوز أن يكون تَهْيامي أَيضاً مُرْتَفِعاً بالابتداء، والباء متعلقة فيه بنفس المصدر الذي هو التَّهْيامُ (( [467] ))

وَكَّدَ العَقْدَ والعَهْدَ: أَوثَقَه، والهمز فيه لغة. يقال: أَوْكَدْتُه وأَكَّدْتُه وآكَدْتُه إِيكاداً،
وبالواو أَفصح، أَي شَدَدْتُه، وتَوَكَّدَ الأْمر وتأَكَّدَ بمعنىً. ويقال: وَكَّدْتُ اليَمِينَ، والهمْزُ في العَقْد
أَجْوَدُ، وتقول: إذا عَقَدْتَ فأَكِّدْ، وإِذا حَلَفْتَ فَوَكِّدْ. وقال أَبو العباس: التوكيدُ دخل في الكلام لإِخراج الشَّكّ وفي الأَعْدادِ لإِحاطةِ الأَجْزاء، ومن ذلك ن تقول؛ كلَّمني أَخوك، فيجوز أَن يكون كلمك هو أَو أَمَر غلامه بأَن يكلمك ، فإِذا قلت كلمني أَخوك تَكْليماً لم يجز أَن يكون المكلّم
لك إلا هو. ووَكَّدَ الرَّحْلَ والسَّرْجَ توكيداً: شَدَّه (( [468] )) .

 

 

 

ج -

الجحد

المبرد وثعلب: العرب إذا جاءت بين كلامين بجحدين كان الكلام إِخباراً، قالا: ومعنى
الآية إِنما جعلناهم جسداً ليأْكلوا الطعام، قالا: ومثله في الكلام ما سمعت منك ولا أَقبل منك
معناه إِنما سمعت منك لأَقبل منك، قالا: وإِن كان الجحد في أَول الكلام كان الكلام مجحوداً جحداً حقيقياً، قالا: وهو كقولك ما زيد بخارج؛ قال الأَزهري: جعل الليث قول الله
عز وجل: وما جعلناهم جسداً لا يأْكلون الطعام كالملائكة، قال: وهو غلط ومعناه الإِخبار كما قال (( [469] ))

وقال بعضهم في قوله: ما هَيَّدَ عن شَتْمِي، قال: لا يُنْطَقُ بِيَهِيدُ في المستقبل منه إِلا مع حرف الجحد (( [470] ))

والحَبَضُ: التحرُّك. وما له حَبَضٌ ولا نَبَضٌ، محرَّك الباء، أَي حركة، لا يستعمل إِلا في
الجحد؛ الحَبَضُ: الصوت (( [471] ))

قال ابن بري: وقولهم لم يَحْلَ بطائل أَي لم يظفر ولم يستفد منها كبيرَ فائدة، لا يُتكَلَّم به إلا مع الجَحْد، وما حَلِيتُ بطائل لا يُستعمل إلا في النفي، وهو من معنى الحَلْيِ
والحِلْية (( [472] )) .

ح –

الحذف

وفي حديث ابن مسعود: أَن امرأَته سأَلته أَن يَكْسُوَها جِلْباباً فقال: إني أَخشى أَن تَدَعي جِلْبابَ الله الذي جَلْبَبَكِ، قالت: وما هو؟ قال: بيتُك، قالت: أَجَنَّك من أَصحابِ محمدٍ
تقول هذا؟ تريد أَمِنْ أَجلِ أَنك، فحذفت مِنْ واللامَ والهمزة وحرَّكت الجيم بالفتح والكسره
والفتحُ أَكثر، وللعرب في الحذف بابٌ واسع كقوله تعالى: لكنا هو الله ربي، تقديره لكني أَنا هو اللهُ ربي، والله أَعلم (( [473] )) .

كثر الحذف في كلامهم كما حذفوا أَلف احمَرَّ وأَلف عُلَبِطٍ وواو غَدٍ، وكذلك فعلوا
بقولهم بَلِيّة كأَنها بالية بمنزلة العافية، ولم يحذفوا لا أُبالي لأَن الحذف لا يقوى هنا ولا يلزمه
حذف، كما أَنهم إذا قالوا لم يكن الرجل فكانت في موضع تحرك لم تحذف، وجعلوا الأَلف تثبت
مع الحركة، أَلا ترى أَنها لا تحذف في أُبالي  في غير موضع الجزم، وإنما تحذف في الموضع الذي تحذف منه الحركة؟ (( [474] ))

وفي حديث التلبية: لبَّيْك حَقّاً حقّاً أي غير باطل، وهو مصدر مؤكد لغيره أي
أنه أكَّد به معنى ألزَم طاعتَك الذي دلّ عليه لبيك، كما تقول: هذا عبد الله حقّاً فتؤَكِّد به وتُكرِّرُه لزيادة التأْكيد، وتَعَبُّداً مفعول له وحكى سيبويه: لَحَقُّ أنه ذاهب بإضافة حقّ إلى أنه كأنه قال: لَيقِينُ ذاك أمرُك، وليست في كلام كل العرب، فأمرك هو خبر يقينُ لأنه قد أضافه إلى ذاك وإذا أضافه إليه لم يجز أن يكون خبراً عنه، قال سيبويه: سمعنا فصحاء العرب يقولونه، وقال الأَخفش: لم أسمع هذا من العرب إنما وجدناه في الكتاب ووجه جوازِه، على قِلَّته، طول الكلام بما أضيف هذا المبتدأ إليه، وإذا طال الكلام جاز فيه من الحذف ما لا يجوز فيه إذا قصُر، ألا ترى إلى ما حكاه الخليل عنهم: ما أنا بالذي قائل لك شيئاً؟ ولو قلت: ما أنا بالذي قائم
لقَبُح (( [475] )) .

أَن الحذف اتساع، والاتساعبابه آخِرُ الكلام وأَوسطُه، لا صدره وأَوّله، أَلا ترى أَن من اتسع بزيادة كان حشواً أَو آخراًرلا يجيز زيادتها أَوّلاً؛ والآخر أَنه لو كان تقديره الناقة وراكب
الناقة طليحان كان قد حذفرحرف العطف وبَقَاء المعطوفِ به، وهذا شاذ، إِنما حكى منه أَبو
عثمان: أَكلت خبزاًرسمكاً تمراً (( [476] ))

قول الآخر:

إِضْرِبَ عنكَ الهُمُومَ طارِقَها         ضَرْبَك بالسَّوْطِ قَوْنَسَ الفَرَس

فإِنَّ ابن جني قال: هو مَدْفوع مصنوع عند عامة أَصحابنا ولا رواية تثبُت به، وأَيضاً
فإِنه ضعيف ساقط في القياس، وذلك لأَن التأْكيد من مواضع الإِطْناب والإِسْهاب فلا يَليق
به الحَذْف والاختصار، فإِذا كان السماعُ والقياسُ يدفعان هذا التأْويل وَجَب إِلغاؤه والعُدول
إِلى غيره مما كثر استعماله وصحَّ قياسه. وهَوْلٌ هائلٌ ومَهُول، وكَرِهَها بعضهم، وقد جاء في الشعر الفصيح (( [477] ))  .

حسن التضمين

قول الرَّبيعِ بن ضَبُعٍ الفَزَاري:

أَصْبَحْتُ لا أَحْمِلُ السلاحَ، ولا         أَملك رأْس البعيرِ، إن نَفَرا

والذئبَ أَخْشاه، إن مَرَرْتُ به      وَحْدِي، وأَخْشَى الرياحَ والمَطَرا.

فنَصْبُ العرب الذِّئْبَ هنا، واختيارُ النحويين له من حيث كانت قبله جملة مركبة
من فعل وفاعل، وهي قوله لا أَملك، يدلك على جريه عند العرب والنحويين جميعاً مجرى قولهم: ضربت زيداً وعمراً لقيته، فكأَنه قال: ولقيت عمراً لتتجانس الجملتان في التركيب، فلولا أَن البيتين جميعاً عند العرب يجريان مجرى الجملة الواحدة لما اختارت العرب والنحويون جميعاً نصب الذئب، ولكن دل على اتصال أَحد البيتين بصاحبه وكونهما معاً كالجملة المعطوف بعضها على بعض، وحكم المعطوف والمعطوف عليه أَن يجريا مجرى العقدة الواحدة، هذا وجه القياس في حسن التضمين، إلا أَن بإِزائه شيئاً آخر يقبح التضمين لأَجله، وهو أَن أَبا الحسن وغيره قد قالوا: إِن كل بيت من القصيدة شعر قائم بنفسه، فمن هنا قَبُحَ التضمين شيئاً، ومن حيث ذكرنا من اختيار النصب في بيت الربيع حَسُنَ، وإذا كانت الحال على هذا فكلما ازدادت حاجة البيت الأَول إلى الثاني واتصل به اتصالاً شديداً كان أَقبح مما لم يحتج الأَول إلى الثاني هذه الحاجة؛ قال: فمن أَشدَّ التضمين قول الشاعر روي عن قُطْرُب وغيره:

وليس المالُ، فاعْلَمْهُ، بمالٍ         من الأَقْوامِ إلا للَّذِيِّ

يُرِيدُ به العَلاءَ ويَمْتَهِنْهُ         لأَقْرَبِ أَقْرَبِيه، وللقَصِيِّ.

فضَمَّنَ بالموصول والصلة على شدة اتصال كل واحد منهما بصاحبه؛ وقال النابغة:

وهم وَرَدُوا الجِفارَ على تميمٍ

وهم أَصحابُ يومِ عُكاظَ، إنِّي

شَهِدْتُ لهم مَواطِنَ صادِقاتٍ

أَتَيْتُهُمُ بِوُدِّ الصَّدْرِ مِنِّي

وهذا دون الأَول لأَنه ليس اتصالُ المخبر عنه بخبره في شدة اتصال الموصول بصلته؛ ومثله قول القُلاخ لسَوَّار بن حَيّان المَنْقَريّ:

ومثل سَوَّارٍ ردَدْناه إلى

إدْرَوْنِه ولُؤْمِ إصِّه على

أَلرَّغْمِ مَوْطوءَ الحِمى مُذَلَّلا (( [478] ))

الحقيقة

أَمَّا، بالفتح، فهو لافتتاح الكلام ولا بد من الفاء في جوابه تقول: أَما عبد الله فقائم، قال: وإِنما احتيج إِلى الفاء في جوابه لأَن فيه تأويل الجزاء كأَنك قلت مهما يكن من شيء فعبد الله قائم. قال: وأَمَا، مخفف، تحقيق للكلام الذي يتلوه، تقول: أَمَا إِن زيداً عاقل، يعني أَنه عاقل على الحقيقة لا على المجاز.وتقول: أَمَا والله قد ضرب زيد عمراً (( [479] )) .

وفي الحديث: الذي يشرب في الإِناء الفضة والذهب إِنما يُجَرْجِرُ في بطنه نار جهنم ؛ أَي يَحْدُرُ فيه، فجعل الشُّرْبَ والجَرْعَ جَرْجَرَةً، وهو صوت وقوع الماء في الجوف؛ قال ابن الأَثير:
قال الزمخشري: يروى برفع النار والأَكثر النصب. قال: وهذا الكلام مجاز لأَن نار جهنم على الحقيقة لا تُجَرْجِرُ في جوفه (( [480] )) .

الخبر

وفي الحديث: لا يَزْني الزاني وهو مُؤْمِنٌ؛ قيل: معناه النَّهْي وإن كان في صورة
الخبر (( [481] ))

وأَوْ: حرف عطف. وأَو: تكون للشك والتخيير، وتكون اختياراً. قال الجوهري : أَو حرف إذا دخل الخبر دلَّ على الشك والإِبهام، وإِذا دخل الأَمر والنهي دل على التخيير والإباحة، فأَما الشك فقولك: رأَيت زيداً أَو عمراً، والإِبهام كقوله تعالى: وأَنا أَو إِياكم لعلى هدى أَو في ضلال مبين ؛ والتخيير كقولك: كل السمك أَو اشرب اللبن أَي لا تجمع بينهما، والإِباحة كقولك: جالس الحسن أَو ابن سيرين، وقد تكون بمعنى إِلى أَن، تقول: لأَضربنه أَو يتوبَ، وتكون بمعنى بل في توسع الكلام؛ قال ذو الرمة:

بَدَتْ مثل قَرْنِ الشمسِ في رَوْنَقِ الضُّحَى      وصُورَتِها، أَو أَنتِ في العَينِ أَمْلَحُ

يريد : بل أَنت. وقوله تعالى: وأَرسلناه إِلى مائة أَلف أَو يزيدون؛ قال ثعلب: قال الفراء
بل يزيدون، قال: كذلك جاء في التفسير مع صحته في العربية، وقيل: معناه إِلى مائة أَلف عند الناس أَو يزيدون عند الناس  وقيل:أَو يزيدون عندكم فيجعل معناها للمخاطبين أَي هم (( [482] ))

وفي حديث الجهاد: إذا بُيِّتُّمْ فقولوا حاميم لا يُنْصَرون؛ قال ابن الأثير: قيل معناه اللهم
لا يُنْصَرُون، قال: ويُرِيدُ به الخَبرَ لا الدُّعاء لأَنه لو كان دعاء لقال لا يُنصروا مجزوماً فكأنه قال
والله لا يُنصرون (( [483] ))

ابن سيده: قوله، صلى الله عليه وسلم، إنَّ مما أَدرَك الناسُ من كلام النبوَّة إذا لم تَسْتَحِ
فاصْنَعْ ما شئتأَي من لم يَسْتَحِ صَنَعَ ما شاء على جهة الذمِّ لتَرْكِ الحَياء، وليس يأْمره بذلك ولكنه أَمرٌ بمعنى الخَبَر، ومعنى الحديث أَنه يأْمُرُ بالحَياء ويَحُثُّ عليه ويعيب تركه (( [484] ))

وفي الحديث: إذا لم تَسْتَحْيِ فاصْنَعْ ما شئتَ؛ قال جرير: معناه أَن يريد الرجل أَن يَعْمَلَ
الخيرَ فَيَدَعَه حَياء من الناس كأَنه يخاف مذهب الرياء، يقول فلا يَمْنَعَنك الحَياءُ من المُضِيّ
لما أَردت؛ قال أَبو عبيد: والذي ذهب إِليه جرير معنى صحيح في مذهبه ولكن الحديث لا تدل
سِياقتُه ولا لفظه على هذا التفسير، قال: ووجهه عندي أَنه أَراد بقوله إذا لم تَسْتَحْي فاصنع ما شئت إِنما هو من لم يَسْتَحِ صَنَعَ ما شاء على جهة الذمّ لترك الحياء ولم يرد بقوله فاصنع ما شئت أَن يأْمر بذلك أَمراً، ولكنه أَمرٌ معناه الخبر كقوله ، صلى الله عليه وسلم: من كذب عليّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه من النار، والذي يراد من الحديث أَنه حَثَّ على الحياء، وأَمرَ به وعابَ تَرْكَه؛ وقيل: هو على الوعيد والتهديد اصنع ما شئت فإِن الله مجازيك، وكقوله تعالى: اعملوا ما شئتم، وذكر ذلك كله مستوفى في موضعه؛ وأَنشد:

إِذا لَمْ تَخْشَ عاقِبةَ اللّيالي         ولمْ تَسْتَحْي، فاصْنَعْ ما تشاءُ

وهو كقوله تعالى: فمن شاء فَلْيُؤْمِنْ ومن شاء فَلْيَكْفُرْ (( [485] )) .

