كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس


مراجع في المصطلح واللغة

مراجع في المصطلح واللغة

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 مايو 2022

مجلد 14..الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 357 .

 

14.

مجلد 14..الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 357 .

 ------
بُهْتاناً البهتان : الكذب المفرط الذي يتعجب منه ، يعنى : التزنية.
[سورة النساء (4) : الآيات 157 الى 159]
وَ قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159)
157 - وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً :
وَ ما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ رد لقولهم.
وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ألقى الشبه على غيره. والفعل مسند إلى الجار والمجرور ، كما تقول : خيل إليه ، كأنه قيل : ولكن وقع لهم التشبيه. ويجوز أن يسند إلى ضمير المقتول ، لأن قوله إِنَّا قَتَلْنَا يدل عليه ، كأنه قيل :
و لكن شبه لهم من قتلوه.
إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ استثناء منقطع ، لأن اتباع الظن ليس من جنس العلم. يعنى : ولكنهم يتبعون الظن.
وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً وما قتلوه قتلا يقينا ، أو ما قتلوه متيقنين ، كما ادعوا ذلك فى قولهم إِنَّا قَتَلْنَا.
ويجوز أن يكون يَقِيناً تأكيدا لقوله وَما قَتَلُوهُ ، كقولك :
ما قتلوه حقا. أي حق انتفاء قتله حقا.
وقيل : هو من قولك : قتلت الشيء علما ، إذا تبالغ فيه علمك.
وفيه تهكم.
158 - بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً :
بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ابتداء كلام مستأنف ، أي إلى السماء.
وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً أي قويا بالنقمة من اليهود تسلط عليهم من قتل منهم مقتلة عظيمة.
حَكِيماً حكم عليهم باللعنة والغضب.
159 - وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً :

(1/4078)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 358
لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف ، تقديره :
و ان من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به.
والمعنى : وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى ، وبأنه عبد اللّه ورسوله. والمقصود الوعيد ، وليكون علمهم بأنهم لا بد لهم من الإيمان به عن قرب عند المعاينة وأن ذلك لا ينفعهم ، بعثا لهم على معاجلة الإيمان به فى أول الانتفاع به ، وليكون إلزاما للحجة لهم.
وقيل : الضميران لعيسى ، بمعنى : وان منهم أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون فى زمان نزوله. فقد روى أنه ينزل من السماء فى آخر الزمان فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به ، حتى تكون الملة واحدة وهى الإسلام ، ويهلك اللّه فى زمانه الدجال.
وقيل : الضمير فى بِهِ يرجع إلى اللّه تعالى :
و قيل : إلى محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً يشهد على اليهود بأنهم كذبوه ، وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن اللّه.
[سورة النساء (4) : الآيات 160 الى 161]
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161)
160 - فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً :
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا فبأى ظلم منهم.
والمعنى : ما حرمنا عليهم الطيبات إلا لظلم عظيم ارتكبوه. والطيبات التي حرمت عليهم ما ذكره تعالى فى قوله وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ.
وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً أي ناسا كثيرا ، أو صدا كثيرا.
161 - وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً :

(1/4079)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 359
بِالْباطِلِ بغير حق.
[سورة النساء (4) : الآيات 162 الى 165]
لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (162) إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165)
162 - لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً :
لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الثابتون فيه المتقنون المستبصرون ، رفع على الابتداء.
وَ الْمُؤْمِنُونَ أي المؤمنون منهم ، أو المؤمنون من المهاجرين والأنصار.
يُؤْمِنُونَ خبر.
وَ الْمُقِيمِينَ نصب على المدح لبيان فضل الصلاة.
وقيل : هو عطف على بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ أي يؤمنون بالكتاب وبالمقيمين الصلاة ، وهم الأنبياء.
163 - إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً :
إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، واحتجاج عليهم بأن شأنه فى الوحى إليه كشأن سائر الأنبياء الذين سلفوا.
164 - وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً :
وَ رُسُلًا نصب بمضمر فى معنى : أوحينا إليك ، وهو أرسلنا ، أو بما فسره قَصَصْناهُمْ.
165 - رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً :

(1/4080)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 360
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ نصب على المدح. وقيل على البدل من وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ.
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ فيقولوا : ما أرسلت إلينا رسولا ، وما أنزلت علينا كتابا.
[سورة النساء (4) : الآيات 166 الى 169]
لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (166) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (169)
166 - لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً :
لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ أي إن اللّه يشهد أنا أوحينا إليك ، وهذا رد على قولهم لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، حين نزل إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ : ما نشهد لك بهذا.
ومعنى شهادة اللّه بما أنزل إليه إثباته لصحته بإظهار المعجزات ، كما تثبت الدعاوى بالبينات.
الْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ بأنه حق وصدق.
وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً وإن لم يشهد غيره. أي وتغنيك أيها الرسول شهادة اللّه عن كل شهادة.
167 - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً :
أي إن الذين كفروا فلم يصدقوك ، وصدوا الناس ومنعوهم عن الدخول فى دين اللّه ، قد بعدوا عن الحق بعدا شديدا.
168 - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً :
كَفَرُوا وَظَلَمُوا جمعوا بين الكفر والمعاصي.
169 - إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً :
أي لا يهديهم يوم القيامة طريقا إلا طريق جهنم.
يَسِيراً أي لا صارف عنه.

(1/4081)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 361
[سورة النساء (4) : الآيات 170 الى 171]
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (170) يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (171)
170 - يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً :
فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ انتصابه بمضمر ، أي اقصدوا ، أو اثنوا خيرا لكم مما أنتم فيه من الكفر.
171 - يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا :
لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غلت اليهود فى حط المسيح عن منزلته حيث جعلته مولودا لغير رشدة وغلت النصارى فى رفعه عن مقداره حيث جعلوه إلها.
وَ كَلِمَتُهُ لأنه وجد بكلمة منه وأمر لا غير.
أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ أوصلها إليها وحصلها فيها.
ثَلاثَةٌ خبر مبتدأ محذوف ، أي الآلهة ثلاثة ، أو للّه ثلاثة أقانيم :
أقنوم الأب ، وأقنوم الابن ، وأقنوم روح القدس ، ويريدون بأقنوم الأب : الذات ، وبأقنوم الابن : العلم ، وبأقنوم روح القدس : الحياة.
ومدلول القرآن صريح فى أنهم يريدون بالثلاثة : اللّه ومريم والمسيح.
يدل عليه قوله تعالى أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ سبحه تسبيحا من أن يكون له ولد.
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ بيان لتنزهه عما نسب إليه.
يعنى أن كل ما فيها خلقه وملكه ، فكيف يكون بعضه جزءا منه ، على أن الجزء إنما يصح فى الأجسام وهو متعال عن صفات الأجسام والأعراض.

(1/4082)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 362
وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا يكل إليه الخلق كلهم أمورهم ، فهو الغنى عنهم وهم الفقراء إليه.
[سورة النساء (4) : الآيات 172 الى 174]
لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)
172 - نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً
:
ْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ
لن يأنف المسيح ولن يذهب بنفسه عزة.
لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
و لا من هو أعلى قدرا وأعظم منه خطرا وهم الملائكة الذين هم حول العرش.
173 - فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً :
فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ فيوفيهم ثواب أعمالهم.
وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إكراما وإنعاما.
وَ أَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا أنفوا أن يعبدوه.
وَ اسْتَكْبَرُوا وترفعوا أن يشكروه.
وَ لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً لن يدفع عنهم العذاب معين ، ولا يمنعهم منهم نصير.
174 - يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً :
يا أَيُّهَا النَّاسُ جميعا.
قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ قد جاءتكم الدلائل الواضحة على صدق الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم.

(1/4083)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 363
وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً وأنزلنا إليكم على لسانه قرآنا كالنور ، يضىء الطريق ويهديكم إلى النجاة.
[سورة النساء (4) : الآيات 175 الى 176]
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175) يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)
175 - فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً :
وَ اعْتَصَمُوا بِهِ وتمسكوا بدينه.
فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ فسيدخلهم فى الآخرة جناته.
وَ فَضْلٍ ويغمرهم بفيض رحمته ويشملهم بواسع فضله.
وَ يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً وسيوفقهم فى الدنيا إلى الثبات على صراطه المستقيم.
176 - يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ :
(يسألونك) أيها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
فِي الْكَلالَةِ عن ميراث من مات ولا ولد له ولا والد.
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ يبين اللّه لكم هذا البيان.
أَنْ تَضِلُّوا حتى لا تضلوا فى تقسيم الأنصباء.
وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ واللّه عالم بكل شىء من أعمالكم وأفعالكم ، ومجازيكم عليها.

(1/4084)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 364
(5) سورة المائدة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة المائدة (5) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (1)
1 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ :
بِالْعُقُودِ العقود ، جمع عقد ، وهو العهد الموثق ، شبه بعقد الحبل. وهى عقود اللّه التي عقدها على عباده وألزمها إياهم من مواجب التكليف.
وقيل : هى ما يعقدون بينهم من عقود الأمانات ويتحالفون عليه ويتماسحون من المبايعات ونحوها.
بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ البهيمة : كل ذات أربع ، وإضافتها إلى الأنعام للبيان وهى الإضافة التي بمعنى (من). والمعنى : البهيمة من الأنعام.
وبهيمة الأنعام : الأزواج الثمانية.
إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ إلا ما حرم ما يتلى عليكم من القرآن ، وإلا ما يتلى عليكم آية تحريمه. وقيل : بهيمة الأنعام : الظباء ، وبقر الوحش ، ونحوها. كأنهم أرادوا ما يماثل الأنعام ويدانيها من جنس البهائم فى الاجترار وعدم الأنياب ، فأضيفت إلى الأنعام لملابسة الشبه.
غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ نصب على الحال من الضمير فى لَكُمْ. أي أحلت لكم هذه الأشياء لا محلين الصيد.
وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ حال عن مُحِلِّي الصَّيْدِ كأنه قيل : أحللنا لكم بعض الأنعام فى حال امتناعكم من الصيد وأنتم محرمون لئلا تحرج عليكم.
إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ من الأحكام ويعلم أنه حكمة ومصلحة.

(1/4085)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 365
[سورة المائدة (5) : آية 2]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2)
2 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ :
لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ الشعائر جمع شعيرة ، وهى اسم ما أشعر ، أي جعل شعارا وعلما للنسك من مواقف الحج ، ومرامى الجمار والمطاف ، والمسعى والأفعال التي هى علامات لحج يعرف بها ، من الإحرام ، والطواف ، والسعى ، والحلق ، والنحر.
وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرامَ الشهر الحرام : شهر الحج.
وَ لَا الْهَدْيَ الهدى : ما أهدى إلى البيت وتقرب به إلى اللّه من النسك.
وَ لَا الْقَلائِدَ القلائد ، جمع قلادة ، وهى ما قلد به الهدى من نعل أو عروة مزادة أو لحاء شجر أو غيره.
و المراد ذوات القلائد من الهدى ، وهى البدن وتعطف على الهدى للاختصاص ، وزيادة التوصية بها لأنها أشرف الهدى. وقد يكون المراد النهى عن التعرض لقلائد الهدى مبالغة فى النهى عن التعرض للهدى ، على معنى : ولا تحلوا قلائدها فضلا عن أن تحلوها.
وَ لَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ ولا قاصدين المسجد الحرام ، وهم الحجاج والعمار. أي ولا تحلوا قوما قاصدين المسجد الحرام. وإحلال هذه الأشياء أن يتهاون بحرمة الشعائر وأن يحال بينها وبين المتنسكين بها ، وأن يحدثوا فى أشهر الحج ما يصدون به الناس عن الحج ، وأن يتعرض الهدى بالغصب ، أو بالمنع من بلوغ محله.
يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وهو الثواب.
وَ رِضْواناً وأن يرضى عنهم.

(1/4086)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 366
أي لا تتعرضوا لقوم هذه صفتهم تعظيما واستنكارا أن يتعرض لمثلهم.
وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا إباحة للاصطياد بعد حظر. كأنه قيل :
و إذا حللتم فلا جناح عليكم أن تصطادوا.
وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ لا يحملنكم.
شَنَآنُ قَوْمٍ بعض قوم.
أَنْ صَدُّوكُمْ بف
و قرىء (إن
المائدة (5) : آية 3]
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)
3 - حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ حرم اللّه عليكم أيها المؤمنون.
الْمَيْتَةُ أكل لحم الميتة ، وهى ما فارقته الروح من غير ذبح شرعى.

(1/4087)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 367
وَ الدَّمُ وأكل الدم السائل.
وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ وما ذكر اسم غير اللّه عليه عند ذبحه.
وَ الْمُنْخَنِقَةُ وما مات خنقا ، أو التي ضربت حتى ماتت.
وَ الْمَوْقُوذَةُ التي أثخنوها ضربا بعصا أو حجر حتى ماتت.
وَ الْمُتَرَدِّيَةُ أو ما سقط من علو فمات.
وَ النَّطِيحَةُ وما مات بسبب نطح غيره له.
وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ وما مات بسبب أكل حيوان مفترس منه.
إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وأما ما أدركتموه وفيه حياة ، مما يحل لكم أكله ، وذبحتموه ، فهو حلال لكم بالذبح.
وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وحرم اللّه عليكم ما ذبح قربة للأصنام.
وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ وحرم عليكم أن تطلبوا معرفة ما كتب فى الغيب بواسطة القرعة بالأقداح.
ذلِكُمْ أي تناولكم شيئا مما سبق تحريمه.
فِسْقٌ ذنب عظيم وخروج عن طاعة اللّه.
الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ من الآن انقطع رجاء الكفار فى القضاء على دينكم.
فَلا تَخْشَوْهُمْ فلا تخافوا أن يتغلبوا عليكم.
وَ اخْشَوْنِ واتقوا مخالفة أو امرى.
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ اليوم أكملت لكم أحكام دينكم.
وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي بإعزازكم وتثبيت أقدامكم.
وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً واخترت لكم الإسلام دينا.
فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ فمن ألجأته ضرورة جوع إلى تناول شىء من المحرمات السابقة ففعل لدفع الهلاك عن نفسه.
غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ غير منحرف إلى المعصية.

(1/4088)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 368
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فإن اللّه يغفر للمضطر ما أكل دفعا للهلاك ، وهو رحيم به فيما أباح.
[سورة المائدة (5) : الآيات 4 الى 5]
يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5)
4 - يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ :
يَسْئَلُونَكَ يسألك المؤمنون أيها الرسول.
ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ من طعام وغيره.
قُلْ قل لهم.
أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ أحل اللّه لكم كل طيب تستطيبه النفوس السليمة.
وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ وأحل لكم ما تصطاده الجوارح التي علمتموها الصيد بالتدريب.
مُكَلِّبِينَ على الحال من عَلَّمْتُمْ ، والمكلب : مؤدب الجوارح ومضريها بالصيد لصاحبها.
تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ مستمدين ذلك مما علمكم اللّه.
فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ من صيدها الذي أرسلتموه إليه وأمسكنه عليكم.
وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ واذكروا اسم اللّه عند إرسالها.
وَ اتَّقُوا اللَّهَ بالتزام ما شرع لكم ولا تتجاوزوه واحذروا مخالفة اللّه فيه.
5 - الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ :

(1/4089)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 369
الْيَوْمَ منذ نزول هذه الآية.
أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ أحل اللّه لكم كل طيب تستطيبه النفوس السليمة.
وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وأحل لكم طعام أهل الكتاب وذبائحهم مما لم يرد نص بتحريمه.
وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ كما أحل لهم طعامكم.
وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وأحل لكم زواج الحرائر العفائف من المؤمنات ومن أهل الكتاب.
إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ إذا أديتم لهن مهورهن قاصدين الزواج.
غَيْرَ مُسافِحِينَ غير مستبيحين العلاقات غير الشرعية علانية.
وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ أو بطريق اتخاذ الخلائل.
وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ومن يجحد الدين فقد ضاع ثواب عمله الذي كان يظن أنه قربى.
وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ الهالكين.
[سورة المائدة (5) : آية 6]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)
6 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ :
إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ إذا أردتم القيام إلى الصلاة ولم تكونوا متوضئين.

(1/4090)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 370
فَاغْسِلُوا فتوضئوا بغسل وجوهكم وأيديكم مع المرافق ، وامسحوا برؤوسكم كلها أو بعضها واغسلوا أرجلكم مع الكعبين.
وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً عند القيام إلى الصلاة بسبب ملامسة أزواجكم.
فَاطَّهَّرُوا بغسل أبدانكم بالماء.
وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى مرضا يمنع من استعمال الماء.
أَوْ عَلى سَفَرٍ أو كنتم مسافرين يتعسر عليكم وجود الماء.
أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أو عند رجوعكم من مكان قضاء الحاجة.
أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ جامعتموهن.
فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فعليكم بالتيمم بالتراب الطهور.
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ بمسح وجوهكم وأيديكم به.
ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ما يريد اللّه فيما أمركم به أن يضيق عليكم.
وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ولكنه شرع ذلك لتطهيركم ظاهرا وباطنا.
وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ بالهداية والبيان والتيسير.
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لتشكروا اللّه على هدايته وتمام نعمته بالمداومة على طاعته.
[سورة المائدة (5) : آية 7]
وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7)
7 - وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ :
نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بهدايتكم إلى الإسلام.
وَ مِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ وحافظوا على تنفيذ عهده الذي عاهدكم عليه.

(1/4091)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 371
إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا حين بايعتم رسوله على السمع والطاعة.
وَ اتَّقُوا اللَّهَ بالمحافظة على هذه العهود.
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فإنه سبحانه عليم بخفيات قلوبكم فمجازيكم عليها.
[سورة المائدة (5) : الآيات 8 الى 9]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9)
8 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يا أيها المؤمنون.
كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ حافظوا محافظة تامة على أداء حقوق اللّه.
شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وأدوا الشهادة بين الناس على وجهها الحق.
وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا ولا يحملنكم بغضكم الشديد لقوم على أن تجانبوا العدل معهم.
اعْدِلُوا بل التزموا العدل.
هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى فهو أقرب سبيل إلى خشية اللّه والبعد عن غضبه.
وَ اتَّقُوا اللَّهَ واخشوا اللّه فى كل أموركم.
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فإنه سبحانه عليم بكل ما تفعلون ، ومجازيكم عليه.
9 - وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ :
الَّذِينَ آمَنُوا صدقوا بدينه.
وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وعملوا الأعمال الصالحة.
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ أن يعفو عن ذنوبهم.

(1/4092)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 372
وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ ويجزل لهم الثواب.
[سورة المائدة (5) : الآيات 10 الى 11]
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
10 - وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ :
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا جحدوا دينه.
وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا بآياته الدالة على وحدانيته ، وصدق رسالته.
أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ فأولئك هم أهل جهنم المخلدون فيها.
11 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يا أيها المؤمنون.
اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ تذكروا نعمة اللّه عليكم فى وقت الشدة.
إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ حين هم جماعة من المشركين أن يفتكوا بكم وبرسولكم صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ فمنع أذاهم عنكم ونجاكم منه.
وَ اتَّقُوا اللَّهَ والزموا تقوى اللّه.
وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ واعتمدوا عليه وحده فى أموركم فهو كافيكم. وشأن المؤمن أن يكون اعتماده على اللّه وحده دائما.
والآية الكريمة تشير إلى ما كان من المشركين حين رأوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم وأصحابه قاموا إلى صلاة الظهر يصلون معا ، وذلك بعسفان فى غزوة ذى أنمار. فلما صلى المسلمون ندم المشركون أن كانوا أكبوا عليهم.
و قيل : إنها تشير إلى ما كان من بنى قريظة حين أتاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ومعه الشيخان وعلى رضى اللّه عنهم يستقرضهم دية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمري خطأ يحسبهما مشركين ، فقالوا : نعم يا أبا القاسم ، اجلس حتى نطعمك ونقرضك ، فأجلسوه فى صفة وهموا بالفتك به ، فجاء جبريل فأخبره ، فخرج.

(1/4093)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 373
[سورة المائدة (5) : الآيات 12 الى 13]
وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)
12 - وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ :
وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ إن اللّه أخذ العهد على بنى إسرائيل بالسمع والطاعة.
وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً فأقام عليهم اثنى عشر رئيسا منهم لتنفيذ العهد.
وَ قالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ووعدهم اللّه وعدا مؤكدا بأن يكون معهم بالعون.
لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ أن أدوا الصلاة على وجهها.
وَ آتَيْتُمُ الزَّكاةَ وآتوا الزكاة المفروضة عليهم.
وَ آمَنْتُمْ بِرُسُلِي وصدقوا برسله جميعا.
وَ عَزَّرْتُمُوهُمْ ونصروهم.
وَ أَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وأنفقوا فى سبيل الخير.
لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ إذا ما فعلوا ذلك تجاوز عن ذنوبهم.
وَ لَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وأدخلهم جناته التي تجرى من تحتها الأنهار.
فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فمن كفر ونقض العهد منهم بعد ذلك.
فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ فقد حاد عن الطريق السوي المستقيم.
13 - فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ :

(1/4094)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 374
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ فبسبب نقض بنى إسرائيل عهودهم.
لَعَنَّاهُمْ استحقوا الطرد من رحمة اللّه.
وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً وصارت قلوبهم صلبة لا تلين لقبول الحق.
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وأخذوا يصرفون كلام اللّه فى التوراة عن معناه إلى ما يوافق أهواءهم.
وَ نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وتركوا نصيبا وافيا مما أمروا به فى التوراة.
وَ لا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ وستظل أيها الرسول ترى منهم ألوانا من الغدر ونقض العهد.
إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ إلا نفرا قليلا منهم آمنوا بك فلم يخونوا ولم يغدروا.
فَاعْفُ عَنْهُمْ فتجاوز أيها الرسول عما فرط من هؤلاء.
وَ اصْفَحْ وأحسن إليهم.
[سورة المائدة (5) : آية 14]
وَ مِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (14)
14 - وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ :
وَ مِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى بالإيمان بالإنجيل.
أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ العهد عليهم.
فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فتركوا نصيبا مما أمروا به فى الإنجيل.
فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ فعاقبهم اللّه على ذلك بإثارة العداوة والخصومة بينهم فصاروا فرقا متعادية إلى يوم القيامة.
وَ سَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ وسوف يخبرهم اللّه يومئذ بما كانوا يعملون ويجازيهم عليه.

(1/4095)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 375
[سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 17]
يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)
15 - يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ :
قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ يظهر لكم كثيرا مما كنتم تكتمونه من التوراة والإنجيل.
وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ويدع كثيرا مما أخفيتموه لم تدع الحاجة إلى إظهاره.
قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ قد جاءكم من عند اللّه شريعة كاملة هى نور فى ذاتها.
وَ كِتابٌ مُبِينٌ يبينها كتاب واضح.
16 - يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ :
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ يهدى اللّه بهذا الكتاب.
مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ من اتجه إلى مرضاته.
سُبُلَ السَّلامِ إلى سبيل النجاة.
وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ من ظلمات الكفر إلى الإيمان بتوفيقه.
وَ يَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ويرشدهم إلى طريق الحق.
17 - لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ الذين زعموا باطلا أن اللّه هو المسيح ابن مريم.

(1/4096)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 376
قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فقل أيها الرسول لهؤلاء المجترئين على مقام الألوهية : لا يستطيع أحد منكم أن يمنع مشيئة اللّه إن أراد أن يهلك عيسى وأمه.
وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ويهلك جميع من فى الأرض.
وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فإن للّه وحده ملك السماوات والأرض وما بينهما.
يَخْلُقُ ما يَشاءُ على أي مثال أراد.
وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ واللّه عظيم القدرة لا يعجزه شىء.
[سورة المائدة (5) : الآيات 18 الى 19]
وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)
18 - وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ :
نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ إننا المفضلون لأننا أبناء اللّه والمحببون إليه.
قُلْ فقل لهم أيها الرسول.
فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ فلما ذا يعذبكم بذنوبكم ويصليكم نار جهنم.
بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ لقد كذبتم لأنكم كسائر البشر مخلوقون ومحاسبون على أعمالكم.
يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وبيد اللّه وحده المغفرة لمن يشاء أن يغفر له ، والعذاب لمن شاء أن
وَ
19 -
ُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ
و منحكم من النعم الأخرى ما لم يؤت أحدا غيركم من العالمين.
21 - يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ :
ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ وهى بيت المقدس. وقيل : فلسطين.
الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ التي قدر اللّه عليكم دخولها.

(1/4097)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 378
وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ ولا تتراجعوا أمام أهلها الجبارين.
فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ فتعودوا خاسرين نصر اللّه ورضوانه.
[سورة المائدة (5) : الآيات 22 الى 25]
قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (22) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (24) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (25)
22 - قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ :
إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ إن فى هذه الأرض جبابرة لا طاقة لنا بهم.
23 - قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ :
مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ من الذين يخشون اللّه.
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا بالإيمان والطاعة.
ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ مفاجئين.
فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فإذا فعلتم ذلك.
فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ فإنكم منتصرون عليهم.
وَ عَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وتوكلوا على اللّه وحده فى كل أموركم إن كنتم صادقى الإيمان.
24 - قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ :
لَنْ نَدْخُلَها نفى لدخولهم فى المستقبل على وجه التأكيد المؤيس.
أَبَداً تعليق للنفى المؤكد بالدهر المتطاول.
ما دامُوا فِيها بيان للأبد.
فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ استهانة باللّه ورسوله وقلة مبالاة بهما.
25 - قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ :

(1/4098)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 379
قالَ رَبِّ فزع موسى إلى ربه قائلا :
إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي لا سلطان لى إلا على نفسى وأخى.
فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ فاقض بعدلك بيننا ، وبين هؤلاء المعاندين.
[سورة المائدة (5) : الآيات 26 الى 27]
قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (26) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)
26 - قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ :
فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً حرم على هؤلاء المخالفين دخول هذه الأرض طيلة أربعين سنة.
يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ يضلون فى الصحراء لا يهتدون إلى جهة.
فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ لا تحزن على ما أصابهم فإنهم فاسقون خارجون عن أمر اللّه.
27 - وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ :
وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ اقرأ أيها النبي على اليهود.
نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ خبر هابيل وقابيل ابني آدم.
بِالْحَقِّ وأنت صادق.
إِذْ قَرَّبا قُرْباناً حين تقرب كل منهما إلى اللّه بشىء.
فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما فتقبل اللّه قربان أحدهما لإخلاصه.
وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ ولم يتقبل من الآخر لعدم إخلاصه.
قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ فحسد أخاه وتوعده بالقتل حقدا عليه.
قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ فرد عليه أخوه مبينا له أن اللّه لا يتقبل العمل إلا من الأتقياء المخلصين فى تقربهم.

(1/4099)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 380
[سورة المائدة (5) : الآيات 28 الى 32]
لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)
28 - لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ :
لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي لئن أغواك الشيطان فمددت يدك نحوى لتقتلنى.
ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ فلن أعاملك بالمثل ولن أمد يدى إليك لأقتلك.
إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ لأنى أخاف عذاب ربى ، وهو رب العالمين.
29 - إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ :
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ لتحمل ذنب قتلك لى مع ذنبك فى عدم إخلاصك للّه من قبل.
30 - فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ :
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ فسهلت له نفسه أن يخالف الفطرة وأن يقتل أخاه.
31 - فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ :
يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ ينبش تراب الأرض ليدفن غرابا ميتا.
سَوْأَةَ أَخِيهِ جثة أخيه.
32 - مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ :

(1/4100)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 381
مِنْ أَجْلِ ذلِكَ بسبب ذلك الطغيان وحب الاعتداء فى بعض النفوس.
مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ بغير ما يوجب القصاص.
أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ أو بغير فساد منها فى الأرض.
[سورة المائدة (5) : الآيات 33 الى 35]
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)
33 - إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ :
إِنَّما جَزاءُ إنما عقاب.
الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بخروجهم على نظام الحكم وأحكام الشرع.
أَنْ يُقَتَّلُوا بمن قتل.
أَوْ يُصَلَّبُوا إذا قتلوا وغصبوا المال.
أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ إذا قطعوا الطريق وغصبوا المال ولم يقتلوا.
أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ إذا لم يزيدوا على الإخافة.
34 - إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا من هؤلاء المحاربين للنظام وقطاع الطريق.
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ من قبل أن تتمكنوا منهم.
فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فإن عقوبة اللّه المذكورة تسقط عنهم وتبقى عليهم حقوق العباد.
35 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ :
اتَّقُوا اللَّهَ خافوا اللّه باجتناب نواهيه وإطاعة أوامره.

(1/4101)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 382
وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ واطلبوا ما يقربكم إلى ثوابه من فعل الطاعات والخيرات.
وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ وجاهدوا فى سبيله وإعلاء دينه.
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ لعلكم تفوزون بكرامته وثوابه.
[سورة المائدة (5) : الآيات 36 الى 39]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (37) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)
36 - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ :
لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً لو كان عندهم ما فى الأرض جميعا.
وَ مِثْلَهُ مَعَهُ أي مثل ما فى الأرض.
لِيَفْتَدُوا بِهِ وأرادوا أن يجعلوه فدية لأنفسهم.
ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ ما نفعهم الافتداء بهذا كله.
37 - يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ :
عَذابٌ مُقِيمٌ دائم مستمر.
38 - وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :
بِما كَسَبا بما ارتكبا.
نَكالًا مِنَ اللَّهِ عقوبة لهما ، وزجرا وردعا. لغيرهما.
39 - فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ من بعد اعتدائه.
وَ أَصْلَحَ عمله واستقام.
فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ فإن اللّه يتقبل توبته.

(1/4102)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 383
[سورة المائدة (5) : الآيات 40 الى 41]
أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41)
40 - أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :
يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ تعذيبه بحكمته وقدرته.
وَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ أن يغفر له بحكمته ورحمته.
41 - يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ :
مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ من هؤلاء المخادعين الذين قالوا آمنا بألسنتهم.
وَ مِنَ الَّذِينَ هادُوا ومن اليهود.
لَمْ يَأْتُوكَ لم يحضروا مجلسك تكبرا وبغضا.
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ يبدلون ما جاء فى التوراة.
مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ من بعد أن أقامه اللّه ، وأحكمه فى مواضعه.
إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ إن أوتيتم هذا الكلام المحرف المبدل فاقبلوه.
وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ وإن لم يأتكم.
فَاحْذَرُوا أن تقبلوا غيره.
وَ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ ومن يرد اللّه ضلاله لانغلاق قلبه.
فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فلن تستطيع أن تهديه أو تنفعه بشىء لم يرده اللّه له.

(1/4103)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 384
[سورة المائدة (5) : الآيات 42 الى 44]
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44)
42 - سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ :
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ كثيرو الاستماع للافتراء.
أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ كثيرو الأكل للمال الحرام الذي لا بركة فيه.
بِالْقِسْطِ بالعدل.
الْمُقْسِطِينَ العادلين.
43 - وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ :
وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ كيف يطلبون حكمك.
وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ مع أن حكم اللّه منصوص عليه عندهم فى التوراة.
ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ثم يعرضون عن حكمك إذا لم يوافق هواهم مع أنه الموافق لما فى كتابهم.
وَ ما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ الذين يدعون للحق.
44 - إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ :
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ على موسى.
فِيها هُدىً فيها هداية إلى الحق.
وَ نُورٌ وبيان منير يبين ما استبهم من الأحكام.
يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ يحكم بأحكام التوراة النبيون بين موسى ، وعيسى.

(1/4104)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 385
الَّذِينَ أَسْلَمُوا أخلصوا نفوسهم لربهم.
لِلَّذِينَ هادُوا لليهود.
وَ الرَّبَّانِيُّونَ والزهاد.
وَ الْأَحْبارُ والعلماء.
بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ بما سألهم أنبياءهم حفظه من التوراة ، أي بسبب سؤال أنبيائهم إياهم أن يحفظوه من التغيير والتبديل.
مِنْ كِتابِ اللَّهِ من ، للتبيين.
وَ كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ رقباء لئلا يبدل.
فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ نهى للحكام عن خشيتهم غير اللّه فى حكوماتهم.
وَ لا تَشْتَرُوا ولا تستعيضوا.
وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مستهينا به.
[سورة المائدة (5) : آية 45]
وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
45 - وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ :
أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ مأخوذة بالنفس مقتولة بها إذا قتلتها بغير حق.
وَ الْعَيْنَ مفقوءة.
وَ الْأَنْفَ مجدوع.
وَ الْأُذُنَ مصلومة.
وَ السِّنَّ مقلوعة.
وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ ذات قصاص ، وهو المقاصة.
فَمَنْ تَصَدَّقَ من أصحاب الحق.
بِهِ بالقصاص وعفا عنه.

(1/4105)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 386
فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ فالتصدق به كفارة للمتصدق يكفر اللّه من سيئاته.
[سورة المائدة (5) : الآيات 46 الى 48]
وَ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)
46 - وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ :
وَ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ وأرسلنا بعد هؤلاء الأنبياء.
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ متبعا طريقهم لما سبقه من التوراة.
47 - وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ :
وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وأمرنا أتباع عيسى وأصحاب الإنجيل بأن يحكموا بما أنزل اللّه فيه من أحكام.
48 - وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ :
وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ أي القرآن الكريم ، فالتعريف هنا للعهد.
مِنَ الْكِتابِ أي : الكتب المنزلة ، والتعريف هنا للجنس.
وَ مُهَيْمِناً ورقيبا على سائر الكتب لأنه يشهد لها بالصحة والثبات.
وقرىء وَمُهَيْمِناً بفتح الميم ، أي هو من عليه بأن حفظ من التغيير والتبديل والذي هيمن عليه اللّه عز وجل.
وَ لا تَتَّبِعْ ولا تنحرف ، فلذلك عدى بالحرف (عن) كأنه قيل :
و لا تنحرف عما جاء من الحق متبعا أهواءهم.
لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ أيها الناس.

(1/4106)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 387
شِرْعَةً شريعة.
وَ مِنْهاجاً وطريقا واضحا فى الدين تجرون عليه.
لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً جماعة متفقة على شريعة واحدة ، أو ذوى أمة واحدة ، أي دين واحد لا اختلاف فيه.
وَ لكِنْ أراد.
لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ من الشرائع المختلفة ، هل تعملون بها مذعنين معتقدين أنها مصالح قد اختلفت على حسب الأحوال والأوقات ، معترفين بأن اللّه لم يقصد باختلافها إلا ما اقتضته الحكمة ، أم تتبعون الشبه وتفرطون فى العمل؟.
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ فابتدروها وتسابقوا نحوها.
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ استئناف فى معنى التعليل لاستباق الخيرات.
فَيُنَبِّئُكُمْ فيخبركم بما لا تشكون معه من الجزاء الفاصل بين محقكم ومبطلكم وعاملكم ومفرطكم فى العمل.
[سورة المائدة (5) : آية 49]
وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الن
9

(1/4107)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 389 يُسارِعُونَ فِيهِمْ ينكمشون فى موالاتهم ويرغبون فيها ويعتذرون بأنهم لا يأمنون أن تصيبهم دائرة من دوائر الزمان ، أي صرف من صروفه ودولة من دوله ، فيحتاجون إليهم وإلى معونتهم.
فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم على أعدائه وإظهار المسلمين.
أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ بقطع شأفة اليهود ، ويجليهم عن بلادهم.
فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ فيصبح المنافقون نادمين على ما حدثوا به أنفسهم.
[سورة المائدة (5) : الآيات 53 الى 54]
وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (53) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54)
53 - وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ :
أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا لكم بأغلاظ الأيمان أنهم أولياؤكم ومعاضدوكم على الكفار.
حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ من جملة قول المؤمنين ، أي بطلت أعمالهم التي كانوا يتكلفونها فى رأى عين الناس ، وفيه معنى التعجب ، كأنه قيل :
ما أحبط أعمالهم فما أخسرهم.
54 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ :
مَنْ يَرْتَدَّ وقرىء : من يرتدد.
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ محبة العباد لربهم طاعته وابتغاء مرضاته ، وألا يفعلوا ما يوجب سخطه وعقابه. ومحبة اللّه لعباده أن يثيبهم أحسن ثواب على طاعتهم ويثنى عليهم ويرضى عنهم.
أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فيهم تواضع ورحمة بإخوانهم المؤمنين.

(1/4108)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 390
أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ فيهم شدة على أعدائهم الكافرين.
لَوْمَةَ لائِمٍ اللومة ، المرة من اللوم.
ذلِكَ إشارة إلى ما وصف به القوم من المحبة والذلة والعزة ، والمجاهدة ، وانتفاء خوف اللومة.
يُؤْتِيهِ يوفق له.
مَنْ يَشاءُ ممن يعلم أن له لطفا.
واسِعٌ كثير الفواضل والألطاف.
عَلِيمٌ بمن هو من أهلها.
[سورة المائدة (5) : الآيات 55 الى 58]
إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (56) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58)
55 - إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ :
إِنَّما وجواب اختصاص بالموالاة.
الَّذِينَ يُقِيمُونَ بالرفع على البدل من الَّذِينَ آمَنُوا ، أو على :
هم الذين يقيمون ، أو النصب على المدح.
وَ هُمْ راكِعُونَ الواو ، فيه للحال.
56 - وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ :
فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ من إقامة الظاهر مقام المضمر ، والمعنى : وأنهم هم الغالبون.
57 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ :
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ حقا ، لأن الإيمان حقا يأبى موالاة أعداء الدين.
58 - وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ :

(1/4109)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 391
اتَّخَذُوها الضمير للصلاة ، أو للمناداة.
لا يَعْقِلُونَ لأن لعبهم وهزؤهم من أفعال السفهاء والجهلة ، فكأنه لا عقل لهم.
[سورة المائدة (5) : الآيات 59 الى 60]
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (60)
59 - قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ :
وَ أَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ عطف على أَنْ آمَنَّا ، والمعنى : وما تنقمون منا إلا الجمع بين إيمانكم وبين تمردكم وخروجكم عن الإيمان.
ويجوز أن يكون على تقدير حذف مضاف ، أي واعتقاد أنكم فاسقون.
ويجوز أن يعطف على المجرور ، أي وما تنقمون منا إلا الايمان باللّه وما أنزل وبأن أكثركم فاسقون.
ويجوز أن تكون (الواو) بمعنى (مع) أي وما تنقمون منا إلا الإيمان مع أن أكثركم فاسقون.
ويجوز أن يكون تعليلا معطوفا على تعليل محذوف ، كأنه قيل : وما تنقمون منا إلا الإيمان لقلة إنصافكم ، وفسقكم واتباعكم الشهوات.
60 - قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ :
ذلِكَ إشارة إلى المنقوم ، ولا بد من حذف مضاف قبله ، أو قبل مِنْ تقديره : بشر من أهل ذلك.
مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ فى محل الرفع على قولك : هو من لعنه اللّه.
أو فى محل الجر على البدل من (شر).
وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ عطف على صلة مِنْ كأنه قيل : ومن عبد الطاغوت.

(1/4110)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 392
أُولئِكَ الملعونون المسوخون.
شَرٌّ مَكاناً جعلت الشرارة للمكان وهى لأهله.
[سورة المائدة (5) : الآيات 61 الى 64]
وَ إِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)
61 - وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ :
بِالْكُفْرِ حال ، أي دخلوا كافرين.
بِهِ حال ، أي وخرجوا كافرين ، وتقديره ملتبسين بالكفر.
62 - وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ :
الْإِثْمِ الكذب.
وَ الْعُدْوانِ الظلم.
63 - لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ :
أي أما كان ينبغى أن ينهاهم علماؤهم وأحبارهم عن قول الكذب ، وأكل الحرام. ولبئس ما كانوا يصنعون من ترك النصيحة ، والنهى عن المعصية.
وكل عامل لا يسمى صانعا ، ولا كل عمل يسمى صناعة ، حتى يتمكن فيه ويتدرب.
64 - وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ :
يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ مقبوضة لا تبسط بالعطاء.
غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ قبض اللّه أيديهم وأبعدهم من رحمته.

(1/4111)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 393
وَ لَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أي وليزيدن ما أنزل إليك من ربك كثيرا منهم.
طُغْياناً وَكُفْراً جحودا وكفرا بآيات اللّه لحسدهم.
وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ أي وأثرنا بينهم العداوة والبغضاء.
وَ يَسْعَوْنَ ويجتهدون فى الكيد للإسلام.
[سورة المائدة (5) : الآيات 65 الى 66]
وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (66)
65 - وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ :
وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ مع ما عددنا من سيئاتهم.
آمَنُوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وبما جاء به.
وَ اتَّقَوْا وقرنوا إيمانهم بالتقوى ، التي هى الشريطة فى الفوز بالإيمان.
لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ تلك السيئات ولم نؤاخذهم بها.
وَ لَأَدْخَلْناهُمْ مع المسلمين الجنة.
66 - وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ :
وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ أقاموا أحكامهما وحدودهما ، وما فيهما من نعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ من سائر كتب اللّه ، لأنهم مكلفون بالإيمان بجميعها ، فكأنها أنزلت إليهم.
لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ عبارة من التوسعة.
مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ حالها أمم - يسير - فى عداوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.

(1/4112)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 394
ساءَ ما يَعْمَلُونَ فيه معنى التعجب ، كأنه قيل : وكثير منهم ما أسوأ عملهم.
[سورة المائدة (5) : الآيات 67 الى 69]
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (67) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)
67 - يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ :
بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ جميع ما أنزل إليك.
وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ وإن لم تبلغ جميعه كما أمرتك.
فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ فلم تبلغ إذا ما كلفت من أداء الرسالات ، ولم تؤد منها شيئا قط ، وذلك أن بعضها ليس بأولى بالأداء من بعض ، وان لم تؤد بعضها فكأنك أغفلت أداءها جميعا.
وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ عدة من اللّه بالحفظ والكلاءة. أي واللّه يضمن لك العصمة من أعدائك فما عذرك فى مراقبتهم؟
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ أي إنه لا يمكنهم مما يريدون من إنزاله بك من الهلاك.
68 - قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ :
لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ أي على دين يعتد به حتى يسمى شيئا لفساده وبطلانه.
فَلا تَأْسَ فلا تتأسف عليهم لزيادة طغيانهم وكفرهم ، فإن ضرر ذلك راجع إليهم لا إليك.
69 - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ :
وَ الصَّابِئُونَ رفع على الابتداء وخبره محذوف ، والنية به التأخر عما فى حيز إِنَّ من اسمها وخبرها ، كأنه قيل : إن الذين آمنوا والذين

(1/4113)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 395
هادوا والنصارى حكمهم كذا ، والصابئون كذلك ، وهم الخارجون عن الدين.
وقرىء : والصابون ، من صبوت ، لأنهم صبوا ومالوا إلى اتباع الهوى والشهوات ، ولم يتبعوا أدلة السمع والعقل.
[سورة المائدة (5) : الآيات 70 الى 71]
لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (71)
70 - لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ :
لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ ميثاقهم بالتوحيد.
وَ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ليقفوهم على ما يأتون وما يذرون فى دينهم.
كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ جملة شرطية وقعت صفة لقوله رُسُلًا والراجع محذوف ، أي رسول منهم.
بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ بما يخالف هواهم ويضاد شهواتهم من مشاق التكليف والعمل بالشرائع.
فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ ناب عن جواب الشرط أو دل عليه كأن قيل : كلما جاءهم رسول منهم ناصبوه.
وقوله فَرِيقاً كَذَّبُوا جواب مستأنف لقائل يقول : كيف فعلوا برسلهم.
71 - وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ :
وَ حَسِبُوا نزل حسبانهم لقوته فى صدورهم منزلة العلم. ومفعولا (حسب) سد ما يشتمل عليه صلة (أن) من المسند والمسند إليه مسدهما.
والمعنى : وحسب بنو إسرائيل أنه لا يصيبهم من اللّه فتنة ، أي بلاء وعذاب فى الدنيا والآخرة.
فَعَمُوا عن الدين.

