كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس


مراجع في المصطلح واللغة

مراجع في المصطلح واللغة

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 مايو 2022

مجلد 4. ارتشاف الضرب من لسان العرب - ط مكتبة الخانجي المؤلف أبو حيان الأندلسي

 

مجلد 4. باب التمييز

 مجلد 4. ارتشاف الضرب من لسان العرب - ط مكتبة الخانجي المؤلف أبو حيان الأندلسي

التمييز

يطلق على التمييز: التبيين والتفسير، والمميز، والمبين والمفسر، والتمييز ينقسم قسمين:

الأول منتصب عن تمام الكلام، وهو ما كان الإبهام فيه حاصلاً في الإسناد، ومنتصب عن تمام الاسم، وهو ما كان الإبهام حاصلاً في الاسم الذي هو جزء كلام.

فالأول ينتصب بعد فعل، أو مصدر ذلك الفعل، أو ما اشتق منه من وصف نحو «واشتعل الرأس شيبا» وزيد طيب نفسا، ومسرور قلبا، وكثير مالاً، وأفره عبدًا، ونصبه بالفعل، أو ما جرى مجراه من المصدر والوصف، واسم الفعل نحو: «سرعان ذا إهالة» هذا مذهب سيبويه، والمازني، والمبرد، ابن السراج، والفارسي.

قال ابن عصفور: ذهب المحققون إلى أن العامل فيه هو الجملة المنتصب عن تمامها لا الفعل، ولا الاسم الذي جرى مجراه، وهو اختيار ابن عصفور.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1621]

وهذا التمييز الذي انتصب عن تمام الكلام يكون بعد كل كلام منطو على شيء مبهم إلا في موضعين:

أحدهما: أن يؤدي إلى إخراج اللفظ عن وضعه نحو: ادهنت زيتًا، لا يكون تمييزًا، لأن أصله: بزيت فيلزم حذف الحرف، ونصبه، والتزام التنكير فيه فخرج اللفظ بذلك عن وضعه.

والمسموع من هذا: تفقأ زيد شحما، وامتلأ الكوز ماء، كان الأصل من الشحم، ومن الماء، حذفت (من)، وأسقطت (أل)، وانتصب تمييزًا.

والموضع الآخر أن يؤدي إلى تدافع الكلام نحو: ضرب زيد رجلاً، تجعل (رجلاً) تفسيرًا لما انطوى عليه الكلام من إبهام الفاعل، وقد ذهب بعض النحاة إلى إجازة ذلك، وخرج عليه قوله تعالى: «وإن كان رجل يورث كللة».

أبهم الوارث فكلالة عنده تمييز يفسر الوارث لا الموروث، وهذا القسم الذي ينتصب عن تمام الكلام تارة يكون منقولاً عن فاعل يصح إسناده للعامل نحو: طاب زيد نفسا، أو للمطاوع نحو: امتلأ الكوز ماء، وتفقأ زيد شحمًا أصله ملأ الماء الكوز، وفقأ الشحم زيدًا.

[وذهب ابن الطراوة، وتلميذه السهيلي إلى أن تصبب زيد عرقًا، وتفقأ زيد شحمًا] انتصب على الحال لا على التمييز، وقد أفصح سيبويه بلفظ الحال في قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1622]

... ... ... ... ... ... ... = ذهبن كلا كلا وصدورا

انتهى، من الروض الأنف للسهيلي؛ وتارة يكون منقولاً عن مبتدأ نحو: زيد أحسن وجها من عمرو، وتقديره: وجه زيد أحسن من وجه عمرو.

واختلفوا في نقله من المفعول، فذهب أكثر المتأخرين إلى أنه جائز، وحملوا عليه قوله تعالى: «وفجرنا الأرض عيونا» قالوا أصلح: «وفجرنا عيون الأرض»، وأنكر نقله من المفعول الأستاذ أبو علي، وتلميذه أبو الحسن الأبذي، وأبو الحسين بن أبي الربيع، وحمل عيونًا على الحال الأستاذ أبو علي، وعلى البدل، أو على إسقاط حرف الجر أبو الحسين، وقال الأبذي متأولاً كلام الجزولي: يمكن أن يريد، بقوله منقولاً من المفعول: المفعول الذي لم يسم فاعله نحو: ضرب زيد ظهرًا وبطنًا، وفجرت الأرض عيونًا، وإلى أن التمييز يكون منقولاً، من مفعول: ذهب ابن عصفور، وابن مالك من أصحابنا، وتارة

[ارتشاف الضرب: 4/ 1623]

يكون مشبهًا بالمنقول فقيل منه: امتلأ الكوز ماء، وتفقأ زيد شحمًا، ونعم رجلاً زيد، وحبذا رجلا زيد. قال ابن الضائع: إذا قلت: نعم رجلاً زيد، فالأصل: نعم الرجل، فلما أسندت الفعل إلى ضمير مبهم صار الفاعل تمييزًا، وجعل بعضهم التمييز بعد حبذا ليس منقولاً، ولا مشبها بالمنقول. وقال ابن الضائع: والظاهر من كلام سيبويه أن التمييز في نعم رجلاً زيد ونحوه أشبه بالمقادير.

وعد بعض أصحابنا مما انتصب عن تمام الاسم، محمولاً على المقدار حسبك به فارسا، ولله دره شجاعا، «وكفى بالله وكيلا»، وويحه رجلا.

وجعل ابن مالك «بالله شهيدا» مما انتصب عن الجملة، وذكر الأخفش في الأوسط: كفاك به رجلا مع حسبك من رجل، وناهيك من رجلن وهدك وشرعك (وكفيك) قال: ولا يثنى ولا يجمع.

ولا يؤنث نحي فيه نحو: كفاك، ونهاك وتقول: احسبوك، واحسباك، ولا يجيء ذلك في شرعك ومن قال: كفاك به رجلاً، قال: كفاك بهم للجميع، وكفاك بهما للاثنين.

وإذا استعملوا هدك، ونهاك، وكفاك، وأحسبك أفعالاً في معنى هدك وناهيك، وكفيك، وحسبك ألحقوها الضمائر، وعلامة التأنيث إذا أسندت إلى المثنى والمجموع والمؤنث، وجاء بعدها التمييز كما جاء بعد الأسماء، والكلام فيها كالكلام في: «وكفى بالله شهيدا»، وأما: ما أحسن الحليم رجلا، فكان قبل همزة النقل حسن الحليم رجلا، فهذا تمييز ليس منقولاً من فاعل، فهو شبيه بقولهم: كفى بزيد ناصرًا، فيمكن فيه الخلاف الذي فيه.

فإن قلت: ما أحسن الحليم عقلا، كان من قبيل ما انتصب عن تمام الكلام

[ارتشاف الضرب: 4/ 1624]

بلا خلاف، وكان أصله: حسن الحليم عقلاً أي حسن عقل الحليم فهو منقول عن فاعل.

وأما قولهم: داري خلف دارك فرسخا، فالظاهر أنه تمييز بعد تمام الكلام، وهو الظاهر، وقيل من قبيل ما انتصب بعد تمام الاسم، وهو شبيه بقولهم لي مثله فارسا انبهمت مسافة الخلف ففسرت بقوله: فرسخا كما انبهمت المثلية ففسرت بقوله: فارسا.

والتمييز إن صح أن يكون خبرًا للاسم قبله كان له، أو لملابسة المقدر مثال ذلك: كرم زيدا أبا، فهذا يصح أن تقول: زيد أب، فيجوز فيه وجهان أحدهما: أن يكون زيد هو الأب أي كرم زيد نفسه أبا أي ما أكرمه من أب، ولا يكون منقولاً من فاعل، ويجوز دخول (من) عليه.

والوجه الثاني: أن يكون التمييز ليس زيدا، وإنما هو أبوه، فيكون الأصل: كرم أبو زيد أي ما أكرم أباه، ويكون منقولاً من فاعل، ولا يجوز دخول (من) عليه، وإن دل المنصوب على هيئة، وعني به الأول، جاز أن ينتصب على الحال نحو: كرم زيد ضيفا، وجاز أن ينتصب تمييزًا لصلاحية دخول (من) عليه، عند قصد التمييز، وإن لم يعن به الأول تعين أن يكون تمييزًا منقولاً من الفاعل أصله كرم ضيف زيد، ولا يدخل عليه (من).

والتمييز إما أن يتحد بما قبله معنى، أو لا: إن اتحد طابقه في إفراد، وتثنية، وجمع نحو: كرم زيد رجلا، وكرمت زينب امرأة، وكرم الزيدان رجلين، وكرم الزيدون رجالاً، وكذا المؤنث، وإن لم يتحدا معنى فكذلك يطابق نحو حسن زيد وجها، وحسن الزيدون وجوها، فإن لزم بإفراد التمييز إفراد معناه، أو كان مصدرًا

[ارتشاف الضرب: 4/ 1625]

لم يقصد اختلاف أنواع أفرد مثال ذلك: كرم الزيدون أصلاً، إذا كان أصلهم واحدًا، وزكى الزيدون سعيًا، فإن قصد اختلاف أنواع المصدر لاختلاف محاله جاء جمعًا كقوله تعالى: «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا» وكقولك تخالف الناس آراء، وتفاوتوا أذهانا، وإفراد المباين أولى من الجمع نحو قوله تعالى: «فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا» والزيدون، قروا عينا، ويجوز أنفسا وأعينا.

فإن أوقع في محذور لزمت المطابقة نحو: كرم الزيدون آباءً أي ما أكرمهم من آباء، ولو أفردت توهم أن أباهم واحد متصف بالكرم.

فإن أردت في هذا المثال: كرم أبا الزيدين، لزمت المطابقة، وقد يلزم الجمع أيضًا بعد المفرد المباين إذا كان المفرد لا يفيد معنى الجمع نحو: نظف زيد ثيابًا؛ إذ لو أفردت توهم أ،ه له ثوب واحد نظيف، ولو فرقت التمييز بالعطف لم يجز مثاله: كرم الزيدان أخا وأبا تريد أخاهما وأبا الآخر، والتمييز في التعجب غير المبوب له في باب نعم وبئس، وحبذا تطابق المميز، وكذلك في حسبك، وأخواته، وكفاك ونهاك، وأحسبك، وفي ويحه وفي كفى.

وفي داري خلف دارك فرسخًا، يجوز أن يثنى ويجمع فتقول فرسخين وفراسخ، وأما المتعجب المبوب له، فإن كان التمييز معنى فالإفراد إلا أن يقصد الأنواع، وإن كان عينًا طابق المتعجب منه.

وأما أفعل التفضيل، فإن كان التمييز معنى، فكتميز المتعجب منه، وإن كان عينًا جاز إفراده وجمعه تقول: الزيدون أحسن الناس وجها، والزيدون أحسن الناس وجوهًا.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1626]

القسم الثاني: أن ينتصب عن تمام الاسم، وهو إما عدد نحو: أحد عشر رجلا، وعشرون رجلا، واختلفوا هل هو قسيم للمقدار، أو قسم من المقدار، فمذهب أبي علي أنه قسيم للمقدار، وهو قول ابن عصفور، وابن مالك، وعند شيخنا الأبذي، وابن الضائع أنه قسم من المقادير، قال الأبذي: والمقادير المبهمة تحصرها المعدودات والمكيلات والموزونات.

وقال ابن الضائع: والمقادير أربعة أنواع: معدود، ومكيل، وموزون، وممسوح ومثلا المقدار في العدد بخمسة عشر رجلا.

وقال في البديع: والعدد وإن كان مقدارًا ليس له آلة يعرف بها. انتهى.

وقد يكون سؤالا عن عدد كتمييز (كم) الاستفهامية والتمييز عن المثلية نحو قول بعضهم: ما لنا مثله رجلا، ولنا أمثالها إبلا.

ومذهب سيبويه أن مثله من المقادير، ومذهب الفارسي أنه ليس من المقادير، وقال ابن الضائع: «على التمرة مثلها زيدا». شبيه بالمقدار؛ لأن المعنى «على التمرة قدر مثلها»، كما أن المعنى في رطل وقفيز قدر رطل وقفيز.

وهذا مما تم فيه الاسم بالإضافة، وقد يقال: إن هذا من مقدار المساحة أو من مقدار الوزن؛ لأن المعنى قدر مثلها مساحة أو وزنًا، وأما «موضع راحة» فمن المساحة، ونظير «له مثله رجلا» قولهم: لا كزيد فارسًا انتهى.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1627]

وقولهم: «عليه شعر كلبين دينا»، هو على تقدير: مثل شعر، والتمييز عن الغيرية نحو: لنا غيرها شاء، وهذا التمييز يكون بالنص عن جنس المراد، وقد اختلفوا في مسائل:

إحداها: التمييز بما في باب نعم، أجاز ذلك الفارسي فيكون نكرة تامة بمعنى شيء، ومنع ذلك غيره منهم أبو ذر مصعب بن أبي بكر.

الثانية: التمييز بمثل، أجاز ذلك سيبويه فتقول: لي عشرون مثلك، وحكي: لي ملء الدار أمثالك، ومنع ذلك الفراء. وفي كتاب الصفار البطليوسي: لا يجيزه الكوفيون.

الثالثة: التمييز بغير، أجاز ذلك يونس فتقول: له عشرون غيرك، وتلقى سيبويه قول يونس بالقبول: ومنع ذلك الفراء.

الرابعة: التمييز بأيما رجل أجاز ذلك الجمهور فتقول: عندي عشرون أيما رجل ومنع ذلك الخليل وسيبويه، والتمييز عن التعجب مثاله: ويحه رجلا وحسبك

[ارتشاف الضرب: 4/ 1628]

به رجلا ولله دره فارسًا، وأبرحت جارا، وما أنت جارة، ويا طيبها ليلة، ويالك ليلا، وويل أمه مسعر حرب.

وفي (أبرحت) خلاف، ذهب الأعلم إلى أنه منتصب عن تمام الكلام، وأنه منقول عن فاعل، وتقديره: فأبرح جارك نحو: طاب زيد نفسا، وذهب ابن خروف وتبعه ابن مالك إلى أنه ينتصب عن تمام الاسم، وعلى هذا أنشد سيبويه قوله:

تقول ابنتي حين جد الرحيل = فأبرحت ربا وأبرحت جارا

واختلف في اشتقاق أبرحت، فقال الأعلم من البراح أي صرت في براح لاشتهار أمرك وقال السيرافي: من البرح، وهو الشدة المتعجب منها؛ أي صرت ذا برح؛ أي جئت بما لم يجيء به غيرك، وقيل: معناها تناهيت، واشتهرت وقيل: عظمت، وقيل: دهوت، وتمام الاسم إما بالإضافة نحو: لله دره فارسًا،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1629]

وإما تنوين ظاهر نحو: رطل زيتا قالوا أو مقدار نحو: أحد عشر رجلاً أو نون تثنية نحو: لي منوان سمنًا، قال ابن مالك: أو نون جمع ومثل: «بالأخسرين أعمالا»، فجعله من هذا القبيل، وهو عند أصحابنا من المنتصب عن تمام الكلام، أو شبه نون الجمع نحو: ثلاثين ليلة، وينصبه مميزه، فإذا قلت: عشرون درهمًا، أو فقيز برًا، أو رطل سمنا، أو ذراع ثوبا، فالناصب للتمييز ما قبله من عشرين وقفيز ورطل وذراع، وكذا أحد عشر وأخواته يتنزل منزلة عشرين إذ الاسم الثاني صار كالنون في عشرين.

وإن كان تمام المفرد بتنوين ظاهر، أو نون تثنية جاز حذف التنوين، والنون بمضاف إلى الاسم فتقول: رطل زيت، وإردب شعير، ومنوا عسل، وإن كان التمام بالإضافة نحو: لله دره رجلاً، وويحه رجلا، فلا يجوز حذف التنوين، والإضافة، لا تقول: لله در رجل، ولا ويح رجل.

وأما التمييز بعد أحد عشر وأخواته وعشرين وأخواته فتقدم الكلام عليه في باب العدد.

ولابن مالك في هذا الباب من كتاب التسهيل والشرح الذي مزجه هو تخليط كثير تكلمنا عليه في شرحنا لكتابه.

وإذا أريد الآلات التي يكال بها، أو يوزن أو يزرع تعينت الإضافة على معنى (اللام)، ولا يجوز النصب فتقول: لي ظرف عسل تريد الوعاء الذي يكون فيه

[ارتشاف الضرب: 4/ 1630]

العسل، وقفيز بر، تريد: الآلة التي يُكال بها البر، ورطل زيت، تريد: به الآلة.

وإذا أريد المقدرات بالآلات، لا الآلات، فذكر أصحابنا فيه أربعة أوجه:

أحدها: النصب على التمييز.

والثاني: الخفض على الإضافة بمعنى من.

والثالث: الصفة فيعرب بإعراب ما قبله، وهو قول سيبويه وضعفه؛ لأنه وصف بالجامد، فلا بد فيه من تكلف الاشتقاق وقال ابن السراج: عندي رطل زيت، ولي مثله رجل وخمسة أثواب هو على البدل.

والرابع: النصب على الحال وفيه أيضًا تكلف تضمن الاشتقاق كالصفة.

وفي البسيط: لا يكون النصب إلا إذا كان الأول مقدرًا كيلاً، أو وزنًا أو ما في حكمهما، ونويت فيه ذا المقدار؛ فإن نقص أحدهما لم يجز النصب، والمقدار كالمثقال، والرطل، والكر، وعدل كذا، ووزن كذا.

وقد تنزل أشياء منزلة المقادير، وإن لم تكن مقادير نحو: عندي بيتان تبنًا، وحزمتان بقلا، وخاتمان ذهبا، وجبتان خزا، لا تنصب إلا حين تريد مقدار الجنس من الخز، والخاتمين من الذهب.

ولو أردت نفس ذلك لخفضك كقولك: ما فعلت جبة الخز، وما فعلت جبتك الخز، اتباعًا إلا أنه يقطع كالنعت وتقول: عندي قضيبان عوسج، وشوحط، ترفع، لأن القضيب وما أشبه ليس مقدار الشيء؛ فإن نويت مقدار قضيب جررت انتهى.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1631]

وتقول: عندي جبة خزا، نصبه عند سيبويه على الحال، وعند المبرد على التمييز، فإن اتبعت فصفة وتقدم تضعيف سيبويه له، أو بدل كما قال ابن السراج أو عطف بيان، وهو قول المبرد، والزجاجي، وقال ابن السراج: «إذا قلت: ماء فرات، وتمر شهريز، وقضيبا بان، ونخلتا برني» فذلك ليس بمقدار معروف مشهور، فكلام العرب الخفض، والاختيار فيه الإضافة، أو الإتباع، ولا يجوز فيه التمييز؛ إذ لم يكن مقدارًا انتهى.

وإذا كان المقدار مختلطًا من جنسين، فقال الفراء: لا يجوز عطف أحدهما على الآخر، بل تقول: عندي رطل سمنا عسلا، وقال غيره: يجوز، وتكون الواو جامعة.

ويجوز دخول (من) على ما كان تمييزًا بعد تمام الاسم نحو: إردب من قمح، وملء الأرض من ذهبن وجمام المكوك من دقيق، ولي أمثالها من إبل، وغيرها من شاء، وويحه من رجل، ولله دره من فارس، وحسبك به من رجل، وما أنت من فارس، وأبرحت من جار.

وعلى قول من جعله من تمام الاسم، وويله مسعر حرب، ويا طيبها من ليلة، ويا لك من رجل. و(من) هذه للتبعيض في هذه الأمثلة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1632]

وقال الأستاذ أبو علي: يجوز أن تكون بعد المقادير وما أشبهها زائدة عند سيبويه، كما زيدت في «ما جاءني من رجل» ويدل على صحة ذلك: أنه عطف على موضعه نصبًا قال الحطيئة:

طافت أمامة بالركبان آونة = يا حسنه من قوام ما ومنتقبا

واختلف النحويون في التمييز، أيجوز أن يكون معرفة أم لا، فذهب البصريون إلى أن التمييز لا يكون إلا نكرة، وذهب الكوفيون، وابن الطراوة إلى أنه يجوز أن يكون معرفة وورد منه شيء معرفة (بأل) وبالإضافة، وتأوله البصريون على زيادة (أل)، والحكم بانفصال الإضافة واعتقاد التنكير.

وأما ما جاء من قولهم: «سفه زيد نفسه، وغبن رأيه، ووجع بطنه، وألم رأسه» فتأولوه على تضمين الفعل ما يتعدى، فتنصب تلك الأفعال على المفعول به، أو على انتصابها على إسقاط حرف الجر، أو على التشبيه بالمفعول به.

وإذا كان قد تقدم التمييز فعل متصرف، أو ما يعمل عمله، جاز توسيط التمييز بينه وبين المسند إليه الحكم تقول: طاب نفسًا زيد، وحسن وجها عمرو، وضرب ظهرًا وبطنا بكر، وتفقأ شحما خالد، لا نعلم خلافًا في جواز ذلك،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1633]

وكذلك ما أحسن وجها منك أحد، ومن زعم أنه قد يكون منقولاً من المفعول يجيز التوسط فيقول: غرست شجر الأرض، وفجرت عيونا الأرض.

وأما دارك خلف داري فرسخًا في قول من جعله تمييزًا عن تمام الكلام فلا يجوز توسيطه لا تقول: داري فرسخًا خلف دارك ومن جعله من تمام الاسم فهو أحرى بالمنع، وكون (فرسخًا) تمييزًا، هو على ما فهم من كلام سيبويه، والمبرد يجعله حالاً، وهو أيضًا متأول على سيبويه.

ولو كان الفعل غير متصرف لم يجز توسيط التمييز بينه وبني مطلوبه، تقول: ما أحسن زيدا رجلا، وأحسن بزيد رجلا، ولا يجوز: ما أحسن رجلا زيدا، على التمييز، ولا أحسن رجلا بزيد.

واختلف النحاة في تقديمه على الفعل المتصرف الذي تمييزه منقول، فذهب سيبويه، والفراء، وأكثر البصريين والكوفيين إلى منعه، وبه قال أبو علي في شرح الأبيات وأكثر متأخري أصحابنا.

وذهب الكسائي، والجرمي، والمازني، والمبرد، إلى جواز

[ارتشاف الضرب: 4/ 1634]

ذلك، وهو اختيار ابن مالك، وهو الصحيح لكثرة ما ورد من الشواهد على ذلك، وقياسًا على الفضلات، فإن كان الفعل غير متصرف لم يجز تقديمه عليه، وكذا إن كان متصرفًا، وكان تمييزه غير منقول نحو: كفى يزيد رجلا، ولا يجوز: رجلا كفى بزيد بإجماع، وإن كان منتصبًا عن تمام الجملة على ما ذهب إليه ابن مالك، والصحيح أنه منتصب عن تمام الاسم.

وأما «سفيه زيد رأيه» وأخواته، فذهب البصريون والكسائي إلى جواز تقديم المنصوب على الفعل، لاعتقادهم أنه غير تمييز، وإن اختلفوا في تقدير نصبه، وقياس قول من أجاز نقل التمييز من المفعول أنه على مذهب من منع أن يمنع إن أعربه بدلا، ويجيزان تأويله على الحال، أو على إسقاط الحرف، وأما من أجاز ذلك، فيتخرج على الخلاف الذي في «طاب زيد نفسا» وأما في «أفعل التفضيل فلا يجوز تقديمه عليه لا تقول: زيد وجها أحسن من عمرو».

وأما الوصف مما قيل أنه يجوز تقديمه على فعله نحو: ما نفسا طيب زيد، وقياس من أجاز: نفسًا طاب زيد أن يجيزه، والاتفاق على أنه إذا كان التمييز عن تمام الاسم لا يجوز تقديم التمييز عليه، فإذا قلت: عندي رطل زيتا فلا يجوز، زيتًا رطل، وكذلك، لي مثله رجلاً، لا يجوز: لي رجل مثله، ووقع في بعض هذا خلاف، وذلك إذا انتصب التمييز بعد اسم شبه به الأول لا بلفظ مثل نحو قولك: زيد القمر حسنًا، وثوبك السلق خضرة، فأجاز الفراء، تقديم هذه التمييز على المشبه به، نحو: زيد حسنًا القمر، وثوبك خضرة السلق، على أن يكون زيد

[ارتشاف الضرب: 4/ 1635]

وثوبك مبتدآن والقمر والسلق خبران؛ فإن عكست لم يجز التقديم، لأن المشبه به ليس بخبر، ولو قلت: مررت بعبد الله القمر حسنًا، لم يجز تقديم حسن على القمر؛ لأن القمر ليس بخبر، ومنع ذلك غير الفراء، بل قد ادعى ابن مالك: الإجماع في أنه لا يجوز تقديمه إذا كان عن تمام الاسم، وليس كما ذكر؛ إذ الخلاف موجود في هذه الصورة التي ذكرنا.

وقد عمل بعض الشعراء المحدثين على مذهب الفراء فقال:

رشأ أتانا وهو حسنا يوسف = وغزالة في صحبة بلقيس

ويجوز حذف التمييز إذا قصد إبقاء الإبهام، أو كان الكلام ما يدل عليه، ويجوز أن تبدل من التمييز كقوله تعالى: «ثلاث مائة سنين» في قراءة من نون، و«اثنتي عشرة أسباطا» فـ(سنين) بدلاً من ثلاث مائة. و(أسباطا) بدل من اثنتي عشرة، وتمييزها محذوف تقديره ثلاثمائة زمان أو وقت واثنتي عشرة فرقة، قيل ويكون في المعطوف عليه نحو: ثلاثة وعشرين درهما ونحوه الأصل: ثلاثة دراهم لكنهم تركوه لشبههما بخمسة عشر لدلالة الثاني عليه.

ولا يجوز حذف المميز، وإبقاء التمييز إلا أن يوضع غيره موضعه كقولهم: ما رأيت كاليوم رجلاً، وقد يحذف من غير بدل كقولهم: تالله رجلا أي تالله ما رأيت كاليوم رجلاً.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1636]

باب النواصب للفعل المضارع المعرب

فمن ذلك (أن)، وهي ثنائية الوضع، وهي التي توصل بالماضي، خلافًا لابن طاهر في زعمه أنها غيرها، فهي على مذهبه مشتركة أو متجوز بها، وتخلص المضارع للاستقبال، خلافًا لمن زعم أ،ها قد تأتي غير مخلصة له.

قالوا: وتوصل بالأمر نحو: كتبت إليه بأن قم، وبالنهي نحو: كتبت إليه بأن لا تفعل، وتقدم شيء من الكلام على هذا في باب الموصول.

ولما كانت مع ما بعدها تتقدر بالاسم، وقعت مبتدأة نحو: قوله تعالى: «وأن تصوموا خير لكم»، وخبرًا نحو: الأمر أن تفعل كذا، ولا يكون المبتدأ إلا مصدرًا؛ فإن كانت جثة تؤول، ومعمولة لحرف ناسخ نحو: إن عندي أن تخرج، وإن الرأي أن تخرج، ولا بد أن يكون أحد الجزئين مصدرًا، إلا في (لعل) فيجوز أن يكون جثة نحو: لعل زيدا أن يخرج، حملا على عسى، قيل: ولا يصح أن تقع (أن) في موضع الاسم والخبر فيها فيقال: إن أن يقوم زيد، إلا في ليت: فإنه يجوز ذلك فيها لتأويلها بأتمنى، وقد حملت (لعل) عليها، فهذا يقتضي أن يجوز: ليت أن يقوم زيد، ولعل أن يخرج بكر، ولا أحفظ ذلك إلا في

[ارتشاف الضرب: 4/ 1637]

(أن) المشددة؛ فإنه يجوز أن تقول: ليت أن زيدًا قائم، وأما في (لعل) فأجاز الأخفش: لعل أ، زيدًا أن يخرج قياسًا على ليت، والسماع إنما ورد في ليت وأن المشددة.

فإن كان الحرف غير ناسخ، وكان جارًا؛ فإنه يجوز مطلقًا كان الفعل المتعلق به الحرف قلبيًا أو غير قلبي، ويكثر حذف الحرف إذا لم يلبس نحو: ما منعك أن تأتينا، ولا تلبث أن تأتينا، وحكى سيبويه «أنعم أن تشده» أي من أن تأتينا، وعن أن تأتينا، وفي أن تشده، وإنه أهل أن يفعل، ومستحق أن يفعل، وخليق أن يفعل، وأصلها اللام.

وكذلك المفعول من أجله نحو: «أن تضل إحداهما» ولو حذف الحرف، وكان ما قبله يصلح أ، يضاف إلى «أن والفعل» جاز نحو: «هو أهل أن يفعل»، خلافًا لابن الطراوة؛ فإنه لا يجوز عنده أن يضاف إلى (أن) ومعمولها والسماع يرد عليه.

حكى الثقات: «مخافة أن يفعل» بالإضافة، وإن كانت معمولة لفعل ناسخ، فيجوز أن تقع اسمًا لكان، وخبرًا لها وفي موضع الأول لظن، وفي موضع الثاني لها نحو: كان أن تقعد خيرًا من قيامك، وتكون عقوبتك أن أعزلك، وظننت أن تقوم خيرًا من أن تقعد، إلا في بعض أفعال المقاربة، فإن (أن) لها حكم ذكر هناك.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1638]

ولا تسد (أن) مسد الاسم والخبر في باب كان، وتسد في ظن وأخواتها، ومذهب الجمهور، وسيبويه، والأخفش، وأبي علي: أن علم الباقية على موضعها لا تقع (أن) بعدها إنما تقع (أن) المشددة، وأجاز ذلك الفراء، وابن الأنباري فتقول: علمت أن يخرج زيد، فإن أول بالظن جاز ذلك نحو: ما علمت إلا أن تقوم المعنى: ما أشرت إليك إلا بأن تقوم.

وذهب المبرد إلى أن (أن) التي تنصب المضارع لا تقع بعد لفظ العلم أصلاً انتهى.

وامتنع علمت أن تقوم، وجاز علمت زيدًا سيقوم، وعلمت زيدًا يقوم غدًا، وإذا استعملت ظن لليقين، وليتها أن المشددة، وأن المخففة منها، وللترجيح فيجوز أن يليها (أن) الناصبة للمضارع نحو: ظننت أن يخرج زيد، والغالب على حسب أن تكون للشك، فالأكثر أن يليها أن الناصبة كقوله تعالى: «أحسب الناس أن يتركوا»، «أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا».

[ارتشاف الضرب: 4/ 1639]

وقد تأتي المشددة كقوله تعالى: «وهم يحسبون أنهم يحسنون» والمخففة منها نحو: «وحسبوا ألا تكون» في قراءة من رفع تكون، ومعمولة لفعل غير ناسخ، فأما أن يكون الفعل جزمًا أو غير جزم، إن كان جزمًا قلبيًا لم يجز إلا بحرف جر نحو: عرفت بأن تقوم، ويجوز حذف الحرف.

وإن كان غير قلبي لم يصح فيه (أن)، لا يجوز أن تقول: فعلت أن تقوم تريد القيام، وإن كان غير جزم جاز نحو: طلبت منك أن تقوم، وأردت أن تخرج سواء كان طلبيًا، أم اعتقاديًا نحو: بدا لي أن تقوم.

والمشهور المتقرر أن ما قبل (أن) إن كان فعل تحقيق نحو: علم وتيقن، وتحقق فهي المخففة من الثقيلة، أو صالحًا لليقين، والترجيح جاز أ، تليه (أن) الناصبة للمضارع والمخففة من الثقيلة، وإن كان عاريًا منهما فكذلك نحو: أحببت أن تقوم، وإنك تقوم، وأن لا تقوم، وكرهت أن تقوم، وأنك تقوم وأن لا تقوم.

وفي إجراء الخوف مجرى العلم لتيقن المخوف، فيليه أن المخففة من الثقيلة خلاف، فتقول: خفت أن لا تقوم، وخشيت أن لا تكرمني بالرفع، ذهب سيبويه والأخفش إلى جواز ذلك.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1640]

وذهب المبرد إلى أنه لا يجوز أن يتقدم معمول معمولها عليها نحو: يعجبني زيدًا أن تضرب قال ابن مالك: خلافًا للفراء فأطلق، وقال ابن كيسان: أجاز الكوفيون والكسائي، والفراء، وهشام، وغيرهم من الكوفيين تقديم بعض هذا في أماكن، فأجازوا: طعامك أريد أن آكل، وطعامك عسى أن آكل، وكأن (أن) عندهم مجتلبة بأريد وعسى، وكان الكلام أصله: طعامك آكل فيما أرى، وفيما أريد، ولا يجوز ذلك عند البصريين، ولا يجوز الفصل بينها وبين معمولها بشيء، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وأجاز بعضهم الفصل بينهما بالظرف وشبهه نحو: أريد أن عندي تقعد، وأريد أن في الدار يقعد، وأجاز الكوفيون الفصل بالشرط، وأجازوا أيضًا إلغائها وتسليط الشرط على ما كان يكون معمولاً له لولاه نحو: أردت أن إن تزرني أزورك بنصب أزورك، والفصل بالشرط وأزورك بالجزم جوابًا للشرط، وإلغاء (أن)، وقالوا: النصب على تأخير الشرط، والجزم على أنه خبر وقع موقع الجواب، فغلب عليه حكمه، وهو في النية منصوب (بأن)، وأبطلوا دخول الفاء، وأن يقال: أردت إن تزرني فأزورك على أن الفاء جواب الشرط، وأجازوا ظننت أن إن تزرني أزورك بالنصب وأزرك بالجزم، وفأزورك بالفاء والرفع.

وندر مجيء الجملة الابتدائية بعد (أن) هذه نحو قوله

... ... ... .... = فعاش الندى بعد أن هو خامل

[ارتشاف الضرب: 4/ 1641]

ورفع المضارع بعدها كقراءة مجاهد «لمن أراد أن يتم الرضاعة» تشبيها لها بما المصدرية عند البصريين، وعلى أنها المخففة من الثقيلة عند الكوفيين كذا قال ابن مالك وقال ابن الأنباري، وقد أنشد أبياتًا جاء المضارع بعد (أن) فيها مرفوعًا قال: شبهوا (أن) بالذي إذ كان الفعل يرفع في صلته.

واتفق الكسائي والفراء على أ، ذلك لا يقاس، ولا يحتمل في الكلام. انتهى ملخصًا.

ولا تعمل (أن) زائدة خلافًا للأخفش، ولا حجة له فيما استشهد به، والمشهور عند العرب ا، عمل (أن) في المضارع النصب وقال الرياشي: فصحاء العرب ينصبون بأن وأخواتها الفعل، ودونهم قوم يرفعون بها، ودونهم قوم يجزمون بها انتهى، وحكى الجزم بها أبو عبيدة، واللحياني، وذكر أن الجزم بها لغة بني صباح.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1642]

(لن)

مذهب سيبويه، والجمهور أنها بسيطة، وذهب الخليل والكسائي إلى أنها مركبة من لا و(أن)، وحدث بالتركيب معنى لم يكن قبل التركيب، واستقلت بما بعدها كلامًا، وذهب الفراء إلى أنها (لا) النافية أبدل من ألفها نون، وذهب المبرد إلى أن (لن) والفعل في موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف التقدير في لن تقوم «لا أن تقوم» موجود.

والمشهور نصب المضارع بعدها، وحكى اللحياني في نوادره عن بعض العرب جزمه، وهو منفي بها، مخلص للاستقبال، وكذا بقية النواصب كالسين وسوف ولذلك لا يجتمعان، قال ذلك سيبويه وغيره، وخالف في ذلك بعض المتأخرين، حتى ألف في ذلك كتابًا قاله السهيلي، واستقبله محدود بوقت، وبغير وقت، ولا يدل على نفي الفعل في جميع الزمان المستقبل، ونقل ابن مالك أن:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1643]

الزمخشري خص النفي بالتأبيد، ونقل ابن عصفور عنه أنه زعم أن (لن) لتأكيد ما تعطيه لا من نفي المستقبل، وأن مذهب سيبويه والجمهور أن (لن) لنفي المستقبل من غير أن يشترطا أن يكون النفي بها آكد من النفي بلا، ودعوى بعض أهل البيان أن (لن) لنفي ما قرب، ولا يمتد نفي الفعل فيها كما يمتد في النطق (بلا) من باب الخيالات التي لأهل علم البيان.

ولا يكون الفعل معها دعاء خلافًا لقوم حكاه ابن السراج، واختاره ابن عصفور واستدلوا بقول الشاعر:

لن تزالوا كذلك ثم لاز = لت لكم خالدًا خلود الجبال

ولا يجوز الفصل بينها وبين معمولها إلا إنه ورد الفصل (بما) المصدرية الظرفية في ضرورة الشعر نحو قوله:

لن ما رأيت أبا يزيد مقاتلا = ادع القتال وأشهد الهيجاء

هذا مذهب البصريين، وهشام، وأجاز الكسائي، والفراء الفصل بينهما بالقسم نحو: لن والله أكرم زيدا، وزاد الكسائي أنه أجاز الفصل بينهما بمعمول نحو: لن زيدًا أكرم، وزاد الفراء الفصل بأظن نحو: لن أظن أزورك، وبالشرط فتنصب، أو تجزم جوابًا للشرط نحو: لن إن تزرني أزورك وأزرك، فتلغى لن.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1644]

وأصحاب الفراء يفرقون بين (لن)، والمنصوب اختيارًا، ويجوز تقديم معمولها المنصوب نحو: زيدًا لن أضرب، ونقل سيبويه عن العرب: أما زيدًا فلن أضرب إلا أن يكون تمييزًا فلا يجوز تقديمه على مذهب سيبويه والجمهور، لا تقول: عرقًا لن يتصبب زيد، وخالف علي بن سليمان الأخفش، فمنع تقديم معمول المعمول مطلقًا، وطرده بعضهم فيما كان (لن) نفيًا لموجبه نحو: سأضرب زيدًا، فمنع زيدًا سأضرب، ولما كانت لن أضرب، محمولاً على سأضرب لم يجز زيدًا لن يفعل، ولا يضرب بنصب يضرب: لأن الواو كالعامل، وفصلت بينهما وبين المعمول (بلا) وأنت لا تقول: لن لا أضرب وكذلك هذا.

(كي)

حرف باتفاق، ومذهب سيبويه، والأكثرين أنها تكون جارة بمعنى اللام، وناصبة للمضارع، فإذا نصبت، فسيبويه يقول: تنصب هي بنفسها، والخليل والأخفش يقولان: أن مضمرة بعدها، وذهب الكوفيون إلى أنها مختصة بالفعل فلا تكون جارة، وقيل مختصة بالاسم فلا تكون ناصبة للمضارع، وسمع من لسان العرب: جئت كي أتعلم، ولكي أتعلم، ولكيما أن أتعلم بالنصب، وكيما أن أتعلم، وكي لأتعلم، و

... ... ... .... =  ... ... ... كيما يضر وينفع

[ارتشاف الضرب: 4/ 1645]

بالرفع، وقالوا (ما) في هذه مصدرية، ويحتمل عندي أن تكون كافة، وسمع من لسانهم: كيمه، فقال البصريون معناه: لمه، وقال الكوفيون: أصله «كي يفعل ما» استثباتًا، لمن قال: «فعلت كذا كي أفعل كذا» فلم يفهمه المخاطب فاستثبت فقال: «كي تفعل ما» فحذف الفعل، وما منصوبة.

وإذا انتصب المضارع بعد (كي)، فلا تدل على سببية، ولا تتصرف تصرف (أن)، لا تكون مبتدأة، ولا فاعلة، ولا مفعولة، ولا مجرورة بغير اللام، ولا يمنع تأخر معمولها نحو: كي تكرمني جئتك، ونفرع على مذهب سيبويه، فإن دخل عليها اللام كانت هي الناصبة بنفسها، فتقدر مع ما بعدها بالمصدر.

وإن لم تدخل عليها اللام احتمل أن تكون الناصبة بنفسها، فتقدر مع ما بعدها بالمصدر.

وإن لم تدخل عليها اللام احتمل أن تكون الناصبة، وحذفت اللام كما تحذف مع أن، واحتمل أن تكون الجارة، وانبنى على هذا فرع، وهو أنه إن قدرتها الجارة، فلا يجوز دخولها على (لا)، وإن قدرتها الناصبة جاز، وإذا كانت الناصبة، وجاءت أن بعدها فالعمل لها، و(أن) زائدة للتوكيد ضرورة عند البصريين كما زيدت للتأكيد في قوله:

أردت لكيلا أ، تكون كمثلها = ... ... ... ... ... ...

ولا تقاس زيادة (أن) بعد كي، وقاسه الكوفيون يقولون: جئت كي أن أزورك، والمحفوظ إظهار (أن) بعد (كي) المتصل بها (ما)، وأما بغير (ما)

[ارتشاف الضرب: 4/ 1646]

وقال ابن مالك: ينصب بـ (كي) نفسها إن كانت الموصولة وبـ(أن) مضمرة بعدها غالبًا إن كانت الجارة، ومذهب البصريين أن (أن) مضمرة بعدها على سبيل الوجوب، فلا يجوز إظهارها فقوله غالبًا جنوح إلى مذهب الكوفيين، وقال: ويتعين الأولى بعد اللام غالبًا احترازًا من قوله:

... ... ... لكيما أن تطير ... ... = ... ... ...

فيظهر أن النصب عنده (بأن) هذه، وكي حرف جر تأكيد للام، وقال بعض أصحابنا: النصب بكي، و(أن) زائدة، قال: والثانية قبلها هي الجارة إذا جاءت قبل اللام نحو: جئت كي لأقرأ، وهو تركيب نادر، وقال: ويترجح مع إظهار (أن) مرادفة اللام على مرادفة (أن) نحو: لكيما أن تقوم، فيكون حرف جر.

ويجوز الفصل بين كي ومعمولها (بلا) النافية نحو: قوله تعالى: «كي لا يكون دولة» وبما الزائدة كقوله:

تريدين كيما تجمعيني وخالدًا = ... ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1647]

وبهما كقوله:

أردت لكيما لا ترى لي عثرة = ... ... ... ...

وقد تجعل العرب (ما) اللاحقة لها كافة نحو:

... ... ... ... ... = ... .... كيما يضر وينفع

برفع الفعلين، وأما الفصل بغير ما ذكر، فلا يجوز عند البصريين وهشام، ومن وافقه من الكوفيين، وذهب الكسائي إلى جواز الفصل بينهما بمعمول الفعل الذي دخلت عليه، وبالقسم، وبالشرط الملاصق لها، فيبطل عملها فتقول: أزورك كي زيدًا تكرم، وأزورك كي والله تزورني، وأزورك كي إن تكافئني أكرمك.

وقال ابن مالك: ولا يبطل عملها الفصل خلافًا للكسائي، وشرح ابنه بدر الدين كلام أبيه، فقال: قد يفصل بالمعمول، أو بجملة شرطية، فيبقى النصب

[ارتشاف الضرب: 4/ 1648]

من كلامهم: جئت كي فيك أرغب، وجئتك كي إن تحسن أزورك، بنصب أرغب وأزورك، والكسائي يجيز الكلام برفع الفعلين دون نصبهما، وهذا الذي قاله ابن مالك وشرحه ابنه موافق عليه قول ثالث لم يتقدم إليه، ولا يجوز تقديم معمول منصوبها عليها، لا يجوز: جئت النحو كي أتعلم، تريد: كي أتعلم النحو، وأجاز ذلك الكسائي، ولا على المعمول لا يجوز: النحو جئت كي أتعلم، ولا يبعد أن يجرى في هذه المسألة خلاف الكسائي، لكني لم أنقله، وأجاز الكوفيون والمبرد النصب (بكما) بمعنى كيما، ومنعه البصريون، فأولوا ما ورد من سماع ذلك، واتفق الكوفيون على إجازة النصب والرفع بعدها في نحو: أزورك كما تزورني وتزورني، فالنصب (بكما) إذا كانت بتأويل (كيما)، والرفع عندهم من وجوه:

أحدها: أن تكون الكاف للتشبيه، وما مصدرية كأنه قال كزيارتك لي.

والثاني: أن يكون كما وقتًا نحو: ادخل كما يسلم الإمام، وتصرف كما يجلس الوزير؛ أي في ذلك الوقت.

والثالث: أن تقيد التشبيه، ولا تنصم (ما) إلى ما بعدها، ولا تختلط به نحو: أنا عندك كما كنت عندي، وقوله تعالى: «اجعل لنا إلها كما لهم آلهة» فكما بجملتها مفيدة للتشبيه، وما غير مختلطة بما اتصل بها من بعدها، ويعنون بكونها غير مختلطة أنها كافة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1649]

(إذن)

ذهب الجمهور إلى أنها حرف بسيط، وبعض الكوفيين إلى أنها اسم ظرف، وهو (إذ) ألحقه التنوين، ونقل إلى الجزائية، فبقى منه معنى الربط والسبب.

وأصلها: إذا جئتني أكرمتك، حذف ما تضاف إليه إذا، وعوض منها التنوين كما عوضوا في حينئذ، وحذفت الألف لالتقاء الساكنين، وذهب الخليل فيما حكى عنه غير سيبويه إلى أنها حرف مركب من (إذ) و(أن)، وغلب عليها حكم الحرفية، ونقلت حركة الهمزة إلى الذال، وحذفت والتزم هذا النقل، فإذا قال: أزورك، فقلت: إذا أزورك، فكأنك قلت: حينئذ زيارتي واقعة، ولا يتكلم بهذا.

وحكى أبو عبيدة عن الخليل  إضمار (أن) بعد (إذن) وبه قال الزجاج، والفارسي، وحكى سيبويه عنه أنها تنصب بنفسها، وذهب الأستاذ أبو علي الرندي تلميذ السهيلي إلى أنه مركب من (إذا) و(أن) حذفت همزة (أن) وألف (إذا) لالتقاء الساكنين، فتدل على الربط كـ(إذا) وتنصب بـ(أن).

وتلى (إذن) الجملة الاسمية يقول: أزورك فتقول: إذن أنا مكرم لك، وتتوسط

[ارتشاف الضرب: 4/ 1650]

بين المبتدأ وخبره نحو: أنا إذن مكرم لك، وبين معمول الناسخ وخبره نحو قوله تعالى: «إنكم إذا مثلهم»، ولـ(إذن) أحوال مع المضارع التقديم والتوسيط والتأخير؛ فإن تأخرت عن المضارع فلا عمل لها نحو: أكرمك إذن، وإن تقدمت والمضارع حال فلا عمل لها فيه، أو مستقبل وليها، فالمشهور من لسان العرب النصب في المضارع، وحكى عيسى بن عمر: أن بعض العرب يلغيها، وقيل نقله في ذلك البصريون، وأحمد بن يحيى على ندور هذه اللغة، ولم يجز ذلك الكسائي، ولا الفراء، ولا غيرهما ممن وافقهما، وزعم ابن طاهر أن ما رواه عيسى من الرفع إنما جاز ذلك فيه، لأنه فعل حال لا مستقبل.

وإن توسطت ولم يفتقر ما قبلها إلى ما بعدها افتقارًا لا بد منه، وذلك بأن يتقدمها حرف عطف، وكان ما بعدها معطوفًا على ماله محل من الإعراب، فلا عمل لها نحو: زيد يقوم، وإذن يكرمك إذا جعلته معطوفًا على الخبر، وإن تزرني أزرك، وإذن أحسن إليك إذا جعلته معطوفًا على الجزاء، أو على ما ليس له محل من الإعراب، كعطفك من المسألتين على المبتدأ والخبر، وعلى الشرط وجوابه جاز أن تعمل، وألا تعمل، والأكثر ألا تعمل، قال تعالى: «فإذًا لا يؤتون الناس نقيرا».

[ارتشاف الضرب: 4/ 1651]

«وإذًا لا يلبثون خلفك إلا قليلا» وقال بعض أصحابنا: إذا عطفت على الجملة المتقدمة عملت، وصار لها حكمها إذا ابتدئت، وإن افتقر كافتقار الشرط إلى جزائه، أو القسم إلى جوابه تعين أن يكون ما يليها جوابًا فلم تعمل نحو: إن تزرني إذن أكرمك ونحو: والله إذن لأكرمنك، وكافتقار الخبر إلى المخبر عنه، فمذهب البصريين أنه لا يجوز الإعمال نحو: زيد إذن يكرمك، كما إذا توسط بين الشرط، والقسم، وجوابهما، وفصل الكوفيون فقالوا: إن وقع بين مبتدأ وخبر نحو: زيد إذن يكرمك، فهشام يجيز النصب والرفع، وبعد اسم إن، فأجاز الكسائي، والفراء ذينك نحو: إن عبد الله إذن يزورك بالرفع والنصب، أو بعد اسم أن، والفاتح الظن وما أشبهه نحو: ظننت أن عبد الله إذن يزورك فالوجهان، أو غير الظن، أو ما أشبهه فإبطال العمل عند الفراء نحو: يعجنبي أن عبد الله إذن يزورك بالرفع لا غير، وقياس قول الكسائي جواز الوجهين [أو بعد اسم كان نحو: كان عبد الله إذن يكرمك فالوجهان عند الكسائي، وإبطال العمل عند الفراء إلا في ضرورة الشعر، فيجوز عنده الإعمال، وبعد الثاني لظننت، فالإبطال عند الفراء، وقياس قول الكسائي جواز الوجهين] ومورد السماع قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1652]

إني إذن أهلك أو أطيرا

فتأوله البصريون، وبنى عليه الكوفيون المسائل، ولا يجوز الفصل بين (إذن) ومنصوبها إلا إذا كان القسم محذوف الجواب، وبلا النافية نحو قوله:

إذن والله نرميهم بحرب = ... ... ...

وقوله تعالى: «فإذًا لا يؤتون» في قراءة من نصب، وأجاز ابن طاهر، وابن بابشاذ، الفصل بينهما بالدعاء والنداء نحو: إذن يا زيد أحسن إليك، وإذن يغفر الله لك يدخلك الجنة، وبعض النحويين بالظرف، وإليه ذهب ابن عصفور، وشيخنا أبو الحسن الأبذي، والصحيح أن ذلك لا يجوز.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1653]

وذهب الكسائي، والفراء، وهشام، إلى جواز الفصل بين (إذن) والفعل بمعمول الفعل نحو: إذن زيدًا أكرم، وإذن فيك أرغب، وأجازوا في المضارع الرفع، واختاره الفراء، وهشام، والنصب واختاره الكسائي.

ولو قدمت معمول الفعل على (إذن) نحو: زيدًا إذن أكرم، جاز ذلك عند الكسائي، والفراء، إلا أن الفراء يبطل عملها، والكسائي يجيز الإبطال والإعمال، ولا نص عند البصريين أحفظه في ذلك، والذي تقتضيه قواعدهم المنع.

وإذا وقع الفعل خبرًا لظن نحو: ظننت زيدًا إذن يقوم، فقال الفراء يبطل عملها، وهو قياس قول الكسائي.

و(إذن) قال سيبويه معناها الجواب، والجزاء، فحمل هذا الكلام الأستاذ أبو علي ظاهره، وتكلف في كل مكان وقعت فيه أنها جواب وجزاء، وفهمه الفارسي على أنه تارة يكون للجواب فقط، نحو: أن يقول لك القائل: أحبك فتقول: إذن أظنك صادقًا، فلا يتصور هنا الجزاء، وتقديره: إذا أجبتني أظنك صادقًا، وتارة تكون للجواب، والجزاء وهو الأكثر فيها نحو أن يقول: أزورك، فتقول: إذن أكرمك، التقدير: إن ترزني أكرمك فهذا جواب وجزاء لقوله: أزورك.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1654]

وإذا أتى بعد (إذن) الماضي مصحوبًا باللام نحو: قوله تعالى: «إذًا لأذقناك»، فالذي يظهر أن ذلك الفعل جواب قسم مقدر قبل (إذن)، فلذلك دخلت اللام على الماضي، وقال الفراء: لو مقدرة قبل (إذن)، فقدر في قوله: «إذًا لأذقناك»: لو ركنت لأذقناك وفي قوله: «إذًا لذهب» لو كان معه آلهة لذهب وفي قوله: «لاتخذوك خليلا» ولو فعلت لاتخذوك قال بعض أصحابنا: (إذًا) وإن دلت على أن ما بعدها مسبب على ما قبلها على وجهين: أحدهما: أن تدل على إنشاء الارتباط، والشرط بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها في ثاني حال، فإذا قلت أزورك فقلت: إذن أزورك، فإنما أردت أن تجعل فعله شرطًا لفعلك، وإنشاء السببية في ثاني الحال من ضرورته أنها تكون في الجواب، وبالفعلية، وفي زمان مستقبل.