وفي التنزيل: والوالِداتُ يُرْضِعْن أَولادهن حولين كاملين؛ اللفظ لفظ الخبر والمعنى معنى
الأَمر كما تقول: حسبُك درهم، ولفظه الخبر ومعناه معنى الأَمر كما تقول: اكْتفِ بدرهم ، وكذلك معنى الآية: لتُرْضِع الوالداتُ (( [486] )) .

وفي الحديث لما قرأ: ولتنظُرْ نفسٌ ما قدَّمت لِغدٍ، قال: تصَدَّق رجل من دينارِه
ومن دِرْهمِه ومن ثوبه أَي ليتصدق، لفظه الخبر ومعناه الأَمر كقولهم أَنجز حُرٌّ ما وعد أَي
ليُنْجِزْ (( [487] )) .

قال الشاعر:

صلَّى، على يَحْيَى وأَشْياعِه،         ربُّ كريمٌ وشفِيعٌ مطاعْ

معناه ترحَّم الله عليه على الدعاءِ لا على الخبرِ (( [488] )) .

عليّ ثم فسر فقال: أَن عَبَّدْتَ بني إِسرائيل، فجعله بدلاً من النعمة؛ قال أَبو العباس:
وهذا غلط لا يجوز أَن يكون الاستفهام مُلْقىً وهو يُطْلَبُ، فيكون الاستفهام كالخبر؛ وقد
استُقْبِحَ ومعه أَمْ وهي دليل على الاستفهام، استقبحوا قول امرئ القيس:تروحُ مِنَ الحَيِّ أَم تَبْتَكِرْ
قال بعضهم: هو أَتَروحُ مِنَ الحَيِّ أَم تَبْتَكِر فحذفُ الاستفهام أَولى والنفي تام؛ وقال أَكثرهم :
الأَوّل خبر والثاني استفهام فأَما وليس معه أَم لم يقله إِنسان. قال أَبو العباس: وقال الفراء: وتلك
نعمة تمنها عليّ، لأَنه قال وأَنت من الكافرين لنعمتي أَي لنعمة تربيتي لك فأَجابه فقال: نعم
هي نعمة عليّ أَن عبَّدْت بني إسرائيل ولم تستعبدني، فيكون موضع أَن رفعاً ويكون نصباً وخفضاً  
من رفع ردّها على النعمة كأَنه قال وتلك نعمة تمنها عليّ تَعْبِيدُك بني إِسرائيل ولم تُعَبِّدْني، ومن خفض أَو نصب أَضمر اللام؛ قال الأَزهري: والنصب أَحسن الوجوه؛ المعنى: أَن فرعون لما قال لموسى: أَلم نُرَبِّك فينا وليداً ولبثت فينا من عُمُرِكَ سنين، فاعْتَدَّ فرعون على موسى بأَنه ربَّاه وليداً منذُ وُلدَ إِلى أَن كَبِرَ فكان من جواب موسى له: تلك نعمة تعتدّ بها عليّ لأَنك عبَّدْتَ بني إِسرائيل، ولو لم تُعَبِّدْهم لكَفَلَني أَهلي ولم يُلْقُوني في اليمّ، فإِنما صارت نعمة لما أَقدمت عليه مما حظره الله عليك؛ قال أَبو إِسحق: المفسرون أَخرجوا هذه على جهة الإِنكار أَن تكون تلك نعمة، كأَنه قال: وأَيّ نعمة لك عليّ في أَن عَبَّدْتَ بني إِسرائيل، واللفظ لفظ خبر؛ قال: والمعنى يخرج على ما قالوا على أَن لفظه لفظ الخبر وفيه تبكيت المخاطب، كأَنه قال له: هذه نعمة أَنِ اتَّخَذْتَ بني إِسرائيلَ عَبيداً ولم تتخذني عبداً (( [489] )) .

وفي حديث أَبي الدرداء: وجَدْتُ الناسَ اخْبُرْ تَقْلِهْ؛ القِلَى: البُغْضُ، يقول: جَرِّب الناس
فإِنك إذا جرّبتهم قليتهم وتركتهم لما يظهر لك من بَواطِن سرائرهم، لفظه لفظ الأَمر ومعناه الخبر
أَي من جرَّبهم وخبرهم أَبغضهم وتركهم، والهاء في تقله للسكت، ومعنى نظم الحديث وجدت الناس مقولاً فيهم هذا القول (( [490] ))

الخطاب

وقوله: أَم حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الكَهْفِ؛ الخطابُ للنبي، صلى اللّه عليه وسلم، والمراد
الأُمة (( [491] )) .

د

الدلالة

في حديث الدعاء: اللهم إني أَعوذُ برضاكَ من سَخَطِكَ وبمُعافاتِكَ من عُقوبَتِكَ، وأَعوذُ
بك منك لا أُحْصي ثَناءً عليك أَنت كما أَثْنَيْتَ على نفسك، وفي رواية: بَدأَ بالمُعافاة ثم بالرّضا
قال ابن الأَثير: إنما ابتدأَ بالمُعافاة من العقوبة لأَنها من صفات الأَفعال كالإماتة والإحياء
والرِّضا؛ والسَّخَطُ من صفات القلب، وصفاتُ الأَفعال أَدْنى رُتبةً من صفات الذات، فبدأَ
بالأَدْنى مُتَرَقِّياً إلى الأَعلى، ثم لمَّا ازداد يقيناً وارْتَقى تَرَكَ الصفاتِ وقَصَر نظره على الذات فقال أَعوذ بك منك، ثم لمَّا ازداد قرباً اسْتَحيْا معه من الاسْتِعاذة على بساط القُرْب فالْتَجأَ إلى الثَّناءِ فقال لا أُحْصي ثَناءً عليك، ثم علم أَن ذلك قُصورٌ فقال أَنت كما أَثْنَيْت على نفسِك؛ قال: وأَما على الرواية الأُولى فإنما قدم الاستعاذة بالرِّضا على السَّخَط لأَن المُعافاة من العُقوبة تحصل بحصول الرضا، وإنما ذكرها لأَن دلالة الأُولى عليها دلالة تضمن، فأَراد أن يدل عليها دلالة مطابقة فكنى عنها أَولاً ثم صرح بها ثانياً، ولأَن الراضِيَ قد يعاقِب للمصلحة أَو لاستيفاء حقِّ الغير (( [492] )) .

 

س -

السجع

قال الأَزهري ولا يقال أَبْصعون حتى يتقدَّمه أَكتعون فإِن قيل فلمَ اقتصروا على إِعادة
العين وحدها دون سائر حروف الكلمة ؟ قيل لأَنها أَقوى في السجعة من الحرفين اللذين قبلها وذلك لأَنها لام الكلمة وهي قافية لأَنها آخر حروف الأَصل فجيء بها لأَنها مَقْطَع الأُصول والعمل في المُبالغة والتكرير إِنما هو على المَقطع لا على المَبدإِ ولا على المَحْشَإِ أَلا ترى أَن العناية في الشعر إِنما هي بالقَوافي لأَنها المَقاطِعُ وفي السجع كمثل ذلك ؟ وآخر السجعة والقافية عندهم أَشرف من
أَوَّلها والعِنايةُ به أَمَسُّ ولذلك كلما تَطَرَّفَ الحرف في القافية ازدادوا عِناية به ومُحافظة على
حكْمه (( [493] ))

في حديث الجَنين إِنما هذا من إِخوان الكُهَّان إِنما قال له ذلك من أَجل سَجْعِه الذي سَجَع
ولم يَعِبْه بمجرّد السَّجْع دون ما تضمَّن سَجْعُه من الباطل فإِنه قال كيف نَدِيَ من لا أَكَلَ ولا شَرِب ولا اسْتَهلَّ ومثل ذلك يُطَلّ وإِنما ضرَب المثل بالكُهَّان لأَنهم كانوا يُرَوِّجون أَقاويلهم الباطلة بأَسجاع تروق السامعين ويسْتَمِيلون بها القلوب ويَستصغون إِليها الأَسْماع فأَما إِذا وَضَع السَّجع
في مواضعه من الكلام فلا ذمَّ فيه وكيف يُذَمُّ وقد جاءَ في كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً (( [494] )) .

ظ -

الظرف

وابن الأَعرابي: الظَّرِيف البَلِيغ الجَيِّد الكلام، وقالا: الظَّرْف في اللسان، واحتجا بقول عمر في الحديث: إذا كان اللِّصُّ ظَريفاً لم يُقْطع؛ معناه إذا كان بَلِيغاً جيِّد الكلام احتج عن نفسه بما يُسقط عنه الحَدَّ، وقال غيرهما: الظَّريف الحسَنُ الوجه واللسان، يقال: لسان ظَرِيف ووجه ظريف، وأَجاز: ما أَظْرَفُ زيدٍ، في الاستفهام: أَلسانه أَظْرَفُ أَم وجهه؟ والظَّرفُ في اللسان البلاغةُ، وفي الوجه الحُسْنُ، وفي القلب الذَّكاء. ابن الأعرابي: الظرْفُ في اللسانِ، والحَلاوةُ في العينين، والملاحةُ في الفم (( [495] )) .

ع -

العام والخاص

قول جرير إذا قِيلَ هذا البَيْنُ راجعْتُ عَبْرةً لها بِجُرُبّانِ البَنيقةِ واكِفُ وإِنما أَضاف الجربان
إلى البنيقة وإِن كان إياها في المعنى ليُعلم أنهما بمعنى واحد وهذا من باب إضافة العامّ إلى الخاصّ كقولهم عِرْقُ النَّسا وإن كان العرق هو النسا من جهة أَنّ النسا خاصّ والعِرق عامّ لا يخصُّ النسا
من غيره ومثل ذلك حبْل الوَرِيد وحبّ الحَصِيد وثابتُ قُطْنةَ لأَن قُطنة لقبه وكان يجعل في أنفه
قطنة فيصير أَعرف من ثابت ولما كان الجربان عامّاً ينطلق على البنيقة وعلى غِلاف السيف وأُريد
به البنيقة أضافَه إلى البنيقة ليُخصِّصة بذلك قال ومثل بيت جرير قول ابن الرِّقاع كأَنَّ زُرُورَ
القُبْطُرِيَّةِ عُلِّقَتْ بَنادِكُها منه بِجِذْعٍ مُقَوَّمِ والبَنادِكُ البنائق (( [496] ))

وفي حديث عُقْبة بن عامر أَسْلم الناسُ وآمَنَ عمرُو بن العاص كأَنَّ هذا إشارةٌ إلى جماعةٍ
آمَنوا معه خوفاً من السيف وأنَّ عَمْراً كان مُخْلِصاً في إيمانه وهذا من العامّ الذي يُرادُ
به الخاصّ (( [497] ))

 

وقوله عز وجل وأَنزلنا عليكَ الكتاب تِبْياناً لكلّ شيءٍ أَي بُيِّن لك فيه كلُّ ما تحتاج إليه
أَنت وأُمتُك من أَمر الدِّين وهذا من اللفظ العامِّ الذي أُريد به الخاصُّ (( [498] ))

وقول أَبي ذؤيب ثم انْتَهَى بَصَرِي عَنْهُم وقَدْ بَلَغُوا بَطْنَ المَخِيمِ فقالُوا الجَوَّ أَو راحُوا قال
ابن سيده المَخِيمُ والجَوُّ موضعان فإِذا كان ذلك فقد وضَعَ الخاصَّ موضع العام كقولنا ذَهَبْتُ
الشامَ (( [499] ))

العطف

قال كثير عزة :

وقد أَزْجُرُ العَرْجاءَ أَنْقَبُ خُفُّها ... مَناسِمُها لا يَسْتَبِلُّ رَثِيمُها

أَراد ومَناسِمُها فحذف حرف العطف كما قال قَسَمَا الطَّارِفَ التَّلِيدَ ويروى أَنْقَبُ
خُفِّها مَناسِمُها (( [500] ))

لو كان تقديره « الناقة وراكب الناقة طليحان » كان قد حذف حرف العطف
وبَقَاء المعطوفِ به وهذا شاذ إِنما حكى منه أَبو عثمان أَكلت خبزاً سمكاً تمراً (( [501] ))

قال ما ليَ لا أُسْقَى على عِلاَّتِي صبائحي غَبائِقي قَيْلاتي ؟ أَراد وغَبائقي وقَيْلاتي
فحذف حرف العطف وحذفه ضعيف في القياس معدوم في الاستعمال ووجه ضعفه أَن حرف العطف فيه ضرب من الاختصار وذلك أَنه قد أُقيم مقام العامل أَلا ترى أَن قولك قام زيد وعمرو أَصله قام زيد وقام عمرو فحذفت قام الثانية وبقيت الواو كأَنها عوض منها فإِذا ذهبتَ
بحذف الواو النائبة عن الفعل تجاوزتَ حدَّ الاختصار إِلى مذهب الانتهاك والإِجْحاف فلذلك رُفِضَ ذلك (( [502] ))