(1/4114)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 396
وَ صَمُّوا حين عبدوا العجل ، ثم تابوا عن عبادة العجل.
كَثِيرٌ مِنْهُمْ بدل من الضمير ، أو هو خبر مبتدأ محذوف ، أي أولئك كثير منهم.
[سورة المائدة (5) : الآيات 72 الى 75]
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)
72 - لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ :
إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فى عبادته ، أو فيما هو مختص به من صفاته ، أو أفعاله.
فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ التي هى دار الموحدين ، أي حرمه دخولها ، ومنعه منها.
وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ من كلام اللّه ، على معنى أنهم ظلموا وعدلوا عن سبيل الحق.
73 - لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ :
وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ للاستغراق. والمعنى : وما إله قط فى الوجود إلا إله موصوف بالوحدانية لا ثانى له ، وهو اللّه وحده لا شريك له.
مِنْهُمْ من النصارى.
74 - أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
أَ فَلا يَتُوبُونَ ألا يتوبون بعد هذه الشهادة المكررة عليهم بالكفر.
وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يغفر لهؤلاء وإن تابوا ، ولغيرهم.
75 - مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ :

(1/4115)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 397
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ صفة لقوله رَسُولٌ أي هو رسول من جنس الرسل الذين خلوا من قبله جاء بآيات من اللّه كما أتوا بأمثالها.
وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ أي وما أمه أيضا إلا كصديقة كبعض النساء المصدقات للأنبياء المؤمنات بهم.
كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ لأن من احتجاج إلى الاغتذاء بالطعام لم يكن إلا جسما مركبا من عظم ولحم وعروق وأعصاب وأخلاط وأمزجة ، وغير ذلك مما يدل على أنه مصنوع مؤلف مدبر كغيره من الأجسام.
كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ أي الأدلة الظاهرة على بطلان قولهم.
أَنَّى يُؤْفَكُونَ كيف يصرفون عن استماع الحق وتأمله.
[سورة المائدة (5) : الآيات 76 الى 77]
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (77)
76 - قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ :
ما لا يَمْلِكُ هو عيسى.
وَ اللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ متعلق بقوله أَتَعْبُدُونَ أي تشكرون باللّه ولا تخشونه وهو الذي يسمع ما تقولون ويعلم ما تعتقدون.
أو تعبدون العاجز واللّه هو السميع العليم الذي يصح أن يسمع ويعلم كل معلوم ، ولن يكون كذلك إلا وهو حى قادر.
77 - قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ :
غَيْرَ الْحَقِّ صفة للمصدر ، أي لا تغلوا فى دينكم غلوا غير الحق ، أي غلوا باطلا ، لأن الغلو فى الدين غلوان :
غلو حق ، وهو أن يفحص عن حقائقه ويفتش عن أباعد معانيه ، ويجتهد فى تحصيل حجته كما يفعل المتكلمون من أهل العدل والتوحيد.
وغلو باطل ، وهو أن يتجاوز الحق ويتخطاه بالإعراض عن الأدلة واتباع الشبه ، كما يفعل أهل الأهواء والبدع.

(1/4116)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 398
قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ هم أئمتهم فى النصرانية كانوا على الضلال قبل مبعث النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَ أَضَلُّوا كَثِيراً ممن شايعهم على التثليث.
وَ ضَلُّوا لما بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ حين كذبوه وحسدوه وبغوا عليه.
[سورة المائدة (5) : الآيات 78 الى 80]
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (80)
78 - لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ :
عَلى لِسانِ داوُدَ فى الزبور.
وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فى الإنجيل.
وقيل : إن أهل أيلة لما اعتدوا فى السبت قال داود عليه السّلام :
اللهم العنهم. ولما كفر أصحاب عيسى عليه السّلام بعد المائدة قال عيسى عليه السّلام : اللهم عذب من كفر بعد ما أكل من المائدة عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين والعنهم كما لعنت أصحاب السبت.
ذلِكَ بِما عَصَوْا أي لم يكن ذلك اللعن إلا لأجل المعصية والاعتداء.
79 - كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ :
كانُوا لا يَتَناهَوْنَ تفسير للمعصية والاعتداء ، أي لا ينهى بعضهم بعضا.
لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ للتعجب من سوء فعلهم مؤكد لذلك بالقسم.
80 - تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ :
تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ هم منافقو أهل الكتاب كانوا يوالون المشركين ويصافونهم.

(1/4117)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 399
أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هو المخصوص بالذم ، ومحله الرفع ، كأنه قيل : لبئس زادهم إلى الآخرة سخط اللّه عليهم. أي موجب سخط اللّه.
[سورة المائدة (5) : الآيات 1
بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً أي علماء وعبادا.
وَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وأنهم قوم فيهم تواضع واستكانة ولا كبر فيهم ، واليهود على خلاف ذلك.
83 - وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ :
تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ أي تمتلىء من الدمع حتى تفيض ، فوضع الفيض الذي هو الامتلاء ، موضع الامتلاء ، وهو من إقامة المسبب مقام السبب.
مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ من ، الأولى ، لابتداء الغاية ، على أن فيض الدمع ابتداء ونشأ من معرفة الحق. ومِنَ الثانية لتبيين الموصول الذي هو مِمَّا عَرَفُوا.
رَبَّنا آمَنَّا المراد به إنشاء الإيمان والدخول فيه.

(1/4118)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 400
فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ مع أمة محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم الذين هم شهداء على سائر الأمم يوم القيامة.
[سورة المائدة (5) : الآيات 84 الى 88]
وَ ما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (86) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)
84 - وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ :
وَ ما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ إنكار استبعاد لانتفاء الإيمان مع قيام موجبه ، وهو الطمع فى إنعام اللّه عليهم بصحبة الصالحين.
نُؤْمِنُ فى محل النصب على الحال بمعنى : غير مؤمنين.
وَ نَطْمَعُ واو الحال.
85 - فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ :
بِما قالُوا بما تكلموا به عن اعتقاد وإخلاص.
86 - وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ :
و الذين جحدوا باللّه ورسله ، وأنكروا أدلته التي أنزلها عليهم هداية للحق ، هم وحدهم الملازمون للعذاب الشديد فى جهنم.
87 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ :
طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ما طاب ولذ من الحلال.
88 - وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ :
وَ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أي من الوجوه الطيبة التي تسمى رزقا.
حَلالًا حال مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ.
وَ اتَّقُوا اللَّهَ تأكيد للتوصية بما أمر به.
الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ زيادة فى التوكيد ، لأن الإيمان به يوجب التقوى فى الانتهاء إلى ما أمر وعما نهى عنه.

(1/4119)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 401
[سورة المائدة (5) : الآيات 89 الى 90]
لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)
89 - لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ :
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ اللغو : الساقط الذي لا يتعلق به حكم ، وهو أن يحلف الرجل على الشيء أنه كذلك وليس كما ظن.
بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ بتعقيدكم الأيمان ، وهو توثيقها بالقصد والنية.
فَكَفَّارَتُهُ فكفارة نكثه. والكفارة : الفعلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة ، أي تسترها.
مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ من أقصده ، لأن منهم من يسرف فى إطعام أهله ، ومنهم من يقتر.
أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ : إخراجها من الرق.
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ إحداها.
فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ متتابعات.
ذلِكَ المذكور.
إِذا حَلَفْتُمْ وحنثتم.
وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ فبروا بها ولا تحنثوا.
كَذلِكَ مثل ذلك البيان.
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ شريعته وأحكامه.
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمته فيما يعلمكم ويسهل عليكم المخرج منه.
90 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ :

(1/4120)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 402
الْأَنْصابُ الحجارة يذبح عندها تقربا إلى الأصنام التي كانوا يعبدونها.
وَ الْأَزْلامُ الحصى ونحوه مما كانوا يقضون به فى مغيبات أمورهم.
رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ مما يزينه الشيطان من أباطيله.
[سورة المائدة (5) : الآيات 91 الى 93]
إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)
91 - إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ :
وَ عَنِ الصَّلاةِ اختصاص للصلاة من بين الذكر ، كأنه قيل : وعن الصلاة خصوصا.
92 - وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ :
وَ احْذَرُوا وكونوا حذرين خاشين ، لأنهم إذا حذروا دعاهم الحذر إلى اتقاء كل سيئة وعمل كل حسنة.
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أي أعرضتم.
فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ فاعلموا أنكم لم تضروا بتوليكم الرسول ، لأن الرسول ما كلف إلا البلاغ المبين ، وإنما ضررتم أنفسكم حين أعرضتم عما كلفتم.
93 - لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ :
إِذا مَا اتَّقَوْا ما حرم عليهم منها.
وَ آمَنُوا وثبتوا على الإيمان والعمل الصالح وازدادوه.
ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثم ثبتوا على التقوى والإيمان.
ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا ثم ثبتوا على اتقاء المعاصي وأحسنوا أعمالهم.

(1/4121)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 403
يعنى أن المؤمنين لا جناح عليهم ولا حرج فى أي شىء طعموه من المباحات إذا ما اتقوا المحارم ، ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا.
[سورة المائدة (5) : الآيات 94 الى 95]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (94) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (95)
94 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ :
نزلت عام الحديبية ابتلاهم اللّه بالصيد وهم محرمون ، وكثر عندهم حتى كان يغشاهم فى رحالهم فيتمكنون من صيده ، أخذا بأيديهم وطعنا برماحهم.
لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ ليتميز من يخاف عقاب اللّه وهو غائب منتظر فى الآخرة فيتقى الصيد ، ممن لا يخافه فيقدم عليه.
فَمَنِ اعْتَدى فصاد.
بَعْدَ ذلِكَ الابتلاء فالوعيد لاحق به.
95 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ :
حُرُمٌ محرمون.
مُتَعَمِّداً أن يقتله وهو ذاكر لإحرامه ، أو عالم أن ما يقتله مما يحرم عليه قتله.
فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ أي فعليه جزاء يماثل ما قتل من الصيد.
مِنَ النَّعَمِ تفسير للمثل ، أي نظيره من النعم.
يَحْكُمُ بِهِ بمثل ما قتل.
ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ حكمان عادلان من المسلمين.

(1/4122)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 404
هَدْياً حال عن فَجَزاءٌ فيمن وصفه بمثل ، لأن الصفة خصصته فقربته من المعرفة ، أو بدل عن مِثْلُ فيمن نصبه ، أو عن محله فيمن جره.
بالِغَ الْكَعْبَةِ أي أن يذبح بالحرم.
ذلِكَ إشارة إلى الطعام.
صِياماً تمييز للعدل.
لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ ليذوق سوء عاقبة هتكه لحرمة الإحرام.
و الوبال : المكروه والضرر الذي يناله فى العاقبة من عمل يسوء لثقله عليه.
عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ لكم من الصيد فى حال الإحرام قبل أن تراجعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم وتسألوه عن جوازه.
وَ مَنْ عادَ إلى قتل الصيد وهو محرم بعد نزول النهى.
فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ينتقم ، خبر مبتدأ محذوف تقديره : فهو ينتقم اللّه منه ، ولذلك دخلت الفاء.
[سورة المائدة (5) : الآيات 96 الى 97]
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)
96 - أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ :
صَيْدُ الْبَحْرِ مصيدات البحر مما يؤكل ومما لا يؤكل.
وَ طَعامُهُ وما يطعم من صيده.
والمعنى : أحل لكم الانتفاع بجميع ما يصاد فى البحر ، وأحل لكم أكل المأكول منه.
مَتاعاً لَكُمْ مفعول معه ، أي أحل لكم تمتيعا لكم.
وَ لِلسَّيَّارَةِ وللمسافرين يتزودونه قديدا.
صَيْدُ الْبَرِّ ما صيد فيه.
97 - جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ

(1/4123)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 405
وَ الْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
:
الْبَيْتَ الْحَرامَ عطف بيان على جهة المدح لا على جهة التوضيح.
قِياماً لِلنَّاسِ انتعاشا لهم فى أمر دينهم ودنياهم ونهوضا إلى أغراضهم ومقاصدهم فى معاشهم ومعادهم ، لما يتم لهم من أمر حجهم وعمرتهم وتجارتهم وأنواع منافعهم.
وَ الشَّهْرَ الْحَرامَ الشهر الذي يؤدى فيه الحج ، وهو ذو الحجة.
وقيل : عنى جنس الأشهر الحرم.
وَ الْهَدْيَ ما يساق إلى البيت من النعم.
وَ الْقَلائِدَ والمقلد منه خصوصا ، وهو البدن ، لأن الثواب فيه أكثر وبهاء الحج معه أظهر.
ذلِكَ إشارة إلى جعل الكعبة قياما للناس ، أو إلى ما ذكر من حفظ حرمة الإحرام بترك الصيد وغيره.
لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ كل شىء.
وَ أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وهو عالم بما يصلحكم وما ينعشكم مما أمركم به وكلفكم.
[سورة المائدة (5) : الآيات 98 الى 99]
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (99)
98 - اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
شَدِيدُ الْعِقابِ لمن انتهك محارمه.
غَفُورٌ رَحِيمٌ لمن حافظ عليها.
99 - ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ :
ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ تشديد فى إيجاب القيام بما أمر به ، وأن الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم قد فرغ مما وجب عليه من التبليغ.

(1/4124)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 406
وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ وقامت عليكم الحجة ولزمتكم الطاعة ، فلا عذر لكم فى التفريط.
[سورة المائدة (5) : الآيات 100 الى 102]
قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (102)
100 - قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ :
البون بين الخبيث والطيب بعيد عند اللّه تعالى وإن كان قريبا عندكم ، فلا تعجبوا بكثرة الخبيث حتى تؤثروه لكثرته على القليل الطيب ، فإن ما تتوهمونه فى الكثرة من الفضل لا يوازى النقصان فى الخبيث وفوات الطيب.
فَاتَّقُوا اللَّهَ وآثروا الطيب وإن قل على الخبيث وإن كثر.
101 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ :
إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ جملة شرطية.
أي لا تكثروا مساءلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم حتى تسألوا عن تكاليف شاقة عليكم إن أفتاكم بها وكلفكم إياها تغمكم وتشق عليكم وتندموا على السؤال عنها.
وَ إِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ جملة شرطية معطوفة على ما قبلها ، أي وإن تسألوا عن هذه التكاليف الصعبة فى زمان الوحى ، وهو ما دام الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم بين أظهركم يوحى إليه ، تبد لكم تلك التكاليف الصعبة التي تسؤكم وتؤمروا بتحملها ، فتعرضوا أنفسكم لغضب اللّه بالتفريط فيها.
عَفَا اللَّهُ عَنْها عفا اللّه عما سلف من مساءلتكم فلا تعودوا إلى مثلها.
وَ اللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ لا يعاجلكم فيما فرط منكم بعقوبة.
102 - قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ :
قَدْ سَأَلَها الضمير ليس براجع إلى أشياء حتى تجب تعديته

(1/4125)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 407
بالحرف (عن) وإنما هو راجع إلى المسألة التي دل عليها لا تَسْئَلُوا ، يعنى : قد سأل قوم هذه المسألة من الأولين.
ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها أي بمرجوعها ، أو سببها.
كافِرِينَ وذلك أن بنى إسرائيل كانوا يستنفتون أنبياءهم عن أشياء فإذا أمروا بها تركوها فهلكوا.
[سورة المائدة (5) : الآيات 103 الى 104]
ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (104)
103 - ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ :
ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ كان أهل الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكرا بحروا أذنها ، أي شقوها وحرموا ركوبها ، ولا تطرد عن ماء ولا مرعى ، وإذا لقيها المعيى لا يركبها ، واسمها البحيرة.
وكان الرجل يقول : إذا قدمت من سفرى أو برئت من مرضى فناقتى سائبة ، وجعلها كالبحيرة فى تحريم الانتفاع بها.
و كانت الشاة إذا ولدت أنثى فهى لهم ، وإن ولدت ذكرا فهو لآلهتهم ، فإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا : وصلت أخاها ، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم.
وإذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا قد حمى ظهره ، فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى.
وما جَعَلَ أي ما شرع ذلك ولا أمر بالتبحير والتسييب وغير ذلك.
وَ لكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ فلا ينسبون التحريم إلى اللّه حتى يفتروا ولكنهم يقلدون فى تحريمها كبارهم.
104 - وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا

(1/4126)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 408
حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ
:
أَ وَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ الواو واو الحال ، دخلت عليها همزة الإنكار.
أي إن الاقتداء إنما يصح بالعالم المهتدى ، وإنما يعرف اهتداؤه بالحجة.
[سورة المائدة (5) : الآيات 105 الى 106]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106)
105 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ :
عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العتو والفساد من الكفرة يتمنون دخولهم فى الإسلام ، فقيل لهم : عليكم أنفسكم ، وما كلفتم من إصلاحها والمشي بها فى طرق الهدى.
يَضُرُّكُمْ الضلال عن دينكم.
إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إذا كنتم مهتدين.
106 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ :
اثْنانِ خبر للمبتدأ شَهادَةُ بَيْنِكُمْ على تقدير : شهادة بينكم شهادة اثنين ، أو على أنه فاعل شَهادَةُ بَيْنِكُمْ على معنى : فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان.
إِذا حَضَرَ ظرف للشهادة.
حِينَ الْوَصِيَّةِ بدل من إِذا حَضَرَ وإبداله منه دليل على وجوب الوصية.
مِنْكُمْ من أقاربكم ، أو من المسلمين.

(1/4127)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 409
مِنْ غَيْرِكُمْ من الأجانب.
إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أي إن وقع الموت فى السفر ولم يكن معكم أحد من عشرتكم فاستشهدوا أجنبيين على الوصية.
تَحْبِسُونَهُما تقفونهما وتصبرونهما للحلف.
مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ من بعد صلاة العصر ، لأنه وقت اجتماع الناس.
وقيل : بعد صلاة العصر أو الظهر لأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما.
إِنِ ارْتَبْتُمْ اعتراض بين القسم والمقسم عليه. أي ان ارتبتم فى شأنهما واتهمتموهما فحلفوهما.
بِهِ الضمير للقسم.
وَ لَوْ كانَ الضمير للمقسم له. يعنى : لا نستبدل بصحة القسم باللّه عرضا من الدنيا. أي لا نحلف كاذبين لأجل المال ، ولو كان من نقسم له قريبا منا.
[سورة المائدة (5) : آية 107]
فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107)
107 - فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ :
فَإِنْ عُثِرَ فإن اطلع.
عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً أي فعلا ما أوجب إثما ، واستوجب أن يقال إنهما لمن الآثمين.
فَآخَرانِ فشاهدان آخران.
يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ أي من الذين استحق عليهم الإثم. أي من الذين جنى عليهم ، وهم أهل الميت وعشيرته.
الْأَوْلَيانِ الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما. والرفع على تقدير : هما الأوليان. أو بدل من الضمير فى يَقُومانِ أو فَآخَرانِ.

(1/4128)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 410
[سورة المائدة (5) : الآيات 108 الى 110]
ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (109) إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (110)
108 - ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ :
ذلِكَ الذي تقدم من بيان الحكم.
أَدْنى أن يأتى الشهداء على نحو تلك الحادثة.
بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ أن نكر أيمان شهود آخرين بعد أيمانهم ، فيفتضحوا بظهور كذبهم.
وَ اسْمَعُوا سمع إجابة وقبول.
109 - يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ :
يَوْمَ يَجْمَعُ بدل من المنصوب فى قوله وَاتَّقُوا اللَّهَ وهو بدل اشتمال ، كأنه قيل : واتقوا اللّه يوم جمعه ، أو ظرف لقوله لا يَهْدِي أي لا يهديهم طريق الجنة يومئذ كما يفعل بغيرهم.
أو ينصب على إضمار : اذكر.
ما ذا أُجِبْتُمْ ماذا ، انتصب بقوله : أجبتم ، انتصاب مصدره ، على معنى : أي إجابة أجبتم.
لا عِلْمَ لَنا إذ كان الغرض بالسؤال توبيخ أعدائهم ، وكلوا الأمر إلى علمه وإحاطته بما منوا به منهم وكابدوا من سوء إجابتهم ، إظهارا للتشكى واللجأ إلى ربهم فى الانتقام منهم.
إِنَّكَ أَنْتَ أي إنك الموصوف بأوصافك المعروفة من العلم وغيره.
110 - إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ

(1/4129)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 411
الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ
:
إِذْ قالَ اللَّهُ بدل من قوله يَوْمَ يَجْمَعُ.
أَيَّدْتُكَ قويتك.
بِرُوحِ الْقُدُسِ بالكلام الذي يحيا به الدين ، وأضافه إلى القدس ، لأنه سبب الطهر من أوضار الآثام.
فِي الْمَهْدِ فى موضع الحال ، أي تكلمهم طفلا.
وَ كَهْلًا أي تكلمهم فى هاتين الحالتين غير أنه يتفاوت كلامك فى حين الطفولة وحين الكهولة الذي هو وقت كمال العقل.
الْكِتابَ الخط.
وَ الْحِكْمَةَ الكلام المحكم الصواب.
وَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ خصا بالذكر مما تناوله الكتاب والحكمة ، لأن المراد بهما جنس الكتاب والحكمة.
كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ هيئة مثل هيئة الطير.
بِإِذْنِي بتسهيلى.
فَتَنْفُخُ فِيها الضمير للكاف ، لأنها صفة الهيئة التي كان يخلقها عيسى عليه السّلام وينفخ فيها.
تُخْرِجُ الْمَوْتى من القبور وتبعثهم.
وَ إِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ يعنى اليهود حين هموا بقتله.
[سورة المائدة (5) : آية 111]
وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (111)
111 - وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ :
وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أمرتهم على ألسنة الرسل.
مُسْلِمُونَ مخلصون.

(1/4130)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 412
[سورة المائدة (5) : الآيات 112 الى 116]
إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (115) وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116)
112 - إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ :
هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إن كانت دعواكم للإيمان صحيحة.
113 - قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ :
وَ نَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ نشهد عليها عند الذين لم يحضروها من بنى إسرائيل.
114 - قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ :
اللَّهُمَّ أصله : يا اللّه ، فحذف حرف النداء وعوض منه الميم.
رَبَّنا نداء ثان.
تَكُونُ لَنا عِيداً أي يكون يوم نزولها عيدا.
لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا بدل من (لنا) بتكرير العامل ، أي لمن فى زماننا من أهل ديننا ، ولمن يأتى بعدنا.
115 - قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ :
عَذاباً تعذيبا.
لا أُعَذِّبُهُ الضمير للمصدر ، ولو أريد بالعذاب ما يعذب به لم يكن بد من الباء.
116 - وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي

(1/4131)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 413
بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ
:
سُبْحانَكَ من أن يكون لك شريك.
ما يَكُونُ لِي ما ينبغى لى.
أَنْ أَقُولَ قولا لا يحق لى أن أقوله.
فِي نَفْسِي فى قلبى.
وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ أي تعلم معلومى ولا أعلم معلومك.
إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ تقرير للجملتين معا ، لأن ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب ولأن ما يعلمه علام الغيوب لا ينتهى إليه علم أحد.
[سورة المائدة (5) : آية 117]
ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)
117 - ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ :
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ أن ، إن جعلتها مفسرة لم يكن لها بد من مفسر ، والمفسر : إما فعل القول ، وإما فعل الأمر ، وكلاهما لا وجه له.
أما فعل القول فيحكى بعده الكلام من غير أن يتوسط بينهما حرف التفسير.
وأما فعل الأمر ، فمسند إلى ضمير اللّه عز وجل.
وان جعلتها موصولة بالفعل ، لم تخل من أن تكون :
بدلا من ما أَمَرْتَنِي بِهِ ، أو من الهاء فى (به) وكلاهما غير مستقيم.
والوجه أن يحمل فعل القول على معناه ، لأن معنى ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ : ما أمرتهم إلا ما أمرتنى به.

(1/4132)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 414
وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً رقيبا أمنعهم من أن يقولوا ذلك ويتدينوا به.
فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ تمنعهم من القول به بما نصبت لهم من الأدلة وأنزلت عليهم من البينات وأرسلت إليهم الرسل.
[سورة المائدة (5) : الآيات 118 الى 120]
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)
118 - إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ :
فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ الذين عرفتهم عاصين جاحدين لآياتك مكذبين لأنبيائك.
الْعَزِيزُ القوى القادر على الثواب والعقاب.
الْحَكِيمُ الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة وصواب.
119 - قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ :
(يوم) بالرفع والإضافة.
وقرىء بالنصب :
إما على أنه ظرف للفعل قالَ : وإما على أن هذا مبتدأ ، والظرف خبر. والمعنى : هذا الذي ذكرنا من كلام عيسى واقع يوم ينفع.
120 - لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :
وَ ما فِيهِنَّ ما ، يتناول الأجناس كلها تناولا عاما.

(1/4133)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 415
(6) سورة الأنعام
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)
1 - الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ :
جَعَلَ يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى : أحدث وأنشأ ، كما هنا ، وإلى مفعولين إذا كان بمعنى : صير.
والفرق بين الخلق والجعل ، أن الخلق فيه معنى التقدير ، وفى الجعل معنى : التضمين ، كإنشاء شىء من شىء ، أو تصير شىء شيئا ، أو نقله من مكان إلى مكان. ومن الأول هذه الآية.
ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ عطف على قوله قبل الْحَمْدُ لِلَّهِ على معنى : أن اللّه حقيق بالحمد على ما خلق ، لأنه ما خلقه إلا نعمة ، ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته.
وإما عطف على قوله خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ على معنى أنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه ، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شىء منه.
2 - هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ :
ثُمَّ قَضى أَجَلًا أجل الموت.
وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ أجل القيامة. وجاز تقديم المبتدأ النكرة ، وهو واجب التأخير ، إذا كان خبره ظرفا لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة.

(1/4134)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 416
[سورة الأنعام (6) : الآيات 3 الى 5]
وَ هُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (3) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (5)
3 - وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ :
فِي السَّماواتِ متعلق بمعنى اسم اللّه ، كأنه قيل : وهو المعبود فيها ، أو هو المعروف بالإلهية أو المتوحد بالإلهية فيها ، أو هو الذي يقال له : اللّه فيها لا يشرك به فى هذا الاسم.
ويجوز أن يكون اللَّهُ فِي السَّماواتِ خبرا بعد خبر ، على معنى :
أنه اللّه ، وأنه فى السماوات والأرض. بمعنى أنه عالم بما فيهما لا يخفى عليه منه شىء ، كأن ذاته فيهما.
يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ إن أردت أنه المتوحد بالإلهية كان هذا تقريرا له ، لأن الذي استوى فى علمه السر والعلانية هو اللّه وحده.
وكذا إذا جعلت فِي السَّماواتِ خبرا بعد خبر.
وإلا فهو كلام مبتدأ بمعنى : هو يعلم سركم وجهركم.
وقد يكون خبرا ثالثا.
وَ يَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ من الخير والشر ، ويثيب عليه ويعاقب.
4 - وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ :
مِنْ آيَةٍ من ، للاستغراق.
مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ من ، للتبعيض.
أي : وما يظهر لهم دليل قط من الأدلة التي يجب فيها النظر والاستدلال إلا كانوا عنه معرضين ، تاركين للنظر ، لا يلتفتون إليه ولا يرفعون به رأسا ، لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب.
5 - فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ :
فَقَدْ كَذَّبُوا مردود على كلام محذوف ، كأنه قيل : إن كانوا معرضين عن الآيات فقد كذبوا بما هو أعظم آية وأكبرها ، وهو الحق.

(1/4135)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 417
لَمَّا جاءَهُمْ يعنى القرآن الذي تحدوا به على تبالغهم فى الفصاحة فعجزوا عنه.
فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ الشيء الذي كانوا به يستهزئون ، وهو القرآن ، أي أخباره وأحواله.
والمعنى : سيعلمون بأى شىء استهزءوا ، وسيظهر لهم أنه لم يكن موضع استهزاء ، وذلك عند إرسال العذاب عليهم فى الدنيا ، أو يوم القيامة.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 6 الى 7]
أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (6) وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
6 - أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ :
مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ جعلنا لهم مكانا فيها.
ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ أي لم نعط أهل مكة ما أعطينا عادا وثمود وغيرهم من البسطة فى الأجسام ، والسعة فى الأموال ، والاستظهار بأسباب الدنيا.
وَ أَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً مغزارا.
قَرْناً آخَرِينَ أي لا يتعاظمه أن يهلك قرنا ، وأنه قادر على أن ينشىء مكانهم آخرين يعمر بهم بلاده.
7 - وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ :
كِتاباً مكتوبا.
فِي قِرْطاسٍ فى ورق.
فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ولم يقتصر بهم على الرؤية لئلا يقولوا : سكرت أبصارنا ، ولا تبقى لهم علة.
إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ تعنتا وعنادا للحق بعد ظهوره.

(1/4136)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 418
[سورة الأنعام (6) : الآيات 8 الى 9]
وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (9)
8 - وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ :
لَقُضِيَ الْأَمْرُ أمر إهلاكهم.
ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ بعد نزوله طرفة عين.
إما لأنهم إذا عاينوا الملك قد نزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم فى صورته ، وهى آية لا شىء أبين منها وأيقن ، ثم لا يؤمنون ، كان لا بد من إهلاكهم.
وإما لأنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف عند نزول الملائكة ، فيجب إهلاكهم.
وإما لأنهم إذا شاهدوا ملكا فى صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون.
ومعنى ثُمَّ بعد ما بين الأمرين : قضاء الأمر ، وعدم الإنظار ، جعل عدم الإنظار أشد من قضاء الأمر ، لأن مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة.
9 - وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ :
وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً ولو جعلنا الرسول ملكا كما اقترحوا.
لَجَعَلْناهُ رَجُلًا لأرسلناه فى صورة رجل كما كان ينزل جبريل فى أعم الأحوال فى صورة وصية ، لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة فى صورهم.
وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ ، فإنهم يقولون إذا رأوا الملك فى صورة إنسان : هذا إنسان وليس بملك. فإن قال لهم : الدليل على أنى ملك أنى جئت بالقرآن المعجز ، وهو ناطق بأنى ملك لا بشر كذبوا ، فإذا فعلوا ذلك خذلوا كما هم مخذولون الآن ، فهو لبس اللّه عليهم.

(1/4137)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 419
[سورة الأنعام (6) : الآيات 10 الى 13]
وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)
10 - وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ :
وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ تسلية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم مما كان يلقى من قومه.
فَحاقَ فأحاط بهم الشيء الذي كانوا يستهزئون به وهو الحق ، حيث أهلكوا من أجل الاستهزاء به.
11 - قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ :
انْظُرُوا أي سيروا لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين.
12 - قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ :
لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ سؤال تبكيت.
قُلْ لِلَّهِ تقرير لهم ، أي هو اللّه ، لا خلاف بينى وبينكم ، ولا تقدرون أن تضيفوا شيئا منه إلى غيره.
كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي أوجبها على ذاته فى هدايتكم إلى معرفته ، ونصب الأدلة لكم على توحيده بما أنتم مقرون به من خلق السماوات والأرض ، ثم أوعدهم على إغفالهم النظر وإشراكهم به من لا يقدر على خلق شىء بقوله :
لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ فيجازيكم على إشراككم.
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ نصب على الذم ، أو رفع ، أي : أريد الذين خسروا أنفسهم ، أو أنتم الذين خسروا أنفسهم.
فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي الذين خسروا أنفسهم فى علم اللّه ، لاختيارهم الكفر ، فهم لا يؤمنون.
13 - وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ :

(1/4138)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 420
وَ لَهُ عطف على لفظ (الله).
ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ من السكنى.
وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم ، فلا يخفى عليه شىء مما يشتمل عليه الملوان.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 14 الى 17]
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)
14 - قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ :
أَ غَيْرَ اللَّهِ جاءت همزة الاستفهام دون الفعل الذي هو أَتَّخِذُ لأن الإنكار فى اتخاذ غير اللّه وليا لا فى اتخاذه الولي ، فكان أولى بالتقديم.
فاطِرِ السَّماواتِ بالجر صفة للّه. وقرىء بالرفع على المدح.
وَ هُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ وهو يرزق ولا يرزق.
أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ لأن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم سابق أمته فى الإسلام.
وَ لا تَكُونَنَّ وقيل لى : لا تكونن.
مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك.
15 - قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ :
قل : إنى أخاف إن أخلفت أمر ربى وعصيته ، عذاب يوم شديد.
16 - مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُيَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ
:
مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ العذاب.
يَوْمَئِذٍ يوم الحساب.
فَقَدْ رَحِمَهُ للّه الرحمة العظمى ، وهى النجاة.
17 - وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :
بِضُرٍّ من مرض أو فقر أو غير ذلك من البلاء ، فلا قادر على كشفه إلا هو.

(1/4139)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 421
بِخَيْرٍ من غنى أو صحة.
فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فكان قادرا على إدامته أو إزالته.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 18 الى 20]
وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20)
18 - وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ :
فَوْقَ عِبادِهِ تصوير للقهر والعلو بالغلبة والقدرة.
19 - قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ :
أَكْبَرُ شَهادَةً أي : أي شهيد أكبر شهادة ، فوضع شيئا مقام شهيد ليبالغ فى التعميم.
قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ يحتمل أن يكون تمام الجواب عند قوله قُلِ اللَّهُ بمعنى : اللّه أكبر شهادة ، ثم ابتدئ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أي هو شهيد بينى وبينكم ، كما يحتمل أن اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وهو الجواب ، لدلالته على أن اللّه عز وجل إذا كان هو الشهيد بينه وبينهم فأكبر شىء شهادة شهيد له.
وَ مَنْ بَلَغَ عطف على ضمير المخاطبين من أهل مكة ، أي : لأنذركم به وأنذر كل من بلغه القرآن من العرب والعجم.
أَ إِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ تقرير لهم مع إنكار واستبعاد.
قُلْ لا أَشْهَدُ شهادتكم.
20 - الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ :
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعنى اليهود والنصارى يعرفون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم بحليته ونعمه الثابتة فى الكتابين معرفة خالصة.
كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ بحلاهم ونعوتهم لا يخفون عليهم ولا يلتبسون بغيرهم.

(1/4140)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 422
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ من المشركين ومن أهل الكتاب الجاحدين.
فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ به جمعوا بين أمرين متناقضين ، فكذبوا على اللّه بما لا حجة عليه ، وكذبوا بما ثبت بالحجة والبرهان الصحيح.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 21 الى 25]
وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25)
21 - وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ :
و ليس أحد أشد ظلما لنفسه وللحق ممن افترى على اللّه الكذب ، وادعى أن له ولدا أو شريكا ، أو نسب إليه ما لا يليق ، أو أنكر أدلته الدالة على وحدانيته وصدق رسله. إن الظالمين لا يفوزون بخير فى الدنيا والآخرة.
22 - وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ :
وَ يَوْمَ ناصبه محذوف ، تقديره : ويوم نحشرهم كان كيت وكيت ، فترك ليبقى على الإبهام الذي هو داخل فى التخويف.
أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء للّه.
الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أي : تزعمونهم شركاء ، فحذف المفعولان.
23 - ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ :
فِتْنَتُهُمْ كفرهم.
والمعنى : ثم لم تكن عاقبة كفرهم - الذي لزموه أعمارهم ، وقاتلوا عليه ، وافتخروا به ، وقالوا دين آبائنا - إلا جحوده والتبرؤ منه.
24 - انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ :
وَ ضَلَّ عَنْهُمْ وغاب عنهم.
ما كانُوا يَفْتَرُونَ أي يفترون إلهيته وشفاعته.
25 - وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ

(1/4141)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 423
وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ
:
وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حين تتلو القرآن.
عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أغطية تحجب عنهم الإدراك الصحيح.
وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً صمما يحول دون سماع آيات القرآن.
آيَةٍ دليل.
إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ فيجعلون كلام اللّه وأصدق الحديث خرافات وأكاذيب ، وهى الغاية فى التكذيب.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 26 الى 27]
وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (26) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)
26 - وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ :
وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ الناس عن القرآن ، أو عن الرسول ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم وأتباعه ، ويثبطونهم عن الإيمان به.
وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ بأنفسهم فيضلون ويضلون.
وَ إِنْ يُهْلِكُونَ بذلك.
إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ولا يتعداهم الضرر إلى غيرهم ، وإن كانوا يظنون أنهم يضرون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
27 - وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ :
وَ لَوْ تَرى جوابه محذوف ، تقديره : ولو ترى لرأيت أمرا شنيعا.
وُقِفُوا عَلَى النَّارِ أروها حتى يعاينوها ، أو اطلعوا عليها اطلاعا وهى تحتهم ، أو أدخلوها فعرفوا مقدار عذابها.
يا لَيْتَنا نُرَدُّ تم تمنيهم ، ثم ابتدءوا :
وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ واعدين

(1/4142)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 424
الإيمان ، كأنهم قالوا : ونحن لا نكذب ونتوب على وجه الإثبات ، أشبه بقولك : دعنى ولا أعود ، أي دعنى وأنا لا أعود ، تركتنى أو لم تتركنى.
ويجوز أن يكون معطوفا على نُرَدُّ.
أو حالا ، على معنى : يا ليتنا نرد غير مكذبين وكائنين من المؤمنين ، فيدخل تحت حكم التمني.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 28 الى 30]
بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (28) وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)
28 - بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ :
بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ من قبائحهم وفضائحهم فى صحفهم وبشهادة جوارحهم عليهم فلذلك تمنوا ما تمنوا ضجرا ، لا أنهم عازمون على أنهم لو ردوا لآمنوا.
وَ لَوْ رُدُّوا إلى الدنيا بعد وقوفهم على النار.
لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ من الكفر والمعاصي.
وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما وعدوا من أنفسهم لا يفون به.
29 - وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ :
وَ قالُوا عطف على لَعادُوا. أي لو ردوا لكفروا ولقالوا :
إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا كما كانوا يقولون قبل معاينة القيامة.
ويجوز أن يعطف على قوله وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ على معنى : وإنهم لقوم كاذبون فى كل شىء ، وهم الذين قالوا : إن هى إلا حياتنا الدنيا ، وكفى به دليلا على كذبهم.
30 - وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ :
وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ مجاز عن الحبس للتوبيخ والسؤال.
قالَ مردود على قول قائل قال : ماذا قال ربهم إذ وقفوا عليه؟
فقيل : قال :

(1/4143)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 425
أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ وهذا تعيين من اللّه تعالى لهم على التكذيب ، وقولهم لما كانوا يسمعون من حديث البعث والجزاء - ما هو بحق وما هو إلا باطل.
بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ بكفركم بلقاء اللّه ببلوغ الآخرة وما يتصل بها.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 31 الى 33]
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)
31 - قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ :
حَتَّى غاية لقوله كَذَّبُوا لا لقوله خَسِرَ ، لأن خسرانهم لا غاية له ، أي ما زال بهم التكذيب إلى حسرتهم وقت مجىء الساعة.
بَغْتَةً فجأة ، وانتصابها على الحال بمعنى : باغتة ، أو على المصدر كأنه قيل : بغتتهم الساعة بغتة.
عَلى ما فَرَّطْنا فِيها الضمير للحياة الدنيا ، جىء بضميرها وإن لم يجر لها ذكر لكونها معلومة. أو للساعة ، على معنى : قصرنا فى شأنها وفى الإيمان بها.
وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ لأنه اعتيد حمل الأثقال على الظهور.
ساءَ ما يَزِرُونَ أي بئس شيئا يزرون وزرهم.
32 - وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ :
جعل أعمال الدنيا لعبا ولهوا واشتغالا بما لا يعنى ولا يعقب منفعة كما تعقب أعمال الآخرة المنافع العظيمة.
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ دليل على أن ما عدا أعمال المتقين لعب ولهو.
33 - قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ :
قَدْ نَعْلَمُ قد ، بمعنى : ربما ، الذي يجىء لزيادة الفعل وكثرته.

(1/4144)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 426
إِنَّهُ الهاء ضمير الشأن.
الَّذِي يَقُولُونَ وهو قولهم ساحر كذاب.
لا يُكَذِّبُونَكَ أي إن تكذيبك أمر راجع إلى اللّه ، لأنك رسول اللّه المصدق بالمعجزات ، فهم لا يكذبونك فى الحقيقة وإنما يكذبون اللّه بجحود آياته.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 34 الى 35]
وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (35)
34 - وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ :
وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ تسلية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَ لَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ بعض أنبائهم وقصصهم وما كابدوا من مصابرة المشركين.
35 - وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ :
وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ كان يكبر على النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم كفر قومه وإعراضهم عما جاء به.
فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ منفذا تنفذ فيه إلى ما تحت الأرض حتى تطلع لهم آية يؤمنون بها.
أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ منها.
بِآيَةٍ فافعل. يعنى إنك لا تستطيع ذلك.
والمراد بيان حرصه صلى اللّه عليه وآله وسلم على إسلام قومه وتهالكه عليه ، وأنه لو استطاع أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إيمانهم.
وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى بأن يأتيهم بآية ملجئة ، ولكنه لا يفعل لخروجه عن الحكمة.