والوجه الثاني: أن تكون مؤكدة جواب ارتبط بمتقدم، أو منبهة على مسبب حصل في الحال نحو: إن أتيتني إذا آتك، ووالله إذن أفعل، وإذن أظنك صادقًا، تقوله لمن حدثك، فلو حذفت إذن فهم الربط، وإذا كان بهذا المعنى، ففي دخولها على الجملة الصريحة نظر نحو: إن يقم زيدًا إذن عمرو قائم، قال: والظاهر الجواز.

ولا يجوز حذف معمول هذه النواصب، وتبقى هي لا اقتصارًا ولا اختصارًا، ولا يجوز في نحو: أتريد أن تخرج؟ أن تقول: أتريد أن، وتحذف تخرج ولو دل دليل على حذفه، ووقع في صحيح البخاري في قوله تعالى: «وجوه

[ارتشاف الضرب: 4/ 1655]

يومئذ ناضرة» «فيذهب كيما فيعود ظهره طبقًا واحدًا» يريد كيما يسجد، قال بعض أصحابنا هذا كقولهم: جئت ولما، انتهى.

ونحو ما تأوله الكوفيون في قوله لكيما أن أصله (كي) يفعل ما، فحذف معمول (كي) وقد تقدم ذلك.

(لام الجحود)

ناصبة بنفسها عند الكوفيين، ولقيامها مقام (أن) عند ثعلب، وبإضمار (أن) عند البصريين وجوبًا، وشرطها أن يكون قبلها كون ماضٍ لفظًا، أو معنى ناقص منفي بما، أو بلم، نحو: «ما كان الله ليذر»، ولم يكن زيد ليذهب، ولا يكون النفي هنا بـ(ما)، ولا (بلا)، ولا بـ(لما)، ولا (يكن).

وذهب بعض النحويون إلى جواز ذلك في أخوات كان قياسًا عليها فتقول: ما أصبح زيد ليضرب عمرًا، ولم يصبح زيد ليذهب، وذهب بعضهم إلى جواز ذلك في ظننت فتقول: ما ظننت زيدًا ليضرب عمرا، ولم أظن زيدًا ليضرب عمرا.

وذكروا أن قول العرب: ما كان زيد ليفعل، نفي لقولهم: كان سيفعل،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1656]

فاللام مقابلة السين، ولذلك لا يجوز؛ ما كان سيفعل، ولا سوف يفعل استغناء بقولهم: ما كان زيد ليفعل، وقد أجاز ذلك بعض أصحابنا، ويحتاج إلى سماع، ولا يجوز في نفي: كان زيد سيفعل أن تقول: ما كان زيد يفعل، فتسقط اللام، وقد أجاز ذلك بعض النحويين على قلة، فأما ما ورد من قولهم: ما كان زيد يفعل، فأن يفعل أريد به الاستقبال، ولما كانت أن مضمرة على مذهب البصريين، وهي تنسبك منها مع الفعل مصدر مقدر جره بلام الجر عندهم لزم أن يكون خبر كان هو المحذوف، الذي يتعلق به اللام، فيكون النفي متسلطًا على ذلك الخبر المحذوف، فينتفي بنفيه متعلقه، فيقدرون في: «وما كان الله ليطلعكم» أي يريد لإطلاعكم، ويكون خبر كان ملتزمًا فيه الحذف في هذا التركيب، ويدل على هذا المحذوف أنه سمع به مصرحًا في قول الشاعر:

سموت ولم تكن أهلا لتسمو = ... ... ... ...

لكن التصريح به في غاية الندور، وفي البديع لمحمد بن مسعود الغزني: «وما كان الله ليضيع إيمانكم» لا يجوز لأن يضيع إلا بشرط أن يظهر خبر كان فتقول ما كان الله مريدًا؛ لأنه يضيع إيمانكم، وذلك لأن المحذوفات من كلام مشهور إذا أريد ردها فالحق أن ترد كلها حتى يرجع الكلام إلى أصله، أو تضمر

[ارتشاف الضرب: 4/ 1657]

كلها حتى يبقى الكلام على شهرته نحو: إياك والأسد، فلا يجوز: أن يرد بعضها، ويضمر بعض، لا تضمر، إياك احفظ والأسد، بل احفظ إياك، واحذر الأسد. انتهى.

ولما كان (أن) مضمرة بعد اللام أجاز بعض النحويين من البصريين حذف اللام، وإظهار (أن) نحو: ما كان زيد أن يقوم، وقال ابن الأنباري: العرب تدخل (أن) في موضع لام الجحود فيقولون: ما كان عبد الله لأن يظلمك، ولم يكن محمد أن يختصمك، قال: ولا موضع (لأن) من الإعراب، لأنها أفادت ما أفادت اللام، ولا يجوز: ما كان عبد الله لأن يزورك، بإظهار (أن) بعد اللام عند كوفي ولا بصري. انتهى.

والصحيح أنه لا يكتفي بأن عن اللام، وقد اضطرب في ذلك ابن عصفور، فمرة أجاز، ومرة منع، ولما كانت اللام هي الناصبة عند الكوفيين كان الخبر هو نفس الفعل فالنفي متسلط عليه، واللام عندهم زائدة لمجرد التوكيد، فلذلك أجازوا أن يتقدم معمول الفعل المنصوب بها عليها نحو: ما كان زيد عمرًا ليضرب؛ أي ليضرب عمرًا، وأجاز بعضهم أيضًا إظهار أن بعدها، نحو: ما كان زيد لأن يقوم على سبيل التأكيد، وهذا مخالف لما حكى ابن الأنباري عن الكوفيين أنهم لا يجيزون ذلك، ويتركب من قول ابن مالك مذهب لم يقل به أحد، وذلك أنه زعم أن (أن) لازمة للإضمار، وأن النصب بها، وزعم أن الفعل بعد اللام هو الخبر لكان، وليس هذا بقول بصري ولا كوفي.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1658]

وهذا الذي ذكرناه من خصوصية حرف النفي، والفعل المنفي به هو المشهور والمنصور في لام الجحود.

وزعم بعضهم أنها تكون في كل فعل منفي تقدمه فعل نحو: ما جئت لتكرمني، ومن جعل لام الجحود لام (كي) فساه، ولا يجيء قبل لام الجحود اسم مفرد، بل جملة بالشروط التي ذكرنا فأما قول الشاعر:

فما جمع ليغلب جمع قومي = مقاومة ولا فرد لفرد

فجاء على تقدير: فما قوم يجتمعون، وذكر أبو عبد الله بن هشام الفهري (في كتابه المقرب) أن الفعل الداخل عليه لام الجحود لا يرفع إلا ضمير الاسم السابق لا السببي، فلا يجوز أن تقول: ما كان زيد ليقوم أخوه، لأنه سببي، ولا نعلم أحدًا نبه على هذا إلا ابن هشام.

(لام كي) سميت بذلك، لأنها للسبب كما أن كي للسبب، وهي عند البصريين حرف جر يجوز أن يأتي بعدها (أن) أو (كي)، فإن جاء بعدها (لا) النافية لا الزائدة كقوله: «لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون»، وجب إظهار أحد الحرفين نحو: أجيئك لئلا تغضب، أو لكيلا تغضب، فإذا قلت: أزورك لتغضب فالنصب عند جمهورهم بإضمار (أن) لا بإضمار (كي).

وأجاز ابن كيسان أن يقدر المضمر (أن) أو (كي)، وذهب الكوفيون إلى

[ارتشاف الضرب: 4/ 1659]

أن هذه اللام ناصبة بنفسها كما قالوا في لام الجحود، وما ظهر بعد هاتين (أن) أو (كي) مؤكد لها.

وإن جاءت (أن) بعد اللام وكي، فهو جائز يصح عندهم نحو: جئت لكي أن أقصدك، قالوا: وكثير في لسان العرب «جئت لأقصدك»، وقيل كي لأقصدك.

وذهب ثعلب إلى أن هذه اللام تنصب بنفسها لقيامها مقام (أن)، وزعم الفراء أن العرب تجعل لام (كي) في موضع (أن) في أردت وأمرت، قال تعالى: «يريدون ليطفئوا» و«أن يطفئوا» و«وأمرنا لنسلم» و«أن أسلم».

وذهب سيبويه وأصحابه إلى أن الفعل مقدر بالمصدر أي إرادتهم ليطفئوا، وأمرنا لنسلم، فينعقد من ذلك مبتدأ وخبر، وقيل اللام زائدة، وأن مضمرة بعدها، والذي نذهب إليه أن متعلق الفعل محذوف واللام لام كي، والتقدير: يريدون ما يريدون من الكفر، ليطفئوا، وأمرنا بما أمرنا لنسلم، وذهب الكوفيون والأخفش، إلى أن اللام تكون للعاقبة، وتسمى أيضًا لام الصيرورة، ولام المآل، ومن قال بذلك من البصريين أضمروا (أن) بعدها نحو قوله تعالى: «فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا» والكوفي على مذهبه في أنها هي الناصبة، وجمهور البصريين تأولوا ما أوهم ذلك.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1660]

واعلم أن لام الجحود، ولام (كي)، كل منهما متميز عن الآخر، لكنهم ذكروا فروقًا تنجر معها أحكام، قالوا: فاعل فعل الجحود لا يكون غير مرفوع (كان)، فلا يجوز: ما كان زيد ليذهب عمرو، ولا يكون قبلها فعل مستقبل (بلن)، فلا يجوز: لن يكون زيد ليفعل، ولا يكون الفعل المنفي مقيدًا بظرف، فلا يجوز: ما كان زيد أمس ليضرب عمرًا، ولا يوجب الفعل معها، لا يجوز: ما كان زيد إلا ليضرب عمرًا، ولا تقع موقعها (كي): لا يجوز: ما كان زيد كي يضرب عمرًا، والمنصوب بعدها لا يكون سببًا فيما قبلها، والنفي معها يتسلط في مذهب البصريين على المحذوف المتعلق به اللام، وأنها تتعلق بذلك المحذوف الواجب حذفه عندهم مقدرًا في كل موضع بما يناسب، وأنها تقع بعد ما لا يستقبل كلامًا فأما قوله:

فما جمع ليغلب جمع قومي =... ... ... ...

فقدره الفراء: فما قوم يجتمعون ليغلب جمع قومي، وقدره غيره على إضمار كان؛ أي فما كان جمع، كما قال أبو الدرداء في الركعتين بعد العصر «ما أنا لأدعهما» أي ما كنت لأدعهما، فلما حذف كان انفصل الضمير.

ولام (كي) بخلاف (لام) الجحود في كل ما ذكر من الأحكام. وحركة لام (كي) الكسر والفتح لغة، قرأ سعيد بن جبير «وإن كان مكرهم لتزول» بالفتح، وحكى الكسائي عن أبي حرام العتكي ما كنت لآتيك بفتح اللام.

(حتى)

إذا كان المضارع بعدها منصوبًا، فمذهب سيبويه والبصريين أنها حرف

[ارتشاف الضرب: 4/ 1661]

جر، والنصب بعدها بإضمار أن، ومذهب الكسائي، أنها ناصبة له بنفسها.

وإذا جاء الجر في الاسم بعدها، فبإضمار (إلى) ويجوز عنده إظهارها، ومذهب الفراء: أنها ناصبة بنفسها، وليست الجارة، وعنه أن الجر للاسم بعدها إنما هو لنيابتها مناب (إلى)، وذهب بعض الكوفيين إلى أنها ناصبة بنفسها كـ(أن)، جارة بنفسها لشبهها بـ(إلى)، وأجاز هؤلاء القائلون بأنها ناصبة بنفسها إظهار أن بعدها توكيدًا نحو: لأسيرن حتى أن أصبح القادسية، كما أجازوا ذلك بعد لام الجحود.

وذكر النحويون أنه إذا انتصب الفعل بعدها تكون علة وسببًا لما بعدها نحو: أسلمت حتى أدخل الجنة، وللغاية نحو: أسير حتى تطلع الشمس أي إلى أن تطلع الشمس، وذكر ابن هشام، وابن مالك: أنها قد تأتي بمعنى (إلا أن)؛ فتكون للاستثناء المنقطع، واحتجا بما احتمل التأويل فيه بمعنى إلى فتكون للغاية.

وذكر في البسيط عن بعضهم في نحو: لا أقوم حتى يقوم قال المعنى: إلا أن يقوم، وقول سيبويه في قولهم: «والله لا أفعل إلا أن تفعل» المعنى

[ارتشاف الضرب: 4/ 1662]

حتى تفعل ليس بنص على أن (حتى) إذا انتصب ما بعدها تكون بمعنى (غلا أن)؛ لأن قوله ذلك تفسير معنى.

وإذا عطفت على منصوبها: فقد تظهر (أن) في المعطوف، نحو: أصحبك حتى أتعلم، وأن أسود، وما قبل حتى إما أن يكون واجبًا، أو غير واجب، إن كان غير واجب، نحو: ما سرت حتى أدخل المدينة، فالنصب، وأجاز أبو الحسن الرفع قياسًا، فقيل هي مسألة خلاف بين سيبويه وأبي الحسن، وقيل ليست مسألة خلاف، لأن الوجه الذي منع سيبويه الرفع فيه غير الوجه الذي جوز فيه الأخفش الرفع.

فالوجه الذي منع سيبويه هو أن النفي للسير لا يكون سببًا للدخول، والوجه الذي جوز الأخفش به هو أن يكون أصل الكلام واجبًا، وهو سرت حتى أدخل المدينة ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره، فينتفي أن يكون عندك سير كان عنه دخول، فكأنك قلت: ما وقع السير الذي كان سببًا لدخول المدينة، وصحح ابن عصفور قول الأخفش، وتارة أبطله.

وقد نص الأخفش على أن العرب لم ترفعه، وإنما قاله قياسًا، فكفى مؤنة الرد عليه، وقال أبو عمر في الفرخ: سمعت يونس يقول: إن من العرب من ينصب بـ(حتى) في كل شيء فهذا وجه آخر، ولغة شاذة لا ينبني الكلام عليها. انتهى.

وتقول: سرت حتى أكاد أو أدخل، قال الأخفش: ينصبه النحويون، ويجوز عندي الرفع، فأما التقليل نحو: قلما سرت حتى أدخلها، ولقلما سرت حتى أدخلها، فذلك عند سيبويه مثل: ما سرت حتى أدخلها، تنصب.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1663]

وأجاز أبو علي، والرماني، وابن السيد، وجماعة الرفع بعد (قل) إذا أريد بها التقليل لا النفي، وسيبويه منعه في التقليل من غير تفصيل، كما منعه في النفي، وقال غير أبي علي: إذا أقللت تقليلاً لا يؤدي إلى الدخول نصبت، ولك أن ترفع، وإن قللت إذا أردت أنك مع قلته أدى إلى الدخول والتحقير بعد إنما نحو: إنما سرت حتى أدخلها تنصب، وإن لم تجعله علة ولم تحقره رفعت.

ودخول الاستفهام على الفعل كالنفي نحو: أسرت حتى تدخلها؟ نصبت؛ فإن كان الاستفهام عن فاعل الفعل لا عن الفعل نفسه نحو: من سار حتى يدخلها؟ جاز الرفع؛ فإن كان واجبًا، فإما أن يكون ما قبلها سببًا لما بعدها أو لا، إن لم يكن سببًا نحو: سرت حتى تطلع الشمس، وجب النصب على الغاية، وأجاز الكوفيون فيه الرفع، وحكوا من كلام العرب: سرت حتى تطلع الشمس برفع تطلع، وحكى الكسائي «إنا لجلوس فما نشعر حتى يسقط بيننا حجر» برفع يسقط، وقال الكوفيون: إن أدخلت (لا) اعتدل الرفع والنصب إن صلحت ليس موضع (لا) نحو: إن الرجل ليصادقك حتى لا يكتمك سرًا، وإن لم يصلح لم يجز إلا النصب.

فإن كان الفعل مستقبلاً وافقوا البصريين على وجوب النصب كقوله

[ارتشاف الضرب: 4/ 1664]

تعالى: «لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى».

وللكوفيين تفصيل في غير السببي قالوا: الفعل بعد حتى إن كان حادثًا، فالنصب نحو: سرت حتى تطلع الشمس، أو غير حادث فالرفع نحو: سرت حتى يعلم الله أني كال، ووافق البصريون على الرفع، لا لعلة أنه غير حادث بل لكونه فعل حال لا مستقبلاً.

وإن كان ما قبلها سببًا لما بعدها، ووقعت حتى في موضع خبر، فالنصب على الغاية نحو: سيرى حتى أدخل المدينة، وكان سيرى حتى أدخلها، ويكون فاعل الفعل الذي بعد حتى هو المسند إليه ما قبلها كما مثلنا، أو سببي يشعر به اللفظ السابق نحو: سرت حتى يدخل ثقلي، أو راحلتي، أو عبد الله، إن كان من أتباعك مما يكون سيرك سببًا لدخوله، وإن لم يقع في موضع خبر، وكان الفعل متطاولاً جاز النصب على الغاية إن أردتها وعلى التعليل إن أردته، نحو: أصحبك حتى أتعلم.

وإن كن قصيرًا فعلى التعليل نحو: وثبت حتى آخذ بحلقه، خلافًا للفراء: فإنه لا يجيز إذا كان الفعل قيل حتى لا يمتد إلا الرفع، وزعم أنه لم يسمع فيه إلا الرفع.

وأول البصريون ما سمعه على أنه ماضٍ أي: فأخذت بحلقه أو حال، وأما إن كان مستقبلاً فلا يمتنع النصب على معنى (كي) وهو للتعليل.

وتقدم الكلام في مثل (قلما) و(إنما) وقالوا هنا: إن قللت السبب، ولم ترد به النفي المحض، أو وصفت المصدر بقليل أو ضعيف جاز الرفع والنصب أحسن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1665]

نحو: سرت سيرًا قليلاً أو ضعيفًا حتى أدخلها، وكذلك ربما سرت حتى أدخلها، وإن كثرت السبب، أو وصفت المصدر بكثير، أو شديد جازا والرفع أحسن نحو: كثر ما سرت حتى أدخلها، وسرت سيرًا كثيرًا أو شديدًا حتى أدخلها.

وذهبت طائفة من القدماء إلى أنه لا يجوز الرفع في قلما وكثر ما وطالما وربما. وسأل سيبويه العرب عن الذي منعوا فيه الرفع فرفعوه.

وإذا ألحق الكلام عوارض الشك بعد حتى والفعل نحو: سار عبد الله حتى يدخلها بلغني أو أرى أو أظن أو أحسب جاز الرفع والنصب على ما تريده من المعنى خلافًا لقوم من القدماء جعلوا اعتراض الشك مبطلاً للرفع كما يبطله النفي.

فإن اعترض الشك قبل حتى نحو: سيرى أرى حتى أدخل المدينة، لم يتصور الرفع قاله بعض أصحابنا، وقال ابن السيد: يجوز أن يكون ما قبل حتى المرفوع ما بعدها من باب أرى وأفعال الظن والمحسبة، وذلك قولك: أرى عبد الله سار حتى يدخلها، وأظن عبد الله سار حتى يدخلها. انتهى.

وهو رأي سيبويه، أعني جواز الرفع، ولو معنى الكلام على جحد عقيبه استثناء يرده إلى الإيجاب، فكالإيجاب نحو: ما سرت إلا يومًا، أو ما سرت إلا قليلاً حتى أدخلها.

وزعم بعض القدماء أنه إذا حسن القلب جاز الرفع والنصب نحو: سرت حتى أدخلها؛ لأنه يحسن حتى أدخلها سرت، وإذا امتنع القلب لم يجز الرفع نحو: قد سرت حتى أدخلها؛ لأنه يمتنع قد حتى أدخلها سرت، ولم يعتبر سيبويه حسن القلب وامتناعه، بل يجوز الرفع والنصب حسن أو امتنع، وإذا كان المضارع حالاً أي مشروعًا فيه، وما قبل حتى ماضيًا سببًا لما بعدها نحو: مرض حتى لا يرجونه؛ أي

[ارتشاف الضرب: 4/ 1666]

هو الآن لا يرجى، أو مؤولاً بالحال، وهو ما كان متمكنًا منه وغير ممنوع أو ماضيًا معنى، وهو ما قبله متصل الوقوع لا منفصله بينهما نحو: سرت حتى أدخل المدينة أي سرت فدخلت المدينة، فالرفع في المضارع لا غير، وفي الماضي معناه كمعنى الفاء، وذهب الكسائي إلى أنه إذا كان حالاً سببًا عما قبله جاز نصبه.

وإذا كانت حتى بمعنى الفاء فهي من حرف ابتداء وليست العاطفة، إذ مذهب الجمهور أنها إنما تعطف المفردات لا الجمل، وذهب أبو الحسن إلى أنها إذا كانت بمعنى الفاء فهي عاطفة، وتعطف الفعل على الفعل.

وإذا دخلت على الماضي أو على المستقبل على جهة السبب نحو: ضربت زيدًا حتى بكى، ولأضربنه حتى يبكي، وثمرة الخلاف أن الأخفش يجيز الرفع في (فيبكي) على العطف، والجمهور لا يجيزون فيه إلا النصب بمعنى إلا أن أو بمعنى (كي).

ولا يجوز الفصل بين حتى والمنصوب بعدها، وأجاز الكوفيون الفصل بينهما (بأن) وتقدم، وأجاز الأخفش، وابن السراج الفصل بينهما بالظرف نحو: أقعد حتى عندك يجتمع الناس، وبالشرط الماضي نحو: أصحبك حتى إن قدر الله أتعلم، وأجاز هشام الفصل بالقسم نحو: حتى والله آتيك، وبالمعمول مفعولاً نحو: حتى زيدًا أضرب، أو الجار والمجرور نحو: أصبر حتى إليك يجتمع الناس

[ارتشاف الضرب: 4/ 1667]

بالرفع والنصب فيهما قال: والرفع أصحهما، وأجاز الأخفش تعليق حتى، ويعني بالتعليق إبطال النصب نحو: أصحبك حتى إن تحسن إلي أحسن إليك، ووافق ابن مالك الأخفش في مسألة التعليق.

(الواو والفاء)

في الأجوبة التي تذكر، ذهب البصريون إلى أن النصب بعدهما بإضمار أن وجوبًا وهما حرفا عطف، فلا يتقدم معمول الفعل عليهما، ولا يفصل بينهما وبين الفعل، وذهب الكسائي، ومن وافقه من أصحابه، والجرمي، إلى أن النصب بعدهما هو بهما أنفسهما، وذهب الفراء، وبعض الكوفيين إلى أن النصب بالخلاف، وهذه الأقوال الثلاثة جارية في الناصب للفعل بعد (أو) الآتي ذكرها بعد إن شاء الله تعالى.

وفي الفاء والواو أيضًا مذهبان:

أحدهما: ما ذهب إليه أحمد بن يحيى من أنهما نصبا، لأنهما دلا على شرط، لأن معنى هل تزورني فأحدثك: إن تزرني أحدثك، فلما نابت عن الشرط ضارعت (كي)، فلزمت المستقبل، فعملت عمل (كي).

[ارتشاف الضرب: 4/ 1668]

والثاني: ما ذهب إليه هشام من أنه لما لم يعطف على ما قبله لم يدخله الرفع، ولا الجزم؛ إذ ما قبله لا يخلو من أحد هذين، ولما لم يستأنف بطل الرفع أيضًا، فلما لم يستقم رفعه، ولا جزمه لانتفاء (موجبيهما) لم يبق له إلا النصب. انتهى.

وعلى مذهب البصريين أحكام المسائل في هذه الحروف الثلاثة، والتفريع بالفاء يكون جوابًا لصريح الأمر نحو: اضرب زيدًا فيستقيم لا نعلم خلافًا في جواز ذلك إلا ما نقل «عن العلاء بن سيابة» قالوا: وهو معلم الفراء: أنه كان لا يجيز ذلك، وهو محجوج بثبوته عنا لعرب، فإن دل على الأمر يخبر نحو: اتقي الله امرؤ فعل خيرًا، فيثاب عليه، أو اسم فعل ففي النصب خلاف، أجاز الكسائي: حسبك من الحديث فينام الناس، وصه فأحدثك، ونزال فتنزل، وأجاز ابن جني، وتبعه ابن عصفور ذلك فيما كان مشتقًا من المصدر نحو: نزال، وفي الترشيح: في كلامهم أسماء فيها معنى الأمر، فيكون جوابًا مثله، وذلك حسبك، وشرعك، وكفيك تقول: شرعك فتتكلم، وحسبك فتفهم، وكفيك فتنام، وإن شئت رفعت على القطع، وكذا رويد، وصه، ومه، وعليك، ودونك، وطال بقاؤك فتسر، ويجوز رفعه عطفًا على موضع طال، لأنه في معنى مرفوع أو على القطع: لا تزال بخير فتسر، ويجوز الرفع على القطع لا على العطف: لا زلت تسر فتسر يصلح في كل وجه تقدم. انتهى.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1669]

أو للنهي كقوله تعالى: «لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب» ولا يجوز التشريك في هذا، ويجوز في: لا تمددها فتشقها التشريك، والنصب والرفع على القطع، والرفع على الاستئناف، وشرط النصب في الجواب في النهي ألا ينقض بإلا قبل الفاء نحو: لا تضرب إلا عمرًا فيغضب برفع «فيغضب» ولا ينصب: فإن نقضت بعد إلا كان جوابًا فينتصب نحو: لا تضرب زيدًا فيغضب عليك إلا تأديبًا، والدعاء بفعل أصيل نحو: قوله تعالى: «ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم».

فإن كان مدلولاً عليه بالاسم نحو: سقيا لك. فيرويك لم يجز النصب، أو مدلول عليه بلفظ الخبر نحو: غفر الله لك فيدخلك الجنة، فالكسائي يجيز النصب، ثم الأمر والدعاء إن كانا بغير لام، فلا يجوز التشريك إلا على رأي الكوفيين.

وإن كانا باللام جاز نحو: لتأتيني فأحدثك، ويجوز القطع أيضًا تقول: ائتني فأكرمك، ورفعه على وجهين.

أحدهما: على القطع أي فأنا أكرمك أي إن تأتني فأنا أكرمك وعلى الاستئناف؛ أي فأنا أكرمك أتيتني، أو لم تأت؛ أي من شأني ذلك.

ويشترط في الدعاء ألا يكون الأول دعاء عليه، والثاني دعاء له، ولا العكس، فلا يجوز النصب نحو: ليغفر لك الله لزيد، فيقطع يده، لا يجوز النصب، ولا

[ارتشاف الضرب: 4/ 1670]

الجزم، فإنما يكون مقتطعًا، ويعلم أنه دعاء عليه بقرينة، إذ لا يمكن أن يكون خبرًا، أو للاستفهام بالأداة نحو: قوله تعالى «فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا»، وبالاسم غير الظرف: من يدعوني فاستجيب له، وبالظرف: أين بيتك فأزورك، ومتى تسر فأرافقك، وكيف تكون فأصحبك.

وإذا كان الاستفهام بالاسم، قدر مصدر مما تضمنت الجملة كأنك قلت: في المثال الذي فيه أين: ليكن منك تعريف بيتك، فأزورك وتقول: أتقوم فأكرمك، فيجوز الرفع على العطف، والاستئناف، والنصب على الجواب.

وإذا أخبرت عن الاسم الذي يلي الأداة باسم غير مشتق نحو: هل أخوك زيد، فأكرمه، بالرفع، ولا يجوز النصب، فإن تقدمه ظرف أو مجرور نحو: أفي الدار زيد فنكرمه جاز النصب.

وذهب بعض النحاة إلى أن الاستفهام إذا كان عن المسند إليه الفعل لا عن الفعل، فلا يجوز فيه النصب نحو: أزيد يقرضني فأسأله؟ والصحيح الجواز، وذهب أبو عليه، وتبعه ابن مالك إلى أنه يشترط في الاستفهام ألا يتضمن وقوع الفعل فيما مضى، فإن تضمن لم يجز النصب نحو قولك: لم ضربت زيدًا فيجازيك، ولم يشترطه أحد من أصحابنا، والصحيح جواز النصب.

وإذا تعذر سبك مصدر يراد استقباله لأجل مضي الفعل قدر فيه مصدر مقدر

[ارتشاف الضرب: 4/ 1671]

استقباله مما يدل عليه المعنى، فإذا قال: لم ضربت زيدًا فيضربك، قدر: ليكن منك تعريف سبب ضرب زيد فضرب.

والصحيح أنه لا يشترط، حكى ابن كيسان: أين ذهب زيد فنبتعه، وكذلك: كم مالك فتعرفه، ومن أبوك فنكرمه، وقد يحذف السبب بعد الاستفهام لدلالة الجواب عليه، قاله الكوفيون.

وقالوا: تقول العرب: «متى فأسير معك» أي متى تسير قيل: وينبغي أن يكون ذلك في استفهام الاستثبات بأن تقول: «أسير فتقول له متى»، فأنت لو اقتصرت على (متى) جاز بخلاف الاستفهام المبتدأ، فإنه لا يجوز، وفي الترشيح: وقد أدخل دريود «لولا وهلا» في حروف الاستفهام، وأبين في معناها أن يكون للعرض، أو التحضيض، ومعنى الاستفهام فيها موجود، لأنك إذا قلت هلا قمت فمعناه لم تركت القيام قال تعالى: «لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة» أي هلا وقال أبو إسحاق: هذا يدل على معنى؛ لم نزل عليه متفرقًا، فأعلموا لم ذلك، أي ليثبت في قلب النبي × فهذا تصحيح ما ذهب إليه دريود انتهى.

وللعرض حكى من كلامهم: ألا تقع الماء فتسبح، يريد (في الماء) حذف الحرف، وعدى الفعل فنصب الاسم، وللتحضيض نحو قولهم: هلا أمرت فتطاع، والعرض والتحضيض متقاربان، والجامع بينهما التنبيه على الفعل إلا أن التحضيض فيه زيادة تأكيد، وحث على الفعل، وكل تحضيض عرض، ولذلك

[ارتشاف الضرب: 4/ 1672]

يقال في هلا عرض، وأكثر ما يكون (ألا) لمجرد العرض، والعرض قد يكون فيما يزيد، وفيما لا يزيد.

ومما يقرب من التحضيض، وفي معنى الدعاء قوله تعالى: «لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق» وللتمني نحو قوله تعالى: «يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا» ويجوز رفعه على العطف لا على معنى يا ليتني أكون؛ لأن الماضي في التمني محكوم له بحكم الاستقبال من جهة أنه لا يتمنى إلا ما لم يكن، والماضي فائت لا يدخل فيه التمني، هكذا قالوا، ويجوز رفعه أيضًا على الاستئناف والتمني قد يكون بألا نحو قوله:

ألا رسول لنا منا فيخبرنا = ... ... ... ... ... ...

و(بلو) نحو: لو تأتينا فتحدثنا، وذهب الكوفيون إلى أنه يجوز أن ينتصب الفعل بعد الفاء في جواب الرجاء، وزعموا أن (لعل) تكون استفهامًا، وذهب البصريون إلى منع ذلك، والترجي عندهم في حكم الواجب قيل: والصحيح مذهب الكوفيين لوجوده نظمًا ونثرًا ومنه قوله تعالى: «وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه» في قراءة عاصم، وهي من متواتر السبع ويمكن تأويل النصب.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1673]

وذهب الكوفيون أيضًا، وتبعهم ابن مالك إلى أن (كأن) إذا خرجت عن التشبيه جاز النصب بعد الفاء نحو: قولك: «كأني بزيد يأتيك فتكرمه» المعنى: ما هو إلا يأتي فتكرمه، و«كأنك والٍ علينا فتشتمنا» أي ما أنت والٍ علينا (فتشتمنا) كأنه لو حظ في هذا معنى النفي، ولا يحفظ البصريون ذلك، وللنفي المحض، وحروف النفي تختص بالفعل وذلك لن ولم ولما والفاء للسبب وغير السبب نحو قولك: لن تقوم فتضرب زيدًا، نصب من وجهين الجواب والتشريك، ويجوز الرفع على القطع نحو: لم تقم فتجيبنا، قال بعض أصحابنا لا يجوز فيه النصب لمعنى الفعل انتهى، لكنه جاء منصوبًا في قوله

لم ألق بعدهم حيا فأخبرهم = ... ... ... ... ...

ويجوز العطف فتجزم، والقطع فترفع، وغير مختص بالفعل وذلك (ما) و(لا) و(إن) نحو قوله تعالى: «لا يقضي عليهم فيموتوا» وما تأتينا فتحدثنا، فالنصب من وجهين، والرفع من وجهين.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1674]

والفعلان إن كانا مستقبلين جاز في الثاني على غير السبب الرفع بوجهيه من العطف والقطع نحو قوله تعالى: «ولا يؤذن لهم فيعتذرون»، أي فلا يعتذرون أو فهم لا يعتذرون، وفي السبب النصب، وقد تجيء في موضع لا تحتمل الأمرين بحسب القصد نحو قولهم: لا يسعني شيء فيعجز عنك، لا يصح التشريك، ولا معنى فكيف يعجز عنك، إنما المعنى: لا يسعني شيء عاجزًا عنك.

وإذا كانا ماضيين نحو: ما أتيتنا فحدثتنا، فالوجه الحمل على الماضي، ويجوز فيه السبب وغيره، وإن كانا مختلفين نحو: ما أتيتنا فتحدثنا، فيجوز العطف على تأويل أحدهما بالآخر، فيكون بمعنى فحدثتنا، وليس بالوجه، ويجوز القطع على الحال، ويجوز النصب على التأويل، وهو أحسن من العطف، ولو عكست قلت: ما تأتينا فحدثتنا، وإن لم يكن النفي محضًا، وآل إلى التقرير بدخول أداة الاستفهام عليه نحو: ألم تأتنا فتحدثنا؛ فيجوز فيه وجها الرفع، ووجها النصب والجزم.

وإذا نقض النفي بـ(إلا) قبل الفاء لم تكن جوابًا فلا يجوز النصب نحو: ما ضرب زيد إلا عمرًا فيغضب، أو بعد الفاء نحو: ما ضربت زيدًا فيغضب إلا تأديبًا، وما تأتينا فتحدثنا إلا بخير، ويجوز الرفع على التشريك، ولا يجوز

[ارتشاف الضرب: 4/ 1675]

على الاستئناف، وسواء في ذلك أكان ما بعد إلا معمولاً للفعل الذي قبل الفاء، وما صورته صورة النفي، ومعناه على الإيجاب، وذلك ما زال وأخواته لا يجوز فيه النصب نحو: ما زال زيد يأتينا فنكرمه، والتقليل المراد به النفي يجرى مجرى النفي تقول: قلما تأتينا فتحدثنا.

وأجرى الكوفيون (غير) مجرى النفي، فنصبوا معها بعد الفاء، وتبعهم ابن مالك وذلك نحو: أنا غير آت فأكرمك، ولا يجوز ذلك عند البصريين، وإذا دخلت الفاء على الفعل، وفيه مضمر يعود على ما قبلها، فإن عاد على ما ينفي الفعل في حقه نصب، أو إلى ما أوجب في حقه رفع نحو: ما جاءني أحد إلا زيد فأكرمه إن كانت الهاء لأحد جاز نصب الفعل، أو لزيد لم يجز النصب، ولا يتقدم هذا الجواب على سببه، وأجاز ذلك الكوفيون، أجازوا: ما زيد فنكرمه يأتينا، ومتى فآتيك أخرج، ولم فأسير تسر، وإذا كان لما قبل الفاء معمول فأخرته إلى ما بعدها نحو: ما ضربته فأهينه زيدًا، فمذهب الكوفيين جواز النصب يقولون لم تفصل إلا (بمعطوف) على الفعل بخلاف إن تضرب فهو مكرم زيدًا، فهذا لا يجوز باتفاق، والبصريون لا يجيزون النصب، ويقولون: الفعل الذي قبل الفاء في تأويل المصدر.

والمصدر لا يفصل بينه وبين معموله بشيء قال أبو بكر: الصحيح أنه لا يجوز، وإن لم يتأخر له معمول، والجملة السابقة فعلية جاز فيما بعد الفاء النصب بمعنييه، والرفع بمعنييه أو اسمية نحو: ما زيد قادم فيحدثنا، فذهب ابن السراج، والأكثرون إلى أنه لا يجوز النصب، وذهبت طائفة إلى الجواز، وهو الصحيح بشرط أن يقوم مقام الفعل اسم الفاعل، أو اسم مفعول، أو ظرف أو مجرور، فإن كان اسمًا لا يدل على المصدر نحو: ما أنت زيد فنكرمه لم يجز النصب، والذين

[ارتشاف الضرب: 4/ 1676]

يجيزون توسط الجواب يقولون: ما زيد فتأتيه بمذنب ينصبون ولا يجيزون الرفع، وذكر أبو الحسن بن سيده أنه نفي (بقد) فنصب الفعل بعد (الفاء). وحكي عن بعض العرب الفصحاء، قد كنت في خير فتعرفه يريد ما كنت في خير.

(الواو) للجمع تقع في مواضع الفاء، وقد تقدمت، وليس ذلك على الإطلاق، إذ تدخل الفاء في موضع لا تدخل فيه الواو، وذلك فيما كان الأول سببًا للثاني على المعنيين نحو: لا تدن من الأسد فيأكلك لا يجوز «ويأكلك بالواو» والعكس: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، لا يجوز فتشرب (بالفاء)، وكذلك في التشبيه الذي قصد به النفي، أو (بقد) عند من أجاز ذلك، ويحتاج إلى سماع من العرب، ومثال ذلك في الأمر

فقلت ادعى وادعو إن أندى = ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1677]

وفي النهي:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله = ... ... ...

وفي الاستفهام قوله:

أتبيت ريان الجفون من الكرى = وأبيت منك بليلة الملسوع

[ارتشاف الضرب: 4/ 1678]

ولا أدري أهو مصنوع أم لا وفي التمني «يا ليتنا نرد ولا نكذب» في قراءة من نصب «ولا نكذب»، وللنفي المحض «ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين» أي ولما يجتمع علم بالجهاد، وعلم بالصبر وقوله:

... ... ... ... ... = فلم أفخر بذاك وأجزعا

وقد يتقدم الاسم فيحسن النصب نحو: ما أنت منا وتبخل أي تجمع بين أنك لست منا، وبين البخل وفي النفي المؤول:

ألم أك جاركم ويكون بيني = ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1679]

ولا أحفظ النصب جاء بعد الواو في الدعاء ولا العرض، ولا التحضيض، ولا الرجاء، ولا ينبغي أن يقدم على ذلك إلا بسماع، ومثال ذلك: يا رب اغفر لي وتوسع علي في الرزق، وألا تنزل وتصيب خيرًا، وهلا تأتنا ونكرمك، ولعلي سأجاهد وأغنم، وقال الكوفيون من قال: لا تأكل السمك، وتشرب اللبن، جزم تشرب من جهتين:

إحداهما: إيجاب الإبهام (للواو)، والأخرى أن يكون المجزوم بمعنى المنصوب، فغلب الجوار، والنسق فعطفت الواو ما بعدها على ما قبلها، وفيه معنى الصرف والنصب، وهذا المعنى الثاني لم يجزه البصريون، فإن كان الواو للإبهام والجزم عار من تأويل النصب، فهو مذهب الكوفيين، والبصريون لا يختلفون في صحته. انتهى من الموضح، ومعنى الإبهام هو أنه لما عطف مجزومًا على مجزوم احتمل النهي عن كل واحد منهما على الانفراد، واحتمل النهي عن الجمع لو قلت: لا تضرب زيدًا وعمرًا، احتمل أن يكون نهيًا عن ضرب كل واحد منهما، واحتمل أن يكون نهيًا عن الجمع بينهما في الضرب، ولذلك صدق أن يقول بل أحدهما.

(أو)

التي ينتصب الفعل بعدها، ولا تظهر أن بعدها تقدم ذكر الخلاف فيها أهي ناصبة بنفسها، أو بإضمار أن أو بالخلاف، قدرها بعضهم بـ(كي)، وبعضهم بـ(إلى أن) وسيبويه بـ(إلا أن) فنحو: لألزمنك أو تقضيني حقي، يصلح للتعليل، وللغاية، وللاستثناء من الأزمان، وتقدير سيبويه زعم بعضهم أنه أعم لتخلف ذينك المذهبين في بعض صور (أو) نحو قوله:

وكنت إذا غمزت قناة قوم = كسرت كعوبها أو تستقيما

[ارتشاف الضرب: 4/ 1680]

وقد يختلف تقديره في قولك: لأطيعن الله، أو يغفر لي، فهذا لا يصح فيه تقدير إلا أن، والصحيح أنها لأحد الشيئين كـ(هي) في عطف، إلا أن هذا العطف مصدر مقدر على مصدر متوهم؛ فإذا قال: لألزمنك أو تقضني حقي، فالمعنى ليكونن مني أحد هذين لزومك، أو قضاء حاجتي، ولذلك يشترط فعل، أو اسم في معنى فعل، أو ظرف، أو مجرور وقد جاء النصب في مكان لا يصلح لتلك التقادير الثلاث.

وما قبل (أو) يكون موجبًا، وغير موجب نحو:

كسرت كعوبها أو تستقيما

وما تأتينا أو تشفع لنا، وإن كان قبلها مضارع جاز التشريك، وجاز الاستئناف، ومثال ذلك في الأمر: اضربه أو يستقيم، وفي النهي: لا تتركه أو يقضيك حقك، ولا يصح التشريك في الأمر، والنهي، إلا إن كان الأمر الأول بلام الأمر نحو: لتخرج أو أقم، والثاني نحو: اخرج أو لتقم، ولا يجوز: أو تقم، إلا في ضرورة.

وأما اضرب في الشرط: فقياسه أن يجوز فيه نحو: إن تأت أو تجلس اضرب زيدًا، وكذلك في الجواب نحو: إن يأت اضرب زيدًا أو يستقيم، ويجوز الرفع على القطع، والعطف في هذا الباب يشرك الثاني مع الأول في رفعه، أو نصبه، أو جزمه، والاستئناف يكون الفعل فيه خبر مبتدأ محذوف وهو بعد الفاء، والواو

[ارتشاف الضرب: 4/ 1681]

جزم في الأخبار، وبعد (أو) فيها نوع من الإضراب فقولك: أو يقضيك حقك معناه: هو يقضيكه على كل حال لزمته، أو لم تلزمه، كأنه قال: بل يقضيك حقك، ولا يجوز الفصل بين (أو)، والفعل بظرف نحو: أضربك أو اليوم تستقيم، ولا يشترط ماض نحو: لألزمنك أو إن قدر الله أتعلم، خلافًا للأخفش، وابن السراج، وفي البديع لمحمد بن مسعود الغزني: في (أو) كلام مستغرب، ومذهب عجيب قال: لألزمنك أو تقضيني حقي، التقدير: لألزمنك إلزامك أو تقضيني. نصب إلزامك على الإغراء، وعطف عليه: أو تقضيني؛ أي أو أن تقضيني، فـ(أو) للتخيير ثم حذف إلزامك لدلالة لألزمنك، وأضمر (أن) والكلام جملتان في الحقيقة إحداهما، لألزمنك، والثانية: إلزامك أو قضاء حقي، وذلك أن القائل اتبع علي إلزامك ثم خير بين الإلزام وقضاء الحق.

وهذه المحذوفات من الفصاحة العليا كما رأيت في الأمثال المنقولة، والكلمات المعنوية نحو: أخذته بدرهم فصاعدًا، وهذا ولا زعماتك، ولبيك وسعديك، انتهى.

وإذا عطفت ما بعد الفاء والواو، لم يكن معنى العطف كمعنى النصب فقولك: ما تأتينا فتحدثنا بالرفع، كل واحد من الفعلين مقصود نفيه، وكأن أداة النفي منطوق بها بعد الفاء، وإذا نصبت كان انتفاء الحديث متسببًا عن انتفاء الإتيان.

وذهب الكوفيون، وتبعهم الأعلم إلى أنه قد يكون الرفع على معنى النصب، وحملوا عليه قوله تعالى: «ولا يؤذن لهم فيعتذرون» قالوا: رفع يعتذرون على النسق، وفيه معنى النصب، فأفادت الفاء ما أفادت في قوله تعالى:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1682]

«لا يقضى عليهم فيموتوا» قال الفراء: وأوثر هنا الرفع على النصب، لمناسبة رءوس الآي، وحكى الفراء عن العرب: أفلا يخرج إلى مكة، فيأجره الله ويصيب حاجته من المشي، فرفع «يأجر»، و«يصيب» عطفًا على يخرج، وفيه معنى النصب (بالفاء) على جواب الجحد والاستفهام قال الأعلم: وذلك قليل، وإنما جعل النحويون معنى الرفع غير معنى النصب، رعيًا للأكثر في كلام العرب انتهى.

والنصب بعد الفاء على معنى الحال، أي ما تأتينا تحدثنا إنما تأتي ولا تحدث، أو على معنى كيف أي: فكيف تحدثنا أي انتفى الإتيان، وما تسبب عنه، وهو الحديث.

ويميز (واو) الجمع تقدير (مع) موضعها، وذلك على سبيل التحتم، لا على جهة الجواز، وكونها جامعة بمعنى مع، وهو مذهب الجمهور، وقولهم تقع الواو في جواب كذا، وكذا هو على جهة المجاز لا على جهة الحقيقة.

وذهب بعضهم إلى أن النصب بعد الواو هو على معنى الجواب وليس بصحيح، ويميز فاء الجواب تقدير شرط قبلها، أو حال مكانها، وتنفرد (الفاء) بأنه إذا حذفت جاز أن ينجزم ما بعدها، والصحيح أن الجزم بعد حذف الفاء في النفي لا يجوز، ولم يرد به سماع، ولا يقتضيه قياس تقول: ائتني أكرمك، ولا تعص الله يدخلك الجنة، ويا رب وفقني أطعك، وهل تزروني أزرك، ولا تنزل نصب خيرًا، وليت لي مالا أنفق منه، وسمع الجزم بعد الترجي، فدل على ترجيح مذهب

[ارتشاف الضرب: 4/ 1683]

الكوفيين في أنه ينصب الفعل بعد الفاء جوابًا للترجي، وفي الجازم أربعة مذاهب:

أحدها: أن الأمر والنهي وباقيها ضمن معنى الجزم، فيجزم فضمن: ائتني معنى إن تأتني، ونسب هذا إلى الخليل وسيبويه، وقال به ابن خروف، وابن مالك.

الثاني: أن هذه الأشياء نابت مناب الشرط، أي حذفت جملة الشرط، وأنيبت هذه في العمل منابها، ونظير ذلك قولهم: ضربا زيدا ناب (ضربا) عن اضرب على أصح القولين ونيابتها مناب الشرط، هو مذهب الفارسي، والسيرافي، وصححه ابن عصفور.

والثالث: أنه مجزوم بلام مقدرة.

الرابع: أنه مجزوم بشرط مقدر قبلها دل عليه ما قبله، وهو الذي نختاره، وقال به أكثر المتأخرين، وإذا قصد بالفعل الوصف، أو الحال، أو الاستئناف جاز رفعه نحو: ليت لي مالاً أنفق منه، فأنفق في موضع الوصف، وليت زيدًا يقوم يزورنا فـ«يزورنا» في موضع الحال، ويحتمل الاستئناف، وإذا دل على الأمر بما صورته صورة الخبر، سواء أكان اسمًا نحو: حسبك ينم الناس أم فعلا نحو: اتقي الله امرؤ فعل خيرًا يثب عليه، أم اسم فعل نحو: نزال أكرمك، وعليك زيدًا

[ارتشاف الضرب: 4/ 1684]

يحسن إليك، ومكانك تسترح جاز جزم الفعل على الجواب كما في الأمر، وحسبك مبتدأ خبره محذوف أي حسبك السكوت، ولا يظهر، والجملة متضمنة معنى اكفف، وزعمت جماعة منهم ابن طاهر أنه مبتدأ بلا خبر، لأنه في معنى ما لا يخبر عنه، قال بعض أصحابنا: ولو قيل إنه اسم فعل مبني، والكاف للخطاب، وضم، لأنه قد كان معربًا، فحمل على قبل وبعد، ويا حكم لم يبعد عندي.

وقال بعض أصحابنا: الفعل الخبري لفظًا الأمري معنى لا ينقاس، ولم يسمع منه إلا الذي ذكرناه، والشرط المقدر بعد النهي لا بد أن يكون منفيًا، وإلا لم يجزم الجواب مثاله: لا تدن من الأسد تفلت منه، التقدير: إلا تدن من الأسد يأكلك التقدير: إن تدن من الأسد يأكلك، وقد نسب هذا الكوفيين، وقال الجرمي: يجوز على رداءة، وقال الأخفش: يجوز الجزم لا على أنه جواب، بل حملاً على اللفظ الأول، لأنه مجزوم، وإذا دخل الاستفهام على النفي، وأريد به التقرير، وضمن معنى الشرط، قدر فعل الشرط غير منفي نحو قولك: ألا تصحبنا تنج من الشر أي لتصحبنا، وإن قدرته استفهامًا محضًا ضمن معنى الشرط كان تقدير فعل الشرط منفيًا نحو: ألا تصحبنا لا تنل خيرًا، تقديره: إن لا تصحبنا لا تنل خيرًا.

وينصب المضارع أيضًا بعد الواو والفاء الواقعتين بين شرط وجزاء أو بعدهما، وزاد بعضهم بعد (أو) والكوفيون بعد ثم: مثال ذلك بين الشرط وجزائه، إن تأتني فتحدثني أحسن إليك، وكذلك إن جعلت مكان الفاء (الواو) أو (أو) أو (ثم) على من أجاز ذلك.

وسواء أكان فعلا الشرط والجزاء مجزومين، أو ماضيين، أو كانت جملة الجزاء اسمية، أو بالفعل الداخل عليه الفاء، أو كان الجزاء محذوفًا مثال ذلك: إن تزرني

[ارتشاف الضرب: 4/ 1685]

فتحسن إلي فأنا أزورك أو فأحسن إليك أو = لئن كنت مقتولاً ويسلم عامر

أي فلا يدعني قومي صريحا لحرة، ومثال ذلك بعد الشرط والجزاء قوله تعالى: «وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله» [قرئ بالرفع والنصب والجزم، وكذلك (الواو)، و(أو)، و(ثم) في مذهب من أجاز ذلك وقوله تعالى: «وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر» وقرئ] بالثلاثة، والأحسن التشريك في الجزم، إذا كان قبله، أو بعده مجزوم، وإذا ارتفع فهو على إضمار مبتدأ، وإذا كانت جملة الجزاء اسمية، فالرفع وجه الكلام، ويجوز الجزم والنصب، ولم يذكر سيبويه فيه النصب، وإذا عطفت مضارعًا بعد الفعل المنصوب بعد فعل الجزاء جاز في المضارع الرفع على الاستئناف، والنصب عطفًا على المنصوب، والجزم على موضع المنصوب مثاله: إن تأتني أحسن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1686]

إليك وأزورك، وأكرم أخاك، فيجوز في أكرم النصب، وهو ظاهر، والرفع على الاستئناف، والجزم على موضع وأزورك، وأجاز سيبويه النصب بعد أفعال الشك، قال: وتقول: حسبته شتمني فأثب عليه، إذا لم يكن الوثوب واقعًا. ومعناه: أن لو شتمني لوثبت عليه، وإن كان الوثوب قد وقع، فليس إلا الرفع، وذهب غيره إلى أنه من الواجب الذي لا ينقاس النصب فيه إن جاء، ولا يجوز النصب بعد إنما، إن كان المعنى على الحصر، وأجازه بعضهم، وحمل عليه قوله تعالى: «إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون» على قراءة من نصب «فيكون» فلو كان الحصر بـ(إلا)، أو كان الفعل واجبًا خاليًا من أداة الشرط، فلا يجوز النصب إلا اضطرارًا نحو: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وقوله:

... ... ... ... ... ... ... = وألحق بالحجاز فأستريحا

[ارتشاف الضرب: 4/ 1687]

وقد تؤول (فأستريحا) ونحوه على أن الألف فيه بدل من النون الخفيفة الواقعة في غير القسم.