أَوْ حرف عطف وأَو تكون للشك والتخيير وتكون اختياراً قال الجوهري أَو حرف
إِذا دخل الخبر دلَّ على الشك والإِبهام وإِذا دخل الأَمر والنهي دل على التخيير والإباحة فأَما الشك فقولك رأَيت زيداً أَو عمراً والإِبهام كقوله تعالى وأَنا أَو إِياكم لعلى هدى أَو في ضلال مبين والتخيير كقولك كل السمك أَو اشرب اللبن أَي لا تجمع بينهما والإِباحة كقولك
جالس الحسن أَو ابن سيرين وقد تكون بمعنى إِلى أَن تقول لأَضربنه أَو يتوبَ وتكون بمعنى
بل في توسع الكلام قال ذو الرمة بَدَتْ مثل قَرْنِ الشمسِ في رَوْنَقِ الضُّحَى وصُورَتِها أَو أَنتِ
في العَينِ أَمْلَحُ يريد بل أَنت وقوله تعالى وأَرسلناه إِلى مائة أَلف أَو يزيدون قال ثعلب قال الفراء بل يزيدون قال كذلك جاء في التفسير مع صحته في العربية وقيل معناه إِلى مائة أَلف عند الناس أَو يزيدون عند الناس وقيل أَو يزيدون عندكم فيجعل معناها للمخاطبين أَي هم أَصحاب شارَةٍ وزِيٍّ وجمال رائع فإِذا رآهم الناس قالوا هؤلاء مائتا أَلف وقال أَبو العباس المبرد إِلى مائة أَلف
فهم فَرْضُه الذي عليه أَن يؤَدّبه وقوله أَو يزيدون يقول فإِن زادوا بالأَولاد قبل أَن يُسْلموا
فادْعُ الأَولاد أَيضاً فيكون دعاؤك للأَولاد نافلة لك لا يكون فرضاً قال ابن بري أَو في قوله
أَو يزيدون للإِبهام على حدّ قول الشاعر وهَلْ أَنا إِلاَّ من ربيعةَ أَو مُضَرْ وقيل معناه وأَرسلناه
إِلى جمع لو رأَيتموهم لقلتم هم مائة أَلف أَو يزيدون فهذا الك إِنما دخل الكلام على حكاية
قول المخلوقين لأن الخالق جل جلاله لا يعترضه الشك في شيء من خبره وهذا أَلطف مما يُقَدَّرُ فيه وقال أَبو زيد في قوله أَو يزيدون إِنما هي ويزيدون وكذلك قال في قوله تعالى : أَصلواتك تأْمرك أَن نترك ما يعبد آباؤنا أَو أَن نفعل في أَموالنا ما نشاء قال تقديره وأَن نفعل قال أَبو منصور
وأَما قول الله تعالى في آية الطهارة وإِن كنتم مَرْضى أَو على سفر أَو جاء أَحدٌ منكم من الغائط
أَو لمستم النساء ( الآية ) أَما الأَول في قوله أَو على سفر فهو تخيير وأَما قوله أَو جاء أَحد منكم من الغائط فهو بمعنى الواو التي تسمى حالاً المعنى وجاء أَحد منكم من الغائط أَي في هذه الحالة ولا يجوز أَن يكون تخييراً وأَما قوله أَو لمستم النساء فهي معطوفة على ما قبلها بمعناها وأَما قول الله عز وجل ولا تُطِعْ منهم آثماً أَو كفوراً فإِن الزجاج قال أَو ههنا أَوكد من الواو لأَن الواو
إِذا قلتَ لا تطع زيداً وعمراً فأَطاع أَحدهما كان غير عاص لأَنه أَمره أَن لا يطيع الاثنين فإِذا
قال ولا تطع منهم آثماً أَو كفوراً فأَوْ قد دلت على أَنّ كل واحد منهما أَهل أَن يُعْصَى وتكون بمعنى حتى تقول لأَضربنك أَو تقومَ وبمعنى إِلاَّ أَنْ تقول لأَضربنَّك أَو تَسْبقَني أَي إِلا أَن تسبقني وقال الفراء أَو إِذا كانت بمعنى حتى فهو كما تقول لا أَزالُ ملازمك أَو تعطيني [ كذا ] وإِلا أَن تعطيني ومنه قوله عز وجل ليس لك من الأَمر شيء أَو يتوب عليهم أَو يعذبهم معناه حتى يتوب عليهم وإِلا أَن يتوب عليهم ومنه قول امرئ القيس يُحاوِلُ مُلْكاً أَو يَموتَ فيُعْذَرا معناه إِلا أَن يموت قال وأَما الشك فهو كقولك خرج زيد أَو عمرو وتكون بمعنى الواو قال الكسائي وحده وتكون شرطاً أَنشد أَبو زيد فيمن جعلها بمعنى الواو وقَدْ زَعَمَتْ ليلى بأَنِّيَ فاجِرٌ لِنَفْسِي تُقاها
أَو عَليها فُجُورُها معناه وعليها فجورها وأَنشد الفراء إِِنَّ بها أَكْتَلَ أَوْ رِزامَا خُوَيْرِبانِ يَنقُفَان الْهامَا قال محمد بن يزيد أَو من حروف العطف ولها ثلاثة معان تكون لأَحد أَمرين عند شك المتكلم أَو قصده أَحدهما وذلك كقولك أَتيت زيداً أَو عمراً وجاءني رجل أَو امرأَة فهذا شك وأَما إِذا قصد أَحدهما فكقولك كُلِ السمَكَ أَو اشربِ اللبنَ أَي لا تجمعها ولكن اخْتَر أَيَّهما شئت وأَعطني ديناراً أَو اكْسُني ثوباً وتكون بمعنى الإِباحة كقولك ائْتِ المسجد أَو السوق أَي قد أَذنت لك في هذا الضرب من الناس فإِن نهيته عن هذا قلت لا تجالس زيداً أَو عمراً أَي لا تجالس هذا الضرب من الناس وعلى هذا قوله تعالى ولا تطع منهم آثماً أَو كفوراً أَي لا تطع أَحداً منهما فافهمه وقال الفراء في قوله عز وجل أَوَلم يروا أَوَلم يأْتهم إِنها واو مفردة دخلت عليها أَلف الاستفهام كما دخلت على الفاء وثم ولا وقال أَبو زيد يقال إِنه لفلان أَو ما تنحد فرطه ولآتِينك
أَو ما تنحد فرطه ، أَي لآتينك حقّاً وهو توكيد (( [503] ))

الفاء من حروف العطف ولها ثلاثة مواضع يُعطَف بها وتَدلّ على الترتيب والتعقيب مع الإِشْراك تقول ضَرَبْت زَيْداً فعَمْراً والموضِع الثاني أَن يكون ما قبلها علة لما بعدها ويجري على العطف والتعقيب دون الإِشراك كقوله ضَرَبه فبكى وضَرَبه فأَوْجَعَه إِذا كان الضرب عِلَّةَ
البُكاء والوَجَع والموضع الثالث هو الذي يكون للابتداء وذلك في جواب الشرط كقولك إِنْ تَزُرْني فأَنْتَ محسِن يكون ما بعد الفاء كلاماً مستأْنَفاً يعمل بعضه في بعض لأَن قولك أَنتَ ابْتِداء ومُحْسِن خبره وقد صارت الجملة جواباً بالفاء وكذلك القول إِذا أَجبت بها بعد الأَمْر والنَّهْي والاستفهام والنَّفْي والتَّمَنِّي والعَرْض إِلاَّ أَنك تنصب ما بعد الفاء في هذه الأَشياء الستة بإضمار أَن تقول زُرْني فأُحْسِنَ إِليك لم تجعل الزيارة علة للإِحسان ولكن قلت ذلك مِن شأْني أَبداً أَنْ أَفعل وأَن أُحْسِنَ إِليك على كل حال قال ابن بري عند قول الجوهري تقول زُرْني فأُحْسِنَ اليك
لم تجعل الزيارة علة للإِحسان قال ابن بري تقول زُرْني فأُحْسِن إليك فإِن رفعت أُحْسِنُ فقلت فأُحْسِنُ إِليك لم تجعل الزيارة علة للإِحسان (( [504] ))

الواو من حروف العطف تجمع الشيئين ولا تدلُّ على الترتيب ويدخل عليها أَلف الاستفهام كقوله تعالى أَوَعَجِبْتُم أَنْ جاءَكم ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكم على رَجُل كما تقول أَفَعَجِبْتُم وقد تكون بمعنى مَعْ لما بينهما من المناسبة لأَن مَع للمصاحبة كقول النبي صلى الله عليه وسلم بُعِثْتُ أنا والساعةَ كهاتَيْنِ وأَشار إِلى السَّبَّابةِ والإِبْهام أَي مَع الساعةِ قال ابن بري صوابه وأَشار إِلى السبَّابةِ والوُسْطَى قال وكذلك جاء في الحديث (( [505] ))

قوله فيه سناد وإِقواءٌ وتحريد الظاهر منه ما قاله الأَخفش من أَن السناد غير الإِقواء لعطفه
إِياه عليه وليس ممتنعاً في القياس أَن يكون السناد يعني به هذا الشاعرُ الإِقواءَ نفْسَه إِلاَّ أَنه عطف
الإِقواءَ على السناد لاختلاف لفظيهما كقول الحطيئة وهِنْد أَتى مِن دونِها النَّأْيُ والبُعْدُ
قال ومثله كثير (( [506] ))

في التنزيل العزيز في صفة الجنان فيهما فاكهةٌ ونخلٌ ورُمَّان دل بالواو على أَن الرمان والنخل غير الفاكهة لأَن الواو تعطف جملة على جملة قال أَبو منصور هذا جهل بكلام العرب والواو دخلت للاختصاص وإن عطف بها والعرب تذكر الشيء جملة ثم تخص من الجملة
شيئاً تفصيلاً له وتنبيهاً على ما فيه من الفضيلة ومنه قوله عز وجل حافظوا على الصلوات والصلاة الوُسْطى فقد أَمرهم بالصلاة جملة ثم أَعاد الوسطى تخصيصاً لها بالتشديد والتأْكيد وكذلك أَعاد النخل والرمان ترغيباً لأَهل الجنة فيهما ومن هذا قوله عز وجل من كان عَدُوّاً
لله وملائكته وكتبه ورسله وجبريل وميكال فقد علم أَن جبريل وميكال دخلا في الجملة وأُعيد ذكرهما دلالة على فضلهما وقربهما من خالقهما (( [507] )) .

ف -

الفصاحة

الفَصاحةُ البَيان فَصُحَ الرجلُ فَصاحة فهو فَصِيح من قوم فُصَحاء وفِصاحٍ وفُصُحٍ
قال سيبويه كسروه تكسير الاسم نحو قضيب وقُضُب وامرأَة فَصِيحةٌ من نِسوة فِصاحٍ وفَصائحَ تقول رجل فَصِيح وكلام فَصِيح أَي بَلِيغ ولسانه فَصِيح أَي طَلْقٌ وأَفْصَحَ الرجلُ القولَ فلما كثر وعرف أَضمروا القول واكتفوا بالفعل مثل أَحْسَنَ وأَسْرَعَ وأَبْطَأَ وإِنما هو أَحْسَنَ الشيءَ
وأَسرعَ العملَ قال وقد يجيء في الشعر في وصف العُجْم أَفْصَحَ يريد به بيان القول وإن كان بغير العربية كقول أَبي النجم أَعْجَمَ في آذانِها فَصِيحا يعني صوت الحمار انه أَعجم وهو في آذان الأُتُن فصيح بَيِّنٌ وفَصُح الأَعجميُّ بالضم فَصاحة تكلم بالعربية وفُهِمَ عنه وقيل جادت لغته حتى
لا يَلْحَنُ وأَفْصَح كلامه إِفْصاحاً وأَفْصَح تكلم بالفَصاحةِ وكذلك الصبي يقال أَفْصَحَ الصبيُّ
في مَنْطِقِه إِفْصاحاً إِذا فَهِمْتَ ما يقول في أَوّل ما يتكلم وأَفْصَحَ الأَغْتَمُ إِذا فهمت كلامه بعد غُتْمَتِه وأَفْصَح عن الشيء إِفصاحاً إِذا بَيَّنه وكَشَفَه وفَصُح الرجلُ وتَفَصَّح إِذا كان عربيّ اللسان فازداد فَصاحة وقيل تَفَصَّح في كلامه وتَفاصَح تكلَّف الفَصاحةَ يقال ما كان فَصِيحاً
ولقدفَصُحَ فَصاحة وهو البَيِّنُ في اللسان والبَلاغة والتَّفَصُّحُ استعمال الفصاحة وقيل التَّشَبُّه بالفُصَحاء وهذا نحو قولهم التَّحَلُّم الذي هو إِظهار الحِلْم وقيل جميعُ الحيوان ضربان أَعجَمُ وفَصِيح فالفصيح كلُّ ناطق والأَعجمُ كلُّ ما لا ينطق وفي الحديث غُفِر له بعدد كل فَصِيح وأَعْجَم أَراد بالفصيح بني آدم وبالأَعجم البهائم والفَصِيحُ في اللغة المنطلق اللسان في القول الذي يَعْرف جَيِّدَ الكلام من رديئه وقد أَفْصَح الكلامَ وأَفْصَحَ به وأَفْصَح عن الأَمر ويقال أَفْصِحْ لي يا فلان
ولا تُجَمْجِمْ قال والفصيح في كلام العامة المُعْرِبُ (( [508] )) .