(1/4145)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 427
فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ من الذين يجهلون ذلك ويرومون خلافه.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 36 الى 38]
إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (37) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)
36 - إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ والموتى يبعثهم اللّه ثم إليه يرجعون :
إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ يعنى أن الذين تحرص على أن يصدقوك بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون ، وإنما يستجيب من يسمع.
وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ مثل لقدرته على إلجائهم إلى الاستجابة بأنه هو الذي يبعث الموتى من القبور يوم القيامة.
ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ للجزاء ، فكان قادرا على هؤلاء الموتى بالكفر أن يحييهم بالإيمان وأنت لا تقدر على ذلك.
وقيل : معناه : وهؤلاء الموتى - يعنى الكفرة - يبعثهم اللّه ، ثم إليه يرجعون ، فحينئذ يسمعون. وأما ما قبل ذلك فلا سبيل إلى استماعهم.
37 - وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ :
وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ ذكر الفعل والفاعل مؤنث لأن تأنيث آيَةٌ غير حقيقى.
قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً تضطرهم إلى الإيمان.
وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أن اللّه قادر على أن ينزل تلك الآية ، وأن صارفا من الحكمة يصرفه عن إنزالها.
38 - وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ :
أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ مكتوبة أرزاقها وآجالها وأعمالها كما كتبت أرزاقكم وآجالكم وأعمالكم.
ما فَرَّطْنا ما تركنا وما أغفلنا.

(1/4146)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 428
فِي الْكِتابِ فى اللوح المحفوظ.
مِنْ شَيْءٍ من ذلك لم نكتبه ولم نثبت ما وجب أن يثبت مما يختص به.
ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ يعنى الأمم كلها من الدواب والطير.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 39 الى 41]
وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (41)
39 - وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ :
وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أي المكذبون.
صُمٌّ لا يسمعون كلام المنبه.
بُكْمٌ لا ينطقون بالحق.
فِي الظُّلُماتِ خابطون فى ظلمات الكفر ، فهم غافلون عن تأمل ذلك والتفكر فيه.
مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ أي يخذله ويخله وضلاله لم يلطف به ، لأنه ليس من أهل اللطف.
وَ مَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي يلطف به لأن اللطف يجدى عليه.
40 - قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ :
أَ رَأَيْتَكُمْ أخبرونى.
أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ من تدعون.
أَ غَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ تبكيت. أي أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضر ، أم تدعون اللّه دونها.
41 - بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ :

(1/4147)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 429
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة.
فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ أي ما تدعونه إلى كشفه.
إِنْ شاءَ إن أراد أن يتفضل عليكم ولم يكن مفسدة.
وَ تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ وتتركون آلهتكم.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 42 الى 44]
وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)
42 - وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ :
بِالْبَأْساءِ بالقحط والجوع.
وَ الضَّرَّاءِ المرض ونقصان الأموال والأنفس.
والمعنى : ولقد أرسلنا إليهم الرسل فكذبوهم فأخذناهم.
لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ يتذللون ويتخشعون لربهم ويتوبون عن ذنوبهم.
43 - فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ :
فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا معناه : نفى التضرع ، كأنه قيل : فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا ، ولكنه جاء بالحرف لو لا ليفيد أنه لم يكن لهم عذر فى ترك التضرع إلا عنادهم وقسوة قلوبهم ، وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم.
44 - فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ :
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ من البأساء والضراء ، أي تركوا الاتعاظ به ولم ينفع فيهم ولم يزجرهم.
فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ من الصحة والسعة وصنوف المتعة ليزاوج عليهم بين نوبتى الضراء والسراء.
حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا من الخير والنعم.

(1/4148)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 430
أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ واجمون متحسرون آيسون.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 45 الى 48]
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (45) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48)
45 - فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ :
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ آخرهم لم يترك منهم أحد قد استؤصلت شأفتهم.
وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ إيذان بوجوب الحمد عند هلاك الظلمة.
46 - قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ :
إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ بأن يصمكم ويعميكم.
وَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ بأن يغطى عليها ما يذهب عنده فهمكم وعقلكم.
يَأْتِيكُمْ بِهِ أي يأتيكم بذاك ، إجراء للضمير مجرى اسم الإشارة ، أو بما أخذ وحكم عليه.
يَصْدِفُونَ يعرضون عن الآيات بعد ظهورها.
47 - قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ :
بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً لما كانت البغتة أن يقع الأمر من غير أن يشعر به وتظهر أماراته قيل : بغتة أو جهرة.
هَلْ يُهْلَكُ أي ما يهلك هلاك تعذيب وسخط إلا الظالمون.
48 - وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
:
مُبَشِّرِينَ من آمن بهم وبما جاءوا به وأطاعهم.
وَ مُنْذِرِينَ من كذبهم وعصاهم.

(1/4149)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 431
وَ أَصْلَحَ ما يجب عليه إصلاحه.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 49 الى 51]
وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (49) قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51)
49 - وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ :
يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ جعل العذاب ماسا يفعل بهم ما يريد من الآلام.
50 - قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ :
أي لا أدعى ما يستبعد فى القول :
أن يكون لبشر من ملك خزائن اللّه ، وهى قسمة بين الخلق وإرزاقه ، وعلم الغيب.
وأنى من الملائكة.
إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وإنما أدعى ما كان مثله لكثير من البشر ، وهو النبوة.
هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ مثل للضال والمهتدى.
أَ فَلا تَتَفَكَّرُونَ فلا تكونوا ضالين أشباه العميان.
51 - وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ :
وَ أَنْذِرْ بِهِ الضمير راجع إلى قوله ما يُوحى إِلَيَّ.
الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إما قوم داخلون فى الإسلام مقرون بالبعث إلا أنهم مفرطون فى العمل فينذرهم بما يوحى إليه.
وإما أهل الكتاب لأنهم مقرون بالبعث.
وإما ناس من المشركين علم من حالهم أنهم يخافون إذا سمعوا بحديث البعث أن يكون حقا فيهلكوا فهم ممن يرجى أن ينجع فيهم الانذار ، دون المتمردين منهم فأمر أن ينذر هؤلاء.

(1/4150)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 432
لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ فى موضع الحال من أَنْ يُحْشَرُوا بمعنى : يخافون أن يحشروا غير منصورين ولا مشفوعا لهم.
ولا بد من هذه الحال ، لأن كلا محشور ، فالمخوف إنما هو الحشر على هذه الحال.
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي يدخلون فى زمرة المتقين المسلمين.
[سورة الأنعام (6) : آية 52]
وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)
52 - وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ :
وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ذكر غير المتقين من المسلمين وأمر بإنذارهم ليتقوا ، ثم أردفهم ذكر المتقين منهم وأمره بتقريبهم وإكرامهم.
وهذا أن رؤساء المشركين قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم : لو طردت عنا هؤلاء الأعبد ، يعنون فقراء المسلمين.
فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم : ما أنا بطارد المؤمنين. فقالوا : فأقمهم عنا إذا جئنا ، فإذا قمنا فأقعدهم معك إن شئت.
بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ أي يواصلون دعاء ربهم ، أي عبادته ، ويواظبون عليها ، والمراد بذكر الغداة والعشى الدوام.
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ يسمهم بالإخلاص فى عبادتهم. والوجه يعبر به عن ذات الشيء وحقيقته.
ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وذلك أنهم طعنوا فى دينهم وإخلاصهم ، أي إن كان الأمر على ما يقولون عند اللّه فما يلزمك إلا اعتبار والاتسام بسيمة المتقين ، وإن كان لهم باطن غير مرضى فحسابهم عليهم لازم لهم لا يتعداهم إليك.
وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ كما أن حسابك عليك لا يتعداك إليهم.

(1/4151)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 433
[سورة الأنعام (6) : الآيات 53 الى 54]
وَ كَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)
53 - وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ :
وَ كَذلِكَ أي ومثل ذلك الفتن العظيم.
فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ فتنا بعض الناس ببعض ، أي ابتليناهم بهم.
أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أي أنعم عليهم بالتوفيق لإصابة الحق ، ولما يسعدهم عنده من دوننا ، ونحن المقدمون والرؤساء ، وهم العبيد والفقراء ، إنكارا لأن يكون أمثالهم على الحق وممنونا عليهم من بينهم بالخير.
أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ أي اللّه أعلم بأن يقع منه الإيمان والشكر فيوفقه للإيمان ومن يصمم على كفره فيخذله ويمنعه التوفيق.
54 - وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ إما أن يكون أمرا بأن يبدأهم بالسلام إكراما لهم وتطييبا لقلوبهم ، وإما أن يكون أمرا بتبليغ سلام اللّه إليهم.
كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ من جملة ما أمر أن يقوله لهم ليسرهم ويبشرهم بسعة رحمة اللّه وقبوله التوبة منهم.
أَنَّهُ بالفتح على الإبدال من الرحمة. وقرىء بالكسر على الاستئناف ، كأن الرحمة استفسرت. فقيل أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ.
بِجَهالَةٍ فى موضع الحال ، أي عمله وهو جاهل.
أي إنه فاعل فعل الجهلة ، لأن من عمل ما يؤدى إلى الضرر فى العاقبة ، وهو عالم بذلك أو ظان ، فهو من أهل السفه والجهل ، لا من أهل الحكمة والتدبير.
أو أنه جاهل بما يتعلق به من المكروه والمضرة ، ومن حق الحكيم أنه لا يقدم على شىء حتى يعلم حاله وكيفيته.

(1/4152)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 434
فَأَنَّهُ وقرىء بالكسر على الاستئناف.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 55 الى 57]
وَ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (57)
55 - وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ :
وَ لِتَسْتَبِينَ وقرىء : وليستبين ، بالياء ، لأن السبيل يذكر ويؤنث.
56 - قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ :
نُهِيتُ صرفت وزجرت ، بما ركب فى من أدلة العقل ، وبما أوتيت من أدلة السمع عن عبادة ما تعبدون.
مِنْ دُونِ اللَّهِ فيه استجهال لهم ووصف بالاقتحام فيما كانوا فيه على غير بصيرة.
قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ أي لا أجرى فى طريقتكم التي سلكتموها فى دينكم من اتباع الهوى دون اتباع الدليل.
قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً أي إن اتبعت أهواءكم فأنا ضال ، وما أنا من الهدى فى شىء.
57 - قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ :
قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي أي إنى من معرفة ربى وأنه لا معبود سواه على حجة واضحة وشاهد صدق.
وقيل : على حجة من جهة ربى ، وهى القرآن.
وَ كَذَّبْتُمْ بِهِ أنتم حيث أشركتم به غيره. وقيل : أي بالبينة.
وذكر الضمير على تأويل : البيان أو القرآن.
ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ يعنى العذاب الذي استعجلوه فى قولهم فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ.
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ فى تأخير عذابكم.

(1/4153)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 435
يَقُصُّ الْحَقَّ أي يتبع الحق والحكمة فيما يحكم به ويقدره.
وقرىء (يقض بالحق) أي القضاء الحق فى كل ما يقضى به من التأخير والتعجيل فى أقسامه.
ونصب لأنه صفة لمصدر : يقضى ، أي يقضى القضاء الحق.
وقيل : هو مفعول به ، من قولهم : قضى الدرع ، إذا صنعها. أي يصنع الحق ويدبره.
وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ أي القاضين.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 58 الى 60]
قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)
58 - قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ :
لَوْ أَنَّ عِنْدِي أي فى قدرتى وإمكانى.
ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب.
لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ لأهلكتم عاجلا غضبا وامتعاضا من تكذيبكم به ولتخلصت منكم سريعا.
وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ وبما يجب فى الحكمة من كنه عقابهم.
59 - وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ :
وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة.
وَ لا حَبَّةٍ عطف على : ورقة ، وداخل فى حكمها.
وَ لا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ عطف على : ورقة وداخل فى حكمها.
إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ كالتكرير لقوله إِلَّا يَعْلَمُها إذ معناهما واحد.
60 - وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ :

(1/4154)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 436
وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ الخطاب للكفرة ، أي أنتم منسدحون ومنسطحون على القفا الليل كله كالجيف.
وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ما كسبتم من الآثام فيه.
ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ من القبور فى شأن ذلك الذي قطعتم به أعماركم من النوم بالليل ، وكسب الآثام بالنهار ، ومن أجله.
لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى وهو الأجل الذي سماه وضربه لبعث الموتى وجزائهم على أعمالهم.
ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ وهو المرجع إلى موقف الحساب.
ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فى ليلكم ونهاركم.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 61 الى 63]
وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (62) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63)
61 - وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ :
حَفَظَةً ملائكة حافظين لأعمالكم وهم الكرام الكاتبون.
تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا أي استوفت روحه ، وهم ملك الموت وأعوانه.
وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ من التفريط ، وهو التواني والتأخير عن الحد.
62 - ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ :
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ أي حكمه وجزائه.
مَوْلاهُمُ مالكهم الذي يلى عليهم أمورهم.
الْحَقِّ العدل الذي لا يحكم إلا بالحق.
أَلا لَهُ الْحُكْمُ يومئذ لا حكم لغيره.
وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ لا يشغله حساب عن حساب.
63 - قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ :

(1/4155)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 437
ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ مجاز عن مخاوفهما وأهوالهما.
تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً فى تضرع ظاهر وباطن.
لَئِنْ أَنْجانا على إرادة القول.
مِنْ هذِهِ من هذه الظلمة الشديدة.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 64 الى 66]
قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66)
64 - قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ :
قُلِ اللَّهُ وحده.
يُنَجِّيكُمْ مِنْها ينقذكم من هذه الأهوال.
وَ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ ومن كل شدة أخرى.
ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ثم أنتم مع ذلك تشركون معه فى العبادة غيره مما لا يدفع شرا ولا يجلب خيرا.
65 - قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ :
قُلْ هُوَ الْقادِرُ هو الذي عرفتموه قادرا وهو الكامل القدرة.
عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ كما أمطر على قوم لوط ، وعلى أصحاب الفيل ، الحجارة ، وأرسل على قوم نوح الطوفان. أو من أكابركم وسلاطينكم.
أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ كما أغرق فرعون وخسف بقارون ، أو من قبل سفلتكم وعبيدكم.
أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً أو يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتى ، كل فرقة منكم مشايعة لإمام.
66 - وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ :
وَ كَذَّبَ بِهِ أي بالعذاب.

(1/4156)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 438
وَ هُوَ الْحَقُّ أي لا بد أن ينزل بهم.
قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ بحفيظ ، وكل إلى أمركم ، أمنعكم من التكذيب إجبارا ، وإنما أنا منذر.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 67 الى 69]
لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69)
67 - لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ :
لِكُلِّ نَبَإٍ لكل شىء ينبأ به. يعنى إنباءهم بأنهم يعذبون ، وإيعادهم به.
مُسْتَقَرٌّ وقت استقرار وحصول لا بد منه.
68 - وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ :
يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فى الاستهزاء بها والطعن فيها. وكانت قريش فى أنديتهم يفعلون ذلك.
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ فلا تجالسهم وقم عنهم.
حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ فلا بأس أن تجالسهم حينئذ.
وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ وإن شغلك بوسوسته حتى تنسى النهى عن مجالستهم.
فَلا تَقْعُدْ معهم.
بَعْدَ الذِّكْرى بعد أن تذكر النهى.
وقيل : فلا تقعد بعد أن ذكرناك قبحها ونهيناك عليه معهم.
69 - وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ :
وَ لكِنْ عليهم أن يذكروهم ذكرى إذا سمعوهم يخوضون ، بالقيام عنهم وإظهار الكرامة لهم وموعظتهم.

(1/4157)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 439
ذِكْرى نصب على : ولكنهم يذكرونهم ذكرى ، أي تذكيرا.
أو رفع على : ولكن عليهم ذكرى.
ولا يجوز أن يكون عطفا على محل مِنْ شَيْءٍ لأن قوله مِنْ حِسابِهِمْ يأبى ذلك.
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ لعلهم يجتنبون الخوض حياء أو كراهة لمساءتهم.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 70 الى 71]
وَ ذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (71)
70 - وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ :
اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً أي دينهم الذي كان يجب أن يأخذوا به ، لعبا ولهوا ، وذلك أن عبدة الأصنام وما كانوا عليه من تحريم البحائر والسوائب وغير ذلك ، من باب اللعب واللهو واتباع هوى النفس والعمل بالشهوة ومن جنس الهزل دون الجد.
وَ ذَكِّرْ بِهِ أي بالقرآن.
أَنْ تُبْسَلَ مخافة أن تسلم إلى الهلكة والعذاب وترتهن بسوء كسبها ، وأصل الإبسال : المنع ، لأن المسلم إليه يمنع المسلم.
وَ إِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها وإن تفد كل فداء. والعدل :
الفدية ، لأن الفادي يعدل المفدى بمثله.
وكُلَّ عَدْلٍ نصب على المصدر.
و فاعل لا يُؤْخَذْ قوله مِنْها لا ضمير العدل ، لأن العدل هاهنا مصدر فلا يسند إليه الأخذ.
أُولئِكَ إشارة إلى المتخذين دينهم لعبا ولهوا.
71 - قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى

(1/4158)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 440
أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ
:
أَ نَدْعُوا أنعبد.
مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يقدر على نفعنا ومضرتنا.
وَ نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا راجعين إلى الشرك بعد إذ أنقذنا اللّه منه وهدانا للإسلام.
كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ طلبت هويه وحرصت عليه. والكاف فى محل نصب من الحال من الضمير فى نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا أي : أننكص مشبهين من استهوته الشياطين.
وَ أُمِرْنا فى محل النصب عطفا على محل إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى على أنهما مقولان ، كأنه قيل : قل هذا القول وقل أمرنا لنسلم.
لِنُسْلِمَ تعليل للأمر ، بمعنى : أمرنا وقيل لنا أسلموا لأجل أن نسلم.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 72 الى 73]
وَ أَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)
72 - وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ :
وَ أَنْ أَقِيمُوا عطف على موضع لِنُسْلِمَ كأنه قيل : وأمرنا لأن نسلم ولأن أقيموا ، أي للإسلام ولإقامة الصلاة.
73 - وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ :
وَ يَوْمَ يَقُولُ خبر مقدم ، وانتصابه بمعنى الاستقراء. واليوم ، بمعنى : الحين.
قَوْلُهُ الْحَقُّ مبتدأ مؤخر.

(1/4159)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 441
و المعنى : أنه خلق السموات والأرض قائما بالحق والحكمة وحين يقول لشىء من الأشياء كن فيكون ذلك الشيء ، قوله الحق والحكمة.
أي لا يكون شيئا من السموات والأرض وسائر المكونات إلا عن حكمة وصواب.
وانتصاب اليوم بمحذوف دل عليه قوله بِالْحَقِّ كأنه قيل : وحين يكون ويقدر يقوم بالحق.
ويجوز أن يكون قَوْلُهُ الْحَقُّ فاعل فَيَكُونُ على معنى : وحين يقول لقوله الحق ، أي لقضائه الحق كُنْ فيكون قوله الحق.
يَوْمَ يُنْفَخُ ظرف لقوله وَلَهُ الْمُلْكُ.
عالِمُ الْغَيْبِ أي هو عالم الغيب ، وارتفاعه على المدح.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 75]
وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)
74 - وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ :
آزَرَ اسم أبى إبراهيم ، عليه السلام ، وهو عطف بيان لقوله لِأَبِيهِ.
وقرىء (آزر) بالضم على النداء.
وقيل آزَرَ اسم صنم ، وكأنه نبز به للزومه عبادته ، أو أريد :
عابد آزر.
75 - وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ :
نُرِي حكاية حال ماضية.
مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
يعنى الربوبية والإلهية ، ونوفقه لمعرفتها ونرشده بما شرحنا صدره وحددنا نظره وهديناه لطريق الاستدلال.

(1/4160)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 442
وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فعلنا ذلك.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 76 الى 78]
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)
76 - فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ :
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ عطف على قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ ، وقوله وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ جملة معترض بها بين المعطوف والمعطوف عليه.
والمعنى : ومثل ذلك التعريف والتبصير نعرف ابراهيم ونبصره.
وكان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب ، فأراد أن ينبههم على الخطأ فى دينهم ، وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال ، ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شيئا منها لا يصح أن يكون إلها ، لقيام دليل الحدوث فيها ، وأن وراءها محدثا أحداثها ، وصانعا صنعها ، ومدبرا دبر طلوعها وأقوالها وانتقالها وسيرها وسائر أحوالها.
هذا رَبِّي قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل ، فيحكى قوله كما هو غير متعصب لمذهبه ، لأن ذلك أدعى الى الحق وأنحى من الشغب ، ثم يكر عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة.
لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين عن حال الى حال ، المتنقلين من مكان الى مكان ، المحتجبين بستر ، فان ذلك من صفات الأجرام.
77 - فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ :
بازِغاً مبتدئا فى الطلوع.
لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلها ، وهو نظير الكواكب فى الأرض فى الأفول ، فهو ضال ، وأن الهداية الى الحق بتوفيق اللّه ولطفه.
78 - فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ :

(1/4161)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 443
هذا أَكْبَرُ من باب استعمال النصفة أيضا مع خصومه.
إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ من الأجرام التي تجعلونها شركاء لخالقها.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 79 الى 81]
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)
79 - إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ :
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ أي للذى دلت هذه المحدثات عليه ، وعلى أنه مبتدئها ومبدعها.
80 - وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ :
وَ حاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وكانوا حاجوه فى توحيد اللّه ونفى الشركاء عنه منكرين ذلك.
وَ قَدْ هَدانِ يعنى إلى التوحيد.
وَ لا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ وقد خوفوه أن معبوداتهم تصيبه بسوء.
إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي إلا وقت مشيئة ربى شيئا يخاف ، فحذف الوقت. يعنى : لا أخاف معبوداتكم فى وقت قط لأنها لا تقدر على منفعة ولا مضرة إلا إذا شاء ربى أن يصيبنى بمخوف من جهتها إن أصبت ذنبا أستوجب به إنزال المكروه ، مثل أن يرجمنى بكوكب أو بشقة من الشمس أو القمر ، أو بجعلها قادرة على مضرتى.
وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أي ليس بعجب ولا مستبعد أن يكون فى علمه إنزال المخوف بي من جهتها.
أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ فتميزوا بين الصحيح والفاسد والقادر والعاجز.
81 - وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ :

(1/4162)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 444
وَ كَيْفَ أَخافُ فتخويفكم شيئا مأمون الخوف لا يتعلق به ضرر بوجه.
وَ لا تَخافُونَ وأنتم لا تخافون ما يتعلق به كل مخوف وهو إشراككم باللّه.
ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ بإشراكه.
سُلْطاناً حجة ، لأن الإشراك لا يصح أن يكون عليه حجة.
فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ أي وما لكم تنكرون على الأمن فى موضع الأمن ، ولا تنكرون على أنفسكم الأمن فى موضع الخوف.
ولم يقل : فأينا أحق بالأمن أنا أم أنتم؟ احترازا من تزكية نفسه ، فعدل عنه إلى قوله فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ ، يعنى فريقى المشركين والموحدين.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 82 الى 84]
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84)
82 - الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ :
الَّذِينَ آمَنُوا استئناف الجواب عن السؤال.
وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أي ولم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم.
83 - وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ :
وَ تِلْكَ حُجَّتُنا إشارة إلى جميع ما احتج به إبراهيم عليه السّلام على قومه.
آتَيْناها أرشدناه إليها ووفقناه لها.
نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ يعنى فى العلم والحكمة.
84 - وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ :
مِنْ ذُرِّيَّتِهِ الضمير لنوح ، أو لإبراهيم.

(1/4163)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 445
داوُدَ عطف على قوله وَنُوحاً أي وهدينا داود.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 85 الى 89]
وَ زَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (86) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (89)
85 - وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ :
وَ زَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ وهدينا زكريا ويحيى وعيسى وإلياس.
كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ كل واحد من هؤلاء من عبادنا الصالحين.
86 - وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ :
وَ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وهدينا إسماعيل واليسع ويونس ولوطا.
وَ كلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ وفضلنا كل واحد من هؤلاء جميعا على العالمين فى زمانه بالهداية والنبوة.
87 - وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ :
وَ مِنْ آبائِهِمْ فى موضع النصب عطفا على قوله كلًّا بمعنى :
و فضلنا بعض آبائهم.
88 - ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ :
وَ لَوْ أَشْرَكُوا مع فضلهم وتقدمهم ، وما رفع لهم من الدرجات ، لكانوا كغيرهم فى هبوط.
89 - أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ :
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يريد الجنس.
فَإِنْ يَكْفُرْ بِها بالكتاب والحكمة والنبوة.
هؤُلاءِ يعنى أهل مكة.
قَوْماً هم الأنبياء ، المذكورون ومن تابعهم.
بِها صلة لقوله بِكافِرِينَ.
بِكافِرِينَ الباء لتأكيد النفي.

(1/4164)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 446
[سورة الأنعام (6) : الآيات 90 الى 91]
أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (90) وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)
90 - أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ :
فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ فاختص هداهم بالاقتداء ، ولا تقتدوا إلا بهم.
والهاء فى اقْتَدِهْ للوقف تسقط فى الدرج. واستحسن إيثار الوقف لثبات الهاء فى المصحف.
91 - وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ :
وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وما عرفوه حق معرفته فى الرحمة على عباده واللطف بهم حين أنكروا بعثة الرسل والوحى إليهم ، ذلك من أجل رحمته وأعظم نعمته.
أو ما عرفوه حق معرفته فى سخطه على الكافرين وشدة بطشه بهم ، ولم يخافوه حين جسروا على تلك المقالة العظيمة من إنكار النبوة.
والقائلون هم اليهود ، بدليل قوله بعد تَجْعَلُونَهُ ، وكذلك تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ.
وإنما قالوا ذلك مبالغة فى إنكار إنزال القرآن على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم فألزموا ما لا بد لهم الإقرار به من إنزال التوراة على موسى عليه السلام.
ثم أدرج تحت الإلزام توبيخهم ، وأن نعى عليهم سوء جهلهم لكتابهم وتحريفهم إياه وإبداء بعضه وإخفاء بعضه.
وَ عُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ الخطاب لليهود ، أي علمتم على لسان محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم مما أوحى إليه ما لم تعلموا أنتم ، وأنتم حملة التوراة ، ولم يعلمه آباؤكم الأقدمون ، الذين كانوا أعلم منكم.
وقيل : الخطاب لمن آمن من قريش.

(1/4165)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 447
قُلِ اللَّهُ أي أنزله اللّه ، فإنهم لا يقدرون أن يناكروك.
ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ ثم دعهم فى باطلهم الذي يخوضون فيه ، ولا عليك بعد إلزام الحجة.
يَلْعَبُونَ حال من ذَرْهُمْ أو من خَوْضِهِمْ.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 92 الى 93]
وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)
92 - وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ :
مُبارَكٌ كثير المنافع والفوائد.
وَ لِتُنْذِرَ معطوف على ما دل عليه صفة الكتاب ، كأنه قيل :
أو أنزلناه للبركات ، وتصديق ما تقدمه من الكتب والإنذار.
أُمَّ الْقُرى مكة ، لأنها مكان أول بيت وضع للناس ، ولأنها قبلة أهل القرى كلهم ومحجهم.
وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يصدقون بالعاقبة ويخافونها.
يُؤْمِنُونَ بِهِ بهذا الكتاب ، وذلك أن أصل الدين خوف العاقبة ، فمن خافها لم يزل به الخوف حتى يؤمن.
وَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ خص الصلاة لأنها عماد الدين ، ومن حافظ عليها كانت لطفا فى المحافظة على أخواتها.
93 - وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ :
افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً اختلق فزعم أن اللّه بعثه نبيا.
أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وهو مسيلمة الحنفي الكذاب ، أو الأسود العنسي كذاب صنعاء.

(1/4166)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 448
وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وهو عبد اللّه بن سعد بن أبى سرح القرشي ، كان يكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، فكان إذا أملى عليه (سميعا عليما) كتب هو (عليما حكيما) ، وإذا قال (عليما حكيما) كتب (غفورا رحيما). فلما نزلت وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ إلى آخر الآية ، عجب عبد اللّه من تفصيل خلق الإنسان ، فقال فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ
فقال عليه الصلاة والسلام : اكتبها ، فكذلك نزلت ،
فشك عبد اللّه وقال : لئن كان محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلم صادقا لقد أوحى إلى مثل ما أوحى إليه ، ولئن كان كاذبا فلقد قلت كما قال. فارتد عن الإسلام ولحق بمكة ، ثم رجع مسلما قبل فتح مكة.
وقيل : هو النضر بن الحارث ، والمستهزءون.
وَ لَوْ تَرى جوابه محذوف ، أي لرأيت أمرا عظيما.
إِذِ الظَّالِمُونَ يريد الذين ذكرهم من اليهود والمتنبئة ، فتكون اللام للعهد. ويجوز أن تكون اللام للجنس فيدخل فيه هؤلاء ، لاشتماله عليهم.
فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ فى شدائده وسكراته. وأصل الغمرة : ما يغمر من الماء ، فاستعيرت للشدة الغالبة.
باسِطُوا أَيْدِيهِمْ يبسطون إليهم أيديهم يقولون : هاتوا أرواحكم اخرجوا إلينا من أجسادكم ، أي يفعلون بهم فعل الغريم المسلط يبسط يده إلى من عليه الحق ، ويعنف عليه فى المطالبة ولا يمهله ، ويقول :
لا أريم مكانى حتى أنزعه من أحداقك.
وقيل معناه : باسطو أيديهم عليهم بالعذاب.
أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ خلصوها من أيدينا ، أي لا تقدرون على الخلاص.
الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ أي وقت الإماتة وما يعذبون به من شدة الفزع.
وقيل : الوقت الممتد المتطاول الذي يلحقهم فيه العذاب فى البرزخ والقيامة.

(1/4167)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 449
عَذابَ الْهُونِ الهون : الهوان الشديد ، وإضافة العذاب إليه ، مثل قولك : رجل سوء ، يريد العراقة فى الهوان والتمكن فيه.
عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ فلا تؤمنون بها.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 94 الى 95]
وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)
94 - وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ :
فُرادى منفردين عن أموالكم وأولادكم وما حرصتم عليه وآثرتموه من دنياكم.
كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ على الهيئة التي ولدتم عليها فى الانفراد.
وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ ما تفضلنا به عليكم فى الدنيا فشغلتم به عن الآخرة.
وَراءَ ظُهُورِكُمْ لم ينفعكم ولم تحتملوا منه نقيرا ولا قدمتموه لأنفسكم.
فِيكُمْ شُرَكاءُ فى استعبادكم ، لأنهم حين دعوهم آلهة وعبدوها فقد جعلوها للّه شركاء فيهم وفى استعبادهم.
لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وقع التقطع بينكم.
95 - إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ :
فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى بالنبات والشجر.
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ أي الحيوان والناس من النطف. وموقع الجملة المبينة لقوله فالِقُ الْحَبِّ لأن فلق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس إخراج الحي من الميت ، لأن النامي فى حكم الحيوان.
وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ هذه الأشياء الميتة من الحيوان والناس.

(1/4168)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 450
و هذا عطف على قوله فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى لا على الفعل.
ذلِكُمُ اللَّهُ أي ذلكم المحيي والمميت هو اللّه الذي تحق له الربوبية.
فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ فكيف تصرفون عنه وعن توليه إلى غيره.
[سورة الأنعام (6) : آية 96]
فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)
96 - فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ :
الْإِصْباحِ مصدر ، سمى به الصبح. وفالق الإصباح ، أي فالق ظلمة الإصباح ، وهى الغبش فى آخر الليل ومنقضاه الذي يلى الصبح.
أو فالق الإصباح ، الذي هو عمود الفجر عن بياض النهار وإسفاره.
وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً يسكن إليه ويطمأن به.
وقرىء (فالق الإصباح وجاعل الليل) بالنصب على المدح.
وَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ قرئا بالحركات الثلاث :
فالنصب ، على إضمار فعل دل عليه (جاعل الليل) ، أي : وجعل الشمس والقمر حسبانا.
والجر ، عطف على لفظ اللَّيْلَ.
والرفع ، على الابتداء ، والخبر محذوف ، تقديره : والشمس والقمر مجعولان حسبانا ، أو محسوبان حسبانا.
حُسْباناً أي على حسبان ، لأن حساب الأوقات يعلم بدورهما وسيرهما.
ذلِكَ إشارة إلى جعلهما حسبانا ، أي ذلك التسيير المعلوم.
تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الذي قهرهما وسخرهما.

(1/4169)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 451
الْعَلِيمِ بتدبيرهما وتدويرهما.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 97 الى 99]
وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)
97 - وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ :
فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فى ظلمات الليل بالبر والبحر ، وأضافهما إليهما لملابستهما لهما.
98 - وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ :
فَمُسْتَقَرٌّ فى الرحم ، أو فوق الأرض.
وَ مُسْتَوْدَعٌ فى الصلب ، أو تحت الأرض.
أو : فمنكم مستقر ومنكم مستودع.
يَفْقَهُونَ له فطنة وتدقيق نظر.
99 - وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ :
فَأَخْرَجْنا بِهِ بالماء.
نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ نبت كل صنف من أصناف الناس ، يعنى أن السبب واحد وهو الماء ، والمسببات صنوف مفتنة.
فَأَخْرَجْنا مِنْهُ من النبات.
خَضِراً شيئا غضا أخضر.
نُخْرِجُ مِنْهُ من الخضر.
حَبًّا مُتَراكِباً هو السنبل.
قِنْوانٌ عراجين ، الواحد : قنو. رفع بالابتداء ، ومِنَ النَّخْلِ خبره. ومِنْ طَلْعِها بدل منه.

(1/4170)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 452
دانِيَةٌ سهلة المجتنى معرضة للقاطف.
وَ جَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ بالنصب ، عطفا على نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ أي وأخرجنا به جنات من أعناب ، وكذلك قوله وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ.
وقرىء : جنات ، بالرفع. ثم جنات من أعناب ، أي من نبات أعناب ، والأحسن أن ينتصباعلى الاختصاص.
أو هو معطوف على قِنْوانٌ على معنى : وحاصلة ، أو ومخرجة من النخل قنوان وجنات من أعناب.
مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ أي والزيتون متشابه وغيره متشابه ، والرمان كذلك.
والمعنى : بعضه متشابها وبعضه غير متشابه فى القدر واللون والطعم.
انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ إذا أخرج ثمره كيف يخرجه ضئيلا ضعيفا لا يكاد ينتفع به ، وانظروا إلى حال ينعه ونضجه كيف يعود شيئا جامعا لمنافع وملاذ.
[سورة الأنعام (6) : آية 100]
وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100)
100 - وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ :
لِلَّهِ شُرَكاءَ مفعولا الفعل جَعَلُوا.
الْجِنَّ بدل من شُرَكاءَ.
ويصح أن يكون شُرَكاءَ الْجِنَّ مفعولين ، قدم ثانيهما على الأول.
وَ خَلَقَهُمْ وخلق الجاعلين للّه شركاء.
والمعنى : وعلموا أن اللّه خالقهم دون الجن ، ولم يمنعهم علمهم أن يتخذوا من لا يخلق شريكا للخالق.
وَ خَرَقُوا لَهُ وخلقوا له ، أي افتعلوا له.

(1/4171)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 453
بَنِينَ وَبَناتٍ هو قول أهل الكتابين فى المسيح وعزير ، وقول قريش فى الملائكة.
بِغَيْرِ عِلْمٍ من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوه من خطأ أو صواب ، ولكن رميا بقول عن عمى وجهالة من غير فكر وروية.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 101 الى 102]
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)
101 - بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ :
بَدِيعُ السَّماواتِ من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها. أو هو بديع فى السموات والأرض.
أي عديم النظير والمثل فيها.
وقيل : البديع ، بمعنى المبدع.
وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف.
أو هو مبتدأ ، وخبره أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ.
وقرىء بالجر ، ردا على قوله وَجَعَلُوا لِلَّهِ.
كما قرىء بالنصب على المدح.
102 - ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ :
ذلِكُمُ إشارة إلى الموصوف بما تقدم من الصفات ، وهو مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة.
اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ أي ذلكم الجامع لهذه الصفات.
فَاعْبُدُوهُ سبب عن مضمون الجملة ، على معنى : أن من استجمعت له هذه الصفات كان هو الحقيق بالعبادة فاعبدوه ولا تعبدوا من دونه من بعض خلقه.

(1/4172)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 454
وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ أي وهو مع تلك الصفات مالك لكل شىء من الأرزاق والآجال ، رقيب على الأعمال.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 103 الى 105]
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)
103 - لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ :
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ أي إن الأبصار لا تدركه ولا تتعلق به ، لأن الأبصار إنما تتعلق بما كان فى جهة أصلا أو تابعا.
وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وهو للطف إدراكه للمدركات يدرك تلك الجواهر اللطيفة التي لا يدركها مدرك.
وَ هُوَ اللَّطِيفُ يلطف عن أن تدركه الأبصار.
الْخَبِيرُ بكل لطيف فهو يدرك الأبصار.
104 - قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ :
قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وارد على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
والبصيرة : نور القلب الذي به يستبصر.
فَمَنْ أَبْصَرَ الحق وآمن.
فَلِنَفْسِهِ أبصر وإياها نفع.
وَ مَنْ عَمِيَ عنه فعلى نفسه عمى وإياها ضر بالعمى.
وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ أحفظ أعمالكم وأجازيكم عليها ، إنما أنا منذر واللّه هو الحفيظ عليكم.
105 - وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ :
وَ لِيَقُولُوا جوابه محذوف ، تقديره : وليقولوا درست تصرفها.

(1/4173)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 455
دَرَسْتَ قرأت وتعلمت.
وقرىء : دارست ، أي دارست العلماء.
وَ لِنُبَيِّنَهُ أي الآيات ، لأنها فى معنى القرآن.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 106 الى 108]
اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (108)
106 - اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ :
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اعتراض أكد به إيجاب اتباع الوحى ، لا محل لها من الإعراب.
ويجوز أن يكون حالا مؤكدة من رَبِّكَ.
107 - وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ :
وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا ولو أراد اللّه أن يعبدوه وحده لقهرهم على ذلك بقدرته وقوته ولكنه تركه لاختيارهم.
وَ ما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وما جعلناك رقيبا على أعمالهم.
وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ وما أنت بمكلف أن تقوم عنهم بتدبير شئونهم وإصلاح أمرهم.
108 - وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ :
وَ لا تَسُبُّوا أيها المؤمنون.
الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أصنام المشركين التي يعبدونها من دون اللّه.
فَيَسُبُّوا اللَّهَ فيحملهم الغضب لها على إغاظتكم بسب اللّه.
عَدْواً تعديا وسفها.

(1/4174)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 456
بِغَيْرِ عِلْمٍ على جهالة باللّه وبما يجب أن يذكر به.
كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ مثل ما زينا لهؤلاء حب أصنامهم يكون لكل أمة عملها حسب استعدادها.
ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ ثم يكون مصير الجميع إلى اللّه وحده يوم القيامة.
فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فيخبرهم بأعمالهم ويجازيهم عليها.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 109 الى 110]
وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)
109 - وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ :
وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ وأقسم المشركون بأقصى أيمانهم.
لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ من مقترحاتهم.
لَيُؤْمِنُنَّ بِها ليكونن ذلك سببا فى إيمانهم.
قُلْ أيها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ إن هذه الآيات من عند اللّه ، فهو وحده القادر عليها وليس لى يد فيها.
وَ ما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ إنكم أيها المؤمنون لا تدرون ما سبق به علمى من أنهم إذا جاءتهم هذه الآيات لا يؤمنون.
110 - وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ :
وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَنَذَرُهُمْ عطف على يُؤْمِنُونَ داخل فى حكم وَما يُشْعِرُكُمْ بمعنى وما يشعركم أنهم لا يؤمنون ، وما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم وأبصارهم.
أي نطبع على قلوبهم وأبصارهم فلا يفقهون ولا يبصرون الحق كما كانوا عند نزول آياتنا ، أو لا يؤمنون بها لكونهم مطبوعا على قلوبهم ،

(1/4175)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 457
و ما يشعركم أنا نذرهم فى طغيانهم ، أي نخليهم وشأنهم لا نكفهم عن الطغيان حتى يعمهوا فيه.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 111 الى 112]
وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (112)
111 - وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ :
وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ كما قالوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ.
وَ كَلَّمَهُمُ الْمَوْتى كما قالوا فَأْتُوا بِآبائِنا.
وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا كما قالوا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا.
وقبلا ، كفلاء بصحة ما بشرنا به وأنذرنا.
أو جماعات.
وقيل : مقابلة ، أي عيانا.
إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ منهم اختيار الإيمان.
وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ فيقسمون باللّه جهد أيمانهم على ما لا يشعرون من حال قلوبهم عند نزول الآيات. أو ولكن أكثر المسلمين يجهلون أن هؤلاء لا يؤمنون إلا أن يضطرهم فيطمعون فى إيمانهم إذا جاءت الآية المقترحة.
112 - وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ :
وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا وكما خلينا بينك وبين أعدائك ، كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء وأعدائهم لم نمنعهم العداوة ، لما فيه من الامتحان الذي هو سبب ظهور الثبات وكثرة الصواب والأجر.
شَياطِينَ منصوب على البدل من قوله عَدُوًّا أو على أنهما مفعولان.

(1/4176)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 458
يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ يوسوس شياطين الجن إلى شياطين الإنس ، وكذلك بعض الجن إلى بعض ، وبعض الإنس إلى بعض.
زُخْرُفَ الْقَوْلِ ما يزينه القول والوسوسة والإغراء على المعاصي ويموهه.
غُرُوراً خدعا وأخذا على غرة.
وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ ما فعلوا ذلك ، أي ما عادوك ، أو ما أوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول ، بأن يكفهم ولا يخليهم وشأنهم.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 113 الى 114]
وَ لِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)
113 - وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ :
وَ لِتَصْغى جوابه محذوف ، تقديره : وليكون ذلك جعلنا لكل نبى عدوا ، على أن اللام لام الصيرورة ، وتحقيقها ما ذكر.
إِلَيْهِ الضمير يرجع إلى ما رجع إليه الضمير فى قوله فَعَلُوهُ فى الآية السابقة ، أي والتميل إلى ما ذكر من عداوة الأنبياء ووسوسة الشياطين.
أَفْئِدَةُ الكفار.
وَ لِيَرْضَوْهُ لأنفسهم.
وَ لِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ من الآثام.
114 - أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ :
أَ فَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً على إرادة القول ، أي : قل يا محمد :
أ فغير اللّه أطلب حاكما يحكم بينى وبينكم ويفصل المحق منا من المبطل.
وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ المعجز.