واختلفوا في الفعل الواجب، إذا كان سببًا لما بعده نحو: زيد يأتي الأمير لا يقطع اللص، وربطت الفرس لا ينفلت، وأوثقت العبد لا يفر؛ فذهب الخليل، وسيبويه، والبصريون إلى أنه يرفع، ولا يجوز الجزم فيه، وذهب الكوفيون إلى جواز رفعه، وجزمه، وحكى الفراء: أن العرب ترفع هذا، وتجزمه قال: وإنما أجزم؛ لأن تأويله: إن لم أربطه انفلت، وقال ابن عصفور: الجزم ضرورة، ولا يقاس عليه في الشعر، وليس من شرطه أن يكون الفعل منفيًا بـ(لا)، بل يجيز الكوفيون أن يكون مثبتًا نحو: زيد يأتي الأمير يفلت اللص، تقديره: إن يأت الأمير يفلت اللص، فأما الجزم على مذهب من أجازه فعلى لحظ معنى الشرط والجزاء، وإن لم يكن بأداة الشرط والجزاء، ولا من الأشياء السابق ذكرها، وأما الرفع فلم أر أحدًا تعرض له لتخريجه، ومعنى الكلام يقتضي أنه متعلق بما قبله، والمعنى ربطت الفرس لئلا ينفلت فهو مفعول من أجله حذفت منه اللام، ثم اتسعت العرب في ذلك فحذفت (إن)، فارتفع الفعل، ويجوز إظهار (أن) وإضمارها بعد حرف عطف به مصدر مقدر على مصدر صريح، أو على اسم غير مصدر مثال ذلك:

للبس عباءة وتقر عيني = ... ... ....

[ارتشاف الضرب: 4/ 1688]

التقدير: وأن تقر عيني أي: وقرة عيني، وقولك: لولا زيد ويحسن إلي لهلكت أي؛ وإحسانه، وجاء العطف بالواو كما مثلنا وبالفاء نحو قوله:

لولا توقع معتر فأرضيه = ... ... ... ....

وبـ(أو) نحو قوله تعالى: «إلا وحيا أو من ورآي حجاب أو يرسل» وبـ(ثم) نحو قوله:

إني وقتلى سليكا ثم أعقله = ... ... ....

[ارتشاف الضرب: 4/ 1689]

ولا يجوز ذلك في غير هذه الحروف لو قلت: عجبت من قيامك بل تقعد أو من قيامك لا تقعد لم يجز، ولا يجوز أن تحذف (أن) في غير ما تقدم ذكره، بل يجب إظهارها هذا مذهب جماعة منهم متأخرو أصحابنا.

وذهب جماعة إلى أنه يجوز حذفها في غير تلك المواضع، واختلفوا، فذهب أكثرهم إلى أنه إذا حذفت وجب رفع الفعل، وهو مذهب أبي الحسن، وذهب أبو العباس إلى أنه إذا حذفت (أن) بقى عملها.

واختلفوا في القياس على ما حذفت منه (أن) فقاس عليه بعضهم، وهو مذهب الكوفيين، ومن وافقهم من البصريين والصحيح قصر ما حذف من ذلك على السماع، ولا يرفع، ولا ينصب بعد الحذف إلا ما سمع.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1690]

فصل

تزاد باطراد (أن) بعد (لما)، التي هي حرف وجوب لوجوب، نحو قوله تعالى: «فلما أن جاء البشير»، ولا تفيد غير التوكيد، وزعم الزمخشري، والأستاذ أبو علي على أنه ينجر مع التوكيد معنى آخر، وهو أن الجواب يكون بعقب الفعل الذي يلي (أن) فيه، فينبه على السبب والاتصال، وما ذهبا إليه لا يعرفه كبراء النحويين، وبعد القسم الذي يليه (لو) نحو: والله أن لو فعلت، وهذا مذهب سيبويه، ونص قوله، وذهب ابن عصفور إلى أنها في ذلك رابطة، والجواب (لو) وما دخلت عليه، والصحيح ما ذهب إليه سيبويه.

وبعد (حتى) تقول: قد كان ذلك حتى أن كان كذا، وتزاد بغير اطراد بعد (كاف) التشبيه نحو:

... ... ... ... ... ... = كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم

و(أن) الزائدة حرف بسيط ثنائي الوضع، لا أن، أصله ثلاثي، فهي أن المشددة خففت خلافًا لبعضهم، ويكون أيضًا -أن- مفسرة لمضمون الجملة السابقة، وشرطها: أن تكون الجملة قبلها مضمنة معنى القول، فإن كانت بصريح القول فالحكاية لما بعدها، وقد أجاز بعضهم أن تكون بعد صريح القول.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1691]

وحمل عليه قوله تعالى: «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله»، وأن يكون ما بعدها كلامًا غير متعلق بما قبلها فلا يكون نحو قوله تعالى: «وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين»، ونحو قوله كتبت إليه بأن قم.

ولا يجوز أن يتقدم معمول ما بعدها على الجملة المفسرة، وأن هذه تفسير الجملة الاسمية، والجملة الفعلية، ولا تختص بجملة الأمر، ومن ذلك قولهم: كتبت إليه أن افعلن وأرسل إليه أن ما أنت وذا.

وأجاز سيبويه في أن ما أنت وذا: أن تكون مخففة من الثقيلة، ومنع ذلك ابن الطراوة: وكون (أن) تأتي للتفسير هو مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن التفسير ليس من معاني (أن)، وهي عندهم الناصبة للفعل.

وتفيد التفسير غالبًا (أي) فتكون تفسيرًا لصريح القول، ومضمنة ولغيرها، وللجملة وللمفرد نحو: قال زيد قولاً أي اضرب زيدًا، وكتبت إليه أي قم، ورأيت رجلاً أي تميمًا.

وإن وقعت بين مترادفين، فالثاني هو الأشهر نحو: هذا الغضنفر أي الأسد، وهي إذ ذاك حرف عطف عند الكوفيين، وتبعهم صاحب المستوفي، وصاحب المفتاح، وخرج بعض أصحابنا ذلك على أنه عطف بيان، وإذا كان بعد (أن) الصالحة للتفسير مضارع مثبت جاز رفعه، على أن تكون

[ارتشاف الضرب: 4/ 1692]

تفسيرية، ونصبه على أن تكون مصدرية، أو منفي بـ(لا) جاز ذلك، والجزم على النهي، و(أن) تفسيرية، ولا تكون (أن) للمجازاة خلافًا للأصمعي، والكوفيين، وجعلوا من ذلك:

أتغضب أن أذنا قتيبة حزتا = ... ... ....

وتأوله الخليل على أنها ناصبة للفعل، والمبرد على أنها المخففة من الثقيلة، ولا تكون (أن) نفيًا خلافًا لبعضهم وحمل عليه قوله تعالى: «أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم» قال: أي لا يؤتى.

وذهب بعضهم إلى أنها تكون بمعنى إذ مع الفعل الماضي، قال: نحو قوله تعالى: «بل عجبوا أن جاءهم» وقيل: ومع المضارع، نحو قوله تعالى: «أن تؤمنوا بالله ربكم» أي إذا آمنتم و(أن) تكون بمعنى لئلا نحو: ربطت الفرس أن تنفلت، وذهب أبو علي، وابن أبي العافية إلى أنها تكون مخففة من إن المكسورة الهمزة نحو: ما روى في الحديث: «قد علمنا أن كنت لمؤمنًا» فعندهما أن (أن) لا تكون إلا مفتوحة، ولا يلزم اللام، وذهب الأخفش الصغير، وابن الأخضر إلى أنه لا يجوز فيها إلا الكسر، وتلزم اللام، وعليه أكثر نحاة بغداد وتقدم ذلك في باب =إن-.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1693]

باب المجرور

الجر يكون بحرف أو بإضافة، وبتبعية، والحرف أحادي، وثنائي، وثلاثي، ورباعي.

الأحادي (الباء)، و(اللام)، و(الكاف)، و(التاء)، و(الواو)، و(م)، وهمزة القطع وهمزة الاستفهام، فالباء حركتها الكسر، وحكى أبو الفتح عن بعضهم أن حركتها الفتح مع الظاهر نحو: مررت بزيد، ولم يذكر لها سيبويه معنى غير الإلصاق، قال أصحابنا: لا تكون إلا بمعنى الإلزاق، والاختلاط حقيقة أو مجازًا إذا لم تكن زائدة، وقد ينجر معها معانٍ أخر، فـ-للإلزاق- حقيقة وصلت هذا بهذا، ومجازًا نحو: مررت بزيد، التزق المرور بمكان قرب زيد، وذكر أصحابنا أن المعاني التي تنجر مع الإلصاق ستة أنواع منها: النقل، ويعبر عنه بالتعدية كقوله تعالى: «ذهب الله بنورهم»، ويكون الفعل قبلها لازمًا، ومتعديًا نحو: صككت الحجر بالحجر أصله: صك الحجر الحجر، فالإلصاق في هذا واضح، والسببية نحو: مات زيد بالجوع، والاستعانة نحو: كتبت بالقلم، وخضت الماء برجلي، وأدرج ابن مالك هذا في السببية،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1695]

ومثل السببية بقوله تعالى: «فأخرج به من الثمرات» و«ترهبون به عدو الله» والمصاحبة، ويصلح معها (مع) والحال نحو: وهبتك الفرس بسرجه أي مع سرجه، أو مسرجًا، والظرفية وهي التي يصلح مكانها (في) نحو: زيد بالبصرة، والقسمية نحو: بالله لأقومن، ألزقت فعل القسم المحذوف بالمقسم به فهذه الستة التي ذكرها أصحابنا، وذكر ابن مالك، أنها تأتي للتعليل: قال: وهي التي تحسن غالبًا في موضع اللام كقوله تعالى: «إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل» ولم يذكر أصحابنا هذا، وكأن السبب والتعليل واحد، وذكر أيضًا أنها تكون للبدل قال: وهي التي يصلح مكانها بدل، نحو قوله:

فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا = ... ... ... ...

أي بدلهم، وذكر هذا المعنى بعض أصحابنا عن بعض المتأخرين، قال: والصحيح أن معناها السبب، ألا ترى أن التقدير: هذا مستحق بذلك؛ أي بسببه، وذكر ابن مالك أنها تأتي للمقابلة، وهي الداخلة على الأثمان،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1696]

والأعواض، ثم اشتريت الفرس بألف، وقد تسمى باء العوض، وذكر ابن مالك أنها تكون بمعنى من التبعيضية كقوله:

... ... ... ... .... = شرب النزيف ببرد ماء الحشرج

أي من برد، وقال: ذكر ذلك في التذكرة للفارسي، وهو مذهب كوفي، تبعهم فيه الأصمعي، والقتبي في قوله:

شربن بماء البحر ... ... ... .... = ... ... ... ... ....

[ارتشاف الضرب: 4/ 1697]

وتأوله ابن مالك على التضمين أي: روين بماء البحر، وذهب الكوفيون إلى أن الباء قد تأتي بمعنى (عن)، وذلك بعد السؤال نحو:

فإن تسألوني بالنساء = ... ... ... ... ... ...

أي عن النساء، وقال الأخفش: ومثله: «فسئل به خبيرا» واستدل ابن مالك لهذا بقوله تعالى: «ويوم تشقق السماء بالغمام» أي عن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1698]

الغمام، وكان الأستاذ أبو علي يتأول فيقول: اسأل بسببه خبيرًا، وبسبب النساء أي لتعلموا حالهن، وذهب الكوفيون أيضًا إلى أن الباء تكون بمعنى (على)، واستدل ابن مالك لذلك، بقوله تعالى: «من إن تأمنه بقنطار». وقولك: مررت به أي على قنطار، ومررت عليه كما قال: «هل آمنكم عليه» و «لتمرون عليهم».

وزعم بعض النحويين، ومنهم ابن هشام: أن الباء تدخل حيث يراد التشبيه نحو: لقيت بزيد الأسد، ورأيت به القمر أي لقيت بلقائي إياه الأسد أي شبهه، والصحيح أنها ليست للسبب أي بسبب لقائه، وبسبب رؤيته، وزعم أيضًا أنها تدخل على ما ظاهره أن المراد به غير ذات الفاعل، أو ما أضيف إلى ذات الفاعل نحو قوله:

... ... ... ... ... ... = ولم يشهد الهيجا بألوث معصم

فظاهره أن فاعل يشهد غير ألوث معصم، والفاعل في الحقيقة هو ألوث معصم قيل: والصحيح أن الباء في (بألوث معصم) للاستعانة، وزعم ابن مالك أن باء الجر، قد تكف (بما) ويليها الفعل، وتحدث (ما) الكافة في الباء معنى التقليل، فتصير بمعنى ربما، فمعنى (بما) في قول الشاعر:

فلئن صرت لا تحير جوابًا = لبما قد ترى وأنت خطيب

[ارتشاف الضرب: 4/ 1699]

ربما، والصحيح أن (الباء) للسبب، وأن (ما) بعدها مصدرية لا كافة، وقد بينا ذلك في الشرح، وتكون الباء زائدة، وتقدم في باب كان زيادتها في مواضع.

فأما «وكفى الله» فـ(ذهب) سيبويه أنها زائدة في الفاعل، ولذلك يجوز: كفى بالله شهيدا، كما قال:

... ... ... ... ... ... = كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيًا

وأجاز ابن السراج هذا، وأجاز وجهًا آخر، وهو أن يكون فاعل (كفى) ضميرًا يعود على المصدر المفهوم من (كفى) كأنه قال: كفى هو أي الاكتفاء بالله، فالباء ليست زائدة.

وقيد الأستاذ أبو جعفر بن الزبير زيادة الباء في (كفى) بأن تكون بمعنى

[ارتشاف الضرب: 4/ 1700]

حسب، فإن كانت بمعنى (وقى) لم تزد في فاعله كقوله تعالى: «وكفى الله المؤمنين القتال» و: «فسيكفيكهم الله» وتزاد في أفعل في التعجب، وفي فعل فيه نحو: أحسن بزيد، ورحب بالزور، وفي مواضع لا تنقاس كزيادتها في المبتدأ مخصوصًا، بحسبك درهم أي حسبك، وذكروا أنها زيدت في: «وهزي إليك بجذع النخلة» وفي: «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» وفي: «فليمدد بسبب»، وفي: «تنبت بالدهن»، و:«يذهب بالأبصار»، و:«ومن يرد فيه بإلحاد بظلم».

وقوله:

... ... ... ... ... = وما ينبغي بعد ابن قيس بشاهد

وقوله:

فلما رجت بالشرب هز لها العصا = ... ... ....

[ارتشاف الضرب: 4/ 1701]

وقوله:

... ... ... ... ... = أودي بنعلي وسرباليه

قال ابن مالك: وكثرت في مفعول (عرف) وشبهه، وقلت زيادتها في مفعول ذي مفعولين نحو:

... ... ... ... ... = تسقى الضجيع ببارد بسام

وقال الفراء: تقول العرب: هزه وهز به، وخذ الخطام، وبالخطام، ورأسه، وبرأسه، ومده، ومد به، ,منه: «فليمدد بسبب» انتهى.

فأما قوله:

ألم يأتيك والأنباء تنمى = بما لاقت لبون بني زياد

[ارتشاف الضرب: 4/ 1702]

فقيل الباء في (بما) زائدة، وهي فاعل (يأتيك)، وخرج هذا على الإعمال، توارد على ما يأتيك، وتنمى فأعمل الثاني، وأما قوله:

فكفى بنا فضلاً على من غيرنا = حب النبي محمد إيانا

فقيل الباء في (بنا) زائدة، وهو المفعول، والفاعل (حب) أي فكفينا حب النبي، وخرج هذا على أن (بنا) الباء زائدة في الفاعل، و(حب) بدل، وقيل

[ارتشاف الضرب: 4/ 1703]

زائدة في: «بأبيكم المفتون» وفي:

... ... ... ... = ... ... .... لا يقرأن بالسور

وفي:

... ... ... ... ونرجو بالفرج

وفي:

ضمنت برزق عيالنا أرماحنا = ... ... ... ....

[ارتشاف الضرب: 4/ 1704]

وفي:

أتى بي الدهر بما أتى به

أي ما أتى به، وفي:

فأصبحن لا يسألنه عن بما به = ... ... ... ... ...

خرجه ابن جني على زيادة الباء، أي عن ما به، وزعم الأخفش أنها زائدة في خبر المبتدأ في قوله تعالى: «جزاء سيئة بمثلها» أي مثلها، وزيدت في الخبر في قوله:

... ... ... ... .... = فمنعكها بشيء يستطاع

وقد تؤول أكثر هذه المواضع، وذكر ابن مالك أن الباء تزاد عوضًا وأنشد:

ولا يواسيك فيما ناب من حدث = إلا أخو ثقة فانظر بمن تثق

قال: أراد من تثق به، زاد الباء قبل (من) عوضًا انتهى وقد تأولناه في الشرح على غير الزيادة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1705]

(اللام)

حركتها الكسر في المشهور، إلا مع المضمر غير (الياء) فالفتح عند أكثر العرب نحو: لنا، ولك، وله، ولها، ولكما، ولكم، ولكن، ولهما، ولهم، ولهن، ,خزاعة تكسر مع المضمر، كالمظهر إلا مع الياء، فاتفقوا على الكسر نحو لي، وتفتح مع المستغاث به غير المعطوف على غيره.

وحكى أبو عمرو، ويونس، وأبو عبيدة، وأبو الحسن، أنهم سمعوا تفتحها مع الظاهر على الإطلاق، فيقولون: المال لزيد، وحكى اللحياني عن بعض العرب غير معين أنهم يكسرونها مع المضمر يقولون: المال له، وهو قليل جدًا.

وحكى مكي بن أبي طالب عن بني العنبر أنهم يفتحونها مع الفعل وحكاه ابن مالك عن بني العنبر، وعكل، وقال أبو زيد: سمعت من يقولك «وما كان الله ليعذبهم» بفتح اللام، وحكى المبرد عن سعيد بن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1706]

جبير أنه قرأ: «وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال» بفتح اللام.

ومعاني اللام: الملك نحو: المال لزيد، وشبه الملك: أدوم لك ما تدوم لي.

والتمليك: وهبت لزيد، وشبه التمليك: «والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا»، والاستحقاق: الجلباب للجارية، والنسب: لزيد عم هو لعمرو خال، والتعليل: «لتحكم بين الناس»، والتبليغ: قلت لك، وبينت لك، وأذنت له، واستجبت له، وفسرت له، والتبيين بعد أسماء الأفعال، والمصادر التي شبهها: «هيهات هيهات لما توعدون»، و: «هيت لك»، وسقيا لك، وبعد أحب وشبهه في تعجب، أو تفضيل مبينة للمفعول نحو: ما أحب زيدًا لعمرو، «والذين آمنوا أشد حبا لله» والتعجب نحو:

ولله عينا من رأى من تفرق = ... ... ... ...

وللصيرورة: «فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا»

[ارتشاف الضرب: 4/ 1707]

أو موافقة في: «القسط ليوم القيامة»، وعند: «بل كذبوا بالحق لما جاءهم» أي عندما جاءهم، وإلى: «سقناه لبلد ميت»، وبعد: «أقم الصلاة لدلوك الشمس». وعلى: «يخرون للأذقان» ومن:

... ... ... ... ... ... = ونحن لكم يوم القيامة أفضل

أي منكم انتهت هذه المثل مقتضية من شرح ابن مالك للام، وكونها للاستحقاق عبارة سيبويه، وعبر عن هذا المعنى الفارسي: بالتحقيق، وقال المبرد: معنى اللام جعل الأول لاصقًا بالثاني، وقال أصحابنا معناها العام الاستحقاق، وينجر مع ذلك أنواع أن تكون للسبب، وللقسم الذي فيه معنى التعجب نحو:

لله يبقى على الأيام ذو حيد = ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1708]

وللاستغاثة، ولتقوية عمل العامل، وكونها للصيرورة، ويقال أيضًا: للعاقبة والمآل، وهو مذهب الأخفش، وكونها بمعنى (على)، أو (مع)، أو (بعد)، أو (من)، أو (في)، أو (إلى)، أو للتعليل هو مذهب الكوفيين، والقتبي.

وما استدلوا به تأوله أصحابنا، وتجيء اللام مقوية لعمل العامل، ولم يذكر سيبويه زيادة اللام، وتابعه أبو علي، وذهب المبرد إلى زيادتها في: «ردف لكم»، وفي: «للرؤيا تعبرون» ثم تأوله على معنى التضمين في ردف، وفي البخاري: ردف بمعنى قرب، وقيل هي زائدة في: لا أبالك،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1709]

ويا بؤس للحرب، وفي ضربت لزيد، والذي يجوز أن ما يتعدى لواحد يجوز دخول اللام على مفعوله أن تتقدم، أو كان فرعًا في العمل: «فعال لما يريد» ويقاس على هذين، وما سوى هذين قصرت زيادته على السماع.

(الكاف)

حرف جر لا خلاف، فاعلمه في ذلك إلا ما ذهب إليه صاحب (المشرق): أنها تكون اسمًا أبدًا؛ لأنها بمعنى (مثل)، وسيأتي خلاف الأخفش في كونها تخرج عن الحرفية إلى الاسمية في الكلام لا في الضرورة، وحركتها الفتح ومعناها التشبيه، ويتعلق بالكون المطلق الذي تتعلق سائر الحروف به، خلافًا للأخفش، وتعبه ابن عصفور في بعض تصانيفه، أنها لا تتعلق بشيء لا ظاهر، ولا محذوف، وتجر الظاهر، وشذ جرها الضمير الغائب نحو:

وأم أوعال كها أو أقربا

والمخاطب في قول الحسن: أناكك، والمتكلم في قول الحسن، ما أنت كي، وقول الشاعر:

وإذا الحرب شمرت لم تكن كي = ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1710]

والكاف في (كي) مكسورة، وقال سيبويه: (كي) و(كي) خطأ، وجاء في شعر معزو لأبي محمد اليزيدي:

شكوتم إلينا مجانينكم = ونشكو إليكم مجانيننا

فلولا المعافة كنا كهم = ولولا البلاء لكانوا كنا

وقد أدخلت العرب على ضمير الرفع المنفصل، وعلى ضير النصب المنفصل الكاف قالت: ما أنا كأنت ولا أنت كأنا، وقال:

... ... ... ... ... = ولم يأسر كإياك آسر

وفي البسيط: وقد ورد أيضًا في ضمير الرفع في قولهم: أنت كأنا، وأنت كـ (هو)، وأنكره الكوفيون.

وفي الواضح: أجاز سيبويه وأصحابه: أنت كي، وأنا كك، وضعفه الكسائي، والفراء، وهشام.

وقال الفراء: ومن لم يقل: مررت بي وزيد على اختيار قال مختارًا: أنت كـ(أنا) وزيد، وأنا كأنت وزيد. انتهى.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1711]

وزعم الكوفيون، والأخفش، أنها تجيء بمعنى (على)، وحكى الأخفش عن بعض العرب أنه قيل له: كيف أنت فقال: [كـ(خير)، وحكى الفراء كيف أصبحت فقال:] كـ(خير) يريد على خير، وعلى هذا خرج الأخفش قولهم: كن كما أنت وأول (كخير) على حذف مضاف أي: كـ(صاحب خير) و(كما أنت) على زيادة (ما)، و(أنت) في موضع جر كقولهم: ما أنا كأنت كما زادوها في قوله:

كما راشد تجدن أمرا

أو على أن (ما) كافة، و(أنت) مبتدأ محذوف الخبر تقديره: كما أنت عليه، وقدره بعضهم (كما أنت كائنه) كما صرح بالخبر حين كفت (بما) في قوله:

... ... ... ... .... = إليك كما بالحائمات غليل

وقيل: أنت خبر مبتدأ محذوف و(ما) موصولة أي كالذي هو أنت، وقيل (أنت) فاعل بفعل محذوف انفصل ضميره؛ أي كما كنت.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1712]

واختلفوا هل تكون اسمًا في الكلام، أو يختص ذلك بضرورة الشعر، فذهب الأخفش، والفارسي، في ظاهر قوله: وتبعهما ابن مالك على أنها تكون اسمًا في الكلام، وقد كثر جرها بالحرف (الباء وعلى وعن)، وأضيف إليها، وأسند إليها فاعلة، ومبتدأة، ومفعولة، لكن كل هذا في الشعر، وذهب سيبويه إلى أن استعمالها اسمًا، إنما يجوز في ضرورة الشعر، وتجوز زيادة (ما) بعد الكاف، وهي باقية على عملها الجر، قال:

وننصر مولانا ونعلم أنه = كما الناس مجروم عليه وجارم

[ارتشاف الضرب: 4/ 1713]

بخفض الناس، وزعم بعضهم أن (ما) تكون كافة للكاف، فتليها الجملة الاسمية، وتكون كما من حروف الابتداء كما قال:

لقد علمت سمراء أن حديثها = نجيع كما ماء السماء نجيع

وهذا إنما يكون إذا قلنا أن (ما) المصدرية لا توصل بالجملة الاسمية أما إذا قلنا أنها توصل بها، فلا تكون (ما) كافة، بل مصدرية، والكاف جارة للمصدر المنسبك من (ما) وصلتها.

وقال سيبويه: وسألته عن قولهم: «هذا حق كما أنك هاهنا»، فزعم أن العامل في أن: الكاف، وما (لغو) إلا أنها لا تحذف كراهة أن يجيء لفظها كـ(لفظ) (كأن)، وزعم بعض النحويين أن (الكاف) قد تخرج عن التشبيه، ويحدث فيها معنى التعليل. قال ابن برهان في: «ويكأنه لا يفلح الكافرون»؛ أي أعجب، لأنه لا يفلح الكافرون، ومثل ذلك بعضهم بقوله تعالى: «ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة» وقال به ابن مالك، ومثل بقوله تعالى: «واذكروا كما هداكم». ونقل ذلك عن الأخفش

[ارتشاف الضرب: 4/ 1714]

في قوله تعالى: «كما أرسلنا فيكم رسولا» أي لما أرسلنا فيكم فاذكروني، وزعم الخليل: أن الكاف إذا لحقتها (ما) الكافة قد تجعلها العرب بمعنى (لعل) ويصير لها ما للفعل كما صيرت (ربما) للفعل، وجعل من ذلك قولهم: انتظرني كما آتيك قال: والمعنى لعلي آتيك. وجعل من ذلك قول الشاعر:

لا تشتم الناس كما لا تشتم

أي لعلك لا تشتم، وحكى سيبويه: كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه أي أنه لا يعلم، وذهب الفراء إلى أن قولهم: «انتظرني كما آتيك»، و«لا تشتم الناس كما لا تشتم» الكاف فيهما للتشبيه، والكاف صفة لمصدر محذوف أي انتظرني انتظارًا صادقًا مثل إتياني لك؛ أي فلي بالانتظار كما أفي لك بالإتيان، وانته عن شتم الناس كـ«انتهائهم عن شتمك».

وفي النهاية: وقد كفوا الكاف (بما) كما كفوا (رب) فتليها الجملة الفعلية والاسمية تقول: زيد قاعد كما عمرو قاعد شبهت جملة بـ(جملة) بكونهما حاصلين في الوجود، وتقول: زيد قاعد كما أن عمرًا قائم، والمعنى قعود زيد لا محالة وقيام عمرو لا محالة، فالأولى فيها تشبيه جملة بجملة، وهذه توجب حصول الأمرين في الوجود، فهذا فرق ما بينهما، وتقول: زرني كما أزورك، فتحتمل (ما) أن تكون مصدرية «أي زرني كزيارتي إياك»، وأن تكون بمعنى لعل أي؛ لعلي أزورك.

وقال ابن مالك: ربما إذا حدث فيها معنى التعليل تنصب المضارع بها تشبيهًا بكي، وهذه مسألة تقدم الكلام فيها في نواصب المضارع، والمضارع جاء

[ارتشاف الضرب: 4/ 1715]

مرفوعًا في نحو قوله: كما لا تشتم، وقد تزاد (الكاف)، ولا ينقاس زيادتها، فقيل من زيادتها قوله تعالى: «ليس كمثله شيء» وقد تؤول، وفي قوله:

فصيروا مثل كـ(عصف) مأكول

وقوله:

وصاليات ككما يؤثفين

زيدت لتأكيد التشبيه، وقد زيدت خارجة عن معنى التشبيه في قوله:

لواحق الأقراب فيها كالمقق

المعنى فيها مقق أي طول، وحكى الفراء: أنه قيل لبعض العرب: كيف

[ارتشاف الضرب: 4/ 1716]

تصنعون الأقط؟ قال: كهين يريد هينا، ومن زيادتها قول بعضهم: كـ(مذ) أخذت في حديثك جوابًا لمن قيل له: مذكم لم تر فلانًا؟ تريد مذ أخذت، واختلفوا في المزيدة في (ككما يؤثفين) فقيل الثانية و(ما) مصدرية، وقيل الأولى والثانية اسم بمعنى (مثل) و(ما) موصولة أي مثل اللاتي يؤثفين، وضمير (يؤثفين) عاد على (ما) على المعنى.

(الواو)

تجر في القسم، وتدخل على كل مضارع ظاهر يحسن الحلف به، والواو أصل، وليست بدلاً من الباء في القسم، خلافًا لزاعمه، ولا يصرح بفعل القسم معها، خلافًا لابن كيسان، والواو تجر أيضًا بمعنى (رب) والجر بها نفسها عند الكوفيين، والمبرد، ومن وافقه، ولا يؤتي برب معها، والمشهور أن الجر بعدها هو بإضمار (رب) بعدها كما أضمرت بعد الفاء (وبل).

(التاء)

تجر في القسم، ولا تدخل إلا على اسم الله، وهي كثيرة في القرآن، وقالوا: أنها بدل من واو القسم، كما قالوا: تخمة وأصله: وخمة، وشذت في قولهم: ترب الكعبة، وتالرحمن وتحياتك.

(م) مثلثة الميم تدخل على اسم الله تعالى تقول: م الله لأفعلن وليست بدلاً من واو القسم، ولا أصلها من، ولا أصلها (أيمن) حذف منها حتى بقيت الميم خلافًا لزاعمي ذلك.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1717]

همزة القطع

نحو: ألله لأفعلن، وهمزة الاستفهام نحو: ألله لأفعلن يذكران في باب القسم.

القسم الثاني: وهو الثنائي (من)، و(في)، و(عن)، و(مع) و(ها) و(كي). (من) ثنائية الوضع، لا ثلاثية، فأصلها (منا) حذفت منها الألف لكثرة الاستعمال، خلافًا للكسائي والفراء في دعواهما ذلك، ومن معانيها ابتداء الغاية في المكان نحو: خرجت من البصرة، ولا تكون لابتداء الغاية في الزمان عند البصريين، وقد كثر ذلك في كلام العرب نثرها ونظمها، وقال به الكوفيون والمبرد، وابن درستويه، وهو الصحيح، وتأويل ما كثر وجوده ليس بجيد.

وذهب ابن الطراوة إلى أنك إذا أردت الابتداء في الزمان والانتهاء في المكان، أتيت بـ(من) و(إلى) كما تكون في المكان، ولا بد من (من) إذا أردتهما، ولا يجوز ما أجازوه من: ما رأيته مذ يوم الجمعة إلى يوم الأحد ومثال دخولها لابتداء الغاية في غير المكان: قرأت من أول سورة البقرة إلى آخرها، وأعطيت الفقراء من درهم إلى دينار، وتقول: إذا كتبت كتابًا من فلان إلى فلان، وفي الحديث: «من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم».

فأما (من) بعد أفعل التفضيل، فذهب سيبويه إلى أنها لابتداء الغاية، ولا تخلو من التبعيض، وذهب المبرد، والأخفش الصغير إلى أنها لابتداء الغاية،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1718]

ولا تفيد معنى التبعيض، وذهب ابن ولاد إلى أنها لا تكون بعد أفعل التفضيل لابتداء الغاية، وذهب سيبويه إلى أنها تكون غاية قال تقول: رأيته من ذلك الموضع تجعله غاية رؤيتك كما جعلته غاية حيث أردت الابتداء، يريد أن (من) دخلت على المحل الذي وقع فيه ابتداء الرؤية وانتهاؤها، ولذلك سماها غاية لما كان محيطًا بغاية الفعل، لأن الغاية هي مدى الشيء أي قدره، فيمكن أن يكون في: زيد أفضل من عمرو، كذلك أي ابتدأ التفضيل منه، وانتهى به، والتبعيض، ذهب الجمهور، والفارسي إلى أن (من) تكون للتبعيض نحو: أكلت من الرغيف، ويصلح مكانها بعض، وذهب المبرد، والأخفش الصغير، وابن السراج وطائفة من الحذاق، ومن أصحابنا السهيلي إلى أنها لا تكون للتبعيض، وإنما هي لابتداء الغاية، وأن سائر المعاني التي ذكروها راجع إلى هذا المعنى، وبيان الجنس، وكونها لهذا المعنى مشهور في كتب المعربين، ويخرجون عليه مواضع من القرآن، وقال به جماعة من القدماء، والمتأخرين منهم النحاس، وابن بابشاذ، وعبد الدائم القيرواني، وبان مضاء وأنكر ذلك أكثر أصحابنا، وانتهاء الغاية أثبت لها هذا

[ارتشاف الضرب: 4/ 1719]

المعنى الكوفيون، وتبعهم ابن مالك قال كقولهم: قربت منه فإنه مساوٍ لقولك: تقربت إليه، وقال الكوفيون: تقول العرب: شممت الريحان من الطريق، ورأيت الهلال من خلال السحاب، فـ(من) لابتداء الغاية، لأن الابتداء لم يكن من الطريق، ولا الرؤية من خلال السحاب، إنما ابتدأ من غيرهما، ويبين ذلك أنك تقول: شممت الريحان من داري من الطريق، ورأيت الهلال من داري من خلال السحاب، فـ(من) الأولى لابتداء الغاية، والثانية لانتهائها، وأنكر أصحابنا ورودها لهذا المعنى، وتأولوا ما استدلوا به، وذكر ابن مالك أنها تكون للتعليل نحو قوله تعالى: «يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق» و «من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل»، وأنها تكون للبدل كقوله تعالى: «أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة» و «لجعلنا منكم ملائكة»، وأنها تكون للمجاوزة ومنه قول العرب: حدثته من فلان أي: عن فلان، وللاستعلاء قال كقوله تعالى: «ونصرناه من القوم» أي: على القوم، قال: كذا قاله الأخفش قال: والأحسن أن يضمر الفعل أي معناه: منعناه بالنصر من القوم، وللفصل قال: وهي الداخلة على ثاني المتضادين نحو قوله تعالى: «والله يعلم المفسد من المصلح» وتدخل في المتباينين: لا نعرف زيدًا من عمرو،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1720]

ولموافقة الباء قال نحو: قوله تعالى: «ينظرون من طرف خفي» قال يونس: أي بطرف خفي، وزعم الكوفيون، وتبعهم ابن مالك أنها تأتي لموافقة (في) وأنشد ابن مالك:

عسى سائل ذو حاجة إن منعته = من اليوم سؤلاً أن ييسر في غد

أي في هذا اليوم، وهذا الذي ذكره ابن مالك من المعاني لم يذكره أصحابنا ويتأولون ما ظاهره ذلك، وزعم السيرافي، والأعلم، وابن طاهر، وابن خروف أن (من) إذا كان بعدها (ما) كانت بمعنى ربما، وزعموا أن سيبويه يشير إلى هذا المعنى في كلامه، وأنكر الأستاذ أبو علي وأصحابه ذلك، وردوه وتأولوا ما زعموه من ذلك.

وتنفرد (من) بجر ظروف لا تتصرف: كـ(قبل)، و(بعد)، و(عند)، و(لدي)، و(لدن)، و(مع)، و(عن)، و(على) اسمين مثال ذلك: «لله الأمر من قبل ومن بعد»، و(من) فيهما لابتداء الغاية، وزعم ابن مالك في شرحه للتسهيل أن من فيهما زائدة، وتقدمه إلى ادعاء زيادتها فيهما غيره من النحاة، ومن عند الله، ومن لديه، ومن لدنه، «هذا ذكر من معي» في قراءة من قرأ كذلك.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1721]

... ... ... ... ... .... = من عن يمين الحبيا نظرة قبل

غدت من عليه ... .... = ... ... ... ... ...

و(عن) بعد دخول (من) بمعنى جانب، وعلى بمعنى (فوق) وهما اسمان حين دخول (من) عليهما عند البصريين، وزعم الفراء ومن وافقه من الكوفيين أن (عن) و(على) إذا دخل عليهما (من) باقيان على حرفيتهما لم ينتقلا إلى الاسمية.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1722]

وزعموا أن (من) تدخل على حروف الجر كلها سوى (مذ) واللام، والباء و(في)، وتختص (من) في القسم بدخولها على الرب، ويجوز ضم ميمها في القسم فتقول: من ربي لأفعلن، وتأتي (من) زائدة، فعند الأخفش، والكسائي، وهشام يجوز أن تزاد في الواجب، وغير الواجب، وداخلة على المعرفة والنكرة، وعند بعض الكوفيين في الواجب وغير الواجب، ويشترط تنكير ما دخلت عليه، نحو ما رووا من قول العرب: قد كان من مطر، وقد كان من حديث فخل عني، وعند جمهور البصريين بشرط أن يكون ما قبلها غير واجب وما دخلت عليه أن يكون نكرة، وغير الواجب عندهم هو النفي، والنهي، والاستفهام، فأما النفي، فتزاد معه في سائر حروفه (لم)، و(لما) و(ما) و(لا) و(أن) و(لن) وذلك في المبتدأ نحو: ما من رجل قائم، ولا من رجل عندي، ولا امرأة، وفي الفاعل نحو: ما قام من رجل، ولم يقم من أحد، وفي اسم كان نحو: ما كان من زاد عندنا، وفي المفعول فيما يتعدى إلى واحد نحو: لم أضرب من أحد، وفي أول ظننت نحو: ما ظننت من أحد يفعل ذلك، وفي أول أعلمت نحو: ما أعلمت من أحد زيدًا مسافرًا، وفي ثاني أعطيت وفي أوله نحو: ما أعطيت من درهم أحدًا، وما أعطيت من أحد درهمًا، وفي ما لم يسم فاعله، نحو: ما ضرب من أحد، وأما النهي فنحو: لا يقم من أحد، ولا تضرب من أحد، ولا يضرب من

[ارتشاف الضرب: 4/ 1723]

أحد، وأما الاستفهام فليس عامًا في جميع أدواته، إنما يحفظ ذلك مع (هل) في جميع ما ورد في النفي نحو: هل في الدار من رجل، وقوله تعالى: «هل تحس منهم من أحد».

[وفي إلحاق الهمزة بـ(هل) في ذلك نظر، ولا أحفظه من لسان العرب] ولو قلت: كيف تضرب من رجل، أو كيف خرج من رجل، أو أين تضرب من رجل، أو متى يقوم من رجل لم يجز.

و(قلما) إذا كانت للنفي المحض جاز دخول من فتقول: قلما يأتيني من أحد في معنى: ما يأتيني من أحد، وتدخل مع المتسع فيه من ظرف، ومن مصدر، نحو: ما ضرب من ضرب شديد، وما سير من سير، وما صيم من يوم، وزعم بعض البصريين أنها تزاد في الشرط، بشرطها عند الجمهور من النكرة، تقول: إن زارني من رجل أكرمته، والصحيح المنع، وذهب لكذة الأصبهاني إلى أن (من) زائدة في قول الهذلي:

فما العمران من رجلي عدى = وما العمران من رجلي فئام

وادعى أنه منحول، وليس من شعر الهذلي، ومن زائدة، ولا يقال: ما زيد من رجل الحرب، ولا ما الزيدان من رجلي الحرب، والصحيح أن (ما) في بيت الهذلي ليست بنافية، بل هي استفهامية على معنى التعظيم والتعجب، و(من) هي الداخلة على التمييز، فذلك نحو قول الشاعر:

يا سيدًا ما أنت من سيدٍ = ... ... ... ....

[ارتشاف الضرب: 4/ 1724]

ومذهب سيبويه: أن الزائدة بالشرطين المذكورين هي لتأكيد استغراق الجنس في نحو: ما قام من أحد، وما قام من رجل، وقال المبرد في: ما قام من رجل لا ينبغي أن يقال أنها زائدة، لأنها أفادت استغراق الجنس، إذا كان قبل دخول (من) يحتمل وجوهًا.

وأما في «ما جاءني من أحد» فهي زائدة، وزعم علي بن سليمان أن (من) التي قيل فيها زائدة في نحو: ما قام من رجل هي لابتداء الغاية ابتداء النفي من هذا النوع، ثم عرض أن يقتصر بها على هذا النوع انتهى.

وقالت العرب: أما رجل ينصفنا، بخفض رجل بإضمار (من) يريدون أما (من) رجل، و(من) زائدة، وقالوا: ألا رجل بالخفض بعد (ألا)، خفضوا بعدها كما خفضوا بعد أما، ومن يجوز إظهارها بعد أما، ولا يجوز استعمالها بعد ألا.

(في)

للظرفية حقيقة نحو: المال في الكيس، أو مجازًا نحو: زيد ينظر في العلم هذا مذهب سيبويه، والمحققين في معنى (في) أنها لات كون إلا للوعاء حقيقة أو مجازًا، وزعم الكوفيون، وتبعهم القتبي، وابن مالك، أنها تكون

[ارتشاف الضرب: 4/ 1725]

للمصاحبة نحو قوله تعالى: «ادخلوا في أمم» أي مع أمم، وذهب هؤلاء إلى أن (في) توافق (على) نحو قوله تعالى: «ولأصلبنكم في جذوع النخل» أي على جذوع النخل، وبمعنى الباء نحو قوله:

... ... ... ... ... ... ( يصيرون في طعن الأباهر والكلى

أي يصيرون بطعن، وزعم الأصمعي، والكوفيون، والقتبي، أنها تأتي بمعنى (من) نحو قول امرئ القيس:

وهل يعمن من كان أحدث عصره = ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوال

أي من ثلاثة أحوال، وذكر ابن مالك أنها تكون للتعليل نحو: قوله تعالى: «لمسكم في ما أفضتم فيه»، وما روى في الأثر: «دخلت امرأة النار في هرة حبستها» أي لأجلها، وأنها تكون للمقايسة، وهي الداخلة على تالٍ يقصد

[ارتشاف الضرب: 4/ 1726]

تعظيمه وتحقيره، بمتلوه كقوله تعالى: «فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل»، وزعم الفارسي أن (في) تزاد في ضرورة لاشعر نحو قوله:

أنا أبو سعد إذا الليل دجا = يخال في سواده يرندجا

المعنى، يخال سواده يرندجا، وهو من القلة بحيث لا يقاس عليه، وهذا الذي ذكروه من خلاف، كون (في) للوعاء، تأوله أصحابنا وردوه إلى معنى الوعاء، (عن): للمجاوزة تقول: أطعمته عن جوع، وسقيته عن العيمة، وكسوته عن العرى أي جعلت الجوع مجاوزًا له، ومتصرفًا عنه، والعيمة والعرى قد تراخيا عنه، وذهب الكوفيون، والقتبي، وتبعهم ابن مالك إلى أنها تكون للاستعلاء كقوله:

... ... ... ...لا أفضلت في حسب = عني ... ....

[ارتشاف الضرب: 4/ 1727]

أي علي، وتكون عندهم للاستعانة نحو قوله تعالى: «وما ينطق عن الهوى» أي بالهوى وتكون عندهم لموافقة بعد نحو: قوله تعالى: «لتركبن طبقا عن طبق» أي بعد طبق، وزعم ابن مالك أنها تأتي للتعليل نحو قوله تعالى: «إلا عن موعدة وعدها إياه» وكقوله تعالى: «وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك»، وللبدل نحو قولهم: حج فلان عن أبيه، وقوله تعالى: «لا تجزي نفس عن نفس شيئًا»، وبمعنى (في) في قوله:

... ... ... ... .... = ولاتك عن حمل الرباعة وانيا

أي في حمل، وأنها تزاد عوضًا نحو قوله:

... ... ... ... ... ... .... = فهلا التي عن بين جنبيك تدفع

[ارتشاف الضرب: 4/ 1728]

قال ابن جني: أراد فهلا عن التي بين جنبيك تدفع، فحذف (عن) وزادها بعد التي عوضًا، ونص سيبويه على أن (عن) لا تزاد، وذهب أبو عبيدة إلى أنها زائدة في قوله تعالى: «فليحذر الذين يخالفون عن أمره» أي يخالفون أمره، وكل ما ذكروه مما خالف معنى المجاوزة، واستدلوا عليه تأوله المخالف لهم، وتقدم الخلاف في (عن) إذا جرت أهي اسم، أم هي باقية على حرفيتها، ودخول (من) عليها كثير، وقد دخل عليها (على) قال:

على عن يميني مرت الطير سنحا = وكيف سنوح واليمين قطيع

وذهب بعض أصحابنا إلى أنها اسم في قوله:

دع عنك نهبا صيح في حجراته = ... ... ... ... ... ...

وهو مستقرأ من كلام الأخفش في (على)، وسيأتي ذلك عند الكلام على (على).

(مع) ساكنة العين، قيل إنها حرف، والصحيح أنها اسم كحالها إذا كانت مفتوحة العين.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1729]

(ها) للتنبيه يكون الجر بعدها في باب القسم عوضًا من الواو، وتختص باسم الله، وفي الجر بها خلاف أهو بها نفسها، أو الواو وسيأتي إن شاء الله.

(كي): عند البصريين تكون حرف جر، فتجر اسم الاستفهام وهو، وإذا أضمرت أن بعدها كانت جارة لمصدر مقدر منسبك من (أن)، والفعل بعدها، وتقدم الكلام عليها في نواصب المضارع.

والثلاثي: (إلى)، و(على)، و(رب)، و(منذ)، و(خلا)، و(عدا)، و(متى)، و(بله)

(إلى) للانتهاء مطلقًا، فتعم الزمان والمكان نحو: سرت إلى البصرة، وسرت إلى نصف الليل، ومذهب سيبويه، والمحققين إلى أن (إلى) تنتهي لابتداء الغاية، وإما أن تكون آخرًا، أو غير آخر ففيه تفصيل، واختلاف وذلك أن ما بعد (إلى)، إما أن تدل قرينة على دخوله فيما قبلها نحو قولك: اشتريت الشقة إلى طرفها، أو خروجه نحو قوله تعالى: «أتموا الصيام إلى الليل»، فهو على حسب القرينة، نحو: اشتريت البستان إلى الشجرة الفلانية، فالذي عليه أكثر المحققين أن لا تدخل، فلا تدخل الشجرة في المشتري، وقال بعض النحاة: تدخل، وقال عبد الدايم القيرواني: إذا لم تكن قرينة، وما بعد (إلى) من جنس ما قبلها احتمل أن يدخل وألا يدخل، والأظهر أنه لا يدخل. انتهى.

وذهب الكوفيون، وكثير من البصريين إلى أن (إلى) تأتي بمعنى المصاحبة، وقاله كثير من المفسرين في قوله تعالى: «من أنصاري إلى الله» قال الفراء: وهو حسن.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1730]

وإنما تجعل (إلى) بمعنى (مع) إذا ضممت شيئًا إلى شيء كقول العرب: الذود إلى الذود (إبل)؛ فإن لم يكن ضم لم يكن جمع، فلا يقال في مع فلان مال كثير: إلى فلان مال كثير انتهى.

وإذا قال له: على من واحد إلى عشرة كان إقرار بجملة العشرة، كما أنك إذا قلت: هي أحسن الناس من قرن إلى قدم، فقد عم الحسن ما بينهما، فإن قال هي أحسن الناس قرنًا فقدما لم يجز، وأجاز ذلك هشام، وذهب الكوفيون، والقتبي وتبعهم ابن مالك إلى أن (إلى) تكون بمعنى (من) وأنشدوا قول ابن أحرم:

تقول وقد عاليت بالكور فوقها = أيسقي فلا يروي إلى ابن أحمرا

يريد قالوا فلا يروى مني، وزعم الكوفيون، والقتبي أنها تكون بمعنى (عند)، قال أبو كبير الهذلي:

أم لا سبيل إلى الشباب وذكره = أشهى إلي من الرحيق السلسل

[ارتشاف الضرب: 4/ 1731]

وزعم الأخفش أن (إلى) تكون بمعنى الباء، وخرج عليه قوله تعالى: «وإذا خلوا إلى شياطينهم» أي بشياطينهم، وذكر ابن مالك: أنها تأتي للتبيين قال وهي المتعلقة في تعجب، أو تفضيل كقوله تعالى: «قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه» وأنها تكون بمعنى (في) وأنشد:

فلا تتركني بالوعيد كأنني = إلى الناس مطلى به القار أجرب

أي في الناس، وأنها تكون موافقة (اللام)، نحو قوله تعالى: «والأمر إليك»، «وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم». وذهب الفراء إلى أن (إلى) قد تزاد وجعل من ذلك قوله تعالى: «فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم» في قراءة من فتح الواو، أي تهوى إليهم، أي تحبهم، وكل هذه المعاني التي تخالف انتهاء الغاية تأولها المخالف على الغاية.

(على) التي ينجر ما بعدها مشهور مذهب البصريين أنها حرف جر، وذهب ابن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1732]

الطراوة، وابن طاهر، وابن خروف، وأبو علي الرندي، وأبو الحجاج بن معزوز، والأستاذ أبو علي في أحد قوليه إلى أنها اسم، ولا تكون حرفًا، وزعموا أن ذلك مذهب سيبويه، وكونها حرفًا هو مذهب الكوفيين، فإذا دخلت عليها (من)، ففيها خلاف البصريين، والفراء المذكور في (عن)، وقد استدل الأخفش على اسمية (على) بقول العرب: «سويت علي ثيابي» ولا يجوز: فرحت بي، إنما تقول: فرحت بنفسي، فسويت علي ثيابي، معناه: سويت فوق ثيابي، وعلى قول الأخفش مجيء قول الشاعر:

هون عليك فإن الأمو = ر بكف الإله مقاديرها

ولا يدل ما قاله الأخفش على أن (على) اسم، فقد جاء «وهزي إليك بجذع النخلة» و«اضمم إليك جناحك من الرهب» ولا نعلم أحدًا ذهب إلى أن (إلى) اسم، فسويت على ثيابي، وهون عليك من هذا القبيل القليل.

ومن قال: إنها لا تكون إلا اسمًا يقولك إنها معربة، ومن جوز فيها إذا كانت حرفية أن تنتقل إلى الاسمية بدخول (من) عليها، أو على مذهب الأخفش في

[ارتشاف الضرب: 4/ 1733]

نحو: سويت على ثيابي، اختلفوا فقال بعض أشياخنا: هي معربة إذ ذاك، وقال أبو القاسم بن القاسم: هي مبنية، والألف فيها كألف هذا، و(ما) فهي كعن، وكاف التشبيه، و(مذ)، و(منذ) إذا كن أسماء، ومعنى (على) الاستعلاء حسا كقوله تعالى: «كل من عليها فان»، أو معنى كقوله تعالى: «الرسل فضلنا بعضهم على بعض»، وزعم الكوفيون، والقتبي، وابن مالك أن (على) تكون للمصاحبة نحو قوله تعالى: «وآتى المال على حبه» وأنها تكون للمجاوزة كوقوعها بعد (بعد وخفى) وقوله:

إذا رضيت علي بنو قشير = ... ... ... ...

أي عني، وللظرفية نحو: قوله تعالى: «واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان» أي في ملك سليمان، وموافقة من: كقوله تعالى: «الذين إذا

[ارتشاف الضرب: 4/ 1734]

اكتالوا على الناس» أي من الناس، وبمعنى الباء كقوله تعالى: «حقيق علي أن لا أقول» أي بألا أقول، وزعم الكوفيون والقتبي أنها تكون بمعنى اللام وأنشدوا قول الراعي:

رعته أشهرا وخلا عليها = فطار الني فيها واستغارا

أي خلالها، وذكر ابن مالك أنها تأتي للتعليل قال كقوله تعالى: «ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم» انتهى، وهذا كله تأوله المخالف، وقد جاء حذف (على) في الشعر نحو قوله:

... ... ... ... = وأخفى الذي لولا الأسى لقضاني

يريد لقضى علي، وأجاز أبو الحسن حذفها في الكلام، ونصب ما بعدها مفعولاً به، وجعل من ذلك قوله تعالى حكاية عن إبليس: «لأقعدن لهم صراطك المستقيم».

[ارتشاف الضرب: 4/ 1735]

ونص سيبويه على أن (عن) و (على) لا تزادان، وتقدم قول ابن مالك في (عن) أنها تزاد عوضًا، وقال: تزاد (على) وأنشد:

أبى الله إلا أن سرحة مالك = على كل أفنان العضاة تروق

قال: زاد على، لأن راق متعدية مثل أعجب تقول: راقني حسن الجارية، وقال تزاد عوضا وأنشد:

إن الكريم وأبيك يعتمل = إن لم يجد يومًا على من يتكل

وتبع في ذلك ابن جني: قال ابن جني: أراد إن لم يجد يومًا من يتكل عليه فحذف عليه، وزاد (على) قبل (من) عوضًا. انتهى.