 

 

 

ك -

الكناية

الكناية أَن تتكلم بشيء وتريد غيره وكَنَى عن الأَمر بغيره يَكني كِناية يعني إِذا تكلم بغيره
مما يستدل عليه نحو الرفث والغائط ونحوه وفي الحديث من تَعَزَّى بعزَاء الجاهلية فأَعِضُّوه بأَيْر أَبيه
ولا تَكْنُوا وفي حديث بعضهم رأَيت عِلْجاً يومَ القادِسيةِ وقد تَكَنَّى وتَحَجَّى أَي تستر من كَنَى عنه إِذا وَرَّى أَو من الكُنْية كأَنه ذكر كنْيته عند الحرب ليُعرف وهو من شعار المُبارزين في الحرب
يقول أَحدهم أَنا فلان وأَنا أَبو فلان ومنه الحديث خُذها مني وأَنا الغُلام الغِفاريُّ وقول
علي رضي الله عنه أَنا أَبو حَسَنٍ القَرْم وكَنَوت بكذا عن كذا وأَنشد وإِني لأَكني عن قَذورَ بغَيْرِها
وأُعْرِبُ أَحْياناً بها فأُصارِحُ ورجل كانٍ وقوم كانُونَ قال ابن سيده واستعمل سيبويه الكناية
في علامة المضمر (( [509] ))

وفي حديث أُم زَرْعٍ لا حَرٌّ ولا قُرٌّ القُرُّ البَرْدُ أَرادت أَنه لا ذو حر ولا ذو برد فهو معتدل أَرادت بالحر والبرد الكناية عن الأَذى فالحرّ عن قليله والبرد عن كثيره (( [510] ))

قال ابن الأَثير وقيل هو أَنْفاً بسكون النون للعُضْوِ أَي اشتدَّ غضبُه وغَيْظُه من طريق
الكناية كما يقال للمُتَغَيِّظ وَرِمَ أَنْفُه وفي حديث أَبي بكر في عَهْده إلى عمر رضي اللّه عنهما
بالخلافة فكلُّكم ورِمَ أَنْفُه أَي اغْتاظَ من ذلك وهو من أَحسن الكنايات لأَن المُغْتاظَ يَرِمُ
أَنفُه ويَحْمَرُّ ومنه حديثه الآخر أَما إنك لو فَعَلْتَ ذلك لجَعَلْتَ أَنْفكَ في قَفَاكَ يريد أَعْرَضْتَ عن
الحَقِّ وأَقْبَلْتَ على الباطل وقيل أَراد أَنك تُقْبِلُ بوجهك على مَن وراءكَ من أَشْياعِكَ فتُؤْثِرَهُم
بِبِرِّك (( [511] ))

في حديث فتح أَصْبهنَ تَبْعَثُ إِلى أَهل البصرة فيُوَرُّوا قال هو من وَرَّيْت النر تَوْرِيةً
إِذا استخرجتها قال واسْتَوْرَيْتُ فلاناً رأْياً سأَلته أَن يستخرج لي رأْياً قال ويحتمل أَن يكون
من التَّوْرِية عن الشيء وهو الكناية عنه (( [512] ))

في حديث أَبي هريرة رضي الله عنه حَفِظْتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وِعاءَيْن
منَ العلم أَراد الكناية عن مَحَلّ العِلم وجَمْعِه فاستعار له الوعاء (( [513] ))

قال ابن الأَثير وقد تكَرَّرَتِ الأَحاديث في ذكر الرَّقَبة وعِتْقِها وتحريرِها وفَكِّها
وهي في الأَصل العُنُق فجُعِلَتْ كِنايةً عن جميع ذاتِ الإِنسانِ تَسْمية للشيءِ ببعضِه فإِذا قال أَعْتِقْ رَقَبةً فكأَنه قال أَعْتِقْ عبداً أَو أَمَة ومنه قولُهم دَيْنُه في رَقَبَتِه وفي حديث ابنِ سِيرين لَنا رِقابُ الأَرضِ أَي نَفْس الأَرضِ يعني ما كان من أَرضِ الخَراجِ فهو للمسلمين ليس لأَصحابهِ الذين كانوا فيه قَبْلَ الإِسلامِ شيءٌ لأَنها فُتِحَتْ عَنْوَةً وفي حديث بِلالٍ والرَّكائِب المُناخَة لكَ رِقابُهُنَّ
وما عليهِنَّ أَي ذَواتُهنَّ وأَحمالُهنّ وفي حديث الخَيْلِ ثم لمْ يَنْسَ حَقَّ اللّه في رِقابِها وظُهورِها أَراد بحَقِّ رِقابِها الإِحْسانَ إِليها وبحَقِّ ظُهورِها الحَمْلَ عليها (( [514] ))

ويقال للزرع إِذا خرج قَصَبُه قد شَرِبَ الزرعُ في القَصَبِ وشَرَّبَ قَصَبُ الزرعِ إِذا صارَ
الماءُ فيه ابن الأَعرابي الشُّرْبُبُ الغَمْلى من النبات وفي حديث أُحد انَّ المشركين نزلوا على زَرْعِ أَهلِ المدينةِ وخَلَّوا فيه ظَهْرهم وقد شُرِّبَ الزرعُ الدَّقيقَ وفي رواية شَرِبَ الزرعُ الدقيقَ وهو كناية
عن اشْتِدادِ حَبِّ الزَّرْع وقُرْبِ إِدْراكِه يقال شَرَّبَ قَصَبُ الزرع إِذا صارَ الماءُ فيه وشُرِّبَ السُّنْبُلُ الدَّقيقَ إِذا صارَ فيه طُعْمٌ والشُّرْبُ فيه مستعارٌ كأَنَّ الدَّقِيقَ كان ماءً فَشَرِبَه وفي خديث الإِفك
لقد سَمِعْتُموه وأُشْرِبَتْه قُلوبُكم أَي سُقِيَتْهُ كما يُسْقَى العَطْشانُ الماء يقال شَرِبْتُ الماءَ وأُشْرِبْتُه
إِذا سُقِيتَه وأُشْرِبَ قَلْبُه كذا أَي حَلَّ مَحَلَّ الشَّراب أَو اخْتَلَطَ به كَما يَخْتَلِطُ الصِّبغُ بالثوب
وفي حديث أَبي بكر رضي الله عنه وأُشْرِبَ قَلْبُه الإِشْفاقَ (( [515] ))

في الحديث فَضُرِبَ على آذانهم هو كناية عن النوم ومعناه حُجِبَ الصَّوتُ والحِسُّ
أَنْ يَلِجَا آذانَهم فَيَنْتَبهوا فكأَنها قد ضُرِبَ عليها حِجابٌ ومنه حديث أَبي ذر ضُرِبَ على أَصْمِخَتهم فما يَطُوفُ بالبيت أَحدٌ (( [516] ))

وقوله « فهي إِلى الأَذقان » هي كناية عن الأَيدي لا عن الأَعناق لأَن الغُلَّ يجعل اليدَ
تلي الذَّقَنَ (( [517] ))

حديث صِفَةِ قُرَيْش أَشِحَّةٌ بَجَرَةٌ هي جمع باجر وهو العظيم البطن يقال بَجِرَ يَبْجَرُ بَجَراً
فهو باجِرٌ وأَبْجَرُ وصفهم بالبَطانَةِ ونُتُوءِ السُّرَرِ ويجوز أَن يكون كناية عن كَنزهم الأَموال واقتنائهم لها (( [518] ))

قولهم كذا كناية عن الشيء تقول فَعَلْت كذا وكذا يكون كناية عن العدد فتنصب ما بعده على التمييز تقول له عندي كذا وكذا درهماً كما تقول له عندي عشرون درهماً وفي الحديث نجيء أَنا وأُمتي يوم القيامة على كذا وكذا قال ابن الأَثير هكذا جاء في مسلم كأَن الراوي شك في اللفظ فكنى عنه بكذا وكذا وهي من أَلفاظ الكِنايات مثْل كَيْتَ وكَيْتَ ومعناه مثل ذا ويُكنى بها عن المجهول وعما لا يراد التصريح به (( [519] )) .

ل -

اللحن

لَحَنَ له يَلْحَنُ لَحْناً قال له قولاً يفهمه عنه ويَخْفى على غيره لأَنه يُميلُه بالتَّوْرية
عن الواضح المفهوم ومنه قولهم لَحِنَ الرجلُ فهو لَحِنٌ إِذا فَهمَ وفَطِنَ لما لا يَفْطنُ له غيره ولَحِنَه هو عني بالكسر يَلْحَنُه لَحْناً أَي فَهمَه وقول الطرماح وأَدَّتْ إِليَّ القوْلِ عنهُنَّ زَوْلةٌ تُلاحِنُ
أَو ترْنُو لقولِ المُلاحِنِ أَي تَكلَّمُ بمعنى كلام لا يُفْطنُ له ويَخْفى على الناس غيري (( [520] ))

لطافة المعنى

اللَّطِيفُ من الكلام ما غَمُض معناه وخَفي (( [521] )) .

 

 

 

م -

المبالغة

وفي الحَديث بَكَى حتى خضَبَ دَمْعُه الحَصى قال ابن الأَثير أَي بَلَّها مِن طَريقِ الاسْتِعارةِ
قال والأَشْبَهُ أَن يكون أَراد المُبالغةَ في البُكاءِ حتى احْمَرَّ دمعهُ فَخَضَبَ الحَصى (( [522] ))

وشَيْبٌ شائِبٌ أَرادُوا به المبالغةَ على حَدِّ قَوْلِهِم شِعْرٌ شاعِرٌ ولا فِعْلَ له واشْتَعَلَ
الرَّأْسُ شَيْباً نَصْبٌ على التَّمْييز وقيل على المصدر لأَنه حين قال اشْتَعَلَ كأَنه قال شابَ فقال
شَيْباً (( [523] ))

وغُرابٌ غاربٌ على المبالغة كما قالوا شِعْرٌ شاعِرٌ ومَوتٌ مائِتٌ قال رؤبة :

فازْجُرْ من الطَّيرِ الغُرابَ الغارِبا (( [524] ))

وشِعْرٌ شاعِرٌ جيد قال سيبويه أَرادوا به المبالغة والإِشادَة وقيل هو بمعنى مشعور
به والصحيح قول سيبويه وقد قالوا كلمة شاعرة أَي قصيدة والأَكثر في هذا الضرب من المبالغة
أَن يكون لفظ الثاني من لفظ الأَول كَوَيْلٌ وائلٌ ولَيْلٌ لائلٌ (( [525] ))

المجاز

أَما ما جاءَ في حديث ابن عمر أَنَّ رجلاً قال يا رسولَ اللّه أَيُّ الليلِ أَجْوَبُ دَعْوةً ؟
قال جَوْفُ الليلِ الغابِرِ فسَّره شمر فقال أَجْوَبُ من الإِجابةِ أَي أَسْرَعُه إِجابةً كما يقال
أَطْوَعُ من الطاعةِ وقياسُ هذا أَن يكون من جابَ لا مِن أَجابَ وفي المحكم عن شمر أَنه فسره
فقال أَجْوَبُ أَسْرَعُ إِجابةً قال وهو عندي من باب أَعْطَى لفارِهةٍ وأَرسلنا الرِّياحَ لوَاقِحَ
وما جاءَ مِثلُه وهذا على المجاز لأَنَّ الإِجابةَ ليست لِلَّيل إِنما هي للّه تعالى فيه فَمعناه أَيُّ الليلِ اللّهُ أَسرع إِجابةً فِيه مِنه في غَيْرِه (( [526] ))

وفي حديث أُحُد هو جَبَلُّ يُحِبُّنا ونُحِبُّه قال ابن الأَثير هذا محمول على المجاز أَراد أَنه جبل يُحِبُّنا [ ص 291 ] أَهْلُه ونُحِبُّ أَهْلَه وهم الأَنصار ويجوز أَن يكون من باب المَجاز الصَّريح
أَي إِنَّنا نحِبُّ الجَبلَ بعَيْنِهِ لأَنه في أَرْضِ مَن نُحِبُّ (( [527] ))

في الحديث إِنَّ رَحْمَتي تَغْلِبُ غَضَبي هو إِشارة إِلى سعة الرحمة وشمولها الخَلْقَ كما يُقال
غَلَبَ على فلان الكَرَمُ أَي هو أَكثر خصاله وإِلا فرحمةُ اللّه وغَضَبُه صفتانِ راجعتان إِلى
إِرادته للثواب والعِقاب وصفاتُه لا تُوصَفُ بغَلَبَةِ إِحداهما الأُخرى وإِنما على سبيل المجاز
للمبالغة (( [528] ))

في الحديث يَبْعَثُ اللهُ السَّحابَ فيَضْحَكُ أَحْسَنَ الضَّحِكِ ويَتَحَدَّث أَحْسَن الحَديث ، قال ابن الأَثير جاءَ في الخبر أَن حَديثَه الرَّعْدُ وضَحِكَه البَرْقُ وشَبَّهه بالحديث لأَنه يُخْبِر عن المطر
وقُرْبِ مجيئه فصار كالمُحَدِّث به ومنه قول نُصَيْب :

فعاجُوا فأَثْنَوْا بالذي أَنتَ أَهْلُه     ولو سَكَتُوا أَثْنَتْ عليكَ الحَقائبُ

وهو كثير في كلامهم ويجوز أَن يكون أَراد بالضحك افْتِرارَ الأَرض بالنبات وظهور الأَزْهار وبالحديث ما يَتَحدَّثُ به الناسُ في صفة النبات وذِكْرِه ويسمى هذا النوعُ في علم
البيان المجازَ التَّعْليقِيَّ وهو من أَحْسَن أَنواعه (( [529] ))

وفي رواية يَمِينُ الله ملأَى سَحّاً بالتنوين على المصدر واليمين ههنا كناية عن محل عطائه ووصفها بالامتلاء لكثرة منافعها فجعلها كالعين الثَّرَّةِ لا يَغِيضُها الاستقاءُ ولا ينقُصُها الامْتِياحُ
وخَصَّ اليمين لأَنها في الأَكثر مَظِنَّة للعطاء على طريق المجاز والاتساعِ (( [530] ))