(1/4177)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 459
مُفَصَّلًا مبينا فيه الفصل بين الحق والباطل ، والشهادة لى بالصدق وعليكم بالافتراء.
فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ من باب التهييج والإلهاب.
أو فلا تكونن من الممترين فى أن أهل الكتاب يعلمون أنه منزل بالحق ، ولا يريبك جحود أكثرهم وكفرهم به.
و قد يكون فَلا تَكُونَنَّ خطابا لكل أحد ، على معنى أنه إذا تعاضدت الأدلة على صحته وصدقه فما ينبغى أن يمترى أحد ويشك.
وقيل : الخطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم خطاب لأمته.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 115 الى 116]
وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116)
115 - وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ :
وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ أي تم كل ما أخبر به ، وأمر ونهى ، ووعد وأوعد.
وقرىء (وتمت كلمة ربك) أي ما تكلم به ، وقيل : هو القرآن.
صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ أي لا أحد يبدل شيئا من ذلك مما هو أصدق وأعدل ، وصِدْقاً وَعَدْلًا نصبا على الحال.
116 - وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ :
وَ إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ أي من الناس ، أضلوك ، لأن الأكثر فى غالب الأمر يتبعون هواهم.
إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وهو ظنهم أن آباءهم كانوا على الحق فهم يقلدونهم.
وَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ يقدرون أنهم على شىء.
أو يكذبون فى أن اللّه حرم كذا وأحل كذا.

(1/4178)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 460
[سورة الأنعام (6) : الآيات 117 الى 120]
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)
117 - إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ :
يَضِلُّ وقرىء : يضل ، بضم الياء ، أي يضله اللّه.
118 - فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ :
فَكُلُوا سبب عن إنكار اتباع المضلين ، الذين يحلون الحرام ويحرمون الحلال.
مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ خاصة دون ما ذكر عليه اسم غيره من آلهتهم ، أو مات حتف أنفه.
وما ذكر اسم اللّه عليه هو المذكى ببسم اللّه.
119 - وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ :
وَ ما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا وأي غرض لكم فى أن لا تأكلوا.
وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ وقد بين لكم.
ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مما لم يحرم ، وهو قوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ.
إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ مما حرم عليكم فإنه حلال لكم فى حال الضرورة.
وَ إِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ قرىء بفتح الياء وضمها ، أي يضلون فيحرمون ويحللون.
بِأَهْوائِهِمْ بشهواتهم من غير تعلق بشريعة.
120 - وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ :
ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ ما أعلنتم منه وما أسررتم.

(1/4179)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 461
و قيل : ما عملتم وما نويتم.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 121 الى 122]
وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (122)
121 - وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ :
وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ الضمير راجع إلى مصدر الفعل الذي دخل عليه حرف النهى ، يعنى : وإن الأكل منه لفسق.
أو إلى الموصول ، على : وإن أكله لفسق ، أو جعل ما لم يذكر اسم اللّه عليه فسقا.
لَيُوحُونَ ليوسوسون.
إِلى أَوْلِيائِهِمْ من المشركين.
لِيُجادِلُوكُمْ بقولهم : ولا تأكلوا مما قتله اللّه ، وبهذا يرجع تأويل من تأوله بالميتة.
إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ لأن من اتبع غير اللّه تعالى فى دينه فقد أشرك به ، ومن حق ذى البصيرة فى دينه أن لا يأكل مما لم يذكر اسم اللّه عليه كيفما كان.
122 - أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ :
أَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ مثل الذي هداه اللّه بعد الضلالة ومنحه التوفيق لليقين الذي يميز به بين المحق والمبطل والمهتدى والضال ، بمن كان ميتا فأحياه اللّه ، وجعل له نورا يمشى به فى الناس مستضيئا به ، فيميز بعضهم عن بعض.
كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ كمن صفته هذه.
زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ أي زينه الشيطان.

(1/4180)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 462
[سورة الأنعام (6) : الآيات 123 الى 125]
وَ كَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (123) وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (124) فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125)
123 - وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ :
وَ كَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها أي : وكما جعلنا فى مكة صناديدها ، كذلك جعلنا فى كل قرية أكابر مجرميها لذلك. والمعنى :
خليناهم ليمكروا ، وما كففناهم عن المكر. وخص الأكابر لأنهم هم الحاملون على الضلال ، والماكرون بالناس.
وَ ما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ لأن مكرهم يحيق بهم.
124 - وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ :
اللَّهُ أَعْلَمُ كلام مستأنف للإنكار عليهم.
حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ وأن لا يصطفى للنبوة إلا من علم أنه يصلح لها ، وهو أعلم بالمكان الذي يضعها فيه منهم.
سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا من أكابرها.
صَغارٌ وقماءة بعد كبرهم وعظمتهم.
وَ عَذابٌ شَدِيدٌ فى الدارين من الأسر والقتل وعذاب النار.
125 - فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ :
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ أن يلطف به ولا يريد أن يلطف إلا بمن له لطف.
يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ يلطف به حتى يرغب فى الإسلام وتسكن إليه نفسه ويحب الدخول فيه.

(1/4181)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 463
وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ
أن يخذله ويخليه وشأنه ، وهو الذي لا لطف له.
يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً يمنعه ألطافه ، حتى يقسو قلبه ، وينبو عن قبول الحق ، ويفسد فلا يدخله الإيمان.
كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كأنما يزاول أمرا غير ممكن ، لأن صعود السماء مثل فيما يمتنع ويبعد من الاستطاعة وتضيق عنه المقدرة.
يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ يعنى الخذلان ومنع التوفيق ، وصفه بنقيض ما يوصف به التوفيق من الطيب. أو أراد الفعل المؤدى إلى الرجس ، وهو العذاب ، من الارتجاس ، وهو الاضطراب.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 126 الى 128]
وَ هذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (127) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)
126 - وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ :
مُسْتَقِيماً عادلا مطردا ، وانتصابه على أنه حال مؤكدة.
127 - لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ :
لَهُمْ لقوم يذكرون.
دارُ السَّلامِ دار اللّه ، يعنى الجنة ، أضافها إلى نفسه تعظيما لها.
أو دار السلامة من كل آفة وكدر.
عِنْدَ رَبِّهِمْ فى ضمانه.
وَ هُوَ وَلِيُّهُمْ مواليهم ومحبهم ، أو ناصرهم على أعدائهم.
بِما كانُوا يَعْمَلُونَ بسبب أعمالهم ، أو متوليهم بجزاء ما كانوا يعملون.
128 - وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا

(1/4182)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 464
أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
:
وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ منصوب بمحذوف ، أي واذكر يوم يحشرهم ، أو يوم نحشرهم قلنا : يا معشر الجن ، أو يوم نحشرهم وقلنا يا معشر الجن كان ما لا يوصف لفظاعته. والضمير لمن يحشر ، من الثقلين وغيرهم.
يا مَعْشَرَ الْجِنِّ الجن ، هم الشياطين.
قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ أضللتم منهم كثيرا ، أو جعلتموهم أتباعكم فحشر معكم منهم الجم الغفير.
وَ قالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ الذين أطاعوهم واستمعوا إلى وسوستهم.
رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ أي انتفع الإنس بالشياطين حيث دلوهم على الشهوات وعلى أسباب التوصل إليها ، وانتفع الجن بالإنس حيث أطاعوهم وساعدوهم على مرادهم وشهوتهم فى إغوائهم.
وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا يعنون يوم البعث.
إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ إلا يفعل شيئا لا بموجب الحكمة.
عَلِيمٌ بأن الكفار يستوجبون عذاب الأبد.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 129 الى 130]
وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (129) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (130)
129 - وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ :
نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً نخليهم حتى يتولى بعضهم بعضا كما فعل الشياطين وغواة الإنس ، أو يجعل بعضهم أولياء بعض يوم القيامة وقرناءهم كما كانوا فى الدنيا.
بِما كانُوا يَكْسِبُونَ بسبب ما كسبوا من الكفر والمعاصي.
130 - ا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ
:

(1/4183)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 465
لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
يقال لهم يوم القيامة على جهة التوبيخ.
لُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا
حكاية لتصديقهم وإيجابهم قوله لَمْ يَأْتِكُمْ
.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 131 الى 133]
ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133)
131 - ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ :
ذلِكَ إشارة إلى ما تقدم من بعثة الرسل إليهم وإنذارهم سوء العاقبة ، وهو خبر مبتدأ محذوف ، أي الأمر ذلك.
أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى تعليل. أي الأمر ما قصصناه عليك لانتفاء كون ربك مهلك القرى بظلم ، على (أن) هى التي تنصب الأفعال.
ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة ، على معنى : لأن الشأن والحديث لم يكن ربك مهلك القرى بظلم. ولك أن تجعلها بدلا من ذلِكَ.
132 - وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ :
دَرَجاتٌ منازل.
مِمَّا عَمِلُوا من جزاء أعمالهم.
وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ بساه عنه يخفى عليه مقاديره وأحواله وما يستحق عليه من الأجر.
133 - وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ :
وَ رَبُّكَ الْغَنِيُّ عن عباده وعن عبادتهم.
ذُو الرَّحْمَةِ يترحم عليهم بالتكليف ليعرضهم للمنافع الدائمة.
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أيها العصاة.
وَ يَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ من الخلق المطيع.
كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ من أولاد قوم آخرين سبقوكم يكونون على مثل صفتكم.

(1/4184)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 466
[سورة الأنعام (6) : الآيات 134 الى 136]
إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (136)
134 - إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ :
إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ إن الذي ينذركم به من عقاب ، ويبشركم به من ثواب ، بعد البعث والجمع والحساب ، آت لا محالة.
وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ وما أنتم بمعجزين من يطلبكم يومئذ ، فلا قدرة لكم على الامتناع عن الجمع والحساب.
135 - قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ :
مَكانَتِكُمْ المكانة تكون مصدرا ، وبمعنى المكان. واعملوا على مكانتكم ، أي اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم ، أو اعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها.
إِنِّي عامِلٌ أي عامل على مكانتى التي أنا عليها.
والمعنى : اثبتوا على كفركم وعداوتكم لى ، فإنى ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم.
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أينا تكون له العاقبة المحمودة.
136 - وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ :
مِمَّا ذَرَأَ مما خلق وأنشأ. وفيه أن اللّه كان أولى بأن يجعل له الزاكي ، لأنه هو ذرأه وزكاه ، ولا يرد إلى ما لا يقدر على ذرء ولا تزكية.
بِزَعْمِهِمْ أي قد زعموا أنه للّه ، واللّه لم يأمرهم بذلك ، ولا شرع لهم تلك القسمة التي هى من الشرك ، لأنهم أشركوا بين اللّه وبين أصنامهم فى القربة.
فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ أي لا يصل إلى الوجوه التي كانوا يصرفونه إليها من قرى الضيفان والتصدق على المساكين.

(1/4185)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 467
فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ من إنفاق عليها بذبح النسائك عندها ، والإجراء على سدنتها وغير ذلك.
ساءَ ما يَحْكُمُونَ فى إيثار آلهتهم على اللّه تعالى وعملهم ما لم يشرع لهم.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 137 الى 138]
وَ كَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (137) وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (138)
137 - وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ :
وَ كَذلِكَ ومثل ذلك التزيين ، وهو تزيين الشرك فى قسمة القربان بين اللّه تعالى والآلهة ، أو مثل ذلك التزيين البليغ الذي هو علم من الشياطين.
والمعنى : أن شركاءهم من الشياطين ، أو من سدنة الأصنام زينوا لهم قتل أولادهم بالوأد أو بنحرهم للآلهة ، فلقد كان الرجل فى الجاهلية يحلف لئن ولد له كذا لينحرن أحدهم.
لِيُرْدُوهُمْ ليهلكوهم بالإغواء.
وَ لِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وليخلطوه عليهم ويشبهوه. ودينهم ما كانوا عليهم من دين إسماعيل عليه السّلام حتى زلوا عنه إلى الشرك.
ما فَعَلُوهُ ما فعل المشركون ما زين لهم من القتل ، أو لما فعل الشياطين أو السدنة للتزيين أو الإرداء أو اللبس أو جميع ذلك.
وَ ما يَفْتَرُونَ أو ما يفترونه من الإفك ، أو افتراؤهم.
138 - وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ :

(1/4186)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 468
حِجْرٌ فعل ، بمعنى مفعول ، ويستوى به المذكر والمؤنث والواحد والجمع ، أي ممنوع.
لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء.
وَ أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وهى البحائر والسوائب والحوامي.
وَ أَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا فى الذبح وإنما يذكر عليها أسماء الأصنام.
أي إنهم قسموا أنعامهم ، فقالوا : هذه أنعام حجر ، وأنعام محرمة الظهور ، وهذه أنعام لا يذكر عليها اسم اللّه ، فجعلوها أجناسا بهواهم ، ونسبوا ذلك التجنيس إلى اللّه.
افْتِراءً عَلَيْهِ أي فعلوا ذلك كله على وجه الافتراء.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 139 الى 140]
وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (140)
139 - وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ :
خالِصَةٌ حمل على المعنى لأن ما فى معنى الأجنة. ويجوز أن تكون التاء للمبالغة وأن تكون مصدرا وقع موقع (الخالص).
مُحَرَّمٌ ذكر حملا على اللفظ.
وَ إِنْ يَكُنْ مَيْتَةً وإن يكن ما فى بطونها ميتة.
فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ ذكر لأن الميتة لكل ميت ذكر أو أنثى ، كأنه قيل :
و ان يكن ميت فهم فيه شركاء.
سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ أي جزاء وصفهم الكذب على اللّه فى التحليل والتحريم.
140 - قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ :
نزلت فى ربيعة ومضر والعرب الذين كانوا يئدون بناتهم مخافة السبي والفقر.

(1/4187)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 469
سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ لخفة أحلامهم وجهلهم بأن اللّه هو رازق أولادهم لا هم.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 143]
وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (143)
141 - وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ :
أَنْشَأَ جَنَّاتٍ من الكروم.
مَعْرُوشاتٍ مسموكات.
وَ غَيْرَ مَعْرُوشاتٍ متروكات على وجه الأرض لم تعرش.
مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ فى اللون والطعم والحجم والرائحة.
إِذا أَثْمَرَ إذا أينع ثمره.
وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ المراد ما كان يتصدق به على المساكين يوم الحصاد ، فالآية مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة.
وَ لا تُسْرِفُوا فى الصدقة.
142 - وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ :
حَمُولَةً وَفَرْشاً عطف على جنات. أي وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال وما يفرش للذبح أو ينسج من وبره وصوفه وشعره الفرش.
وقيل : الحمولة : الكبار التي تصلح للحمل. والفرش : الصغار كالفصلان والعجاجيل والغنم لأنها دانية من الأرض للطافة أجرامها ، مثل الفرش المفروش عليها.
وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ فى التحليل والتحريم من عند أنفسكم كما فعل أهل الجاهلية.
143 - ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ

(1/4188)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 470
حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
:
ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ بدل من حَمُولَةً وَفَرْشاً.
اثْنَيْنِ زوجين اثنين ، يريد الذكر والأنثى. والواحد إذا كان وحده فهو فرد ، فإذا كان معه غيره من جنسه سمى كل واحد منهما زوجا ، وهما زوجان.
آلذَّكَرَيْنِ للإنكار ، والمراد بالذكرين : الذكر من الضأن والذكر من المعز.
الْأُنْثَيَيْنِ الأنثى من الضأن والأنثى من المعز.
والمعنى : إنكار أن يحرم اللّه تعالى من جنس الغنم ضأنها ومعزها شيئا من نوعى ذكورها وإناثها.
نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ أخبرونى بأمر معلوم من جهة اللّه تعالى يدل على تحريم ما حرمتم.
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى أن اللّه حرمه.
[سورة الأنعام (6) : آية 144]
وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)
144 - وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ :
أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ بل كنتم شهداء. ومعنى الهمزة الإنكار.
يعنى : أم شاهدتم ربكم حين أمركم بهذا التحريم.
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فنسب إليه تحريم ما لم يحرم.
لِيُضِلَّ النَّاسَ وهو عمرو بن لحى بن قمعة الذي بحر البحائر وسيب السوائب.

(1/4189)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 471
[سورة الأنعام (6) : الآيات 145 الى 146]
قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (146)
145 - قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
فِي ما أُوحِيَ تنبيه على أن التحريم إنما يثبت بوحي اللّه تعالى وشرعه لا بهوى الأنفس.
مُحَرَّماً طعاما محرما من المطاعم التي حرمتموها.
إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً إلا أن يكون الشيء المحرم ميتة.
أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أي مصبوبا سائلا ، كالدم فى العروق ، لا كالكبد والطحال.
أَوْ فِسْقاً عطف على المنصوب قبله ، سمى ما أهل به لغير اللّه فسقا لتوغله فى باب الفسق.
أُهِلَّ عطف على يَكُونَ.
بِهِ الضمير يرجع إليه الضمير المستكن فى يَكُونَ.
فَمَنِ اضْطُرَّ فمن دعته الضرورة إلى أكل شىء من هذه المحرمات.
غَيْرَ باغٍ على مضطر مثله تارك لمواساته.
وَ لا عادٍ متجاوز قدر حاجته من تناوله.
فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا يؤاخذه.
146 - وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ :
كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ذو الظفر : ما له إصبع من دابة أو طائر ، وكان بعض ذات الظفر حلالا لهم فلما ظلموا حرم ذلك عليهم ، فعم التحريم كل ذى ظفر.
وَ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما أريد بالإضافة زيادة

(1/4190)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 472
الربط. والمعنى : أنه حرم عليهم لحم كل ذى ظفر وشحمه ، وكل شىء منه ، وترك البقر والغنم على التحليل لم يحرم منهما إلا الشحوم الخالصة ، وهى الثروب وشحوم الكلى.
إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما يعنى إلا ما اشتمل على الظهور والجنوب من السحفة ، وهى الشحمة الملتزمة بالجلد على الظهر من الكتف إلى الورك.
أَوِ الْحَوايا أو اشتمل على الأمعاء.
أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ وهو شحم الألية.
ذلِكَ الجزاء.
جَزَيْناهُمْ وهو تحريم الطيبات.
بِبَغْيِهِمْ بسبب ظلمهم.
وَ إِنَّا لَصادِقُونَ فيما أوعدنا به العصاة.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 147 الى 148]
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (148)
147 - فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ :
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فى ذلك وزعموا أن اللّه واسع الرحمة ، وأنه لا يؤاخذ بالبغي ويخلف الوعيد جودا وكرما.
فَقُلْ لهم.
رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ لأهل طاعته.
وَ لا يُرَدُّ بَأْسُهُ مع سعة رحمته.
عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ فلا تغتر برجاء رحمته عن خوف نقمته.
148 - سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ :
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إخبار بما سوف يقولونه ولما قالوه.

(1/4191)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 473
لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ أي إن شركهم وشرك آبائهم ، وتحريمهم ما أحل اللّه ، بمشيئة اللّه وإرادته ، ولو لا مشيئته لم يكن شىء من ذلك.
كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي جاءوا بالتكذيب المطلق ، لأن اللّه عز وجل ركب فى العقول وأنزل فى الكتب ما دل على غناه وبراءته من مشيئة القبائح وإرادتها ، والرسل أخبروا بذلك ، فمن علق وجود القبائح من الكفر والمعاصي بمشيئة اللّه وإرادته فقد كذب التكذيب كله ، وهو تكذيب اللّه وكتبه ورسله.
حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا حتى أنزلنا عليهم العذاب بتكذيبهم.
قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ من أمر معلوم يصح الاحتجاج به فيما قلتم.
فَتُخْرِجُوهُ لَنا وهذا من التهكم ، والشهادة بأن مثل قولهم محال أن يكون له حجة.
إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ فى قولكم هذا.
إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ مقدرون الأمر كما تزعمون ، أو تكذبون.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 149 الى 150]
قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)
149 - قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَدُجَّةُ الْبالِغَةُ
يعنى فإن كان الأمر كما زعمتم أن ما أنتم عليه بمشيئة اللّه فلله الحجة البالغة عليكم على قود مذهبكم وطبقه.
فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ منكم ومن مخالفيكم فى الدين ، لأن المشيئة تجمع بين ما أنتم عليه وبين ما هم عليه.
150 - قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ :

(1/4192)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 474
هَلُمَّ يستوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، عند الحجازيين ، وبنو تميم تؤنث وتجمع. أي هاتوا شهداءكم وقربوهم.
فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ أي فلا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم.
وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا من وضع الظاهر موضع المضمر ، للدلالة على أن من كذب بآيات اللّه ، وعدل به عن غيره ، فهو متبع للهوى لا غير.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 152]
قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)
151 - قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ :
تَعالَوْا من الخاص الذي صار عاما ، وأصله أن يقوله من كان فى مكان عال لمن هو أسفل منه ، ثم كثر واتسع فيه حتى عم.
ما حَرَّمَ منصوب بفعل التلاوة ، أي اتل الذي حرمه ربكم ، أو يحرم ، بمعنى : أقل أي شىء حرم ربكم لأن التلاوة من القول.
أَلَّا تُشْرِكُوا أن ، مفسرة ، ولا ناهية.
وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وأحسنوا بالوالدين إحسانا.
مِنْ إِمْلاقٍ من أجل فقر ومن خشيته.
إِلَّا بِالْحَقِّ كالقصاص ، والقتل على الردة ، والرجم.
152 - وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
:
إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إلا بالخصلة التي هى أحسن ما يفعل بمال اليتيم ، وهى حفظه وتثميره.

(1/4193)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 475
و المعنى : احفظوه حتى يبلغ أشده فادفعوه إليه.
بِالْقِسْطِ
بالسوية والعدل.
لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
إلا ما يسعها ولا تعجز عنه.
وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى
و لو كان المقول له أو عليه فى شهادة أو غيرها من أهل قرابة القاتل ، فما ينبغى أن يزيد فى القول أو ينقص.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 153 الى 155]
وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)
153 - وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ :
وَ أَنَّ هذا صِراطِي أي وإنه هذا صراطى مستقيما ، على أن الهاء ضمير الشأن والحديث.
وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ الطرق المختلفة فى الدين.
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ فتفرقكم أيادى سبأ.
عَنْ سَبِيلِهِ عن صراط اللّه المستقيم ، وهو دين الإسلام.
154 - ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ :
ثُمَّ أعظم من ذلك أنا :
آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وأنزلنا هذا الكتاب المبارك ، وقيل هو معطوف على ما تقدم وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ.
تَماماً تماما للكرامة والنعمة.
عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ على من كان محسنا صالحا ، يريد جنس المحسنين.
155 - وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ :
وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ وهذا القرآن كتاب أنزلناه.

(1/4194)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 476
مُبارَكٌ مشتمل على الخير الإلهي والمنافع الدينية والدنيوية.
وَ اتَّقُوا واتقوا مخالفته.
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ليرحمكم ربكم.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 156 الى 157]
أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (157)
156 - أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ :
أَنْ تَقُولُوا كراهة أن تقولوا.
عَلى طائِفَتَيْنِ يريد أهل التوراة وأهل الإنجيل.
وَ إِنْ كُنَّا إن ، هى المخففة من الثقيلة ، واللام هى الفارقة بينها وبين النافية. والأصل : وانه كنا عن دراستهم غافلين ، على أن الهاء ضمير الشأن.
عَنْ دِراسَتِهِمْ عن قراءتهم.
157 - أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ :
لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ لحدة أذهاننا وثقابة أفهامنا.
فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ تبكيت لهم. والمعنى : أن صدقتم فبما كنتم تعدون من أنفسكم فقد جاءكم بينة من ربكم ، فحذف الشرط.
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ بعد ما عرف صحتها وصدقها ، أو تمكن من معرفة ذلك.
وَ صَدَفَ عَنْها الناس فضل وأضل.
سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ سنجزى الذين يعرضون عن آياتنا العذاب المبالغ فى غايته فى الإيلام ، بسبب اعراضهم وعدم تدبرهم.

(1/4195)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 477
[سورة الأنعام (6) : الآيات 158 الى 160]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (159) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160)
158 - هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ :
الْمَلائِكَةُ ملائكة الموت ، أو العذاب.
أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أو يأتى كل آيات ربك. يريد آيات القيامة والهلاك الكلى.
بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ بعض الآيات : أشراط الساعة.
لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ صفة لقوله نَفْساً.
أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً عطف على قوله آمَنَتْ.
والمعنى أن أشراط الساعة إذا جاءت ، وهى آيات ملجئة مضطرة ، ذهب أو ان التكليف عندها فلم ينفع الايمان حينئذ نفسا غير مقدمة إيمانها من قبل ظهور الآيات.
قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ وعيد.
159 - إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ :
فَرَّقُوا دِينَهُمْ اختلفوا فيه كما اختلف اليهود والنصارى.
وَ كانُوا شِيَعاً فرقا كل فرقة تشيع اماما لها.
لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ أي من السؤال عنهم وعن تفرقهم. وقيل من عقابهم.
160 - مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ :
عَشْرُ أَمْثالِها على اقامة صفة الجنس المميز مقام الموصوف ، تقديره : عشر حسنات أمثالها.
وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ لا ينقص من ثوابهم ولا يزاد على عقابهم.

(1/4196)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 478
[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 165]
قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)
161 - قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ :
دِيناً نصب على البدل من محل إِلى صِراطٍ لأن معناه : هدانى صراطا.
قِيَماً قيل من : قام ، كسيد من ساد ، وهو أبلغ من القائم.
مِلَّةَ إِبْراهِيمَ عطف بيان.
حَنِيفاً حال من إِبْراهِيمَ.
162 - قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ :
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وعبادتى وتقربى كله. وقيل : صلاتى وحجى من مناسك الحج.
وَ مَحْيايَ وَمَماتِي وما آتيه فى حياتى ، وما أموت عليه من الايمان والعمل الصالح.
لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ خالصة لوجهه.
163 - لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ :
وَ بِذلِكَ من الإخلاص.
وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ لأن اسلام كل نبى متقدم لاسلام أمته.
164 - قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ :
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا جواب عن دعائهم له الى عبادته آلهتهم.
والهمزة للانكار. أي منكر أن أبغى ربا غيره.
وَ لا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها جواب عن قولهم اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ.
165 - وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ

(1/4197)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 479
بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
:
جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ لأن محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلم خاتم النبيين فخلفت أمته سائر الأمم ، أو جعلهم يخلف بعضهم بعضا.
أو هم خلفاء اللّه فى أرضه يملكونها ويتصرفون فيها.
وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ فى الشرف والرزق.
لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ من نعمة المال والجاه ، كيف تشكرون تلك النعمة وكيف يصنع الشريف بالوضيع ، والحر بالعبد ، والغنى بالفقير.
إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ لمن كفر نعمته. ووصف العقاب بالسرعة لأن ما هو آت قريب.
وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لمن قام بشكرها.

(1/4198)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 480
(7) سورة الأعراف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (3)
1 - المص :
أي إن القرآن الكريم من هذه الحروف التي ينطقون بها ، ومع ذلك يعجزون عن الإتيان بمثله.
2 - كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ :
كِتابٌ خبر مبتدأ ، أي هو كتاب ، والمراد بالكتاب السورة.
أُنْزِلَ إِلَيْكَ صفة له.
حَرَجٌ أي شك منه. وسمى الشك حرجا ، لأن الشاك ضيق الصدر حرجه ، كما أن المتيقن منشرح الصدر منقسمه.
أي لا تشك فى أنه منزل من اللّه ، ولا تحرج من تبليغه.
لِتُنْذِرَ متعلق بقوله أُنْزِلَ أي أنزل إليك لانذارك به أو بالنهى ، لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم ، وكذلك إذا أيقن أنه من عند اللّه شجعه اليقين على الانذار ، لأن صاحب اليقين جسور متوكل على ربه ، متكل على عصمته.
3 - اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ :
اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ من القرآن والسنة.
مِنْ دُونِهِ من دون اللّه.
أَوْلِياءَ أي ولا تتولوا من دونه من شياطين الجن والانس فيحملوكم على عبادة الأوثان والأهواء والبدع ويضلوكم عن دين اللّه وما أنزل إليكم ، وأمركم باتباعه.

(1/4199)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 481
قَلِيلًا نصب بقوله تَذَكَّرُونَ.
ما تَذَكَّرُونَ ما ، مزيدة لتوكيد القلة.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 4 الى 8]
وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (4) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (5) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8)
4 - وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ :
فَجاءَها فجاء أهلها.
بَياتاً مصدر واقع موقع الحال ، بمعنى : يائتين.
أَوْ هُمْ قائِلُونَ حال معطوفة على قوله بَياتاً كأنه قيل : فجاءهم بأسنا بائتين أو قائلين.
5 - فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ :
فَما كانَ دَعْواهُمْ ما كانوا يدعونه من دينهم وينتحلونه من مذهبهم الا اعترافهم ببطلانه وفساده.
إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فيما كنا عليه.
6 - فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ :
أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مسند الى الجار والمجرور إِلَيْهِمْ.
والمعنى : فلنسألن المرسل إليهم ، وهم الأمم ، يسألهم عما أجابوا عنه رسلهم.
7 - فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ :
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ على الرسل والمرسل إليهم ما كان منهم.
بِعِلْمٍ عالمين بأحوالهم الظاهرة والباطنة وأقوالهم وأفعالهم.
وَ ما كُنَّا غائِبِينَ عنهم وعما وجد منهم.
8 - وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ :
وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ يعنى وزن الأعمال والتمييز بين راجحها وخفيفها ، وهو مرفوع على الابتداء.

(1/4200)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 482
يَوْمَئِذٍ خبر المبتدأ.
الْحَقُّ صفة لقوله وَالْوَزْنُ أي والوزن يوم يسأل اللّه الأمم ورسلهم الوزن الحق أي العدل.
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ موازين ، جمع ميزان ، وموزون ، أي فمن رجحت أعماله الموزونة التي لها وزن وقدر ، وهى الحسنات ، أو ما توزن به من حسناتهم.
[سورة الأعراف (7) : آية 9]
وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (9)
9 - وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ :
وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أي الذين كثرت سيئاتهم ورجحت على حسناتهم.
هم الخاسرون لأنهم باعوا أنفسهم للشيطان.
بِآياتِنا يَظْلِمُونَ يكذبون بها ظلما.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 10 الى 11]
وَ لَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)
10 - وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ :
مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ جعلنا لكم فيها مكانا وقرارا ، أو ملكناكم فيها وأقدرناكم على التصرف فيها.
وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ جمع معيشة ، وهى ما يعاش به من المطاعم والمشارب وغيرها وما يتوصل به الى ذلك.
11 - وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ :
وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ يعنى أباكم آدم طينا غير مصور ، ثم صورناه بعد ، بدليل قوله :
ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ أي عظموه.
فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ فعظموه طاعة لأمر ربهم الا إبليس.
لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ لم يمتثل ولم يكن ممن سجد لآدم.

(1/4201)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 483
[سورة الأعراف (7) : الآيات 12 الى 16]
قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)
12 - قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ :
أَلَّا تَسْجُدَ لا ، صلة وزيادتها لتوكيد معنى الفعل الذي تدخل عليه وتحقيقه ، كأنه قيل ، ليتحقق علم أهل الكتاب : وما منعك أن تحقق السجود وتلزمه نفسك؟
إِذْ أَمَرْتُكَ لأن أمرى لك بالسجود أوجبه عليك إيجابا ، وأحتمه عليك حتما لا بد لك منه.
أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ جواب لقوله ما مَنَعَكَ وحق الجواب أن يقول :
منعنى كذا ، ولكن الاجابة بتفضيل نفسه فيه انكار للأمر واستبعاد أن يكون مثله مأمورا بالسجود لمثله كأنه يقول : من كان على هذه الصفة كان مستبعدا أن يؤمر بما أمر به.
13 - قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ :
فَاهْبِطْ مِنْها من السماء التي هى مكان المطيعين المتواضعين من الملائكة ، الى الأرض التي هى مقر العاصين المتكبرين من الثقلين.
فَما يَكُونُ لَكَ
فما يصح لك.
أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها وتعصى.
فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ من أهل الصغار والهوان على اللّه وعلى أوليائه لتكبرك.
14 - قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ :
أَنْظِرْنِي أمهلنى.
إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ الى يوم القيامة.
15 - قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ :
أي انك من الممهلين المؤخرين.
16 - قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ :

(1/4202)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 484
فَبِما أَغْوَيْتَنِي بسبب حكمك على بالغواية والضلال.
لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ لأعترضن لهم طريقك المستقيم ، كما يعترض العدو على الطريق ليقطعه على السابلة.
صِراطَكَ منصوب على الظرفية.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 17 الى 20]
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20)
17 - ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ :
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ من الجهات الأربع.
وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ قاله تظنينا.
18 - قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ :
مَذْؤُماً مذموما.
مَدْحُوراً هالكا فى نهايتك.
لَمَنْ تَبِعَكَ اللام ، موطئة للقسم.
لَأَمْلَأَنَّ جواب القسم ، وهو ساد مسد جواب الشرط.
مِنْكُمْ منك ومنهم ، فغلب ضمير المخاطب.
19 - وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ :
وَ يا آدَمُ وقلنا يا آدم.
هذِهِ الشَّجَرَةَ وقرىء : هذى الشجرة.
20 - فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ :
فَوَسْوَسَ لَهُمَا فزين لهما.
لِيُبْدِيَ لَهُما جعل ذلك غرضا له ليسوءهما إذا رأيا ما يؤثران ستره ، وألا يطلع عليه ، مكشوفا.
إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ الا كراهة أن تكونا ملكين.

(1/4203)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 485
مِنَ الْخالِدِينَ من الذين لا يموتون ويبقون فى الجنة ساكنين.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 21 الى 24]
وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (24)
21 - وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ :
وَ قاسَمَهُما أقسم لهما ، والأصل فى المقاسمة أن تقسم لصاحبك ويقسم لك ، والتأويل : كأنه قال لهما : أقسم بكما انى لمن الناصحين ، وقالا : أتقسم انك لمن الناصحين ، فجعل ذلك مقاسمة بينهم.
أو أقسم لهما بالنصيحة ، وأقسما له بقبولها.
أو أخرج قسم إبليس على وزن المفاعلة ، لأنه اجتهد فيه اجتهاد المقاسم.
22 - فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ :
فَدَلَّاهُما فنزلهما الى الأكل من الشجرة.
بِغُرُورٍ بما غرهما به من القسم باللّه.
فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ وجدا طعمها آخذين فى الأكل منها.
بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أي تهافت عنهما اللباس فظهرت لهما عوراتهما.
وَ طَفِقا جعلا.
يَخْصِفانِ يجمعان.
أَ لَمْ أَنْهَكُما عتاب من اللّه وتوبيخ.
23 - قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ :
ظَلَمْنا أَنْفُسَنا أي ظلمنا أنفسنا بمخالفة أمرك التي استوجبت زوال النعيم.
وَ تَرْحَمْنا بفضلك.
24 - قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ :

(1/4204)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 486
اهْبِطُوا الخطاب لآدم وحواء وإبليس.
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فى موضع الحال ، أي متعادين يعاديهما إبليس ويعاديانه.
مُسْتَقَرٌّ استقرار ، أو موضع استقرار.
وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ وانتفاع بعيش الى انقضاء آجالكم.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 25 الى 26]
قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (25) يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)
25 - قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ :
أي فى الأرض تولدون وتعيشون ، وفيها تموتون وتدفنون ، ومنها عند البعث تخرجون.
26 - يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ :
وَ رِيشاً لباس الزينة ، استعير من ريش الطير ، لأنه لباسه وزينته.
أي أنزلنا عليكم لباسين : لباسا يوارى سوآتكم ، ولباسا يزينكم.
وَ لِباسُ التَّقْوى ولباس الورع والخشية من اللّه تعالى ، وارتفاعه على الابتداء. وقيل : هو خبر مبتدأ محذوف ، أي وهو لباس التقوى ، ثم قيل : ذلك خير.
ذلِكَ خَيْرٌ خبر المبتدأ والجملة : كأنه قيل : ولباس التقوى هو خير ، لأن أسماء الاشارة تقرب من الضمائر فيما يرجع الى عود الذكر.
أو المفرد وتكون ذلِكَ صفة للمبتدأ ، كأنه قيل : ولباس التقوى المشار اليه خير.
ولا تخلو الاشارة من أن يراد بها تعظيم لباس التقوى ، أو أن تكون اشارة الى اللباس المواري للسوأة لأن مواراة السوأة من التقوى ، تفضيلا له على لباس الزينة.
ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ الدالة على فضله ورحمته على عباده.
لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فيعرفوا عظمة النعمة فيه.

(1/4205)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 487
[سورة الأعراف (7) : الآيات 27 الى 29]
يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)
27 - يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ :
لا يَفْتِنَنَّكُمُ لا يمتحننكم بأن لا تدخلوا الجنة ، كما محن أبويكم بأن أخرجهما منها.
يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما حال ، أي أخرجهما نازعا لباسهما ، بأن كان سببا فى أن نزع عنهما.
إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ تعليل للنهى وتحذير من فتنته ، بأنه بمنزلة العدو المداجى ، يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون.
وَ قَبِيلُهُ وجنوده من الشياطين ، وقرىء : وقبيله ، بالنصب ، على العطف على اسم (إن) وتكون الواو بمعنى (مع).
إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ أي خلينا بينهم وبينهم لم نكفهم عنهم حتى تولوهم ، وأطاعوهم فيما سولوا لهم من الكفر والمعاصي.
28 - وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ :
فاحِشَةً الفاحشة ما تبالغ فى قبحه من الذنوب.
قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا أي إذا فعلوها اعتذروا بأن آباءهم كانوا يفعلونها فاقتدوا بهم.
وَ اللَّهُ أَمَرَنا بِها وبأن اللّه تعالى أمرهم بأن يفعلوها.
قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ لأن فعل القبيح مستحيل عليه.
أَ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ انكار لاضافتهم القبيح اليه.
29 - قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ :
بِالْقِسْطِ بالعدل ، وقيل : بالتوحيد.

(1/4206)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 488
عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فى كل وقت سجود ، أو فى كل مكان سجود ، وهو الصلاة.
وَ ادْعُوهُ واعبدوه.
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي الطاعة ، مبتغين بها وجه اللّه خالصا.
كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ كما أنشأكم ابتداء يعيدكم.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 30 الى 32]
فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)
30 - فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ :
فَرِيقاً هَدى وهم الذين أسلموا ، أي وفقهم للايمان.
وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ أي كلمة الضلالة ، وعلم اللّه أنهم يضلون ولا يهتدون.
وانتصب فَرِيقاً بفعل مضمر يفسره ما بعده ، كأنه قيل : وخذل فريقا حق عليهم الضلالة.
إِنَّهُمُ ان الفريق الذي حق عليهم الضلالة.
اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ أي تولوهم بالطاعة فيما أمروهم به.
31 - يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ :
خُذُوا زِينَتَكُمْ أي ريشكم ولباس زينتكم.
عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ كلما صليتم ، أو طفتم ، وكانوا يطوفون عراة.
32 - قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ :
مَنْ حَرَّمَ الاستفهام لانكار تحريم هذه الأشياء.
زِينَةَ اللَّهِ من الثياب وكل ما يتجمل به.
وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ المستلذات من المآكل والمشارب.

(1/4207)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 489
قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا غير خالصة لهم ، لأن المشركين شركاؤهم فيها.
خالِصَةً لهم.
يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يشركهم فيها أحد.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 33 الى 35]
قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (34) يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)
33 - قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ :
الْفَواحِشَ ما تفاحش قبحه ، أي تزايد.
وَ الْإِثْمَ عام لكل ذنب.
وَ الْبَغْيَ الظلم والكبر.
ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً فيه تهكم ، لأنه لا يجوز أن ينزل برهانا بأن يشرك به غيره.
وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ وأن تتقولوا على اللّه وتفتروا الكذب من التحريم وغيره.
34 - وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ :
وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ولكل أمة نهاية معلومة.
فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فاذا حل أجلهم.
لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ فليس لأى قوة أن تقدم هذه النهاية أو تؤخرها أية مدة مهما قلت.
35 - يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ :
إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ ان الشرطية ضمت إليها (ما) مؤكدة لمعنى الشرط ، ولذلك لزمت فعلها نون ثقيلة أو خفيفة والجزاء الفاء وما بعده من الشرط والجزاء.

(1/4208)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 490
[سورة الأعراف (7) : الآيات 36 الى 37]
وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (37)
36 - وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ :
وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا والذين يكذبون بالآيات.
وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها ويستكبرون عن اتباعها والاهتداء بها.
أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ أهل النار هم فيها معذبون.
هُمْ فِيها خالِدُونَ خالدون أبدا فى العذاب.
37 - فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ :
فَمَنْ أَظْلَمُ فمن أشنع ظلما.
مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ممن تقول على اللّه ما لم يقله ، أو كذب ما قاله.
أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ أي مما كتب لهم من الأرزاق والأعمار.
حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا حتى ، غاية لنيلهم نصيبهم واستيفائهم له ، أي الى وقت وفاتهم.
و هى حَتَّى التي يبتدأ بعدها الكلام ، والكلام هاهنا الجملة الشرطية ، وهى إذا جاءتهم رسلنا قالوا.
يَتَوَفَّوْنَهُمْ حال من الرسل ، أي متوفيهم. والرسول : ملك الموت وأعوانه.
أَيْنَ ما كُنْتُمْ ما ، موصولة ، أين الآلهة الذين تدعون.
ضَلُّوا عَنَّا غابوا عنا فلا نراهم ولا ننتفع بهم.

(1/4209)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 491
وَ شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ اعترافا منهم بأنهم لم يكونوا على شىء فيما كانوا عليه وأنهم لم يحمدوه فى العاقبة.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 38 الى 39]
قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)
38 - قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ :
قالَ ادْخُلُوا أي يقول اللّه تعالى يوم القيامة لأولئك الذين قال فيهم فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً : ادخلوا فى النار.
فِي أُمَمٍ فى موضع الحال ، أي كائنين فى جملة أمم وفى غمارهم مصاحبين لهم.
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ تقدم زمانهم زمانكم.
لَعَنَتْ أُخْتَها التي ضلت بالاقتداء بها.
حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها أي تداركوا وتلاحقوا واجتمعوا فى النار.
قالَتْ أُخْراهُمْ منزلة ، وهى الأتباع والسفلة.
لِأُولاهُمْ منزلة ، وهى القادة والرؤوس ، أي لأجل أولاهم ، لأن خطابهم مع اللّه لا معهم.
عَذاباً ضِعْفاً مضاعفا.
لِكُلٍّ ضِعْفٌ لأن كلا من القادة والأتباع كانوا ضالين مضلين.
39 - وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ :
فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ عطف على قوله تعالى لِكُلٍّ ضِعْفٌ أي فقد ثبت أن لا فضل لكم علينا ، وأنا متساوون فى استحقاق الضعف فَذُوقُوا الْعَذابَ من قول القادة ، أو من قول اللّه لهم جميعا.