وما استدلوا به على الباء، و(عن)، و(على)، تزاد عوضًا لم يقم عليه دليل، وقد ذكرنا في الشرح تأويل ذلك على أحسن وجه، ولم يكف ابن مالك أن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1736]

استدل بشيء محتمل مخالف لنص سيبويه حتى قال: ويجوز عندي أن يعامل بهذه المعاملة (من) واللام و(إلى) وفي قياسًا على (عن)، و(على)، و(الباء) فيقال: عرفت ممن عجبت، ولمن قلت، وإلى من أويت، وفي من رغبت والأصل: عرفت من عجبت منه، ومن قلت له، ومن أويت إليه، ومن رغبت فيه، فحذف ما بعد (من)، وزيد ما قبلها عوضًا انتهى ما قاله، وما أجازه ليس بصحيح، ولو استدل بشيء لا يحتمل التأويل لكان من القلة بحيث لا يقاس عليه.

(رب): عند البصريين حرف جر، وعند الكوفيين، وابن الطراوة: اسم وفي الإفصاح: قال الفراء، وجماعة من الكوفيين: إن (رب) اسم معمولة لجوابها كـ(إذا)، أو حين في الظروف، وتقدمت عندهم لاقتضائها الجواب، وهي مبنية قالوا: وقد يبتدأ بها فيقال: رب رجل أفضل من عمرو، ويقال: رب ضربة ضربت، ورب يوم سرت، بتقدير الظرف، ورب رجل ضربت مفعول، ورب رجل قام مبتدأ كما يكون ذلك في كم، انتهى.

ومذهب البصريين أنها للتقليل، قال أصحابنا في جنس الشيء، أو في نظيره.

وزعم صاحب كتاب العين أنها للتكثير، ولم يذكر أنها تجيء للتقليل، ونسب ابن خروف هذا المذهب إلى سيبويه، وذهب الكوفيون، والفارسي في كتاب الحروف له: أنها تكون تقليلاً وتكثيرًا، وذهب بعضهم إلى أنها للتكثير في موضع المباهاة والافتخار.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1737]

وذهب بعضهم إلى أنها لم توضع لتقليل، ولا لتكثير، بل ذلك مستفاد من سياق الكلام، وهذا الذي نختاره من المذاهب، وفي البسيط: ذهب البصريون إلى أنها للتقليل كالخليل، وسيبويه، وعيسى بن عمر، ويونس، وأبي زيد، وأبي عمرو بن العلاء، والأخفش، والمازني، والجرمي، والمبرد، والزجاج، وابن السراج، والزجاجي، والفارسي، والسيرافي، والرماني وابن جني، وجملة الكوفيين كالكسائي والفراء وهشام، وابن سعدان ولا مخالف لهؤلاء إلا صاحب العين، فإنه صرح بكونها للتكثير دون التقليل، وفي الإفصاح وقيل: إنها للتكثير، وقال به جماعة منهم صاحب العين، وابن درستويه، وقال ابن الباذش، وابن طاهر هي لمبهم العدد فيكون تقليلاً، وتكثيرًا، وقال أبو نصر الفارابي في كتاب الحروف له: أكثر ما تكون للتقليل.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1738]

ورب عندنا ثلاثية الوضع، وعرض التصرف فيها خلافًا لابن فضال، إذ زعم أنها ثنائية الوضع فقياسها أن تكون ساكنة كـ(هل)، و(بل)، وإن فتح الباء مع تخفيفها ودون التاء ضرورة لا لغة، ولغاتها: رب، ورب، وربت، وربتا، ورب، وربت، ورب، وربت، ورب، ورب.

وزعم ابن فضال: أن فتح الراء نقله أبو حاتم، وأنه في جميع ذلك شاذ، ومجرور (رب) نكرة، وضمير، ولا يجر معرفًا بأل، وأجاز ذلك بعضهم وأنشد:

ربما الجامل المؤبل فيهم = ... ... ... ... ... ...

بخفض الجامل وصفته، فالنكرة تكون معربة، ومبنية، كقوله:

ألا رب من تغشه لك ناصح = ... ... ... ....

[ارتشاف الضرب: 4/ 1739]

وتجر مضافًا إلى ضمير مجرورها معطوفًا عليه بالواو، ويقاس على ذلك وفاقًا للأخفش نحو: رب رجل وأخيه يقولان ذلك، ويقاس على ما سمع من ذلك، وشذ رب أبيه ورب أخيه، ورب واحد أمه، ولا يجوز الفصل بينها وبين النكرة، وأجاز علي بن المبارك الأحمر: الفصل بينهما بالقسم فتقول: رب والله رجل صالح لقيته، ووهم ابن عصفور في نسبته جواز الفصل بالقسم لخلف الأحمر، وغره شهرة خلف الأحمر، وجاء في الشعر الفصل بينهما بالجار والمجرور ولا يقاس عليه نحو قوله:

رب في الناس موسر كعديم = ... ... ... ... ....

ونحو قوله:

يا رب عنا غمرة جلاها

وقول زيد الخيل:

ويندب شماح بن عمرو ورهطه = ويا رب منهم دارع وهو أشوس

[ارتشاف الضرب: 4/ 1740]

واختلفوا في وصف مجرورها النكرة، فذهب الأخفش، والفراء، والزجاج، وأبو الوليد الوقش، وابن طاهر، وابن خروف، إلى أنه لا يلزم وصفه، وهو ظاهر كلام سيبويه.

وذهب ابن السراج، والفارسي، والعبدي، وأكثر المتأخرين منهم الأستاذ أبو علي، وفي البسيط: أنه رأى للبصريين إلى أنه يلزم وصف مجرورها، واختلف النقل عن المبرد، وأكثر وقوعها صدرا، وجاءت خبرًا لإن في قوله:

أماوى إني رب واحد أمه = أخذت فلا قتل لدي ولا أسر

وخبرًا لأن المخففة من الثقيلة كقوله:

تيقنت أن رب امرئ خيل خائنا = أمين وخوان يخال أمينا

وجوابًا لـ(لو) وهو غريب في قوله:

ولو علم الأقوام كيف خلفتهم = لـ(رب) مفد في القبور وحامد

[ارتشاف الضرب: 4/ 1741]

وليس مجرورها، دائما في موضع نصب خلافًا للزجاج، ومن وافقه، بل يحكم على موضعها بالرفع والنصب على حسب العامل بعدها، ويجوز فيه الاشتغال إذا كان العامل قد عمل في ضميره، أو سببه نصبًا لفظًا، أو محلاً، و(رب) زائدة في الإعراب لا في المعنى وفاقًا للأخفش، والجرمي، ويجوز العطف على موضع مجرورها إن رفعًا فرفع، وإن نصبًا فنصب كما قال امرئ القيس:

وسن كسنيق سناء وسنما = ذعرت بمدلاج الهجير نهوض

وقال أبو بكر عاصم بن أيوب البطليوسي: من جعل سنمًا للبقرة عطفه على موضع: وسن، لأنه في موضع المفعول بـ(ذعرت) تقول: ذعرت بهذا الفرس ثورًا، وبقرة، وهو بعيد عند بعض النحويين أن يجعل لـ(رب) موضع من الإعراب، ومذهب أكثر النحويين منهم المبرد، والفارسي أن العامل يجب أن يكون ماضيًا، وذهب ابن السراج إلى أنه يجوز أن يكون حالاً، ومنع أن يكون مستقبلاً، والصحيح أن العامل يكون ماضيًا في الأكثر، ويجوز أن يكون حالاً ومستقبلاً ومما جاء مستقبلا قول جحدر:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1742]

فإن أهلك ف(رب) فتى سيبكى = علي مهذب رخص البنان

وقال الكسائي: العرب لا تكاد توقع (رب) على أمر مستقبل، وهذا قليل في كلامهم، وإنما يوقعونها عن الماضي، ثم استعذب عن قوله تعالى: «ربما يود» ثم قال ومع هذا يحسن أن يقال في الكلام: إذا رأيت الرجل يفعل ما يخاف عليه منه: ربما يندم، وربما يتمنى أن لا يكون فعل، وهذا كلام عربي حسن، ومثله قال الفراء والمبرد. انتهى.

ومن التزم المعنى في العامل تأول ما ظاهر خلافه، وهذا كله مبني على أن (رب) يتعلق، وفي ذلك خلاف، وذهب الجمهور إلى أنها تتعلق بالعامل، وذهب الرماني، وابن طاهر، إلى أنها لا تتعلق، واختلف من قال: إنها تتعلق في حذف ما يتعلق به فذهب الخليل، وسيبويه إلى أن حذفه للعلم به نادر، وذهب الفارسي إلى أن حذفه كثير، وتبعه الجزولي، وذهب لكذة الأصبهاني إلى أنه لا يجوز حذفه ألبتة، ولحن ما روى من ذلك.

وذهب بعضهم إلى أنه يلزم حذفه، لأنه معلوم كما حذف في تالله، وبسم الله، وفصل بعض أصحابنا فقال: إذا كان ثم ما يدل على العامل، ولم تقم الصفة مقامه، فإن شئت حذفته، وإن شئت أظهرته، وإذا كانت الصفة تقوم مقامه فلا يجوز إظهار العامل مثال ذلك: أن تسمع إنسانًا يقول: ما لقيت رجلاً عالمًا فتقول:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1743]

رب رجل عالم لقيت فلك ألا تذكر لقيت، وتكتفي برب رجل عالم جوابًا له.

وإذا كان ذلك ابتداء فلا بد من إظهار الفعل، لأنك لو حذفته لم يعلمه سامعك، ومثل ما لا يظهر الفعل فيه، لأن الصفة تقوم مقامه قولك: رب رجل يفهم هذه المسألة لمن قال لك: قد فهمتها، والتقدير: رب رجل يفهم هذه المسألة وجدت، فمثل هذا لا يظهر، فتخلص في الحذف خمسة أقوال: الوجوب، والمنع، والندور، والكثرة، والتفصيل، والمفرد بعد (رب) في معنى جميع، إلا إذا حصرته قرينة في واحد نحو قوله:

ألا رب مولود وليس له أب = ... ... ... ...

ويكثر وقوعها صدر جواب شرط مصحبوة بـ(يا) نحو قوله:

فإن أمس مكروبًا فيا رب قينة = ... ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1744]

وغير مصحوبة بـ(يا) نحو قوله:

فإن أهلك فرب فتى سيبكي = ... ... ...

وقد يصحبها (يا) في غير ذلك نحو: يا رب رجل عالم لقيته، و(يا) تنبيه ويجوز أن يلتقي القسم بالجملة التي هي صدرها مع اللام نحو: والله لرب رجل عالم صحبته، ووصف مجرورها كوصف غيره من الأسماء، فتوصف بالمفرد وبالجملة الفعلية، والاسمية نفيًا وإثباتًا، وأكثر ما تكون المثبتة مصدرة بماض، وتجيء بالمضارع وبالمفتتح بحرف التنفيس، وأكثر ما يأتي الفعل الذي يتعلق به ماضيًا، وقد يكون (لو) وجوابها نحو: رب رجل صالح لو لقيته لخدمته، ومنفيًا بـ(لن)، ولا يتقدم عليها ما يتعلق به، لا يجوز: لقيت رب رجل عالم، ويتقدم (ألا) الاستفتاحية نحو قوله:

ألا رب يوم صالح قد شهدته = ... ... ... ... ...

وتضمر بعد الفاء في جواب الشرط نحو قوله:

وإن أهلك فذي حنق لظاه = ... ... ... ...

أي فرب ذي حنق، وفي غير الجواب نحو قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1745]

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع = ... ... ....

في رواية من خفض (مثلك) وبعد (بل) نحو قوله:

بل بلد ذي صعد وأضباب

وزعم بعض النحويين أن الخفض هو بالفاء، و(بل) لنيابتهما مناب (رب)، وتقدم الكلام في واو (رب)، وأن مذهب المبرد، والكوفيين: أن الجر بها نفسها لا بإضمار (رب) بعدها، وبـ(رب) مضمرة بعد الواو، وهو مذهب البصريين، وقد جاء الجر بها مضمرة بعد ثم حكاه صاحب الكوفي، ودون حرف نحو قوله:

رسم دار وقفت في طلله = ... ... ....

[ارتشاف الضرب: 4/ 1746]

وواو (رب) هي في الأصل حرف عطف، ولذلك لا تدخل عليها (واو) العطف، إذ هي جواب لسؤال ملفوظ به أو مقدر.

والضمير المجرور بـ (رب) مبهم، وليس جره بقليل ولا شاذ خلافًا لزاعم ذلك، ومذهب الفارسي وكثير من النحاة أنه معرفة، وجرى مجرى النكرة في دخول (رب) عليه لما أشبهها في أنه غير معين.

وذهب بعض النحويين إلى أنه نكرة، وهو اختيار الزمخشري، وابن عصفور، وهو لازم التفسير بنكرة منصوبة غير مفصولة بينها وبين الضمير بشيء، وجاء جره في الشعر في قوله:

... ... ... ... ... = وربه عطبا أنقذت من عطبه

كأنه نوى (من)، وهو شاذ لا يجوز في الكلام، ومن قال: يوصف مجرور «رب» النكرة لا يقول ذلك في تمييز «ربه رجلاً» و «ربه رجلا» أفخم وأمدح من رب رجل، وهذا الضمير عند البصريين يجب أن يكون مفردًا مذكرًا على كل حال سواء أكان التمييز مفردًا أو مثنى أو مجموعًا مذكرًا، أم مؤنثًا، وقال الشاعر:

ربه فتية دعوت إلى ما = يورث المجد دائبًا فأجابوا

[ارتشاف الضرب: 4/ 1747]

وحكى الكوفيون مطابقة الضمير للتمييز نحو: «ربه رجلا» وربها امرأة، وربهما رجلين، وربهم رجالاً، وربهن نساء.

وزعم ابن أبي الربيع: أن حذف ما تتعلق به (رب) لازم الحذف، وقوله:

... ... ... ... .... = ربه عطبًا أنقذت من عطبه

وربه فتية دعوة = ... ... ... ....

يدل على ذكر الفعل الذي يتعلق به، والعامل في التمييز الهاء أشبهت (عشرين)، وتجيء (ما) زائدة بعد (رب) الجارة النكرة نحو قوله:

ربما ضربة بسيف صقيل = ... ... ... ... ...

وكافة، فتهيئها لمجيء الفعل الماضي نحو قوله:

ربما أوفيت في علم = ... ... ... ...

والمضارع نحو قوله تعالى: «ربما يود»، وقوله:

ربما تكره النفوس من الأمر = ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1748]

والكوفيون وابن السراج جعلوا (ربما يود) على إضمار كان، ولا يجوز على مذهب سيبويه، وقال ابن يسعون في قوله تعالى: «ربما يود»: قد تكون (ما) نكرة موصوفة؛ «أي رب ود يوده الذين كفروا»، والمضارع بعد (ربما) يجوز عند كثير من النحاة أن يكون مستقبلاً، وزعم جماعة أنه لا يكون إلا ماضيًا، فيتأول المضارع بماض، وزعم المبرد أنه يجوز أن يلي (ربما) الجملة الابتدائية كما قال:

... ... ... ... ... ... ... = ربما ظاعن بها ومقيم

فتصير نحو: إنما إن جاءت الجملة فعلية كانت (ما) مهيئة وإن كانت اسمية كانت كافة، ومذهب سيبويه أن (ربما) إذا لم يكن بعدها مجرور تكون (ما) مهيئة فلا تليها إلا الجملة الفعلية المصدرة، بماضٍ لفظًا، ومعنى يلي ربما نحو: ربما ضربت زيدًا ولا يجوز: ربما زيدًا ضربت إلا في شعر، وربما حذف الفعل بعدها.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1749]

قال في النهاية: ويجوز حذف الفعل بعد (ربما)، لأن (رب) قد كفت عن العمل، فصارت داخلة على الجملة، فالحذف واقع عليها لا على المفرد، يقول القائل: أزرت زيدًا؟ فتقول: ربما؛ أي ربما زرت، فطول الكلام بالتركيب عوض من الفعل المحذوف، ولم يحضرني في ذلك شعر للعرب، ولكني وجدت في شعر أبي تمام:

عسى وطن يدونو بهم ولعلما = وإن تعتب الأيام فبهم فربما

أي فـ (ربما) بشرت أو إعادتهم انتهى.

ويجوز لحاق (التاء) لها تقول: ربتما قام زيد، وإذا وقفت على ما لحقته التاء، فالوقف بالتاء؛ لأنها ليست تعقب الإعراب، فهي كتاء قامت، وبعض النحاة وقف بقلب التاء هاء، وهو مما أجازه الكسائي؛ لأن قبلها فتحة كـ(تاء) شجرة.

(منذ ومذ)

المحذوفة منها إذا جرتا مذهب الجمهور أنهما حرفان، وتقدم الكلام فيهما في الظرف، وفي النهاية: قالوا (مذ) و(منذ) حرفان، وفي هذا نظر إذ قالوا أصل مذ: منذ حتى لو صغر (مذ) اسم رجل قالوا فيه: منيذ، ولو جمعوه لقالوا: أمناذ ويلزم على قولهم: أن تكون (أن) المخففة من أن وإن حرفان، وأن (رب) باعتبار لغاتها عشرة أحرف، وأن يكون ددًا ودد، ودد ثلاثة أسماء، ولا يدعى أن أصل (مذ): منذ إلا بعد تقدم العلم، أن المحذوف من (مذ) العين، وأنها نون، وقد استدل لذلك بالتوافق في أكثر الحروف وفي المعنى.

وتقول بعض العرب: (مذ) بضم الذال، وتقرر أن الكلمة الثنائية اللازمة البناء لا تحرك نحو: (من) و (إن) فلولا أنهم نحوا بها أصلاً ما حركوها.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1750]

وما هذه الضمة إلا عودًا للأصل، كما قالوا: ذهبتم الآن، فضموا ميم الكلمة، وذهب بعض المتأخرين: إلى أن المحذوف من (مذ) لام الكلمة، فلو سميت به لقلت في تصغيره: مذي، وفي تكسيره أمذاء انتهى.

(عدا وخلا)

في الاستثناء تقدم الكلام عليهما فيه، وصح الجر بهما عن العرب.

(متى) تكون ظرفًا وشرطًا، واستفهامًا، وقال أبو سعيد السكري: (متى) بمعنى (من)، ولم ينسبها لهذيل ونسبها بعضهم لبعض، وأنشد أبو سعيد:

... ... ... ... ... ثم ترفعت = متى لجج ... ... ....

... ... ... ... = متى أقطارها ... ... ....

أي من لجج ومن أقطارها.

[وقال] ابن مالك: هي في لغة هذيل حرف جر قال: ومن كلامهم: أخرجها متى كمه: أي من كمه، ونقل بعضهم أن (متى) تكون بمعنى (وسط) فتجر ما بعدها، وحكى: وضعها متى كمه أي وسط كمه، ويحتمل أن يكون متى لجج، ومتى أقطارها أن تكون بمعنى وسط، فيكون ظرفًا مكانيًا.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1751]

(بله): تقدم الكلام عليها في آخر باب الاستثناء والجر بعدها هو المجمع على سماعه من لسان العرب في نحو قوله:

بله الأكف كأنها لم تخلق

واختلفوا فيها، ومذهب الأخفش: أنها حرف جر بمعنى (من)، والرباعي حتى، وحاشا، وأيمن، ولعل، وهذه بسائط، ولولا وهي مركبة من لو، ولا.

(حتى): لها حكم في العطف تذكر فيه، وحكم إذا انتصب الفعل بعدها، وتقدم ذكره في نواصب المضارع، وحكم إذا جاء بعدها المبتدأ والخبر، وحكم في حروف الجر، وهو ما نحن بصدده فمذهب البصريين أنها بنفسها حرف جر.

وقال الفراء: تخفض لنيابتها عن (إلى) كواو القسم، وواو (رب) للنيابة عن الباء، ورب، وربما أظهروا إلى بعدها في بعض المواضع قالوا: جاء الخبر حتى إلينا، جمعوا بينهما على تقدير إلغاء أحدهما انتهى.

والاسم الصريح الجاري بعدها بالنسبة إلى ما يجوز فيه من الإعراب، إما أن يقع بعده ما يصلح خبرًا أو لا، إن لم يقع، فإما أن يتقدم ما يصلح أن يكون ما بعد حتى غاية له أو لا يتقدم، إن لم يتقدم نحو: العجب حتى الخز يلبس زيد، فأجاز الجر فيه الكسائي والفراء، ومنعه البصريون.

وإن تقدم ما يصلح أن يكون غاية له، فإما أن يكون جزاء لما قبلها أو لا، إن لم يكن فالجر نحو: نمت الليل حتى الصباح، وإن كان جزاء واختفت به قرينة تدل

[ارتشاف الضرب: 4/ 1752]

على أنه غير داخل في حكم ما قبله فالجر نحو: صمت الأيام حتى يوم الفطر، أو لم يختف فالجر، ويجوز التشريك بالعطف فيتبع، والعطف لغة ضعيفة، ويتعين العطف إذا اقترنت به قرينة تدل عليه نحو: ضربت القوم حتى زيدًا أيضًا، ولا يجيز البصريون رفعه على الابتداء والخبر محذوف، وأجازه بعض الكوفيين.

وإن وقع بعد الاسم ما يصلح أن يكون خبرًا فإما أن يكون اسمًا مفردًا، فيتعين أن يكون (حتى) حرف ابتداء نحو: ضربت القوم حتى زيد مضروب، أو ظرفًا، أو مجرورًا، فيجوز الابتداء والجر، والعطف نحو: القوم عندك حتى زيد عندك، والقوم في الدار حتى زيد فيها، أو جملة اسمية، وما بعدها شريك في المعنى، فتلك الأوجه نحو: ضربت القوم حتى زيد أبوه مضروب، وأجاز الكوفيون الجر في: ضربت القوم حتى زيد فتركت، ومنعه البصريون وإن ساوى ما قبله في كونه غير شريك، أو جملة فعلية وهو غير شريك فالرفع بالابتداء، والحمل على إضمار فعل يفسره ما بعد حتى نحو: ضربت القوم حتى زيدًا ضربت أخاه، أو شريك والفعل عامل في ضمير الاسم الذي قبل حتى فالجر والعطف نحو: ضربت القوم حتى زيد ضربتهم، أو في ضمير ما بعد حتى فالابتداء، والجملة خبره، وحمله على إضمار فعل يفسره الفعل بعده، والجر والعطف نحو: ضربت القوم حتى زيد ضربته، وزعم بعض شيوخ الأندلس: أن الخفض والعطف في هذه المسألة لا يجوزان، وزعم الكوفيون: أنه لا يجوز الجر في ضربت القوم حتى زيد ضربته إلا أن تقول فضربته، وأجاز الجر فيها وفي المسألة قبلها البصريون.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1753]

قال أصحابنا: إذا جرت (حتى) لا يكون ما بعدها إلا داخلاً فيما قبلها نحو ضربت القوم حتى زيد، فتكون انتهاء الغاية به، إلا أن تدل قرينة على خلاف ذلك.

وزعم ابن مالك أنه قد يكون انتهاء الغاية عنده لا به، وزعم أن سيبويه، والفراء، أشارا إلى ذلك.

وحكى عن ثعلب أن (حتى) للغاية، والغاية تخرج وتدخل يقال: ضربت القوم حتى زيد، فيكون مرة مضروبًا، وغير مضروب، وقال مثله (صاحب الذخائر)، وفي الإفصاح: اختلف الناس فيما بعد حتى إذا كانت جارة هل تدخل فيما قبلها أم لا، فذهب المبرد. وأبو بكر، وأبو على أنه داخل على كل حال، وقال الفراء، والرماني: تدخل ما لم يكن غير جزء نحو قولهم: إنه لينام حتى الصباح.

وصرح سيبويه: أن ما بعدها داخل فيما قبلها، ولا بد لكنه مثل بما هو

[ارتشاف الضرب: 4/ 1754]

بعض مما قبله قال: واتفقوا على أنها إذا عطفت دخل ما بعدها فيما قبلها، وأنها لا يعطف بها إلا حيث يجر ولا يلزم العكس، وعلى أنه إذا لم يكن ما قبلها ما يعطف عليه لم يجز إلا الجر نحو: «حتى مطلع الفجر» و «حتى حين» وقال ابن مالك: ولا يلزم أن يكون يعني مجرور حتى آخر جزء أو ملاقي آخر جزء، خلافًا للزمخشري واستدل بقوله:

عينت ليلة فما زلت حتى = نصفها راجيًا فعدت يئوسا

وهذا الذي نقله عن الزمخشري هو قول أصحابنا، وهو أنه لا بد أن يكون آخر جزء من الشيء نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، أو ملاقي آخر جزء نحو: سرت النهار حتى الليل، ولو قلت: أكلت السمكة حتى وسطها، وسرت النهار حتى نصفه لم يجز ذلك، بل إذا أردت المعنى أتيت بـ(إلى) فقلت: أكلت السمكة إلى وسطها، وسرت النهار إلى نصفه، فـ(إلى) في استعمالها لانتهاء الغاية أقعد من (حتى)، لأنها تدخل على كل ما جعلته انتهاء غاية.

وسواء أن يكون آخر جزء من الشيء، أو ملاقيًا آخر جزء أو لا يكون، وما استدل به ابن مالك لا حجة فيه لما بيناه في شرح كتابه التسهيل، ولا يكون المجرور بحتى ضميرًا هذا مذهب سيبويه، وأجاز الكوفيون، والمبرد جرها الضمير فتجره متكلمًا، ومخاطبًا، وغائبًا، قياسًا على قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1755]

... ... ... ... ... = فتى حتاك يا ابن أبي زياد

وهذا عند البصريين ضرورة، وقولهم حتى حرف ابتداء ليس المعنى أنه يجب أن يكون بعدها المبتدأ والخبر، بل المعنى على الصلاحية، فـ(متى) كان بعدها المبتدأ، والخبر، أو جملة فعلية مصدرة بماض نحو قوله تعالى: «حتى عفوا»، أو بمضارع مرفوع أطلق عليها حرف ابتداء، وإبدال الحاء عينًا لغة هذيلية، قرأ عبد الله بن مسعود: «ليسجننه حتى حين» وإمالة ألف حتى لغة يمنية.

(حاشا): ثبت عن العرب أنها تنصب، وتجر، وتقدم الكلام عليها في باب الاستثناء.

(أيمن): الجمهور على أنها اسم، فعند سيبويه اسم مفرد، وألفه ألف وصل، وعند الفراء جمع يمين، فالهمزة همزة قطع، وشذ الزجاج، والرماني، فذهب إلى أن (أيمن) حرف جر.

(لعل): لغة عقيل الجر بها، وتقدم ذكر ذلك في باب إن.

(لولا): الامتناعية إذا جاء بعدها ضمير، فيكون ضمير رفع منفصلاً كقوله تعالى: «لولا أنتم لكنا مؤمنين»، والخلاف في رافعه كالخلاف في الاسم

[ارتشاف الضرب: 4/ 1756]

الظاهر ويجوز أن يأتي بعدها ضمير الجر، وأنكر ذلك المبرد، وقال الأستاذ أبو علي: اتفق أئمة الكوفيين والبصريين كالخليل، وسيبويه، والكسائي، والفراء على رواية (لولاك) عن العرب، فإنكار المبرد هذيان. انتهى.

ومذهب سيبويه أن الضمير مجرور الموضع، ومذهب الأخفش والكوفيين أنه مرفوع الموضع، استعير ضمير الجر لضمير الرفع، كما عكسوا في «ما أنا كانت» و«لا أنت كأنا»، إذا قلنا في الضمير في (لولاك) مجرور، فذكر بعضهم أنها لا تتعلق بشيء وقال بعضهم: تتعلق بفعل واجب الإضمار، فإذا قلت لولاي لكان كذا، فالتقدير: لولا حضرت، فألزقت ما بعدها بالفعل على معناه من امتناع الشيء، ولا يجوز أن يعمل فيه الجواب، لأن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها، وكأنه لما رأى أن (لولا) إذا ارتفع ما بعدها كان الخبر واجب الإضمار جعل الفعل الذي يتعلق به (لولا) إذا ارتفع ما بعدها كان الخبر واجب الإضمار جعل الفعل الذي يتعلق به (لولا) واجب الإضمار، ونص أصحابنا على أنه لا يجوز حذف حرف الجر، وإبقاء عمله إلا إذا عوض منه، إلا في باب القسم على ما قرروه فيه، ويأتي إن شاء الله تعالى.

وتقدم في باب (كم) قول من قال: إن الخفض هو على إضمار (من) والخلاف فيه، وجعلوا قول العرب: «خير عافاك الله» جواب كيف أصبحت من الشاذ الذي لا يقاس عليه، وعند أصحابنا أن قوله:

... ... .... لست مدرك ما مضى = ولا سابقًا شيئًا ... ....

[ارتشاف الضرب: 4/ 1757]

من باب العطف على التوهم، والعطف على التوهم لا ينقاس، وكذلك لا يقاس على قوله:

ألا رجل جزاه الله خيرًا = ... ... ... ... ...

يريد ألا من رجل وعند ابن مالك: يقاس على هذا، وعلى الذي قبله، وقال ابن مالك: ويجر بغير (رب) أيضًا محذوفًا في جواب ما تضمن مثله نحو: زيد في جواب من قال: بمن مررت؟ وبلى زيد في من قال: ما مررت بأحدٍ وهل مررت بأحدٍ، وفي معطوف على ما تضمنه بحرف متصل نحو قوله:

... ... ... .... = وللطير مجرى والجنوب مصارع

أو منفصل (بلا) نحو قوله:

ما لمحب جلد أن يهجرا = ولا حبيب رأفة فيجبرا

[ارتشاف الضرب: 4/ 1758]

أو بلو نحو:

متى عذتم بنا ولو فئة منا = ... ... ... ....

وحكى الأخفش في المسائل أنه يقال: جيء بزيد وعمرو، ولو كليهما، وأجاز في كليهما الجر على تقدير: ولو بكليهما، والنصب بإضمار ناصب، والرفع بإضمار رافع، أو في مقرون بعد ما تضمنه بالهمزة يقال: مررت بزيد فتقول: أزيد ابن عمرو، أو (هلا) يقال: تصدقت بدرهم فتقول: هلا دينار؛ وحكى هذه والتي قبلها الأخفش في المسائل قال: وهذا كثير أو (إن)، أو الفاء الجزائيتين نحو: مررت برجل إن لا صالح فطالح على تقدير: إن لا أمر بصالح، فقد مررت بطالح حكاه يونس، وأجاز: امرر بأيهم هو أفضل إن زيد وإن عمرو، وعلى معنى: إن مررت بزيد، وإن مررت بعمرو، وقال سيبويه: وهو قبيح، وجعل سيبويه إضمار الباء بعد إن، لتضمن ما قبلها إياها، أسهل من إضمار (رب) بعد الواو، فعلم بذلك اطراده عندهم قال ابن مالك: ويقاس على جميعها، خلافًا للفراء في جواب نحو: بمن مررت، فإنه لا يجيز زيد بالجر، بل بالباء.

وجميع هذه المسائل التي ذكر ابن مالك: أنه يجوز الجر فيها على إضمار الحرف ينبغي أن يتثبت في القياس عليها، وقال: وقد يجر بغير ما ذكر كقوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1759]

... ... ... ... ... ... ... = حتى تبذخ فارتقى الأعلام

و:

... ... ... ... ... .... = أشارت كليب بالأكف الأصابع

و:

... ... ... ... ... = ... .... وأما خلة فثمان

أي إلى الأعلام، وإلى كليب، وإما لخلة.

وفي البسيط: فأما من قال: مررت بزيد، فتقول في الاستثبات إذا حذفت الفعل: أبزيد؟ ولا يجوز غيره، وهو مخالف لما قرره ابن مالك من جواز: أزيد بن عمرو؟ ولمن قال: مررت بزيد، فتحذف حرف الجر بعد الهمزة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1760]

وقال العرب: لاه أبوك يريدون: لله أبوك حذف لام الجر وأل، وهو شاذ لا يقاس عليه ثم قالوا: لهي أبوك، قلبوا، وأبدلوا من الألف ياء كما قالوا: في قلب قفا: قوف، ووجه: جاه، والفتح للبناء كأين، فصارت اللام في لهي لام الكلمة، ولا يلزم في القلب أن يكون المقلوب على مثال المقلوب منه، وزعم ابن ولاد: أن قولهم: «لاه أبوك» محذوف من إلاه ثم قالوا: لهي أبوك قلب، وشبهت الألف الزائدة بالمنقلبة عن الأصل، وزعم المبرد أن المحذوف لام التعريف، ولام الأصل والباقية لام (الجر)، وقد نص سيبويه على أن هذه اللام الباقية هي الأصلية، وأن المحذوف لام الجر ولام التعريف، وقد استدل سيبويه ببناء لهي.

وإنما بني لتضمنه معنى حرف الجر، ولا يجوز الفصل بين حرف الجر ومجروره، وقد سمع شيء من الفصل، وذلك في ضرورة الشعر نحو قوله:

... ... ... ... ... ... = وليس إلى منها النزول سبيل

أي إلى النزول منها، وقوله:

إن عمرًا لا خير في اليوم عمرو =... ... ... ....

وقوله:

... ... ... ... ... ... = ألا رب منهم من يعيش بمالكا

[ارتشاف الضرب: 4/ 1761]

وقوله:

... ... ... ... ... ... = واقطع بالخرق الهبوع المراجم

أي لا خير في عمرو اليوم، وألا رب من يعيش منهم، وأقطع الخرق بالهبوع، ومن أقبح الفصل قول الشاعر:

وأسعدنه ربنا لا تشقه = ولا على النار تسلط رقه

أراد ولا تسلط النار على رقه، وندر في النثر الفصل بين الباء ومجرورها بالقسم، حكى الكسائي: اشتريته والله بدرهم.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1762]

باب القسم

القسم مصدر غير جار على أقسم، إذ قياسه إقسام، والحلف والإيلاء استعمل منها حلف، وآلى، والألية ليست خارجة على آلي، واليمين ليس منها فعل جار، ولا غيره، إذ هي اسم للجارحة، ثم سمي القسم بها، وينحصر الكلام في ذلك في رسم القسم وفي المقسم به، وفي حروف القسم، وفي المقسم عليه، وفيما يتلقى به القسم.

فأما القسم، فهو جملة يؤكد بها جملة أخرى خبرية غير تعجبية، وأعني بجملة في اللفظ نحو: أقسمت بالله أو في التقدير نحو: بالله أي أقسمت بالله، والجملة تشمل الجملة الإنشائية نحو: أقسمت، والخبرية نحو «وأقسموا بالله جهد أيمانهم» هو خبر عما صدر عنهم من جملة الإنشاء، واحترز بقوله: يؤكد بها أخرى من نحو: قولهم: زيد قائم زيد قائم، فهذه ليست أخرى بل هي هي، واحترز بقوله خبرية من غير الخبرية، فإنها لا تقع مقسمًا عليها واحترز بقوله غير تعجبية من التعجبية فإنها لا تقع مقسمًا عليها وهي خبرية عند كثير من أصحابنا.

وأما من يقول: إنها إنشائية، فلا يحتاج إلى قوله غير تعجبية فأما قولهم: علمت لزيد قائم، وأشهد أنك لمنطلق يقولون في هذا إنه جملة قسمية لما جاءت

[ارتشاف الضرب: 4/ 1763]

توكيدًا، وتثبيتًا أطلق عليها قسمية، وقد تلقى علمت وعاهدت وأوثقت بما يتلقى به القسم الصريح وقال تعالى: «قالوا نشهد إنك لرسول الله»، ثم قال تعالى: «اتخذوا أيمانهم جنة»، وقال الفراء في قوله تعالى: «وتمت كلمة ربك لأملأن» صار «وتمت كلمة ربك يمينًا» كما تقول: حلفى: لأضربنك وبدا لي لأضربنك، وقال سيبويه: يعلم الله، قال الأستاذ أبو علي: ليس في هذا قسم لا ملفوظ به، ولا مقدر، لكنه لما أشبه القسم من جهة أنه تأكيد للخبر الذي بعده أجيب بجوابه، قال ابن خروف: دخول القسم في علم، ويعلم لا يكون إلا مع اسم الله تعالى، ولا يوجد ذلك إلا بالسماع، وما ضمن معنى القسم من نحو: علمت، وأشهد، فقيل: الجملة في موضع المفعول لعلمت، وأشهد، وقيل: ليست معمولة، لأن القسم لا يعمل في جوابه، وهذا مضمن معناه فلا يعمل، فإن كانت معلقة، ولم تضمن معنى القسم، فهي في موضع معمول، ولا بد انتهى.

أو تبدل في الجملة الصريحة من فعلها المصدر قسمًا وألية نحو:

ألية باليعملات

ونحو:

قسمًا لأصطبرن ... ... ... = ... ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1764]

وما في معناه نحو:

يمينًا لنعم السيدان ... .... = ... ... ... ...

وقضاء الله لأقومن، ويقينًا لأشربن وقال تعالى: «قال فالحق والحق أقول لأملأن» فهذه كلها نابت مناب أقسم.

والمقسم به كأن المقسم يريد تحقيق ما أقسم عليه وتثبيته، فإن كان مقصوده الحنث أقسم بغير معظم نحو قوله:

وحياة هجرك غير معتمد = إلا ابتغاء الحنث في الحلف

ما أنت أحسن من رأيت ولا = كلفى بحبك منتهى كلفي

أقسم بحياة هجرها، وهو غير معظم عنده، رغبة في أن يحنث، فيموت هجرها، قال ابن عصفور: إلا أن القسم على هذا الطريق يقل.

وحروف القسم: الباء والواو، والتاء، واللام، ومن، وأيمن، في مذهب الزجاج، وهو قول مخالف لإجماع البصريين والكوفيين، وحروف التعويض،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1765]

وتقدم ذكرها في حروف الجر، ويجوز حذف الفعل مع الباء، وتدخل على الظاهر، والمضمر فتقول: بك لأنصرن يا رب أي أقسم بك، ولا يظهر الفعل مع الواو فتقول: والله لأقومن، وأجاز ابن كيسان إظهاره فتقول: حلفت والله لأقومن، ولا يظهر مع التاء، ولا مع اللام، وقال قطرب: التاء لا تدخل إلا في موضع واحد بمعنى التعجب، أو القسم فالتعجب تالله ما أكرم زيدًا، والقسم تالله ما علمت هذا، واللام: لله ما أكرم زيدًا، ولا يجوز حذف الحرف، إلا إن كان الباء فقط، فيجوز حذفه، وحذف الفعل وإذا حذفا جاز نصب المقسم به، ورفعه، ورووا:

فقالت يمين الله مالك حيلة = ... ... ... ... ....

بنصب «يمين الله» ورفعه، فالرفع على أن التقدير: قسمي يمين الله، والنصب قال الفارسي: لما حذف الحرف وصل إليه فعل القسم المضمر، فنصبه، وأجاز ابن خروف، وتبعه ابن عصفور هذا الوجه، وأن ينصب بفعل مضمر يصل بنفسه تقديره: «ألزم نفسي يمين الله»، وإذا نصب لفظ الله فقلت: الله لأفعلن، فيجوز عند ابن خروف أن يكون الأصل «ألزم نفسي يمين الله» فحذف يمين، وأقيم المضاف إليه مقامه.

الأحسن عندي في نصب يمين الله، ونظائره أن ينصب بفعل متعد إلى واحد، فيكون التقدير: والتزم يمين الله، وفي نصب (الله) أن يكون التقدير: أحلف بالله،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1766]

فلما حذفا معًا، وصل الفعل المحذوف إلى اللفظ بنفسه فنصبه، وإذا كان المقسم به لفظ الله جاز جره، قال ابن مالك: بهمزة مفتوحة تليها ألف نحو: آالله لأفعلن، وأصحابنا يعبرون عن هذه الهمزة بهمزة الاستفهام، وليس استفهامًا حقيقة، أو ها محذوفة الألف، أو ثابتة، مع وصل الألف، أو قطعها، فتجيء صور أربع: هألله، وها الله، وها ألله وهالله، وأصحابنا يعبرون بها للتنبيه، وقد يستغنى في التعويض بقطعها بقول القائل: والله لأخرجن وتقول: أفأ الله ليخرجن، وإن شئت فألله بغير همز الاستفهام، فهمزة القطع عوض عن الحرف.

وقال المبرد: أفأ الله: ألف وصل معاقبة لحرف القسم والفاء للعطف، والألف التي قبلها للاستفهام، ولا تكون ألف الوصل معاقبة لحرف القسم إلا ها هنا، كأن قائلاً قال: لك هذه الدارلي: فقلت أنت مستفهمًا عاطفًا على كلامه بالفاء: أفأ الله لقد كان كذا وكذا ولك أن تقول: فاآلله وتجعل ألف اللام بدلاً من حرف القسم، ولم تأت بألف الاستفهام، فإذا أدخلت الواو فهي حرف قسم، فلا يجوز أن تثبت ألف اللام معها. انتهى.

ولا تستعمل هذه الأعواض إلا في اسم الله تعالى، ولا يجوز معها إلا الجر، فلو جئت بشيء من هذه الأعواض الثلاثة، فيما يقسم به من غير لفظ الله، وحذفت حرف الجر الموضوع للقسم لم يكن إلا النصب تقول: العزيز لأفعلن، ويجوز جر لفظ الله دون عوض حكاه سيبويه، والأخفش وغيرهما تقول: الله لأفعلن، وأجاز بعضهم رفعه فتقول: الله لأقومن، وحكاه الفراء ومنعه بعضهم.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1767]

ومذهب البصريين: أن المقسم به إذا حذف منه الحرف بلا عوض، ولم ينو المحذوف جاز نصبه كائنا ما كان، وقيل: لا يجوز فيه إذ ذاك إلا النصب إلا في لفظ الله فيجوز الجر، وأجاز الكوفيون فيه إذ ذاك الجر والرفع، ولا يجوز النصب عندهم إلا في حرفين: كعبة الله، وقضاء الله قال:

لا كعبة الله ما هجرتكم = إلا وفي النفس منكم أرب

ولا يجوز: تالله وعمرو لأذهبن، ولاها الله وأخيك لأنطلقن؛ لأن التاء، وألف الاستفهام، وهاء التنبيه لا تقع على غير الله تعالى، وأنت إذا عطفت أوقعتها على زيد وعمرو، وأخيك، فإن جعلت الواو للقسم جاز على ما فيه من البعد، وقد لحق لفظ الله في القسم وغيره أنواع من التصرفات قالوا: وله لا أفعل ذلك، ووله لا أفعل كما قالوا: لاه أبوك، ووله، ووله أبوك، ولهي أبوك، وقالوا: له ربي يريدون: الله ربي، وأجاز بعض البصريين تابعًا للكوفيين: الجر في كل اسم يقسم به إذا حذف الحرف، وحكى الجرمي: أن من العرب من يضمر حرف الجر مع كل قسم، ومذهب الأخفش: أن الجر بالعوض نفسه، وهو اختيار ابن عصفور، وابن أبي الربيع، ومذهب غيره أنه بالحرف المحذوف الذي صار

[ارتشاف الضرب: 4/ 1768]

هذا عوضًا عنه، وهو اختيار ابن مالك تابعًا لمذهب الكوفيين في ذلك، فإن ابتدأ في الجملة الاسمية بمتعين للقسم وجب حذف البخر، والمتعين هو: لعمرك وأيمن لم يستعملا مقرونين باللام إلا في القسم، والتقدير: لعمرك ما أقسم به، وهذه اللام لام الابتداء، قيل: وليست لام قسم محذوف، قيل: لأن القسم لا يدخل على القسم، وقد جاء قوله تعالى: «وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى». فاللام جواب قسم محذوف، وهو قسم جوابه «إن أردنا إلا الحسنى». وإذا عرى من اللام جاز نصبه تقول: عمر الله وعهد الله، وإن كان غير متعين للقسم جاز حذف الخبر تقول: على عهد الله ويمين الله تلزمني، فيجوز حذف (على) ويلزمني، وقد نص سيبويه وحكى: على عهد الله لأفعلن، فأظهر الخبر، خلافًا لمن أنكر إظهاره من المتأخرين، وحكاية سيبويه ترد عليه، وإذا كان المحذوف منه اللام عمرًا جاز ضم عينه فتقول عمر الله لأفعلن كذا، ودخول الباء عليه قال الشاعر: أنشده ابن مالك.

رقى بعمركم لا تهجرينا = ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1769]

وليس بقسم، وقال أبو جعفر بن النحاس إذا قلت: عمر الله، أو عمرك جاز الرفع والنصب، وقد يجوز الخفض بجعل الواو للقسم تقول: وعمرك. انتهى.

وقال:

... ... ... ... ... ... ... = ولا عمرو الذي أثنى عليه وما رفع

برفع (عمرو) ونصبه، ويلزم إضافة عمر إلى ظاهر أو إلى مضمر مع اللام، ودون اللام وفي معنى (عمر) قولان:

أحدهما: مذهب البصريين أنه بمعنى البقاء يقال: طال عمرك وعمرك والتزموا فتح العين مع اللام في القسم، فالمجرور بعده فاعل والمصدر مضاف إليه.

والثاني: ما ذهب إليه بعض الكوفيين، والهروي أنه مصدر ضد الخلو من عمر الرجل منزله، والمقسم يريد تذكير القلب بذكر الله تأكيدًا للصدق فيه، وقال به السهيلي، فإن كان المتعين للقسم (أيمن)، فمذهب سيبويه أن همزته همزة وصل، ولذلك تسقط في الدرج، ومذهب الفراء أنه جمع يمين، وهمزته همزة قطع، لكنهم يحذفونها لكثرة الاستعمال، ومذهب الزجاج، والمراني: أن (أيمن) حرف لا اسم، وهو قول شاذ، والتفريع على مذهب الجمهور، فـ«أيمن الله» في القسم ملتزم فيه الرفع على الابتداء هكذا استعملته العرب، وخبره واجب الحذف، وذهب ابن درستويه إلى أنه يجوز أن يجر بواو القسم، قال: ما عدا الباء والواو والتاء أسماء يقسم بها، وتدخل عليها الواو

[ارتشاف الضرب: 4/ 1770]

إلا من ربي، ومن ربي، وام الله فتقول: وأيمن الله، ويمين الله، وعهد الله، ولا تدخل على من ربي ولا ام الله، إنما هي أيمن حذفت منه الهمزة والياء، فأشبهت حروف المعاني لما حذفت، فلا تدخل عليها الواو.

وقد يضاف (أيمن) إلى الكعبة والكاف والذي، تقول: أيمن الكعبة لأقومن، وفي الحديث «وأيم الذي نفسي بيده»، ومن كلام عروة بن الزبير «ليمنك لئن ابتليت لقد عافيت ولئن أخذت لقد أبقيت»، وزعم الفارسي أنها لا تضاف إلا إلى الله، والكعبة، وقد سمع إضافتها إلى غيرهما أنشد الكسائي:

ليمن أبيهم لبئس العذرة اعتذروا

وحكى المفضل عن العرب: ليمين الله بكسر النون إذا لقيها ساكن، فإن لم يلقها ساكن سكنت النون، وعلى هذا فتكون مبنية، وسبب بنائها هو السبب في فتح همزتها وهو شبه الحرف، وقد تصرفت العرب في (أيمن) تصرفا كثيرًا لكثرة استعمالهم لها، قالوا فيها (إيمن) بكسر الهمزة وضم الميم، و(إيمن) بكسر الهمزة وفتح الميم، و(أيمن) بفتح الهمزة والميم، و(أيم) بفتح الهمزة وضم الميم، وحذف النون عن تميم، و(إيم) بكسر الهمزة بعدها ياء وضم الميم، وحذف النون عن سليم، وضمة الميم في هاتين اللغتين علامة رفع، وروى

[ارتشاف الضرب: 4/ 1771]

(إيم الله) بكسر الهمزة بعدها ياء وكسر الميم، وكسرة الميم جر عند الأخفش بحرف قسم مقدر نحو: الله لأقومن، وقيل هو مبني على السكون في لغة من بناها على السكون، وكسرت الميم لالتقاء الساكنين، و«هيم الله» بإبدال الهمزة هاء كما قالوا: هياك في إياك، وعن بعض العرب «إم الله» بكسر الهمزة والميم، وعن بعضهم «أم الله» بفتح الهمزة وكسر الميم، و«أم الله» بفتحهما، و«إم الله وإم الله» بكسر الهمزة وضم الميم وفتحها، و(من الله) بضم الميم والنون وفتحهما وكسرهما و(م) الله بميم مضمومة، و(م) الله بميم مكسورة، حكاهما الكسائي، والأخفش وسئل رجل من بني العنبر ما الدهدران؟ فقال: «م ربي الباطل»، وحكى الهروي: م الله بفتح الميم، وقال الأخفش: وهو مبني لأن الاسم إذا كان على حرف واحد لم يعرب، وزعم بعض النحاة: أن (من و م) بلغاتهما حرفان وليستا بقية (أيمن)، وبه قال المبرد قال: تقول: من الله، ومن ربي لأفعلن إنما دخلت اللام، ومن في القسم، لأن حروف الخفض يبدل بعضها من بعض نحو: فلان بمكة وفي مكة، ومذهب سيبويه أن (م) و(أيم) و(من) وبقية اللغات أصلها أيمن، وزعم بعضهم أن (م) المفردة بدل من واو القسم، وزعم بعضهم أن (الواو) بدل من الباء، وبعضهم أن (التاء) بدل من الواو.

وزعم السهيلي أن (واو) القسم هي في الأصل (واو) العطف، ولا يقوم دليل على صحة شيء من هذه المذاهب، ولو كان أصلها العطف لم يدخل عليها واو العطف في قول الشاعر:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1772]

أرقت ولم تخدع لعيني هجعة = ووالله ما دهري بعشق ولا سقم

وحكى أبو الحسن في ألف (أيمن) القطع، وحكى سيبويه الوصل، وحكى بعضهم عن أبي الحسن: أن همزة (ايم) همزة وصل، وهمزة (إيم) همزة قطع، وقال الأستاذ أبو علي: أيمن مغير كـ(امرئ)، و(ابن)، فلا يطالب بوزنه، كما لا يطالب بوزن (امرئ)، إذ ليس في الكلام مثله، قال ابن طاهر: هو مغير عند سيبويه من يمين، وقال غيره: بل هو مغير من (فعل) اسم مشتق من اليمن كـ(امرئ) مغير عن (مرئ)، وقال الأخفش: إن سميت بـ(أيمن) ثم صغرته قلت: يمين قال ابن خروف: وهو قول صحيح: وقد يخبر عن اسم الله مقسما به نحو:

لك الله لا ألفي لعهدك ناسيًا = ... ... ... ... ...

وبعلى نحو قوله:

... ... ... .... = ألا فعلى الله أوجد صابيا

[ارتشاف الضرب: 4/ 1773]

أي لا أوجد صائبًا، وقد يبتدأ بالنذر قسما نحو:

علي إلى البيت المحرم حجة = ... ... ... ...

ثم قال:

لقد منحت ليلى المودة غيرنا = ... ... ... ...

ومن أيمان العرب: لا والذي وجهي زمم بيته أي نحو بيته، ولا ومجرى إلا لاهة وهي الشمس، لا ومجرى إلاهة ممنوع الصرف علمًا، ويقولون قسما لأفعلن ذاك، ويمينًا، وألية، ونحبا، وعهدا، ونذرا، وموثقًا، وميثاقًا، وحقًا، ولحقا، وليمينًا، ولقسمًا، ولحق أفعل، يرفعون بغير تنوين، وبإصر وبأصر، ليكونن ذاك، ومعنى (بأصر) حتم لازم، لا والذي أكتع له، ومعنى (أكتع): أؤكد، وتقول عقيل: حرام الله، كقولهم: يمين الله.

والحروف التي يتلقى بها القسم في الإثبات هي اللام، وإن زعم الأخفش أن القسم يجوز أن يتلقى بلام (كي)، وأجازه أبو علي في العسكريات، ورجع عنه في البصريات، والتذكرة، نحو قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1774]

إذا قلت قدني قال بالله حلفة = لتغنى عني ذا إنائك أجمعا

وزعم بعض القدماء من النحويين، أنه قد يتلقى ببل نحو قوله تعالى: «ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق»، وزعم ابن عصفور: أن (أن) من الحروف التي تربط القسم بالمقسم عليه إن كانت الجملة الواقعة جوابًا لـ(لو) وما دخلت عليه نحو قوله:

أما والله أن لو كنت حرًا = ... ... ... ...