وقال أَبو عبيدة في قوله تعالى بِئْسَ الرِّفْدُ المرفود قال مجازُه مجازُ العون المجاز يقال رَفَدْتُه عند الأَمير أَي أَعنته (( [531] ))

وفي الحديث الذي يشرب في الإِناء الفضة والذهب إِنما يُجَرْجِرُ في بطنه نار جهنم أَي
يَحْدُرُ فيه فجعل الشُّرْبَ والجَرْعَ جَرْجَرَةً وهو صوت وقوع الماء في الجوف قال ابن الأَثير
قال الزمخشري يروى برفع النار والأَكثر النصب قال وهذا الكلام مجاز لأَن نار جهنم على الحقيقة
لا تُجَرْجِرُ في جوفه والجَرْجَرَةُ صوت البعير عند الضَّجَرِ ولكنه جعل صوت جَرْعِ الإِنسان للماء
في هذه الأَواني المخصوصة لوقوع النهي عنها واستحقاق العقاب على استعمالها كَجَرْجَرَةِ
نار جهنم في بطنه من طريق المجاز هذا وجه رفع النار (( [532] ))

الحقيقةُ في اللغة ما أُقِرّ في الاستعمال على أصل وضْعِه والمَجازُ ما كان بضد ذلك
وإنما يقع المجاز ويُعدَل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة وهي الإتِّساع والتوكيد والتشبيه فإن عُدِم هذه الأوصافُ كانت الحقيقة البتَّةَ (( [533] ))

في حديث أُحُد أَن أَبا سفيان لما رأَى حمزة رضي الله عنه مقْتولاً قال له ذُقْ عُقَقُ أَي ذق طعْمَ مُخالَفَتِك لنا وتَرْكِكَ دِينَك الذي كنت عليه يا عاقَّ قومه جعل إِسلامَه عُقوقاً وهذا من المجاز أَن يستعمل الذَّوْق وهو ما يتعلّق بالأَجسام في المعاني كقوله تعالى ذق إِنك أَنت العزيز الكريم (( [534] ))

قال ابن الأَثير العرب تجعل القول عبارةً عن جميع الأَفعال وتطلِقه على غير الكلام
واللسان فتقول قال بِيَده أَي أَخذ وقال برِجْله أَي مشى وقد تقدَّم قول الشاعر :

وقالت له العَيْنانِ سمعاً وطاعة

أَي أَوْمَأَتْ وقال بالماء على يدِه أَي قَلب وقال بثوب أَي رفَعَه وكل ذلك على المجاز
والاتساع (( [535] ))

قال ابن عباس رضي الله عنهما الإيمانُ نَزِهٌ فإذا أَذْنَبَ العبدُ فارَقَه ومنه الحديث إذا زَنَى
الرجلُ خرجَ منه الإيمانُ فكان فوقَ رأْسه كالظُّلَّةِ فإذا أَقْلَع رجَع إليه الإيمانُ قال وكلُّ هذا محمول على المجاز ونَفْي الكمالِ دون الحقيقة (( [536] ))

قول أَبي بكر رضي الله عنه في حديث الشَّفاعةِ إنما نحن حَفْنَةٌ من حَفَناتِ الله أَراد
إنَّا على كَثرتِنا قليلٌ يوم القيامة عند الله كالحَفْنةِ أَي يسير بالإضافة إلى مُلْكِه ورحمته وهي مِلْءُ الكَفِّ على جهة المجاز والتمثيل تعالى الله عز وجل عن التشبيه وهو كالحديث الآخر حَثْية
من حَثَياتِ رَبِّنا (( [537] ))

في الحديث الحَجرُ الأَسودُ يَمينُ الله في الأَرض قال ابن الأَثير هذا كلام تمثيل وتخييل
وأَصله أَن الملك إذا صافح رجلاً قَبَّلَ الرجلُ يده فكأنَّ الحجر الأَسود لله بمنزلة اليمين للملك حيث يُسْتلَم ويُلْثَم وفي الحديث الآخر وكِلْتا يديه يمينٌ أَي أَن يديه تبارك وتعالى بصفة الكمال
لا نقص في واحدة منهما لأَن الشمال تنقص عن اليمين قال وكل ما جاء في القرآن والحديث
من إضافة اليد والأَيدي واليمين وغير ذلك من أَسماء الجوارح إلى الله عز وجل فإنما هو على
سبيل المجاز والاستعارة والله منزَّه عن التشبيه والتجسيم وفي حديث صاحب القرآن يُعْطَى
الملْكَ بِيَمِينه والخُلْدَ بشماله أَي يُجْعَلانِ في مَلَكَتِه فاستعار اليمين والشمال لأَن الأَخذ
والقبض بهما (( [538] ))

قال ابن الأَثير وقول الشاعر فاغْفِرْ فِداءً لك ما اقْتَفَيْنا قال إِطلاق هذا اللفظ مع الله تعالى محمول على المجاز والاستعارة لأَنه إِنما يُفْدَى من المَكارِه مَن تلحقه فيكون المراد بالفداء التعظيم والإِكبار لأَن الإِنسان لا يُفَدِّي إِلا من يعظمه فَيَبْذُل نفسه له (( [539] ))

في الحديث عَجِبَ رَبُّكَ من قوم يُقادُونَ إِلى الجنةِ في السلاسِل أَي عَظُمَ ذلك عنده
وكَبُرَ لديه أَعلم الّله أَنه إِنما يَتَعَجَّبُ الآدميُّ من الشيءِ إِذا عَظُمَ مَوْقِعُه عنده وخَفِيَ عليه سببُه فأَخبرهم بما يَعْرِفون ليعلموا مَوْقعَ هذه الأَشياء عنده وقيل معنى عَجِبَ رَبُّكَ أَي رَضِيَ وأَثابَ فسماه عَجَباً مجازاً وليس بعَجَبٍ في الحقيقة والأَولُ الوجه كما قال ويَمْكُرونَ ويَمْكُرُ اللّهُ معناه ويُجازيهم اللّه على مكرهم وفي الحديث عَجِبَ رَبُّكَ من شَابٍّ ليستْ له صَبْوَةٌ هو من ذلك وفي الحديث عَجِبَ رَبُّكُمْ من إِلِّكم وقُنُوطِكم قال ابن الأَثير إِطْلاقُ العَجَب على اللّه تعالى مَجَازٌ لأَنه لا يخفى عليه أَسبابُ الأَشياء والتَّعَجُّبُ مما خَفِيَ سببه ولم يُعْلَم (( [540] ))

قوله « من ولي قاضياً إلخ » كذا بالأصل والنهاية ) فكأَنما ذُبِحَ بغير سكين معناه التحذير
من طلب القضاء والحِرصِ عليه أَي من تَصَدَّى للقضاء وتولاه فقد تَعَرَّضَ للذبح فليحذره والذبح
ههنا مجاز عن الهلاك فإِنه من أَسْرَعِ أَسبابِه (( [541] ))

وكل ذلك على سبيل المحاكاة كقوله تعالى إِنما نحن مستهزئُون الله يستهزئ بهم والاستهزاء من الكفار حقيقة وتعليقه بالله عز وجل مجاز جل ربنا وتقدس عن الاستهزاء بل هو الحق ومنه الحق وكذلك قوله تعالى يخادعون الله وهو خادعهم والمُخادَعة من هؤلاء فيما يخيل إِليهم حقيقة وهي من الله سبحانه مجاز إِنما الاستهزاء والخَدع من الله عز وجل مكافأَة لهم ومنه قول عمرو بن كلثوم :

أَلا لا يَجْهَلَنْ أَحدٌ علينا          فنَجْهَلَ فوقَ جَهْلِ الجاهِلينا

أَي إِنما نكافئهُم على جَهْلهم كقوله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وهو باب واسع كبير (( [542] ))

قال في القاموس وغلط الفقهاء واللغويون في قولهم الزباد دابة يجلب منها الطيب وانما الدابة السنور والزباد الطيب إلى آخر ما قال قال شارحه قال القرافي ولك أن تقول انما سموا الدابة باسم ما يحصل منها ومثل ذلك لا يعد غلطاً وإنما هو مجاز (( [543] ))

في الحديث أَغْيَظُ الأَسماء عند اللّه رجل تَسَمَّى مَلِكَ الأَملاك قال ابن الأَثير هذا من مجاز الكلام معدول عن ظاهره فإِن الغيظ صفةٌ تغيِّرُ المخلوق عند احتداده يتحرك لها واللّه يتعالى
عن ذلك وإِنما هو كناية عن عقوبته للمتسمي بهذا الاسم أَي أَنه أَشد أَصحاب هذه الأَسماء عقوبةً
عند اللّه (( [544] ))

في بعض الروايات قلوب العباد بين إِصبعين معناه أَن تقلب القلوب بين حسن آثاره وصُنْعِه تبارك وتعالى قال ابن الأَثير الإِصبع من صفات الأَجسام تعالى الله عن ذلك وتقدّس وإِطلاقها
عليه مجاز كإِطلاق اليد واليمين والعين والسمع وهو جار مجرى التمثيل والكناية عن سرعة
تقلب القلوب وإِن ذلك أَمر معقود بمشيئة الله سبحانه وتعالى وتخصيص ذكر الأَصابع كناية عن أَجزاء القدرة والبطش لأَن ذلك باليد والأَصابع أَجزاؤها (( [545] ))

في الحديث إِنّ الملائكةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتها لطالب العلم أَي تَفْرُشُها لتكون تحت أَقدامه إِذا مشى وفي الحديث إِن الله واضِعٌ يده لِمُسيء الليلِ لِيَتُوبَ بالنهارِ ولمُسِيء النهار ليتوب بالليل أَراد بالوَضْعِ ههنا البَسْطَ وقد صرح به في الرواية الأُخرى إِن الله باسِطٌ يده لمسيء الليل وهو مجاز في البسط واليد كوضع أَجنحة الملائكة وقيل أَراد بالوضع الإِمْهالَ وتَرْكَ المُعاجَلةِ بالعُقوبة يقال وضَعَ يده عن فلان إِذا كفّ عنه (( [546] ))

وفي الحديث سُبحان مَن تعطَّف بالعِزِّ وقال به ومعناه سبحان من تَرَدَّى بالعز والتعطُّف
في حقِّ اللّه مَجازٌ يُراد به الاتّصاف (( [547] ))

وفي حديث أُبَيّ لقد اصطلح أَهل هذه البلدة على أَن يَعْصِّبُوه فشَرِقَ بذلك أَي غَصَّ
به وهو مجاز فيما ناله من أَمْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحَلّ به حتى كأَنه شيء لم يقدر علي إِساغتِه وابتلاعِه فغَصَّ به وشَرِقَ (( [548] ))

وقوله تعالى وأَدْخلناه في رَحْمتنا قال ابن جني هذا مجاز وفيه من الأَوصاف ثلاثة السَّعَةُ والتشبيه والتوكيد أَما السَّعَةُ فلأَنه كأَنه زاد في أَسماء الجهات والمحالّ اسم هو الرَّحْمةُ وأَما التشبيه
فلأنه شَبَّه الرَّحْمةَ وإِن لم يصح الدخول فيها بما يجوز الدخول فيه فلذلك وضعها موضعه وأَما التوكيد فلأَنه أَخبر عن العَرَضِ بما يخبر به عن الجَوْهر وهذا تَغالٍ بالعَرَضِ وتفخيم منه إِذا صُيِّرَ إِلى حَيّز ما يشاهَدُ ويُلْمَسُ ويعاين أَلا ترى إِلى قول بعضهم في الترغيب في الجميل ولو رأَيتم المعروف رجلاً لرأَيتموه حسناً جميلاً ؟ كقول الشاعر ولم أَرَ كالمَعْرُوفِ أَمّا مَذاقُهُ فحُلْوٌ وأَما وَجْهه فجميل فجعل له مذاقاً وجَوْهَراً وهذا إِنما يكون في الجواهر وإِنما يُرَغِّبُ فيه وينبه عليه ويُعَظِّمُ من قدره بأَن يُصَوِّرَهُ في النفس على أَشرف أَحواله وأَنْوَه صفاته وذلك بأَن يتخير شخصاً مجسَّماً لا عَرَضاً متوهَّماً (( [549] ))

المجانسة

المُجانَسَةُ والتَجْنِيسُ ويقال هذا يُجانِسُ هذا أَي يشاكله (( [550] )) .