(1/4210)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 492
[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 43]
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (42) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)
40 - إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ :
لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ لا يصعد لهم عمل صالح.
سَمِّ الْخِياطِ فى ثقب الابرة.
وَ كَذلِكَ ومثل ذلك الجزاء الفظيع.
نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ليؤذن أن الاجرام هو السبب الموصل الى العقاب ، وأن كل من أجرم عوقب.
41 - لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ :
مِهادٌ فراش.
غَواشٍ أغطية.
42 - وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ :
لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها جملة معترضة بين المبتدأ والخبر ، للترغيب فى اكتساب ما لا يكتنيه وصف الواصف من النعيم الخالد مع التعظيم بما هو فى الوسع ، وهو الإمكان الواسع غير الضيق من الايمان والعمل الصالح.
43 - وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ :
هَدانا لِهذا أي وفقنا لموجب هذا الفوز العظيم ، وهو الايمان والعمل الصالح.

(1/4211)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 493
وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ اللام لتوكيد النفي. ويعنون : وما كان يستقيم أن نكون مهتدين لو لا هداية اللّه وتوفيقه.
لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فكان لنا لطفا وتنبيها على الاهتداء فاهتدينا.
أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أن ، مخففة من الثقيلة ، تقديره : وتودوا بأنه تلكم الجنة.
أُورِثْتُمُوها أعطيتموها.
بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بسبب أعمالكم.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 46]
وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَكُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)
44 - وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ :
أَنْ قَدْ وَجَدْنا أن مخففة من الثقيلة ، وقيل : مفسرة.
أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ أن مخففة من الثقيلة ، وقيل مفسرة.
45 - الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ :
وَ يَبْغُونَها عِوَجاً ويضعون العراقيل والشكوك حتى يبدو الطريق معوجا للناس فلا يتبعوه.
46 - وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ :
وَ بَيْنَهُما حِجابٌ يعنى بين الجنة والنار ، أو بين الفريقين.
وَ عَلَى الْأَعْرافِ وعلى أعراف الحجاب ، وهو السور المضروب بين الجنة والنار ، جمع عرف ، استعير من عرف الفرس ، وعرف الديك.
رِجالٌ من المسلمين من آخرهم دخولا فى الجنة لقصور أعمالهم ،

(1/4212)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 494
كأنهم المرجون لأمر اللّه ، يحبسون بين الجنة والنار الى أن يأذن اللّه لهم فى دخول الجنة.
يَعْرِفُونَ كُلًّا من زمر السعداء والأشقياء.
بِسِيماهُمْ بعلاماتهم التي أعلمهم اللّه تعالى بها.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 47 الى 50]
وَ إِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (50)
47 - وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ :
أي إذا مالت أبصارهم الى أصحاب النار ورأوا ما هم فيه من العذاب استعاذوا باللّه وفزعوا الى رحمته أن لا يجعلهم معهم.
48 - وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ :
رِجالًا من أهل النار.
ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ ما أفادكم جمعكم الكثير العدد.
وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ولا استكباركم على أهل الحق بسبب عصبيتكم.
49 - أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ :
أَ هؤُلاءِ اشارة لهم الى أهل الجنة الذين كان الرؤساء يستهينون بهم ويحتقرونهم لفقرهم وقلة حظوظهم من الدنيا.
أَقْسَمْتُمْ وكانوا يقسمون أن اللّه لا يدخلهم الجنة.
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ يقال لأصحاب الأعراف : ادخلوا الجنة ، وذلك بعد أن يحبسوا على الأعراف وينظروا الى الفريقين ويعرفوهم بسيماهم ويقولوا ما يقولون.
50 - وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ :

(1/4213)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 495
أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من غير الماء من الأشربة مما يفيض عنكم ويزيد.
حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ أي الماء وغيره مما رزقه اللّه أهل الجنة ، فهما حرام على الكافرين.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 51 الى 53]
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (51) وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (53)
51 - الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ :
فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ نفعل بهم فعل الناسين.
كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا كما فعلوا بلقاء هذا اليوم فعل الناسين ، فلم يخطروه ببالهم ولم يهتموا به.
52 - وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ :
فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ عالمين كيف نفصل أحكامه ومواعظه وقصصه وسائر معانيه ، حتى جاء حكيما قيما غير ذى عوج.
هُدىً وَرَحْمَةً حال من منصوب فَصَّلْناهُ كما أن عَلى عِلْمٍ حال من مرفوعه.
53 - هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ :
إِلَّا تَأْوِيلَهُ الا عاقبة أمره وما يؤول اليه من تبين صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد.
قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ أي تبين وصح أنهم جاءوا بالحق.
نُرَدُّ جملة معطوفة على الجملة التي قبلها ، داخلة معها فى حكم الاستفهام ، كأنه قيل : هل لنا من شفعاء ، أو هل نرد.

(1/4214)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 496
[سورة الأعراف (7) : الآيات 54 الى 57]
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)
54 - إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ :
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ أي يلحق الليل النهار.
بِأَمْرِهِ بمشيئته وتصريفه.
أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ أي هو الذي خلق الأشياء كلها ، وهو الذي صرفها على حسب إرادته.
55 - ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ :
تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً نصبا على الحال ، أي ذوى تضرع وخفية.
والتضرع من الضراعة وهو الذل ، أي تذللا.
وَ خُفْيَةً أي سرا.
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ أي المجاوزين ما أمروا به فى كل شىء من الدعاء وغيره.
56 - وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ :
وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها أي ولا تفسدوا فى الأرض الصالحة باشاعة المعاصي والظلم والاعتداء.
وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وادعوه سبحانه خائفين من عقابه.
وَ طَمَعاً طامعين فى ثوابه.
إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ان رحمته قريبة من كل محسن وهى محققة. وقريب على التذكير ، على تأويل الرحمة بالترحم ، أو لأنه صفة موصوف محذوف ، أي شىء قريب.
57 - وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا

(1/4215)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 497
أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
:
بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ مبشرة برحمته.
أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا حملت سحابا محملا بالماء.
لِبَلَدٍ مَيِّتٍ لا نبات فيه.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 58 الى 60]
وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60)
58 - وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ :
وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ الجيد التربة.
يَخْرُجُ نَباتُهُ ناميا حيا.
بِإِذْنِ رَبِّهِ بتيسيره.
وَ الَّذِي خَبُثَ أي البلد الذي أرضه سبخة.
لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً أي لا يخرج نباته الا نكدا أي نباتا لا خير فيه.
كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ نرددها ونكررها.
لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ نعمة اللّه ، وهم المؤمنون.
59 - لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ :
لَقَدْ أَرْسَلْنا جواب قسم محذوف. والعلة فى مجىء (قد) مع هذه اللام ، أن الجملة القسمية لا تساق الا لتأكيد المقسم عليها التي هى جوابها ، فكانت مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى (قد) عند استماع المخاطب كلمة القسم.
60 - قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ :
الْمَلَأُ الأشراف والسادة.

(1/4216)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 498
لَنَراكَ رؤية قلب.
فِي ضَلالٍ فى ذهاب عن طريق الصواب والحق.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 61 الى 63]
قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62) أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63)
61 - قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ :
لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ الضلالة أخص من الضلال ، لذا كانت أبلغ فى نفى الضلال عن نفسه ، كأنه قال : ليس بي شىء من الضلال.
وَ لكِنِّي رَسُولٌ استدراك للانتفاء عن الضلالة.
62 - أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ :
أُبَلِّغُكُمْ كلام مستأنف لكونه رسول رب العالمين.
و قيل : هو صفة لقوله رَسُولٌ وصح مع أن (رسول) لفظه لفظ الغائب ، لأن (رسول) وقع خبرا عن ضمير المخاطب.
رِسالاتِ رَبِّي ما أوحى الى فى الأوقات المتطاولة أو رسالاته اليه والى الأنبياء قبله.
وَ أَنْصَحُ لَكُمْ يقال : نصحته ونصحت له ، وفى زيادة اللام مبالغة وأنها وقعت خالصة للمنصوح له.
وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أي من صفات اللّه وأحواله ، يعنى قدرته الباهرة ، وأن بأسه لا يرد عن القوم المجرمين.
63 - أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ :
أَ وَعَجِبْتُمْ الهمزة للانكار ، والواو للعطف ، والمعطوف عليه محذوف ، كأنه قيل : أكذبتم وعجبتم.
أَنْ جاءَكُمْ من أن جاءكم.
ذِكْرٌ موعظة.

(1/4217)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 499
عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ على لسان رجل منكم.
لِيُنْذِرَكُمْ ليحذركم عاقبة الكفر.
وَ لِتَتَّقُوا وليوجد منكم التقوى ، وهى الخشية بسبب الانذار.
وَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ولترحموا بالتقوى ان وجدت منكم.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 64 الى 68]
فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (64) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68)
64 - فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ :
وَ الَّذِينَ مَعَهُ الذين ركبوا معه السفينة.
فِي الْفُلْكِ متعلق بقوله مَعَهُ كأنه قيل : والذين استقروا معه فى الفلك.
عَمِينَ عمى القلوب غير مستبصرين.
65 - وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ :
أَخاهُمْ واحدا منهم.
هُوداً عطف بيان.
66 - قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ :
فِي سَفاهَةٍ فى خفة حلم وسخافة عقل.
67 - قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ :
وَ لكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ وأنا رسول اللّه إليكم وهو رب العالمين.
68 - أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ :
ناصِحٌ أَمِينٌ أي عرفت فيما بينكم بالنصح والأمانة ، فما حقى أن أتهم أو أنا لكم ناصح فيما أدعوكم اليه ، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه.

(1/4218)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 500
[سورة الأعراف (7) : الآيات 69 الى 71]
أَ وَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)
69 - أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون :
خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ أي خلفتموهم فى الأرض ، أو جعلكم ملوكا فى الأرض قد استخلفكم فيها بعدهم.
فى الخلق بسطة فيما خلق من أجرامكم ذهابا فى الطول والبدانة.
فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ فى استخلافكم وبسطة أجرامكم ، وما سواهما من عطاياه.
70 - قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ :
أَ جِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ أنكروا واستبعدوا اختصاص اللّه وحده بالعبادة.
وَ نَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا ونترك دين الآباء فى اتخاذ الأصنام شركاء معه.
فَأْتِنا بِما تَعِدُنا استعجال منهم للعذاب.
71 - قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ :
قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ أي حق عليكم ووجب ، أو قد نزل عليكم ، جعل المتوقع الذي لا بد من نزوله بمنزلة الواقع.
رِجْسٌ عذاب ، من الارتجاس ، وهو الاضطراب.
فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها فى أشياء ما هى الا أسماء ليس تحتها مسميات ، لأنكم تسمونها آلهة. وسميتموها ، أي سميتم بها.
ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ما جعل اللّه من حجة تدل على ألوهيتها.

(1/4219)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 501
[سورة الأعراف (7) : الآيات 72 الى 74]
فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (72) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)
72 - فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ :
وَ قَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا لم يبق لهم من بقية ولا أثر.
وَ ما كانُوا مُؤْمِنِينَ أي وقطعنا دابر الذين كذبوا منهم ولم يكونوا مثل من آمن منهم. يعنى أن الهلاك خص المكذبين ، ونجى اللّه المؤمنين.
73 - وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ :
وَ إِلى ثَمُودَ يمنع الصرف بتأويل القبيلة.
قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ آية ظاهرة وشاهد على صحة نبوتى.
هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً كأنه قيل : ما هذه البينة؟ فقيل : هذه ناقة اللّه لكم آية. وآية ، نصب على الحال ، والعامل فيها ما دل عليه اسم الاشارة من معنى الفعل ، كأنه قيل : أشير إليها آية.
تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ أي الأرض أرض اللّه ، والناقة ناقة اللّه ، فذروها تأكل فى أرض ربها فليست الأرض لكم ، ولا ما فيها من النبات من إنباتكم.
وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ أي لا تريبوها بشىء من الأذى إكراما لآية اللّه.
74 - وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ :
وَ بَوَّأَكُمْ ونزلكم.
فِي الْأَرْضِ فى أرض الحجر بين الحجاز والشام.
مِنْ سُهُولِها قُصُوراً أي تبنون من سهولة الأرض بما تعملون منها قصورا وبيوتا من اللبن والآجر.

(1/4220)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 502
بُيُوتاً منصوب على الحال.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 75 الى 78]
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78)
75 - قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ :
لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا للذين استضعفهم رؤساء الكفار واستذلوهم.
لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بدل من لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا. والضمير فى مِنْهُمْ يعود الى قَوْمِهِ أو الى لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا.
أَ تَعْلَمُونَ شىء قالوه على سبيل الطنز والسخرية.
إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ جواب ، سألوهم عن العلم بإرساله ، فجعلوا إرساله أمرا معلوما مسلما لا يدخله ريب. كأنهم قالوا : العلم بإرساله وبما أرسل به ما لا كلام فيه ولا شبهة تدخله ، لوضوحه ، وانما الكلام فى وجوب الايمان به ، فنخبركم أنا به مؤمنون.
76 - قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ :
آمَنْتُمْ بِهِ بنبوة صالح ورسالته.
77 - فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ :
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ أسند العقر الى جميعهم ، لأنه كان برضاهم وان لم يباشره الا بعضهم.
وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وتولوا عنه واستكبروا عن امتثاله عاثين.
و أمر ربهم : ما أمرهم على لسان صالح عليه السّلام من ترك الناقة آمنة.
ائْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب.
78 - فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ :
الرَّجْفَةُ الصيحة التي زلزلت لها الأرض واضطربوا لها.

(1/4221)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 503
فِي دارِهِمْ فى بلادهم ، أو فى مساكنهم.
جاثِمِينَ هامدين موتى لا يتحركون.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 79 الى 81]
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)
79 - فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ :
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ ذهب عنهم منكرا لاصرارهم حين رأى العلامات قبل نزول العذاب.
لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي بذلت لكم وسعى فى ابلاغكم ما أرسلت به إليكم.
وَ نَصَحْتُ لَكُمْ ولم آل جهدا فى نصحكم.
وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ حكاية حال ماضية.
80 - وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ
:
وَ لُوطاً وأرسلنا لوطا.
إِذْ ظرف لأرسلنا. أو : واذكروا لوطا وإِذْ بدل منه ، بمعنى : واذكر وقت.
أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ تفعلون السيئة المتمادية فى القبح.
ما سَبَقَكُمْ بِها ما عملها قبلكم. والباء للتعدية.
مِنْ أَحَدٍ من زائدة لتوكيد النفي وإفادة معنى الاستغراق.
مِنَ الْعالَمِينَ من للتبعيض.
81 - إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ :
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ بيان لقوله أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ.
شَهْوَةً مفعول له ، أي للاشتهاء.

(1/4222)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 504
بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ أضرب عن الإنكار الى الاخبار عنهم بالحال التي توجب ارتكاب القبائح وتدعو الى اتباع الشهوات ، وهو أنهم قوم عادتهم الإسراف وتجاوز الحدود فى كل شىء ، فمن ثم أسرفوا فى باب قضاء الشهوة حتى تجاوزوا المعتاد الى غير المعتاد.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 82 الى 85]
وَ ما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)
82 - وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ :
وَ ما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا يعنى ما أجابوه بما يكون جوابا عما كلمهم به لوط عليه السّلام ، من انكار الفاحشة وتعظيم أمرها ووسمهم بسمة الإسراف الذي هو أصل الشر كله ، ولكنهم جاءوا بشىء آخر لا يتعلق بكلامه ونصيحته ، من الأمر بإخراجه ومن معه من المؤمنين من قريتهم.
إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ سخرية بهم.
83 - فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ :
وَ أَهْلَهُ ومن يختص به من ذرية ، أو من المؤمنين.
مِنَ الْغابِرِينَ من الذين غبروا فى ديارهم ، أي بقوا فهلكوا.
84 - وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ :
وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً وأرسلنا عليهم مطرا مهلكا.
85 - وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ :
قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ معجزة مشاهدة بصحة نبوتى.
بَعْدَ إِصْلاحِها بعد الإصلاح فيها. أي لا تفسدوا فيها بعد ما أصلح فيها الصالحون من الأنبياء وأتباعهم العاملين بشرائعهم.

(1/4223)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 505
ذلِكُمْ اشارة الى ما ذكر من الوفاء بالكيل والميزان وترك البخس والإفساد فى الأرض.
خَيْرٌ لَكُمْ يعنى فى الانسانية وحسن الأحدوثة ، وما تطلبونه من التكسب والتربح.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ان كنتم مصدقين لى فى قولى ذلكم خير لكم.
[سورة الأعراف (7) : آية 86]
وَ لا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)
86 - وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ :
وَ لا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ أي : ولا تقتدوا بالشيطان فى قوله لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ فتقعدوا بكل صراط ، أي بكل منهاج من مناهج الدين.
تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ فى محل نصب على الحال ، أي ولا تقعدوا موعدين وصادين عن سبيل اللّه.
وَ تَبْغُونَها عِوَجاً عطف على ما قبله ، فى محل نصب على الحال ، أي وباغيها عوجا. والمعنى : وتطلبون لسبيل اللّه عوجا ، أي تصفونها للناس بأنها سبيل معوجة غير مستقيمة لتصدوهم عن سلوكها والدخول فيها.
وَ اذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا إذ ، مفعول به غير ظرف ، أي واذكروا على جهة الشكر وقت كونكم قليلا عددكم.
فَكَثَّرَكُمْ اللّه ووفر عددكم.
ويجوز أن يكون : إذ كنتم مقلين فقراء فكثركم ، أي جعلكم مكثرين موسرين.
عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ آخر أمر من أفسد قبلكم من الأمم.

(1/4224)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 506
[سورة الأعراف (7) : الآيات 87 الى 89]
وَ إِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَ لَوْ كُنَّا كارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89)
87 - وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ :
فَاصْبِرُوا فتربصوا وانتظروا.
حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا أي بين الفريقين ، بأن ينصر المحقين على المبطلين ويظهرهم عليهم ، وهذا وعيد للكافرين بانتقام اللّه منهم.
وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لأن حكمه حق وعدل ، لا يخاف فيه الحيف.
88 - قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَ لَوْ كُنَّا كارِهِينَ :
لَنُخْرِجَنَّكَ أي ليكونن أحد الأمرين : اما إخراجكم ، واما عودكم فى الكفر.
أَ وَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ الهمزة للاستفهام ، والواو واو الحال ، تقديره : أتعيدوننا فى ملتكم فى حال كراهتنا ، ومع كوننا كارهين.
89 - قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ :
قَدِ افْتَرَيْنا اخبار مقيد بالشرط ، وهو اما أن يكون :
كلاما مستأنفا فيه معنى التعجب.
أو قسما على تقدير حذف اللام ، بمعنى : واللّه لقد افترينا.
وَ ما يَكُونُ لَنا وما ينبغى لنا ، وما يصح لنا.
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا احكم بيننا ، أو أظهر أمرنا حتى ينفتح ما بيننا.
وَ بَيْنَ قَوْمِنا وينكشف بأن تنزل عليهم عذابا يتبين معه أنهم على الباطل.

(1/4225)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 507
[سورة الأعراف (7) : الآيات 90 الى 93]
وَ قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (93)
90 - وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ :
وَ قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ أي أشرافهم الذين دونهم يثبطونهم عن الايمان.
لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ لاستبدالكم الضلالة بالهدى.
وقوله إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ ساد مسد جواب القسم وجواب الشرط.
91 - فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ :
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فأصابهم اللّه بزلزلة اضطربت لها قلوبهم.
فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ فصاروا فى دارهم منكبين على وجوههم لا حياة فيهم.
92 - الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ :
الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً مبتدأ.
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا خبر.
كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ خبر ثان.
وفى هذا الابتداء معنى الاختصاص ، كأنه قيل : الذين كذبوا شعيبا هم المخصوصون بأن أهلكوا واستؤصلوا ، كأن لم يقيموا فى دارهم ، لأن الذين اتبعوا شعيبا قد أنجاهم اللّه ، والذين كذبوا شعيبا هم المخصوصون بالخسران العظيم دون أتباعه فانهم الرابحون.
93 - فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ :
آسى أحزن وأبالغ فى الحزن.

(1/4226)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 508
[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 96]
وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96)
94 - وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ :
بِالْبَأْساءِ بالبؤس والفقر.
وَ الضَّرَّاءِ الضر والمرض ، لاستكبارهم عن اتباع نبيهم.
لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ليتضرعوا ويتذللوا ويحطوا أردية الكبر والعزة.
95 - ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ :
ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة الرخاء والصحة والسعة.
حَتَّى عَفَوْا كثروا ونموا فى أنفسهم وأموالهم.
وَ قالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ أي أبطرتهم النعمة وأشركوا فقالوا : هذه عادة الدهر ، يعاقب فى الناس بين الضراء والسراء ، وقد مس آباءنا نحو ذلك وما هو بابتلاء من اللّه لعباده.
فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فلم يبق بعد ابتلائهم بالسيئات والحسنات الا أن نأخذهم بالعذاب ، أشد الأخذ وأفظعه ، وهو أخذهم فجأة من غير شعور منهم.
96 - وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ :
الْقُرى اللام ، اشارة الى القرى التي دل عليها قوله وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ كأنه قال : ولو أن أهل تلك القرى الذين كذبوا وأهلكوا.
آمَنُوا بدل كفرهم.
وَ اتَّقَوْا المعاصي ، مكان ارتكابها.
لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ لآتيناهم بالخير من كل وجه.

(1/4227)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 509
وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بسوء كسبهم.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 97 الى 99]
أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99)
97 - أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ :
أَ فَأَمِنَ الهمزة للانكار ، والفاء للعطف.
98 - أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ :
أَ وَأَمِنَ الهمزة للانكار. والواو للعطف.
ضُحًى نصب على الظرف أي حين تشرق الشمس وترتفع.
وَ هُمْ يَلْعَبُونَ يشتغلون بما لا يجدى عليهم ، كأنهم يلعبون.
99 - أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ :
مَكْرَ اللَّهِ استعارة لأخذ العبد من حيث لا يشعر ولاستدراجه ، فعلى الغافل أن يكون فى خوفه من مكر اللّه ، كالمحارب الذي يخاف من عدوه الكمين والبينات والغيلة.
[سورة الأعراف (7) : آية 100]
أَ وَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100)
100 - أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ :
أَ وَلَمْ يَهْدِ أن لو نشاء ، فى محل رفع ، فاعله ، يعنى : أو لم يهد للذين يخلفون من خلا قبلهم فى ديارهم ويرثون أرضهم هذا الشأن ، وهو أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ، كما أصبنا من قبلهم ، وأهلكنا الوارثين كما أهلكنا الموروثين.
وقرىء : أولم نهد ، بالنون ، فيكون أَنْ لَوْ نَشاءُ منصوبا ، كأنه قيل : أو لم يهد اللّه للوارثين هذا الشأن ، بمعنى : أو لم نبين لهم أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا من قبلهم.
وعدى فعل الهداية باللام ، لأنه بمعنى التبيين.
وَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ معطوف على ما دل عليه معنى أَوَ لَمْ يَهْدِ كأنه قيل : يغفلون عن الهداية ونطبع على قلوبهم.

(1/4228)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 510
أو معطوف على يَرِثُونَ الْأَرْضَ.
أو منقطع ، بمعنى : ونحن نطبع على قلوبهم.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 101 الى 103]
تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (101) وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (102) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)
101 - تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ :
تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها مبتدأ وخبر وحال.
ويجوز أن يكون الْقُرى صفة لقوله تِلْكَ ، ونَقُصُّ خبر أو أن يكون الْقُرى نَقُصُّ خبرا بعد خبر.
فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا عند مجىء الرسل بالبينات بما كذبوه من آيات اللّه من قبل مجىء الرسل ، أو فما كانوا ليؤمنوا الى آخر أعمارهم بما كذبوا به أولا حين جاءتهم الرسل ، أي استمروا على التكذيب من لدن مجىء الرسل إليهم الى أن ماتوا مصرين لا يرعوون ولا تلين شكيمتهم فى كفرهم وعنادهم مع تكرار المواعظ عليهم وتتابع الآيات.
كَذلِكَ مثل ذلك الطبع الشديد على قلوب الكافرين.
102 - وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ :
وَ ما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ الضمير للناس على الإطلاق ، أي وما وجدنا لأكثر الناس من عهد. يعنى أن أكثرهم نقض عهد اللّه فى الايمان والتقوى.
وَ إِنْ وَجَدْنا وان الشأن والحديث وجدنا أكثرهم فاسقين ، خارجين عن الطاعة مارقين.
103 - ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ :
مِنْ بَعْدِهِمْ الضمير للرسل فى قوله وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ أو للأمم.

(1/4229)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 511
فَظَلَمُوا بِها فكفروا بآياتنا. أجرى الظلم مجرى الكفر لأنهما من واد واحد. أو فظلموا الناس بسببها حين أو عدوهم وصدوهم عنها وآذوا من آمن بها ، ولأنه إذا وجب الايمان بها فكفروا بدل الايمان ، كان كفرهم بها ظلما ، فلذلك قيل : فظلموا بها ، أي كفروا بها واضعين الكفر غير موضعه ، وهو موضع الايمان.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 104 الى 109]
وَ قالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (105) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (109)
104 - وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ :
يا فِرْعَوْنُ لقب لملوك مصر ، فكأنه قيل : يا ملك مصر.
105 - حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ :
حَقِيقٌ عَلى أي واجب على قول الحق أن أكون أنا قائله والقائم به ولا يرضى الا بمثلى ناطقا به.
فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ فخلهم حتى يخرجوا من رقك.
106 - قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ :
أي ان كنت جئت من عند من أرسلك بآية فأتنى بها لتصح دعواك.
107 - فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ :
ثُعْبانٌ مُبِينٌ ظاهر أمره لا يشك فى أنه ثعبان.
108 - وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ :
لِلنَّاظِرِينَ يتعلق بقوله بَيْضاءُ. والمعنى : فاذا هى بيضاء للنظارة ، ولا تكون بيضاء للنظارة الا إذا كان بياضا عجيبا خارجا عن العادة يجتمع الناس للنظر اليه كما تجتمع النظارة للعجائب.
109 - قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ :
لَساحِرٌ عَلِيمٌ أي عالم بالسحر ماهر فيه ، قد أخذ الناس بخدعة من خدعه حتى خيل إليهم العصى حية ، والآدم أبيض.

(1/4230)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 512
[سورة الأعراف (7) : الآيات 110 الى 116]
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ (110) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (113) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)
قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)
110 - يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ :
فَما ذا تَأْمُرُونَ أي بماذا تشيرون.
111 - قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ :
أَرْجِهْ وَأَخاهُ أخرهما عنك حتى ترى رأيك فيهما وتدبر أمرهما.
وقيل : احبسهما.
حاشِرِينَ جامعين.
112 - يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ :
يَأْتُوكَ مجزوم فى جواب الأمر.
113 - وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ :
إِنَّ لَنا لَأَجْراً أي جعلا على الغلبة.
114 - قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ :
وَ إِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ معطوف على محذوف سد مسده حرف الإيجاب ، كأنه قال إيجابا لقولهم إِنَّ لَنا لَأَجْراً : نعم ان لكم لأجرا ، وانكم لمن المقربين.
115 - قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ :
وَ إِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ فيه دليل على رغبتهم فى أن يلقوا قبله ، من تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل وتعريف الخبر ، أو تعريف الخبر واقحام الفعل.
116 - قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ :
سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ أروها بالحيل والشعوذة وخيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه.

(1/4231)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 513
وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ وأرهبوهم ارهابا شديدا ، كأنهم استدعوا رهبتهم.
بِسِحْرٍ عَظِيمٍ فى باب السحر.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 117 الى 123]
وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (120) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (121)
رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (122) قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123)
117 - وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ :
تَلْقَفُ تبتلع.
ما يَأْفِكُونَ ما ، موصولة ، بمعنى : ما يأفكونه ، أي يقلبونه عن الحق الى الباطل ويزورونه.
أو مصدرية ، أي إفكهم ، تسمية للمأفوك بالإفك.
118 - فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ :
فَوَقَعَ الْحَقُّ فحصل وثبت.
119 - فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ :
وَ انْقَلَبُوا صاغِرِينَ وصاروا أذلاء مبهوتين.
120 - وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ :
وَ أُلْقِيَ السَّحَرَةُ وخروا سجدا إذعانا وإقرارا بباطلهم.
121 - قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ :
أي آمنا بخالق العالمين ومالك أمرهم.
122 - رَبِّ مُوسى وَهارُونَ :
رَبِّ مُوسى وَهارُونَ الإله الذي يؤمن به موسى وهارون.
123 - قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ :
آمَنْتُمْ بِهِ على الاخبار ، أي فعلتم هذا الفعل الشنيع ، توبيخا لهم وتقريعا. وقرىء آمنتم ، بحرف الاستفهام ، ومعناه الاستنكار والاستبعاد.

(1/4232)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 514
إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ ان صنعكم هذا لحيلة اختلقتموها أنتم وموسى فى مصر قبل أن تخرجوا الى هذه الصحراء ، قد تواطأتم على ذلك الغرض لكم ، وهو أن تخرجوا منها القبط وتسكنوها بنى إسرائيل.
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وعيد أجمله ، ثم فصله فى الآية التالية.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 124 الى 127]
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (125) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (126) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (127)
124 - لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ :
مِنْ خِلافٍ من كل شق طرفا ..
125 - قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ :
إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ أي لا نبالى بالموت لانقلابنا الى لقاء ربنا ورحمته وخلاصنا منك ومن لقائك. أو ننقلب الى اللّه يوم الجزاء فيثيبنا على شدائد القطع والصلب. أو انا جميعا - يعنون أنفسهم وفرعون - ننقلب الى اللّه فيحكم بيننا. أو انا لا محالة يعتون فمنقلبون الى اللّه ، فما تقدر أن تفعل بنا الا ما لا بد لنا منه.
126 - وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ :
وَ ما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا أي وما تعيب منا الا الايمان بآيات اللّه.
رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً هب لنا صبرا واسعا وأكثره علينا حتى يفيض علينا ويغمرنا.
وَ تَوَفَّنا مُسْلِمِينَ ثابتين على الإسلام.
127 - وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ :
وَ يَذَرَكَ عطف على يفسدوا لأنه إذا تركهم ولم يمنعهم ،

(1/4233)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 515
و كان ذلك مؤديا الى ما دعوه فسادا ، والى تركه وترك آلهته ، فكأنه تركهم لذلك. أو هو جواب للاستفهام بالواو وكما يجاب بالفاء.
والنصب بإضمار (أن) تقديره : أيكون منك ترك موسى ، ويكون تركه إياك وآلهتك.
وقرىء بالرفع عطفا على أَتَذَرُ مُوسى بمعنى أتذره وأ يذرك؟
أو يكون مستأنفا ، أو حالا على معنى : أتذره وهو يذرك وآلهتك.
سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ أي سنعيد عليهم ما كنا محناهم به من قتل الأبناء.
وَ نَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ ونستبقى نساءهم أحياء.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 128 الى 129]
قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)
128 - قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ :
قالَ مُوسى جملة مستأنفة.
إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ اللام فى الْأَرْضَ للعهد ، ويراد أرض مصر.
وقيل للجنس ، فيتناول أرض مصر ، لأنها من جنس الأرض.
وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ بشارة بأن الخاتمة المحمودة للمتقين منهم.
129 - قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ :
أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا يعنون قتل أبنائهم قبل مولد موسى عليه السّلام الى أن استنبىء وإعادته عليهم بعد ذلك.
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ تصريح بما رمز اليه من البشارة قبل ، وكشف عنه ، وهو إهلاك فرعون واستخلافهم بعده فى الأرض التي وعدهم إياها.
فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فيرى الكائن منكم من العمل حسنه وقبيحه ، ليجازيكم على حسب ما يوجد منكم.

(1/4234)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 516
[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 132]
وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)
130 - وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ :
بِالسِّنِينَ بسنى القحط.
لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ لينتهوا على أن ذلك لاصرارهم على الكفر ، وتكذيبهم لآيات اللّه.
131 - فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ :
فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ من الخصب والرخاء.
قالُوا لَنا هذِهِ أي هذه مختصة بنا ونحن مستحقوها.
وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ من ضيقة وجدب.
يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ يتطيروا بهم ويتشاءموا ويقولوا : هذه بشؤمهم ، ولو لا مكانهم ما أصابتنا.
طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أي سبب خيرهم وشرهم عند اللّه.
132 - وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ :
مَهْما هى ما المضمنة معنى الجزاء ، ضمت إليها (ما) المزيدة المؤكدة للجزاء ومحل مَهْما الرفع ، بمعنى : أيما شىء تأتنا به.
أو النصب ، بمعنى : أيما شىء تحضرنا تأتنا به.
مِنْ آيَةٍ تبيين لقوله مَهْما.
بِهِ الضمير راجع الى مَهْما وقد ذكر على اللفظ.
بِها الضمير راجع الى مَهْما وقد أنث على المعنى ، لأنه فى معنى الآية.
لِتَسْحَرَنا بِها ما سموها آية لاعتقادهم أنها آية أو انما سموا آية اعتبارا لتسمية موسى ، وقصدوا بذلك الاستهزاء.

(1/4235)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 517
[سورة الأعراف (7) : الآيات 133 الى 136]
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (136)
133 - فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ :
الطُّوفانَ ما طاف بهم وغلبهم من مطر أو سيل.
آياتٍ مُفَصَّلاتٍ نصب على الحال. ومفصلات : مبينات ظاهرات لا يشكل على عاقل أنها من آيات اللّه التي لا يقدر عليها غيره.
134 - وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ :
بِما عَهِدَ عِنْدَكَ ما ، مصدرية ، والمعنى : بعهده عندك ، وهو النبوة. والباء اما أن تتعلق بقوله ادْعُ لَنا رَبَّكَ ، أي أسعفنا الى ما نطلب إليك من الدعاء لنا بحق ما عندك من عهد اللّه وكرامته بالنبوة.
أو ادع اللّه لنا متوسلا اليه بعهده عندك.
و اما أن تكون قسما مجابا بقوله لَنُؤْمِنَنَّ أي أقسمنا بعهد اللّه عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك.
135 - فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ :
إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ الى حد من الامن هم بالغوه لا محالة فمعذبون فيه ، لا ينفعهم ما تقدم لهم من الامهال وكشف العذاب الى حلوله.
إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ جواب لقوله فَلَمَّا أي إذا هم ينقضون عهدهم.
136 - فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ :
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فأردنا الانتقام منهم.

(1/4236)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 518
فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ اليم : البحر الذي لا يدرك قعره.
بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا أي كان إغراقهم بسبب تكذيبهم بالآيات.
وَ كانُوا عَنْها غافِلِينَ أي غفلتهم عنها ، وقلة فكرهم فيها.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 137 الى 138]
وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (137) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)
137 - وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ :
الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ هم بنو إسرائيل ، كان يستضعفهم فرعون وقومه.
مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا أي هنا وهناك من الأرض.
بارَكْنا فِيها التي حباها اللّه بالبركة والخصب وسعة الأرزاق.
كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى قوله تعالى وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ.
بِما صَبَرُوا بسبب صبرهم.
ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ ما كانوا يعملون ويسوون من العمارات وبناء القصور.
وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ من الجنات.
138 - وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ :
فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ فمروا عليهم.
يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ يواظبون على عبادتها ويلازمونها.
اجْعَلْ لَنا إِلهاً صنما نعكف عليه.
كَما لَهُمْ آلِهَةٌ أصنام يعكفون عليها. و(ما) كافة للكاف ، ولذلك وقعت الجملة بعدها.

(1/4237)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 519
إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ تعجب من قولهم على اثر ما رأوا من الآية العظمى والمعجزة الكبرى ، فوصفهم بالجهل المطلق وأكده ، لأنه لا جهل أعظم مما رأى منهم ولا أشنع.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 139 الى 142]
إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (139) قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)
139 - إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ :
إِنَّ هؤُلاءِ يعنى عبدة تلك الأوثان.
مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ مدمر لكل ما هم فيه.
وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي ما عملوا شيئا من عبادتها فيما سلف الا وهو باطل لا ينتفعون به وان كان فى زعمهم تقربا الى اللّه.
140 - قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً أغير المستحق للعبادة أطلب لكم معبودا ، وهو فعل بكم ما فعل دون غيره من الاختصاص بالنعمة التي لم يعطها أحدا غيركم لتختصوه بالعبادة ولا تشركوا به غيره.
141 - وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ :
يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يبغونكم شدة العذاب.
والجملة استئنافية لا محل لها. ويجوز أن تكون حالا من المخاطبين ، أو من آلِ فِرْعَوْنَ.
وَ فِي ذلِكُمْ اشارة الى الانجاء ، أو الى العذاب.
بَلاءٌ البلاء : النعمة ، أو المحنة.
142 - وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ :
مِيقاتُ رَبِّهِ ما وقته له من الوقت وضربه له.

(1/4238)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 520
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً نصب على الحال ، أي تم بالغا هذا العدد.
هارُونَ عطف بيان لقوله لِأَخِيهِ. وقرىء بالضم على النداء.
اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي كن خليفتى فيهم.
وَ أَصْلِحْ وكن مصلحا ، أو أصلح ما يجب أن يصلح من أمور بنى إسرائيل ، ومن دعاك منهم الى الإفساد فلا تتبعه ولا تطعه.
[سورة الأعراف (7) : آية 143]
وَ لَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
143 - وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ :
لِمِيقاتِنا لوقتنا الذي وقتنا له وحددنا. واللام للاختصاص ، فكأنه قيل : واختص مجيئه بميقاتنا.
وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ من غير واسطة. وتكليمه أن يخلق الكلام منطوقا به فى بعض الأجرام كما خلقه محفوظا فى اللوح.
أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ثانى مفعولى أَرِنِي محذوف ، أي أرنى نفسك أنظر إليك ، أي اجعلنى متمكنا من رؤيتك بأن تتجلى لى فأنظر إليك وأراك.
لَنْ تَرانِي وإذ كان الطلب هو الرؤية التي هى الإدراك لا النظر الذي لا ادراك معه ، قيل : لن ترانى ، ولم يقل : لن تنظر الى.
فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ كما كان مستقرا ثابتا ذاهبا فى جهاته.
فَسَوْفَ تَرانِي تعليق لوجود الرؤية بوجود ما لا يكون من استقرار الجبل مكانه حين يدكه دكا ويسويه بالأرض.
فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ فلما ظهر له اقتداره وتصدى له أمره وإرادته.
جَعَلَهُ دَكًّا أي مدكوكا.

(1/4239)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 521
وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً من هول ما رأى ، أي خر مغشيا عليه غشية كالموت.
فَلَمَّا أَفاقَ من صعقته.
قالَ سُبْحانَكَ أنزهك مما لا يجوز عليك من الرؤية وغيرها.
تُبْتُ إِلَيْكَ من طلب الرؤية.
وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بأنك لست بمرئى ولا مدرك بشىء من الحواس.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 144 الى 145]
قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (145)
144 - قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ :
اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ اخترتك على أهل زمانك وآثرتك عليهم.
بِرِسالاتِي وهى أسفار التوراة.
وَ بِكَلامِي وبتكليمى إياك.
فَخُذْ ما آتَيْتُكَ ما أعطيتك من شرف النبوة والحكمة.
وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ على النعمة فى ذلك فهى من أجل النعم.
145 - وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ :
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فى محل النصب ، مفعول للفعل كَتَبْنا.
مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا بدل منه. والمعنى : كتبنا له كل شىء كان بنو إسرائيل محتاجين اليه فى دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام.
بِقُوَّةٍ بجد وعزيمة فعل أولى العزم من الرسل.
يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها أي فيها ما هو حسن وأحسن ، كالاقتصاص ، والعفو ، والانتصار والصبر.
فمرهم أن يحملوا على أنفسهم فى الأخذ بما هو أدخل فى الحسن وأكثر للثواب.

(1/4240)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 522
سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ يريد دار فرعون وقومه ، وهى مصر.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 146 الى 148]
سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (147) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148)
146 - سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ :
سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ بالطبع على قلوب المتكبرين وخذلانهم ، فلا يفكرون من فيها ولا يعتبرون بها ، غفلة وانهماكا فيما يشغلهم عنها من شهواتهم.
بِغَيْرِ الْحَقِّ حال ، بمعنى يتكبرون غير محقين ، لأن التكبر بالحق للّه وحده ، ويصح أن يكون صلة لفعل التكبر ، أي يتكبرون بما ليس بحق وما هم عليه من دينهم.
وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ من الآيات المنزلة عليهم لا يُؤْمِنُوا بِها.
ذلِكَ فى محل رفع على معنى : ذلك الصرف بسبب تكذيبهم. أو فى محل نصب على معنى : صرفهم اللّه ذلك الصرف بسببه.
147 - وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ :
وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ من اضافة المصدر الى المفعول به ، أي ولقائهم الآخرة ومشاهدتهم أحوالها. أو من اضافة المصدر الى الظرف ، بمعنى :
و لقاء ما وعد اللّه فى الآخرة.
148 - وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ :
مِنْ بَعْدِهِ من بعد فراقه إياهم الى الطور.
مِنْ حُلِيِّهِمْ الحلي : ما يتحسن به من الذهب والفضة.
جَسَداً بدنا ، منصوب على البدل من قوله عِجْلًا.

(1/4241)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 523
خُوارٌ صوت.
أَ لَمْ يَرَوْا حين اتخذوه الها أنه لا يقدر على كلام.
وَ لا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ولا على هداية سبيل.
وَ كانُوا ظالِمِينَ واضعين كل شىء فى غير موضعه.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 149 الى 150]
وَ لَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)
149 - وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ
:
وَ لَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ولما اشتد ندمهم وحسرتهم على عبادة العجل ، لأن من اشتد ندمه وحسرته يعض يده غما ، فتصير يده مسقوطا فيها ، لأن فاه قد وقع فيها.
وَ رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا وتبينوا ضلالهم تبينا كأنهم أبصروه بعيونهم.
150 - وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ :
أَسِفاً شديد الغضب أو حزينا.
خَلَفْتُمُونِي قمتم مقامى وكنتم خلفائى من بعدي.
وبئس ما خلفتمونى ، أي حيث عبدتم العجل مكان عبادة اللّه ، أو حيث لم تكفروا من عبد غير اللّه.
وفاعل (بئس) مضمر يفسره ما خلفتمونى والمخصوص بالذم محذوف ، تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعد خلافتكم.
مِنْ بَعْدِي أي من بعد ما رأيتم منى من توحيد اللّه أو نفى الشركاء عنه ، أو من بعد ما كنت أحمل بنى إسرائيل على التوحيد وأكفهم عما طمحت نحوه أبصارهم من عبادة البقر.