وقد رد عليه ذلك الأستاذ أبو الحسن بن الضائع، ونص سيبويه على أن (أن) في جواب القسم، كاللام الأولى في «والله لئن فعلت لأفعلن»، فليست الرابطة للجواب بالقسم، وقد رجع ابن عصفور إلى ما قال سيبويه، وقال سيبويه: ووجه آخر تكون في (أن) لغوا قال: نحو قولك: لما أن جاء، وأما

[ارتشاف الضرب: 4/ 1775]

والله أن لو فعلت لأكرمتك انتهى، والذي أهذب إليه أنها مخففة من الثقيلة، وقررنا ذلك في الشرح، واللام التي تتلقى بها مفتوحة، ففي الجملة الاسمية نحو: والله لزيد فاضل، وأن مشددة نحو: والله إن زيدًا قائم، والمخففة، والسماء والطارق ثم قال: «إن كل نفس لما عليها حافظ»، ولم يذكر أصحابنا الاستغناء في الجملة الاسمية عن اللام أو عن (أن)، وذكر ابن مالك أنه قد تسوغ الاستطالة الحذف، ويحسن كما في قول الشاعر:

ورب السموات العلى وبروجها = والأرض وما فيها المقدر كائن

أي للمقدر كائن، وينبغي أن يحمل ذلك على الندور، بحيث لا يحسن ولا يقاس عليه، وما ذهب إليه بعض النحاة من أنه لا يتلقى (بأن)، إلا إذا كان في خبرها اللام ليس بصحيح، ولا يجوز دخول لام القسم على (أن)، ولا على (أن)، ويجوز دخولها على (كأن)، ومنه قول الأعرابي: «وما هذه القنمة والله لكأنا على حششة»، القنمة: الرائحة الرديئة، والحششة: جمع حُشّ.

وفي الجملة الفعلية إن كانت مصدرة بماض جامد فاللام، ولم تدخل عليه قد نحو:

يمينًا لنعم السيدان وجدتما = ... ... ... ... ...

أو متصرف جاز دخولهما فتقول: والله لقد قام زيد، ويجوز أن لا تدخل قد نحو قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1776]

حلفت لها بالله حلفة فاجر = لناموا ... ... ... ...

وقال بعض العرب: والله لكذب زيد كذبًا ما أحسب الله يغفره له ويجوز قد دون اللام نحو قوله تعالى: «قد أفلح من زكاها» جوابًا لقوله تعالى: «والشمس وضحاها»، ويجوز أن لا يدخلا كقوله تعالى: «قتل أصحاب الأخدود» جوابًا لقوله تعالى: «والسماء ذات البروج» وقد تدخل اللام على ماضي اللفظ مستقبل المعنى كقوله تعالى: «ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا» أي ليظلن، وعلى (ربما)، وما بعدها ماضي اللفظ مستقبل المعنى نحو قوله:

لئن نزحت دار لليلى لربما = غنينا بخير والديار جميع

وعلى معمول الماضي نحو قوله:

لعمري لقد ما عضني الجوع عضة = ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1777]

وقال ابن عصفور: إن كان قريبًا من زمان الحال دخلت اللام، وقد، وإن كان بعيدًا فاللام وحدها، أو بمضارع حال، ففي المسألة خلاف، فمن النحاة من أجاز فيقول: والله ليقوم زيد، وقد جاء هذا التركيب في الشعر، وبه استدل من يجيزه، ومنهم من منع، وقال: إذا أريد القسم على فعل الحال أنشئ من المضارع اسم فاعل، وصير خبرًا للمبتدأ، ثم يقسم على الجملة الاسمية نحو: والله لزيد قائم وقال ابن أبي الربيع: وأما في الإيجاب، فترد الجملة الفعلية اسمية فتقول: إن زيدًا يقوم الآن، وقد تأتي قليلاً نحو: والله ليقوم زيد، والله لقد يقوم زيد كما قال:

كذبت لقد أصبى على المرء عرسه = ... ... ... ....

أو بمستقبل مقرون بحرف التنفيس، وهو سوف فاللام نحو: قوله تعالى «ولسوف يعطيك ربك» أو السين واللام أيضًا نحو: والله لسيقوم زيد، هذا مذهب البصريين، قاسوا السين على سوف ولم يسمع، ولا يجيز ذلك الفراء،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1778]

أو مفصول بين اللام والمستقبل بالمعمول، أو بقد فاللام وحدها نحو قوله تعالى: «ولئن متم أو قتلتم لإلي الله تحشرون»، وقولك: والله قد أقوم غدًا، أو لم يفصل فلا بد من اللام، ونون التوكيد خفيفة أو شديدة نحو قوله تعالى: «ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه» هذا مذهب البصريين، وتعاقب اللام والنون عندهم ضرورة.

وذهب الكوفيون، وتبعهم الفارسي إلى جواز تعاقبهما في الكلام فتقول: والله ليقومن زيد غدًا، ووالله يقومن زيد.

وحروف النفي التي يتلقى بها القسم ما، ولا، و(إن)، وقال ابن مالك: وقد يصدر بـ(لن)، وبـ(لم) نحو قوله:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم = حتى أواري في التراب دفينا

وحكى الأصمعي أنه قيل لأعرابي: ألك بنون قال: نعم، وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة، وقال: ندر نفي الجواب بـ(لن)، وبـ(لم)، وزعم ابن جني أنه قد يتلقى القسم بـ(لن)، وبـ(لم)، في الضرورة، وكان أبو عبد الله محمد بن خلصة الكفيف يجيز أن يتلقى القسم بـ(لم)، ورده عليه ابن السيد، وحكاه ابن الدهان عن بعضهم، ثم الجملة المنفية الواقعة جوابًا للقسم، إما أن تكون

[ارتشاف الضرب: 4/ 1779]

اسمية، أو فعلية، إن كانت اسمية، فتنفي بما نحو: والله ما زيد قائم، والنظر يقتضي أن تنفى بـ(إن) كما تفنى بها لو لم تكن جوابًا، نحو قوله تعالى: «إن عندكم من سلطان بهذا» فتقول: والله إن زيد قائم، ولا تنفى بـ(لا)، وزعم ابن مالك أنها تنفى بـ(لا)، إلا أنه إذا قدم الخبر، أو كان المخبر عنه معرفة لزم تكرارها في غير الضرورة نحو: والله لا في الدار رجل، ولا امرأة، ولعمري لا أنا هاجرك ولا مهينك.

وفي النهاية: الجملة الاسمية تنفيها بما على اللغتين وبـ(لا) نحو: لا رجل في الدار، ولا يجب تكرارها، لأنك أعملتها، وبـ(لا) التي لا تعمل نحو: والله لا زيد في الدار ولا عمرو، ولأنك لم تعملها، وبـ(لا) التي تعمل عمل ليس نحو: والله لا رجل أفضل منك، وبـ(إن) نحو: والله إن زيد قائم انتهى.

وإن كانت الجملة فعلية مصدرة بماضٍ نفي بـ(ما)، وبـ(إن)، وبـ(لا)، إن أريد به الاستقبال نحو: والله ما قام زيد، ودخول اللام على (ما) ضرورة، ولا يجيزه ابن السراج: والله لما قام زيد، وقد جاء في شعر النابغة، ووالله إن قام زيد وقوله:

ردوا فوالله لاذدناكم أبدًا = ما دام في وردنا ماء لوراد

[ارتشاف الضرب: 4/ 1780]

وقال المؤمل:

حسب المحبين في الدنيا عذابهم = بالله لا عذبتهم بعدها سقر

وفي النهاية: يجوز: والله قام زيد، يريد: والله لا قام زيد، لأن لو كان إيجابًا لم يخل من اللام، أو (قد) أو كليهما. انتهى، أي لا نذودكم أبدًا، ولا تعذبهم، وقوله تعالى: «ما تبعوا قبلتك» أي ما يتبعوك، وقوله: «إن أمسكهما من أحد من بعده» أي إن يمسكهما من أحد، وإن كان مضارعًا، نفي بـ(ما)، وفي جواز حذف (ما) خلاف، والصحيح المنع، وإن كان مستقبلاً نفي بـ(لا)، ثم إن كان جواب قسم ملفوظ به، أو مقدر جاز حذف (لا) كقوله تعالى: «قالوا تالله تفتؤا تذكر» وكقول الشاعر:

وقولي إذا ما أطلقوا عن بعيرهم = تلاقونه حتى يئوب المنخل

أي والله لا تلاقونه، فإن كان النفي بـ(لا) دخلت عليه نون التوكيد، كقوله:

تالله لا يحمدن المرء مجتنبًا = فعل الكرام، وإن فاق الورى حسبا

[ارتشاف الضرب: 4/ 1781]

فلا يجوز حذف (لا)، والأكثر أن لا يؤكد بالنون كقوله تعالى: «وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت».

وزعم ابن مالك أنه يجوز حذف ما في الجملة الاسمية، و(ما) في الفعل الماضي لأمن اللبس، واستدل بما لا دليل فيه، وتقول: والله لولا زيد لخرجت، والله لو قام زيد لقام عمرو، فجواب (لو) و (لولا) محذوف، وجواب القسم هو هذا المذكور وهو: لخرجت ولقام عمرو، ويلزم مضى جواب القسم لدلالته على جواب (لو) و(لولا) المحذوف، وجوابهما ماضي، ولا فرق في حذف جوابهما بينه وبين حذف أداة الشرط إذا اجتمع هو والقسم، وتقدم القسم على الشرط، فإن الجواب يكون للقسم لا للأداة، كقوله تعالى: «لئن أخرجوا لا يخرجون معهم»، فجواب (إن) محذوف، ولا يخرجون جواب القسم المقدر قبل لئن.

وكلام ابن مالك يقتضي اضطرابًا زعم أن الجملة المصدرة بـ(لو)، وجوابها هي الجملة المقسم عليها، وأنها واقعة جوابًا للقسم، وكذا (لولا) فإذا قلت: والله لولا زيد لأكرمتك، أو والله لو قام زيد قام عمرو، كانت هذه الجملة نفس جواب القسم قال: ويصدر في الشرط الامتناعي بـ(لو) أو (لولا)، وأصحابنا لا يسمون (لو) ولا (لولا) شرطًا، إلا إن كانت (لو) بمعنى (إن)، وأما إن كانت تعليقًا في الماضي فليست شرطًا، وزعم في الفصل الأول من باب عوامل الجزم: أن جواب القسم محذوف إذا تقدم القسم على (لو)، أو على (لولا)، يغني عنه جواب (لو) و(لولا)، وقد أطلنا الكلام في ذلك في كتابنا

[ارتشاف الضرب: 4/ 1782]

شرح التسهيل، وتدخل لام التوطئة على (لولا) في الشعر، وإن لم يقدر قبلها قسم محذوف كانت اللام جوابًا لها، فإن كان الفعل جوابًا منفيًا لم يجز حذف القسم، ويأتي توالي الشرطين أو أكثر في باب جوازم المضارع إن شاء الله تعالى.

والذي يتكلم فيه هنا هو اجتماع القسم والشرط، فنقول: إذا اجتمعا فإما أن يتقدم عليهما ما يطلب خبرًا، أو لا إن لم يتقدم، فالجواب للسابق منهما مثال سبق القسم: والله إن زرتني لأكرمتك، ومثال سبق الشرط: إن تزرني والله أكرمك، ويحذف جواب ما تأخر منهما لدلالة جواب ما أثبت جوابه منهما، وإذا أغنى جواب القسم عن جواب الشرط لزم أن يكون جواب القسم مستقبلاً، لأنه مغن عن مستقبل ودال عليه، ولزم أن يكون فعل الشرط بصيغة الماضي أو منفيًا بـ(لم)، فلا يجوز أن تقول: والله إن يقم زيد لأقومن «ولا والله إن لا يقم زيد لأقومن»، ولا والله إن قام زيد لقمت، إلا أن يكون الماضي وقع موقع المستقبل كقوله تعالى: «ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرًا لظلوا» أي ليظن وهو قليل.

وزعم الفراء، وتبعه ابن مالك: أنه يجوز أن يكون الجواب للشرط مع تقدم القسم عليه فتقول: والله إن قام زيد يقم عمرو، فيستغنى بجواب الشرط عن جواب القسم، ويكون جواب القسم محذوفًا لدلالة جواب الشرط عليه؛ وإن تقدم على القسم والشرط طالب خبر، فالجواب لأداة الشرط دون القسم، وسواء تقدم القسم على الشرط، أم تقدم الشرط على القسم مثال ذلك: زيد والله إن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1783]

يزرنا نزره، وزيد إن زيرنا والله نزره، وهل الحكم لجواب الشرط على سبيل التعيين، أو الجواز [فقال ابن مالك هو على سبيل التحتم، وقال غيره: على سبيل الجواز، فيجوز] عند قائل هذا أن يقول: زيد والله إن قام يقم عمرو، وزيد والله إن قام ليقومن عمرو.

وأجاز بعضهم أن يحذف جواب الشرط والقسم، ويكون ذلك الفعل مرفوعًا خبرًا عن المبتدأ فتقول: زيد والله إن أكرمته يكرمك، وزيد إن أكرمته والله يكرمك، وفي كتاب سيبويه: «أنا والله إن تأتني لا آتك» [لأن هذا الكلام مبني على أنا: ألا ترى أنه حسن أن تقول: أنا والله إن تأتني آتك] انتهى.

وليس في كلامه ما يدل على تحتم، بل ظاهره الجواز لقوله: ألا ترى أنه حسن، وإذا تقدم على القسم وحده ما يطلب صلة، وما يطلب خبرًا جاز أن يبني ما بعده على طالب الخبر، وطالب الصلة، وجاز أن ينبني على القسم، فإذا بنيت على طال بالجزاء والصلة القسم وجوابه: زيد والله يقوم، وجاءني الذي والله يقوم، وزيد والله ليقومن، وجاءني الذي والله ليقومن، ويجوز أن تقع الجملة القسمية جوابًا للشرط نحو: إن تزرني فوالله لأكرمنك.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1784]

وأجاز ابن السراج أن تنوي الفاء فيعطي القسم المؤخر بنيتها ما أعطى بلفظها فتقول في: إن تقم فيعلم الله لأزورن:: إن تقم يعلم الله لأزورنك، على تقدير الفاء، فلو لم ينو الفاء ألغى القسم لتقدم الشرط عليه فقيل: إن تزرني يعلم الله أزرك.

وإذا صرح بالقسم السابق على أداة الشرط، أو أضمر جاز أن تدخل على الأداة لام مفتوحة تسمى الموطئة، والمؤذنة، وسواء أكانت الأداة إن، أو غيرها هذا مذهب البصريين، وزعم الفراء أن هذه اللام لما دخلت على الشرط، أجيب الشرط بجواب القسم، فمن المصرح فيه بالقسم، قوله تعالى: «وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن» ومن إضمار القسم: «لئن أخرجوا لا يخرجون معهم» ومن دخولها على غير (إن) قوله:

ولما رزقت ليأتينك سيبه = ... ... ... ... ...

وقوله:

لمتى صلحت ليقضين لك صالح = ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1785]

ويجوز حذف هذه اللام قال سيبويه: ولا بد من هذه اللام مظهرة، أو مضمرة. انتهى، ومن إضمارها قوله تعالى: «وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا»، وقوله تعالى: «وإن أطعتموهم إنكم لمشركون» وقوله تعالى: «وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين»، وقوله تعالى: «وإن قوتلتم لننصرنكم».

وقال الشاعر:

فإن لم تغير بعض ما قد صنعتم = لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه

لم يقل: فلئن، فإذا لم يكن في الكلام ما يدل على أن القسم محذوف قبل أداة الشرط، بأن يكون الفعل المقدر جوابًا منفيًا، وهو يصلح أن يكون جواب الشرط، أو دليلاً عليه منويًا به التقديم وجب إثبات اللام مثال ذلك: إن قام زيد لا يقوم عمرو أو لم يقم عمرو، ففي مثل هذا إذا كان القسم منويًا قبل الأداة أتيت باللام فقلت: لئن قام زيد لا يقوم عمرو أو لم يقم عمرو.

وجواب القسم: إن كان بـ(ما)، أو بـ(إن)، أو بـ(اللام)، داخلة على جملة اسمية فلا يجوز أن يتقدم معمول لما بعدها عليها، أو بـ(لا) داخلة على المضارع ففي جواز التقديم خلاف، منهم من أجاز تقديم المعمول مطلقًا من ظرف، ومجرور، ومفعول على (لا)، ومنهم من منع ذلك مطلقًا، وهو الصحيح، أو باللام داخلة

[ارتشاف الضرب: 4/ 1786]

على المضارع المؤكد بالنون، وأطلق ابن مالك الجواز، فقال: إن تعلق بجواب القسم جار ومجرور، أو ظرف، جاز تقديمه عليه ومثل بقوله تعالى: «قال عما قليل ليصبحن نادمين» وبوقهل:

... ... ... .... = ... ... ... ... عوض لا نتفرق

ونصوص أصحابنا على أنه لا يجوز أن يتقدم ما بعد اللام عليها مطلقًا، وفي البسيط: وهذه اللام لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وقد أجازه الفراء، وأبو عبيدة ومنه قوله تعالى: «قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم» جوزوا في الأول أن يكون منصوبًا بـ(لأملأن) كأنه قال: لأملأن حقا، والصواب أنه منصوب بفعل القسم، أما اللام فمعنى لام الجواب وليست لام الابتداء. انتهى.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1787]

ولقد شبه بعض الشعراء (إذ) بـ(إن) فأدخل عليها هذه اللام قال:

غضبت علي بأن شربت بجزة = فلإذ غضبت لأشربن بخروف

وقد يجاء بـ(لئن)، بعدما يغني عن الجواب، فيحكم بزيادة اللام نحو: قول عمر بن أبي ربيعة:

ألمم بزينب إن البين قد أفدا = قل الثواء لئن كان الرحيل غدا

أي إن كان فاللام زائدة، وفي النهاية: إن زيدًا ليقومن والله، ليس (ليقومن) جواب والله هذا، بل جواب قسم محذوف، لأن جواب القسم لا يتقدم عليه، ولا يجوز زيدًا لأضربن، ويجوز إن زيدًا عمرًا ليضرب، وأجاز الكوفيون تقديمه إذا كان ظرفًا نحو: فيك لأرغبن، وعليك لأنزلن، والحال يجري مجرى الظرف، فإذا كانت معمولة للفعل الذي هو جواب القسم، جاز تقديمها عليه. انتهى.

ويستغنى للدليل كثيرًا بالجواب عن القسم، قال ابن مالك: لوقوعه بعد لقد، أو بعد (لئن)، أو مصاحبًا بلام محذوفة، ووجدت بخطى إن ذلك لا يجوز إلا بشرط أن يكون الجواب باللام، أو بـ(إن) فليس يحذف القسم إذا كان متلقي بحرف غيرهما كـ(ما)، و(لا)، و(إن)، وقد اختلف في نحو: لزيد منطلق من غير قسم في اللفظ، فالمنقول عن البصريين أنها ليست لام قسم، بل هي لام

[ارتشاف الضرب: 4/ 1788]

ابتداء، وقال الكوفيون: هي لام قسم وزعم ابن مالك: أنه قد يستغنى عن الجواب بمعموله قال لقوله تعالى: «يوم ترجف الراجفة»، أي لتبعثن يوم ترجف الراجفة، ولا يتعين ما قاله في الآية، بل يحتمل وجوها، ولا يثبت مثل هذا الحكم بمحتمل، ويجوز أن يستغنى عن الجواب بقسم مسبوق ببعض حروف الإجابة، وهي (بلى)، و(نعم)، و(لا) ومراد فيها أي وأجل كقوله تعالى: «أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا» أي لهذا الحق.

وتقول لمن قال: أتفعل كذا: لا والله، ونعم والله، وإي والله، وأجل والله، وأما (إن) فقد تقدم لنا ذكر الخلاف فيها، أهي من حروف الإجابة؟ أو (لا)، وأما (جير)، فمذهب سيبويه أنها اسم، وقد تفتح راؤها، وذهب قوم إلى أنها حرف من حروف الإجابة، وقيل هي مصدر، والمعنى حقًا لأفعلن، وبنيت لقلة تمكنها، لأنها لا تستعمل إلا في القسم، وقيل ظرف، وبني لقلة تمكنه وكأنه قال: لا أفعل ذلك أبدًا، وقيل اسم فعل وبنيت، لأن الأصل على الكسر على أصل التقاء الساكنين، وجاء الجمع بين (أجل وجير) قال طفيل:

فقلن على البردي أول مشرب = أجل جير إن كانت رواء أسافله

وتكون بمنزلة (عوض)، وما ذكره الزجاجي من أن (عوض) يستعمل في القسم مذهب كوفي، والبصريون لا يعرفون القسم به.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1789]

وقال صاحب (الملخص): يعوض من القسم، (عوض) اسم، وهو مبني على الضم، لقطعه عن الإضافة، أو على الفتح، لأنه أخف، ولا يقال: عوض والله لأفعلن، وإن جاء فقليل، وهو الأصل، وفيه الجمع بين العوض والمعوض منه، انتهى.

وقال بعض أصحابنا: وأما (عوض9 و(جير) فمبنيان حذف منهما حرف القسم، فيجوز أن يحكم على موضعهما بالنصب بإضمار فعل، أو بالرفع على الابتداء، أو على خبر ابتداء بمضمر قياسًا على نظائرهما من الأسماء التي حذف منها حرف القسم، ومما جاء من جواب القسم بعد (جير) قوله:

قالوا: قهرت فقلت: جير ليعلمن = عما قليل أينا المقهور

وبعد (لا جرم) حكى الفراء أن العرب تقول: لا جرم لآتينك، ولا جرم لقد أحسنت، وقد صرح بعض الأعراب بالقسم مع (لا جرم)، قال لمرادس: لا جرم والله لأفارقنك، فأما قوله تعالى: «لا جرم أن لهم النار» فـ(لا) عند الخليل، وسيبويه رد، و(جرم) فعل ماض فاعله «أن وما بعدها» المنسبك منهما المصدر، وقال الكوفيون: (لا) نافية، و(جرم) اسم لا، و(أن) على تقيدر (من) أي لا بد من كينونة النار لهم، و(إي) من حروف الإجابة، لا يعلم استعمالها إلا مع القسم كقوله تعالى: «قل إي وربي إنه لحق».

[ارتشاف الضرب: 4/ 1790]

وإذا أخبرت عن قسم غيرك، فلك أن تقول: أقسم زيد ليضربن عمرًا، لك أن تحكي فتقول: لأضربن عمرا، والاستحلاف يجري مجرى اليمن، وفاعل الفعل في الجواب على حسب الفاعل في غيبة، وخطاب وتكلم نحو: والله ليقومن زيد، والله لتقومن، والله لأقومن، وفي الاستحلاف يجوز استحلفه ليفعلن، ولأفعلن هذا في الغائب، واستحلفك لتفعلن، ولأفعلن في المخاطب، واستحلفني لأفعلن في التكلم وتقول: والله والرحمن والرحيم لأضربن زيدًا، قالوا: والثانية والثالثة واو عطف، لا واو قسم، وتنزلت منزلة القسم الواحد فكان لها جواب واحد كقوله تعالى: «والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى».

وإذا نويت بكل واحد من القسم، أتيت بواو العطف داخلة على واو القسم فقلت: والله لأفعلن، ووالله لأفعلن، وإذا استأنفت لم تجيء بواو العطف، قيل ذكر جواب الأول، كما لا يجوز مررت بزيد بعمرو، إلا بالتشريك، فكذلك هذا ولو اختلف حرف القسم لم تأت بالثاني حتى يوفى الأول جوابه، قال الخليل العرب لا تقولك تالله بالنبي لأفعلن كذا حتى توفى الأول جوابه فتقول: تالله لأفعلن، بالكعبة لأفعلن.

وقال أبو الحسن: يجوز أن تجمع أيمانًا كثيرة على شيء واحد، يعني، وإن اختلف الحرف لو قلت: والله، بالله، تالله لأفعلن لجاز كما تقول: والله والله لأفعلن، وقال الأستاذ أبو علي: تلخيص مذهب الخليل: أنه لا يجتمع مقسم بهما، إلا أن يكون الثاني هو الأول على التوكيد. انتهى.

وقالت العرب: «لاها الله ذا»، فالخليل يقول: ذا من جملة المقسم عليه، والتقدير للأمر ذا، فحذف المبتدأ الذي دخلت عليه اللام، و(ذا) خبر عنه فجميع الكلام مقسم به، ومقسم عليه، ويستعمل هذا كلامًا.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1791]

والأخفش يجعل (ذا) توكيدًا للقسم الثاني، و(ذا) مبتدأ خبره محذوف أي ذا قسمي أشار إلى قوله: لا ها الله، وجاء من كلامهم، لا ها الله ذا ما كان كذا، ويقولون: هاالله ذا لقد كان كذا، وهاالله ذا لتفعلن، وفي الحديث من كلام أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: «لاها الله ذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل في سبيل الله فيعطي غير سلبه» فالظاهر في هذه المنقولات أنها جواب للقسم، وقال الأعلم: تقديره: لعمر الله هذا ما أقسم به، فوافق الأخفش، ومن انتصر للخليل جعل هذه المنقولات جواب قسم محذوف.

[ارتشاف الضرب: 4/1792]

فصل

في السؤال والطلب الذي ذكر بعض النحويين أنه من باب القسم، وليس من المقسم في شيء وجعل الطلب ابن مالك قسمًا من القسم، قال ومن القسم غير الصريح: (نشدتك)، و(عمرتك)، فللناطق بهما أن يقصد القسم، وألا يقصد، ويعلم كونه قسمًا بإيلائه الله نحو: نشدتك الله، وعمرتك الله، ولا يستعملا إلا في قسم فيه طلب نحو: نشدتك الله إلا أعنتني، وعمرتك الله لا تطع هواك، وتستعمل أيضًا في الطلب: عزمت وأقسمت وقلت انتهى ولا نعلم أحدًا ذهب إلى تسمية هذا قسمًا إلا ابن مالك، ومن ذكرناه أولاً، وفعل الطلب لا يعدى إلا بالباء وحدها، ويجوز حذفه، كقوله:

بدينك هل ضممت إليك ليلي = ... ... ... ....

التقدير: أسألك بدينك، وقد يحذف الفعل وحرف الجر كقوله:

أقول لبواب على باب دارها = أميرك بلغها السلام وأبشر

أي أسألك بأميرك.

وفي النهاية: تختص الباء بظهور فعل القسم معها وبدخولها على المضمر، وباستعمالها للاستعطاف، ولا يكون الاستعطاف إلا إذا أعقبها كلام ليس بخبر من أمر، أو نهي أو استفهام نحو قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1793]

بدينك هل ضممت إليك نعمي = وهل قبلت قبل الصبح فاها

وهل مالت عليك ذؤابتاها = كمثل الأقحوانة في نداها

ولا يظهر الفعل الذي يتعلق به هذا الاستعطاف، ويجوز أن يعتقبها الشرط. انتهى.

والذي يكون بعد نشدتك الله، وعمرتك الله أحد ستة أشياء: استفهام، وأمر، ونهي، وأن، وغلا، ولما بمعنى إلا تقول: نشدتك الله أن تقوم، ونشدتك الله قم، ونشدتك الله لا تقم، ومن كلامهم أنشدك الله إلا فعلت قال:

عمرتك الله إلا ما ذكرت لنا = ... ... ... ....

وقد يحذف الفعل هذا قبل (لما) بمعنى إلا نحو قول الشاعر:

قالت له بالله يا ذا البردين = لما غنثت نفسا أو اثنين

أي سألتك بالله إلا ما غنتث، وإذا كان (إلا) وما في معناها فالفعل قبلها بصورة الموجب، وهو منفي في المعنى، وقد تقدم كلامنا على نشدتك إلا فعلت في باب الاستثناء، ولفظ الجلالة منصوب على إسقاط الخافض، ولذلك يجوز التصريح بالخافض تقول: نشدتك بالله أي سألتك بالله، وليس منصوبًا على المفعول، فيكون التقدير: نشدتك مذكرًا الله خلافًا لزاعمه، ومعنى عمرتك: سألت الله تعميرك وضمن معنى الطلب، وقيل المعنى ذكرتك بالله تذكيرًا يعمر القلب، ولا يخلو منه.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1794]

وإن انتصب لفظ الجلالة على إسقاط الخافض، وأبدل من عمرتك الله: عمرك الله، وهو مصدر على حذف الزوائد، والتقدير: تعميرك الله أي تذكيرك بالله، فيروى بنصب الجلالة على إسقاط الخافض، وهو رواية أهل العربية، وبالنصب جاء في كثير من شعرهم نحو قوله:

... ... ... = عمرك الله كيف يلتقيان

رواه ابن الأعرابي، برفع هاء الجلالة، والمعنى عمرك الله تعميرًا، أضاف المصدر إلى المفعول، ورفع به الفاعل، قال أبو علي، وقال الأخفش: أصله بتعميرك الله، حذف زوائد المصدر والفعل، فانتصب ما كان مجرورًا بها، ويدل على ما قاله الأخفش، وأنه ليس منصوبًا على إضمار فعل إدخال باء الجر عليه قال:

بعمرك هل رأيت لها سميا = ... ... ... ....

وقيل: تعميرك الله: انتصب تعميرك، ولفظ الجلالة على أنهما مفعولان، أي أسألك الله تعميرك، وقيل تعميرك منصوب بأسألك، ولفظ الجلالة منصوب بالمصدر، وهو عمر بمعنى تعمير، وأجاز المبرد، والسيرافي أن ينتصب هذا على

[ارتشاف الضرب: 4/ 1795]

تقدير القسم كأنه قال: أقسم عليك بعمرك الله أي بتعميرك الله أي بإقرارك له بالدوام والبقاء، ويكون محذوف الجواب، فتكون الكاف في موضع رفع، والظاهر من كلام سيبويه أنه مصدر موضوع موضع الفعل على أنه مفعول به، وقاله المبرد وقالوا: قعدك الله وقعيدك الله، فقيل مصدران كالحس والحسيس، وقيل اسمان غير مصدرين كالخل والخليل، وهو عند سيبويه بمنزلة عمرك الله.

وقال أبو الحسن بن سيده: المعنى أسألك بقعدك الله، وبقعيدك الله ومعناه بوصفك الله بالثبات والدوام، وهو مأخوذ من القواعد التي هي الأصول لما يلبث، ويبقى ولم يصرف منه فيقال: قعدتك الله كما يقال: عمرتك الله انتهى.

وقال الكسائي: قعدك الله مثل نشدتك الله، وقال أيضًا: قعدك الله أي الله معك، ومثله قعيد، وقيل القعيد المقاعد كأنه قال: أنت مقاعد الله وهو معك، والمحفوظ كسر القاف في قعدك، وقال أبو الهيثم: قعيدك وقعدك بفتح القاف ولا أعرف كسرها وأنشد:

قعيدك أن لا تسمعيني ملامة = ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1796]

ورواه الأصمعي، قعيدك ألا تسمعيني، ويقال: قعدت الرجل وأقعدته أي خدمته، ويجيء بعد قعدك وقعيدك الاستفهام و(إن) وقال أبو عبيد قال: قعيدك لتفعلن فاستعمل قسما، وفي البسيط: ويدل على القسم فيها قولهم: قعدك الله لأفعلن، وقال الأزهري: قالت قريبة الأعرابية:

قعيدك عمر الله يا ابنة مالك = ألم تعلمينا نعم مأوى المعصب

ولم أسمع بيتًا جمع فيه العمر والقعيد إلا هذا انتهى.

وذكر ابن جني: جدك في باب القسم، وأن جوابها بـ-لم- واستدل بقول الأعشى:

أجدك لم تغتمض ساعة = ... ... ... ... ... ... ...

وليس هذا من القسم في شيء، وهو عند سيبويه من باب ما ينتصب من المصادر توكيدًا، نحو قولك: هذا عبد الله حقًا قال في هذا الباب: ومثل ذلك في الاستفهام: أجدك لا تفعل كذا، كأنه قال: أحقًا لا تفعل كذا، قال: وأصله من الجد كأنه قال: أجد، ولكنه لا ينصرف، ولا يفارق الإضافة كما كان في لبيك، ومعاذ الله انتهى والمحفوظ أن الفعل المنفي بعد أجدك يكون بـ(لم) وبلن، وبلا.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1797]

باب الإضافة

الإضافة في اللغة: الإمالة، ومنه ضافت الشمس إلى الغروب أي مالت، وأضفت ظهري إلى الحائط: أملته، وفي اصطلاح النحاة: يطلق على النسب، وعلى هذا الباب الذي نتكلم فيه، ورسم الإضافة: نسبة بين اسمين تقيدية توجب لثانيهما الجر أبدًا، فـ(بين اسمين) احتراز من قام زيد، والإضافة إلى الجمل مقدرة الجمل باسم، وتقيدية احتراز من «زيد قائم»، وتوجب لثانيهما الجر احتراز من «زيد الخياط قائم»، والخياط صفة، و(أبدًا) احتراز من: مررت بزيد الخياط، فإنه لكونه نعتًا لا يلزم الجر أبدًا؛ إذ لو تبع مرفوعًا رفع أو منصوبًا نصب.

وجر الثاني هو بالاسم المضاف إليه هذا مذهب سيبويه، وزعم الزجاج: أن (الجر) هو بمعنى اللام، وعند قوم إن اللام أو (من) هو الخافض، ولم يمنع ذلك من الإضافة، والإضافة تكون على معنى اللام نحو: دار زيد، وعلى معنى (من) وهي إضافة الشيء إلى كله نحو: ثوب خز، ويقال فيه إضافة الشيء إلى جنسه.

وشرطها أن يصح الإخبار بالثاني عن الأول احترازًا من: يد زيد، فإنه إضافة بعض إلى كل، لكنه لا يصح الإخبار فيه لا تقول: اليد زيد، وتقول الثوب خز، وذهب قوم منهم ابن كيسان، والسيرافي: إلى أنه وإن لم يصح فيه الإخبار، فإنه إضافة بمعنى (من)، ومذهب ابن السراج، والفارسي وأكثر المتأخرين

[ارتشاف الضرب: 4/ 1799]

أنها إضافة بمعنى اللام، وتقدم الكلام في باب التمييز على الأوجه الجائزة في (خز) من قولك: ثوب خز.

واختلفوا في الإضافة في العدد في نحو قولهم: ثلاثة أثواب، فذهب ابن السراج إلى أنها بمعنى (من)، وذهب الفارسي إلى أنها بمعنى اللام، فإن أضفت العدد إلى عدد مثله نحو: ثلاثمائة، فاتفقا على أن الإضافة بمعنى (من)، وأثبت ابن مالك الإضافة بمعنى (في)، وقال: أغفل أكثر النحويين التي بمعنى (في)، وهي ثابتة في الكلام الفصيح بالنقل الصحيح. انتهى.

وعند عبد القاهر أن ثم إضافة تتقدر بـ(في) وذلك في قولنا: فلان ثبت الغدر، أي ثبت في الغدر، والغدر: المكان الصلب، لا يمتنع حمل هذا على اللام هو أن يكون اختصاص ثبوته بهذا المكان، كما يقال هذه مطية حرب أي مطية لهذا الأمر قاله في النهاية، وزاد الكوفيون: الإضافة بمعنى (عند) قال: تقول: هذه ناقة رقود الحلب معناه: رقود عند الحلب.

وإلى تقسيم الإضافة المحضة على معنى (من)، وعلى معنى (اللام) ذهب الجرمي، وأكثر المتأخرين، وذهب شيخنا الأستاذ أبو الحسن بن الضائع إلى أن الإضافة التي هي بمعنى (من) من الإضافة التي بمعنى اللام، لأن الخز مستحق

[ارتشاف الضرب: 4/ 1800]

للثوب لكونه أصله، فالإضافة بمعنى اللام على كل حال، ومعنى اللام: الاستحقاق على كل حال، والملك نوع من أنواع الاستحقاق، كما أن الجنسية نوع من معانيه انتهى.

والذي أذهب إليه أن الإضافة تفيد الاختصاص، وأنها ليست على تقدير حرف (من) ما ذكروه، ولا على نيته، وإن جهات الاختصاص متعددة، يبين كل منهما الاستعمال فإذا قلت: غلام زيد، ودار عمرو كانت الإضافة للملك، وإذا قلت: سرج الدار، وحصير المسجد كانت للاستحقاق، وإذا قلت هذا شيخ أخيك، وتلميذ زيد كانت لمطلق الاختصاص.

وما فيه تنوين أو نون تشبهه تزال عند الإضافة نحو: غلام تقول: غلام زيد، واثنان وعشرون تقول: اقبض اثنيك وعشريك، وذهب الفراء، وتبعه ابن مالك إلى أن ما فيه تاء التأنيث قد تزال للإضافة إن أمن اللبس، وجعل الفراء من ذلك قوله تعالى: «وإقام الصلاة» و «من بعد غلبهم»، بناء منه على أنه لا يقال إلا إقامة وغلبة، وإن حذفت التاء لأجل الإضافة، وأنشد على ذلك أبياتًا، ولا يذهب أصحابنا إلى ذلك، بل هو عندهم في الأبيات من الترخيم الواقع في غير النداء ضرورة.

وقسم النحاة الإضافة إلى إضافة تخصيص، وهي الإضافة إلى نكرة، وإلى إضافة تعريف، وهي الإضافة إلى معرفة، فجعلوا القسم قسيمًا، وذلك أن التعريف تخصيص، فهو قسم من التخصيص، والإضافة إنما تفيد التخصيص، لكن أقوى مراتبه التعريف، فإذا أضيف إلى معرفة اقتضى التخصيص التام من الإضافة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1801]

والإضافة محضة، غير محضة، وغير المحضة مضافة إلى معرفة، وتؤول بنكرة نحو: لا أباك، ورب رجل وأخيه، وكم ناقة وفصيلها، وفعل ذلك جهده، وإضافة غيرك وأخواتها، مأخذها السماع والمسموع: غيرك، وشبهك ومثلك، وخدنك، وتربك، وضربك، ونحوك، وندك، وناهيك من رجل، وحسبك من رجل، وكافيك، وهمك، وهدك، وشرعك، وكفيك مثلث الكاف، وكافيك، وقيد الأوابد، وعبر الهواجر، وجارية شكل النجار، وحجر ملء الكف، ولا يثنى بتثنية الموصوف، ولا يجمع بجعه، فأما (شبيهك) فمعرفة، وأما (قرة عينه) من قول الشاعر:

إذا هو أمسى آب قرة عينه

فذهب الفارسي إلى إنه بمنزلة حسبك، فينصبه على الحال، مع أنه مضاف إلى معرفة، وأصله مصدر في الأصل، وقيل: الأولى أن يكون على إسقاط الحرف أي آب إلى قرة عينه، ,هو ما يسره، وأما (واحد أمه)، و(عبد بطنه) فالأكثر

[ارتشاف الضرب: 4/ 1802]

أن يكون معرفتين، وبعض العرب يجعلهما نكرتين، كأنه لاحظ في (واحد أمه) مفرد أمه، وفي (عبد بطنه): خادم بطنه، والضمير فيهما لا يرجع إلى واحد، ولا إلى عبد، وإنما يرجع إلى غيرهما مما تقدم ذكره، ومن العرب من يجعل (أخًا) و(أبًا) مضافين إلى معرفة نكرتين، وذهب ابن السراج إلى أن المغاير، والمماثل إذا كان واحدًا كانت (غير) و(مثل) نكرتين، وإن أضيفا إلى معرفة، وجعل من ذلك: «غير المغضوب» ومررت بالجامد غير المتحرك، وزعم السيرافي أن (غير) تتعرف، وجعل من ذلك «غير المغضوب»، وذهب المبرد إلى أنه لا يتعرف (غير) بحال، والمثلية تكون في الجنس، وفي الوصف، والوصف ظاهر كالطول والقصر، وباطن كالجهل والعلم.

واختلفوا في إضافة الظروف، فذهب بعضهم إلى أن إضافتها غير محضة، سواء أضيفت إلى المفرد أم أضيفت إلى الجملة، ومن غير المحضة إضافة اسم الفاعل، واسم المفعول، والأمثلة إذا أضيفت إلى المفعول وكانت بمعنى الحال والاستقبال، وإضافة الصفة المشبهة باسم الفاعل، هذا مجمع عليه من أصحابنا، وذكروا أنه يقصد التعريف في ذلك، فتضافرت النصوص على أنها لا تعرف بحال، وفي المقنع عن الكوفيين أنهم أجازوا في (حسن الوجه) وما أشبهه أن يكون صفة للمعرفة، وقال: وذلك خطأ عند البصريين؛ لأن حسن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1803]

الوجه نكرة، فإن أردت تعريفه أدخلت عليه الألف واللام انتهى.

وقال الأعلم: لا يبعد أن يقصد في (حسن الوجه) التعريف، وقال المبرد: كلها تتعرف إلا غيرك، فلو كان اسم الفاعل، وما عطف عليه لم يضف إلى المفعول كانت إضافته محضة نحو: ضارب القاضي، وشهيد الدار، وقول الحطيئة:

ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة = ... ... ... ...

أي الذي يضرب للقاضي، والذي يكسب لهم، وهذه الإضافات التي هي غير محضة في اسم الفاعل، وما عطف عليه لم تفد إلا تخفيف اللفظ، وهو حذف التنوين أو النون من الوصف فقط، والتخصيص كان حاصلا قبل الإضافة بخلاف الإضافة المعنوية، فإنها أفادت التخصيص.

وزعم بعض أصحابنا أن الإضافة في اسم الفاعل، وفي الأمثلة، واسم المفعول المضاف إلى مفعول كان منصوبًا نحو: مررت برجل معطي الدراهم هي على معنى اللام لجواز وصولها إليه باللام كقوله تعالى: «فمنهم ظالم لنفسه»، و «بظلام للعبيد»، وقول الشاعر:

مطعم للصيد ... ... ... ... = ... ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1804]

ولما كانت هذه الإضافة غير محضة، لم تمنع من دخول (أل) على المضاف إلى ما فيه ألف نحو: الضارب الرجل، والحسن الوجه، فتصير معرفة (بأل)، وشرط أكثر النحاة في هذه الإضافة، أن يكون الثاني غير الأول، فلا يجوز: زيد ضارب أبيه عمرًا يريد: ضارب أبوه عمرًا، وحكى الخليل كائن أخيك، فعلى قياس هذا يكون جائزًا.

ومذهب الجمهور أن إضافة المصدر لمرفوعه، أو منصوبه محضة وذهب ابن برهان، وابن الطراوة إلى أنها غير محضة فلا تعرف، وذهب سيبويه، والأكثرون إلى أن إضافة أفعل التفضيل محضة، وذهب الكوفيون، والفارسي، وأبو الكرم بن الدباس صاحب كتاب (العرف) إلى أنها غير محضة، وقال ابن السراج إن أضيفت على معنى (من) فتكون في حكم الانفصال، ولا تتعرف، أو على غير (من) فتتعرف، وذهب الفارسي، وأبو الكرم بن الدباس وغيرهم إلى أن إضافة الاسم إلى صفته غير محضة، فلا تتعرف وحكى هذا عن الأستاذ أبي علي، وذهب غيرهم إلى أنها محضة وإلى هذين القسمين قسم الناس الإضافة، وهما محضة وغير محضة، وذهب ابن مالك إلى أن هذه الإضافة شبيهة

[ارتشاف الضرب: 4/ 1805]

بالمحضة، ولا أعلم له سلفًا في ذلك، ومثال ذلك: صلاة الأولى، ومسجد الجامع، ودار الآخرة، وبقلة الحمقاء، وحبة الخضراء، وليلة القمراء، ويوم الأول، وساعة الأولى، وليلة الأولى، وباب الحديد، فهذه كلها أصلها الصلاة الأولى، وكذلك باقيها هي قبل الإضافة كـ(موصوف) وصفته ولما كانت الإضافة من هذا الأصل لا يسوغ؛ لأن الصفة هي الموصوف، وإضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز، اختلفوا، فذهب الكوفيون إلى أن الصفة ذهب بها مذهب الجنس، فجعلت الخضراء جنسًا لكل أنثى موصوفة بالخضرة، وكذلك باقيها، وذهب الأخفش، وابن السراج، والفارسي، وجمهور البصريين إلى أن من أضاف، فإنما أضاف في الأصل إلى موصوف محذوف، والتقدير: صلاة الساعة الأولى من زوال الشمس، ومسجد الوقت الجامع، أو اليوم الجامع، ودار الحياة الآخرة، أو الساعة الآخرة، وبقلة الحبة الحمقاء، وليلة الساعة القمراء، ويوم الوقت الأول، وساعة الوقت الأول، وباب البند الحديد، وقبح ذلك لإقامة النعت، وليس بخاص مقام المنعوت المحذوف، وما جاء منه حفظ، ولم يقس عليه.

وذهب بعض النحاة إلى أنه من قبيل ما أضيف فيه المسمى إلى الاسم كأنك قلت: البقلة التي هي صاحبة هذا الاسم، وكذلك باقيها، وفي الإيضاح: الفراء والكوفيون يجيزون الإضافة من غير دعوى نقل ولا حذف وبه قال الزمخشري وابن الطراوة، وابن طاهر، وابن خروف، وأبو القاسم بن القاسم وجماعة قال الفراء، ولدار الآخرة: أضيفت إلى الآخرة وهي الآخرة، والعرب قد تضيف الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه كيوم الخميس وشهر رمضان و«وعد الصدق» و«مكر السيء» و«حق اليقين»، و«نساء المؤمنات»

[ارتشاف الضرب: 4/ 1806]

وقول الشاعر:

إذا حاض عينيه كرى النوم لم يزل = به كالئ من قلب شيمان فاتك

و«حب الحصيد» و«حبل الوريد»، قال ابن الطراوة: وهذا من إضافة الشيء إلى نفسه لاختلاف اللفظين، فنسبها بما اختلف لفظه ومعناه، وفي النهاية: ما اتحد معناه، واختلف لفظًا أو اتفق لا يجوز عند البصريين إضافة بينهما، والكوفيون يجيزون ذلك في ما اختلف لفظهما انتهى.

وذكر ابن مالك من الإضافة الشبيهة بالمحضة عنده على ما اختار من تقسيم الإضافة إلى محضة، وغير محضة، وشبيهة بالمحضة، إضافة المسمى إلى الاسم قال: كـ«شهر رمضان»، و(يوم الخميس)، وإضافة الصفة إلى الموصوف نحو قوله:

... ... ... = وإن سقيت كرام الناس فاسقينا

أي الناس الكرام، وسحق عمامة، وجرد قطيفة، وسمل سربال أصله: عمامة سحق وقطيفة جرد، وسربال سمل، ومنه: «وأنه تعالى جد ربنا» في

[ارتشاف الضرب: 4/ 1807]

قراءة من ضم الجيم، أي ربنا الجد أي العظيم، وهذه الإضافة ذهب ابن عصفور إلى أنها غير محضة، وغيره إلى أنها محضة، وابن مالك إلى أنها شبيهة بالمحضة.

وذهب بعض النحاة إلى جواز إضافة الصفة إلى الموصوف نحو: كريم زيد، أي زيد الكريم، وأنكر ذلك أبو علي، وقال العرب لا تقول: قائم زيد ولا قاعد عمرو، ويريدون: زيد القائم وعمرو القاعد، قال ابن هشام: وقد جاء هذا الذي منعه أبو علي قال:

وكأن عافية النسور عليهم = حج بأسفل ذي المجاز نزول

وإنما أراد النسور العافية، وذكر ابن مالك من الإضافة التي هي شبيهة بالمحضة أيضًا إضافة الموصوف إلى القائم مقام الوصف، وإضافة المسمى إلى الاسم، وإضافة المؤكد إلى المؤكد، والملغي إلى المعتبر، والمعتبر إلى الملغي، ومثال الأول:

علا زيدنا يوم الوغي رأس زيدكم

أي علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم ومثال الثاني قوله:

على كل ذي ميعة سابح = يقطع ذو أبهريه الجزاما

[ارتشاف الضرب: 4/ 1808]

أي يقطع أبهراه، ومثال الثالث قوله:

لم يبق من زغب طار الشتاء به = على قرى ظهره إلا شماليل

أضاف القرى إلى الظهر، وهما شيء واحد ومثال الرابع قوله:

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما = ... ... ... ... ...

أي ثم السلام عليكما، ومثال الخامس قوله:

فلو بلغت عوا السماء قبيلة = لزادت عليها نهشل وتعلت

انتهى.

وقالت العرب: هذا حي زيد، وتداعين باسم الشيب، ونفيت عنه مقام الريب، وأتيت وحي زيد قائم، وأتيتك وحي فلانة شاهد، وسمع أبو الحسن أعرابيًا يقول في أبيات قالهن في حي رباح ممن أنت: قال: من حي رباح وأنشد أبو زيد:

ياقر إن أباك حي خويلد = قد كنت خائفة على الإحماق

[ارتشاف الضرب: 4/ 1809]

وأنشد أبو علي في كتاب الشعر:

أبو بحر أشد الناس منا = علينا بعد حي أبي المغيرة

فقيل (حي) واسم، ومقام، زوائد، والتقدير: هذا زيد، وتداعين بالشيب، ونفيت الريب، وقال الخوارزمي: وفائدة هذه الزيادة أنها تؤذن بضرب من الذم، فإذا قال: هذا حي زيد، فإنما يريد أن زيدًا المذكور ليس فيه إلا أنه حي، فأما غير ذلك إذا طلب منه ما طلب في الرجال فلا، وقد زعموا أن حيا في هذا زائد، وأقول ليس بزائد في كل وجه، فإنهم قالوا أتيتك وحي فلانة شاهد، فلما قالوا: شاهد علمنا أنه ليس زائدًا من كل وجه إذ لو كان زائدًا لقالوا: شاهدة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1810]

فصل

معمول المضاف إليه من تمامه، فلا يتقدم على المضاف، كما لا يتقدم المضاف إليه على المضاف فإذا قلت: جاءني أخو ضارب زيدًا، لم يجز: جاءني زيدًا أخو ضارب، فإن كان المضاف (غيرًا) مرادًا به نفي، فثلاثة مذاهب:

أحدها: أنه يجوز تقديم معمول المضاف إليه على (غير) مطلقًا فتقول في جاءني زيد غير ضارب عمرا: جاءني زيد عمرا غير ضارب، وهو مذهب السيرافي.

الثاني: المنع مطلقًا، وهو الصحيح، وهو مذهب ابن السراج.

الثالث: التفصيل بين أن يكون المعمول ظرفًا أو مجرورًا فيجوز، أو غيرهما فيمنع، فإن لم يرد به نفي نحو: أكرم القوم غير شاتم زيدًا، لم يجز التقديم باتفاق، ومعناه إلا شاتمًا زيدًا، وقال ابن الحاج: أنا زيدًا غير ضارب، ومثل ضارب، رأيت من أجازهما، ومن فرق بين (غير)، و(مثل) فأجاز في (غير)، ومنع في (مثل) وزعم بعض النحاة: أنه يجوز أن يتقدم معمول ما أضيف إليه حق، فتقول في: «هو حق عليهم بضرب الطلى»، هو بضرب الطلى حق عليم، والصحيح المنع، وأجاز الكسائي في: أنت أول ضارب أخانا أن تقول: أنت أخانا أول

[ارتشاف الضرب: 4/ 1811]

ضارب»، والصحيح المنع، فلا يجوز ذلك في (أول)، و(لا) في أفعل التفضيل، والإضافة تكون بأدنى ملابسة نحو قوله تعالى: «لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها» لما اشتركا في كونهما طرفي النهار، صح إضافة إحداهما إلى الأخرى، وقد يسرى التأنيث إلى المذكر المضاف إلى المؤنث، والتذكير إلى المؤنث المضاف إلى المذكر، وتقدم الكلام على ذلك، وعلى أقسامه في باب العلامات التي تلحق الفعل، وقد يلزم المضاف كيفيات من أحكام ما أضيف إليه غير التأنيث، والتذكير كحاله إذا أضيف إلى اسم استفهام، أو شرط، فيجرى عليه أحكامها، أو إلى عام، فيسرى إليه العموم.