 

مخالفة ظاهر اللفظ معناه

وقولهم رجل مُتَحَرِّجٌ كقولهم رجلٌ مُتَأَثِّمٌ ومُتَحَوِّبٌ ومُتَحَنِّثٌ يُلْقِي الحَرَجَ والحِنْثَ والحُوبَ والإِثم عن نفسه ورجلٌ مُتَلَوِّمٌ إِذا تربص بالأَمر يريد القاء الملامة عن نفسه قال الأَزهري وهذه حروف جاءَت معانيها مخالفة لأَلفاظها (( [551] ))

المدح والذم

في حديث خُزَيْمَة رضي اللّه عنه أَنْعِم صباحاً تَرِبَتْ يداكَ فإِنَّ هذا دُعاءٌ له وتَرْغيبٌ
في اسْتِعْماله ما تَقَدَّمَتِ الوَصِيَّةُ به أَلا تراه قال أَنْعِم صَباحاً ثم عَقَّبه بتَرِبَتْ يَداكَ وكثيراً تَرِدُ
للعرب أَلفاظ ظاهرها الذَّمُّ وإِنما يُريدون بها المَدْحَ كقولهم لا أَبَ لَكَ ولا أُمَّ لَكَ وهَوَتْ أُّمُّه ولا أَرضَ لك ونحوِ ذلك وقال بعضُ الناس إِنَّ قولهم تَرِبَتْ يداكَ يريد به اسْتَغْنَتْ يداكَ قال وهذا خطأٌ لا يجوز في الكلام ولو كان كما قال لقال أَتْرَبَتْ يداكَ يقال أَتْرَبَ الرجلُ فهو مُتْرِبٌ إِذا كثر مالهُ فإِذا أَرادوا الفَقْرَ قالوا تَرِبَ يَتْرَبُ ورجل تَرِبٌ فقيرٌ ورجل تَرِبٌ لازِقٌ بالتُّراب من الحاجة ليس بينه وبين الأَرض شيءٌ (( [552] ))

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إِن من البيان لَسِحْراً قال أَبو عبيد كأَنَّ المعنى والله أَعلم أَنه يَبْلُغُ من ثنائه أَنه يَمْدَحُ الإِنسانَ فَيَصْدُقُ فيه حتى يَصْرِفَ القلوبَ إِلى قوله ثم يَذُمُّهُ فَيَصْدُق فيه حتى يَصْرِفَ القلوبَ إلى قوله الآخر فكأَنه قد سَحَرَ السامعين بذلك وقال أَن الأَثير يعني إِن من البيان لسحراً أَي منه ما يصرف قلوب السامعين وإِن كان غير حق وقيل معناه إِن من البيان ما يَكْسِبُ من الإِثم ما يكتسبه الساحر بسحره فيكون في معرض الذمّ ويجوز اين يكون في معرض المدح لأَنه تُسْتَمالُ به القلوبُ ويَرْضَى به الساخطُ ويُسْتَنْزَلُ به الصَّعْبُ (( [553] ))

وأما قوله وَيْلِمِّه فهو مَدْح خرج بلفظ الذمِّ كما يقولون أَخْزاه الله ما أَشْعَرَه ولعَنه الله
ما أَسْمَعه قال وكأَنهم قَصَدوا بذلك غَرَضاً مَّا وذلك أَن الشيء إذا رآه الإنسان فأَثْنى عليه خَشِيَ
أَن تُصِيبه العين فيَعْدِل عن مَدْحه إلى ذمّه خوفاً عليه من الأَذيَّةِ قال ويحتمل أيضاً غَرَضاً
آخر وهو أن هذا الممدوح قد بلَغ غاية الفَضْل وحصل في حَدّ من يُذَمُّ ويُسَب لأَن الفاضِل تَكْثُر حُسَّاده وعُيّابه والناقِص لا يُذَمُّ ولا يُسَب بل يَرْفعون أنفسَهم عن سَبِّه ومُهاجاتِه (( [554] ))

المسخ

المَسْخُ تحويل صورة إِلى صورة أَقبح منها (( [555] ))

مصقع

وخَطِيبٌ مِصْقَعٌ : بَلِيغٌ؛ قال قيس بن عاصم:

خُطَباءُ حِينَ يَقُومُ قائِلُنا         بِيضُ الوُجُوهِ، مَصاقِعٌ لُسن

قيل: هو من رَفْعِ الصَّوْتِ، وقيل: يذهب في كل صُقْعٍ من الكلام أَي ناحية، وهو للفارسي. ابن الأَعرابي: الصَّقْعُ البلاغة في الكلام والوُقُوعُ على المعاني (( [556] )) .

المعمى

التَّعْمِيَةُ أَنْ تُعَمِّيَ على الإِنْسانِ شيئاً فتُلَبِّسَه عليه تَلْبِيساً وفي حديث الهجرة لأُعَمِّيَنَّ
على مَنْ وَرائي من التَّعْمِية والإِخْفاء والتَّلْبِيسِ حتى لا يَتبعَكُما أَحدٌ وعَمَّيتُ معنى البيت تَعْمِية ومنه المُعَمَّى من الشِّعْر (( [557] ))  .

ن -

النسق

النَّسَق ما جاء من الكلام على نِظام واحد والعرب تقول لطَوار الحبْل إذا امتد مستوياً خذ على هذا النَّسَق أي على هذا الطَّوارِ والكلام إذا كان مسجَّعاً قيل له نَسعق حسن
ابن الأَعرابي أَنسَقَ الرجلُ إذا تكلم سجعاً (( [558] ))

الفهرست


المقدمة
ترجمة ابن منظور
كتب ابن منظور
المنهج العام لابن منظور في معجمه
عدد مواد اللسان
طبعاته
تصحيح طبعاته
فهارسه
مختصراته
الدراسة
أولاً : البحث العروضي في لسان العرب
ثانياً : البحث البلاغي في لسان العرب
معجم المصطلحات العروضية في لسان العرب
أ -
الابتداءُ
الأبترُ :
الأثرم :
الإجازة :
الأحذ :
الإخراج :
الأخرم :
الإرقال :
الإشباع :
الإشمام :
الأصلم :
الإِضْمارُ :
الاعتماد :
الأقطع :
الإقواء :
الإكفاء :
ألف التأسيس
الأوابد :
الإيطاء :
- ب -
البتر : ينظر : الأبتر .
البراء :
البسيط :
البيت :
- ت -
التأسيس :
التام :
التحريد:
التذييل : ينظر : المذال .
الترفيل :
التسبيغ : ينظر : المسبغ
التسميط : ينظر : المسمط
التشعيث :
التصريع :
التضمين :
التطريف :
التعجيز :
التفعيل :
التقطيع :
التقفية :
التوجيه :
- ث -
الثرم : ينظر الأثرم .
الثلم :
- ج -
الجزل :
الجمم :
- ح -
الحذذ : ينظر : الأحذ .
حَذَّاءُ : ينظر : الأحذ .
الحذف:
الحذو :
الحشو:
- خ -
الخبل :
الخبن :
اختلاف الوزن :
الخرب :
الخرم :
الخروج :
الخزل :
الخزلة : ينظر : الخزل
الخزم :
الخفيف :
- د -
الدائرة العروضية :
الدخيل :
- ذ -
الذلل :
- ر -
الرجز :
الردف :
الرس :
الرمل :
الروي :
- ز -
الزحاف :
- س -
السالم :
السبب :
الاستدراك :
السناد :
سناد الإشباع : ينظر : الإشباع
سناد التأسيس : ينظر : التأسيس
سناد التوجيه :
سناد الحذو : ينظر : الحذو
سناد الردف : ينظر : الردف
- ش -
الشتر :
- ص -
الصحيح :
الصدر :
الصلم :
- ض -
الضرب :
الضرورة :
- ط -
الطرفان :
الطويل :
الطي :
- ع -
العجز :
العروض :
العصب :
العضب :
العظال :
العقص :
العقل :
العوض :
- غ -
الغايات :
الغلو :
- ف -
الفاصلة :
فصل العروض :
- ق -
القافية :
القبض:
القصم :
القصيد :
القطع : ينظر : المقطوع
القطف :
- ك -
الكامل :
كسر الوزن :
الكشف :
الكف :
- م -
المتدارك :
المترادف :
المتراكب :
المتقارب :
المتمم :
المتواتر :
المثلوث :
المجتث :
المجرى :
المجزوء :
مخبون : ينظر : خبن
المخلع :
المخمس:
المديد :
المذال :
المذيل :ينظر : المذال
المراقبة :
المربوع :
المرفل :
المسبغ :
المسمط :
المشطور :
المشكول :
المصراع : ينظر : التصريع
المصراعان :
المضارع :
المعاقبة :
المعلول :
مفتعل :
المفروق : ينظر : الوتد
المقتضب :
المقرون : ينظر : الوتد
المقصور :
المقطعات :
المقطوع :
المقعد :
المقيد :
المكشوف :
المنهوك :
المهزول :
المُؤَسَّس :
الموفور :
الموقوف :
- ن -
النقص :
ـ هـ -
الهزج :
- و -
الوافر :
الوافي :
الوتد :
الوزن :
الوصل :
الوقص :
الوقف :
معجم المصطلحات البلاغية في لسان العرب
أ -
الابتداء :
الإبداع :
الإبدال :
الإبهام :
الاتساع :
الإجازة :
الاختصار :
الاختصاص :
اخراج الكلام مخرج النداء :
إخراج الكلام مخرج العدد :
الازدواج :
الاستئناف
الاستثناء
الاستدراك
الاستعارة
استعمال العام والخاص
الاستفهام
الإشارة
الإضافة
الإظهار موضع الإضمار
الإطالة
الاطناب
الاعتراض
الاقتصاد
الإلغاز
الأمر
الانتحال
الإنكار
الإيجاز
الإيماء
ب -
البديع
البلاغة
البيان
ت -
التاكيد
التثبيج
التخيير
الترتيب
الترصيع
التشبيه
التصريح
التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي
التعجب
التعريض
التعليق
التعمية
التغليب
التفخيم
التقديم والتأخير
التكرير
التمثيل
التعريض
التوكيد
ج -
الجحد
-ح –
الحذف
حسن التضمين
الحقيقة
خ -
الخبر
الخطاب
د-
الدلالة
س -
السجع
ظ -
الظرف
ع -
العام والخاص
العطف
ف -
الفصاحة
ك -
الكناية
ل -
اللحن
لطافة المعنى
م -
المبالغة
المجاز
المجانسة
مخالفة ظاهر اللفظ معناه
المدح والذم
المسخ
مصقع
المعمى
ن -