(1/4242)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 524
أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ أعجلتم عن أمر ربكم ، وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به ، فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره ولم أرجع إليكم ، فحدثتم أنفسكم بموتى ، فغيرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم.
وَ أَلْقَى الْأَلْواحَ وطرحها لما لحقه من فرط الدهش وشدة الضجر عند استماعه حديث العجل.
وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ أي بشعر رأسه.
يَجُرُّهُ إِلَيْهِ بذؤابته.
ابْنَ أُمَّ قرىء بالفتح تشبيها بخمسة عشر ، وبالكسر على طرح ياء الاضافة. والمقول أنه كان أخاه لأبيه وأمه ، فان صح هذا كانت الاضافة الى الأم اشارة الى أنهما من بطن واحد ، وهذا أدعى الى العطف والرقة.
وقيل : لأنها كانت مؤمنة فاعتد بنسبها.
وقيل : لأنها هى التي قاست فيه الخلوف والشدائد فذكرها بحقها.
إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي يعنى أنه لم يأل جهدا فى كفهم بالوعظ والانذار ، وبما بلغته طاقته من بذل القوة فى مضادتهم حتى قهروه واستضعفوه.
وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي ولم يبق الا أن يقتلوه.
فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ فلا تفعل بي ما هو أمنيتهم من الاستهانة بي والإساءة الى.
وَ لا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ولا تجعلنى فى موجدتك على وعقوبتك لى قرينا لهم وصاحبا. أو لا تعتقد أنى واحد من الظالمين مع براءتي منهم ومن ظلمهم.

(1/4243)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 525
[سورة الأعراف (7) : الآيات 151 الى 154]
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)
151 - قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ :
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي ليرضى أخاه ويظهر لأهل الشماتة رضاه عنه فلا تقم لهم شماتتهم.
وقد استغفر لنفسه بما فرط منه الى أخيه ، ولأخيه أن عسى يكون فرط فى حسن الخلافة.
152 - إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ :
غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ ما أمروا به من قتل أنفسهم.
وَ ذِلَّةٌ خروجهم من ديارهم ، لأن ذلك الغربة مثل مضروب.
الْمُفْتَرِينَ المتكذبين على اللّه ، ولا فرية أعظم من قول السامري :
هذا إلهكم واله موسى.
153 - وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ :
وَ الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ من الكفر والمعاصي كلها.
ثُمَّ تابُوا ثم رجعوا.
مِنْ بَعْدِها الى اللّه واعتذروا اليه.
وَ آمَنُوا وأخلصوا الايمان.
إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها من بعد تلك العظائم.
لَغَفُورٌ لستور عليهم محاء لما كان منهم.
رَحِيمٌ منعم عليهم بالجنة.
154 - وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ :

(1/4244)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 526
وَ لَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ هذا مثل ، كأن الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول له : قل لقومك كذا ، وألق الألواح ، وجر برأس أخيك إليك ، فترك التعلق بذلك وقطع الإغراء.
أَخَذَ الْأَلْواحَ التي ألقاها.
وَ فِي نُسْخَتِها وفيما نسخ منها ، أي كتب.
لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ دخلت اللام لتقدم المفعول ، لأن تأخر الفعل عن مفعوله يكسبه ضعفا.
[سورة الأعراف (7) : آية 155]
وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155)
155 - وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ :
فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ رجف بهم الجبل فصعقوا.
قالَ موسى.
رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ وهذا تمن منه للاهلاك قبل أن يرى ما رأى من تبعة طلب الرؤية ، كما يقول النادم على الأمر إذا رأى سوء المغبة : لو شاء اللّه لأهلكنى قبل هذا.
أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا يعنى أتهلكنا جميعا ، يعنى نفسه وإياهم لأنه انما طلب الرؤية زجرا للسفهاء ، وهم طلبوها سفها وجهلا.
إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ أي محنتك وابتلاؤك حين كلمتنى وسمعوا كلامك ، فاستدلوا بالكلام على الرؤية استدلالا فاسدا ، حتى افتتنوا وضلوا.
تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ تضل بالمحنة الجاهلين غير الثابتين فى معرفتك وتهدى العالمين بك الثابتين بالقول الثابت.

(1/4245)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 527
أَنْتَ وَلِيُّنا مولانا القائم بأمورنا.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 156 الى 157]
وَ اكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)
156 - وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ :
وَ اكْتُبْ لَنا وأثبت لنا واقسم.
فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً عاقبة وحياة طيبة وتوفيقا فى الطاعة.
وَ فِي الْآخِرَةِ الجنة.
هُدْنا إِلَيْكَ تبنا إليك.
قالَ عَذابِي من حاله وصفته أنى :
أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ ممن لم يتب.
وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أي واسعة تبلغ كل شىء.
157 - الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ :
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ الذي نوحى اليه كتابا مختصا به وهو القرآن.
النَّبِيَّ صاحب المعجزات.
الْأُمِّيَّ الذي لا يكتب ولا يقرأ.
الَّذِي يَجِدُونَهُ يجد نعته أولئك الذين يتبعونه من بنى إسرائيل.
وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ما حرم عليهم من الأشياء الطيبة ، أو ما

(1/4246)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 528
طاب فى الشريعة والحكم ، مما ذكر اسم اللّه عليه من الذبائح ، وما خلا كسبه من السحت.
وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ ما يستخبث من نحو الدم والميتة ولحم الخنزير ، وما أهل لغير اللّه به ، أو ما خبث فى الحكم كالربا والرشوة وغيرهما من المكاسب الخبيثة.
إِصْرَهُمْ الإصر : الشغل الذي يأصر صاحبه ، أي يحبسه من الحراك لثقله ، وهو مثل لثقل تكليفهم وصعوبته ، نحو اشتراط قتل الأنفس فى صحة توبتهم.
وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ مثل لما كان فى شرائعهم من الأشياء الشاقة ، نحو بت القضاء بالقصاص عمدا كان أو خطأ من غير شرع الدية وقطع الأعضاء الخاطئة ، وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب ، وتحريم السبت.
وَ عَزَّرُوهُ ومنعوه حتى لا يقوى عليه عدو.
النُّورَ القرآن.
أُنْزِلَ مَعَهُ أي مع نبوته.
[سورة الأعراف (7) : آية 158]
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)
158 - قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ :
إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً جميعا ، نصب على الحال ، أي أنه بعث للناس كافة ، وكل رسول قبله بعث الى قومه خاصة.
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الذي فى محل نصب بإضمار :
أعنى ، وهو ما يسمى النصب على المدح.
ويجوز أن يكون فى محل جر على الوصف ، وان حيل بين الصفة والموصوف بقوله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً.

(1/4247)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 529
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ بدل من الصلة التي هى لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وهى بيان للجملة قبلها ، لأن من ملك العالم كان هو الإله على الحقيقة.
يُحيِي وَيُمِيتُ بدل هى الأخرى من الصلة التي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وهى بيان لاختصاصه بالالهية لأنه لا يقدر على الاحياء والإماتة غيره.
وَ كَلِماتِهِ وما أنزل عليه وعلى من تقدمه من الرسل من كتبه ووحيه.
وقرىء (وكلمته) على الافراد ، وهى القرآن. أو أراد جنس ما كلم به.
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ارادة أن تهتدوا.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 159 الى 160]
وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)
159 - وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ :
أُمَّةٌ هم المؤمنون التائبون من بنى إسرائيل.
يَهْدُونَ بِالْحَقِّ يهدون الناس بكلمة الحق.
وَ بِهِ يَعْدِلُونَ وبالحق يعدلون بينهم فى الحكم لا يجورون.
160 - وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ :
وَ قَطَّعْناهُمُ وصيرناهم قطعا ، أي فرقا ، وميزنا بعضهم من بعض لقلة الألفة بينهم.
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً الأسباط : أولاد الولد ، جمع سبط ، بالكسر ، وكانوا اثنتي عشرة قبيلة من اثنى عشر ولدا ، من ولد يعقوب عليه السلام.

(1/4248)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 530
و جاء التمييز جمعا وحقه أن يكون مفردا ، إذ المراد : وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة ، وكل قبيلة أسباط لا سبط ، فوضع أَسْباطاً موضع قبيلة.
أُمَماً بدل من اثنتي عشرة قبيلة ، بمعنى : وقطعناهم أمما ، لأن كل أسباط كانت أمة عظيمة وجماعة كثيفة العدد.
فَانْبَجَسَتْ فانفجرت.
كُلُّ أُناسٍ أي كل أمة من تلك الأمم الاثنتى عشرة. وهذا نظير قوله اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً والأناس ، اسم جمع غير تكسير.
وَ ظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وجعلناه ظليلا عليهم فى التيه.
كُلُوا على ارادة القول.
وَ ما ظَلَمُونا وما رجع إلينا ضرر ظلمهم بكفرانهم النعم.
وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ولكنهم كانوا يضرون أنفسهم ، ويرجع وبال ظلمهم إليهم.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 161 الى 162]
وَ إِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (162)
161 - وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ :
وَ إِذْ قِيلَ لَهُمُ واذكر إذ قيل لهم.
الْقَرْيَةَ بيت المقدس.
وَ قُولُوا حِطَّةٌ وقولوا نسألك يا ربنا أن تحط عنا خطايانا.
وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وادخلوا باب القرية حانى الرؤوس كهيئة الركوع تواضعا.
نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ نتجاوز عن ذنوبكم.
سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ وسنزيد ثواب من أحسنوا الأعمال.
162 - فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ :

(1/4249)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 531
مِنْهُمْ زيادة بيان.
فَأَرْسَلْنا فأنزلنا.
رِجْزاً عذابا.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 164]
وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)
163 - وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ :
وَ سْئَلْهُمْ أي اليهود. وهذا السؤال معناه التقرير والتقريع بقديم كفرهم.
حاضِرَةَ الْبَحْرِ قريبة منه راكبة لشاطئه.
إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إذ يتجاوزون حدود اللّه فيه ، وهو اصطيادهم فى يوم السبت ، وقد نهوا عنه.
يَوْمَ سَبْتِهِمْ يوم تعظيمهم أمر السبت.
شُرَّعاً ظاهرة على وجه الماء.
وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ يوم لا يعظمون أمر السبت. لا يسبتون ، بضم الباء ، من (أسبتوا).
كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ أي مثل ذلك البلاء الشديد نبلوهم.
بِما كانُوا يَفْسُقُونَ بسبب فسقهم.
164 - وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ :
وَ إِذْ قالَتْ معطوف على إِذْ يَعْدُونَ وحكمه حكمه فى الاعراب.
أُمَّةٌ مِنْهُمْ جماعة من أهل القرية من صلحائهم الذين ركبوا الصعب والذلول فى موعظتهم ، حتى يئسوا من قبولهم لآخرين كانوا لا يقلعون عن وعظهم.

(1/4250)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 532
لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أي مخترمهم ومطهر الأرض منهم.
أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً لتماديهم فى الشر.
قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ أي موعظتنا إبلاء عذر الى اللّه. ولئلا ننسب فى النهى عن المنكر الى بعض التفريط.
وقرىء : معذرة بالنصب ، أي وعظناهم معذرة الى ربكم.
أو اعتذرنا معذرة.
وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ولطمعنا فى أن يتقوا بعض الاتقاء.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 165 الى 168]
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)
165 - فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ :
فَلَمَّا نَسُوا يعنى أهل القرية ، فلما تركوا ما ذكرهم به الصالحون ترك الناسي لما ينساه.
وَ أَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا الظالمين الراكبين للمنكر.
166 - فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ :
فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ فلما تكبروا عن ترك ما نهوا عنه.
قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً أي مسخناهم قرودا.
167 - وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ :
تَأَذَّنَ رَبُّكَ عزم ، وأجرى مجرى فعل القسم ، كعلم اللّه ، وشهد اللّه ، ولذلك أجيب بما يجاب به القسم.
لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ ليسلطن عليهم.
168 - وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ :

(1/4251)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 533
وَ قَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً وفرقناهم فيها ، فلا يكاد يخلو بلد من فرقة منهم.
مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ الذين آمنوا منهم بالمدينة.
وَ مِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ ومنهم ناس دون ذلك الوصف منحطون عنه.
وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ بالنعم والنقم.
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ينتهون فينيبون.
[سورة الأعراف (7) : آية 169]
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169)
169 - فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ :
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد المذكورين.
خَلْفٌ وهم الذين كانوا فى زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَرِثُوا الْكِتابَ التوراة بقيت فى أيديهم يقرءونها ولا يعملون بها.
يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى أي الدنيا وما يتمتع به منها. والمراد ما كانوا ينالونه من العامة على تحريف الكلم للتسهيل عليهم.
وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا لن يؤاخذنا اللّه بما أخذنا.
وَ إِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ الواو للحال ، أي يرجون المغفرة وهم مصرون عائدون الى مثل فعلهم غير تائبين.
أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ يعنى ما جاء فى التوراة أنه من ارتكب ذنبا عظيما فانه لا يغفر له إلا بالتوبة.
أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ عطف بيان لقوله مِيثاقُ الْكِتابِ.

(1/4252)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 534
يعنى أن اثبات المغفرة بغير توبة خروج عن ميثاق الكتاب وافتراء على اللّه ، وتقول عليه ما ليس بحق.
أَنْ لا يَقُولُوا مفعول له ، أي لئلا يقولوا.
وَ دَرَسُوا ما فِيهِ فى الكتاب من اشتراط التوبة فى غفران الذنوب.
وَ الدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ من ذلك الغرض الخسيس.
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ
محارم اللّه.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 170 الى 171]
وَ الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)
170 - وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ :
وَ الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ مرفوع بالابتداء وخبره إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ.
وقد يكون فى محل جر عطفا على لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ويكون قوله إِنَّا لا نُضِيعُ اعتراضا.
171 - وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ :
وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ قلعناه ورفعناه.
كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ الظلة : ما أظلك من سقيفة أو سحاب.
وقرىء بالطاء المهملة ، من أطل عليه ، إذا أشرف.
وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ وعلموا أنه ساقط عليهم ، وذلك أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة ، فرفع اللّه الطور على رؤوسهم ، وقيل لهم :
ان قبلتموها بما فيها والا ليقعن عليكم.
خُذُوا ما آتَيْناكُمْ على ارادة القول ، أي وقلنا : خذوا ما آتيناكم ، أو قائلين : خذوا ما آتيناكم.
بِقُوَّةٍ وعزم على احتمال مشاقه وتكاليفه.

(1/4253)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 535
وَ اذْكُرُوا ما فِيهِ من الأوامر والنواهي ولا تنسوه.
أو واذكروا ما فيه من التعريض للثواب العظيم فارغبوا فيه.
أو واذكروا ما فيه من الدلالة على القدرة الباهرة والانذار.
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ما أنتم عليه.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 173]
وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)
172 - وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ :
مِنْ ظُهُورِهِمْ بدل من بَنِي آدَمَ بدل البعض من الكل.
والمعنى : إخراجهم من أصلابهم نسلا واشهادهم على أنفسهم.
أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ من باب التمثيل. والمعنى : أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى ، فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم ، وقال لهم : ألست بربكم ، وكأنهم قالوا : بلى ، أنت ربنا ، شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيته.
أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ لم ننبه عليه.
173 - أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ :
أَوْ تَقُولُوا أو كراهة أن تقولوا.
إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ فاقتدينا بهم ، لأن نصب الأدلة على التوحيد وما نبهوا عليه قائم معهم ، فلا عذر لهم فى الاعراض عنه والإقبال على التقليد والاقتداء بالآباء ، كما لا عذر لآبائهم فى الشرك.
أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ أي كانوا السبب فى شركنا لتأسيهم الشرك وتقدمهم فيه ، وتركه سنة لنا.

(1/4254)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 536
[سورة الأعراف (7) : الآيات 174 الى 176]
وَ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)
174 - وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ :
وَ كَذلِكَ ومثل ذلك التفصيل البليغ.
نُفَصِّلُ الْآياتِ لهم.
وَ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وإرادة أن يرجعوا عن شركهم نفصلها.
175 - وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ :
وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ على اليهود.
نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها هو عالم من علماء بنى إسرائيل ، هو بلعم بن باعوراء ، أوتى علم بعض كتب اللّه.
فَانْسَلَخَ مِنْها من الآيات ، بأن كفر ونبذها وراء ظهره.
فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فلحقه الشيطان وأدركه وصار قرينا له.
فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ فصار من الضالين الكافرين.
176 - وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ :
وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها لعظمناه ورفعناه الى منازل الأبرار من العلماء بتلك الآيات.
وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ مال الى الدنيا ورغب فيها.
فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ فصفته التي هى مثل فى الخسة والضعة كصفة الكلب فى أخس أحواله وأذلها ، وهى حال دوام اللهث به واتصاله ، سواء حمل عليه ، أي شد عليه وهيج فطرد ، أو ترك غير متعرض له بالحمل عليه وذلك أن سائر الحيوان لا يكون منه اللهث الا إذا هيج منه وحرك ، والا لم يلهث ، والكلب يتصل لهثه فى الحالتين جميعا.

(1/4255)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 537
ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا من اليهود وبعد ما قرءوا نعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم فى التوراة ، وذكر القرآن المعجز وما فيه.
فَاقْصُصِ قصص بعلم الذي هو نحو قصصهم.
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فيحذرون مثل عاقبته ، إذا ساروا نحو سيرته.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 177 الى 179]
ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179)
177 - ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ :
ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ أي مثل القوم ، أو ساء أصحاب مثل القوم.
وَ أَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ معطوف على كَذَّبُوا فيدخل فى حيز الصلة ، بمعنى الذين جمعوا بين التكذيب بآيات اللّه وظلم أنفسهم.
أو كلام منقطع عن الصلة بمعنى : وما ظلموا الا أنفسهم بالتكذيب.
و تقديم المفعول به للاختصاص ، كأنه قيل : وخصوا أنفسهم بالظلم لم يتعدها الى غيرها.
178 - مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ :
فَهُوَ الْمُهْتَدِي حمل على اللفظ.
فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ حمل على المعنى.
179 - وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ :
كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ هم المطبوع على قلوبهم فلا يلقون أذهانهم الى معرفة الحق ، ولا ينظرون بأعينهم الى ما خلق اللّه نظر اعتبار ، ولا يسمعون ما يتلى عليهم من آيات اللّه سماع تدبر ، كأنهم عدموا منهم القلوب ، وأبصار العيون ، واستماع الآذان.
أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ فى عدم الفقه والنظر للاعتبار والاستماع للتدبر.

(1/4256)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 538
بَلْ هُمْ أَضَلُّ من الأنعام عن الفقه والاعتبار والتدبر.
أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ الكاملون فى الغفلة.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 180 الى 184]
وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)
180 - وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ :
وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى التي هى أحسن الأسماء ، لأنها تدل على معان حسنة من تمجيد وتقديس ، وغير ذلك.
فَادْعُوهُ بِها فسموه بتلك الأسماء.
وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ واتركوا تسمية الذين يميلون عن الحق والصواب فيسمونه بغير الأسماء الحسنى ، وذلك أن يسموه بما لا يجوز عليه.
181 - وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ :
أي يدعون غيرهم للحق بسبب حبهم للحق ، وبالحق وحده يعدلون فى أحكامهم.
182 - وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ :
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ سنستدنيهم قليلا الى ما يهلكهم ويضاعف عقابهم.
مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ما يراد بهم.
183 - وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ :
وَ أُمْلِي لَهُمْ عطف على سَنَسْتَدْرِجُهُمْ وهو داخل فى حكم (السين).
إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ سماه كيدا ، لأنه شبيه بالكيد ، من حيث انه فى الظاهر احسان وفى الحقيقة خذلان.
184 - أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ :

(1/4257)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 539
ما بِصاحِبِهِمْ بمحمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
مِنْ جِنَّةٍ من جنون.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 185 الى 186]
أَ وَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)
185 - أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ :
أَ وَلَمْ يَنْظُرُوا نظر استدلال.
فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيما تدلان عليه من عظم الملك.
والملكوت : الملك العظيم.
وَ ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وفيما خلق اللّه مما يقع عليه اسم الشيء من أجناس لا يحصرها العدد ولا يحيط بها الوصف.
وَ أَنْ عَسى أن ، مخففة من الثقيلة ، والأصل أنه عسى ، على أن الضمير ضمير الشأن. والمعنى : أو لم ينظروا فى أن الشأن والحديث عسى :
أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ولعلهم يموتون عما قريب ، فيسارعوا الى النظر وطلب الحق وما ينجيهم ، قبل مناقصة الأجل وحلول العقاب.
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ متعلق بقوله عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ كأنه قيل لعل أجلهم قد اقترب ، فما لهم لا يبادرون الى الايمان بالقرآن قبل الفوت ، وما ينتظرون بعد وضوح الحق ، وبأى حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا.
186 - مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ :
وَ يَذَرُهُمْ قرىء بالياء والنون ، والرفع على الاستئناف.
وقرىء بالياء والجزم عطفا على محل فَلا هادِيَ لَهُ كأنه قيل :
من يضلل اللّه لا يهده أحد ويذرهم.

(1/4258)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 540
[سورة الأعراف (7) : آية 187]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187)
187 - يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ :
يَسْئَلُونَكَ السائلون ، هم اليهود ، وقيل : هم قريش.
السَّاعَةِ من الأسماء الغالبة وسميت القيامة بالساعة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها.
أَيَّانَ متى.
مُرْساها إرساؤها ، أو وقت ارسائها ، أي إثباتها وإقرارها.
إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي أي علم وقت ارسائها عنده قد استأثر به.
لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ أي لا تزال خفية ، لا يظهر أمرها ، ولا يكشف خفاء علمها الا هو وحده ، إذا جاء بها فى وقتها بغتة ، لا يجليها بالخبر عنها قبل مجيئها أحد من خلقه ، لاستمرار الخفاء بها على غيره الى وقت وقوعها.
ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي كل من أهلها من الملائكة والثقلين أهمه شأن الساعة ، وبوده أن يتجلى له علمها ، وشق عليه خفاؤها وثقل عليه.
أو ثقلت فيها لأن أهلها يتوقعونها ويخافون شدائدها وأهوالها.
أو لأن كل شىء لا يطيقها ولا يقوم لها ، فهى ثقيلة فيها.
إِلَّا بَغْتَةً الا فجأة على غفلة منكم.
كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها كأنك عالم بها. وحقيقته كأنك بليغ فى السؤال عنها ، لأن من بالغ فى المساءلة عن الشيء والتنقير عنه استحكم عليه وثبت وتيقن.

(1/4259)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 541
وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أنه العالم بها ، وأنه المختص بالعلم بها.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 188 الى 189]
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)
188 - قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ :
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا اظهار للعبودية وانتفاء عما يختص بالربوبية من علم الغيب ، أي أنا عبد ضعيف لا أملك لنفسى اجتلاب نفع ولا دفع ضرر.
إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ربى ومالكى من النفع لى والدفع عنى وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ لكانت حالى على خلاف ما هى عليه من استكثار الخير ، واستغزار المنافع ، واجتناب السوء والمضار ، حتى لا يمسنى شىء منها.
إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ عبد أرسلت نذيرا وبشيرا.
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يتعلق بالنذير والبشير ، لأن النذارة والبشارة انما تنفعان فيهم. أو هو متعلق بالبشير وحده ، ويكون المتعلق بالنذير محذوفا ، أي الا نذير للكافرين وبشير لقوم يؤمنون.
189 - هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ :
مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ هى نفس آدم عليه السّلام.
وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وهى حواء.
لِيَسْكُنَ إِلَيْها ليطمئن إليها ويميل ولا ينفر. وذكر بعد ما أنث فى قوله واحِدَةٍ ، ذهابا الى معنى النفس ، ليبين أن المراد بها آدم ، ولأن الذكر هو الذي يسكن الى الأنثى ويتغشاها ، فكان التذكير أحسن طباقا للمعنى.

(1/4260)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 542
فَلَمَّا تَغَشَّاها التغشى : الجماع.
حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً خف عليها ، ولم تلق منه ما يلقى بعض الحبالى من حملهن من الكرب والأذى.
فَمَرَّتْ بِهِ فمضت به الى وقت ميلاده.
فَلَمَّا أَثْقَلَتْ حان وقت ثقل حملها.
لَئِنْ آتَيْتَنا لئن وهبت لنا.
صالِحاً ولدا سويا.
لَنَكُونَنَّ لهما ولكل من يتناسل من ذريتهما.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 190 الى 192]
فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192)
190 - فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ :
فَلَمَّا آتاهُما ما طلباه من الولد الصالح السوي.
جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ أي جعل أولادهما له شركاء ، على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه.
فِيما آتاهُما أي آتى أولادهما ، على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه. أي تسميتهم أولادهم بعبد العزى ، وبعبد مناة ، وعبد شمس ، وما أشبه ذلك.
191 - أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ :
وَ هُمْ يُخْلَقُونَ أجريت الأصنام مجرى أولى العلم بناء على اعتقادهم فيها وتسميتهم إياها آلهة.
أي أيشركون ما لا يقدر على خلق شىء كما يخلق اللّه وهم يخلقون لأن اللّه عز وجل خالقهم.
192 - وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ :
وَ لا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ لعبدتهم.

(1/4261)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 543
نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ فيدفعون عنها ما يعتريها من الحوادث ، بل عبدتهم هم الذين يدفعون عنهم ويحامون عليهم.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 193 الى 195]
وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195)
193 - وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ :
وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ وان تدعوا هذه الأصنام.
إِلَى الْهُدى أي الى ما هو هدى ورشاد ، والى أن يهدوكم.
والمعنى : وان تطلبوا منهم كما تطلبون من اللّه الخير والهدى ، لا يتبعوكم الى مرادكم وطلبتكم ، ولا يجيبوكم كما يجيبكم اللّه.
سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أم صممتم عن دعائهم ، فى أنه لا فلاح معهم.
194 - إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ :
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي تعبدونهم وتسمونهم آلهة من دون اللّه.
عِبادٌ أَمْثالُكُمْ استهزاء بهم ، أي قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء ، فان ثبت ذلك فهم عباد أمثالكم لا تفاضل بينكم.
195 - أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ :
أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ أبطل أن يكونوا عبادا أمثالهم.
قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ واستعينوا بهم فى عداوتى.
ثُمَّ كِيدُونِ جميعا أنتم وشركاؤكم.
فَلا تُنْظِرُونِ فانى لا أبالى بكم.

(1/4262)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 544
[سورة الأعراف (7) : الآيات 196 الى 200]
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)
196 - إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ :
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ أي ناصرى عليكم اللّه.
الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ الذي أوحى الى كتابه وأعزنى برسالته.
وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ومن عادته أن ينصر الصالحين من عباده وأنبيائه ولا يخذلهم.
197 - وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ :
وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ والأصنام الذين تطلبون منهم النصر دون اللّه.
198 - وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ :
يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ
يشبهون الناظرين إليك ، لأنهم صوروا أصنامهم بصورة من قلب حدقته الى الشيء ينظر اليه.
وَ هُمْ لا يُبْصِرُونَ وهم لا يدركون المرئي.
199 - خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ :
الْعَفْوَ ضد الجهد ، أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم وما أتى منهم وتسهل من غير كلفة ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لا ينفروا.
وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ العرف والجميل من الأفعال.
وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم ، ولا تمارهم ، واحلم عنهم ، وأغض على ما يسوءك منهم.
200 - وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ :

(1/4263)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 545
وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ واما ينخسنك منه نخس ، بأن يحملك بوسوسته على خلاف ما أمرت به.
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ولا تطعه.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 201 الى 205]
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205)
201 - إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ :
طائِفٌ وقرىء : طيف ، أي لمسة من الشيطان.
تَذَكَّرُوا ما أمر اللّه به ونهى عنه ، فأبصروا السداد ودفعوا ما وسوس به إليهم ولم يتبعوه.
202 - وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ :
يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ أي يكونون مددا لهم فيه ويعصدونهم.
ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ ثم لا يمسكون عن اغوائهم.
203 - وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ :
لَوْ لا اجْتَبَيْتَها هلا أخذتها.
بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ أي حجج بينة يعود المؤمنون بها بصراء.
204 - وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ :
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا أي إذا تلا عليكم الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم القرآن عند نزوله فاستمعوا له.
وقيل : اعملوا بما فيه ولا تجاوزوه.
205 - وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ :
تَضَرُّعاً وَخِيفَةً متضرعا وخائفا.

(1/4264)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 546
وَ دُونَ الْجَهْرِ ومتكلما كلاما دون الجهر ، لأن الإخفاء أدخل فى الإخلاص وأقرب الى حسن التفكر.
بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ لفضل هذين الوقتين. أو أراد الدوام.
وبالغدو ، أي بأوقات الغدو ، وهى الغدوات.
والآصال ، جمع أصيل ، وهو الوقت حين تصفر الشمس لمغربها.
وقرىء : بالإيصال ، من آصل ، إذا دخل فى الأصيل.
[سورة الأعراف (7) : آية 206]
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)
206 - إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ :
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ هم الملائكة. ومعنى عِنْدَ دنو المنزلة والقرب من رحمة اللّه تعالى وفضله لتوفرهم على طاعته وابتغاء مرضاته.
وَ لَهُ يَسْجُدُونَ ويختصونه بالعبادة لا يشركون به غيره.

(1/4265)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 547
(8) سورة الأنفال
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الأنفال (8) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
1 - يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ :
الْأَنْفالِ الغنائم ، لأنها من فضل اللّه وعطائه ، الواحد : نفل ، وهو ما ينفله الغازي أي يعطاه زائدا على سهمه من المغنم.
قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ان حكمها مختص باللّه ورسوله ، يأمر اللّه بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ويمتثل الرسول أمر اللّه فيها.
فَاتَّقُوا اللَّهَ فى الاختلاف والتخاصم.
وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وتآسوا وتساعدوا فيما رزقكم اللّه وتفضل به عليكم.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ان كنتم كاملى الايمان.
2 - إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ :
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ اشارة إليهم ، أي انما كاملو الايمان.
وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فزعت.
زادَتْهُمْ إِيماناً ازدادوا بها يقينا وطمأنينة.
وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ولا يفوضون أمورهم الى غير ربهم ، لا يخشون ولا يرجون الا إياه.
3 - الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ :
يُقِيمُونَ الصَّلاةَ يؤدونها مستوفية الأركان.

(1/4266)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 548
وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وينفقون قدرا من المال الذي رزقهم اللّه فى وجوه الخير.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 4 الى 5]
أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (5)
4 - أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ :
حَقًّا صفة للمصدر المحذوف ، أي أولئك هم المؤمنون إيمانا حقا.
دَرَجاتٌ شرف وكرامة وعلو منزلة.
وَ مَغْفِرَةٌ وتجاوز لسيئاتهم.
وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ نعيم الجنة.
5 - كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ :
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ محل الكاف محل رفع خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : هذه الحال كحال اخراجك ، أي ان حالهم فى كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة ، مثل حالهم فى كراهة خروجك للحرب.
ويجوز أن ينتصب على أنه صفة مصدر الفعل المقدر فى قوله الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ أي الأنفال استقرت للّه والرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وثبت مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات إخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون.
مِنْ بَيْتِكَ أي بيته بالمدينة ، أو المدينة نفسها ، لأنها مهاجره ومسكنه.
بِالْحَقِّ أي إخراجا ملتبسا بالحكمة والصواب الذي لا محيد عنه.
وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ فى موضع الحال. أي أخرجك فى حال كراهتهم وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام فيها تجارة عظيمة ، ومعها أربعون راكبا وانتهى خبر هذه العير الى الرسول والى المسلمين فحفزهم هذا الى تلقى العير وبلغ أهل مكة خروج المسلمين

(1/4267)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 549
ففزعوا وتهيئوا ، ثم بلغهم أن العير أخذت طريق الساحل ونجت. ورأى القرشيون أن يقروا ، غير أن أبا جهل أصر على الخروج اعتزازا. ومضى بقريش الى بدر. وكان من وحي السماء وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ اما العير واما قريش ، استشار النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم أصحابه فى خروج قريش إليهم وكان على المسلمين أن يلقوا قريشا بعد أن فاتتهم العير ، فكان منهم من آثروا لقاء العير على النفير ، وودوا لو قعدوا ولم يخرجوا للقاء قريش ، وكانت الأنصار أجمعهم على الخروج.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 6 الى 7]
يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (7)
6 - يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ :
يُجادِلُونَكَ يعنى قولهم : ما كان خروجنا الا للعير.
فِي الْحَقِّ أي تلقى النفير.
بَعْدَ ما تَبَيَّنَ بعد إعلان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم بأنهم ينصرون.
7 - وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ :
وَ إِذْ إذ ، منصوب بإضمار : اذكر.
إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أي العير أو النفير.
أَنَّها لَكُمْ بدل من قوله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ.
غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ أي العير ، لأنها لم يكن فيها الا أربعون فارسا. والشوكة : الحدة.
أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ أن يثبته ويعليه.
بِكَلِماتِهِ بآياته المنزلة فى محاربة ذات الشوكة.

(1/4268)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 550
[سورة الأنفال (8) : الآيات 8 الى 9]
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)
8 - لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ :
لِيُحِقَّ الْحَقَّ متعلق بمحذوف تقديره : ليحق الحق ويبطل الباطل فعل ذلك ما فعله الا لهما ، وهو اثبات الإسلام وإظهاره ، وابطال الكفر ومحقه.
9 - إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ :
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ بدل من قوله إِذْ يَعِدُكُمُ. وقيل هو متعلق بقوله لِيُحِقَّ الْحَقَّ.
واستغاثتهم أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال طفقوا يدعون اللّه ، ويقولون : ربنا انصرنا على عدوك.
ويروى أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم لما نظر الى المشركين وهم ألف ، والى أصحابه وهم ثلاثمائة استقبل القبلة ومد يديه يدعو ويسأله النصر.
أَنِّي مُمِدُّكُمْ أصله : بأنى ممدكم ، فخذف الجار وسلط عليه فَاسْتَجابَ فنصب محله.
مُرْدِفِينَ بكسر الدال وفتحها ، من قولك : ردفه ، إذا اتبعه ، وأردفته إياه ، إذا أتبعته.
[سورة الأنفال (8) : آية 10]
وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)
10 - وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :
وَ ما جَعَلَهُ الضمير يرجع الى قوله أَنِّي مُمِدُّكُمْ إذ المعنى :
فاستجاب لكم بامدادكم.
إِلَّا بُشْرى الا بشارة لكم بالنصر.
وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أي ولا تحسبوا النصر من الملائكة ، فان الناصر هو اللّه لكم وللملائكة.

(1/4269)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 551
أو ما النصر بالملائكة وغيرهم من الأسباب الا من عند اللّه ، والمنصور من نصره اللّه.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 11 الى 13]
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13)
11 - إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ :
إِذْ يُغَشِّيكُمُ بدل من إِذْ يَعِدُكُمُ ، أو منصوب بالنصر ، أو بما فى مِنْ عِنْدِ اللَّهِ من معنى الفعل ، أو بما جعله اللّه ، أو بإضمار : اذكر.
أَمَنَةً مفعول له.
مِنْهُ صفة ، أي أمنة حاصلة لكم من اللّه عز وجل.
رِجْزَ الشَّيْطانِ وسوسته إليهم ، وتخويفه إياهم من العطش.
12 - إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ :
إِذْ يُوحِي بدل من إِذْ يَعِدُكُمُ.
أَنِّي مَعَكُمْ مفعول يُوحِي.
فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا تلقينا للملائكة ما يثبتونهم به.
فَوْقَ الْأَعْناقِ أي أعالى الأعناق التي هى المذابح.
13 - لِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
:
ِكَ
اشارة الى ما أصابهم من الضرب والقتل والعقاب العاجل.
و محله الرفع على الابتداء.
َنَّهُمْ
خبر المبتدأ ، أي ذلك العقاب وقع عليهم بسبب مشاقتهم.

(1/4270)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 552
[سورة الأنفال (8) : الآيات 14 الى 17]
ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
14 - ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ :
ذلِكُمْ للكفرة على طريقة الالتفات. ومحله الرفع على : ذلكم العقاب ، أو : العقاب ذلكم فذوقوه.
وَ أَنَّ لِلْكافِرِينَ عطف على ذلِكُمْ ، أو نصب على أن (الواو) بمعنى : مع.
والمعنى : ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم فى الآخرة ، فوضع الظاهر موضع الضمير.
15 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ :
زَحْفاً حال من الَّذِينَ كَفَرُوا.
فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ أي لا تنقلبوا مدبرين.
16 - وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ :
وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ومن لا يلاقيهم وجها لوجه فارامنهم.
إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ هو الكر بعد الفر ، يخيل عدوه أنه منهزم ثم يعطف عليه.
أَوْ مُتَحَيِّزاً أو منحازا.
إِلى فِئَةٍ الى جماعة أخرى من المسلمين سوى الفئة التي هو فيها.
17 - فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ :

(1/4271)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 553
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ الفاء جواب شرط محذوف ، تقديره : ان افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم.
وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ لأنه هو الذي أنزل الملائكة وألقى الرعب فى قلوبهم.
إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى يعنى أن الرمية التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة لأنك لو رميتها لما بلغ أثرها الا ما يبلغه أثر رمى البشر ، ولكنها كانت رمية اللّه حيث أثرت ذلك الأثر العظيم.
وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ وليعطيهم.
بَلاءً حَسَناً عطاء جميلا.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 18 الى 19]
ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
18 - ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ :
ذلِكُمْ اشارة الى البلاء الحسن ، ومحله الرفع ، أي الغرض ذلكم.
وَ أَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ معطوف على ذلِكُمْ يعنى أن الغرض إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين.
19 - إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ :
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ خطاب لأهل مكة على سبيل التهكم ، وذلك أنهم حين أرادوا أن ينفروا تعلقوا بأستار الكعبة وسألوا ربهم النصر.
وقيل إِنْ تَسْتَفْتِحُوا خطاب للمؤمنين.
وَ إِنْ تَنْتَهُوا خطاب للكافرين. يعنى وان تنتهوا عن عداوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.

(1/4272)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 554
فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وأسلم.
وَ إِنْ تَعُودُوا لمحاربته.
نَعُدْ لنصرته عليكم.
وَ أَنَّ اللَّهَ بالفتح على : ولأن اللّه معين المؤمنين كان ذلك.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 23]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
20 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ :
وَ لا تَوَلَّوْا قرىء بطرح احدى التاءين وادغامها.
عَنْهُ الضمير لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ أي تصدقون لأنكم مؤمنون لستم كالصم المكذبين من الكفرة.
21 - وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ :
وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا أي ادعوا السماع.
وَ هُمْ لا يَسْمَعُونَ لأنهم ليسوا بمصدقين فكأنهم غير سامعين.
22 - إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ :
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ أي ان شر من يدب على وجه الأرض.
23 - وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ :
وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ فى هؤلاء الصم البكم.
خَيْراً أي انتفاعا بهدى اللّه.
لَأَسْمَعَهُمْ لوفقهم الى أن يستمعوا ويستجيبوا.

(1/4273)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 555
وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ أي ولو أنهم استجابوا لتولوا بعد الاستجابة لما ركب فى طبائعهم من انصراف عن الهدى.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 24 الى 26]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)
24 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ :
لِما يُحْيِيكُمْ من علوم الديانات والشرائع ، لأن العلم حياة والجهل موت.
وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ أي مرد الأمور كلها اليه.
25 - وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
:
فِتْنَةً عذابا.
لا تُصِيبَنَّ جواب للأمر ، أي ان أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة ، ولكنها تعمكم.
و يصح أن تكون نهيا بعد أمر ، فكأنه قيل : واحذروا ذنبا أو عقابا ، ثم قيل : لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذنب ووباله من ظلم منكم خاصة.
ويجوز أن تكون صفة لقوله فِتْنَةً على إرادة القول ، كأنه قيل : واتقوا فتنة مقولا فيها : لا تصيبن.
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ من ، للتبعيض ، أو للتبيين.
26 - وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ :
إِذْ أَنْتُمْ إذ ، مفعول به مذكور لا ظرف ، أي اذكروا وقت كونكم أقلة أذلة مستضعفين.

(1/4274)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 556
فِي الْأَرْضِ أرض مكة قبل الهجرة تستضعفكم قريش.
تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ لأن الناس كانوا جميعا لهم أعداء.
فَآواكُمْ الى المدينة.
وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ بمظاهرة الأنصار ، وبامداد الملائكة يوم بدر.
وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ من الغنائم.
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إرادة أن تشكروا هذه النعم.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 27 الى 29]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
27 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ :
لا تَخُونُوا اللَّهَ فتعطلوا فرائضه.
وَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وآله وسلم فلا تستنوا به.
أَماناتِكُمْ فيما بينكم بأن لا تحفظوها.
وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ تبعة ذلك ووباله. أو وأنتم تعلمون أنكم تخونون.
28 - وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
:
فِتْنَةٌ
محنة من اللّه ليبلوكم كيف تحافظون فيهم على حدوده.
أو أنهم سبب الوقوع فى الفتنة ، وهى الإثم أو العذاب.
وَ أَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
ترغيب فى ثواب اللّه ، وتزهيد لهم فى متاع الحياة من مال وولد.
29 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ :
فُرْقاناً نصرا ، لأنه يفرق بين الحق والباطل ، وبين الكفر بإذلال حزبه ، والإسلام بإعزاز أهله.

(1/4275)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 557
أو مخرجا من الشبهات وتوفيقا.
أو تفرقة بينكم وبين غيركم ، وفضلا ومزية فى الدنيا والآخرة.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 30 الى 33]
وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32) وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)
30 - وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ :
لِيُثْبِتُوكَ ليسجنوك ، أو يوثقوك ، أو يثخنوك بالضرب والجرح.
وَ يَمْكُرُونَ ويخفون المكايد له.
وَ يَمْكُرُ اللَّهُ ويخفى اللّه ما أعد لهم حتى تأتيهم بغتة.
وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ أي مكره أنفذ من مكر غيره وأبلغ تأثيرا.
31 - وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ :
أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ما سطره الأولون من قصص.
32 - وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ :
إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ أي ان كان القرآن.
فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ فعاقبنا على إنكاره بالسجيل كما فعلت بأصحاب الفيل.
أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ أو بعذاب آخر أشد ايلاما.
والمراد نفى كونه حقا ، وإذا انتفى كونه حقا لم يستوجب منكره عذابا ، فكان تعليق العذاب بكونه حقا مع اعتقاده أنه ليس بحق ، كتعليقه بالمحال.
33 - وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ :

(1/4276)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 558
وَ أَنْتَ فِيهِمْ راجيا استجابتهم.
وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ أي وفيهم من يستغفر.
وقيل : وهم يستغفرون فى موضع الحال. والمعنى : نفى الاستغفار عنهم ، أي ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 34 الى 35]
وَ ما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)
34 - وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ :
وَ ما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ أي : وأي شىء لهم فى انتفاء العذاب عنهم. يعنى : لاحظ لهم فى ذلك وهم معذبون لا محالة.
وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي كيف لا يعذبون وحالهم أنهم يصدون عن المسجد الحرام ، كما صدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم عام الحديبية.
وَ ما كانُوا أَوْلِياءَهُ وما استحقوا مع اشراكهم وعداوتهم للدين أن يكونوا ولاة أمره وأربابه.
إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ من المسلمين ، ليس كل مسلم أيضا ممن يصلح لأن يلى أمره ، انما يستأهل ولايته من كان برا تقيا ، فكيف بالكفرة عبدة الأصنام.
وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ كأنه استثنى من كان يعلم وهو يعاند ويطلب الرياسة. أو أراد بالأكثر الجميع ، كما يراد بالقلة العدم.
35 - وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ :
إِلَّا مُكاءً الا صفيرا.
وَ تَصْدِيَةً وتصفيفا.