وقد تلزم الإضافة لفظًا ومعنى أسماء منها ما ر في الظروف والمصادر والقسم، ومنها (وحد)، وتقدم الكلام في شيء من أحكامه في باب المبتدأ والخبر، وفي باب الحال، ومن بقية أحكامها: أن الغالب عليه النصب والإفراد، وإن اختلف الضمير الذي أضيف إليه، وسمع فيه الجر بـ(على)، قالوا: جلس على وحده، وجلسوا على وحدهم، وجلسا على وحدهما وعلى وحديهما، وقلنا ذلك وحدينا، مثنى، وسمع الجر بالإضافةف ي قولهم: قريع وحده، ونسيج وحده، وعيير وحده، وجحيش وحده، فالأولان للمدح، والأخيران بعدهما للذم، ويجوز التأنيث، والتثنية، والجمع في الألفاظ على حسب ما كان خبر عنه، أو حالاً، أو صفة، قال الخليل تقول: هي نسيجة وحدها وهما نسيجتا وحدهما، وهن نسائج وحدهن، وهما نسيجا وحدهما،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1812]

وهم نسجاء وحدهم وحكى بعض النحويين أن نسيجًا يترك موحدا في التثنية والجمع، ومذكرًا في التأنيث، وإذا انتصب وحده فعلى الظرف، أو على الاسم الموضوع موضع المصدر، الموضوع موضع الحال، أو على المصدر الذي لم يوضع له فعل كـ(الخئولة) أو على المصدر المتوهم حذف الزوائد، فمعنى وحده: إيحادًا، أو على المصدر بفعل ملفوظ به أقوال أصحها الآخر، ومنها جمادى، وقصارى، ومعناهما غاية الشيء، وقد يقال: قصار الشيء، وقصره بمعنى قصارى، وكلا وكلتا وتقدم الكلام في لغاتهما، وفي ثبوت الألف وانقلابها، ويضافان إلى مثنى لفظًا ومعنى ظاهرًا، ومعنى إلى مضمر صالح للتثنية والجمع نحو:

كلانا غنى عن أخيه حياته = ... ... ... ... ...

قالوا: وإلى مثنى معنى دون لفظ ومثلوا بقوله:

إن للخير وللشر مدى = وكلا ذلك وجه وقبل

[ارتشاف الضرب: 4/ 1813]

وذكر ابن الأنباري أن (كلا) تضاف إلى مفرد، بشرط أن يتكرر، وذلك قولك: كلاى وكلاك محسنان: المعنى كلانا، وكلا زيد، وكلاك محسنان، وكلاى وكلا عمرو منصفان، ومثل بما أضيف إلى مكنى أو فيه مكنى، وأوردها على أنها من كلام العرب، ومذهب البصريين أنهما لا يضافان إلا إلى معرفة، وأجاز الكوفيون أن يضافا إلى نكرة إذا كانت محذوفة فيقال: كلا رجلين عندك قائمان، وحكى عن العرب: كلتا جاريتين عندك مقطوعة يدها، وزعموا أن القطع في هذا الكلام عنى به ترك الغزل، وجاء في الشعر إضافتهما إلى ظاهرين مفردين نحو قوله:

كلا الضيفين المشنوء والضيف نائل = لدى المنى والأمن في اليسر والعسر

وإفراد ما لـ(كلا وكلتا) أجود من تثنيته قال تعالى: «كلتا الجنتين آتت أكلها»، وقد اجتمع الإفراد والتثنية في قول الشاعر:

كلاهما حين جد الجرى بينهما = قد أقلعا، وكلا أنفيهما رايى

ويتعين الإفراد إذا كان كل واحد منهما محكومًا عليه بحكم الآخر بالنسبة إليهما، نحو قوله:

كلانا غنى عن أخيه حياته

وكلاهما محب للآخر، وكلتاهما مكرمة للأخرى

[ارتشاف الضرب: 4/ 1814]

و(ذو) وفروعه: ذوا، وذوو، وذات، وذاتا، وذواتا، وذوات، يضفن غالبًا إلى اسم جنس ظاهر نحو: ذي علم، والمنقول في كتب المتأخرين أنه لا يضاف إلى مضمر إلا في شعر، وقال ابن أصبغ: منع الكسائي إضافة ذي بمعنى صاحب إلى المضمر، وتبعه النحاس، والزبيدي، وأجاز ذلك غير هؤلاء. انتهى، ومن إضافته إلى المضمر قوله:

إنما يصطنع المعروف في الناس ذووه

وقد استعمل جمعه غير مضاف قال الشاعر:

فلا أعنى بذلك أسفليكم = ولكني أريد به الذوينا

وقد يضاف (ذو) إلى علم، فإن قرن به وضعًا كانت الإضافة (واجبة)، مثال: ذو يزن، وذو وحدي، وذو رعين، وذو القلاع، وذو سلم نحو «من الأعلام التي وضعت وأولها ذو»، وإن لم يقرن به وضعًا كانت الإضافة جائزة، كقولهم في قطرى: ذو قطرى، وفي عمرو: ذو عمرو، وفي تبوك: ذو تبوك، والغالب في هذا الذي فيه الإضافة جائزة ألا يعتد به، فيكون من باب إضافة المسمى إلى الاسم نحو قولهم: ذو صباح، وقد جاء معتدًا به نحو: ما وجد في حجر من أحجار الكعبة قبل الإسلام: أنا ذو بكة؛ أي صاحب بكة، كما تقول: ذو

[ارتشاف الضرب: 4/ 1815]

مال، وكلما أضيف إلى العلم من نوعيه مسموع فلا يقال منهما إلا ما قالته العرب، وفي كلام الفراء ما يدل على القياس في نحو: ذي قطرى قال في: «زيد بطة»، و«ثابت قطنة» كأنك قلت: زيد ذو بطة، وأنت لو قلت: ذو زيد لجاز، و(أولو) بمعنى أصحاب و(أولات) بمعنى صاحبات يضافان إلى اسم جنس ظاهر قال تعالى: «وما يذكر إلا أولوا الألباب»، وقال «وإن كن أولات حمل» وقال «وأولات الأحمال».

وقد تلزم الإضافة معنى لا لفظًا اسمًا، وإن كان يجوز فيها الإضافة لفظًا ومعنى، وذلك بحذف ما يضاف إليه، فمن ذلك: قبل وبعد وانتصابهما على الظرفية ما لم ينجرا بـ(من)، وهما في الحقيقة ليسا بظرفين، بل هما صفتان في الأصل للظرف، فإذا قلت: جاء زيد قبل عمرو، فأصله: جاء زيد زمانا قبل زمان مجيء عمرو، وكذلك جاء بعد عمرو أي زمانًا بعد زمان مجيء عمرو، ثم حذف ذلك اتساعًا، وإذا قطعا عن الإضافة لفظًا، ونوى ما أضيفا إليه وكان معرفة بنيا على الضم ولا يثنيان، ولا يجمعان، ولا ينعتان، ولا يخبر عنهما.

وإذا كانا مبنيين على الضم لم يجز أن يقعا خبرين للمبتدأ، ولا وصفين ولا حالين، وحكم (دون)، و(قدام)، و(أمام)، و(وراء)، و(خلف)، و(فوق)، و(تحت)، و(يمين)، و(شمال)، حكم (قبل)، و(بعد) في البناء على الضم إذا حذف ما يضاف إليه، وكان مرادًا من جهة المعنى.

وفي كونها لا تقع أخبارًا، ولا صفات، ولا أحوالاً، ذهب يونس إلى أنك إذا حذفت المعرفة جاز في المضاف الإعراب بالنصب من غير تنوين فتقول: قعد زيد قدام، تريد: قدام عمرو مثلا، إذا كان ثم ما يدل على المحذوف فكأنه نطق

[ارتشاف الضرب: 4/ 1816]

بالمحذوف، وقال سيبويه: كلام العرب خلافه، وقد جاء في الشعر تنوين ما بني على الضم، وتنوين ما نصب قال:

حبوت بها أبا عمرو بن عوف = بما قد كان قبل من عتاب

ويروى (قبلاً) بالنصب والتنوين، وقد يقطعان عن الإضافة لفظًا ومعنى فينكران، ويعربان، قرئ شاذًا: «من قبل ومن بعد»، أي من زمن متقدم ومن زمن متأخر قال الشاعر:

فساغ لي الشراب وكنت قبلا = أكاد أغص بالماء الحميم

وقراءة الجمهور: «لله الأمر من قبل ومن بعد» أي من قبل الحوادث ومن بعدها و(آل): اختلف فيه، فقيل أصله: أهل، أبدلت هاؤه همزة ثم سكنت، ثم أبدلت ألفا نحو: كاس في كأس، وقالوا في تصغير (أهل): أهيل رجوعًا إلى الأصل، وقيل: ألف (آل) منقلبة عن (واو)، وأصله: أول وتصغيره (أويل)، وهو الصحيح، وتقدم الكلام عليه في باب البدل من باب التصريف، والغالب إضافته إلى العلم من ذوي العلم، وغيرهم نحو: آل محمد، وآل الله، وسمع إضافته إلى غير من يعلم نحو قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1817]

من الجرد من آل الوجيه ولاحق = ... ... ... ...

وإلى الجنس نحو:

وانصر على آل الصليب = ... ... ... ... اليوم آلك

وفي اقتياس إضافته إلى المضمر خلاف، منع ذلك الكسائي، وتبعه النحاس، والزبيدي، وشذ قطعه عن الإضافة نحو قوله:

نحن آل الله في بدلتنا = لم نزل إلا على عهد إرم

أي لم نزل آل الله، و(كل): إن وقع توكيدًا، أو نعتًا، لزمت إضافته، لفظًا أو معنى نحو: قام القوم كلهم، وزيد الرجل كل الرجل، وأكلت شاة كل شاة، ويأتي خلاف من خالف في جواز إفراده عن الإضافة إذا كان توكيدًا في بابه إن شاء الله، وهو إذا تجرد عن الإضافة قد تنوي الإضافة فلا تدخل عليه (أل).

[ارتشاف الضرب: 4/ 1818]

وقد أدخلها عليه الزجاجي في جملة فقال: يبدل البعض والكل، وأجاز ذلك الأخفش، والفارسي، وشذ تنكيره، وانتصابه حالاً فيما حكى الأخفش.

ومذهب سيبويه، والجمهور: أن كلا، وبعضا معرفتان يعرفا بنية الإضافة وقالوا: مررت بكل قائمًا وببعض جالسًا، ومذهب الفارسي أنهما نكرتان، وإذا أضيف (كل) على نكرة، تعين اعتبار المعنى في الضمير وغيره تقول: كل رجل أتاك مكرم، وكل رجلين أتياك مكرمان، وكل رجال أتوك مكرمون، وكل امرأة أتتك مكرمة، وكل امرأتين أتياك مكرمتان، وكل نساء أتينك مكرمات، فأما قول الشاعر وهو عنترة:

جادت عليها كل عين ثرة = فتركن كل حديثة كالدرهم

فقياسه: فتركت، كما قال تعالى: «كل نفس ذائقة الموت»، وإن أضيف (كل) إلى معرفة لفظًا ومعنى: جاز مراعاة اللفظ نحو قوله تعالى: «وكلهم آتيه يوم القيامة فردا» و«إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا»، وهذا هو المستقر من لسان العرب، ولا تكاد تجد في لسانهم كلهم يقومون، ولا كلهن قائمات، وإن كان ذلك يوجد في تمثيل كثير من النحاة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1819]

وإن أضيفت كل إلى معرفة معنى لا لفظًا، جاز مراعاة اللفظ كقوله تعالى: «قل كل يعمل على شاكلته»، ومراعاة المعنى كقوله تعالى: «وكل كانوا ظالمين».

ومن مسائل (كل) قولك: أنتم كلكم بينكم درهم، راعيت الخطاب كما راعيته في: أنت الذي قمت، وأجاز ابن طاهر: أنتم كلكم بينهم بضمير الغيبة، ومنعه أبو علي الزبيدي، وأجاز ابن جني: أنتم كلكم بينه درهم، وما أفرد لفظًا من اللازم للإضافة معنى إن نوى تنكيره كقوله:

... ... ... ... .... وكنت قبلا = ... ... ....

أو لفظ المضاف إليه، ولو كان في موضع جر لقلت: من قبل، أو نوى لفظ المضاف إليه نحو: ما حكى الكسائي أفوق تنام أم أسفل على تقدير: أفوق هذا تنام أم أسفل منه، وحكى الفراء أن من العرب من يقول: من قبل بالخفض، وحذف التنوين، وكذا في النصب قبل، والتنوين فيهما مسموع من العرب، أو عوض منه تنوين، ومثال: كل وأي نحو: «وكل أتوه»، و«أيا ما تدعوا» ونحو: حينئذ، أو عطف على المضاف اسم عامل في مثل المحذوف مثاله قوله:

قبل وبعد كل قول يغتنم = حمد الإله البر وهاب النعم

[ارتشاف الضرب: 4/ 1820]

واسم العامل يشمل المضاف، وغير المضاف، فالمضاف ما مثلنا به، وغير المضاف نحو: «ما جاء مثل أو قريبًا من فتنة الدجال» وقوله:

بمثل أو أنفع من وبل الديم

التقدير مثل فتنة، وبمثل وبل الديم، وقد يحذف ما أضيف إليه لتقدم اسم في مثل المحذوف نحو:

... ... ... ... ... = يكون سحيرًا أو بعيد فأهجعا

يريد أو بعيد سحير، حذفه لدلالة ما قبله عليه، فحكم هذه المسائل لا يتغير ما كان منها معربًا بقى على إعرابه، وما كان مبنيًا بقى على بنائه كـ(إذ) في حينئذ، فإنه لما حذفت الجملة بعدها، بقى على بنائه، والكسر فيه لالتقاء الساكنين، لا للإعراب خلافًا للأخفش، وتقدم ذكر ذلك في الظروف المبنية، وإن لم ينو التنكير، ولا لفظ المضاف إليه، بقى على الضم نحو: من قبل ومن بعد، وابدأ بهذا أول، وخذ هذا حسب، و:

أقب من تحت عريض من عل

[ارتشاف الضرب: 4/ 1821]

و:

... ... ... = لقاؤك إلا من وراء وراء

وأجاز الأخفش قطعها عن الإضافة من غير بناء، فتقول: جاءني قبل، وحكى هشام: رأيته قبل ومن قبل وأنشد أبو الحسن:

... ... ... ... .... = ولا وجد العذرى قبل جميل

وإذا حذف تنوين العوض بقى على إعرابه إن كان معربًا، وعلى بنائه إن كان مبنيًا، وعادت الجملة في مثل حينئذ فتقول: كان ذلك حين إذ كان كذا ومثل (كل) وبعض إذا حذف التنوين لا يبنى على الضم، بل يعود ما أضيف إليه، وكذلك إذا لم يكن العطف، بقى على إعرابه مضافًا إلى ما بعده.

وقال ابن مالك: استعمال هذا الحذف في الأسماء الناقصة الدلالة قليل وهو في الأسماء التامة الدلالة كثير، فمن ذلك قراءة ابن محيصن: «فلا خوف عليهم» وقول بعض العرب سلام عليكم أي فلا خوف شيء، وسلام الله، وقوله:

سبحان من فعلك ياقطام

[ارتشاف الضرب: 4/ 1822]

على أحسن الوجهين، وقطع الله الغداة يد ورجل من قالها، وقال الأعشى:

إلا علالة أو بدا = هة قارح نهد الجزارة

وجاء نظيره في الشعر في عدة أبيات، وقال الفراء: لا يجوز ذلك إلا في المصطحبين كاليد، والرجل، والنصف والربع، وقبل وبعد، وأما نحو: دار، فلا يجوز ذلك فيها لو قيل: اشتريت دار، وغلام زيد لم يجز، انتهى.

قال ابن مالك: فهذه حذف المضاف إليه فيها من الأول لدلالة الثاني عليه، وقال ابن عصفور: التقدير: قطع الله يد من قالها ورجله، فحذف الضمير، وأقحم المعطوف بين المضاف والمضاف إليه، وحذف التنوين من يد، لإضافتها إلى (من)، وحذف من (رجل)، لأنه مضاف إلى (من) في المعنى، وبمنزلة المضاف إليه في اللفظ، وقال أيضًا: ويجوز حذف المضاف إليه بقياس إذا كان مفردًا، وكان المضاف اسم زمان، فإن كان المحذوف معرفة بني على الضم اسم الزمان.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1823]

وإن كان نكرة لم تبنه، وإن كان المضاف إليه جملة لم يجز حذفه إلا في ما سمع [نحو قولهم: (يومئذ) و (حينئذ)، فإن كان غير ظرف لم يجز حذف المضاف إليه إلا ما سمع] من ذلك نحو: كل وبعض، و(أي)، و(غير)، ولا بد من التنوين، إلا أن يكون المضاف بعد الحذف على هيئته قبل الحذف نحو قولهم: «قطع الله يد ورجل من قالها».

[ارتشاف الضرب: 4/ 1824]

فصل

في إضافة أسماء الزمان إلى الجمل، فشرط أسماء الزمان أن تكون مبهمة وتشمل ما لا يختص بوجه ما كـ(حين)، و(مدة)، و(زمن)، وما يختص بوجه دون وجه كـ(غداة)، و(عشية)، فلو تخصص بتصريف كـ(سحر) من يوم بعينه، أو كان محدودًا بالتثنية كـ(يومين) لم يجز إضافته، خلافًا لابن كيسان في المثنى، فإنه يجوز عنده إضافته إلى الجملة، والصحيح المنع، إذ لم يسمع، فإن كان غير مثنى، ودل على استحضار ما تحته من العدد استحضارًا أوليًا كأسبوع، وشهر، وعام وسنة، فنص أصحابنا على جواز إضافته إلى الجمل.

ونص غيرهم على المنع في كل ما دل على عدد دلالة صريحة نحو شهر، وأسبوع، وجمعة، وفي حواشي مبرمان: سألت المبرد هل يجوز: أتيتك شهر زيد أمير، وسنة زيد أمير فقال: كل ما كان في معنى (إذ) فجيد، ولا أجيز أتيتك هذا لما فسرنا، لأنها جعلت في موضع (إذا) انتهى.

والأصل في إضافة اسم الزمان إلى الجمل هو (إذ)، و(إذا) فيما ساواهما في الإبهام، أو قاربهما جازت إضافته، ولو كان لازمًا إضافته لم يضف حتى يكف بـ(ما) نحو: قبل ما وبعد ما، وهذا الظرف الذي تجوز إضافته عرفي، وهو ما بقى

[ارتشاف الضرب: 4/ 1825]

على ظرفيته، فانتصب ظرفًا، وحقيقي وهو ما استعمل فاعلاً ومفعولاً ومبتدأ ومجرورًا كقوله تعالى: «هذا يوم لا ينطقون»، وقوله:

على حين عاتبت المشيب على الصبا = ... ... ... ...

وفي البسيط: إن توسعت في الظرف لم تجز إضافته، لأنه اسم حينئذ والأسماء لا تضاف إلى الجمل. انتهى، وليس بصحيح، بل قد اتسع فيها، وأضيفت، ويجوز أن يضاف اسم الزمان إلى اسم زمان نحو: زرتك يوم إذ قدم زيد، وقد يقال بعد إذ، وقيل (إذ) بغير ما حملا على يومئذ، وساعتئذ، وإنما تذكر (ما) بعد (بعد) و(قبل) عند الإضافة إلى مذكور نحو:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1826]

... ... ... ... ... بعدما = أفنان رأسك كالثغام المخلس

وفي البسيط: لا يضاف إلى الزمان (أمس)، ولا (غد)، ولا معرفة، ولا مجاورة الأسماء كـ(مذ) إذا كانت اسمًا على رأي بعضهم، وأجاز سيبويه إضافتها إلى الجملة الاسمية فتقول: «ما رأيته مذ كان كذا» تريد: مدة كذا، ولا يبعد إضافتها إلى الجملة الاسمية، وهي فيه أولى فتقول: ما رأيته مذ يومان فيحذف الخبر، ولا يضاف، فأعمل فيه عامل ظاهر كـ(متى) في الشرط ولا المستمر كـ(أبدًا)، و(عوض) انتهى.

ويعني الاستمرار في الاستقبال، وشرط الجملة على ما دل عليه الاستقراء أن تكون خبرية مبتدأ مثبتة أو منسوخة الابتداء بـ(لا) التبرئة، أو (ما ولا) العاملتين عمل (ليس)، أو مصدرة بمتصرف ماضٍ أو مضارع أو بـ(لو) وهو قليل مثال ذلك:

... ... ... ... ... = على حين التواصل غير دان

[ارتشاف الضرب: 4/ 1827]

وجئتك يوم لا حر ولا برد، وروى يوم لا حر ولا برد، والإضافة يوم لا حر ولا برد و:

... ... .... = على حين ما هذا بحين تصابى

و:

... ... .... يوم لا ذو قرابة = بمغنٍ ... ... ...

و:

على حين عاتبت ... ... ... ... = ... ... ... ...

و:

أيوم لم يقدر

و«هذا يوم ينفع» و«يوم لا تملك» وهذا الظرف إن أضيف إلى جملة الابتداء فمذهب البصريين تحتم الإعراب، ومذهب الكوفيين جواز الإعراب والبناء.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1828]

وإن أضيف إلى ماض جاز الإعراب والبناء، وإن أضيف إلى مضارع، فمذهب البصريين تحتم الإعراب، ومذهب الكوفيين جواز الإعراب والبناء، فإن كان المضارع عرض فيه البناء، بأن كان اتصل به نون الإناث، فيقتضي أن لا يكون فيه إلا البناء كالفعل الماضي، لأن اسم الزمان أضيف إلى مبني، ومن ذهب إلى أنه باق على إعرابه، وفرع على مذهب البصريين في المضارع، فلا يجوز عنده فيه إلا الإعراب وروى:

... ... ... .... = على حين يستصبين كل حليم

ببناء (حين)، وهو مضاف إلى يستصبين، ومثال تصدير الجملة بـ(لو) قوله:

أيام لو يحتل وسط مفازة = فاضت معاطشها بشرب سائح

ومما وقفنا عليه من أسماء الزمان المضاف إلى الجمل يوم، وأيام، وليلة، وليالي، وأزمان، وزمن، وعصر، وعشية، وغداة، وحين، وذكر الكسائي: أن العرب تختار التعريف إذا أضيف إلى يفعل، والبناء على الفتح إذا أضيف إلى غيرها من الجمل، ولا يجوز أن يعود من الجملة التي أضيفت إليها اسم الزمان ضمير على اسم الزمان.

قال ابن السراج: إن قلت: أعجبني يوم قمت فيه، امتنعت الإضافة؛

[ارتشاف الضرب: 4/ 1829]

لأن الجملة صفة، ولا يضاف موصوف إلى صفته، وقال الكوفيون: إن كان الضمير قبل تمام الجملة لم يجز أن يضاف إليها، نحو قوله تعالى: «واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله»، أو آخر الجملة جاز أن يكون مضافة، وأن تكون صفة على حسب ما يقدر، فإن عمل في الظرف الكلام، فالجملة صفة، وإن قدرته من كلام آخر كانت مضافًا إليها، لخلوها من الضمير، ومثال ما جاء فيه الضمير قوله:

وتسخن ليلة لا يستطيع = نباحًا بها الكلب إلا هريرا

وقول الآخر:

مضت سنة لعام ولدت فيه = وعشر بعد ذاك وحجتان

وقد تؤول هذا البيت، وأما قولك: أتيتك ليلة حرت، وأتيتك ليلة بردت؛ فإن جعلت الفعل لليلة نويت، أو للريح أضفت، وعلى هذا لا يجوز توكيد اليوم لعود العائد لا تقول: يوم قمت كله، ولا بعضه، ولا نفسه ولا أجمع، ولا يجوز أيضًا أن تتبعه لا تقول: يوم قمت البارد ولا باردا، إلا أن يكون على كلامين وهو قبيح، وهذه مسائل من هذا الفصل: لا يجوز إضافة الليل والنهار، والصباح والمساء، وأجروا السنة مجرى العام في إجازة الإضافة إلى الجمل.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1830]

ولو جمعت السنة فقلت: السنين لم يجز أن تقول: قد عشنا سنىّ قحط الناس، ولا يقال: غدوة قام، ولا بكرة قام زيد وسحر، وأجاز الكسائي وقت يقوم، وخطة يقوم، وشرع يقوم، وتقول: أتيتك يوم لا زيد قائم، ولا عمرًا ضربت، ولا يجوز أن تضيف شيئا منها إلى إن وأخواتها سوى كأن فتقول: أتيتك كأنك أسد.

وأما (إن) فقال بعضهم: القياس أن تعربه، فتقول: هذا يوم إنك سائر، ولم أسمعه من العرب، ولا روى لي مضافًا، ولكنه قياس، وأما (الجزاء) فإنه يجوز فيه على خلاف الأصل فتقول: أزمان من يأتك تأته، وتقول: أتيك أزمان قام، ولا تقول: أحيان قام زيد، ولم يقولوا أحيان ذلك وقالوا: أزمان ذلك وما أضيف من هذه لا يكون مفسرًا لعدد، ولا يقع عليه (رب) فلا تقول: لك عشرون يوم قام عبد الله، ولا رب يوم قام عبد الله.

ويجوز أن تقول: أتيتك حين يوم قام زيد لاختلاف اللفظين، ويجوز خفضهما في حين يوم قام زيد، ولم أره مذ يوم قام زيد، ومذ يوم حين قام زيد، تنصبهما كأنهما واحد، وإضافة الثاني إلى الأول أحب إذا اختلف لفظهما من نصبهما جميعًا، وكذا أزمان حين قام زيد، إلا قولهم: أتيتك ليلة يوم قام زيد، لأن لليوم ليلة فمعناها مخالف لقولك: حين يوم قام.

وأما قولك: أتيتك يوم ليلة قام عبد الله، فهو شبيه بحين يوم قام، وتقول لقيته مذ يوم تعلم، وتقول: اليوم يوم يخرج زيد، برفعهما الأول: مبتدأ، والثاني خبره، وبنصب اليوم على أن اليوم خبر، وفتح (يوم) يخرج مبتدأ على مذهب من يجيز بناءه إذا أُضيف إلى المضارع.

وإن عطفت على الاسم المضاف إلى غير المحض اسمًا مثله جرى مجراه إن نصبًا فنصبًا، وإن خفضًا فخفضا نحو: أعجبني يوم قام عبد الله، ويوم قام زيد،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1831]

ولك أن تخالف بينهما رفعًا ونصبًا، فإن اختلفا في الإضافة، وكان الأول غير محض نحو: هذا يوم قام زيد، ويوم قيام بكر، كان الأول على ما كان، والثاني على التقريب، فإن عكست كان في الثاني ما كان فيه، وأعربت الأول نحو: مذ يوم الفطر، ويوم صام الناس، ومقتضى مذهب سيبويه أن الظرف إذا كان بعده جملة، وكانت ماضية كانت اسمية أو فعلية، إذ جرت مجرى (إذ) «وإذ تليها الجملتان، وإذا كانت مستقبلة كانت الجملة فعلية، إذ جرت مجرى إذا»، وإذا لا تليها الجملة الفعلية.

وذهب أبو الحسن إلى جواز الاسمية والفعلية، إذا كانت الجملة مستقبلة، ومما ظاهره الاستقبال، وجاءت اسمية نحو قوله تعالى: «لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون» والظاهر أن هذه الإضافة في هذا الباب تفيد التعريف، وفي البسيط: قد يقال لا تفيده، لأن الجمل نكرات، وقد يقال: إن الجمل مقدرة تقدير المصدر فتفيده، وقد أضيف إلى الجمل ألفاظ غير أسماء الزمان منها (آية) بمعنى علامة، ومذهب سيبويه أنه يجوز إضافتها إلى الفعل كما قال:

بآية تقدمون الخيل شعثًا = ... ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1832]

وقوله:

بآية ما قالت ... ... ... = ... ... ... ...

وذهب ابن جني أن ذلك على حذف (ما) المصدرية، وليست إضافة إلى الفعل كما جاء:

... ... ... ... ... .... = بآية ما يحبون الطعاما

أي بآية حبهم، ومذهب سيبويه: أن إضافة (آية) إلى الفعل يطرد في الكلام وفي الشعر، ومذهب المبرد أن ذلك لا يطرد، وقال ابن مالك: تضاف إلى الفعل المتصرف مجردًا أو مقرونًا بـ(ما) المصدرية، وبما النافية نحو قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1833]

ألكنى إلى قومي السلام رسالة = بآية ما كانوا ضعافًا ولا عزلا

وقال أبو ذؤيب:

بآية ما وقفت والريكا = ب بين الحجون وبين السرر

أي بآية وقوفها، وجاء أيضًا إضافتها إلى الجملة الاسمية أنشد الفراء:

بآية الخال منها عند برقعها = وقول ركبتها قض حين تثنيها

ولم يصرحوا قط بالمصدر، ولم يقولوا: بآية محبتكم، ومنها (لدن) نحو قوله:

لزمنا لدن سألتمونا وفاقكم = ... ... ... ...

وقد فصل بين (لدن)، والفعل بأن في قوله:

وليت فلم تقطع لدن أن وليتنا = ... ... ... ... ...

كما فصل بين حين والفعل بـ(أن) في قوله:

... ... ... ... .... = على حين أن نالوا ... ...

وفي البديع: المعروف في (لدن) أن تضاف إلى المفرد، ومن زعم أنها تضاف إلى الجملة، فإنما استدل بقول الشاعر:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1834]

وإن لكيزًا لم تكن رب عكة = لدن صرحت حجاجهم فتفرقوا

ومنها (ريث) نحو قوله:

لا يزجر الرأي إلا ريث يبعثه = ولا يشارك في آرائه أحدا

وقد تجيء بعدها (ما) زائدة أو مصدرية نحو قوله:

بمحياه حين يلقي ينال الس = ؤال راجيه ريث ما يقضى

وريث مصدر راث يريث إذا أبطأ، وقال ابن أصبغ: أجاز أبو علي: إضافة المصدر إلى الفعل على حد إضافة أسماء الزمان إليه، ومنعه غيره، وفي كتاب الصفار للبطليوسي: المصدر إذا استعمل في معنى الزمان جاز أن يضاف إلى الفعل تقول: أتيتك ريث قام أي قدر بطء قيام زيد، لما كانت تخرج إلى الظرف من الزمان جاز فيها ما جاز في الزمان، وكذلك ما كان بهذه المنزلة، ومنها (ذو)، وتليها تسلم مضارع سالم للمخاطب تقول: اذهب بذي تسلم، واذهبي بذي تسلمين، واذهبا بذي تسلمان، واذهبوا بذي تسلمون، واذهبن بذي تسلمن، وفي (ذي) هذه قولان:

أحدهما: أنها موصولة على لغة طيئ، وأعربت في لغة بعضهم و(تسلم) صلة لذي، والمعنى اذهب في الوقت الذي تسلم فيه ثم اتسع، فحذف الجار، فصار تسلم ثم حذف الضمير، فلا إضافة في (ذي) ولا شذوذ، وإلى نحو هذا ذهب ابن الطراوة، وذهب الجمهور إلى أن (ذي) بمعنى صاحب، وهو

[ارتشاف الضرب: 4/ 1835]

مضاف إلى تسلم، والمعنى اذهب في وقت ذي سلامة، وحكى ابن السكيت القسم به قالوا: ولا بذي تسلم بما كان كذا، وفي البسيط: قيل التقدير: لا أفعل بحق سلامتك ومعناه القسم، وقيل المعنى: لا أفعل هذا مقترنًا بوقت ذي سلامة، فتكون (ذو) صفة لوقت، وقيل هو صفة لوقت المعنى: افعل متبركًا بما تسلم فيه والمعنى متبركًا بك.

وعلى هذه الأقوال لا تكون الباء ظرفية وقالوا: لا تفعل بذي تسلم، وكذا باقي الخطاب، وقالوا في الإثبات افعل، وأجاز قوم بناء ما أضيف إلى مبني، وذكروا ذلك في (غير)، و(بين)، و(دون)، و(مثل)، وتأول آخرون ما ادعوا من ذلك على أن الحركة فيها حركة إعراب لا حركة بناء، ويجوز حذف المضاف إذا كان الكلام مشعرًا به، فإن لم يكن مشعرًا به لم يجز حذفه إلا في ضرورة كقوله:

... ... ... ... .... = قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر

يريد: ابن هوبر، وإنما عرف هذا من غير البيت، وإذا حذف فله اعتباران:

أحدهما: وهو الأكثر في لسان العرب أن تجرى الأحكام على لفظ ما قام مقامه كقوله تعالى: «وسئل القرية التي كنا فيها»  ويريد: أهل القرية، وأعاد الضمير على لفظ القرية.

والآخر: أن تجرى عليه الأحكام على المحذوف، فيراعى ما يعود عليه ومنه قوله

[ارتشاف الضرب: 4/ 1836]

تعالى: «أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج» تقديره: أو كذي ظلمات، فأعاد الضمير في يغشاه على المحذوف لا ما قام مقامه، ومما جاء فيه مراعاة الأمرين قوله تعالى: «وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا أو هم قائلون» تقديره: وكم من أهل قرية، فأعاد الضمير في أهلكناها، فجاءها على لفظ قرية، وأعاد الضمير في أوهم قائلون على أهل المحذوف، وإذا لم يستبد القائم مقام المحذوف بالنسبة في الحكم كان الحذف مقيسًا، نحو: «واسأل القرية» وإن استبد بنسبة الحكم إليه كان الحذف غير مقيس كقوله:

لا تلمني عتيق حسبي الذي بي = ... ... ...

يريد: لا تلمني ابن أبي عتيق، وأجاز أبو الفتح: جلست زيدًا، على تقدير: جلوس زيد، وهذا مما لا ينبغي أن يجوز؛ إذ لا يتعين حذف جلوس لاحتمال إلى زيد، وأجاز الخليل أن تخلف المعرفة ما حذف من منكر إذا كان مثلاً نحو قوله: له صوت صوت حمار، فأعرب صوت الحمار صفة لصوت، و(صوت) نكرة وصوت الحمار معرفة، لكنه حذف مثل وروعى، وقال سيبويه: وهذا قبيح ضعيف، وفرع ابن مالك على مذهب الخليل فقال: وقد يخلفه في التنكير إن كان المضاف مثلاً مثاله: مررت برجل زهير شعرًا، وهذا زيد زهيرًا شعرًا تنعت

[ارتشاف الضرب: 4/ 1837]

بـ(زهير) وتنصبه حالا، لأن الأصل مثل زهير، ومثل زهير فحذف ونوى، وإن كان بلفظ المعرفة، ومنه تفرقوا أيادي سبا أي مثل أيادي سبا انتهى.

ومنع ذلك سيبويه قال في مسألة: «له صوت حمار، وله خوار خوار ثور» وإن كان معرفة لم يجز أن يكون صفة لنكرة كما لا يكون حالاً، انتهى.

وإذا كان المحذوف المضاف مؤنثًا، وكان مضافًا إلى مذكر، أو مذكرًا، وكان مضافًا إلى مؤنث، فيجوز اعتبار التذكير والتأنيث مثال ذلك: فقئ زيد وفقئت زيد، على مراعاة فقئت عين زيد، وجدعت هند، وجدع هند، على مراعاة جدع أنف هند، وقد يحذف اثنان متضايفان، ويستغنى بالثالث عنهما كقوله تعالى: «تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت» أي كدوران عين الذي يغشى، وقد يحذف ثلاثة متضايفات، وصفة، ويستغنى بالرابع نحو قوله:

ولا الحجاج عيني بنت ماء = ... ... ... ... ...

يريد: ولا الحجاج صاحب عين مثل عيني بنت ماء، وقد يقام مقام محذوف مضاف إلى محذوف قائم مقامه رابع نحو قوله: (المتقارب)

أبيتن إلا اصطياد القلوب = بأعين وجرة حينًا فحينا

التقدير: بمثل أعين ظباء وجرة، وقد يستغنى بمضاف إلى مضاف إلى مضاف

[ارتشاف الضرب: 4/ 1838]

إلى رابع عن الثاني والثالث مثاله قوله تعالى: «من أثر الرسول» أي من أثر حافر فرس الرسول، ويجوز الجر بالمضاف محذوفًا إثر عاطف متصل مسبوق بمضاف مثل المحذوف لفظًا ومعنى نحو: «ما كل سوداء تمرة، ولا بيضاء شحمة»، وما مثل أبيك وأخيك يقولون ذلك التقدير: ولا كل بيضاء، ومثل أخيك، أو منفصل بلا نحو قوله:

لم أر مثل الخير يتركه الفتى = ولا الشر يأتيه الفتى وهو طائع

أي ولا مثل الشر قاله ابن مالك، وقال ابن عصفور: وقد [لا] يعرب المضاف إليه بعد الحذف بإعراب المضاف، وذلك إذا تقدم في اللفظ ذكر المحذوف نحو قولهم: «ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة»، فلم يشترط ابن عصفور العطف لا متصلاً، لا منفصلاً بلا، وليس هذا الحذف في هذا النوع مشروط بتقدم نفي، أو استفهام خلافًا لمن شرط ذلك، ومما جاء غير مشروط فيه ذلك قوله:

كل مثر في أهله ظاهر العز = وذي غربة وفقير مهين

أي وكل ذي غربة قالوا: والجر في كل هذا مقيس، وربما جر دون عطف، حكى الكسائي عن العرب: «أطعمونا لحمًا سمينًا شاة ذبحوها»، وحكى

[ارتشاف الضرب: 4/ 1839]

الفراء عن العرب: «والله لو تعلمون العلم الكبيرة سنه الدقيق عظمه» يريد: لحم شاة وعلم الكبيرة سنه، وجاء في الشعر مثل هذا النثر قال:

الآكل المال اليتيم بطرا = يأكل نارًا وسيصلى سقرا

وأجاز الكوفيون القياس على هذا، فأجازوا: يعجبني ضرب زيد أي: ضرب زيد، وقالوا: قالت العرب: «يعجبني الإكرام عندك سعد بنيه» (أي): إكرام سعد بنيه، ولم يجز البصريون ما أجازه الكوفيون من ذلك، بل حملوه على الشذوذ إن صح نقله، وقالت العرب: «رأيت التميمي تيم عدي وتيم قريش، ورأيت العبدي عبد مناف، بالنصب والخفض في كل قبيلة يكون فيها اشتراك، فقال أبو علي: كأنه قال: صاحب تيم عدي دل ذكر التميمي على ذكر صاحب، فأضمر للدلالة، وقال السيرافي: الخفض على إضمار (من) التقدير: من تيم عدي، ودل على (من) معنى النسب، لأنك إذا قلت: زيد تميمي، فكأنك قلت: من تميم، وقال أبو عبد الله محمد بن مسعود المعروف بابن أبي ركب: هو على إضمار مضاف تقديره (من) لفظ الأول أي تيمي عدي كأنهم استقبحوا تكرير الأول، فأغنى الأول عن الثاني».

وذهب الكوفيون إلى أن ياء النسب جر، ولذلك خفض عندهم تيم عدي، فـ(تيم) عندهم بدل من الياء، وهذه المسألة ليست مسطورة في شيء من كتب أصحابنا، وإنما هي مسطورة في كتب الكوفيين، وخرجها «أبو بكر بن الخياط، وابن شقير» بالنصب على إضمار أعني، ولا مانع من الرفع على إضمار (هو).

[ارتشاف الضرب: 4/ 1840]

قال ابن مالك: الجر على تقدير: أحد تيم عنده، حكاه الفارسي انتهى.

وقال أبو القاسم الزجاجي في المسائل الطبرية: يختار الكوفيون فيه الخفض على معنى زيد من سعد ثم تقول: سعد بكر على الترجمة، وليس يمتنعون من إجازة نصبه، فأما أصحابنا البصريون فلا يجيزون خفض هذا ألبتة. انتهى.

وأنشد الكوفيون:

إذا نزل الأزدي أزد شنوءة = بأرض صعيد طاب منها صعيدها

بخفض (أزد شنوءة)، وقال السيرافي: ومن نصب أضمر أعنى وفيه قلق والرفع أقلق، قال: ولا يكون بدلاً، لأنه أعم من الأول وعلى قول (ابن أبي ركب) يكون بدلاً على حذف مضاف أي تيمي تيم عدي، وهذا نظير قوله:

رحم الله أعظما دفنوها = بسجستان طلحة الطلحات

أي أعظم طلحة الطلحات، ومن الحذف قراءة ابن جماز «والله يريد الآخرة» بخفض الآخرة، قدره ابن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1841]

مالك عرض الآخرة، والمضاف إليه يتنزل من المضاف منزلة التنوين، وهو من تمامه فالقياس يقتضي أن لا يجوز الفصل بينهما إلا على سبيل الضرورة إلا ما وقع فيه الفصل بين [المصدر وفاعله المجرور بالمفعول فيأتي فيه الخلاف، وفي الإفصاح: الفصل بالظرف بين] المضاف والمضاف إليه، قال سيبويه: لم يسمع إلا في الشعر، وأجازه يونس في الكلام في الظروف غير المستقبلة. انتهى.

فمتى جاء الفصل بالظرف والمجرور، فعند ابن مالك إن كان الظرف والمجرور متعلقين بالمضاف، فلا يختص عنده إلا بالضرورة قوى كقوله:

... ... ... ... ... ... = كناحت يومًا صخرة بعسيل

وقول الآخر:

لأنت معتاد في الهيجا مصابرة = ... ... ... ... ....

[ارتشاف الضرب: 4/ 1842]

قال: فهذا جائز في الاختيار، وإن لم يتعلقا به، فالفصل ضعيف نحو:

تسقى امتياحًا ندى المسواك ريقتها = ... ... ... ... ...

و:

... ... ... ... ... بكف يوما = يهودي ... ... ... ...

و:

هما أخوا في الحرب من لا أخا له = ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1843]

وجاء الفصل بينهما بفاعل نحو:

... ... ... ... = ولا نرعوى عن نقض أهواؤنا العزم

وبنداء نحو:

وفاق كعب بجير ... ... = ... ... ... ...

وبنعت نحو:

... ... ... ... ... = من ابن أبي شيخ الأباطح طالب

وبفعل ملغي نحو قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1844]

بأي تراهم الأرضين حلوا = ... ... ... ...

وبالمفعول من أجله:

معاود جرأة وقت الهوادي = ... ... ... ...

فالتقدير فيما مثلناه كـ (ناحت صخرة)، ومعتاد مصابرة، وندى ريقتها، وبكف يهودي، ونقض العزم أهواؤنا، ووفاق بجير، ومن ابن أبي طالب، وبأي الأرضين، ومعاود وقت، وقد جاء الفصل بينهما بالقسم في النثر، حكى الكسائي: «هذا غلام والله زيد»، وحكى أبو عبيدة عن العرب: «الشاة لتجتر فتسمع صوت والله ربها»، يريد: هذا غلام زيد والله، وتسمع صوت ربها والله، وأما الفصل بالمفعول بين المصدر والمخفوض كقراءة ابن عامر:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1845]

«قتل أولادهم شركاؤهم» فقد جاءت نظائره في أشعار العرب، والصحيح جوازه، وإن كان أكثر النحاة يخصونه بالشعر.

وفي النهاية: أجاز الكوفيون الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف، وحرف الجر في الشعر، وفي الكلام ومنه قراءة ابن عامر، وسلك المتنبي هذه الطريقة فقال:

حملت إليه من لساني حديقة = شفاها الحجا سقى الرياض السحائب

[ارتشاف الضرب: 4/ 1846]

فصل

المضاف إلى ياء المتكلم ليس مثنى، ولا مجموعًا على حد المثنى فيه أربعة مذاهب:

أحدها: مذهب الجمهور أنه معرب في الأحوال الثلاثة مقدر فيه الحركات الإعرابية لشغل آخره بالحركة التي تقتضيها ياء المتكلم.

الثاني: مذهب الجرجاني، وابن الخشاب، والمطرزي، وظاهر كلام الزمخشري أنه مبني.

الثالث: مذهب ابن جني أنه لا معرب، ولا مبني، إذ الاسم لا ينحصر عنده في معرب ولا مبني، بل له حالة ثالثة مثل هذا.

الرابع: ما ذهب إليه ابن مالك من أنه ظاهر الحركة الإعرابية حالة الجر مقدرة فيه حالة الرفع والنصب، ولا أعرف له سلفًا في هذا المذهب، ويقول في المثنى: قام غلاماي، ورأيت غلامي، ومررت بغلامي، والخلاف الذي في إعراب المثنى جار فيه إذا أضيف إلى الياء، وتقدم ذكر ذلك.

وتقول في الجمع الذي على حد التثنية هؤلاء ضاربي، ورأيت ضاربي، ومررت بضاربي اللفظ واحد، والخلاف فيه مضافًا إلى الياء كالخلاف مضافًا إلى غير الياء، وتقدم ذكر ذلك.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1847]

وزعم أبو عمرو بن الحاجب، وتبعه ابن مالك أن هذا الجمع حالة الرفع إعرابه بالحرف المقدر، وكما أن الحركة تقدر كذلك الحرف يقدر، وقد بينا في الشرح للتسهيل أن هذا لا تحقيق فيه، وهذه الياء في (ضاربي)، وشبهه مفتوحة كقوله:

أودى بني وأودعوني حسرة = ... ... ... ...

وفي الحديث: «أو مخرجي هم» وقراءة حمزة: «بمصرخي» بكسر الياء أجازها أبو عمرو بن العلاء، والفراء، وقطرب، وهي لغة بني يربوع، وقال الفراء: قرأ بها الأعمش، ويحيى بن وثاب قال: وزعم القاسم بن معن أنها صواب، وكان ثقة بصيرًا. انتهى.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1848]

وقد رد هذه القراءة على حمزة جعفر الصادق، وقال أخالفك فيها، والفتح قراءة علي بن أبي طالب، وخير (حمزة) في (بمصرخي) بين الفتح والكسر بعد أن أراد أن يتركها.

وقال الكسائي كان نصير النحوي يحمل قراءة حمزة على اللحن، وكان أهل النحو يحسبونه من حمزة غلطًا.

وإذا أضفت المنقوص قلت: قاضي كما تقول: في جمع قاضون إذا أضيفت إلى الياء قاضي، وإذا أضفت المقصور قلت: عصاي في الأحوال الثلاثة والياء مفتوحة، وقد تكسر نحو: عصاي وتسكينها بعد ألف كقراءة نافع «ومحياي» في الوصل من إجراء الوصل مجرى الوقف، وإقرار ألف المقصور حالة الإضافة إلى الياء لغة أكثر العرب، وقد ذكر قبلها (ياء)، وإدغامها في الياء سيبويه عن ناس من العرب لم  يعينهم، وحكاها عيسى بن عمر عن قريش، وهي في شعر أبي الأسود الدؤلي، والمنخل اليشكري.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1849]

وعينها صاحب التمهيد، وابن مالك لهذيل، ولا يتحتم ذلك عندهم، بل يجيزون القلب والإقرار الذي عليه أكثر العرب، وهذا القلب لا يختص بحالة النصب، والجر، بل يجوز في حالة الرفع، ومن دعاء بعض العرب: يا سيدي ومولى، وقرئ «يا بشرى هذا غلام» وهدى، وعصى، ومحيى، ومثوى، وروى؛ فإن كانت الألف للتثنية لم تقلب حالة الرفع، فأما في لغة من استعمل المثنى بالألف رفعًا ونصبًا وجرًا، فيحتاج في جواز قلبها على هذه اللغة إلى سماع.

وأما (لدى) و(على)، و(إلى)، فأكثر العرب يقلب ألفها وتدغم فتقول: لدي، وعلي، وإلي، وبعضهم لا يقلب فيقول (لداى، وعلاى، وإلاى).

وإذا أضيفت إلى الياء غير مثنى، ولا مجموع على حده، ولا منقوص ولا مقصور نحو غلامي، وغلماني، وهنداتي، وظبيي، وغزوي، وولي، وعدوي، جاز فتح الياء وإسكانها، فقيل الأصل الفتح، وقيل الأصل: الإسكان وحذف الياء في مثل هذه قليل ومنه «فبشر عباد الذين» فيمن حذفها وصلا ووقفًا، وربما قلبت الياء ألفًا والكسرة قبلها فتحة نحو قوله:

... ... ... ... ... = إلى وأما ويرويني النقيع

[ارتشاف الضرب: 4/ 1850]

يريد إلى أمي، فأجازه بعضهم، وفي النهاية: أجاز المازني في غير النداء إبدال ياء المتكلم ألفًا، فأجاز: قام غلاما ورأيت غلامًا ومررت بغلامًا يريد: غلامي حكاه ابن السراج في الأصول انتهى.

وقال ابن عصفور: وهذا في الضرورة: وربما استغنى بالفتحة عن الألف فتقول: جاء غلام، تريد: غلامًا أي غلامي، وأما (الضم) نحو: جاء غلام، وأنت تريد الإضافة، فأجازه أبو عمرو وغيره على قلة واستدلوا بقوله:

... ... ... ... ... = ... ... .... وإنما أهلكت مال

يريد: مالي، ورده أبو زيد الأنصاري، وتأول ما استدل به أبو عمرو، وأما في النداء، فأطلق النحاة فيه خمسة أوجه: فتح الياء: يا غلامي، وإسكانها نحو

[ارتشاف الضرب: 4/ 1851]

يا غلامي، وقلب الياء ألفًا نحو: يا غلاما، وحذف الياء والاجتراء بالكسرة عن الياء نحو: يا غلام، وحذفها وضم ما قبلها نحو: يا غلام تريد: يا غلامي، وقرئ: «قل: رب احكم» بضم الياء بعد حذف ياء المتكلم يريد: يا ربي حذف حرف النداء وياء المتكلم.

وأجاز الأخفش: والمازني، والفارسي، حذف الألف المنقلبة عن الياء والاجتراء بالفتحة عنها فتقول: يا غلام تريد: يا غلاما، وقاسوا ذلك، ومنعه الأكثرون، وتختلف رتبة هذه الأوجه في الفصاحة، فأفصحها: يا غلام ثم يا غلاما ثم يا غلامي ويا غلامي، وأقلها: يا غلام.

وقال الأستاذ أبو علي: وهذا إذا لم يلبس يعني بالمنادي المقبل عليه، وقال ابن هشام اللخمي: يا غلام أقبل لا يجوز على مذهب الجماعة، إنما أجاز سيبويه الضم، فيما يزاد فيه الإضافة فيما كثر حتى إذا صممته علم أن المراد فيه الإضافة، وقال خطاب الماردي: والخامسة قليلة رديئة وهي: يا غلام بحذف الياء وبضم الميم، وأنت تريد: يا غلامي، وهذا قبيح، لأنه يلتبس المضاف بغيره، كقولك: يا غلام، إذا أردت يا أيها الغلام، وهذه لغة ذكرها أبو القاسم الزجاجي في كتابه، ولم ينص عليها بالضم، ولكن بعض شيوخنا كان يرويه بالضم، وذلك لا يصح، والصواب: يا غلام بالفتح، فحذف الألف المنقلبة عن الياء، كما حذف الياء في يا غلامي، وهي قليلة. لأن الألف خفيفة والياء ثقيلة، فجاز حذف الياء، وقبح حذف الألف انتهى.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1852]

وقال ابن مالك في نحو: يا مكرمي مرادًا به الحال أو الاستقبال إضافته إضافة تخفيف، والياء في نية الانفصال فلا تحذف، ولا تقلب، ولاحظ لها في غير الفتح أو السكون، وهذا تقييد لما أطلقه النحويون، وإطلاقهم يقتضي جواز الحذف والاجتراء بالكسرة، والقلب إلى الألف، والحذف والبناء على الضم.

وفي المجالس لثعلب يا غلام أقبل تسقط الياء منه، ويا ضاربي أقبل لا تسقط الياء منه، وذلك فرق بين الاسم والفعل. انتهى.

وفي النهاية: من قال: يا غلام بضم الميم إنما يفعلون ذلك في الأسماء التي تغلب عليها الإضافة كقولك: يا رب ويا قوم، لأن هذا يضيفونه كثيرًا، كقوله تعالى: «ربنا أخرجنا» و «يا قومنا أجيبوا داعي الله»، فلما كانوا يضيفونه جعلوه معروفًا بالقصد، فبنوه على الضم، وهذه الضمة كهي في يا رجل إذا قصدت رجلاً بعينه، وقال أيضًا: اسم الفاعل المتعدي المضاف إلى ياء المتكلم إن كان ماضيًا، فإضافته محضة، فتجرى ياؤه مجرى يا غلامي في النداء فيجوز: يا ضارب في النداء، وإن كان حالاً أو مستقبلاً فلا يجوز حذف الياء في النداء، لأن الإضافة في نية الانفصال، فصارت الياء في التقدير اسمًا مستقبلاً فلا يجوز حذفها، وإذا أضفت ابنما وفمًا على لغة من أتبع حركة النون لحركة الميم وحركة الفاء لحركة الميم كسرت ما قبل الميم فتقول: جاء ابنمي ووضعته في فمي، ومن أجري غير ماض مجرى الصحيح، فقال غير ماض إلى أضاف إلى الياء لا تقول: ماضى، بل تقول: ماضي.