النسق
المصادر والمراجع
أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم ، صديق بن حسن القنوجي ، دار الكتب العلمية - بيروت ، 1978 ، تحقيق : عبد الجبار زكارعدد الأجزاء : 3
إحصائيات جذور معجم لسان العرب باستخدام الكمبيوتر عمل (( علي حلمي موسى )) من مطبوعات جامعة الكويت سنة 1972م .
الأعلام خير الدين الزركلي ، دار العلم للملايين ، ط1 ، بيروت 1972.
أعيان العصر وأعوان النصر للصفدي ، صلاح الدين خليل بن أيْبَك الصفدي ، تحقيق : علي أبو زيد ، ط1 1989م . 1-6
بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ، جلال الدين السيوطي ( 911هـ ) ، طبع بمصر 1326هـ .
تاريخ آداب اللغة العربية جرجي زيدان ، دار الهلال ، د.ت .
حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ، جلال الدين السيوطي ، مصر ، 1299هـ .
خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ، تقي الدين داود المحبي ، دار صادر للطباعة والنشر ، ط2 ، 1990 . 4
الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني ، طبعة حيدر آباد 1945-1950 .
ديوان الصبابة ، شهاب الدين أحمد بن أبي حجلة المغربي ، مكتبة معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان ، القاهرة .
شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي ، دار المسيرة ، بيروت 1399هـ .
فوات الوفيات ابن شاكر الكتبي ، تحقيق د. إحسان عباس ، دار الثقافة ، بيروت .
الكشكول ، بهاء الدين بن حسين العاملي ، دار الكتب العلمية ، ط 1 ، 1998 م . 2مج
لسان العرب ، ابن منظور ، تحقيق: عامر أحمد حيدر - عبد المنعم خليل إبراهيم ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 2003م .
معجم المطبوعات العربيه والمعربه ، الياس سركيس. ألنشر, دار االفكر- بيروت ،
نكت الهميان في نكت العميان ، صلاح الدين الصفدي ، تحقيق: احمد زكي بك ، مكتبة الثقافة الدينية ، ط1 ، 1998م .
نهاية الأرب في فنون الأدب ، شهاب الدين النويري ، تحقيق: مفيد قميحة وآخرون ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 2004 15 مج
هدية العارفين في أسماء المؤلفين والمصنفين: إسماعيل باشا البغدادي ، مطبعة وزارة المعارف التركية: استانبول، 1955.‏
الوافي بالوفيات ، صلاح الدين خليل الصفدي ، منشورات المعهد الألماني للأبحاث ، عدة محققين ، ط1 ، 2004م .
[1] تنظر ترجمته : الدرر الكامنة 4/262، وأبجد العلوم 3 /10، وهداية العارفين 1/525 ، وأعيان العصر وأعوان النصر للصفدي ، وفوات الوفيات 4/39 ، بغية الوعاة 106 ، ونكت الهميان في نكت العميان 275 ، وحسن المحاضرة 1/219 ، وشذرات الذهب 1/26 ، ومعجم المطبوعات1/ 255 ، والأعلام 7/ 108 .
( [2] ) ينظر : أعيان العصر وأعوان النصر ، والدرر الكامنة 4/262، والوافي بالوفيات ، وفوات الوفيات 4/39 ، ونكت الهميان 275.
( [3] ) ينظر : ديوان الصبابة ، وأعيان العصر وأعوان النصر ، والدرر الكامنة ، والكشكول ، والوافي بالوفيات ، وفوات الوفيات .
( [4] ) ويروى : يحقق .
( [5] ) ينظر : أعيان العصر وأعوان النصر ، والدرر الكامنة ، والوافي بالوفيات ، وفوات الوفيات ، ونكت الهميان ، وهو في نهاية الأرب للنويري باختلافٍ بسيط .
( [6] ) في نهاية الأرب للنويري : وقبلت أغصانه اللدن فاكْ .
( [7] ) ويروى : عبدك .
( [8] ) ينظر : أعيان العصر وأعوان النصر ، والوافي بالوفيات ، وفوات الوفيات .
( [9] ) ينظر : أعيان العصر وأعوان النصر .
( [10] ) ينظر : تاج العروس ( حسب ) و ( نصب )
( [11] ) ينظر : تاج العروس نتج
( [12] ) ينظر : تاج العروس (صقب )
( [13] ) ينظر : تاج العروس فقأ و ( بثث )
( [14] ) ينظر : تاج العروس ( بثث )
( [15] ) تاريخ آداب اللغة العربية جرجي زيدان 4/ 153- 154.
( [16] ) وهو من مطبوعات جامعة الكويت سنة 1972م .
( [17] ) معجم المطبوعات 1 / 652 .
( [18] ) ينظر : خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر
(( [19] ((لسان العرب ( بدأ ) .
(( [20] ((لسان العرب ( قرب ) .
(( [21] ((لسان العرب ( غيا ) .
(( [22] ((لسان العرب ( سلم ) .
(( [23] ((لسان العرب ( بدأ) .
(( [24] ((لسان العرب ( خنا ) .
(( [25] ((لسان العرب ( عجز ) .
(( [26] ((لسان العرب ( كسر ) .
(( [27] ((لسان العرب ( سما ) .
(( [28] ((لسان العرب ( بار ) .
(( [29] ((لسان العرب ( جوز ) .
(( [30] ((لسان العرب ( قعد ) .
(( [31] ((لسان العرب ( رمل ) .
(( [32] ((لسان العرب ( فصل ) .
(( [33] ((لسان العرب ( جوز ) .
(( [34] ((لسان العرب ( كفا ) .
(( [35] ((لسان العرب ( عظل ) .
(( [36] ((لسان العرب (حذذ ) .
(( [37] ((لسان العرب ( بيت ) .
(( [38] ((لسان العرب ( خبل ) .
(( [39] ((لسان العرب ( دخل ) .
(( [40] ((لسان العرب ( طول ) .
(( [41] ((لسان العرب ( ضمر ) .
(( [42] ((لسان العرب ( عمد ) .
(( [43] ((لسان العرب ( وتد ) .
(( [44] ((لسان العرب ( تمم ) .
(( [45] ((لسان العرب ( قوا ) .
(( [46] ((لسان العرب ( شعث ) .
(( [47] ((لسان العرب ( طرف ) .
(( [48] ((لسان العرب ( صدر ) .
(( [49] ((لسان العرب ( مهل ) .
(( [50] ((لسان العرب ( سوا ) .
(( [51] ((لسان العرب ( ثمر ) .
(( [52] ((لسان العرب ( ضمر ) .
(( [53] ((لسان العرب ( جزل ) .
(( [54] ((لسان العرب ( خزل ) .
(( [55] ((لسان العرب ( دور ) .
(( [56] ((لسان العرب ( عمد ) .
(( [57] ((لسان العرب ( وتد ) .
(( [58] ((لسان العرب ( ألف ) .
(( [59] ((لسان العرب ( شعث ) .
(( [60] ((لسان العرب ( ضمن ) .
(( [61] ((لسان العرب ( حذا ) .
(( [62] ((لسان العرب (خزم) .
(( [63] ((لسان العرب ( رمل ) .
(( [64] ((لسان العرب ( روي ) .
(( [65] ((لسان العرب ( نبه ) .
(( [66] ((لسان العرب ( عرض ) .
(( [67] ((لسان العرب ( قفا ) .
(( [68] ((لسان العرب ( عجز ) .
(( [69] ((لسان العرب ( وجه ) .
(( [70] ((لسان العرب ( ردف ) .
(( [71] ((لسان العرب ( ها ) .
(( [72] ((لسان العرب ( ذهب ) .
(( [73] ((لسان العرب ( ضوط) .
(( [74] ((لسان العرب ( هزل ) .
(( [75] ((لسان العرب ( قصر ) .
(( [76] ((لسان العرب (حذذ ) .
(( [77] ((لسان العرب ( خرم ) .
(( [78] ((لسان العرب ( تنف ) .
(( [79] ((لسان العرب ( شبع ) .
(( [80] ((لسان العرب ( قوا ) .
(( [81] ((لسان العرب ( خنا ) .
(( [82] ((لسان العرب ( وصل ) .
(( [83] ((لسان العرب ( خرج ) .
(( [84] ((لسان العرب ( راز ) .
(( [85] ((لسان العرب ( قعد ) .
(( [86] ((لسان العرب ( وجه ) .
(( [87] ((لسان العرب (ضخم ) .
(( [88] ((لسان العرب ( قيد ) .
(( [89] ((لسان العرب ( هزل ) .
(( [90] ((لسان العرب ( قفا ) .
(( [91] ((لسان العرب (بهم ) .
(( [92] ((لسان العرب (خصر ) .
(( [93] ((لسان العرب (حقق ) .
(( [94] ((لسان العرب (بلا ) .
(( [95] ((لسان العرب ( سلم) .
(( [96] ((لسان العرب (جمل ) .
(( [97] ((ينظر ك تاج العروس ( حدث ) .
(( [98] ((النهاية في غريب الحديث ( حدث ) .
(( [99] ((لسان العرب (حدث ) .
(( [100] ((لسان العرب (قرا ) .
(( [101] ((لسان العرب (طلح ) .
(( [102] ((لسان العرب (غبر ) .
(( [103] ((لسان العرب (غضب ) .
(( [104] ((لسان العرب (ورث ) .
(( [105] ((لسان العرب (حفن ) .
(( [106] ((لسان العرب ( وجز ) .
(( [107] ((لسان العرب (الا ) . (( [108] ((لسان العرب (ترع ) .
(( [109] ((لسان العرب (عضه ) .
(( [110] ((لسان العرب (عقب ) .
(( [111] ((لسان العرب (خضب ) .
(( [112] ((لسان العرب (بغا ) .
(( [113] ((لسان العرب (عول ) .
(( [114] ((لسان العرب ( هول) .
(( [115] ((لسان العرب (قمص ) .
(( [116] ((لسان العرب (عيا ) .
(( [117] ((لسان العرب (صدح ) .
(( [118] ((لسان العرب ( لغز) .
(( [119] ((لسان العرب (بين ) .
(( [120] ((لسان العرب ( بدا ) .
(( [121] ((لسان العرب ( بار ) .
(( [122] ((لسان العرب ( ثرم ) .
(( [123] ((لسان العرب ( جوز ) .
(( [124] ((لسان العرب (حذذ ) .
(( [125] ((لسان العرب ( سما ) .
(( [126] ((لسان العرب ( خرم ) .
(( [127] ((لسان العرب ( رقل ) .
(( [128] ((لسان العرب ( تنف ) .
(( [129] ((لسان العرب ( سكن ) .
(( [130] ((لسان العرب ( شبع ) .
(( [131] ((لسان العرب ( شمم ) .
(( [132] ((لسان العرب ( أرق ) .
(( [133] ((لسان العرب ( صلم ) .
(( [134] ((لسان العرب ( ضمر ) .
(( [135] ((لسان العرب ( عمد ) .
(( [136] ((لسان العرب ( وتد ) .
(( [137] ((لسان العرب ( قطع ) .
(( [138] ((لسان العرب ( قوا ) .
(( [139] ((لسان العرب ( قعد ) .
(( [140] ((لسان العرب ( خنا ) .
(( [141] ((لسان العرب ( ضيف ) .
(( [142] ((لسان العرب ( ذين ) .
(( [143] ((لسان العرب ( كفا ) .
(( [144] ((لسان العرب ( عند ) .
(( [145] ((لسان العرب ( أبد ) .
(( [146] ((لسان العرب ( راي ) .
(( [147] ((لسان العرب ( عود ) .
(( [148] ((لسان العرب ( برا ) .
(( [149] ((لسان العرب ( بسط ) .
(( [150] ((لسان العرب ( ألف ) .
(( [151] ((لسان العرب ( بيت ) .
(( [152] ((لسان العرب ( أسس ) .
(( [153] ((لسان العرب ( تمم ) .
(( [154] ((لسان العرب ( حرد ) .
(( [155] ((لسان العرب ( رفل ) .
(( [156] ((لسان العرب ( شعث ) .
(( [157] ((لسان العرب ( صرع ) .
(( [158] ((لسان العرب ( ضمن ) .
(( [159] ((لسان العرب ( طرف ) .
(( [160] ((لسان العرب ( عجز ) .
(( [161] ((لسان العرب ( فعل ) .
(( [162] ((لسان العرب ( قطع ) .
(( [163] ((لسان العرب ( قفا ) .
(( [164] ((لسان العرب ( وجه ) .
(( [165] ((لسان العرب ( ثلم ) .
(( [166] ((لسان العرب ( جزل ) .
(( [167] ((لسان العرب ( جمم ) .
(( [168] ((لسان العرب ( حذف ) .
(( [169] ((لسان العرب ( حذا ) .
(( [170] ((لسان العرب ( حشا ) .
(( [171] ((لسان العرب ( خبل ) .
(( [172] ((لسان العرب ( خبن ) .
(( [173] ((لسان العرب ( مهل ) .
(( [174] ((لسان العرب ( سوا ) .
(( [175] ((لسان العرب ( ثمر ) .
(( [176] ((لسان العرب ( خرب ) .
(( [177] ((لسان العرب ( خرج ) .
(( [178] ((لسان العرب ( خزل ) .
(( [179] ((لسان العرب (خزم) .
(( [180] ((لسان العرب (خفف) .
(( [181] ((لسان العرب ( دور ) .
(( [182] ((لسان العرب ( دخل ) .
(( [183] ((لسان العرب ( سبج ) .
(( [184] ((لسان العرب ( ذلل ) .
(( [185] ((لسان العرب ( راز ) .
(( [186] ((لسان العرب ( ردف ) .
(( [187] ((لسان العرب ( رسس ) .
(( [188] ((لسان العرب ( رمل ) .
(( [189] ((لسان العرب ( روي ) .
(( [190] ((لسان العرب ( بكا ) .
(( [191] ((لسان العرب ( دمج ) .
(( [192] ((لسان العرب ( زحف ) .
(( [193] ((لسان العرب ( نبه ) .
(( [194] ((لسان العرب ( سلم ) .
(( [195] ((لسان العرب ( سبب ) .
(( [196] ((لسان العرب ( درك ) .
(( [197] ((لسان العرب ( سند ) .
(( [198] ((لسان العرب ( وجه ) .
(( [199] ((لسان العرب ( شتر ) .
(( [200] ((لسان العرب ( صحح ) .
(( [201] ((لسان العرب ( صدر ) .
(( [202] ((لسان العرب ( صلم ) .
(( [203] ((لسان العرب ( ضر ب ) .
(( [204] ((لسان العرب ( ها ) .
(( [205] ((لسان العرب ( وشح ) .
(( [206] ((لسان العرب ( مطا ) .
(( [207] ((لسان العرب ( عبد ) .
(( [208] ((لسان العرب (عهل ) .
(( [209] ((لسان العرب (ضخم ) .
(( [210] ((لسان العرب ( قرمص ) .
(( [211] ((لسان العرب ( ذهب ) .
(( [212] ((لسان العرب ( طرف ) .
(( [213] ((لسان العرب ( طول ) .
(( [214] ((لسان العرب ( طوي ) .
(( [215] ((لسان العرب ( عجز ) .
(( [216] ((لسان العرب ( عرض ) .
(( [217] ((لسان العرب ( عصب ) .
(( [218] ((لسان العرب ( عضب ) .
(( [219] ((لسان العرب ( عظل ) .
(( [220] ((لسان العرب ( عقص ) .
(( [221] ((لسان العرب ( عقل ) .
(( [222] ((لسان العرب ( جفل ) .
(( [223] ((لسان العرب ( غيا ) .
(( [224] ((لسان العرب ( غلا ) .
(( [225] ((لسان العرب ( فصل ) .
(( [226] ((لسان العرب ( فصل ) .
(( [227] ((لسان العرب ( قفا ) .
(( [228] ((لسان العرب ( قبض ) .
(( [229] ((لسان العرب ( قصم ) .
(( [230] ((لسان العرب ( قصد ) .
(( [231] ((لسان العرب ( قطف ) .
(( [232] ((لسان العرب ( كمل ) .
(( [233] ((لسان العرب ( ضوط) .
(( [234] ((لسان العرب ( كسر ) .
(( [235] ((لسان العرب ( بيع ) .
(( [236] ((لسان العرب ( عرا ) .
(( [237] ((لسان العرب ( كفف ) .
(( [238] ((لسان العرب ( درك ) .