(1/4277)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 559
و ذلك أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة ، الرجال والنساء ، وهم مشبكون بين أصابعهم ، يصفرون فيها ويصفقون.
فَذُوقُوا الْعَذابَ عذاب القتل والأسر يوم بدر.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 36 الى 37]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (37)
36 - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ :
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ قيل نزلت فى المطعمين يوم بدر ، كان الواحد منهم يطعم كل يوم عشر جزائر.
وقيل : قالوا لكل من كانت له تجارة فى العير : أعينوا بهذا المال على حرب محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، لعلنا ندرك منه ثأرنا بما أصيب منا ببدر.
وقيل : نزلت فى أبى سفيان ، وقد استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش ، سوى من استجاش من العرب وأنفق عليهم الكثير.
لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي كان غرضهم فى الانفاق الصد عن أتباع محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وهو سبيل اللّه ، وان لم يكن عندهم كذلك.
ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً أي تكون عاقبة إنفاقها ندما وحسرة ، فكأن ذاتها تصير ندما وتنقلب حسرة.
ثُمَّ يُغْلَبُونَ آخر الأمر.
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا والكافرون منهم ، لأن منهم من أسلم وحسن إسلامه.
37 - لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ :
الْخَبِيثَ الفريق الخبيث من الكفار.
مِنَ الطَّيِّبِ من الفريق الطيب من المؤمنين.

(1/4278)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 560
وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ فيجعل الفريق الخبيث.
بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ عبارة عن الجمع والضم.
فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً حتى يتراكبوا لفرط ازدحامهم.
أُولئِكَ اشارة الى الفريق الخبيث.
وقيل : ليميز المال الخبيث الذي أنفقه المشركون فى عداوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، من المال الطيب الذي أنفقه المسلمون ، كأبى بكر وعثمان ، فى نصرته ، فيجعله فى جهنم فى جملة ما يعذبون به.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 38 الى 39]
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)
38 - قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ :
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا أي قل لأجل هذا القول ، وهو : ان ينتهوا ، ولو كان بمعنى خاطبهم به لقيل : ان تنتهوا.
يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ لهم من العداوة.
وَ إِنْ يَعُودُوا لقتاله.
فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ منهم الذين حاق بهم مكروه يوم بدر.
أو قد مضت سنة الذين تحزبوا على أنبيائهم من الأمم فدمروا.
فليتوقعوا مثل ذلك ان لم يفقهوا.
وقيل : معناه : ان الكفار إذا انتهوا عن الكفر وأسلموا غفر لهم ما قد سلف لهم من الكفر والمعاصي.
وَ إِنْ يَعُودُوا بالارتداد.
39 - وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ :

(1/4279)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 561
حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ الى أن لا يوجد فيهم شرك قط.
وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ويبقى دين الإسلام وحده.
فَإِنِ انْتَهَوْا عن الكفر وأسلموا.
فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يثيبهم على توبتهم وإسلامهم.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 40 الى 41]
وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)
40 - وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ :
وَ إِنْ تَوَلَّوْا ولم ينتهوا.
فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ ناصركم ومعينكم ، فثقوا بولايته ونصرته.
41 - وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :
أَنَّما غَنِمْتُمْ ما ، موصولة.
مِنْ شَيْءٍ بيانه.
فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ مبتدأ خبره محذوف ، تقديره : فحق ، أو فواجب أن للّه خمسه ، أي من حق الخمس أن يكون متقربا به إليه لا غير.
وَ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وآله وسلم منفعة فى مصالح المسلمين.
وَ لِذِي الْقُرْبى من قرابة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وَ الْيَتامى من أطفال المسلمين الذين مات آباؤهم وهم فقراء.
وَ الْمَساكِينِ وهم ذوو الحاجة من المسلمين.
وَ ابْنِ السَّبِيلِ وهو المنقطع فى سفره المباح.
إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ حقا.

(1/4280)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 562
وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا أي وآمنتم بما أنزلنا على عبدنا محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم من آيات التثبيت والمدد.
يَوْمَ الْفُرْقانِ الذي فرقنا فيه بين الكفر والإيمان ، وهو اليوم الذي التقى فيه جمعكم وجمع الكافرين ببدر.
[سورة الأنفال (8) : آية 42]
إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)
42 - إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ :
إِذْ بدل من يوم الفرقان.
بِالْعُدْوَةِ بشط الوادي.
وَ الرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعنى الركب الأربعين الذين كانوا يقودون العير أسفل منكم بالساحل.
وَ لَوْ تَواعَدْتُمْ أنتم وأهل مكة وتواضعتم بينكم على موعد تلتقون فيه للقتال.
لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ فخالف بعضكم بعضا فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد وثبطهم ما فى قلوبهم من تهيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم والمسلمين ، فلم يتفق لكم من التلاقي فيما وفقه اللّه وسبب له.
لِيَقْضِيَ متعلق بمحذوف ، أي ليقضى أمرا كان واجبا أن يفعل ، وهو نصر أوليائه وقهر أعدائه ، دبر ذلك.
لِيَهْلِكَ بدل منه. واستعير الهلاك والحياة للكفر والإسلام.
عَنْ بَيِّنَةٍ أي ليصدر كفر من كفر عن وضوح بينة ، لا عن مخالجة شبهة ، حتى لا تبقى له على اللّه حجة ويصدر اسلام من أسلم أيضا عن يقين بأنه دين الحق الذي يجب الدخول فيه والتمسك به.

(1/4281)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 563
لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ يعلم كيف يدبر أموركم ويسوى مصالحكم.
أو لسميع عليم بكفر من كفر وعقابه ، وبايمان من آمن وثوابه.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 43 الى 44]
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)
43 - إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ :
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ إذ ، نصب بإضمار : اذكر.
أو هو بدل ثان من يَوْمَ الْفُرْقانِ.
أو متعلق بقوله لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ أي يعلم المصالح إذ يقللهم فى عينك.
فِي مَنامِكَ فى رؤياك.
لَفَشِلْتُمْ لجبنتم وهبتم الإقدام.
وَ لَتَنازَعْتُمْ فى الرأى ، وتفرقت فيما تصنعون كلمتكم ، وترجحتم بين الثبات والفرار.
وَ لكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ أي عصم وأنعم بالسلامة من الفشل والتنازع.
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ يعلم ما سيكون من الجراءة والجبن والصبر والجزع.
44 - وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ :
وَ إِذْ يُرِيكُمُوهُمْ الضميران مفعولان ، والمعنى : وإذ يبصركم إياهم.
قَلِيلًا نصب على الحال.
وَ يُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ حتى قال قائل منهم : انما هم أكلة جزور.
والغرض فى تقليل الكفار فى أعين المؤمنين ظاهر ، أما الغرض فى

(1/4282)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 564
تقليل المؤمنين فى أعين الكفار ، فهذا كان قبل اللقاء ، ثم كثرهم فيها بعده ، ليجترئوا عليهم أولا قلة مبالاة بهم ثم تفجؤهم الكثرة ليبهتوا ويهابوا.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 47]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)
45 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ :
إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً إذا حاربتم جماعة من الكفار. وترك وصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون الا الكفار.
فَاثْبُتُوا لقتالهم ولا تفروا.
وَ اذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً فى موطن الحرب مستظهرين بذكره مستنصرين به.
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ لعلكم تظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة.
46 - وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ :
فَتَفْشَلُوا منصوب بإضمار (أن) أو مجزوم لدخوله فى حكم النهى.
وَ تَذْهَبَ بالنصب. وقرىء : ويذهب ، بالياء والجزم.
رِيحُكُمْ الريح : الدولة ، شبهت فى نفوذ أمرها وتمشيه بالريح وهبوبها.
47 - وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ :
كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ يعنى أهل مكة حين خرجوا لحماية العير ، فأتاهم رسول أبى سفيان ، وهم بالجحفة : أن ارجعوا ، فقد سلمت العير ، فأبى أبو جهل وقال : حتى نقدم بدرا فنشرب بها الخمور ،

(1/4283)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 565
و تعزف علينا القيان ، ونطعم من حضرنا بها من العرب ، فذلك بطرهم ورئاؤهم الناس.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 48 الى 50]
وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (50)
48 - وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ :
وَ إِذْ واذكر إذ.
أَعْمالَهُمْ التي عملوها فى معاداة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، ووسوس إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون.
فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ فلما تلاقى الفريقان.
نَكَصَعَلى عَقِبَيْهِ
نكص الشيطان.
وَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ وتبرأ منهم.
49 - إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :
إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ بالمدينة.
وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يجوز أن يكون من صفة (المنافقين) ، وأن يراد الذين على حرف ليسوا بثابتى الأقدام فى الإسلام. وقيل :
هم المشركون.
غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ يعنون أن المسلمين اغتروا بدينهم ، وأنهم يتقون وينصرون من أجله ، فخرجوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشر الى زهاء ألف.
فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ غالب يسلط القليل الضعيف على الكثير القوى.
50 - وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ :

(1/4284)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 566
وَ لَوْ تَرى ولو عاينت وشاهدت ، لأن (لو) ترد المضارع الى معنى الماضي ، كما ترد (إن) الماضي الى معنى الاستقبال.
إِذْ نصب على الظرف.
الْمَلائِكَةُ فاعل الفعل يَتَوَفَّى.
يَضْرِبُونَ فى محل نصب حال.
ويجوز أن يكون فى يَتَوَفَّى ضمير اللّه عز وجل. والملائكة ، مرفوعة بالابتداء. ويضربون ، خبر.
وَ أَدْبارَهُمْ وأستاههم.
وَ ذُوقُوا معطوف على يَضْرِبُونَ على إرادة القول ، أي ويقولون ذوقوا عذاب الحريق.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 51 الى 52]
ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (52)
51 - ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ :
ذلِكَ رفع بالابتداء.
بِما قَدَّمَتْ خبر المبتدأ.
وَ أَنَّ اللَّهَ عطف على الخبر.
أي ذلك العذاب بسببين :
بسبب كفركم ومعاصيكم.
وأن اللّه ليس بظلام للعبيد.
لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ظلام ، للتكثير.
52 - كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ :
كَدَأْبِ فى محل الرفع ، أي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون.
ودأبهم : عادتهم وعملهم الذي دأبوا فيه ، أي داوموا عليه وواظبوا.
كَفَرُوا تفسير لدأب آل فرعون.

(1/4285)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 567
[سورة الأنفال (8) : الآيات 53 الى 57]
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (54) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57)
53 - ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ :
ذلِكَ اشارة الى ما حل بهم ، يعنى ذلك العذاب.
حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ما بهم من الحال.
وَ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لما يقول مكذبو الرسل.
عَلِيمٌ بما يفعلون.
54 - كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ :
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ تكرير للتأكيد.
كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق.
وَ كُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ وكلهم كانوا ظالمين أنفسهم بالكفر والمعاصي.
55 - إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ :
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ ما يدب على وجه الأرض.
عِنْدَ اللَّهِ فى حكمه وعدله.
الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي أصروا على الكفر ولجوا فيه فلا يتوقع منهم ايمان.
56 - الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ :
الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ بدل من الَّذِينَ كَفَرُوا أي الذين عاهدتهم من الذين كفروا ، جعلهم شر الدواب ، لأن شر الناس الكفار ، وشر الكفار المصرون منهم ، وشر المصرين الناكثون للعهود.
وَ هُمْ لا يَتَّقُونَ لا يخافون عاقبة الغدر ، ولا يبالون ما فيه من العار.
57 - فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ :

(1/4286)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 568
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فإما تصادفنهم وتظفر بهم.
فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ففرق عن محاربتك ومناصبتك بقتلهم ، من وراءهم من الكفرة ، حتى لا يجسر عليك بعدهم أحد ، اعتبارا بهم واتعاظا بحالهم.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 58 الى 60]
وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60)
58 - وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ :
وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ معاهدين.
خِيانَةً نكثا بأمارات تلوح لك.
فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ فاطرح إليهم العهد.
عَلى سَواءٍ على طريق مستو قصد.
وذلك أن تظهر لهم نبذ العهد وتخبرهم إخبارا مكشوفا بينا أنك قطعت ما بينك وبينهم ، ولا تناجزهم الحرب ، وهم على توهم بقاء العهد ، فيكون ذلك خيانة منك.
إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ فلا يكن منك نكث العهد.
59 - وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ :
سَبَقُوا أفلتوا وفاتوا من أن يظفر بهم.
إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ انهم لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم.
60 - وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ :
مِنْ قُوَّةٍ من كل ما يتقوى به فى الحرب من عددها.
وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تخصيصا للخيل من بين ما يتقوى به ، لما كان لها من شأن فى الحرب.

(1/4287)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 569
تُرْهِبُونَ تخيفون.
بِهِ الضمير الى قوله مَا اسْتَطَعْتُمْ.
عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ هم أهل مكة.
وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ هم اليهود ، وقيل : المنافقون.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 65]
وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65)
61 - وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ :
لِلسَّلْمِ السلم ، نقيض الحرب.
وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ولا تخف من إبطانهم المكر فى جنوحهم الى السلم ، فان اللّه كافيك وعاصمك من مكرهم وخديعتهم.
62 - وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ :
فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ فإن محسبك اللّه وكافيك أمرهم.
63 - وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :
وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ جمعهم على الإسلام ، وأصبحوا يرمون عن قوس واحدة.
64 - يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ :
وَ مَنِ اتَّبَعَكَ الواو بمعنى : مع ، وما بعده منصوب ، والمعنى :
كفاك وكفى أتباعك من المؤمنين اللّه ناصرا.
أو يكون فى محل الرفع ، أي كفاك اللّه وكفاك المؤمنون.
65 - يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ :

(1/4288)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 570
حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ التحريض : المبالغة فى الحث على الأمر.
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ أي بسبب أن الكفار قوم جهلة يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب فيقل ثباتهم ، ولا يعدمون لجهلهم باللّه نصرته ، خلاف من يقاتل على بصيرة ومعه ما يستوجب به النصر من اللّه تعالى.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 66 الى 68]
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (68)
66 - الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ :
وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً يقتضى التيسير عليكم.
فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ مجاهد.
وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ بنصره وتأييده.
67 - ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :
ما كانَ ما صح له وما استقام.
عَرَضَ الدُّنْيا حطامها.
وَ اللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ يعنى ما هو سبب الجنة من إعزاز الإسلام.
وَ اللَّهُ عَزِيزٌ يقلب أولياءه على أعدائه ويتمكنون منهم قتلا وأسرا ويطلق لهم الفداء.
حَكِيمٌ يؤخر ذلك الى أن يكثروا ويعزوا.
68 - لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ :
لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لو لا حكم منه سبق إثباته فى اللوح ، وهو أنه لا يعاقب أحد بخطأ ، وكان هذا خطأ فى الاجتهاد ، لأنّهم نظروا فى أن استبقاء أسرى بدر ربما كان سببا فى إسلامهم وتوبتهم ، وأن

(1/4289)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 571
فداءهم يتقوى به على الجهاد فى سبيل اللّه ، وخفى عليهم أن قتلهم أعز للاسلام وأهيب لمن وراءهم وأفل لشوكتهم.
وقيل : كتابه : أنه سيحل لهم الفدية التي أخذوها.
وقيل : ان أهل بدر مغفور لهم.
وقيل : انه لا يعذب قوما الا بعد تأكيد الحجة وتقديم النهى ، ولم يتقدم نهى عن ذلك.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 69 الى 71]
فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)
69 - فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
فَكُلُوا الفاء للتسبيب والسبب محذوف. ومعناه : قد أبحث لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم.
حَلالًا نصب على الحال من المغنوم ، أو صفة للمصدر ، أي أكلا حلالا.
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي انكم إذا اتقيتموه بعد ما فرط منكم من استباحة الفداء قبل أن يؤذن لكم فيه ، غفر لكم ورحمكم وتاب عليكم.
70 - يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
فِي أَيْدِيكُمْ فى ملكتكم ، كأن أيديكم قابضة عليهم.
فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً خلوص ايمان وصحة نية.
يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ من الفداء ، اما أن يخلفكم فى الدنيا أضعافه أو يثيبكم فى الآخرة.
71 - وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ :
وَ إِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ نكث ما بايعوك عليه من الإسلام والردة واستجاب دين آبائهم.

(1/4290)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 572
فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فى كفرهم به ونقض ما أخذ على كل عاقل من ميثاقه.
فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ كما رأيتهم يوم بدر فسيمكن منهم ان أعادوا الخيانة.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 73]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73)
72 - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ :
وَ هاجَرُوا وفارقوا أوطانهم وقومهم حبا للّه ورسوله ، وهم المهاجرون.
وَ الَّذِينَ آوَوْا الى ديارهم.
وَ نَصَرُوا ونصروهم على أعدائهم ، وهم الأنصار.
بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أي يتولى بعضهم بعضا فى الميراث. وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة والنصرة دون ذوى القرابات حتى نسخ ذلك بعد.
فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ فواجب عليكم أن تنصروهم على المشركين.
إِلَّا عَلى قَوْمٍ منهم.
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عهد ، فانه لا يجوز لكم نصرهم لأنهم لا يبتدئون القتال ، إذا الميثاق مانع من ذلك.
73 - وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ :
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ظاهره اثبات الموالاة بينهم.

(1/4291)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 573
و معناه : نهى المسلمين عن موالاة الذين كفروا وموارثتهم وإيجاب مباعدتهم ومصارمتهم وان كانوا أقرب.
إِلَّا تَفْعَلُوهُ أي إلا تفعلوا ما أمرتكم به من تواصل المسلمين وتولى بعضهم بعضا حتى فى التوارث ، تفضيلا لنسبة الإسلام على نسبة القرابة ، ولم تقطعوا العلائق بينكم وبين الكفار ، ولم تجعلوا قرابتهم كلا قرابة.
تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ تحصل فتنة فى الأرض.
وَ فَسادٌ كَبِيرٌ ومفسدة عظيمة ، لأن المسلمين ما لم يصيروا يدا واحدة على الشرك ، كان الشرك ظاهرا والفساد زائدا.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 74 الى 75]
وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
74 - وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ :
أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لأنهم صدقوا ايمانهم وحققوه بتحصيل مقتضياته من هجرة الوطن ومفارقة الأهل والانسلاخ من المال لأجل الدين.
وليس بتكرار ، لأن هذه الآية واردة للثناء عليهم والشهادة لهم ، مع الوعد الكريم ، والأولى للأمر بالتواصل.
75 - وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ :
وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ يريد اللاحقين بعد السابقين للهجرة.
وَ أُولُوا الْأَرْحامِ أولوا القرابات.
بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ أولى بالتوارث.
فِي كِتابِ اللَّهِ تعالى فى حكمه وقسمته ، وقيل فى القرآن ، وهو آية المواريث.

(1/4292)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 5
الجزء العاشر
تتمة الباب الرابع عشر تفسير القران الكريم
(9) سورة التوبة
[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 3]
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3)
1 - بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ :
بَراءَةٌ خبر مبتدأ محذوف ، أي هذه براءة.
مِنَ لابتداء الغاية ، متعلق بمحذوف وليس بصلة : هذه براءة واصلة من اللّه ورسوله الى الذين عاهدتم.
ويجوز أن تكون بَراءَةٌ مبتدأ لتخصيصها بصفتها ، والخبر إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ.
والمعنى : أن اللّه ورسوله قد برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين ، وأنه منبوذ إليهم.
2 - فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ :
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أي تنقلوا فى الأرض.
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مدة الأمان ، وهى شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم.
وقيل هى عشرون من ذى الحجة ، والمحرم ، وصفر ، وشهر ربيع الأول ، وعشر من ربيع الآخر ، وكانت حرما ، لأنهم أومنوا فيها وحرم قتلهم وقتالهم.
3 - وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ :
وَ أَذانٌ خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا أذان ، أو هو مبتدأ لتخصيصه بصفته ، والجملة معطوفة على مثلها.

(1/4293)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 6
و الأذان : الإيذان.
يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يوم عرفة ، وقيل : يوم النحر ، لأن فيه تمام الحج ومعظم أفعاله ، من الطواف والنحر ، والحلق ، والرمي.
ووصف الحج بالأكبر ، لأن العمرة تسمى الحج الأصغر.
أَنَّ بالفتح. وقرىء بالكسر ، لأن الأذان فى معنى القول.
وَ رَسُولِهِ عطف على المنوي فى بَرِيءٌ ، أو على محل (إن) المكسورة واسمها.
وقرىء بالنصب ، عطف على اسم (أن) ، أو لأن الواو بمعنى (مع) ، أي برىء معه منهم.
وبالجر ، على الجوار ، وقيل : على القسم.
فَإِنْ تُبْتُمْ من الكفر والفتن.
وَ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ عن التوبة.
غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ غير سابقين اللّه تعالى ولو فائتين أخذه وعقابه.
[سورة التوبة (9) : آية 4]
إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)
4 - إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ :
إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مستثنى من قوله فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ ، ولأن الكلام خطاب للمسلمين ، ومعناه : براءة من اللّه ورسوله الى الذين عاهدتم من المشركين فقولوا لهم سيحوا ، الا الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقضوا فأتموا إليهم عهدهم.
ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً لم يقتلوا منكم أحدا ولم يضروكم قط.
وقرىء : لم ينقضوكم ، بالضاد معجمة ، أي لم ينقضوا عهدكم.
وَ لَمْ يُظاهِرُوا ولم يعاونوا عليكم عدوا.
فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ فأدوه إليهم.

(1/4294)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 7
إِلى مُدَّتِهِمْ
تاما كاملا.
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ أي ان قضية التقوى أن لا يسوى بين القبيلين : الوفى والغادر ، فاتقوا اللّه فى ذلك.
[سورة التوبة (9) : الآيات 5 الى 6]
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6)
5 - فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ انقضت. والأشهر الحرم هى التي أبيح للناكثين أن يسيحوا فيها.
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ يعنى الذين نقضوكم وظاهروا عليكم.
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ من حل أو حرم.
وَ خُذُوهُمْ وأسروهم ، والأخيذ : الأسير.
وَ احْصُرُوهُمْ وقيدوهم وامنعوهم من التصرف فى البلاد.
كُلَّ مَرْصَدٍ كل ممر ومجتاز ترصدونهم به.
فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ فأطلقوا عنهم بعد الأسر والحصر ، أو فكفوا عنهم ولا تتعرضوا لهم.
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يغفر لهم ما سلف من الكفر والغدر.
6 - وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ :
أَحَدٌ مرتفع بفعل شرط مضمر يفسره الظاهر ، تقديره : وان استجارك أحد استجارك.
فَأَجِرْهُ أي ان جاء أحد من المشركين بعد انقضاء الأشهر لا عهد بينك وبينه ولا ميثاق ، فاستأمنك ليسمع ما تدعو اليه من التوحيد ويتبين ما بعثت به فأمنه.
حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ويتدبره ويطلع على حقيقة الأمر.

(1/4295)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 8
ثُمَّ أَبْلِغْهُ بعد ذلك وأره داره التي يأمن فيها ان لم يسلم ، ثم قاتله إن شئت من غير عذر ولا خيانة.
ذلِكَ أي ذلك الأمر ، يعنى بالإجارة فى قوله فَأَجِرْهُ.
بِأَنَّهُمْ بسبب أنهم.
قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ جهلة يجهلون ما الإسلام ، وما حقيقة ما تدعو اليه ، فلا بد من اعطائهم الأمان حتى يسمعوا ويفهموا الحق.
[سورة التوبة (9) : الآيات 7 الى 8]
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8)
7 - كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ :
كَيْفَ استفهام فى معنى الاستنكار والاستبعاد لأن يكون للمشركين عهد عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أي محال أن يثبت لهؤلاء عهد فلا تطمعوا فى ذلك ولا تحدثوا به نفوسكم ولا تفكروا فى قتلهم.
إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ استدراك ، أي ولكن الذين عاهدتم منهم عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ولم يظهر منهم نكث.
فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ على العهد.
فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ على مثله.
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ يعنى أن التربص بهم من أعمال المتقين.
8 - كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ :
كَيْفَ تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد ، وحذف الفعل لكونه معلوما. أي : كيف يكون لهم عهد.
وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ وحالهم أنهم ان يظهروا عليكم بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق ، لم ينظروا فى حلف ولا عهد ولم يبقوا عليكم.
لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا لا يراعون حقا ، وقيل : قرابة.

(1/4296)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 9
يُرْضُونَكُمْ كلام مبتدأ فى وصف حالهم من مخالفة الظاهر الباطن ، مقرر لاستبعاد الثبات منهم على العهد ، وإباء القلوب مخالفة ما فيها من الأضغان ، لما يجرونه على ألسنتهم من الكلام الجميل.
وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ متمردون لا مروءة تزعهم ، ولا شمائل مرضية تردعهم.
[سورة التوبة (9) : آية 9]
اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9)
9 - اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ :
اشْتَرَوْا استبدلوا.
بِآياتِ اللَّهِ بالقرآن والإسلام.
ثَمَناً قَلِيلًا وهو اتباع الأهواء والشهوات.
فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ فعدلوا عنه ، أو صرفوا غيرهم.
[سورة التوبة (9) : الآيات 10 الى 12]
لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)
10 - لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ :
هُمُ الْمُعْتَدُونَ المجاوزون الغاية فى الظلم والشرارة.
11 - فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ :
فَإِنْ تابُوا عن الكفر ونقض العهد.
فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ فهم إخوانكم ، على حذف المبتدأ.
وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ ونبينها ، وهذا اعتراض ، كأنه قيل : وان من تأمل تفصيلها فهو العالم بعثا وتحريضا على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين ، وعلى المحافظة عليها.
12 - وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ :
وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ وثلبوه وعابوه.
فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ فقاتلوهم ، فوضع أئمة الكفر موضع ضميرهم.

(1/4297)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 10
إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ أي لا اسلام لهم ، أو لا يعطون الأمان بعد الردة والنكث ولا سبيل اليه.
[سورة التوبة (9) : الآيات 13 الى 15]
أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)
13 - أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ :
أَ لا تُقاتِلُونَ الهمزة لتقرير انتفاء المقاتلة ، والمعنى : الحض عليها على سبيل المبالغة.
نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ التي حلفوها فى المعاهدة.
وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ من مكة حين تشاوروا فى أمره فى دار الندوة.
وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أي وهم الذين كانت منهم البداءة بالمقاتلة.
أَ تَخْشَوْنَهُمْ تقرير الخشية منهم وتوبيخ عليها.
فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ فتقاتلوا أعداءه.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يعنى أن قضية الايمان الصحيح ألا يخشى المؤمن إلا ربه ولا يبالى بمن سواه.
14 - قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ :
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ قتلا.
وَ يُخْزِهِمْ أسرا.
وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ طائفة من المؤمنين ، وهم بطون من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى شديدا ، فبعثوا الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، يشكون اليه ، فقال : أبشروا فإن الفرج قريب.
15 - وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ :

(1/4298)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 11
وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ لما لقوا من المكروه.
وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ ابتداء كلام ، واخبار بأن بعض أهل مكة يتوب عن كفره.
وَ اللَّهُ عَلِيمٌ يعلم ما سيكون كما يعلم ما قد كان.
حَكِيمٌ لا يفعل الا ما اقتضته الحكمة.
[سورة التوبة (9) : الآيات 16 الى 17]
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16) ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17)
16 - أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ :
أَمْ منقطعة ، ومعنى الهمزة فيها التوبيخ على وجود الحسبان.
والمعنى : أنكم لا تتركون على ما أنتم عليه ، حتى يتبين المخلص منكم ، وهم الذين جاهدوا فى سبيل اللّه لوجه اللّه.
وَ لَمَّا يَعْلَمِ معناها التوقع ، وقد دلت على أن تبين ذلك وإيضاحه متوقع كائن ، وأن الذين لم يخلصوا دينهم للّه يميز بينهم وبين المخلصين.
والمراد بنفي العلم نفى المعلوم.
وَ لَمْ يَتَّخِذُوا معطوف على جاهَدُوا داخل فى خبر الصلة ، كأنه قيل : ولما يعلم اللّه المجاهدين منكم والمخلصين غير المتخذين وليجة من دون اللّه.
وَلِيجَةً أي بطانة ، من الذين يضادون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، والمؤمنين.
17 - ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ :
ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ ما صح لهم وما استقام.
أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ أي المسجد الحرام. وقيل : مساجد ، لأنه قبلة المساجد كلها وامامها ، فعامره كعامر جميع المساجد.

(1/4299)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 12
و قيل : المراد جنس المساجد ، وإذا لم يصلحوا لأن يعمروا جنسها ، دخل تحت ذلك أن لا يعمروا المسجد الحرام الذي هو صدر الجنس ومقدمته.
شاهِدِينَ حال من الواو فى قوله أَنْ يَعْمُرُوا. والمعنى : ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين ، عمارة متعبدات اللّه ، مع الكفر باللّه وبعبادته.
ومعنى شهادتهم على أنفسهم بالكفر : ظهور كفرهم وأنهم نصبوا أصنامهم حول البيت ، وكانوا يطوفون عراة ، ويقولون : لا نطوف عليها بثياب قد أصبنا فيها المعاصي.
[سورة التوبة (9) : الآيات 18 الى 19]
إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)
18 - إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ :
إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ أي انما تستقيم عمارة هؤلاء وتكون معتدا بها. وعمارتها تناولها بما يلزم لها من صيانة وحفظ.
فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ تبعيد للمشركين عن مواقف الاهتداء.
19 - أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ :
أي لا ينبغى أن تجعلوا القائمين بسقاية الحجيج وعمارة المسجد الحرام من المشركين فى منزلة الذين آمنوا بما للّه وحده ، وصدقوا بالبعث والجزاء ، وجاهدوا فى سبيل اللّه ، ذلك أنهم ليسوا بمنزلة واحدة عند اللّه ، واللّه لا يهدى إلى طريق الخير القوم المستمرين على ظلم أنفسهم بالكفر وظلم غيرهم بالأذى المستمر.

(1/4300)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 13
[سورة التوبة (9) : الآيات 20 الى 25]
الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24)
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)
20 - الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ :
أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ من أهل السقاية والعمارة عندكم.
وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ لا أنتم والمختصون بالفوز دونكم.
21 - يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ :
أي وهؤلاء يبشرهم اللّه تعالى برحمته الواسعة التي تشملهم ، ويخصهم برضاه وهو أكبر جزاء ، وسيدخلهم يوم القيامة جنات لهم فيها نعيم قائم ثابت دائم.
22 - خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ :
و هم خالدون فى الجنة لا يتحولون عنها وان اللّه عنده أجر عظيم وثواب جزيل.
23 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ :
أَوْلِياءَ نصراء.
وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ يستنصر بهم.
24 - قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ :
فَتَرَبَّصُوا وعيد.
بِأَمْرِهِ عقوبة عاجلة وآجلة.
25 - لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ

(1/4301)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 14
كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ
:
فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ مواطن الحرب : مقاماتها ومواقفها. وكثيرة ، يعنى وقعات بدر ، وقريظة ، والنضير ، والحديبية ، وخيبر ، وفتح مكة.
وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أي وموطن يوم حنين.
إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ وزل عنكم أن اللّه هو الناصر لا كثرة الجنود.
بِما رَحُبَتْ ما ، مصدرية. والباء بمعنى : مع ، أي مع رحبها.
ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثم انهزمتم.
[سورة التوبة (9) : الآيات 26 الى 28]
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)
26 - ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ :
سَكِينَتَهُ رحمته التي سكنوا بها.
وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الذين ثبتوا مع رسوله صلّى اللّه عليه وسلم حين وقع الهرب.
وَ أَنْزَلَ جُنُوداً يعنى الملائكة.
وَ عَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالقتل والأسر.
27 - ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ أي يسلم بعد ذلك ناس منهم.
28 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ :
نَجَسٌ ذوو نجس ، لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس ، أو جعلوا كأنهم النجاسة بعينها مبالغة فى وصفهم بها.
فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ فلا يحجوا ولا يعتمروا كما كانوا يفعلون فى الجاهلية.

(1/4302)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 15
بَعْدَ عامِهِمْ هذا بعد حج عامهم هذا ، وهو عام تسع من الهجرة حين أمر أبو بكر على الموسم.
وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً أي فقرا بسبب منع المشركين من الحج.
فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ من عطائه ، أو من تفضله بوجه آخر.
إِنْ شاءَ ان أوجبت الحكمة إغناءكم ، وكان مصلحة لكم فى دينكم.
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بأحوالكم.
حَكِيمٌ لا يعطى ولا يمنع الا عن حكمة وصواب.
[سورة التوبة (9) : الآيات 29 الى 30]
قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (29) وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)
29 - قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ :
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بيان لقوله الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ مع ما فى حيزه.
عَنْ يَدٍ أي يد المعطى ، والمعنى : حتى يعطوها عن يد ، أي عن يد مواتية غير ممتنعة ، لأن من أبى وامتنع لم يعط يده ، بخلاف المطيع المنقاد.
أو يد الآخذ ، ويكون المعنى : حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية ، أي عن إنعام عليهم ، لأن قبول الجزية منهم وترك أرواحهم لهم نعمة عظيمة عليهم.
وَ هُمْ صاغِرُونَ أي تؤخذ منهم على الصغار والذل.
30 - وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ :
عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ مبتدأ وخبر.

(1/4303)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 16
الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ مبتدأ وخبر.
ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ أي قول لا يعضده برهان ، فما هو إلا لفظ يفوهون به. وقد يراد بالقول المذهب ، كأنه قيل : ذلك دينهم ومذهبهم بأفواههم لا بقلوبهم لأنه لا حجة معه ولا شبهة حتى يؤثر فى القلوب.
يُضاهِؤُنَ قَوْلَ على حذف مضاف ، أي يضاهىء قولهم قولهم ، ثم حذف المضاف وأقيم الضمير المضاف اليه مقامه ، فانقلب مرفوعا.
والمعنى : أن الذين كانوا فى عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من اليهود والنصارى يضاهى قولهم قول قدمائهم. يعنى أنه كفر قديم فيهم غير مستحدث.
قاتَلَهُمُ اللَّهُ أي هم أحقاء بأن يقال لهم هذا ، تعجبا من شناعة قولهم.
أَنَّى يُؤْفَكُونَ كيف يصرفون عن الحق؟
[سورة التوبة (9) : الآيات 31 الى 32]
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32)
31 - اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ :
أَرْباباً أطاعوهم فى الأمر بالمعاصي وتحليل ما حرم اللّه وتحريم ما أحله.
وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً أمرتهم بذلك أدلة العقل والنصوص فى الإنجيل.
سُبْحانَهُ تنزيه له عن الإشراك به واستبعاد له.
32 - يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ :
نُورَ اللَّهِ الإسلام.
مثل حالهم فى طلبهم أن يبطلوا نبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلم بالتكذيب بحال

(1/4304)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 17
من يريد أن ينفخ فى نور عظيم منبث فى الآفاق ، يريد اللّه أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى فى الاشراق أو الاضاءة ، ليطفئه بنفخه أو يطمسه.
[سورة التوبة (9) : الآيات 33 الى 35]
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمى عَ
ي ليظهر الرسول صلّى اللّه عليه وسلم.
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ على أهل الأديان كلهم ، أو ليظهر دين الحق على كل دين.
34 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ :
لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ أي ليأخذون.
وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي يضنون بها عن الانفاق فى سبيل الخير.
35 - يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ :
يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها أي تحمى النار عليها ، فلما حذفت النار ، قيل : يحمى عليها ، لانتقال الاسناد عن النار الى عَلَيْها.
هذا ما كَنَزْتُمْ على ارادة القول.
لِأَنْفُسِكُمْ أي كنزتموه لتنتفع به نفوسكم.
فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ أي وبال المال الذي كنتم تكنزونه ، أو وبال كونكم كافرين.

(1/4305)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 18
[سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 38]
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِي ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38)
36 - إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ :
فِي كِتابِ اللَّهِ فيما أثبته وأوجبه من حكمه.
أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثلاثة سرد ، وهى ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، وواحد فرد ، وهو رجب.
ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ يعنى أن تحريم الأشهر الأربعة هو الدين المستقيم ، دين ابراهيم وإسماعيل وكانت العرب قد تمسكت به وراثة منها ، وكانوا يعظمون الأشهر الحرم ويحرمون القتال فيها.
فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ فى الحرم.
أَنْفُسَكُمْ أي لا تجعلوا حرامها حلالا.
كَافَّةً حال من الفاعل ، أو المفعول.
مَعَ الْمُتَّقِينَ ناصر لهم.
37 - إِنَّمَا النَّسِي ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ :
إِنَّمَا النَّسِي ءُ تأخير حرمة الشهر الى شهر آخر.
لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ أي ليوافقوا العدة التي هى الأربعة ولا يخالفوها.
فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ فيحلوا بمواطأة العدة وحدها من غير تخصيص ما حرم اللّه من القتال أو من ترك الاختصاص للأشهر بعينها.
زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ خذلهم اللّه فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة.
38 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ :

(1/4306)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 19
اثَّاقَلْتُمْ تثاقلتم ، أي تباطأتم وتقاعستم.
مِنَ الْآخِرَةِ أي بدل الآخرة.
فِي الْآخِرَةِ فى جنب الآخرة.
[سورة التوبة (9) : الآيات 39 الى 40]
إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
39 - إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :
إِلَّا تَنْفِرُوا ان لم تستجيبوا للرسول فتخرجوا للجهاد فى سبيل اللّه.
أَلِيماً موجعا.
وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ويستبدل بكم قوما آخرين يستجيبون للرسول ولا يتخلفون عن الجهاد.
وَ لا تَضُرُّوهُ شَيْئاً ولا تضرون اللّه بهذا التخلف شيئا.
40 - إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :
فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ أي إلا تنصروه فسينصره من نصره حين لم يكن معه الا رجل واحد ، ولا أقل من الواحد ، أو أنه أوجب له النصر وجعله منصورا فى ذلك الوقت فلن يخذل من بعده.
إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أسند الإخراج الى الكفار لأنهم حين هموا بإخراجه أذن له فى الخروج فكأنهم أخرجوه.
ثانِيَ اثْنَيْنِ أحد اثنين.
إِذْ هُما بدل من إِذْ أَخْرَجَهُ.
فِي الْغارِ ثقب فى أعلى ثور ، وهو جبل فى يمين مكة على مسيرة ساعة.

(1/4307)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 20
إِذْ يَقُولُ بدل ثان.
سَكِينَتَهُ ما ألقى فى قلبه من الأمنة التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون اليه.
بِجُنُودٍ الملائكة يوم بدر.
كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا دعوتهم الى الكفر.
كَلِمَةُ اللَّهِ دعوته الى الإسلام.
هِيَ فصل ، أو مبتدأ ، وفيها تأكيد فضل كلمة اللّه فى العلو ، وأنها المختصة به دون سائر الكلم.
[سورة التوبة (9) : الآيات 41 الى 42]
انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42)
41 - انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ :
خِفافاً وَثِقالًا خفافا فى النفور لنشاطكم له ، وثقالا عنه لمشقته عليكم.
وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ إيجاب للجهاد بهما ان أمكن ، أو بأحدهما على حسب الحال والحاجة.
42 - لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ :
عَرَضاً العرض : ما عرض لك من منافع الدنيا.
وَ سَفَراً قاصِداً وسطا مقاربا.
الشُّقَّةُ المسافة الشاطة الشاقة.
يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بدل من سَيَحْلِفُونَ ، أو حال بمعنى : مهلكين.
والمعنى : أنهم يوقعونها فى الهلاك بحلفهم الكاذب ، وما يحلفون عليه من التخلف.

(1/4308)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 21
و يحتمل أن يكون حالا من قوله لَخَرَجْنا أي لخرجنا معكم وان أهلكنا أنفسنا وألقيناها فى التهلكة بما نحملها من المسير فى تلك المشقة.
وجاء به على لفظ الغائب لأنه مخبر عنهم.
[سورة التوبة (9) : الآيات 43 الى 46]
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (46)
43 - عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ :
لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ بيان لما كنى عنه بالعفو. والمعنى : مالك أذنت لهم فى القعود عن الغزو حين استأذنوك واعتلوا لك بعللهم.
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ وهلا استأنيت بالإذن حتى يتبين لك من صدق فى عذره ممن كذب فيه.
44 - لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ :
لا يَسْتَأْذِنُكَ ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنك فى أن يجاهدوا ، وكان الخلص من المهاجرين والأنصار يقولون : لا نستأذن النبي أبدا ، ولنجاهدن أبدا معه بأموالنا وأنفسنا.
أَنْ يُجاهِدُوا فى أن يجاهدوا ، أو كراهة أن يجاهدوا.
وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ شهادة لهم بالانتظام فى زمرة المتقين ، وعدة لهم بأجزل الثواب.
45 - إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ :
إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ يعنى المنافقين.
يَتَرَدَّدُونَ أي يتحيرون.
46 - وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ :
وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ ولو صدقت نية هؤلاء المنافقين.