وإذا أضفت ما رفع وفيه الواو، ونصب وفيه الألف، وجرو فيه الياء إلى الياء فكحاله إذا أفردت عن الإضافة فتقول: أبي وأخي وحمي وهني، ومن أضاف ذو

[ارتشاف الضرب: 4/ 1853]

إلى الضمير فقياسه: ذي ويكون أصله: ذوى، وقالوا في فوك: في في الأحوال الثلاثة، ومن أثبت الميم فجعلها حرف الإعراب، أو جعله مقصورًا أضاف كنظيره فتقول: فمي بالتخفيف، وفمي بتشديد الميم، أو فماى، وقول من زعم أن ثبوت الميم مع الإضافة لا يجوز إلا في ضرورة الشعر ليس بصحيح، وأجاز الكوفيون أبي في (أبي) يبقون الواو ويدغمونها في ياء الإضافة، فتصير (أبي)، ولا يجيز ذلك البصريون إلا في الشعر، وقد تبع الكوفيون المبرد، وابن مالك، وزادا إجازة أخي في (أخي) قال ابن مالك ولم أجد شاهدًا على أخي لكن أجيزه قياسًا على أبي كما أجازه المبرد انتهى، وقد جمع أخ وأب بالواو والنون فإذا أضفت إلى الياء قلت: أبي وأخي.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1854]

باب المجزوم

أدوات الجزم حروف وأسماء، فمن الحروف، لام الطلب، وتشمل الأمر، والدعاء نحو قوله تعالى: «لينفق ذو سعة من سعه» و«ليقض علينا ربك» وأكثر النحاة يعبر عنها بلام الأمر، وحركتها الكسر، وفتحها عن الفراء لغة سليم، وعنه أيضًا تفتح بفتحة الفاء بعدها، فعلى هذا قيل: إن انكسر ما بعدها نحو: لتئذن، أو انضم نحو: لتكرم زيدًا، فلا تفتح، بل تكسر، وعنه أيضًا ما نص عليه في سورة النساء وهو قوله: وبنو سليم يفتحون اللام إذا استؤنفت فيقولون: ليقم زيد يجعلون اللام منصوبة في كل جهة كما نصبت تميم لام (كي)، إذ قالوا: جئت لآخذ حقي، يريد أنهم لا يفتحون إلا إذا لم يكن قبلها واو، أو فاء، أو ثم، ويجوز تسكينها مع ثلاثتها، وليس بضعيف، ولا قليل مع ثم، خلافًا لمن زعم ذلك، بل الأكثر التسكين مع الواو والفاء، وقال خطاب الماردي: إسكانها مع ثم في ضرورة الشعر، ولا يجوز في الكلام، وإن كان حمزة قد قرأ «ثم ليقطع» بسكون اللام؛ لأنه لم يكن له علم بالعربية انتهى.

وإذا أُسند الفعل إلى غير الفاعل المخاطب لزمت اللام نحو: ليقم زيد وليضرب خالد، ولتفن بحاجتي، ولأغن بها، وقال تعالى: «ولنحمل خطياكم» وفي الحديث «قوموا فلأصل لكم» وقال الشاعر:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1855]

وجدت أمن الناس قيس بن عثعث = فإياه فيما نالني فلأحمد

ودخولها على فعل المتكلم مفردًا، أو مشاركًا فيه قليل، والصحيح أنه لا يجوز حذف لام الأمر إلا في الشعر خلافًا، للمبرد، إذ منع ذلك أيضًا في الشعر وخلافًا للكسائي، إذ أجاز حذفها بعد الأمر بالقول كقوله تعالى: «قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة» أي ليقيموا الصلاة، وخلافًا لمن أجاز ذلك بعد قول غير أمر نحو: قلت لزيد يضرب عمرًا، أي ليضرب، فإذا كان مسندًا للفاعل المخاطب فلغتان: إحداهما قالوا: رديئة قليلة وهي إقرار تاء الخطاب واللام نحو: لتقم.

وزعم الزجاجي: أنها لغة جيدة، والثانية وهي اللغة الجيدة الفصيحة أن يكون عاريًا من حرف المضارعة، واللام، فإن كان ما بعد حروف المضارعة متحركًا أقر على حركته نحو: دحرج، وبع، وقم، وعد، وهب، وإن كان ساكنًا، وماضيه على وزن أفعل، فالأمر منه أفعل بقطع الهمزة، أو على غير وزنه اجتلبت له همزة الوصل مكسورة في غير الثلاثي، وفي الثلاثي الذي ثانيه مكسور أو مفتوح نحو: انطلق، واضرب، واركب، ومضمومة إن كان مضمومًا نحو: اقتل إلا إن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1856]

نقل إلى فاء الكلمة حركته، فتذهب الهمزة نحو: سل، وشذ إقرارها مع النقل نحو: اسئل وشذ في الكلام: خذ، وكل، ومر وتقدم الكلام عليها في التصريف في باب الحذف، وعلى الأمر إذا كان عاريًا عن اللام، أهو معرب، أو مبني في باب البناء، وعلى همزة الوصل ما أصلها، وما أصل حركتها في همزة الوصل ويلزم آخره ما يلزم المجزوم نحو: اضرب، واضربي، واضربا، واضربوا، واضربن، واغز، وارم، واخش.

ومن إبدال الهمزة في يقرأ ألفًا، وفي يوضؤ واوًا، وفي يقرئ ياء، فلك إثباتها نظرًا إلى أصلها فتقول: اقرا، واوضوا، واقرى، ولك حذفها نظرًا إلى ما آلت إليه فتقول: اقر، واوض، واقر.

ولا يجوز الفصل بين لام الأمر وما عملت فيه، لا بمعمول الفعل ولا بغيره، ويجوز تقديم معمول معمولها عليها إذا كان يجوز تقديمه على فعل الأمر العاري من اللام نحو: زيدًا ليضرب خالد، وفعل الأمر للمخاطب بغير لام إذا عطف فعل بعده ارتفع على الاستئناف نحو: اضرب زيدًا أو ليضرب، ويركب خالد، ويجوز في النثر جزمه عطفًا على توهم أن الأول باللام، ويجوز تقديم منصوبه عليه تقول: زيدًا اضرب، وقال قوم: تنصب زيدًا بفعل مضمر، ودليلهم دخول الفاء عليه فتقول: زيدًا فاضرب، وقالوا: الأمر والنهي لا يتقدم منصوبهما عليهما، لأن لهما الابتداء.

(لا): في الطلب يشمل النهي والدعاء نحو: لا تضرب زيدًا، و «ربنا لا تؤاخذنا» وهي أصل بنفسها خلافًا لمن زعم أن أصلها لام الأمر زيد عليها ألف، فانفتحت اللام لأجلها، وخلافًا للسهيلي، إذ زعم أنها (لا) التي للنفي،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1857]

وأن الجزم في الفعل بلام الأمر مضمرة قبلها، حذفت كراهة اجتماع لامين في اللفظ، وإذا بني الفعل للمفعول جاز دخول (لا) هذه عليه سواء أكان لمتكلم أو غائب أو مخاطب نحو: لا أخرج، ولا تخرج ولا يخرج زيد، وإذا بني لفاعل، فالأكثر أن يكون للمخاطب ويضعف للمتكلم نحو قوله:

لا أعرفن ربربا حورا مدامعها = ... ... ... ....

وللغائب نحو: لا يخرج زيد، ولا يفصل بين (لا) هذه ومعمولها إلا إن كان بالفضلة نحو: لا اليوم تضرب زيدًا، فقيل يجوز في قليل من الكلام، وقيل يختص بالضرورة، وقد يجوز بالنهي عن الفعل المقصود به في الحقيقة، إلى ما يلزمه نحو قولهم: «لا أرينك هنا».

واللام، ولا الطلبيتان يخلصان المضارع للاستقبال، وهل يجوز حذف الفعل بعد (لا) الطلبية في كلام ابن عصفور، وشيخنا أبي الحسن الأبذي ما يدل على جواز حذفه، إذ دل عليه الدليل، وتعبته (لا) قالا كقولك: اضرب زيدًا إن أساء، وإلا فلا «أي فلا تضربه» ويحتاج ذلك إلى سماع من العرب، والأمر لا يدل إلا على طلب إدخال الماهية في الوجود، لا على فور، ولا تكرار، والنهي يلزم منه العموم.

وصيغة الطلب تأتي لمعانٍ أخر بالقرينة نحو: الإذن، والتهديد، والتعجيز، والتأديب، والتسخير، والاستهزاء، والتكوين، وغير ذلك وليس ذلك على سبيل الاشتراك، خلافًا لمن زعم ذلك، بل على سبيل المجاز فلا يصار إلى ذلك إلا بقرينة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1858]

(لم ولما): وهي مركبة من لم، و(ما) عند الأكثرين، وبسيطة عند بعض النحاة، ومذهب سيبويه: أنهما يصرفان لفظا الماضي إلى المضارع دون معناه، ومذهب المبرد أنهما يصرفان معنى المضارع إلى الماضي دون لفظه، وتنفرد (لم) بمصاحبة أدوات الشرط نحو: إن لم تقم أقم، وهي موضوعة لمطلق الانتفاء فلا تدل على أن ذلك منقطع عن زمان الحال، ولا متصل به، بل قد تجيء في المنقطع نحو: قوله تعالى: «لم يكن شيئا مذكورا»، وفي المتصل نحو قوله تعالى: «ولم أكن بدعائك رب شقيا» وتنفرد (لما) بوجوب الاتصال للنفي بزمان الحال نحو: لما يقم زيد، يدل على انتفاء القيام إلى زمن الإخبار، ولذلك لا يحسن أن تقول: لما يقم زيد ثم قام بل تقول: لما يقم زيد، وقد يقوم أو لا يقوم، واختلف عبارة أصحابنا، فبعضهم يقول (لما) لنفي الماضي المتصل بزمان الحال، وبعضهم يقول لنفي الماضي القريب من زمان الحال، وقيل: كونها للماضي القريب من الحال ليس شرطًا بل غالبًا، فعلى هذا قد لا يكن للمتصل بالحال، ولا القريب منه، وقيل (لم) لنفي الماضي المنقطع، و(لما) لنفيه متصلاً بزمان الحال هذا المعنى الذي لهما بحق الأصالة، وقد توضع (لم) موضع (ما) فينفى بها الحال، وتنفرد لما أيضًا بجواز حذف مجزومها إذا دل على حذفه دليل نحو: قاربت المدينة ولما، تريد: ولما أدخلها، وهذا أحسن ما

[ارتشاف الضرب: 4/ 1859]

يخرج عليه قراءة من قرأ: «وإن كلا لما» خرجته على حذف الفعل المجزوم لدلالة قوله تعالى: «ليوفينهم ربك أعمالهم» أي لما ينقص من عمله ثم حكى عن أبي عمرو بن الحاجب تخريجه على حذف الفعل ثم وجدت تخريجه على حذف الفعل لمحمد بن مسعود الغزني قال في كتابه البديع: لما قد يحذف فعله لقيام الدليل نحو: جئت ولما، أي ولما تجيء، قال الله تعالى: «وإن كلا لما» «أي لما يوفوا» ثم استأنف فقال: «ليوفينهم» فحذف «يوفوا» لدلالة ما قبله عليه؛ لأن قبله «وإنهم لفي شك» وإنما جاز حذف فعله؛ لأنه يقوم بنفسه بسبب أنه مركب من (لم) و(ما)، وكأن، ما عوض من المحذوف. انتهى.

ويجوز ذلك في (لم) في الشعر نحو: «أحسن إليك وإن لم» تريد وإن لم تحسن، ولا يجوز الفصل بينها، وبين معمولها إلا في الشعر، وأجاز الفراء: لم إن تزرني أزرك، تجزم بلم، فتكون قد فصلت بين لم ومعمولها بالشرط، أو تجزم على جواب الشرط، ولا يصلح دخول الفاء عليه، وأبطل هشام هذا، وقياس (لما) على (لم) واضح، ولا يجوز لم يقم زيد، ولا يجلس عمرو وقال ابن عصفور: وهو من أقبح الضرائر فلا يقاس عليه في الشعر.

ويجوز تقديم معمول مجزومها الفضلة عليها نحو: زيدًا لم أضرب وعمرًا لما

[ارتشاف الضرب: 4/ 1860]

أضرب، وقد تلغى (لم) في الشعر فلا تجزم حملاً على (ما)، وقيل حملاً على (لا).

وحكى اللحياني عن بعض العرب أنه ينصب بـ(لم)، وقد تخرج على ذلك قراءة من قرأ: «ألم نشرح لك صدرك» بنصب الحاء، وتنفردان دون لام الطلب، ولا في الطلب بجواز دخول همزة الاستفهام عليها، وأكثر مع (لم) وتكون استفهامًا حقيقة عن الفعل المنفي بهما، فإذا قال: ألم يقم زيد، وألما يقم زيد، فمعناه السؤال عن انتفاء قيام زيد فيما مضى، والأكثر إذا دخلت عليهما أن يكون الاستفهام على سبيل التقرير، والتقرير هو التوقيف على ما يعلم المخاطب ثبوته، ولذلك الكلام معه موجب حتى إنه يعطف عليه صريح الموجب نحو قوله تعالى: «ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك» وهو تارة يخلص للتقرير، وتارة تنجر معه معان منها التذكير نحو قوله تعالى: «ألم يجدك يتيما فآوى» والتهديد والتخويف نحو قوله تعالى: «ألم نهلك الأولين» والإبطاء: «ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله»، والتنبيه «ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء»، والتعجب: «ألم تر إلى الذين تولوا قومًا غضب الله عليهم»، والتوبيخ: «أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر».

والواو والفاء المتوسطة بين الهمزة، ولم، ولما تعطف الجملة التي بعدها على الجملة التي قبل الهمزة، ولا يجوز تقديمها على الهمزة بخلاف غيرها من أدوات

[ارتشاف الضرب: 4/ 1861]

الاستفهام نحو: هل ومتى، تقول: وهل فمتى، وذهب الزمخشري في أحد قوليه إلى تقدير معطوف عليه بين الهمزة ولم، أو لما حذف وعطف عليه، وقدر في كل موضع ما يناسب فتقدر في: «أولم يسيروا» أمكثوا ولم يسيروا، وفي «أفلا تعقلون» أجهلوا فلا يعقلون.

وأدوات الشرط وهي كلم وضعت لتعليق جملة بجملة، وتكون الأولى سببًا، والثانية متسببًا، ولذلك عند جمهور أصحابنا لا تكون إلا في المستقبل، وهذه الكلم حرف، واسم، الحرف: (إن) و (إذ ما) في مذهب سيبويه، خلافًا للمبرد في أحد قوليه، وابن السراج، والفارسي في زعمهم أن (إذ ما) اسم ظرف زمان، و(إن) أم الأدوات، ولا تشعر بزمان يكون فيه توقف حصول الجزاء على حصول الشرط من لفظها، و(إذ ما) على مذهب سيبويه كذلك، ويجزم بها في الكلام، خلافًا لمن خص ذلك بالشعر وجعلها كـ(إذا) معناها كـ (معناها).

[ارتشاف الضرب: 4/ 1862]

ولا تحمل (إن) على (لو)، فيرتفع ما بعدها خلافًا لزاعم ذلك، وإثبات ما أثر في الحديث يمكن تأويله، والاسم ظرف، وغير ظرف، فغير الظرف: من وما، ومهما، فـ(من) لتعميم أولي العلم من ملك، وإنسان، وشيطان، و(ما) دالة على الإبهام، وتعم، وكلاهما مبهمة في أزمان الربط، و(مهما) بمعنى (ما)، فقيل إنها بسيطة، ووزنها: فعلى وألفها إما للتأنيث: وإما للإلحاق وزوال التنوين للتأنيث، ويختار فيها البساطة.

وقال الخليل: هي مركبة من (ما) و(ما) الأولى التي للجزاء والثانية التي تزاد بعد الجزاء استقبحوا التكرير، فأبدلوا من الألف الأولى هاء، وجعلوها كالشيء الواحد، وذهب الأخفش، والزجاج، والبغداديون إلى أنها مركبة من (مه) بمعنى اسكت، وما الشرطية قالوا: وقد تستعمل (مه) مع (من) التي هي شرط، وأجاز سيبويه أن تكون (مه) أضيف إليها (ما)، ولا يجوز إلا على أن تكون (ما) شرطية، ولا تخرج عن الاسمية خلافًا لمن زعم أنها تكون حرفًا بمعنى (إن) ذكر ذلك خطاب، والسهيلي، إذ زعم أنها تكون حرفًا، ولا تخرج عن الشرطية خلافًا لمن زعم أنها قد تكون استفهامًا مستدلاً بقوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1863]

مهما لي الليلة مهما ليه = ... ... ....

ولا دليل فيه لاحتمال أن تكون (مه) بمعنى انكفف، وما هي الاستفهامية، وانفردت (مهما) من (من وما)، بأنها لا يدخل عليها حرف الجر، ولا يضاف إليها فلا تقول: على مهما تكن أكن، ولا جهة مهما تقصد أقصد.

وقد وهم ابن عصفور، فزعم أنه يدخل عليها حرف الجر، ولا تقع (ما) ولا (مهما) ظرفي زمان، خلافًا لزاعم ذلك، وذكر أبو العباس محمد الحلواني أن من الجوازم (مهمن)، وقال قطرب لم يحمل الجزم بها عن فصيح.

والظرف ظرف زمان، وظرف مكان، فظرف الزمان متى وأيان، أما (متى) فلتعميم الأزمنة، ولا تفارق الظرفية فتكون شرطًا نحو: متى تقم أقم، ولا تهمل حملاً على إذا، خلافًا لزاعم ذلك، واستفهامًا نحو: متى القيام فتكون خبرًا، ويليها الماضي والمستقبل، قال المبرد: متى وأين يكون جوابهما معرفة ونكرة، وكيف لا يكون جوابها إلا نكرة، انتهى.

ولا تجيء بعد (متى) (ما) إلا في الشرط، فيجوز: متى ما تقم أقم، وزعم الكوفيون أنها تكون بمعنى وسط في لغة هذيل تقول: جعلته في متى الكيس «أي في وسطه»، وزعموا أيضًا أنها تكون حرف جر بمعنى من: أخرجه متى كمه أي من كمه، ولا يعرف ذلك البصريون، وقد تقدم الكلام على ذلك في حروف

[ارتشاف الضرب: 4/ 1864]

الجر، و(أيان): لتعميم الأوقات كـ(متى)، وقيل تستعمل في الأزمنة التي تقع فيها الأمور العظام، والجزم بها محفوظ، خلافًا لمن زعم أن الجزم بها غير محفوظ، ولم يحفظ سيبويه الجزم بها، لكن حفظه أصحابه، وسليم تكسر همزتها فتقول: إيان، وتكون استفهامًا، فتقع خبرًا نحو قوله تعالى: «أيان مرساها»، ويستفهم بها عن المستقبل لا عن الماضي كقوله: «وما يشعرون أيان يبعثون».

وأما (إذا) فتقدم الكلام عليها في باب الظرف، ونحن نذكر هنا مزيدًا فنقول: إذا ظرف زمان فيه معنى الشرط غالبًا، قيل: واتفقوا على أنه للاستقبال، وزعم بعضهم أنه يكون للحال، وجعل منه قوله تعالى: «والنجم إذا هوى» وأصلها أن لا تكون شرطًا، إذ الشرط في لسان العرب ما يمكن وقوعه غالبًا، وإذا في الغالب تدل على المعلوم وقوعه، ومع دلالتها على الظرفية تدل على ارتباط إحدى الجملتين بالأخرى.

وقيل بل حصول الفعلين بحسب الاتفاق لا بحسب الارتباط؛ إذ لو لوحظ فيها معنى الشرط جيء بالفاء نحو قوله تعالى: «وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا»، ولا يجوز إن يقم زيد ما ضربته، والفرق

[ارتشاف الضرب: 4/ 1865]

بين (إن)، و(إذا) أن (إن) لا تدل على الزمان بحسب الوضع، بل بحسب الالتزام لكن قد يقصد بها الزمان مجازًا، وعلى ضعف تقول: «إن احمر البسر فائتني».

و(إن) إنما تدخل على المشكوك، أو المعلوم المبهم زمانه كقوله تعالى: «أفإين مت فهم الخالدون»، ولا يلزم في (إذا) اتفاق الفعلين في وقوع زمانهما بخلاف (متى) تقول: إذا زرتني اليوم أزورك غدًا، ولا يجوز: متى زرتني اليوم أزورك غدًا، وإذا استعملت (إذا) شرطًا، فالجمهور على أنها مضافة للجملة بعدها، وضمنت الربط بين ما يضاف إليه وغيره، والعامل فيها جواب الشرط، والمنصور أنها ليست مضاف إليها، والعامل فيها الفعل الذي يليها.

والمشهور أنه لا يجزم بها إذ ذاك إلا في الشعر لا في قليل من الكلام، ولا في الكلام إذا زيد بعدها (ما) خلافًا لزاعم ذلك، ولا تقتضي العموم فليست كأسماء الشرط، وقيل تقتضيه، فهي مثل كلما تقتضي التكرار، و(إذا) لا تجيء زائدة خلافًا لأبي عبيدة.

وظرف المكان (أين وحيثما)، وهما لتعميم الأمكنة، ولا يخرجان

[ارتشاف الضرب: 4/ 1866]

عن الظرفية، وتكون (أين) شرطًا، واستفهامًا، ولا تكون (حيثما) إلا شرطًا، و(أنى) تكون شرطًا، وذكرها الثاني في ظروف المكان للعموم بمعنى (متى)، وبمعنى (أين)، وقيل لتعميم الأحوال، وتكون أيضًا استفهامًا بمعنى: متى، ومعنى (كيف) وبمعنى (أين).

وقال الفراء: (أنى) مشاكلة لمعنى (أين)، إلا أن (أين) للمواضع خاصة، وتصلح لغير ذلك، فإن قال قائل: «أنى لك هذا» فكأنه قال: من أي الوجوه، ومن أي المذاهب أصبته، وقد فرق بينهما الكميت قال:

تذكر من أني ومن أين شربه = ... ... ... ... ...

وفي (أنى) معنى يزيد على (أين)، فـ (أين) لك هذا يقصر عن أنى لك هذا، لأن المعنى: من أين لك هذا، فهو بمعناه مع حرف الجزاء، ألا ترى أنها أجابت «هو من عند الله» ولو قالت: هو عند الله، لم يفد ذلك المعنى، وجواب أين لك هذا غير جواب (أنى) لك هاذ انتهى من الغرة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1867]

وأما (أي) فبحسب ما تضاف إليه، إن أضيفت إلى ظرف مكان كانت ظرف مكان نحو: أي جهة تجلس؟ أجلس معك، أو إلى ظرف زمان كانت ظرف زمان، أو إلى مفعول كانت مفعولاً، أو إلى مصدر كانت مصدرًا، وهي لتعميم أوصاف الشيء، والأوصاف مشتركة فلذلك يلزم أن تضاف لفظًا أو معنى إلى الموصوف.

والجمهور على أنه لا يجزم بكيف، خلافًا للكوفيين، وقطرب و(كيف) تكون استفهامًا، و(متى) لتعميم الأحوال، وإذا تعلقت بجملتين فقالوا: تكون للمجازاة من حيث المعنى لا من حيث العمل، وقصرت على أدوات الشرط، بكونها لا يكون الفعلان معها إلا متفقين نحو: كيف تجلس أجلس ومع الأدوات قد يكون الفعلان متفقين نحو: متى تجلس أجلس، ومختلفين نحو: متى تجلس أركب، وسيبويه يقول: يجازي بـ(كيف)، والخليل: يقول: الجزاء بها مستكرة، وكثير من النحاة منعوا الجزاء بها، والمسبب عن صلة الذي: أجاز الكوفيون جزمه نحو: كل رجل يأتيني أكرمه، وكذا لو دخل على هذه النكرة (أن)، وما ورد من ذلك حمله البصريون على الضرورة.

وأدوات الشرط تقتضي جملتين تسمى أولاهما شرطًا والثانية جزاء وجوابًا:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1868]

والأولى مصدرة بمضارع غير دعاء مثبت أو منفي بـ(لا)، أو بـ(لم) أو بماضٍ عارٍ من قد، ومن حرف نفي، ومن جمود، ومن دعاء.

وأكثر ما يكون فعل الشرط ظاهرًا، وقد يكون مضمرًا قبل معموله مفسرًا بفعل من جنس المضمر نحو: «وإن أحد من المشركين استجارك»، التقدير: وإن استجارك أحد من المشركين استجارك، وقد يفسر من المعنى نحو: ما قد رووا في «إن خير فخير»، أي إن وقع خير فالجزاء خير، ويشذ كونه مضارعًا غير مصحوب بلم نحو: إن زيد يقم أقم معه.

ووقع في كتاب سيبويه ما يدل على جواز مثل هذا، لكنهم حملوه على الجواز في الشعر، ولا يتقدم الاسم إلا في (إن)، فيجوز بشرط مضى فعل الشرط، وكونه مصحوبًا بـ(لم)، ووافقنا على ذلك الكسائي، وفي نقل وافقنا عليه الفراء.

وأجاز الكسائي تقديمه على فعل الشرط بعد (من) وأخواته نحو: من زيد يضربه أضربه، وأجاز الكسائي إضمار (كان) بعد (من)، ومنعه الفراء.

ومن الكوفيين من منع ذلك في المرفوع، وأجازه في المنصوب والمجرور نحو: من زيدًا يضرب أضربه، ومن بزيد يمرر أكرمه، ومنهم من قال: لا يجوز تقديم المرفوع إلا فيما لا يمكن من أسماء الشرط أن يعود عليه مضمر نحو: متى، وأما ما يمكن فلا يجوز تقديم الاسم لا تقول: من هو يضرب زيدًا أضربه، ويجوز متى زيد يقم أقم معه، وهذا مذهب أبي علي صاحب المهذب.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1869]

وأجاز الكسائي الفصل بين (من) والفعل بالعطف على من، وبالتأكيد ومنع ذلك الفراء، وهو الذي تقتضيه قواعد البصريين، وإذا ولى الأداة اسم مرفوع، فهو على إضمار الفعل يفسره الفعل بعده من لفظه كما تقدم، أو من معنى الكلام نحو:

لا تجزعي إن منفس أهلكته = ... ... ... ... ...

تقديره: إن هلك منفس، وأجاز الكسائي ارتفاعه على الابتداء، والجملة في موضع جزمكما كان ذلك في جملة الجزاء، وذكره سيبويه بشرط أن يكون الخبر فعلاً فأما قوله:

فإن أنت لم ينفعك ... ... = ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1870]

فقيل: أنت مبتدأ، وقيل فاعل بفعل محذوف يفسره المعنى، تقديره: فإن هلكت، لما حذف الفعل انفصل الضمير، وقال السهيلي: أنت في موضع نصب، وهو مما وضع فيه ضمير الرفع موضع ضمير النصب كما قالوا: لم يضربني إلا إياه، وضعوا المنصوب موضع المرفوع.

وجملة الجزاء إن صدرت بجملة اسمية لزمتها الفاء، أو إذا الفجائية نحو: إن زارنا زيد، فنحن نزوره، وقال تعالى: «وإن تصبهم سيئه بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون» و «وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون».

والسماع في الربط بـ (إذا)، ورد في (إن) من أدوات الشرط الجازمة، والنصوص متضافرة على الربط بـ(إذا) في الجملة الاسمية مطلقًا مع أدوات الشرط، وكذا جاء جواب إذا بإذا الفجائية، وذهب محمد بن مسعود إلى أنه لا يربط بـ(إذا)، وأن ما ورد من ذلك إنما هو على حذف الفاء أي فإذا هم يقنطون. انتهى.

وشرط الجملة الاسمية الداخلة عليها (إذا)، أن لا تكون طلبية، فلا يجوز إن عصى زيد إذا ويل له، وتقول: فويل له، ولا إن أطاع إذا سلام عليه، وتقول: فسلام عليه، وأن لا يدخل عليها أداة نفي، فلا يجوز: إن قام زيد إذا [ما] قام عمرو قائم، ويجوز: فما عمرو قائم، وأن لا تدخل (إن) على ما كانت جملة اسمية، فلا يجوز: إن قام زيد إذا إن عمرًا قائم، ويجوز: إن قام زيد فإن عمرًا قائم.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1871]

وإن كانت (إذا) تدخل على (إن) في غير الشرط، ولا يجوز أن يجمع بين الفاء، وإذا في الشرط، وإن كن جائزًا في غيره نحو: خرجت فإذا الأسد، وكون (إذا) تربط جملة الجواب بجملة الشرط هو مذهب الخليل وسيبويه، وزعم الأخفش أن ذلك هو على حذف الفاء، والفاء هي التي تربط، ولا يجوز حذف الفاء من الجملة الاسمية عند سيبويه إلا في الشعر، وأجاز المبرد حذفها في الكلام، وجاء حذفها، وحذف المبتدأ في الشعر نحو قوله

... ... .... = ... ... ... ... من ينكع العنز ظالم

فهو ظالم، وفي محفوظي قديمًا أن المبرد منع من حذف الفاء في الضرورة، وأنه زعم في البيت الذي استدل به على جواز حذف الفاء، وهو قوله:

من يفعل الحسنات الله يشكرها = ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1872]

إن الرواية «فالرحمن يشكرها»، وإن صدرت بجملة غير اسمية، فإن كان صدرها يصلح لدخول أداة الشرط عليه انجزم، إن كان مضارعًا ورفعه ضرورة.

وقال ابن الأنباري في: إن تزرني أزرك: الاختيار الجزم، وإنما يحسن الرفع إذا تقدم ما يطلب الجواب قبل (إن) كقولهم: طعامك إن تزرنا نأكل، تقديره: طعامك نأكل إن تزرنا، وقال الفراء: وأجابوا الشرط بالفاء، وقالوا: إن تزرنا فأزورك، واستغنى عن الفاء إن كان ماضيًا، وإن لم يصلح لزمته الفاء، وموضع ذلك أن يكون الفعل جامدًا كقوله تعالى: «إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربي»، أو طلبًا كقوله تعالى: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله».

[ارتشاف الضرب: 4/ 1873]

والطلب يشمل الأمر، والنهي، والتخصيص، والعرض، والدعاء، والاستفهام أو شرطًا، نحو: إن تأتني فإن تحدثني أكرمك، أو ماضيًا مقرونًا بـ(قد) لفظًا كقوله تعالى: «إن يسرق فقد سرق أخ له» أو تقديرًا نحو: «إن كان قميصه قد من قبل فصدقت»، وفي التحقيق ليس هذا جواب الشرط، أو منفيًا بغير (لا) و (لم) نحو: إن قام زيد فما يقوم عمرو، أو قلت: يقوم عمرو، أو مضارعًا مصحوبًا بـ(قد) نحو: إن يقم زيد فقد يقوم عمرو، أو بحرف تنفيس نحو قوله تعالى: «من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه» أو تعجبًا نحو: إن أحسنت إلي فما أحسنك، أو قسمًا نحو: إن تلزمني فوالله لأكرمنك، أو مصدرًا برب نحو قوله:

فإن أمس مكروبًا فيا رب قينة

أو بنداء نحو: إن أتاك راج فيا أخا الكرم لا تهنه، وفي التقدير: هي داخلة على جملة الطلب، وفصل بينهما بالنداء، فإن جاء من هذه محذوف الفاء، فبابه على الضرورة.

وزعم بعض النحاة أنه يجوز حذفها في حال السعة إذا كان فعل الشرط ماضيًا في اللفظ حملاً على: إن آتيتني آتيك، وجعل من ذلك قوله تعالى: «وإن أطعتموهم إنكم لمشركون»، وزعم أن هذه الفاء اللاحقة هي فاء السبب الكائنة في الإيجاب نحو: قولك يقوم زيد، فيقوم عمرو، فكما يربط بها عند التحقيق يربط بها عند التقدير، وزعم بعضهم أنها عاطفة جملة على جملة، فلم تخرج عن العطف، وإذا رفع المضارع الواقع جوابًا للشرط المضارع فعله غير الداخل عليه (لم)، فإن كان قبله ما يمكن أن يطلبه نحو قوله (الرجز)

إنك إن يصرع أخوك تصرع

[ارتشاف الضرب: 4/ 1874]

أو لم يكن نحو: إن تأتيني آتيك، فالأولى عند سيبويه في الأولى أن تكون على التقديم، والتأخير، وفي الثانية أن يكون على حذف الفاء أي فآتيك، وجوز العكس سيبويه، وقال المبرد: هما على حذف الفاء فيهما.

وقيل: إن كانت الأداة اسم شرط بالمضارع المرفوع على إضمار الفاء فإن كانت غير اسم شرط، فعلى التقديم والتأخير، وإذا تقدمت الهمزة على أداة الشرط الذي فعله، وفعل جزائه مضارعان نحو: أإن تأتني آتك؟ فكما لو لم تدخل الهمزة، وذهب يونس إلى أنه يبنى على أداة الاستفهام، وينوي به التقديم، إن تأتني آتيك، ولا يجوز عنده جزمهما، ولا أن يجزم الأول ويرفع الثاني نحو: إن تأتني آتيك إلا في الشعر.

فلو كان الحرف (هل)، فالقياس جريان الخلاف كالهمزة، وأجاز الفراء في الثاني الجزم والرفع نحو: هل إن ترزني أزرك وأزورك؟ وأجاز الكسائي دخول الفاء

[ارتشاف الضرب: 4/ 1875]

فتقول: فأزورك، فإن تقدم (ما) على (إن)، فأجاز الفراء فيه الجزم والرفع نحو: ما إن تزرني أزورك وأزرك، وأبطل الفراء دخول الفاء في الفعل إذا تقدمت (ما)، بخلاف (هل)، وحكم (لا) النافية حكم (ما) في هذه المسألة.

وإذا كن فعل الشرط ماضيًا، وفعل الجزاء مضارعًا نحو: إن قام زيد يقوم عمرو، فجزمه فصيح، وزعم بعضهم أنه لا يجيء في الكلام الفصيح إلا مع كان. وظاهر كلام سيبويه، ونصوص الجماعة على أن ذلك لا يختص (بكان)، وأما (رفعه) فذهب بعض أصحابنا إلى أنه أحسن من الجزم، ونصوص الأئمة على جواز مجيئه في الكلام، خلافًا لبعض من عاصرناه، فإنه قال: لا أعلمه جاء في الكلام وإذا جاء، فقياسه الجزم، لأنه أصل العمل تقدم أو تأخر.

واختلف المتقدمون في تخريجه، فذهب سيبويه إلى أنه على التقديم والتأخير، وجواب الشرط محذوف، وذهب الكوفيون والمبرد إلى أنه على حذف الفاء، وهو الجواب، وذهب غير هؤلاء إلى أنه وهو الجواب، وليس على حذف الفاء، ولا على نية التقديم، وإذا قرن المضارع بالفاء، ارتفع على إضمار مبتدأ، فإن تقدمه ما يعود عليه فهو كقوله تعالى: «ومن عاد فينتقم الله منه» أي فهو ينتقم منه وكقوله تعالى: «فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا» أي فهو لا يخاف.

وسواء أكان فعل الشرط ماضيًا أم مضارعًا، وإن لم يتقدمه ما يعود عليه كان المحذوف ضمير الأمر نحو: إن قام زيد فيقوم عمرو أي: فهو أي الأمر والشأن يقوم

[ارتشاف الضرب: 4/ 1876]

عمرو، ومنه قوله تعالى: «أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى» في قراءة من كسر همزة (إن)، ورفع (فتذكر) أي فهو أي الأمر والشأن تذكر، وقال الفراء: وأجابوا الشرط بالفاء فقالوا: إن تزرني فأزورك، ليدلوا على اتصال الجواب بالأول، وإن كان ينجزم بالإتباع له انتهى.

ولو قيل ربط الجملة الشرطة بالمضارع له طريقان أحدهما بجزمه، والآخر بالفاء ورفعه لكان قولاً، وقد قررناه في الشرح، فينظر هناك، وذكر بعض أصحابنا الاتفاق على أن: أداة الشرط عاملة الجزم في فعل الشرط، وشذ المازني، فعنه في قول إنه مبني هو، وفعل الجزاء، وعنه في قول إنه معرب وفعل الجزاء مبني.

والمختار أن الأداة هي الجازمة لفعل الجواب، وهو مذهب المحققين من البصريين، وعزاه السيرافي إلى سيبويه، وذهب الأخفش إلى أنه مجزوم بفعل الشرط، وقيل الجزم بالأداة وفعل الشرط معًا، ونسب هذا إلى سيبويه، والخليل والأخفش، وذهب الكوفيون إلى أنه انجزم على الجوار كما ينجر الاسم على الجوار، وإذا كان لفعل الشرط معمول غير مرفوع نحو: إن تضرب زيدًا أضربه

[ارتشاف الضرب: 4/ 1877]

فلا يجوز تقدمه على الأداة فلا تقول: زيدًا إن تضرب أضربه، ولا: خيرًا متى تفعل تثب عليه: هذا مذهب البصريين والفراء.

وأما معمول فعل الجواب فلا يتقدم على الأدلة قيل باتفاق، فلا يجوز: خيرًا إن تزرنا تصب، فإن رفعت الفعل فقلت: خيرًا إن تزرنا تصيب، جاز ذلك، ومذهب الأخفش يقتضي جواز ذلك؛ لأنه يجيز تقديم الجواب على الشرط، ويتقدم على الجواب المجزوم ويفسر، وإن كان طالب رفع نحو: إن تزرنا خيرًا تصب، وإن تأتنا زيدًا تضربه، وإن تفعل زيد يفعل، تقديره: يفعل زيد يفعل، ففسر فعل الجواب المجزوم رافعًا لزيد هذا مذهب سيبويه.

واختلف النقل عن الفراء، فعنه في المسألة الأولى المنع مطلقًا إلا إن كان فعل الجواب مرفوعًا، فيجوز على التقديم، أو على حذف الفاء، وقيل عنه إن كان المعمول مجرورًا جاز تقديمه على الجواب، وإن كان صريحًا لم يجز، وأجاز الكسائي تقديمه عليه كائنًا ما كان، وأما المسألة الثانية، فأجازها سيبويه ومنعها الكسائي والفراء.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1878]

فصل

مذهب البصريين أن أداة الشرط لها صدر الكلام، ولذلك لا يجيزون تقديم شيء من معمولات فعل الشرط، ولا فعل الجواب عليها، وإنما تقع مستأنفة أو مبنية على ذي خبر ونحوه، ومذهب جمهور البصريين أنه لا يجوز تقديم الجواب على الشرط، ومذهب الكوفيين، وأبي زيد، والأخفش، والمبرد جواز ذلك، ومذهب المازني أنه إن كان ماضيًا فلا يجوز تقديمه نحو: قمت إن قام زيد، وقمت إن يقم زيد.

وإن كان مضارعًا جاز نحو: أقوم إن قام زيد، وأقوم إن يقم زيد، ومذهب بعض البصريين أنه يجوز إن كان فعل الشرط ماضيًا نحو: أقوم إن قمت، أو كانا معا ماضيين نحو: قمت إن قمت، وثمرة الخلاف تظهر في صور من التركيب.

وإذا فرعنا على مذهب جمهور البصريين، فإن تقدم ما يشبه الجواب كان دليلاً على حذف الجواب، ويلزم غذ ذاك أن يكون فعل الشرط ماضي اللفظ، أو مقرونًا بـ(لم)، ولا يكون مضارعًا بغير (لم) إلا في الشعر، وأجاز الكوفيون سوى الفراء حذف جواب الشرط، وفعل الشرط مستقبل قياسًا على المعنى، فأجازوا:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1879]

أنت ظالم إن تفعل، وإذا كان غير ماض مع (ما) أو من، أو (أي) صرن موصولات في سعة الكلام، ولها ما للموصولات من جواز تقديم العامل فيها، وحكم الضمير، وشروط الصلة، وأما في الشعر فيجوز الجزم نحو: آتي من يأتني، في مذهب سيبويه، ومنعه عامة الكوفيين، وكذا باقي الأدوات الاسمية، ولا خلاف في جواز: أتيتك إن تأتني على قبح.

وإذا أُضيف إلى (من وما وأي) ظرف زمان، صارت موصولات عند سيبويه، والجرمي، والمازني إلا في الشعر، فيجوز أن يبقى اسم شرط، وأجاز أبو إسحاق الزيادي ذلك في الكلام نحو: أتذكر إذ من يأتنا نأته، ويتعين وصلهن بعد (ما) النافية نحو: ما من يأتينا نعطيه، لا بعد (لا)، فيجوز أن يكون شرطًا، وبعد (هل) نحو: هل من يأتينا نأتيه، لا بعد الهمزة فيجوز أن يكون شرطًا نحو: أمن يأتينا نأته خلافًا ليونس، وقد تقدم، فإن تقدم عليهن كان وأخواتها جاز الوصل نحو: كان من يأتينا نأته، والشرط فيجزم، وهو على إضمار مبتدأ وهو ضمير الأمر أو (إن) فالوصل ولا يجوز الجزم إلا في الشعر، ويكون اسم (إن) ضمير الشن محذوفًا، أو لكن المخففة، أو إذا المفاجأة

[ارتشاف الضرب: 4/ 1880]

فالوصل وهو أحسن نحو: لكن من يزورني أزوره، ومررت بزيد فإذا من يأتيه يحسن إليه، ويجوز الشرط على إضمار المبتدأ جملة الشرط خبره.

وهذا عقد في الوصل والشرط، فالداخل عليه هذه الأداة عامل معنوي، فيجوز أن يكون الاسم موصولاً، واسم شرط مبتدأ خبره جملة الشرط لا هي وجملة الجزاء معًا، خلافًا لبعضهم: أو لفظي عامل في الجمل مما لا يعقل نحو: كان وأخواتها، و(ما) الحجازية ولا العاملة تعين الوصل إلا فيما صح فيه إضمار الشأن فيجوز الوصل، ولا يكون في أفعال المقاربة، وقيل يجوز في عسى، أو مما يعلق كـ(ظننت)، وأعملتها في الأول جاز نحو: ظننت زيدًا من يأتيه يعطيه، ومن يأته يكرمه، أو لم تعملها فيه، فالظاهر من قول المبرد أنه لا يجوز الشرط، ومن نقل غيره أنه يجوز، ويعلق عنها، أو في غير عامل في الجملة الابتدائية فعلا فلا يصح دخوله، أو حرفًا عاملاً في الأفعال، فلا يصح دخوله لا على حرف الشرط، ولا على اسمه، ولا إن كان موصولاً، أو عاملاً في الأسماء كحروف الجر: فإن تعلقت بفعل أجنبي عن الشرط والجزاء رجعت إلى الأصل نحو: أتصدق على من يسأل وأدعوا من يسمع فيجيب، فإذا كان المجرور في موضع خبر محذوف، فمن جعل العامل فعلاً، أو اسم فاعل، منع الشرط، ومن جعله نفس الخبر أجاز نحو: زيد في أي مكان تكون يكون، أو في مكان يكن تكن.

وإن تعلق بالجزاء بطل الشرط نحو: بمن تمر به أمر، أو بفعل الشرط جاز بقاء الشرط، فإن شغلت كلا من الفعلين بضمير نحو: بمن تمرر أمرر به

[ارتشاف الضرب: 4/ 1881]

فالوصل والشرط، ولا بد لحرف الشرط الداخل على اسم الشرط إذ ذاك من إضمار، فمن إضمار فعل يتعلق به التقدير: بمن تمرر به أمرر به.

وإن حذفت الضمير منها تعلق بأحدهما، فإن كان بالفعل الذي يليه فالجزم أو بالفعل المقدر جزاءً فالوصل، وحذفه من هذا ضعيف، ويضعف إن اختلف نحو: بمن تمر اترك، وكحرف الجر الاسم الذي يضاف إلى اسم الشرط، فإن عمل فيه الجزاء رفعت أو الشرط جزمت أو غير ذلك فلا بد أن تكون جملة، فإن شاركت الشرط في معناه فلا يدخل على جملة الشرط كـ(إذ)، و(لما) و(لو)، و(إن)، وإن لم تشارك وشأنه أن يغير لفظ ما تدخل عليه إلى لفظ آخر كالنهي، واعتمد عليه صرف جواب الشرط إلى نفسه، أو معتمدًا على غيره، فالشرط على ما كان عليه، أو شأنه أن لا يغير، وهو مخصوص ببعض الجمل أو أكثرها نحو: المختص بالجمل الابتدائية. كـ(أن وأخواتها) إذا كفت، ولام الابتداء ولكن الخفيفة، وما التميمية، وأما، ولولا، والظروف المضافة إلى الجمل نحو: إذ، وإذا، وحيث، ونحو المختصة بالفعلية كالظروف غير اللازمة للإضافة إذا أضيفت نحو: حين، ويؤم، ونحوه.

فالمختصة بالاسمية الوجه أن لا تدخل عليها، فإن دخلت كانت موصولة، ويصير الفعل إلى الصلة، وأجاز المبرد في هذا كله أن تدخل على الشرط، وقد أجازه سيبويه على ضعف، وأحسن ما يجوز ذلك فيه في الأسماء المبتدأة، ثم يحمل عليه (إن)، فإن كان مما يجوز الإضمار بعده مبتدأ جاز الشرط مطلقًا، والمضاف إلى الفعلية بمنزلة ما تقدم، ويجوز فيه ما جاز في تلك على ضعف، وغير المخصوص دخوله عليه، وذلك أفعال نحو: قال، وسمع، وجميع أفعال الحكاية، وحروف كالحروف العاطفة، وكحرف الاستفهام، وهو الألف وحده، أما أسماء ولا، فلا تدخل على الشرط، وتقدم خلاف يونس في الهمزة إذا دخلت على الشرط، وبمنزلة ألف الاستفهام في هذا لا غير العاملة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1882]

وأما (ما) التميمية، فجوزها المبرد، وأبو علي، وأما الحجازية إذا ألغيت بسبب أن، فينبغي أن لا تدخل؛ لأنها عاملة لولا أن فهي (كأن).

ويجوز حذف جواب الشرط لقرينة نحو: قوله تعالى: «وإن كان كبر عليك إعراضهم» الآية تقديره: فافعل، و«أئن ذكرتم» أي تطيرتم، ويكثر حذفه إذا دخل عليه ما ينوب منابه، كجواب القسم، وكـ(تقديم) ما يدل عليه نحو قولك: أنت ظالم إن فعلت، ويجوز حذف الشرط لدلالة المعنى مثبتًا نحو: إن خيرًا فخير، ومنفيًا بلا نحو:

... ... ... ... = وإلا يعل مفرقك الحسام

تقديره: وإلا تطلقها، وحذف فعل الجواب، وحذف فعل الشرط، لا أحفظه إلا في (إن) وحدها، وقول ابن عصفور، وشيخنا أبي الحسن الأبذي: أنه لا يجوز حذف فعل الشرط في الكلام إلا بشرط تعويض (لا) من الفعل المحذوف، ليس بشيء.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1883]

وأما حذف فعل الشرط، وفعل الجزاء معًا، وإبقاء (إن). فقيل هو مختص بالضرورة، وقال ابن الأنباري: وإنما صارت أم الجزاء؛ لأنها بغلبتها عليه تنفرد، وتؤدي عن الفعلين فيقول الرجل: لا أقصد فلانًا، لأنه لا يعرف حق من يقصده فتقول له: زره وإن، يراد: وإن كان كذلك فزره، فتكفي (إن) من الشيئين، ولا يعرف ذلك في غيرها من حروف الشرط، انتهى.

وقال بعض أصحابنا يقال: أتفعل هذا، فتقول: أنا أفعله، وإن أي: وإن لم تفعله، أفعله، ولا يجوز حذف أدوات الشرط لا إن ولا غيرها، وقد جوز ذلك بعضهم في إن قال: ويرتفع الفعل بحذفها صفة أو تقدرها لا تعمل، مثاله صفة قوله تعالى: «أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصبتكم مصيبة الموت تحبسونهما» ومثاله مقدرة لا تعمل قوله

وإنسان عيني يحسر الماء تارة = ... ... ...

أي إن يحسر الماء، وهذا قول ضعيف، ولا تبنى القواعد الكلية بالمحتملات البعيدة الخارجة عن الأقيسة، وقال ابن مالك: وقد يسد مسد الجواب خبر ما قبل الشرط، قال كقوله تعالى: «وإنا إن شاء الله لمهتدون» انتهى.

وليس الخبر سادًا مسد الجواب، بل الجواب محذوف، وإذا توالى شرطان فصاعدًا بغير عاطف، فالجواب للسابق، ويحذف جواب المتأخر لدلالة جواب

[ارتشاف الضرب: 4/ 1884]

المتقدم عليه، ويكون ما حذف جوابه بصيغة الماضي في الفصيح، وقد جاء بالمضارع نحو قوله:

إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا = منا معاقل عز زانها كرم

والشرط الثاني عند بعضهم تقييد الأول تقييده بالحال الواقعة موقعه، فكأنه قال في هذا البيت: إن تستغيثوا بنا مذعورين، وعند بعضهم يجعله متأخرًا في التقدير فكأنه قال: إن تستغيثوا بنا تجدوا منا معاقل عز وإن تذعروا، فأول الشرط يصير أخيرًا سواء كانت مترتبة في الوجود أم غير مترتبة مثال ذلك: إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فعبدي حر.

ومثال غير المترتبة: إن جاء زيد إن أكل إن ضحك فعبدي حر، فالسؤال أول، ثم الوعد، ثم الإعطاء، والضحك أول ثم الأكل ثم المجيء، واختلفت أقوال الفقهاء في هذه المسألة، فمنهم من أجاب بما ذكرنا وهو الصحيح، وبه ورد السماع، ومنهم من جعل الجواب للأخير، وجواب الثاني الشرط الثالث وجوابه، وجواب الشرط الأول الشرط الثاني وجوابه.

فإذا وقع الأول ثم الثاني، ثم الثالث عتق العبد، وكأن الفاء عنده محذوفة، ولا يلزم على هذا المذهب مضي فعل الشرط، ومنهم من قال: يلزم العتق بحصولها كلها، ولا يلتفت إلى تقديم فعل منها وتأخيره، وإذا توسط بين الشرط والجزاء مضارع بعد حرف عطف، فإن كان لا يجوز حذفه، [فليس فيه إلا الرفع نحو: إن يكن زيد يقوم ينم عمرو، وإن كان مما يجوز حذفه] ووقع صفة فالرفع نحو: إن يأتني رجل يعرف الفقه أولاً، وهو مرادف لما قبله أو نوع منه نحو: إن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1885]

تقصدني تعمد إلي أكرمك، وإن تأتني تمش أكرمك، فيجوز الحال فترفع، وهي حال مؤكدة في الأولى، ومبينة في الثانية، والجزم على أنه بدل من الأول بدل شيء من شيء، وفي الثانية بدل اشتمال، وإن كان غير مرادف، ولا نوعًا من الفعل فالرفع على الحال نحو: إن يأتني زيد يضحك أكرمه، و(مهما) لا تزاد بعدها (ما) فلا تقول: مهما ما تفعل أفعل، وإذ، وحيث يشترط في الجزم بهما اتصالهما بما على مذهب الجمهور، وذهب الفراء إلى أن ذلك ليس بشرط، وأنه يجوز الجزم بهما دون (ما) و(من)، و(أنى) لا يزاد ما بعدها، وأجاز ذلك الكوفيون، و(إن)، و(أين)، و(متى)، و(أيان)، وكيف تجوز زيادة (ما) بعدهن خلافًا لمن زعم أنها لا تلحق (أيان)، و(أي) يجوز زيادة ما بعدها إن لم تضف إلى ضمير، ولحاق (ما) لهذه الأدوات إن وليها مضارع، أو ماضٍ لفظًا نحو: إن ما قمت قمت أو تقديرًا نحو قوله:

... ... ... ... ... ... ... = يا هوذ يا هوذ إما فادح دهما

وإذا كان الشرط والجزاء بفعلين، فالأحسن أن يكونا مضارعين ثم أن يكون الأول ماضيًا، والثاني مضارعُا ثم ماضيين بـ(لم)، أو بدونها أو أحدهما بـ(لم)، والآخر بدونها تمثيل ذلك: إن يقم أقم، إن قمت أقم، إن قمت لم أقم، إن قمت قمت، إن لم تقم لم أقم، إن لم تقم أقم، إن تقم لم أقم، إن لم تقم قمت، فهذه تراكيب ثمانية تجوز في الكلام، والتاسع أن يكون الأول مضارعًا والثاني ماضيًا نحو: إن تقم قمت، وإن تقم لم أقم، ولا يجوز ذلك إلا في الشعر وأجازه

[ارتشاف الضرب: 4/ 1886]

الفراء في الاختيار، وتبعه ابن مالك، واستنتج من كلام سيبويه ضعفه، وقبحه، والشرط والجزاء لا بد من استقبالها خلافًا للمبرد في (كان) إذا كانت شرطًا، أنها تبقى على مضيها لفظًا ومعنى، وخلافًا لمن يزعم أن الماضي لفظًا ومعنى مصحوبًا بالفاء، و(قد) أو بالفاء وحدها هو جواب الشرط نحو قوله تعالى: «وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك»، و«وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت» أي فقد كذبت.