(( [239] ((لسان العرب ( ردف ) .
(( [240] ((لسان العرب ( ركب ) .
(( [241] ((لسان العرب ( قرب ) .
(( [242] ((لسان العرب ( تمم ) .
(( [243] ((لسان العرب ( وتر ) .
(( [244] ((لسان العرب ( ثلث ) .
(( [245] ((لسان العرب ( ربع ) .
(( [246] ((لسان العرب ( جثث ) .
(( [247] ((لسان العرب ( جرا ) .
(( [248] ((لسان العرب ( جزأ ) .
(( [249] ((لسان العرب ( خلع ) .
(( [250] ((لسان العرب ( خمس ) .
(( [251] ((لسان العرب ( مدد ) .
(( [252] ((لسان العرب ( ذيل ) .
(( [253] ((لسان العرب ( رقب ) .
(( [254] ((لسان العرب ( ربع ) .
(( [255] ((لسان العرب ( رفل ) .
(( [256] ((لسان العرب ( سبغ ) .
(( [257] ((لسان العرب ( سمط ) .
(( [258] ((لسان العرب ( شطر ) .
(( [259] ((لسان العرب ( شكل ) .
(( [260] ((لسان العرب ( صرع ) .
(( [261] ((لسان العرب ( ضرع ) .
(( [262] ((لسان العرب ( عقب ) .
(( [263] ((لسان العرب ( علل ) .
(( [264] ((لسان العرب ( فعل ) .
(( [265] ((لسان العرب ( قضب ) .
(( [266] ((لسان العرب ( قصر ) .
(( [267] ((لسان العرب ( قطع ) .
(( [268] ((لسان العرب ( قطع ) .
(( [269] ((لسان العرب ( قعد ) .
(( [270] ((لسان العرب ( قيد ) .
(( [271] ((لسان العرب ( كشف ) .
(( [272] ((لسان العرب ( نهك ) .
(( [273] ((لسان العرب ( هزل ) .
(( [274] ((لسان العرب ( أسس ) .
(( [275] ((لسان العرب ( وفر ) .
(( [276] ((لسان العرب ( وقف ) .
(( [277] ((لسان العرب ( نقص ) .
(( [278] ((لسان العرب ( هزج ) .
(( [279] ((لسان العرب ( وفر ) .
(( [280] ((لسان العرب ( وفي ) .
(( [281] ((لسان العرب ( وتد ) .
(( [282] ((لسان العرب ( وزن ) .
(( [283] ((لسان العرب ( وصل ) .
(( [284] ((لسان العرب ( وقص ) .
(( [285] ((لسان العرب ( ها ) .
(( [286] ((لسان العرب (أنف ) .
(( [287] ((لسان العرب (بدع ) .
(( [288] ((لسان العرب ( بدل ) .
(( [289] ((لسان العرب (حذا ) .
(( [290] ((لسان العرب (خبع ) .
(( [291] ((لسان العرب (بهم ) .
(( [292] ((لسان العرب (حقق ) .
(( [293] ((لسان العرب (سهر ) .
(( [294] ((لسان العرب (عرر ) .
(( [295] ((لسان العرب (قرا ) .
(( [296] ((لسان العرب (رزق ) .
(( [297] ((لسان العرب (طلح ) .
(( [298] ((لسان العرب (غبر ) .
(( [299] ((لسان العرب (معز ) .
(( [300] ((لسان العرب (هبر ) .
(( [301] ((لسان العرب (جوز ) .
(( [302] ((لسان العرب (خدج ) .
(( [303] ((لسان العرب (خصر ) .
(( [304] ((لسان العرب (ربح ) .
(( [305] ((لسان العرب ( وجز ) .
(( [306] ((لسان العرب (خصر ) .
(( [307] ((لسان العرب (أيا ) .
(( [308] ((لسان العرب (قرد ) .
(( [309] ((لسان العرب (بين ) .
(( [310] ((لسان العرب (ثلث ) .
(( [311] ((لسان العرب (ثني ) .
(( [312] ((لسان العرب (جمع ) .
(( [313] ((لسان العرب (خمس ) .
(( [314] ((لسان العرب (( زوج ) ) .
(( [315] ((لسان العرب ( انن) .
(( [316] ((لسان العرب (الا ) .
(( [317] ((لسان العرب (حشا ) .
(( [318] ((لسان العرب (خلا ) .
(( [319] ((لسان العرب (عدا ) .
(( [320] ((لسان العرب (غير ) .
(( [321] ((لسان العرب (لكن ) .
(( [322] ((لسان العرب (ليس ) .
(( [323] ((لسان العرب (بلا ) .
(( [324] ((لسان العرب (بنن ) .
(( [325] ((لسان العرب (ترع ) .
(( [326] ((لسان العرب (خرف ) .
(( [327] ((لسان العرب (خضب ) .
(( [328] ((لسان العرب (روي ) .
(( [329] ((لسان العرب (شفر ) .
(( [330] ((لسان العرب (غضب ) .
(( [331] ((لسان العرب (ورث ) .
(( [332] ((لسان العرب (يدي ) .
(( [333] ((لسان العرب (حبب ) .
(( [334] ((لسان العرب (بوب ) .
(( [335] ((لسان العرب (امن ) .
(( [336] ((لسان العرب (بين ) .
(( [337] ((لسان العرب (جوا ) .
(( [338] ((لسان العرب (عرض ) .
(( [339] ((لسان العرب (اجل ) .
(( [340] ((لسان العرب (الا ) .
(( [341] ((لسان العرب (اما ) .
(( [342] ((لسان العرب (امم ) .
(( [343] ((لسان العرب (ايا ) .
(( [344] ((لسان العرب (بلل ) .
(( [345] ((لسان العرب (درك ) .
(( [346] ((لسان العرب (عبد ) .
(( [347] ((لسان العرب (علل ) .
(( [348] ((لسان العرب (قدر ) .
(( [349] ((لسان العرب (قول ) .
(( [350] ((لسان العرب (كيف ) .
(( [351] ((لسان العرب ( نعم) .
(( [352] ((لسان العرب (هجر ) .
(( [353] ((لسان العرب (هلل ) .
(( [354] ((لسان العرب (بغا ) .
(( [355] ((لسان العرب (ضرب ) .
(( [356] ((لسان العرب ( ) .
(( [357] ((لسان العرب (عول ) .
(( [358] ((لسان العرب (نقص ) .
(( [359] ((لسان العرب (امن ) .
(( [360] ((لسان العرب ( ثلط) .
(( [361] ((لسان العرب (ريش ) .
(( [362] ((لسان العرب ( حرث) .
(( [363] ((لسان العرب ( سلم) .
(( [364] ((لسان العرب ( فيل) .
(( [365] ((لسان العرب ( نغص) .
(( [366] ((لسان العرب ( بصع) .
(( [367] ((لسان العرب ( كمم) .
(( [368] ((لسان العرب ( طنب) .
(( [369] ((لسان العرب ( هول) .
(( [370] ((لسان العرب ( هيم) .
(( [371] ((لسان العرب ( قول) .
(( [372] ((لسان العرب ( لغز) .
(( [373] ((لسان العرب (اوا ) .
(( [374] ((لسان العرب (نحل ) .
(( [375] ((لسان العرب (نكر ) .
(( [376] ((لسان العرب ( جمع) .
(( [377] ((لسان العرب ( درع) .
(( [378] ((لسان العرب (وجز ) .
(( [379] ((لسان العرب ( وبا ) .
(( [380] ((لسان العرب (ومأ ) .
(( [381] ((لسان العرب (ومي ) .
(( [382] ((لسان العرب (بدع ) .
(( [383] ((لسان العرب (يايا ) .
(( [384] ((لسان العرب ( بلغ ) .
(( [385] ((لسان العرب (بين ) .
(( [386] ((لسان العرب (عيا ) .
(( [387] ((لسان العرب (هول ) .
(( [388] ((لسان العرب ( أبي) .
(( [389] ((لسان العرب (جمع ) .
(( [390] ((لسان العرب (رجب ) .
(( [391] ((لسان العرب (جهل ) .
(( [392] ((لسان العرب ( صدر) .
(( [393] ((لسان العرب (ثبج ) .
(( [394] ((لسان العرب ( اوا) .
(( [395] ((لسان العرب ( شنا) .
(( [396] ((لسان العرب ( عصا) .
(( [397] ((لسان العرب ( فا) .
(( [398] ((لسان العرب (بوب ) .
(( [399] ((لسان العرب (اثل ) .
(( [400] ((لسان العرب (اذن ) .
(( [401] ((لسان العرب (ارض ) .
(( [402] ((لسان العرب (ازر ) .
(( [403] ((لسان العرب (اسل ) .
(( [404] ((لسان العرب (اطم ) .
(( [405] ((لسان العرب (بحر ) .
(( [406] ((لسان العرب (بدر ) .
(( [407] ((لسان العرب (بزل) .
(( [408] ((لسان العرب (ثوب ) .
(( [409] ((لسان العرب (حفن ) .
(( [410] ((لسان العرب (خيط ) .
(( [411] ((لسان العرب (رحم ) .
(( [412] ((لسان العرب (عضه ) .
(( [413] ((لسان العرب (عقب ) .
(( [414] ((لسان العرب (فيح ) .
(( [415] ((لسان العرب (قرا ) .
(( [416] ((لسان العرب (كذا ) .
(( [417] ((لسان العرب (كلب ) .
(( [418] ((لسان العرب (كمي ) .
(( [419] ((لسان العرب (معع ) .
(( [420] ((لسان العرب (مها ) .
(( [421] ((لسان العرب (نعق ) .
(( [422] ((لسان العرب (وطا ) .
(( [423] ((لسان العرب (جمل ) .
(( [424] ((لسان العرب (صلف ) .
(( [425] ((لسان العرب (قذي ) .
(( [426] ((لسان العرب (كفف ) .
(( [427] ((لسان العرب (صدح ) .
(( [428] ((لسان العرب (اخا ) .
(( [429] ((لسان العرب (ذا ) .
(( [430] ((لسان العرب (ابي ) .
(( [431] ((لسان العرب (ارب ) .
(( [432] ((لسان العرب (امم ) .
(( [433] ((لسان العرب (عرض ) .
(( [434] ((لسان العرب (قمص ) .
(( [435] ((لسان العرب (طرف ) .
(( [436] ((لسان العرب (لحن ) .
(( [437] ((لسان العرب (ندح ) .
(( [438] ((لسان العرب (ببل ) .
(( [439] ((لسان العرب (شرب ) .
(( [440] ((لسان العرب ( عمي) .
(( [441] ((لسان العرب (دوا ) .
(( [442] ((لسان العرب (طرق ) .
(( [443] ((لسان العرب ( عسب) .
(( [444] ((لسان العرب (حوا ) .
(( [445] ((لسان العرب (عوج ) .
(( [446] ((لسان العرب (قرقف ) .
(( [447] ((لسان العرب (همم ) .
(( [448] ((لسان العرب (بجل ) .
(( [449] ((لسان العرب (حفا ) .
(( [450] ((لسان العرب (نقض ) .
(( [451] ((لسان العرب (ها ) .
(( [452] ((لسان العرب (بعل ) .
(( [453] ((لسان العرب (عتد ) .
(( [454] ((لسان العرب (نوع ) .
(( [455] ((لسان العرب (خضع ) .
(( [456] ((لسان العرب (دوا ) .
(( [457] ((لسان العرب (شبه ) .
(( [458] ((لسان العرب (لهث ) . (( [459] ((لسان العرب (وسط ) .
(( [460] ((لسان العرب (عرض) .
(( [461] ((لسان العرب (وذي ) .
(( [462] ((لسان العرب (ثني ) .
(( [463] ((لسان العرب (رحم ) .
(( [464] ((لسان العرب (صدر ) .
(( [465] ((لسان العرب (كلم ) .
(( [466] ((لسان العرب (ما ) .
(( [467] ((لسان العرب (هيم ) .
(( [468] ((لسان العرب (وكد ) .
(( [469] ((لسان العرب (جسد ) .
(( [470] ((لسان العرب (هيد ) .
(( [471] ((لسان العرب (حبض ) .
(( [472] ((لسان العرب (حلا ) .
(( [473] ((لسان العرب (اجن ) .
(( [474] ((لسان العرب (بلا ) .
(( [475] ((لسان العرب (حقق ) .
(( [476] ((لسان العرب (طلح ) .
(( [477] ((لسان العرب ( هول ) .
(( [478] ((لسان العرب (ضمن ) .
(( [479] ((لسان العرب (أما ) .
(( [480] ((لسان العرب (جرر ) .
(( [481] ((لسان العرب (امن ) .
(( [482] ((لسان العرب (اوا ) .
(( [483] ((لسان العرب (حمم ) .
(( [484] ((لسان العرب (حيا ) .
(( [485] ((لسان العرب (صنع ) .
(( [486] ((لسان العرب (رضع ) .
(( [487] ((لسان العرب (صدق ) .
(( [488] ((لسان العرب (صلا ) .
(( [489] ((لسان العرب (عبد ) .
(( [490] ((لسان العرب (قلا ) .
(( [491] ((لسان العرب (حسب ) .
(( [492] ((لسان العرب (رضي ) .
(( [493] ((لسان العرب (بصع ) .
(( [494] ((لسان العرب (كهن ) .
(( [495] ((لسان العرب (ظرف ) .
(( [496] ((لسان العرب (بنق ) .
(( [497] ((لسان العرب (امن ) .
(( [498] ((لسان العرب (بين ) .
(( [499] ((لسان العرب (جوا ) .
(( [500] ((لسان العرب (نقب ) .
(( [501] ((لسان العرب (طلح ) .
(( [502] ((لسان العرب (غبق ) .
(( [503] ((لسان العرب (أوا ) .
(( [504] ((لسان العرب (فا ) .
(( [505] ((لسان العرب (وا ) .
(( [506] ((لسان العرب (سند ) .
(( [507] ((لسان العرب (رمن ) .
(( [508] ((لسان العرب (فصح ) .
(( [509] ((لسان العرب (كنى ) .
(( [510] ((لسان العرب (قرر ) .
(( [511] ((لسان العرب (انف ) .
(( [512] ((لسان العرب (ورى ) .
(( [513] ((لسان العرب (وعى ) .
(( [514] ((لسان العرب (رقب ) .
(( [515] ((لسان العرب (شرب ) .
(( [516] ((لسان العرب (ضرب ) .
(( [517] ((لسان العرب (قمح ) .
(( [518] ((لسان العرب (بجر ) .
(( [519] ((لسان العرب (كذا ) .
(( [520] ((لسان العرب (لحن ) .
(( [521] ((لسان العرب ( لطف) .
(( [522] ((لسان العرب (خضب ) .
(( [523] ((لسان العرب ( شيب) .
(( [524] ((لسان العرب (غرب ) .
(( [525] ((لسان العرب (شعر ) .
(( [526] ((لسان العرب (جوب ) .
(( [527] ((لسان العرب (حبب ) .
(( [528] ((لسان العرب (غلب ) .
(( [529] ((لسان العرب (حدث ) .
(( [530] ((لسان العرب (سحح ) .
(( [531] ((لسان العرب (رفد ) .
(( [532] ((لسان العرب (جرر ) .
(( [533] ((لسان العرب (حقق ) .
(( [534] ((لسان العرب (ذوق ) .
(( [535] ((لسان العرب (قول ) .
(( [536] ((لسان العرب (امن ) .
(( [537] ((لسان العرب (حفن ) .
(( [538] ((لسان العرب (يمن ) .
(( [539] ((لسان العرب (فدى ) .
(( [540] ((لسان العرب (عجب ) .
(( [541] ((لسان العرب (ذبح ) .
(( [542] ((لسان العرب (رشد ) .
(( [543] ((لسان العرب (زبد ) .
(( [544] ((لسان العرب (غيظ ) .
(( [545] ((لسان العرب (صبع ) .
(( [546] ((لسان العرب (وضع ) .
(( [547] ((لسان العرب (عطف ) .
(( [548] ((لسان العرب (شرق ) .
(( [549] ((لسان العرب (رحم ) .
(( [550] ((لسان العرب (جنس ) .
(( [551] ((لسان العرب (حرج ) .
(( [552] ((لسان العرب (ترب ) .
(( [553] ((لسان العرب (سحر ) .
(( [554] ((لسان العرب (أمم ) .
(( [555] ((لسان العرب (مسخ ) .
(( [556] ((لسان العرب (صقع ) .
(( [557] ((لسان العرب (عمى ) .
(( [558] ((لسان العرب (نسق ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جلد 3. الحيوان للجاحظ /الجزء الثالث

  الجزء الثالث بسم الله الرحمن الرحيم فاتحة استنشاط القارئ ببعض الهزل وإن كنَّا قد أمَلْلناك بالجِدِّ وبالاحتجاجاتِ الصحيحة والم...