(1/4309)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 22
لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً لأخذوا أهبة الحرب واستعدوا لها.
وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ ولكن كره اللّه خروجهم لعلمه أنهم لو خرجوا معكم لكانوا عليكم لا لكم.
فَثَبَّطَهُمْ فعوقهم عن الخروج بما امتلأت به قلوبهم من النفاق.
وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ وقال قائلهم : اقعدوا مع القاعدين من أصحاب المعاذير.
[سورة التوبة (9) : الآيات 47 الى 49]
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (48) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49)
47 - لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ :
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ولو خرجوا معكم إلى الجهاد.
ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا ما زادوكم بخروجهم قوة.
وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ولكن يشيعون الاضطراب أو يسرعون إلى الفتنة ويشيعونها فيما بينكم.
وَ فِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وفيكم من يجهل خبث نياتهم ويمكن أن يخدع بكلامهم ، أو لضعفه يسمع دعوتهم الى الفتنة.
وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ واللّه عليم بهؤلاء المنافقين الذين يظلمون أنفسهم بما أضمروه من الفساد.
48 - لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ :
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ أي العنت ونصب الغوائل.
مِنْ قَبْلُ من قبل غزوة تبوك.
وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ودبروا لك الحيل والمكايد.
حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وهو تأييدك ونصرك.
وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وغلب دينه وعلا شرعه.
49 - وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ :

(1/4310)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 23
ائْذَنْ لِي فى القعود.
وَ لا تَفْتِنِّي ولا توقعنى فى الفتنة ، وهى الإثم ، بأن لا تأذن لى ، فإنى ان تخلفت بغير إذنك أثمت.
أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا أي ان الفتنة التي سقطوا فيها ، وهى فتنة التخلف.
لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ أي انها تحيط بهم يوم القيامة.
[سورة التوبة (9) : الآيات 50 الى 51]
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)
50 - إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ :
إِنْ تُصِبْكَ فى بعض الغزوات.
حَسَنَةٌ ظفر وغنيمة.
وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ نكبة وشدة ، نحو ما جرى يوم أحد.
يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا أي أمرنا الذي نحن منتسمون به من الحذر والتيقظ والعمل بالحزم.
مِنْ قَبْلُ من قبل ما وقع.
وَ يَتَوَلَّوْا عن مقام التحدث بذلك والاجتماع له الى أهاليهم ، أو أعرضوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم.
وَ هُمْ فَرِحُونَ مسرورون.
51 - قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ :
إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا مفيدة معنى الاختصاص ، كأنه قيل : لن يصيبنا الا ما اختصنا اللّه به بإثباته وإيجابه من النصرة عليكم أو الشهادة.
هُوَ مَوْلانا أي الذي يتولانا ونتولاه.
وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وحق المؤمنين ألا يتوكلوا على غير اللّه ، فليفعلوا ما هو حقهم.

(1/4311)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 24
[سورة التوبة (9) : الآيات 52 الى 55]
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (53) وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ (54) فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (55)
52 - قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ :
إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ الا بإحدى العاقبتين اللتين كل واحدة منهما هى حسن العواقب ، وهما النصرة والشهادة.
وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ احدى السوأتين من العواقب.
أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ اما قارعة من السماء كما نزلت على عاد وثمود.
أَوْ بِأَيْدِينا أو بعذاب بأيدينا ، وهو القتل على الكفر.
فَتَرَبَّصُوا بنا ما ذكرناه من عواقبنا.
إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ما هو عاقبتكم ، فلا بد أن يلقى كلنا ما يتربصه لا يتجاوزه.
53 - قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ :
أَنْفِقُوا يعنى فى سبيل اللّه ووجوه البر ، وهو أمر فى معنى الخبر.
طَوْعاً أَوْ كَرْهاً نصب على الحال ، أي طائعين أو مكرهين.
لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ أي لن يتقبل منكم أنفقتم طوعا أو كرها.
إِنَّكُمْ تعليل لرد انفاقهم.
فاسِقِينَ الفسق : التمرد والعتو.
54 - وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ :
أَنَّهُمْ فاعل مَنَعَهُمْ.
55 - فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ :
وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ ويدركهم الموت.

(1/4312)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 25
[سورة التوبة (9) : الآيات 56 الى 60]
وَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)
56 - وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ :
لَمِنْكُمْ لمن جملة المسلمين.
يَفْرَقُونَ يخافون القتل وما يفعل بالمشركين فيتظاهرون بالإسلام تقية.
57 - لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ :
مَلْجَأً مكانا يلتجئون اليه متحصنين به فى الجبل.
أَوْ مَغاراتٍ سراديب.
أَوْ مُدَّخَلًا نفقا يندسون فيه وينجحرون.
وَ هُمْ يَجْمَحُونَ يسرعون اسراعا لا يرده شىء.
58 - وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ :
يَلْمِزُكَ يعيبك فى قسمة الصدقات ويطعن عليك.
59 - وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ :
وَ لَوْ أَنَّهُمْ جواب (لو) محذوف ، تقديره : ولو أنهم رضوا لكان خيرا لهم. والمعنى : ولو أنهم رضوا ما أصابهم به الرسول من الغنيمة وطابت به نفسهم وان قل نصيبهم وقالوا كفانا فضل اللّه وصنعه وحسبنا ما قسم لنا ، سيرزقنا اللّه غنيمة أخرى فيؤتينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أكثر مما أتانا اليوم.
إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ فى أن يغنمنا ويخولنا فضله لراغبون.
60 - إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ :
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ قصر لجنس الصدقات على الأصناف المعدودة وأنها مختصة بها لا تتجاوزها الى غيرها.

(1/4313)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 26
وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها السعاة الذين يقبضونها.
وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ أشراف العرب الذين كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يستألفهم على أن يسلموا فيرضخ لهم شيئا منها حين كان فى المسلمين قلة.
وَ فِي الرِّقابِ المكاتبون. وقيل : الأسارى. وقيل : تبتاع الرقاب فتعتق.
وَ الْغارِمِينَ الذين ركبتهم الديون ولا يملكون بعدها ما يبلغ النصاب.
وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فقراء الغزاة والحجيج المنقطع بهم.
وَ ابْنِ السَّبِيلِ المسافر المنقطع عن ماله.
فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ فى معنى المصدر المؤكد ، لأن قوله إِنَّمَا الصَّدَقاتُ معناه : فرض اللّه الصدقات.
وقرىء : فريضة ،
بالرفع ، أي تلك فريضة.
[سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 63]
وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)
61 - وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ :
هُوَ أُذُنٌ الأذن : الرجل الذي يصدق كل ما يسمع ، سمى بالجارحة التي هى آلة السماع.
أُذُنُ خَيْرٍ أي أذن فى الخير والحق وفيما يجب سماعه.
62 - يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ :
لَكُمْ الخطاب للمسلمين.
63 - أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ :
مَنْ يُحادِدِ المحادة ، مفاعلة من الحد وهو الغضب والإغلاظ.

(1/4314)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 27
فَأَنَّ لَهُ على حذف الخبر ، أي : فحق أن له نار جهنم. وقيل :
معناه : فله و(أن) تكرير ، لأن فى قوله أَنَّهُ تأكيدا.
ويجوز أن يكون فَأَنَّ لَهُ معطوفا على أَنَّهُ على أن جواب (من) محذوف ، تقديره : ألم يعلموا أن من يحادد اللّه ورسوله يهلك فأن له نار جهنم.
[سورة التوبة (9) : الآيات 64 الى 66]
يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66)
64 - يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ :
كان المنافقون يستهزءون فيما بينهم بالرسول صلّى اللّه عليه وسلم ، ويخشون أن يفتضح أمرهم ، فتنزل فيهم على النبي صلّى اللّه عليه وسلم آيات من القرآن تظهر ما يخفون فى قلوبهم ويسيرونه فيما بينهم ، فأمر الرسول صلّى اللّه عليه وسلم بأن يقول لهم :
استهزئوا ما شئتم فان اللّه مظهر ما تخشون ظهوره.
65 - وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ :
أَ بِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لم يعبأ باعتذارهم لأنهم كانوا كاذبين فيه ، فجعلوا كأنهم معترفون باستهزائهم ، وبأنه موجود منهم.
66 - لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ :
لا تَعْتَذِرُوا لا تشتغلوا باعتذاراتكم الكاذبة فانها لا تنفعكم بعد ظهور سركم.
قَدْ كَفَرْتُمْ قد ظهر كفركم باستهزائكم.
بَعْدَ إِيمانِكُمْ بعد إظهاركم الايمان.
إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ بإحداثهم التوبة وإخلاصهم الايمان بعد النفاق.
نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ مصرين على النفاق غير تائبين منه.

(1/4315)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 28
[سورة التوبة (9) : الآيات 67 الى 69]
الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (69)
67 - الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ :
بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أريد به نفى أن يكونوا من المؤمنين.
يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ بالكفر والمعاصي.
وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ عن الايمان والطاعات.
وَ يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ شحا بالإنفاق فى سبيل اللّه.
نَسُوا اللَّهَ أغفلوا ذكره.
فَنَسِيَهُمْ فتركهم من رحمته وفضله.
هُمُ الْفاسِقُونَ هم الكاملون فى الفسق.
68 - وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ :
خالِدِينَ فِيها مقدرين الخلود.
هِيَ حَسْبُهُمْ دلالة على عظم عذابها.
وَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وجعلهم من المذمومين.
وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ دائم.
69 - كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ :
كَالَّذِي الكاف ، محلها رفع ، على : أنتم مثل الذين من قبلكم ، أو نصب ، على : فعلتم مثل ما فعل الذين من قبلكم وهو أنكم استمتعتم وخضتم كما استمتعوا وخاضوا.
كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً تفسير لتشبيههم بهم ، وتمثيل فعلهم بفعلهم.

(1/4316)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 29
فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ الخلاق : النصيب ، وهو ما خلق للإنسان ، أي قدر من خير.
وَ خُضْتُمْ الخوض : الدخول فى الباطل واللهو.
كَالَّذِي خاضُوا كالخوض الذي خاضوه.
[سورة التوبة (9) : الآيات 70 الى 72]
أَ لَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
70 - أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ :
وَ أَصْحابِ مَدْيَنَ وأهل مدين ، وهم قوم شعيب.
وَ الْمُؤْتَفِكاتِ مدائن قوم لوط. وقيل : قريات قوم لوط وهود وصالح. وائتفاكهن : انقلاب أحوالهن عن الخير الى الشر.
فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ فما صح منه أن يظلمهم وهو حكيم لا يجوز عليه القبيح ، ولكن ظلموا أنفسهم حيث كفروا به فاستحقوا عقابه.
71 - وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :
بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ فى مقابلة قوله فى المنافقين بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.
سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة ، فهى تؤكد الوعد.
عَزِيزٌ غالب على كل شىء قادر عليه ، فهو يقدر على الثواب والعقاب.
حَكِيمٌ واضع كلا موضعه على حسب الاستحقاق.
72 - وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ

(1/4317)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 30
خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
:
وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً تطيب بها نفوسهم.
عَدْنٍ اقامة وخلود.
وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ وشىء من رضوان اللّه أكبر من ذلك.
ذلِكَ اشارة الى ما وعد اللّه ، أو الى الرضوان.
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وحده دون ما يعده الناس فوزا.
[سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 75]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
73 - يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ :
جاهِدِ الْكُفَّارَ بالحجة.
وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ واشتد عليهم.
74 - يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ :
وَ ما نَقَمُوا وما أنكروا وما عابوا.
إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وذلك أنهم كانوا حين قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم المدينة فى ضنك من العيش فأثروا بالغنائم.
فَإِنْ يَتُوبُوا اشارة الى ما كان من الجلاس حين قتل له مولى
فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بديته اثنى عشر ألفا فاستغنى الجلاس.
75 - وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ :
وَ مِنْهُمْ ومن المنافقين.
مَنْ عاهَدَ اللَّهَ من أقسم باللّه وعاهده.
لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لئن آتاهم اللّه مالا وغناهم من فضله.

(1/4318)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 31
مِنَ الصَّالِحِينَ فى أعمالهم.
[سورة التوبة (9) : الآيات 76 الى 80]
فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (78) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80)
76 -
فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ :
نزلت فى ثعلبة بن حاطب وكان قد سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن يدعوا له اللّه أن يرزقه مالا فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه فراجعه ثعلبة وقال : والذي بعثني بالحق لئن رزقنى اللّه مالا لأعطين كل ذى حق حقه ، فدعا له فاتخذ غنما فنمت حتى ضاقت بها المدينة. وبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم مصدقين لأخذ الصدقات ، ومرا بثعلبة فسألاه الصدقة ، فقال : ما هذه الا أخت الجزية ، وقال : ارجعا حتى أرى رأيى ، فلما رجعا قال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قبل أن يكلماه : يا ويح ثعلبة. فنزلت الآية.
77 - فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ :
فَأَعْقَبَهُمْ الضمير للبخل ، أي فأورثهم البخل نفاقا متمكنا فى قلوبهم.
78 - أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ :
سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ ما أسروه من النفاق والعزم على اخلاف ما وعدوه وما يتناجون به من المطاعن فى الدين ، وتسمية الصدقة جزية.
79 - الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ :
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ محل النصب أو الرفع على الذم. ويجوز أن يكون فى محل الجر بدلا من الضمير فى سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ. واللمز :
العيب.
الْمُطَّوِّعِينَ المتطوعين المتبرعين.
إِلَّا جُهْدَهُمْ الا طاقتهم.
80 - اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً

(1/4319)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 32
فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ
:
كان عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبى - وكان رجلا صالحا - سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن يستغفر لأبيه فى مرضه ففعل ، فنزلت.
وكان هذا من رأفة الرسول صلّى اللّه عليه وسلم بأمته.
[سورة التوبة (9) : الآيات 81 الى 83]
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83)
81 - فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ :
الْمُخَلَّفُونَ الذين استأذنوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من المنافقين فأذن لهم وخلفهم عن الغزو.
خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ خلفه.
قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا استجهال لهم ، لأن من تصون من مشقة ساعة توقع بسبب ذلك التصون فى مشقة الأبد ، كان أجهل من كل جاهل.
82 - فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ :
أي : فسيضحكون قليلا ويبكون كثيرا بما كانوا يكسبون ، إلا أنه أخرج على لفظ الأمر للدلالة على أنه حتم واجب لا يكون غيره.
83 - فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ :
طائِفَةٍ مِنْهُمْ لأن منهم من تاب عن النفاق وندم على التخلف أو اعتذر بعذر صحيح.
و قيل : لم يكن المخلفون كلهم منافقين ، فأراد بالطائفة : المنافقين منهم.
فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ يعنى الى غزوة بعد غزوة تبوك.
أَوَّلَ مَرَّةٍ هى الخروج الى غزوة تبوك.

(1/4320)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 33
[سورة التوبة (9) : الآيات 84 الى 89]
وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (85) وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)
84 - وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ :
وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ عند دفنه.
85 - وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ :
وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ أي يموتون.
86 - وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ :
وَ إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أي بتمامها ، أو بعضها. وقيل : هى براءة ، لأن فيها الأمر بالايمان والجهاد.
أَنْ آمِنُوا أن ، المفسرة.
أُولُوا الطَّوْلِ ذوو الفضل والسعة.
مَعَ الْقاعِدِينَ الذين لهم علة وعذر فى التخلف.
87 - رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ :
فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ما فى الجهاد من الفوز والسعادة وما فى التخلف من الشقاء والهلاك.
88 - لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ :
لكِنِ الرَّسُولُ أي ان تخلف هؤلاء فقد نهض الى الغزو من هو خير منهم وأخلص نية ومعتقدا.
الْخَيْراتُ تتناول منافع الدارين ، لاطلاق اللفظ.
89 - أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ :
(م 3 - الموسوعة القرآنية ج 10)

(1/4321)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 34
ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أي النجاح الكبير.
[سورة التوبة (9) : الآيات 90 الى 92]
وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92)
90 - وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ :
الْمُعَذِّرُونَ من عذر فى الأمر ، إذا قصر فيه وتوانى ولم يجد ، وحقيقته أنه يوهم أن له عذرا فيما يفعل ولا عذر له.
وَ قَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ منافقوا الأعراب الذين لم يجيئوا ولم يعتذروا ، وظهر بذلك أنهم كذبوا اللّه ورسوله فى ادعائهم الايمان.
سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ من الأعراب.
عَذابٌ أَلِيمٌ فى الدنيا بالقتل وفى الآخرة بالنار.
91 - لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
الضُّعَفاءِ الهرمى والزمنى.
وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ الفقراء.
حَرَجٌ إثم.
إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ آمنوا بهما وأطاعوهما فى السر والعلن.
ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ ما على المعذورين الناصحين.
مِنْ سَبِيلٍ أي لا جناح عليهم ، ولا طريق للعائب عليهم.
92 - وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ :
قُلْتَ لا أَجِدُ حال من الكاف فى أَتَوْكَ. أي إذا ما أتوك قائلا لا أجد.
تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ أي تفيض دمعا ، وهو أبلغ ، لأن العين جعلت كأن كلها دمع فائض. ومِنَ للبيان.

(1/4322)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 35
أَلَّا يَجِدُوا لئلا يجدوا. ومحله نصب على أنه مفعول له.
[سورة التوبة (9) : الآيات 93 الى 95]
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (95)
93 - إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ :
(رضوا) استئناف ، كأنه قيل : ما بالهم استأذنوا وهم أغن
َ
اليه وهو عالم كل غيب وشهادة وسر وعلانية.
فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فيجازيكم على حسب ذلك.
95 - سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ :
لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فلا توبخوهم ولا تعاتبوهم.
فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ فأعطوهم طلبتهم.
إِنَّهُمْ رِجْسٌ تعليل لترك معاتبتهم.

(1/4323)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 36
[سورة التوبة (9) : الآيات 96 الى 98]
يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (96) الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)
96 - يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ :
لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ أي غرضهم فى الحلف باللّه طلب رضاكم لينفعهم ذلك فى دنياهم.
فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فإن رضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كان اللّه ساخطا عليهم.
97 - الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ :
الْأَعْرابُ أهل البدو.
أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً من أهل الحضر لجفائهم وقسوتهم.
وَ أَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا وأحق بجهل حدود الدين وما أنزل اللّه من الشرائع والأحكام.
وَ اللَّهُ عَلِيمٌ يعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر.
حَكِيمٌ فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم ومخطئهم ومصيبهم من عقابه وثوابه.
98 - وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ :
مَغْرَماً غرامة وخسرانا.
وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ دوائر الزمان ، أي دوله وعواقبه ، لتذهب غلبتكم عليه فيتخلص من إعطاء الصدقة.
عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ دعاء معترض. دعا عليهم بنحو ما دعوا به.
وَ اللَّهُ سَمِيعٌ لما يقولون إذا توجهت عليهم الصدقة.
عَلِيمٌ بما يضمرون.

(1/4324)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 37
[سورة التوبة (9) : آية 99]
وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)
99 - وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
قُرُباتٍ مفعول ثان للفعل يَتَّخِذُ. والمعنى أن ما ينفقه سبب لحصول القربات عند اللّه.
وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ لأن الرسول كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم.
أَلا إِنَّها شهادة من اللّه للتصديق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات وتصديق لرجائه ، على طريق الاستئناف مع حرف التنبيه والتحقيق المؤذن بثبات الأمر وتمكنه.
سَيُدْخِلُهُمُ السين تفيد تحقيق الوعد.
[سورة التوبة (9) : الآيات 100 الى 101]
وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101)
100 - وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ :
وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ هم الذين صلوا الى القبلتين.
وقيل : الذين شهدوا بدرا. وقيل : من بايع بالحديبية ، وهى بيعة الرضوان ما بين الهجرتين.
وَ الْأَنْصارِ ومن الأنصار أهل بيعة العقبة الأولى ، وكانوا سبعة نفر ، وأهل العقبة الثانية وكانوا سبعين.
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رضى عنهم لأعمالهم.
وَ رَضُوا عَنْهُ لما أفاض عليهم من نعمته الدينية والدنيوية.
101 - وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ :

(1/4325)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 38
وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ يعنى حول بلدتكم ، وهى المدينة.
مُنافِقُونَ هم جهينة وأسلم وأشجع وغفار ، وكانوا نازلين حولها.
وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عطف على خبر المبتدأ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ.
مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ تمهروا فيه.
لا تَعْلَمُهُمْ أي يخفى عليه أمرهم لتحاميهم ما يشكك فيهم.
نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ أي لا يعلمهم الا اللّه.
سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ أي القتل وعذاب الآخرة.
[سورة التوبة (9) : الآيات 102 الى 104]
وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)
102 - وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ أي لم يعتذروا عن تخلفهم المعاذير الكاذبة كغيرهم ، ولكن اعترفوا على أنفسهم.
عَمَلًا صالِحاً خروجا الى الجهاد.
وَ آخَرَ سَيِّئاً تخلفا عنه.
103 - خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم :
تُطَهِّرُهُمْ صفة لقوله صَدَقَةً.
وَ تُزَكِّيهِمْ التزكية : مبالغة فى التطهير وزيادة فيه.
صلواتك وقرىء : صلاتك ، على التوحيد.
سَكَنٌ لَهُمْ يسكنون اليه وتطمئن قلوبهم بأن اللّه قد تاب عليهم.
وَ اللَّهُ سَمِيعٌ يسمع اعترافهم بذنوبهم ودعاءهم.
عَلِيمٌ بما فى ضمائرهم.
104 - أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ :

(1/4326)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 39
أَ لَمْ يَعْلَمُوا أي المتوب عليهم ، أي لم يعلموا قبل أن يتاب عليهم.
أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ إذا صحت.
وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ ويقبل الصدقات إذا صدرت عن خلوص النية.
وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وأن اللّه تعالى من شأنه قبول توبة التائبين.
[سورة التوبة (9) : الآيات 105 الى 107]
وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107)
105 - وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ :
وَ قُلِ لهؤلاء التائبين. وقيل : لغير التائبين ترغيبا لهم فى التوبة.
اعْمَلُوا فان عملكم لا يخفى خيرا كان أو شرا.
فَسَيَرَى اللَّهُ وعيد لهم وتحذير.
106 - وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ :
مُرْجَوْنَ مؤخرون.
لِأَمْرِ اللَّهِ موقوف أمرهم الى اللّه.
إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ ان بقوا على الإصرار ولم يتوبوا.
وَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ان تابوا.
107 - وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ :
ضِراراً مضارة لاخوانهم أصحاب مسجد قباء.
وَ كُفْراً وتقوية للنفاق.
وَ تَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ لأنهم كانوا يصلون فى مسجد قباء مجتمعين ، فأرادوا أن يتفرقوا عنه وتختلف كلمتهم.

(1/4327)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 40
وَ إِرْصاداً وإعدادا.
لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لأجل من حارب اللّه ورسوله.
مِنْ قَبْلُ متعلق بقوله اتَّخَذُوا أي اتخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف.
إِنْ أَرَدْنا ما أردنا ببناء هذا المسجد.
إِلَّا الْحُسْنى أي : الا الخصلة الحسنى ، أو الارادة الحسنى ، وهى الصلاة ، وذكر اللّه والتوسعة على المصلين.
[سورة التوبة (9) : الآيات 108 الى 110]
لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)
108 - لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ :
لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى هو مسجد قباء ، أسسه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أيام مقامه بقباء. وقيل : هو مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بالمدينة.
ويؤيد هذا ما
روى عن أبى سعيد الخدري ، قال : سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى ، فأخذ حصباء فضرب بها الأرض وقال : هو مسجدكم هذا ، مسجد المدينة.
مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ من أول يوم من أيام وجوده.
فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا من النجاسات كلها.
109 - أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ :
شَفا جُرُفٍ هارٍ فى قلة الثبات والاستمساك.
110 - لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ :
رِيبَةً شكا فى الدين ونفاقا. وكان القوم منافقين وانما حملهم على بناء ذلك المسجد كفرهم ونفاقهم. فلما هدمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ازدادوا

(1/4328)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 41
تصميما على النفاق وهذا ما يدل عليه قوله تعالى لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ أي لا يزال هدمه سبب شك ونفاق زائد على شكهم ونفاقهم.
إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ أي لا يزول رسم هذا النفاق عن قلوبهم ولا يضمحل أثره الا أن تقطع قلوبهم قطعا وتفرق أجزاء ، فحينئذ يسلون عنه.
[سورة التوبة (9) : الآيات 111 الى 113]
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113)
111 - إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ :
يُقاتِلُونَ فيه معنى الأمر.
وَعْداً مصدر مؤكد.
حَقًّا أخبر بأن هذا الوعد الذي وعده للمجاهدين فى سبيله وعد ثابت قد أثبته فى التوراة والإنجيل كما أثبته فى القرآن.
وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ أي ان إخلاف الميعاد قبيح بالناس الذين يجوز عليهم القبيح فكيف بالغنى الذي لا يجوز عليه القبيح قط.
112 - التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ :
التَّائِبُونَ رفع على المدح ، أي هم التائبون ، يعنى المؤمنين المذكورين.
الْعابِدُونَ الذين عبدوا اللّه وحده وأخلصوا له العبادة.
السَّائِحُونَ الصائمون.
113 - ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ :

(1/4329)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 42
ما كانَ لِلنَّبِيِّ ما صح للنبى الاستغفار فى حكم اللّه وحكمته.
مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ لأنهم ماتوا على الشرك.
[سورة التوبة (9) : الآيات 114 الى 117]
وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116) لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117)
114 - وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ :
إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ أي وعدها ابراهيم أباه ، وهو قوله لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ.
فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ فلما تبين له من جهة الوحى أنه لن يؤمن وأنه يموت كافرا وانقطع رجاؤه عنه ، فقطع استغفاره.
لَأَوَّاهٌ الذي يكثر التأوه.
115 - وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ :
أي وما كان من سنن اللّه أن يصف قوما من عباده بالضلال ، بعد أن أرشدهم الى الإسلام حتى يتبين لهم عن طريق الوحى الى رسوله ما يجب عليهم اجتنابه واللّه محيط علمه بكل شىء.
116 - إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ :
أي ان اللّه وحده مالك السموات والأرض وما فيهما ، وهو المتصرف فيهما بالاحياء والاماتة وليس لكم سوى اللّه من ولى يتولى أمركم ، ولا نصير ينصركم.
117 - لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ :
لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ من اذنه للمنافقين فى التخلف عنه.

(1/4330)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 43
وَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ لما آووهم حين اشتد بهم القتال.
فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ فى وقتها. يعنى حالهم فى غزوة تبوك.
مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عن الثبات.
[سورة التوبة (9) : الآيات 118 الى 120]
وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)
118 - وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ :
الثَّلاثَةِ كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية.
خُلِّفُوا عن الغزو.
بِما رَحُبَتْ برحبها ، أي مع سعتها ، وهو مثل للحيرة فى أمرهم.
وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ أي قلوبهم.
وَ ظَنُّوا وعلموا.
مِنَ اللَّهِ من سخط اللّه.
إِلَّا إِلَيْهِ الى استغفاره.
ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ثم رجع عليهم بالقبول والرحمة ليستقيموا على توبتهم ويثبتوا.
119 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ :
مَعَ الصَّادِقِينَ وهم الذين صدقوا فى دين اللّه نية وقولا وعملا.
120 - ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ :
وَ لا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ أمروا بأن يصحبوه على البأساء والضراء.

(1/4331)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 44
ذلِكَ اشارة الى ما دل عليه قوله ما كانَ لهم أَنْ يَتَخَلَّفُوا من وجوب مشايعته. كأنه قيل : ذلك الوجوب بسبب أنهم لا يصيبهم شىء من عطش ولا تعب ولا مجاعة فى طريق الجهاد ، ولا يدوسون مكانا من أمكنة الكفار.
يَغِيظُ الْكُفَّارَ يغيظهم وطؤه.
وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا ولا يزرءونهم شيئا.
إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ استوجبوا به الثواب ونيل الزلفى عند اللّه.
[سورة التوبة (9) : الآيات 121 الى 122]
وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (121) وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)
121 - وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ :
وَ لا يَقْطَعُونَ وادِياً أي أرضا فى ذهابهم ومجيئهم.
إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ ذلك الانفاق وقطع الوادي.
لِيَجْزِيَهُمُ متعلق بقوله كُتِبَ أي أثبت فى صحائفهم لأجل الجزاء.
122 - وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ :
لِيَنْفِرُوا اللام لتأكيد النفي. والمعنى : أن نفير الكافة عن أوطانهم لطلب العلم غير صحيح ولا ممكن.
فَلَوْ لا نَفَرَ فحين لم يكن نفير الكافة ولم يكن مصلحة فهلا نفر.
مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ أي من كل جماعة كثيرة جماعة قليلة منهم يكفونهم النفير.
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ليتكلفوا الفقاهة فيه.
وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ وليجعلوا غرضهم ومرمى همتهم فى التفقه إنذار قومهم وإرشادهم والنصيحة لهم.

(1/4332)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 45
لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ إرادة أن يحذروا اللّه فيعملوا عملا صالحا.
[سورة التوبة (9) : الآيات 123 الى 127]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125) أَوَ لا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127)
123 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ :
يَلُونَكُمْ يقربون منكم.
غِلْظَةً
مَعَ الْمُتَّقِينَ ينصر من اتقاه.
124 - وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ :
فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فمن المنافقين من يقول بعضهم لبعض.
هذِهِ أي السورة.
إِيماناً إنكارا واستهزاء بالمؤمنين.
فَزادَتْهُمْ إِيماناً لأنها أزيد لليقين والثبات.
125 - وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ :
فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ كفرا مضموما الى كفرهم.
126 - أَوَ لا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ :
يُفْتَنُونَ يبتلون بالمرض والقحط وغيرهما من بلاء اللّه.
ثُمَّ لا يَتُوبُونَ ثم لا ينتهون ولا يتوبون عن نفاقهم.
وَ لا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ولا هم يعتبرون.
127 - وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ :
نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ تغامزوا بالعيون إنكارا للوحى وسخرية.

(1/4333)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 46
هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ أي قائلين هل يراكم من أحد من المسلمين لننصرف فإنا لا نصبر على استماعه.
صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ دعاء عليهم بالخذلان.
بِأَنَّهُمْ أي بسبب أنهم.
قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ لا يتدبرون حتى يفقهوا.
[سورة التوبة (9) : الآيات 128 الى 129]
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
128 - لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ :
مِنْ أَنْفُسِكُمْ من جنسكم ومن نسبكم عربى قرشى مثلكم.
عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ أي شاق عليه عنتكم ولقاؤكم المكروه ، فهو يخاف عليكم سوء العاقبة والوقوع فى العذاب.
حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ حتى لا يخرج أحد منكم عن اتباعه.
بِالْمُؤْمِنِينَ منكم ومن غيركم.
129 - فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ :
فَإِنْ تَوَلَّوْا فان أعرضوا عن الايمان بك.
حَسْبِيَ اللَّهُ أي كافينى وناصرى.

(1/4334)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 47
(10) سورة يونس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3)
1 - الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ :
الر أي إن القرآن ، الذي عجزتم عن أن تأتوا بمثله ، من مثل هذه الحروف.
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ اشارة الى ما تضمنته السورة من الآيات.
الْحَكِيمِ ذو الحكمة لاشتماله عليها ونطقه بها.
2 - أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لسحر مبين :
أَ كانَ الهمزة لانكار التعجب والتعجيب منه.
أَنْ أَوْحَيْنا اسم كانَ.
عَجَباً خبر كانَ.
ويصح أن تكون كانَ تامة ، وأَنْ أَوْحَيْنا بدلا من قوله عَجَباً.
أَنَّ لَهُمْ الباء معه محذوفة.
قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي سابقة وفضلا ومنزلة رفيعة.
إِنَّ هذا ان هذا الكتاب وما جاء به محمدا صلّى اللّه عليه وسلم.
لسحر مبين دليل على عجزهم ، وان كانوا كاذبين فى تسميته سحرا.
3 - إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ :
يُدَبِّرُ يقضى ويقدر على حسب مقتضى الحكمة.

(1/4335)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 48
الْأَمْرَ أمر الخلق كله.
ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ دليل على العزة والكبرياء.
ذلِكُمُ اشارة الى المعلوم بتلك العظمة.
اللَّهُ رَبُّكُمْ أي ذلكم العظيم الموصوف بما وصف به هو ربكم.
فَاعْبُدُوهُ وهو الذي يستحق منكم العبادة فاعبدوه وحده.
أَ فَلا تَذَكَّرُونَ فإن أدنى التفكير والنظر ينبهكم على الخطأ فيما أنتم عليه.
[سورة يونس (10) : الآيات 4 الى 5]
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)
4 - إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ :
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً أي لا ترجعون فى العاقبة الا اليه.
وَعْدَ اللَّهِ مصدر مؤكد لقوله إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ.
حَقًّا مصدر مؤكد لقوله وَعْدَ اللَّهِ.
إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ استئناف معناه التعليل لوجوب المرجع اليه.
بِالْقِسْطِ بالعدل ، وهو متعلق بقوله لِيَجْزِيَ. والمعنى :
ليجزيهم بقسطه ويوفيهم أجورهم.
5 - هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ :
وَ قَدَّرَهُ أي وقدر القمر ، والمعنى : وقدر مسيره.
مَنازِلَ أي ذا منازل.
وَ الْحِسابَ وحساب الأوقات من الشهور والأيام والليالى.

(1/4336)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 49
ذلِكَ اشارة الى المذكور. أي ما خلقه الا ملتبسا بالحق ولم يخلقه عبثا.
[سورة يونس (10) : الآيات 6 الى 9]
إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)
6 - إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ :
خص المتقين لأنهم يحذرون العاقبة فيدعوهم الحذر الى النظر والتدبر.
7 - إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ :
لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لا يتوقعونه أصلا ، ولا يخطرونه ببالهم لغفلتهم.
وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وآثروا القليل الفاني على الكثير الباقي.
وَ اطْمَأَنُّوا بِها وسكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها.
8 - أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ :
بِما كانُوا يَكْسِبُونَ جزاء ما كسبوا من الكفر.
9 - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ :
يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ يسددهم بسبب ايمانهم لسلوك السبيل المؤدى الى الجنة.
[سورة يونس (10) : آية 10]
دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10)
10 - دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ :
دَعْواهُمْ دعاؤهم.
سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ أي اللهم انا نسبحك.

(1/4337)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 50
وَ آخِرُ دَعْواهُمْ وخاتمة دعائهم الذي هو التسبيح أن يقولوا الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ أن بعضهم يحيى بعضا بالسلام.
وقيل : هى تحية الملائكة ، اضافة للمصدر الى المفعول.
وقيل : تحية اللّه لهم.
أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أن ، هى المخففة من الثقيلة ، وأصله : أنه الحمد للّه ، على أن الضمير للشأن.
[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 12]
وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (12)
11 - وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ :
أي : ولو يعجل اللّه للناس الشر تعجيله لهم الخير ، فوضع اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ موضع تعجيله لهم الخير ، اشعارا بسرعة اجابته لهم واسعافه بطلبتهم ، حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم.
لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ لأميتوا وأهلكوا.
فِي طُغْيانِهِمْ أي فنمهلهم ونفيض عليهم النعمة مع طغيانهم إلزاما للحجة عليهم.
12 - وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ :
لِجَنْبِهِ فى موضع الحال.
أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً حالان معطوفان على الحال قبلهما.
والمعنى : أن المضرور لا يزال داعيا لا يفتر عن الدعاء حتى يزول عنه الضر ، فهو يدعونا فى حالاته كلها ، منبطحا عاجزا لنهوض ، أو قاعدا لا يقدر على القيام ، أو قائما لا يطيق المشي.

(1/4338)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 51
مَرَّ أي مضى على طريقته الأولى قبل مس الضر ومس حال الجهد.
كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا كأنه لم يدعنا ، فخفف وحذف ضمير الشأن.
كَذلِكَ مثل ذلك التزيين.
زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ زين الشيطان بوسوسته.
ما كانُوا يَعْمَلُونَ من الاعراض عن الذكر واتباع الشهوات.
[سورة يونس (10) : الآيات 13 الى 14]
وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)
13 - وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ :
لَمَّا ظرف لقوله أَهْلَكْنَا.
وَ جاءَتْهُمْ الواو للحال. أي ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلهم بالحجج والشواهد على صدقهم ، وهى المعجزات.
وَ ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا يجوز أن يكون عطفا على ظَلَمُوا. ويجوز أن يكون اعتراضا واللام فى لِيُؤْمِنُوا لتأكيد النفي. يعنى : وما كانوا يؤمنون حقا ، تأكيد لنفى ايمانهم.
كَذلِكَ مثل ذلك الجزاء ، يعنى : الإهلاك.
نَجْزِي كل مجرم.
14 - ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ :
ثُمَّ جَعَلْناكُمْ الخطاب للذين بعث إليهم محمدا صلّى اللّه عليه وسلم. أي استخلفناكم فى الأرض بعد القرون التي أهلكنا.
لِنَنْظُرَ أي لنعلم العلم المحقق الذي هو العلم بالشيء موجودا.
شبه بنظر الناظر المعاين فى تحققه.
كَيْفَ فى محل النصب بالفعل تَعْمَلُونَ لا ينتظر ، لأن معنى الاستفهام فيه يحجب أن يتقدم عليه عامله.

(1/4339)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 52
[سورة يونس (10) : الآيات 15 الى 16]
وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (16)
15 - وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ :
ما يَكُونُ لِي ما ينبغى لى وما يحل.
أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي من قبل نفسى ، أي من غير أن يأمرنى بذلك ربى.
إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ لا آتى ولا أذر شيئا نحو ذلك الا متبعا لوحى اللّه وأوامره.
إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بالتبديل والنسخ من عند نفسى عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ.
16 - قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ :
لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ يعنى أن تلاوته ليست الا بمشيئة اللّه وإحداثه أمرا عجيبا خارجا عن العادات ، وهو أن يخرج رجل أمي لم يتعلم ولم يستمع ولم يشاهد العلماء ساعة من عمره ، ولا نشأ فى بلد فيه علماء ، فيقرأ عليهم كتابا فصيحا ، يبهر كل كلام فصيح ، وقد بلغ بين ظهرانيكم أربعين سنة تطلعون على أحواله ، ولا يخفى عليكم شىء من أسراره ، وما سمعتم منه حرفا من ذلك ، ولا عرفه به أحد من أقرب الناس منه وألصقهم به.
وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ وعلى أعلمكم به على لسانى.
فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً يعنى : قد أقمت فيما بينكم يافعا وكهلا ، فلم تعرفونى متعاطيا شيئا من نحوه فتتهمونى باختراعه.
أَ فَلا تَعْقِلُونَ فتعلموا أنه ليس الا من اللّه لا من مثلى.

(1/4340)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 53
و هذا جواب عما دسوه تحت قولهم : ائت بقرآن غير هذا ، من اضافة الافتراء اليه.
[سورة يونس (10) : الآيات 17 الى 19]
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)
17 - فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ :
مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً يعنى افتراء المشركين على اللّه فى قولهم : انه ذو شريك وذو ولد.
وأن يكون المراد تفادى ما أضافوه اليه من الافتراء.
18 - وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ :
ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ الأوثان التي هى جماد لا تقدر على نفع ولا ضر.
هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ يعنى ما جرى على ألسنة بعضهم : إذا كان يوم القيامة شفعت لى اللات والعزى.
أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ أتخبرونه بكونهم شفعاء عنده وهو إنباء بما ليس بالمعلوم للّه ، وإذا لم يكن معلوما له ، وهو العالم المحيط بجميع المعلومات ، لم يكن شيئا ، لأن الشيء ما يعلم ويخبر عنه ، فكان خبرا ليس له مخبر عنه.
فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ تأكيد لنفيه ، لأن ما لم يوجد فيهما فهو منتف معدوم.
عَمَّا يُشْرِكُونَ ما ، موصولة ، أو مصدرية ، أي عن الشركاء الذين يشركونهم به ، أو عن إشراكهم.
19 - وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ :

(1/4341)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 54
وَ ما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً حنفاء متفقين على ملة واحدة من غير أن يختلفوا بينهم وذلك فى عهد آدم الى أن قتل قابيل هابيل.
وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وهو تأخير الحكم بينهم الى يوم القيامة.
لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ عاجلا فيما اختلفوا فيه.
[سورة يونس (10) : الآيات 20 الى 21]
وَ يَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (21)
20 - وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ :
لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ أرادوا آية من الآيات التي كانوا يقترحونها.
فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ أي هو المختص بعلم الغيب المستأثر به لا علم لى ولا لأحد به. يعنى أن الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه الا هو.
فَانْتَظِرُوا نزول ما اقترحتموه.
إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ لما يفعل اللّه بكم لعنادكم وجحودكم الآيات.
21 - وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ :
مَسَّتْهُمْ خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم.
قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً أي ان اللّه تعالى دبر عقابكم وهو موقعه بكم قبل أن تدبروا كيف تعملون فى اطفاء نور الإسلام.
إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ اعلام بأن ما تظنونه خافيا مطويا لا يخفى على اللّه ، وهو منتقم منكم.

(1/4342)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 55
[سورة يونس (10) : الآيات 22 الى 24]
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)
22 - هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
:
وَ جَرَيْنَ للفلك.
جاءَتْها جاءت الريح الطيبة ، أي تلقتها. وقيل : الضمير للفلك.
مِنْ كُلِّ مَكانٍ من جميع أمكنة الموج.
أُحِيطَ بِهِمْ أي أهلكوا.
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ من غير اشراك ، لأنهم لا يدعون حينئذ غيره.
لَئِنْ أَنْجَيْتَنا على ارادة القول ، أو لأن (دعوا) من جملة القول.
23 - فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ :
يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ يفسدون فيها ويعبثون.
مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا بالنصب فى موضع المصدر المؤكد ، كأنه قيل :
تتمتعون متاع الحياة الدنيا.
وقرىء : متاع ، بالرفع ، على : هو متاع الحياة الدنيا ، بعد تمام الكلام.
وقيل : هو خبر للمبتدأ الذي هو بَغْيُكُمْ ، وعَلى أَنْفُسِكُمْ صلته.
وإذا نصبت فقوله عَلى أَنْفُسِكُمْ خبر غير صلة.
24 - إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ :

(1/4343)


الموسوعة القرآنية ، ج 10 ، ص : 56
فَاخْتَلَطَ بِهِ فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا.
أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ على التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الناضرة من كل لون فاكتستها وتزينت بغيرها من ألوان الزين.
قادِرُونَ عَلَيْها متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها.
أَتاها أَمْرُنا ضرب زرعها ببعض العاهات بعد أمنهم واستيقانهم أنه قد سلم.
فَجَعَلْناها فجعلنا زرعها.
حَصِيداً شبيها بما يحصد من الزرع فى قطعه واستئصاله.
كَأَنْ لَمْ تَغْنَ كأن لم يغن زرعها ، أي لم يثبت.
[سورة يونس (10) : الآيات 25 الى 27]
وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (27)
25 - وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ :
دارِ السَّلامِ الجنة.
26 - لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ :
الْحُسْنى المثوبة الحسنى.
وَ زِيادَةٌ وما يزيد على المثوبة ، وهى التفضل.
وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ لا يغشاها.
قَتَرٌ غبرة فيها سواد.
وَ لا ذِلَّةٌ ولا أثر هوان وكسوف بال.
27 - وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
مُظْلِماً حال من اللَّيْلِ. ==

==

=====

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جلد 3. الحيوان للجاحظ /الجزء الثالث

  الجزء الثالث بسم الله الرحمن الرحيم فاتحة استنشاط القارئ ببعض الهزل وإن كنَّا قد أمَلْلناك بالجِدِّ وبالاحتجاجاتِ الصحيحة والم...