ولا تجيء (إن) بمعنى (إذ)، ولا بمعنى (إذا) خلافًا لزاعمي ذلك، واسم الشرط إن كان ظرفًا، أو أريد به المصدر كان في موضع نصب، والعامل فيه فعل الشرط، وإن كان غير ذلك، وفعل الشرط لازم، فمبتدأ نحو: من يقم أقم له، وخبره الفعل، وقد تقدم هذا، أو متعد لم يأخذ مفعوله، وهو مسند إلى ظاهر نحو: من يضرب زيدًا أضربه، أو إلى متكلم نحو: من أضرب تضربه، أو إلى مخاطب نحو: من تضرب أضربه، فمفعول بفعل الشرط أو إلى ضمير غائب عائد على اسم الشرط نحو: من يضرب أضربه، فمبتدأ أو على غيره نحو: هند من تكرم أكرمه فمفعول، أو آخذه تقديرًا نحو: «من يشأ الله يضلله» أو لفظًا والفاعل سببي لاسم الشرط، والمفعول أجنبي نحو: من تضرب أخوه زيدًا أضربه، فمبتدأ فقط، أو ضميره نحو: من تضربه أخوه أضربه، أو سببي نحو: من يضرب أخوه غلامه أضربه.

فالمسألتان من الاشتغال، أو الفاعل أجنبي، والمفعول ضمير اسم الشرط،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1887]

أو سببي منه: من يضربه زيدًا أضربه، ومن يضرب زيد أخاه أضربه فالمسألتان من الاشتغال، أو مضمر يعود على اسم الشرط متصلاً فلا يجوز إلا أن يكون مخاطبًا نحو: من يضربك أضربه، أو غائبًا عائدًا على غير اسم الشرط نحو: هند من يضربها أضربه فالرفع بالابتداء فقط، أو منفصلاً، ولاسم الشرط في فعله ضمير، أو سببي منصوب أو مجرور، فالمسألة من الاشتغال نحو: من لم يضربه إلا هو أضربه، ومن لم يضرب أخاه إلا هو أضربه، ومن لم يمرر به إلا هو أمرر به، وإن لم يكن فاسم الشرط مبتدأ.

وهذه مسائل من هذا الباب إذا دخل حرف النفي على فعل الشرط نفاه، فتعلق الحكم عليه منفيًا نحو: من لا يكرمني أكرمه، علق وجود الإكرام على انتفاء الإكرام قالوا إلا في المشيئة والإرادة والرؤية والظن، فإن النفي يتسلط على متعلق ذلك مثاله: من لا يرد أن أكرمه أهنه قالوا معناه: من يريد إلا أكرمه أهنه، ومنه «ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون» المعنى: وما يشاء أن لا يكون لا يكن، دخلت (لا) على يشاء في اللفظ، وهو في المعنى داخلة على متعلق المشيئة، قيل: وكثير من أهل الكلام لا يجيزون ذلك والصحيح جوازه.

جواب الشرط كـ(خبر المبتدأ)، فلا يكون إلا بما يفيد لو قلت: إن لم تقم نقم لم يجز، فإن دخله معنى أخرجه إلى الإفادة جاز نحو: إن لم تطعني فقد عصيتني أراد به التنبيه على العقاب كأنه قال: وجب عليك ما وجب على العاصي، إذا عطفت على فعل الشرط بالواو، وتكررت أداة الشرط نحو: إن آتك، وإن أدخل دارك فعبدي حر، عتق بالفعلين كليهما، أو بواحد منهما أو لم تكررها نحو: إن آتك وأدخل دارك عتق بفعل الفعلين معًا، ولا يبالي بأيهما بدأ بالفاء أو بـ(ثم)، عتق بفعل الفعلين إذا بدأ بالأول، وسواء أكرر الأداة، أم لم يكرر، أو بـ(أو) عتق بفعل الفعلين، أو بأحدهما كرر الأداة، أو لم يكررها.

الشرط الذي لا يقتضي التكرار لو انفرد إذا ربط بالفاعل ما يقتضي التكرار،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1888]

وأمكن تكراره، وكان مناسبًا، نحو قولك: كلما أجنبت جنابة منك، فإن اغتسلت في الحمام، فأنت طالق، فإن أجنب ثلاثًا، [واغتسل لكل جنابة طلقت ثلاثًا، فإن أجنب ثلاثًا] واغتسل واحدة، فزعم أبو يوسف أنها تطلق ثلاثًا، وقال الفراء: قول أبي يوسف غلط.

وإن لم يكن مناسبًا نحو: كلما دعوتني، فإن سقط هذا الحائط فعبد من عبيدي حر، فإن دعاه ثلاث دعوات، وسقط الحائط فيه عتق ثلاثة أعبد، ولا يلزم في غير المناسب التكرار هذا مذهب الفراء، وأصول البصريين تقتضي التكرار في المربوط بالفاء على ما يقتضي التكرار إذا كان الفاعل قابلاً سواء أكان مناسبًا أم غير مناسب.

ولا يمكن أن يكون فعل الشرط إلا مما يمكن فيه التكرار إذا كان بعد كلما ومتعلقها، وكلما في هذا منصوب على الظرف، والعامل محذوف يدل عليه جواب الشرط وتقديره: أنت طالق كلما كان كذا، وما هي المصدرية التوقيتية، ولا تأتي إلا بمعنى العموم، وكل الداخلة عليها لتأكيد العموم، و(ما) التوقيتية شرط من جهة المعنى منتصبة على الظرف، وزعم ابن عصفور، وشيخنا أبو الحسن الأبذي أن كلما مرفوعة بالابتداء في هذه المسائل و(ما) نكرة موصوفة، والعائد على الموصوف محذوف، وجملة الشرط والجزاء في موضع الخبر، قالا: ولا يجوز فيه غير الابتداء، فالتقدير: كل وقت أجنبت فيه منك جنابة، فإن اغتسلت في الحمام بعده، فعبدي حر، لا بد من ذلك لتربط الصفة بالموصوف، والخبر بالمخبر عنه، وتكون جملة الشرط والجزاء مستحقة بكل جنابة أجنبتها ناسب فعل الشرط أو لم يناسب، وهذا الذي ذهب إليه حكاه صاحب البسيط، ولم يعين قائله، وقال أيضًا: وقيل: إنها شرطية بمنزلة (لما) مع الماضي، ورد كونها شرطية بمنزلة

[ارتشاف الضرب: 4/ 1889]

(لما)، وقال: كلما تأتني أكرمتك على رأي سيبويه (ما) مصدرية بمنزلتها: فيما يدوم لي أدوم لك، ومقصود بها الحين أي: أزمان إتيانك أكرمتك، ثم أدخلت كلا على المصدر بتأويل الزمان، فاكتسب منها الزمان، فانتصب على ذلك. انتهى.

وأقول: المستقر من لسان العرب أن (كلما) هذه التي تقتضي التكرار لا يليها إلا فعل ماضي اللفظ، والعامل فيها متأخر فعل ماض أيضًا، ومن ادعى غير هذا من التركيب يحتاج إلى أن يستدل بسماع من العرب فأما قوله:

وقولي كلما جشأت وجاشت = مكانك تحمدي أو تستريحي

فمتأول، وإذا كان قبل الشرط فعل، وبعده فعل ليس جوابًا، فإن حملت على الأول فالرفع مثاله: تؤجر إن أمرت بمعروف وتثاب، أو على الثاني فالرفع والجزم مثاله: تؤجر إن أمرت بمعروف، وتنهي عن منكر فالجزم في (وتنهي) عطفًا على محل أمرت، والرفع على الاستئناف، وأجاز الكوفيون النصب، لأن من مذهبهم جواز: إن يقم زيد ويقوم عمرو أخرج.

وإذا أتيت بأفعال بعد فعل الشرط من معناه، فإن عطفتها بالواو نحو: تحسن وتكرم أباك، وتصل رحمك، وتأمر بمعروف، وتنه عن منكر، فالله يثيبك، فالجواب مستحق بالمجموع، وإن لم تعطفها، فإبدال بداء ليس فيها إبطال، وإن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1890]

كانت ليست من معنى فعل الشرط لزم أن ترتفع فالأول على الحال، والباقي عطف عليه مثاله: إن تحسن إلى زيد، وتهين خالدًا، وتسيء إلى بكر، وإذا دخل على اسم الشرط حرف جر، وتعلق بالجواب حرف جر، فإن اختلف العامل أو الحرف، فلا يجوز حذف ذلك الضمير وعامله نحو: بمن تمرر انزل عليه، وبمن تمرر انزل به على زيد، أي بسببه، وإن اتحدا نحو: بمن تمرر امرر به، فلا يجوز حذف به إلا قليلاً، وذلك بخلافه في الموصول، فإنه كثير فصيح نحو: مررت بالذي مررت، تريد: مررت به.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1891]

باب في أدوات يحصل بها التعليق

وليست من أدوات الشرط، وهي (أما، ولما، ولو، ولولا)، أما (أما) فحرف بسيط مؤول من حيث التقدير باسم شرط قدرها الجمهور بـ(مهما) يكن من شيء، وقال بعض أصحابنا: حرف إخبار يتضمن معنى الشرط فإذا قلت: أما زيد فمنطلق، فالأصل إن أردت معرفة حال زيد، فزيد منطلق، حذفت أداة الشرط وفعل الشرط، وأنيبت مناب ذلك (أما)، وذهب ثعلب إلى أن (أما) جزاء، وهي (أن ما)، حذف فعل الشرط بعدها، ففتحت همزتها مع حذف الفعل، وكسرت مع ذكره، وإذا فتحت بقيت الأسماء بعدها معرفة، فإن كان ما بعد الفاء ليس معمول أعملوه فيه اكتفاء بما ظهر عما ترك.

وإن كان لا يعمل فيه كان حينئذ معمولاً للفعل المحذوف، وقريب من قول ثعلب قول الفراء أجاز: أما زيدًا فقد ضربت زيدًا، وأما (زيدًا) فقد قام زيد على معنى: مهما أكرمت زيدًا فقد ضربت زيدًا، ومهما ذكرت زيدًا فقد قام زيد. انتهى.

وكثيرًا ما تأتي للتفصيل، ولما ضمنت معنى الشرط احتيج إلى الفاء، وهي فاء خرجت عن بابها، فليست عاطفة مفردًا على مفرد، وليست رابطة بين جملتين، ولا يلي (أما) هذه الفاء، ولا يفصل بينهما بجملة إلا إن كانت الجملة دعاء، بشرط أن يتقدم الجملة فاصل بينهما، وبين (أما) نحو: أما اليوم – رحمك

[ارتشاف الضرب: 4/ 1893]

الله – فالأمر كذا، ويفصل بينهما بالمبتدأ نحو: أما زيد فمنطلق، وبالخبر نحو: أما قائم فزيد، وأما في الدار فعمرو، وفي كتاب البطليوسي الصفار أن الفصل بينهما بالخبر قليل، وبمعمول لما بعدها من مفعول به نحو: «فأما اليتيم فلا تقهر» وقولهم: أما العسل فأنا شراب، وأما زيدًا فلن أضرب، ومفعول له نحو: أما العلم فعالم، أو مصدر: أما ضربا فاضرب، أو ظرف: أما اليوم فأقوم، أو مجرور: أما بزيد فامرر، وبالحال: أما مسرعًا فزيد ذاهب.

وأما الفصل بالشرط كقوله تعالى: «فأما إن كان من المقربين فروح» فمذهب سيبويه: أن الجواب لأما لا للشرط، وحذف جواب الشرط لدلالة جواب أما عليه، ولذلك لزم مضي فعل الشرط، ومذهب الفارسي في أحد قوليه: أن الجواب هو للشرط، لا (لأما)، وجواب (أما) محذوف، وقوله الآخر كمذهب سيبويه، ومذهب الأخفش: أن الفاء وما بعدها جواب لأما، وللشرط معًا، والأصل: مهما يكن من شيء فإن كان من المقربين فروح، ثم أنيبت (ما) مناب (أما)، فصار: فأما إن كان من المقربين فروح، ثم قدمت أن والفعل الذي بعدها، فصار: فأما إن كان من المقربين ففروح، فالتقت فاءان، فأغنت إحداهما عن الأخرى فصار: فروح.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1894]

ولا يجوز أن يتقدم الفاء أكثر من اسم واحد لو قلت: أما زيد طعامه فلا تأكل لم يجز، واتفقوا على تجويز أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها في الجملة، واختلفوا في شروط ذلك، بأن يقدر حذف (أما) وحذف الفاء فما جاز للذي قدر بعد حذفها أن يعمل فيه عمل، وما لا امتنع، فلا يجوز عندهم: أما زيد فأنا رجل ضارب، ولا أما زيدًا فإني ضارب، ويجوز: أما زيد فأنا ضارب، وذهب المبرد، وابن درستويه، إلى أن ما بعد إن يعمل فيما قبل الفاء، فأجازا: أما زيدًا فإني ضارب، وحكى عن المبرد رجوعه إلى مذهب سيبويه، وفي البسيط: يجوز عند المبرد أن يتقدم ما بعد الفاء عليها إلا إن كان المعمول مع عامله نفسه، لا يصح أن يتقدم فلا يجوز: «أما درهما فعندي عشرون»، بخلاف أما زيدًا فإني ضارب؛ فإنه قبل دخول (إن) يجوز نحو: زيدًا أنا ضارب، وقيل يجوز ذلك في الظرف والمجرور نحو: أما اليوم فإني ذاهب.

وأجاز الفراء إعمال ما بعدها فيما قبلها إذا كان داخلاً لمعنى الاستئناف وفيه معنى الابتداء، وأما لغير ذلك فلا يجوز، فيجوز عنده: أما زيدًا فإني ضارب، وكذلك في أخواتها، وفي كل ما يدخل على الابتداء نحو: أما زيدًا فليتني ضارب، وأما عمرًا فلعلي قاتل، وأجاز أيضًا: أما زيدًا فلأضربن وإلا كان لا يجيز: زيدًا لأضربن، قال والرفع في هذا كله الوجه القياس.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1895]

ولا يجوز عند الفراء: أما القميص فإن تلبس خير لك، ويجوز عنده: «أما زيدًا فما أعلمني به»، ولا يجوز: أما زيدًا فما أظرفه، وفي بعض شروح الكتاب: أجاز الكوفيون: أما زيدًا فما أ؛سن، ولا يجيز الكوفيون زيدًا لأضربن، ولا بك لأمرن، فعلى هذا لا يجوز: أما زيدًا فلأضربن، وأما بك فلأمرن، وأجاز هشام ذلك في المجرور قال: لأن (أما) يسوغ ذلك، ولا يجوز عند المبرد: أما زيدًا فما أنا بضارب.

وأجازوا أن تعمل (أما) في الظرف والمجرور، والحال بما فيها من معنى الفعل، ولا تعمل في الأسماء الصريحة، وأجاز الكوفيون ذلك، وتقدم تمثيل الفراء بشيء من ذلك، وقد تقدمت مسائل في (أما) في باب الحال تطالع هناك، ويجوز إبدال ميمها الأولى ياء قالوا: أيما وجاء حذف الفاء في الشعر نحو قوله:

فأما القتال لا قتال لديكم

وفي الكلام مع حذف ما بعد الفاء قال الله تعالى: «فأما الذين اسودت وجوههم أ:فرتم بعد إيمانكم» تقديره فيقال لهم: أكفرتم.

(لما): التعليقية حرف عند سيبويه تدل على ربط جملة بأخرى ربط السببية، وعبر عنه بعضهم بحرف وجود لوجود، والذي تلقيناه من أفواه الشيوخ حرف وجوب لوجوب.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1896]

وذهب ابن السراج، وابن جني، والفارسي: إلى أنه ظرف زمان بمعنى حين، والصحيح مذهب سيبويه، ويليها فعل مثبت لفظًا ومعنى، أو مضارع منفي بـ(لم)، ويجوز زيادة (أن) بعد (لما) قبل الماضي قال الله تعالى: «فلما أن جاء البشير» وجواب (لما) فعل ماضي لفظًا ومعنى، أو منفي بـ(ما) أو مضارع منفي بـ(لم)، أو جملة اسمية مقترنة بـ(إذا) الفجائية، قال تعالى: «فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون» وجاءت مصدرة بـ(ليس) قال:

حديث أناسي فلما سمعته = إذا ليس فيه ما يبين فأعقل

وزعم ابن مالك: أن جوابها الماضي قد يقرن بالفاء، وبجملة اسمية مقرونة بالفاء، وبمضارع، ولم يقم دليل واضح على ما ادعاه، ويجوز حذف جواب (لما) للدلالة عليه قال تعالى: «فلما ذهبوا به» الآية أي فعلوا به ما أجمعوا عليه، وأوحينا إليه، والكوفيون يجعلون الواو زائدة، والجواب أوحينا، ويجوز

[ارتشاف الضرب: 4/ 1897]

أن يختلف متعلق الفعلين: الفعل الذي بعد لما، وفعل الجواب تقول: ما أحسنت إلى أمس أكرمتك اليوم، ويكثر تأخر الجواب وقد يجوز: أكرمتك لما أكرمتني.

(لو) حرف امتناع لامتناع هذه عبارة شيوخنا في ابتداء التعلم، وعبارة سيبويه «لما كان سيقع لوقوع غيره» يعني أنه يقتضي فعلاً ماضيًا كان يتوقع ثبوته لثبوت غيره، والمتوقع غير واقع، قال الأستاذ أبو علي: (لو) ليست موضوعة للدلالة على الامتناع، بل مدلولها ما نص عليه سيبويه من أنها تقتضي لزوم جوابها الشرط فقط. انتهى.

وعند المحققين: أنه لا يليها إلا ماضي المعنى سواء أكان بلفظ الماضي أو المضارع قال تعالى: «أن لو نشاء أصبناهم»، أو منفي بـ(لم)، وزعم قوم أن استعمالها في المضي غالب، وأنها تستعمل بمعنى (إن) للشرط في المستقبل، وكونها بمعنى (إن) ذكره النحاة في غير موضع، وتعقب ذلك ابن الحاج ناقدًا على ابن عصفور، إذ زعم أن (لو) تجيء بمعنى (إن)، وقال: هذا خطأ، والقاطع بذلك أنك لا تقول: لو يقوم زيد فعمرو منطلق كما تقول: إن لا يقم زيد فعمرو منطلق وتأول قوله:

... ... ... ... .... = ... ... ولو باتت بأطهار

[ارتشاف الضرب: 4/ 1898]

انتهى، وإذا دخلت على المستقبل، فزعم قوم أن الجزم بها لغة مطردة، وزعم قوم منهم ابن الشجري أنه يجوز الجزم بها في الشعر، و(لو) عند البصريين لا يليها إلا الفعل، ولا يليها اسم على إضمار فعل إلا في ضرورة الشعر نحو قوله:

أخلاي لو غير الحمام أصابكم = ... ... ....

أو في نادر كلام كما جاء: «لو ذات سوار لطمتني». وذهب أبو الحسن علي بن فضال المجاشعي: إلى أنه يجوز أن يليها الفعل ظاهرًا أو مضمرًا، ومنه ظاهر قوله تعالى: «قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي» حذف الفعل فانفصل الضمير، وزعم ابن مالك أنه يجيء بعد (لو) جملة اسمية من مبتدأ وخبر، وهو نحو قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1899]

لو بغير الماء حلقى شرق = ... ... ... ....

وقوله:

لو في طهية أحلام لما اعترضوا = ... ... ... ... ... ...

وهو مذهب الكوفيين، وتأول ذلك غيرهم من النحاة، ولم يجيزوا: لو زيد قائم وقول أبي الطيب:

فلو قلم ألقيت في شق رأسه = ... ... ... ...

لحن، وتلى (لو): أن قال تعالى: «ولو أنهم صبروا» فمذهب سيبويه أن: أن ومعمولها في موضع رفع على الابتداء، ولا يحتاج إلى خبر لانتظام المخبر

[ارتشاف الضرب: 4/ 1900]

عنه، والمخبر بعد (أن)، وذكر ابن هشام الخضراوي: أن مذهب سيبويه والبصريين أن الخبر محذوف، وذهب الكوفيون، وتبعهم المبرد، والزجاج والزمخشري، وجماعة إلى أنه في موضع رفع على الفاعل تقديره: ولو ثبت أنهم، وزعم السيرافي، والزمخشري أن خبر (أن) هذه لا يكون إلا فعلاً وهم وخطأ فاحش قال تعالى: «ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام».

وقال الشاعر:

ولو أنها عصفورة لحسبتها = ... ... ... ... ...

وجواب (لو) فعل مجزوم، أو ماض مثبت، أو منفي (بما) قال الله تعالى: «ولو سمعوا ما استجابوا لكم»، وقل دخول اللام على (ما) نحو قوله:

لو أن بالعلم تعطي ما تعيش به = لما ظفرت من الدنيا بثفروق

والماضي المثبت أكثر ما يجيء باللام، وقد يجيء بلا (لام)، قال الله تعالى: «لو شئت أهلكتهم من قبل»، وتجيء (إذن) قبل الجواب نحو: لو زرتني

[ارتشاف الضرب: 4/ 1901]

إذن لأكرمتك، وقد تدخل بين اللام والفعل نحو: لو زرتني لإذن أكرمتك، ولا يكون الجواب جملة اسمية.

فأما قوله تعالى: «ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة»، فالجواب محذوف واللام جواب قسم محذوف، وقال الزجاج: لمثوبة في موضع الجواب كأنه قال: لأثيبوا، وقال الأخفش: لو، ولئن لما تقاربا في الشرط تداخلا، فتكون (لئن) في معنى (لو) في قوله تعالى: «ولئن أتيت»، وفي قوله تعالى: «ولئن أرسلنا ريحا»، ولذلك جاء الجواب: ما تبعوا، ولظلوا، وسيبويه يترك كل واحد منهما على أصله، وأجاز ابن مالك أن يكون جواب (لو) بالفاء وأنشد:

لو كان قتل يا سلام فراحة = ... ... ... ....

أي فهو راحة، وتأوله ابنه بدر الدين على أن فـ(راحة) معطوف على (قتل) والجواب محذوف، ومن غريب ما وقع جوابًا لـ(لو) فعل التعجب بصيغة أفعل مقرونًا باللام، قال الشاعر:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1902]

فلو مت في يوم ولم آت عجزة = يضعفني فيها امرؤ غير عاقل

لأكرم بها من ميتة إن لقيتها = أطاعن فيها كل خرق منازل

و(رب) مقرونًا باللام، قال الشاعر:

ولو علم الأقوام كيف خلفتم = لرب مفد في القبور وحامد

ويجوز حذف جواب (لو) لدلالة المعنى عليه قال تعالى: «ولو ترى إذ وقفوا على النار» أي لرأيت أمرًا عظيمًا، وجاء في الشعر حذف الفعل بعد (لو) قال:

لو في قلوب العاشقين بأسرها = لما ملأت لي منه معتبة قلبا

وحذفه وحذف الجواب قال:

إن يكن طبك الدلال فلوفى = سالف الدهر والسنين الخوالي

تقديره: فلو كان في سالف الدهر لاحتملنا دلالك، وإذا أشربت (لو) معنى التمني، فنص شيخنا ابن الضائع، وأبو مروان بن هشام على أنها لا جواب لها كـ(جواب الامتناعية)، ويجوز أن تجاب بالفاء، قال تعالى: «لو أن لنا كره فنتبرأ منهم»، وهي إذ ذاك، قسم برأسه، والصحيح أنها الامتناعية، ويجوز أن يجاب بالفاء، وقد جاء جوابها باللام بعد جوابها بالفاء في قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1903]

فلو نبش المقابر عن كليب = فيخبر بالذنائب أي زير

بيوم الشعثمين لقر عنيًا = وكيف لقاء من تحت القبور

وقال الأخفش: «ألا شيء ولو ماء» هذا جائز على قبحه، ترفعه، أي: ولو الذي ما بينا ماء: وتنصبه كأنك قلت: ولو يكون الذي تمنيناه ماءًا، وكله قبيح ولو قلت: ألا خشف ولو تمرًا كان أقبح، إنما يكون الشيء دون الأول، ولو قلت: «ألا شراب ولو عسلا» لم يحسن إلا في موضع يضطر فيه إلى العسل، إنما يكون للشيء الذي دون الأول. انتهى.

وقد ركب أبو العباس بن شريح رحمه الله تعالى ما دخلت عليه (لو) تركيبًا غريبًا غير عربي؛ فقال:

ولو كلما كلب عوى ملت نحوه = أجاوبه إن الكلاب كثير

ولكن مبالاتي بمن صاح أو عوى = قليل لأني بالكلاب بصير

(لولا) ويقال (لوما) حرف امتناع لوجود، ويرتفع ما بعدها بالابتداء عند البصريين، وبالفاعلية عند الكسائي، وبها نفسها عند الفراء، وابن كيسان، وبتقدير: لو لم يحضر عند بعض متقدمي النحاة، وتقدم شيء من أحكام الاسم بعد (لولا) في باب الابتداء، وزعم الأخفش أنه لا يؤتي بهذا المرفوع بحال.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1904]

وحكى الكسائي عن العرب: «لولا رأسك مدهونًا لكان كذا». وتجيء بعد (لولا) أن وأن، قال تعالى: «فلولا أنه كان من المسبحين» و «لولا أن تداركه».

ولا يحفظ (أن) بعد (لو)، وجواب (لولا) ماض مثبت مقرون باللام قال تعالى: «ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم» وبها وقد قال تعالى: «ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن».

وقد جاء في الشعر:

لولا الحياء وباقي الدين عبتكما = ... ... ... ...

فقال ابن عصفور (حذف اللام ضرورة) وقال أيضًا: يجوز في قليل من الكلام، وقال صاحب الترشيح: حذف اللام مع (لولا) جائز وأكثر ما تأتي في الشعر، وسوى (دريود) بين حذف اللام، وإثباتها في (لو) و (لولا)، انتهى.

ومنفي بـ(لم):

... ... ... ... ... ... = ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1905]

وبما: «ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد» ولا يحفظ دخول اللام على الجواب، ويجوز حذف جواب (لولا)، للدلالة عليه، إما من المعنى وإما من لفظ يتقدم على (لولا) يدل على الجواب، فالأول نحو قوله: «ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم» أي لآخذكم، ومثال الثاني: «وهم بها لولا أن رءا برهان ربه» أي لهم بها، وقوله تعالى: «إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها» أي لأبدت به، وقد منع قوم تقدم جواب (لولا)، والذي نختاره جوازه، وهو ظاهر الآيتين فيجوز: هلكت لولا أن تداركتك، وهلكت لولا أن تخلصني، وإن لم يكن وقع هلاك ولا قتل.

وقال ابن خروف، والبهاري: حذف جواب (لو) يكثر، بخلاف جواب (لولا)، لأنه صار عوضًا من الخبر، فكره حذفه.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1906]

باب التابع

هو محصور بالعد فلا يحتاج إلى رسم، ولا حد، وهو النعت، وعطف البيان والتوكيد، والبدل، وعطف النسق.

النعت: تابع مقصود بالاشتقاق وصفًا، أو تأويلاً، (تابع) جنس يشمل التوابع مقصود بالاشتقاق، فصل يخرج بقية التوابع، وعدل عن مشتق احترازًا عما كان في الأصل مشتقًا صفة ثم غلب، فصار التعيين به أكمل من العلم نحو الصديق تابعًا لأبي بكر، والصعق تابعًا لخويلد، فأعرب عطف بيان، وتم الحد، وجاء وضعًا نحو: [مررت برجل] كريم، أو تأويلاً نحو: برجل أسد، أي شجاع تقسيمًا للمقصود بالاشتقاق، وليس من شرطه أن يكون ثابتًا مصاحبًا للمنعوت، خلافًا لمن ذهب إلى ذلك.

ويجيء التخصيص نحو: «والصلاة الوسطى» «آيات محكمات» وللتعميم نحو: يحشر الله الأولين والآخرين. وللتفصيل نحو: مررت برجل عربي، وعجمي، وللمدح: سبحان الله العظيم، وللذم: «من الشيطان الرجيم» وللترحم: بزيد المسكين، وللتوكيد: «نفخة واحدة»، ولخلقة نحو: طويل، وحرفه نحو: بزار، وفعل علاج: ذاهب ونائم، وغير علاج: عالم وفهم، ونسب: هاشمي، وغير ذلك نحو: ذي مال.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1907]

ويوافق المتبوع في التعريف، والتنكير إذا تبع في الإعراب، فإن قطع الوصف لم يلزم ذلك نحو:

على مستقل للنوائب والحرب = أخاها إذا كانت غضابا

فـ(مستقل) نكةر، وصفته المقطوعة عنه وهي أخاها معرفة، والموافقة في التعريف والتنكير إذا لم يكن قطع هو مذهب سيبويه، وجمهور البصريين، فإن كان الموصوف المعرف باللام لا يراد به شخص بعينه، والصفة: أفعل من، أو مثلك وأخواته جاز أن تجرى عليه، وإن كانت نكرة نحو: ما يحسن بالرجل مثلك، ومررت بالرجل أفضل منك، فجوز ذلك الخليل، وزعم الأخفش أن (أل) زائدة، فهو من وصف النكرة بالنكرة.

وذهب بعض الكوفيين إلى جواز التخالف بكون النعت نكرة إذا كان لمدح أو ذم، وجعل منه: «ويل لكل همزة لمزة الذي جمع» فالذي وصف لـ(همة)، وأجاز الأخفش: وصف النكرة بالمعرفة إذا تخصصت النكرة قبل بالوصف نحو: «فآخران يقومان» ثم قال: (الأوليان) فالأوليان صفة

[ارتشاف الضرب: 4/ 1908]

لآخران لما تخصصت، وأجاز بعضهم وصف المعرفة بالنكرة ومنه عنده:

... ... ... ... = وللمغني رسول الزور قواد

فـ(قواد) صفة للمغني، وزعم ابن الطراوة أنه يجوز وصف المعرفة بالنكرة إذا كان الوصف بها خاصًا بالموصوف وجعل من ذلك:

وفي أنيابها السم ناقع

وقال: ناقع صفة للسم، والذي نختاره أنه لا تنعت المعرفة إلا بالمعرفة، ولا النكرة إلا بالنكرة إذا توافقا في الإعراب.

والنعت إن رفع ضمير المنعوت مشتقًا جاريًا على فعله، وهو ما جاء على قياس مطرد كـ(عالم)، وظريف تبع في أربعة من عشرة واحد من وجوه الإعراب. وواحد من الإفراد، والتثنية، والجمع، وواحد من التذكير والتأنيث، وواحد من التعريف والتنكير.

واختلف في قول العرب: أسود سالخ إذا ثني وجمع الموصوف، فقال أبو حاتم: يقال: أساود سلخ، وسوالخ، وسالخات، وقال: اللحياني الجمع: سالخات، وأنكر التميمي النحوي ذلك، وقال: يقال في الاثنين: أسودان سالخ وسود سالخ ولا يقال: سالخان ولا يجمع في الجمع، وقال أبو سهل الهروي: خصوا أسود للذكر من الحيات فجمعه: أساود، واستغنوا عن جمع صفته فقالوا: أساود سالخ، ومن جمع وصفه أجرى الصفة مجرى الموصوف في إفراده وجمعه.

ولا توصف أسودة بسالخة، واستغنوا بتخصيصها بهذه الاسمية من وصفها بسالخة انتهى أو غير جار كفعول، وفعيل بمعنى مفعول، ومفعال ومفعيل للمبالغة

[ارتشاف الضرب: 4/ 1909]

نحو: صبور، وجريح ومطعام، ومحضير تبع في ثلاثة من ثمانية واحد من وجوه الإعراب، وواحد من الإفراد والتثنية والجمع، وواحد من التعريف والتنكير ما عدا (أفعل) للمفاضلة، فـ(مع) (من)، أو مضافًا إلى نكرة، تبع في اثنين من خمسة واحد من وجوه الإعراب، والآخر التنكير خاصة، أو معرفة (بأل)، ففي أربعة من عشرة ويتعين التعريف، أو مضافة إلى معرفة، فيجوز أن يتبع في أربعة من عشرة وأن يتبع في اثنين من خمسة كحاله بمن، أو غير مشتق منسوبًا فحكمه حكم المشتق الجاري، أو غير منسوب تبع في ثلاثة من ثمانية نحو: مررت بامرأة أسد، وبامرأة حجر الرأس، ولا يقال: أسدة، ولا حجرة ما عدا (أيا) فتفرد، وتذكر على كل حال، ولا يلزم تأنيثها، فيتبع في اثنين من خمسة واحد من وجوه الإعراب، والتنكير وما عدا (مثلاً) فتذكر وتفرد، وقد يجوز جمعها وتأنيثها، فإن كانت غير إضافة لزم تثنيتها وجمعها نحو: مررت برجلين مثلين، وبرجال أمثال.

وما عدا الوصف بالمصدر فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث إلا ما حكى شاذًا من قولهم: فرس طيوعة القياد، والحية الخنثعة، وأضياف، وضيوف وضيفان، وأصله: طيوع، وخثع، وضيف مصادر وهو موقوف على السماع، وإن رفع سببي المنعوت، فيأتي ذكره في باب الصفة المشبهة، ونذكر مسألة ذكر أصلها سيبويه، وهي ما التبس بالموصوف نحو: مررت برجل ضاربه زيد أو بشيء من سببه نحو: مررت برجل ضارب أباه زيد، فما كان منونًا فلا خلاف في جريانه على الأول، وما ليس بمنون، فسيبويه يجعله كالمنون جاريًا على الأول، ووافقه الفراء إلا فيما وقع علاجًا فيلزم نصبه نحو: مررت برجل ملازمه رجل، وعيسى بن عمر فيما قاله الصفار البطليوسي: يلزم الرفع في العلاج مطلقًا وقع نحوه: مررت برجل ضاربه رجل، أو لم يقع نحو: سأمر برجل ضاربه رجل، وغير علاج إن وقع التزم نصبه نحو: مررت برجل مخالطه ذا، وإن لم يقع أتبعه الأول نحو: سأمر

[ارتشاف الضرب: 4/ 1910]

برجل مخالطه ذا، ويونس لا يجري شيئًا، بل ينصب ما كان واقعًا علاجًا، أو غير علاج، ويرفع ما لم يقع علاجًا أو غير علاج.

ولا يمنع سيبويه النصب والرفع في هذه الصفات، وإنما منع التزام النصب، والرفع والتفصيل الذي فصلوا، ويعنون بالواقع الحال، وبغير الواقع المستقبل، فمن نصب فعلى الحال، ومن رفع فعلى الابتداء والصحيح مذهب سيبويه.

وفي التمهيد: الخلاف إنما هو في استحباب ما ذهب إليه عيسى، ويونس لا في جوازه والعلاج كالضارب، والكاسر، وغير العلاج ما لا يرى كالمخالط.

وزعم الفراء: أن النعت على مذهبين أحدهما: تكرير الاسم فلا راجع فيه من ذكر المنعوت، والثاني: أن يتبع على نية الصلة، ففيه راجع فإذا قلت: قام عبد الله الظريف والظريف على نية التكرار فلا راجع، أو على نية الصلة ففيه راجع، والبصريون لا يكون النعت عندهم صلة، وإذا لم يرفع السببي، فلا بد فيه من الضمير، ونصوص أئمتنا على أن النعت يكون دون المنعوت في التعريف، أو مساويًا، أما أن يكون أعرف فلا، وهو مذهب البصريين، وتقدم مذهب البصريين في رتبة المعرفة، وبنوا على ذلك أحكام النعت فقالوا: يوصف العلم بالمبهم، ولا يجوز ذلك عند الكوفيين بل هو عندهم ترجمة يعنون البدل نحو: زيد هذا قائم.

وبذي (أل) وبما أضيف إلى معرفة مطلقًا، ويوصف المبهم باسم الجنس فقط، ويأتي الخلاف فيه، ويوصف ذو (أل) بما فيه (أل)، ويوصف المضاف إلى الضمير، أو العلم بما أضيف إليهما.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1911]

ويوصف المضاف إلى ذي (أل) بما يوصف به العلم، ويوصف المضاف إلى المبهم بالمبهم، وبذي (أل) وبما يوصف به ذو (أل)، وذهب الفراء إلى أنه يوصف الأعم بالأخص نحو: مررت بالرجل أخيك على الوصف، وذهب بعض المتأخرين، ومنهم ابن خروف إلى أنه يجوز أن توصف كل معرفة بكل معرفة كما توصف كل نكرة بكل نكرة.

فلا يلحظ في ذلك تخصيص، ولا تعميم، وكان ابن خروف يرى أن ما ذكره النحاة من هذا التخصيص في المعارف دعوى بلا دليل، ومما لم يتبع النعت فيه المنعوت قول العرب: «هذا جحر ضب خرب» بجر (خرب)، وحقه الرفع، لأنه وصف للجحر لا للضب، لكنه جر لمجاورته المجرور، وهذا الذي يقولون فيه الخفض على الجوار.

وجاء من ذلك عدة أبيات، وهذا رواه سيبويه، وغيره عن العرب بالرفع. وهو الأصل والقياس الجر، فحمله الأكثرون على أنه صفة للجحر لكنهم

[ارتشاف الضرب: 4/ 1912]

جروه للمجاورة كما ذكر، وتقول: هذه جحرة ضباب خربة، فتجر، غلطوا في ذلك فجروا، فإن ثنيت قلت: هذان جحرا ضب خربان، بالرفع ولا يجوز: خربين خلافًا لمن أجاز ذلك اتكالاً على فهم المعنى، وهو معزو إجازة ذلك بالجر إلى سيبويه، وقال الفراء وغيره: لا يخفض بالجوار إلا ما استعملته العرب كذلك، فلا يقاس على ما استعمل ما لا يستعمل فلو قيل: هذه جحرة ضب خربة لم يجز الاتباع للجحرة، لأن الخفض على الجوار لم يسمع إلا في التوحيد خاصة، وقياس ما عُزى إلى سيبويه في التثنية أن يجوز ذلك في الجمع.

وذكر ابن شروان المفضل الضبي، فقال: كان والله من رجال العرب المعروف له ذلك، وفيه رد على من زعم أنه لا يكون إلا في النكرة، وهذا الخفض على الجوار إنما سمعناه في النعت، وجاء في التوكيد في بيت غريب أنشده أبو الجراح:

يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم = ... ... ... ... ...

وزعم بعض النحويين أنه جاء في العطف، وحمل عليه، «وأرجلكم»

[ارتشاف الضرب: 4/ 1913]

في قراءة من جر، وأما في البدل فلا يحفظ ذلك من كلامهم، ولا خرج عليه أحد ممن علمناه، وقال بعض من عاصرناه: أكثرهم يخصه بالمجرور، وقد جاء في المرفوع في قوله:

... ... ... ... .... = مشى الهلوك عليها الخيعل الفضل

رفع (الفضل) اتباعًا للمرفوع قبله لقرينة، والخفض على الجوار قال به الجمهور من أهل البصرة والكوفة، ورام إخراج ذلك عنه السيرافي، وابن جني، على اختلاف في التقدير، فقدره السيرافي: خرب الجحر منه، كما تقول: حسن الوجه منه حذف الضمير للعلم به، ثم أضمر الجحر فصار خرب، ولم يبرز الضمير كما لم يبرز في: مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين جار على رجل، ولم يبرز الضمير؛ لأنه لو برز لقال لا قاعدهما، وقدره ابن جني: خرب جحره، ثم نقل الضمير فصار خرب الجحر ثم حذف قال: فهذا جر صحيح، وهو نعت للضب، وتقديرها خطأ قد بيناه في الشرح للتسهيل.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1914]

فصل

المنعوت به مفرد وجملة، كالجملة الموصول بها، والذي تكون الجملة نعتًا له هو النكرة، ولا يجوز دخول الواو عليها كجملة الحال، خلافًا للزمخشري، ولا ينعت بها المعرف (بأل) الجنسية خلافًا لمن أجاز ذلك، ولا تنوب (أل) عن الضمير العائد منها على المنعوت وإن جاء ما ظاهره ذلك كقوله:

... ... ... ... ... = عوازب نحل أخطأ الغار مطنف

أول على حذف الضمير أي أخطأ الغار منها، لا على أن التقدير أخطأ غارها، فنابت (أل) عن الضمير، خلافًا لمن ذهب إلى ذلك، ولا يعتبر زمان في الوصف بالجملة، وإذا كثرت، وهي فعلية عطف بعضها عن بعض بالواو، أو الفاء، وثم، وأما في المفردات، فالأحسن ترك العطف، ووقوعها غير خبرية نحو:

جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط

[ارتشاف الضرب: 4/ 1915]

متأول، وكذا ما ظاهره أنه حال نحو: وجدت الناس اخبر نقله أي بمذق مقول فيه: هل رأيت الذئب، ومقولاً فيهم اخبر تقله، والعائد منها كالعائد على الموصول إلا أن حذفه من الصلة أكثر، ومن الصفة كثير، ومن الخبر قليل، وقد أحكم ذلك في باب الموصول وفي باب الخبر.

وقيل لا يشترط هنا في حذفه إذا كان مبتدأ طول، بل يجوز حذفه كان في الوصف طول أو لم يكن، مثال ذلك:

«ورب قتل عار».

تقديره هو عار، وإذا وصف بها اسم زمان جاز حذف عائدها المجرور بفي نحو «لا تجزي نفس» فلا تجزي صفة ليوم، والتقدير: لا تجزي فيه، فحذف فيه برمته عند سيبويه، وبتدرج عند الكسائي، والأخفش، فحذف (في) فاتصل الضمير منصوبًا، وصار لا يجزيه ثم حذفه، فلو كان المجرور بـ(في) وصفًا لاسم الزمان لم يجز حذفه نحو: لا تكره يومًا يسؤك فيه راحتك، ففيه في موضع الصفة لقوله (يومًا)، وكذا لو كانت الجملة وصفًا لغير اسم الزمان، والحرف الذي هو (في) متعلق بالفعل لم يجز الحذف نحو: رأيت رجلا رغبت فيه، ويجوز أيضًا حذف المجرور بمن عاد على ظرف أو غيره، إن تعين مثال عوده على الظرف: «شهر صمت يوما فيه مبارك»، ومثال عوده على غير الظرف: «عندي بز كر منه بدرهم» فيجوز حذفه في المسألتين، فإن لم يتعين لم يجز حذفه نحو: سرني شهر صمت فيه ولا أحب رجلاً أخاف منه: إذ لو حذف لجاز أن يراد صمته وأخافه.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1916]

والمفرد مشتق لفاعل ومفعول [وهو ما تضمن معنى الفعل وحروفه الأصلية، واحترز بقوله لفاعل ومفعول] من المشتق لمكان، أو آلة، أو زمان، ويعم المشتق لفاعل أسماء الفاعلين والأمثلة للمبالغة، والصفة المشبهة وأفعل التفضيل.

ويعم المفعول أسماء المفعولين، وأفعل المفضل به المفعول كقولهم: هو أجرب من زيد، وغير مشتق جار مجرى المشتق أبدًا، وهو الأوصاف التي تضمنت معاني الأفعال دون حروفها، واستديم النعت بها دون شرط كـ(لوذعى) جرى مجرى فطن، وذكى، وجرشع مجرى غليظ وسمين، وصمحمح مجرى شديد، وبرهرهة مجرى ناعمة، وخنضرف مجرى مسترخية الجلد.

وهذا النوع كثير مدركه السماع، وذي بمعنى صاحب وفروعه: ذوا، وذوو، وذات، وذواتا، وذاتا، وذوات، وأكثر النحاة على أنها لا تدخل إلا على الأجناس، وأن أصلها أن تدخل على النكرة، ودخلت على المعرف (بأل) لا على ما أصله التعريف كالمضمر والعلم فلا تقول: ذو زيد ولا ذوه وقوله:

إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه

شاذ عندهم، وزعم ابن بري أنه يجوز أن يضاف إليه صاحب، فإذا خرجت عن أن تكون وصلة للوصف باسم الجنس جاز أن تقول: رأيت الأمير وذويه، ورأيت ذا زيد، لأنها ليست هنا وصلة وكذلك في البيت انتهى.

وأولى وأولات بمعنى أصحاب وصواحب، ويظهر أن حكمها حكم ذي في كونهما لا يضافان إلا إلى أسماء الأجناس، فقال تعالى: «أولوا الألباب»،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1917]

و«أولات الأحمال»، وأسماء النسب المقصود نحو: هاشمي واحترز بالمقصود من نحو: قمري ودبسي هي منسوبة في الأصل، وغلب استعمالها دالة على أجناس لا تعرض فيه للنسب.

والجاري في حال دون حال مطرد بها الوصف، وغير مطرد، فالمطرد أسماء الإشارة غير المكانية نحو: جاء زيد هذا، واستعمالها غير منعوت بها أكثر من استعمالها منعوتًا بها، وكونها ينعت بها هو مذهب البصريين.

وذهب الكوفيون، وتبعهم السهيلي إلى أنه لا يجوز أن ينعت بها، وذو الموصولة وفروعها وأخواتها المبدوءة بهمزة وصل نحو: الذي والتي وفروعها من لفظها كالذين واللاتي، ومن غير لفظها كالأولى، واللائين واللات.

ومن الوصف بـ(ذو) الموصولة قول العرب: بالفضل ذو فضلكم الله به. ورجل بمعنى كامل نحو: مررت بزيد الرجل أي الكامل رجولية، ولما كان بمعنى كامل ذكر أنه يرفع الظاهر في قولك: أرجل عبد الله، وينعت به أيضًا إذا أضيف إلى صدق بمعنى صالح، أو إلى سوء بمعنى فاسد نحو: هو رجل صدق أو رجل سوء، (أي) مضافة إلى نكرة تماثل الموصوف نحو: مررت برجل أي رجل، وتقدم الكلام على (أي) في باب الموصول، ووصفوا أيضًا (بأب) في قولك مررت برجل أبي عشرة، لأنه في معنى والد، فوصفوا به كما وصفوا بوالد، وجد وحق مضافين إلى مماثل الموصوف نحو: هذا رجل جد رجل، وحق رجل، وهذا الرجل جد الرجل، وهذا الرجل حق الرجل، وكل مضافًا إلى مثل الموصوف

[ارتشاف الضرب: 4/ 1918]

نحو: مررت برجل كل رجل، وبالرجل كل الرجل لا خلاف بين البصريين في جواز هذا، ينعتون المعرفة بالمعرفة، والنكرة بالنكرة.

وذهب الكسائي، والفراء، وهشام إلى أنه لا يجوز أن يقال: مررت برجل كل رجل قال هشام: مررت برجل كل رجل محال، وما مررت برجل كل رجل جائز، وأجاز الكسائي: أكلت شاة كل شاة، فنقض ما كان أصله، وأجاز الكسائي، والفراء، وهشام: مررت برجل كل الرجل، وقال الكسائي: مررت برجل كل الرجل وغير الرجل ونفس الرجل لا يجوز إلا بالألف، والألف في الثاني.

وغير المطرد النعت بالمصدر، وفيه تفصيل، والعدد والقائم بمسماه معنى لازم تنزله منزلة المشتق، أما المصدر فإما أن يكون في أوله ميم زائدة كـ(مزار) ومسير، ومضرب، فهذا لا يجوز الوصف به، ولا الإخبار لا باطراد ولا غيره تقول: رجل زور، ولا تقول: رجل مزار، وإن لم يكن فيه الوصف به طريقان أحدهما: أن تريد المبالغة لكثرة وقوعه من الموصوف به نحو: مررت برجل ضرب، أو لا يريدها، فيكون على حذف مضاف، أي ذي زور، وذي عدل، والكوفيون يجعلون ضربًا وعدلاً واقعين موقع ضارب وعادل.

ثم المصدر إما مضاف، أو غير مضاف، المضاف إما مقدر باسم الفاعل، وإضافته غير محضة، ولا ينقاس، بل سمع في نحو: حسبك أي كافيك وشرعك (شارع لك فيما تريد) في ألفاظ محفوظة، وإما (مقدر) بالمفعول، وإضافته محضة، وهو قياس في الثلاثة المضافة إلى الفاعل نحو: هذا ثوب نسج صانع، ومنه «هذا خلق الله» أي مخلوقه ومنسوج صانع، ودرهم ضرب ملك، ودينار نقد خبير، ولا يكون كثيرًا في غير الثلاثي، بل يقال منه ما سمع، فأما قولهم: هذا ثوب نسج اليمن، فعلى الابتداء أي هو نسج اليمن والنصب في هذا على المصدر خاصة، وفي المضاف إلى نكرة على الحال، وهو

[ارتشاف الضرب: 4/ 1919]

ضعيف، وعلى المصدر، وغير المضاف نحو: عدل ورضى، وهو في الأكثر من المصادر التي يفهم منها معنى في الموصوف وقد تكلمنا فيه.

وأما أسماء العدد فمن النعت بها قول بعض العرب: أخذ بنو فلان من بني فلان إبلاً مائة حكاه سيبويه وأنشد

لئن كنت في جب ثمانين قامة = ... ... ... ...

دخل مائة معنى كثير، وثمانين معنى عميق، والمقدار كالعدد نحو: مررت ببر قفيز (أي مكيل به)، وبجبة ذراع، وأما القائم بمسماه معنى لازم ينزله منزلة المشتق نحو: مررت برجل أسد أبوه، ولبست ثوبًا خزا ملمسه، وشربت ماء عسلا طعمه، أي شجاع، وناعم وحلو، فإن أردت أن الماء مشوب بعسل، أو في نسج الثوب خز لم يجز النعت، وكان الكسائي يقيس في النكرات كلها أن تجري على الأول، وأن ينقل إليه فتقول: مررت برجل ذي مال قومه وحكى عن العرب: ذو مال إخوتك ذهب به مذهب الفعل، وأجاز: مررت برجل درهم المال أي كثير المال، وهذه الأسماء مثل الخز في نحو: مررت بسرج خز صفته، وبصحيفة طين خاتمها ونحو ذلك مما وصف به مذهب سيبويه: أن الخاتم ليس بطين، وأن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1920]

الصفة ليست بخز فمعنى طين: رديء ومعنى خز: لين، ومذهب غيره أنها باقية على مسماها، ويتوهم فيها معنى الاشتقاق، وقالت العرب: (مررت برجل ما شئت من رجل) فذهب الفارسي إلى أن (ما) مصدرية نعت بها، وبصلتها كما ينعت بالمصدر الصريح أي: مشيئتك من رجل، ورد بأن الحرف المصدري وصلته لا يؤكد به الفعل، ولا يقع نعتًا، ولا حالاً بخلاف المصدر الصريح تقول: مررت برجل رضى، ولا تقول: مررت برجل أن يرضى، وأيضًا فما شئت على تقديره معرفة، إذ يتقدر بمشيئتك فلا يكون نعتًا للنكرة، والصحيح أنها شرطية، والجواب محذوف أي ما شئت من رجل فهو ذلك.

والجملة الشرطية نعت للنكرة، ومن في (من رجل)، قيل لبيان الجنس وقيل (ما) في هذه أصلها الاستفهام الذي دخله معنى التفخيم كأي وهي هنا بمعناها، لأنها تكون للسؤال عن الوصف فالمعنى: مررت بأي شئت من الرجال: أي بما هو موصوف بما نحمده ونشاؤه من الخلال الكريمة، ولما كانت (ما) لا تضاف استعمال غير مضاف بخلاف أي، وأي أكثر استعمالاً.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1921]

فصل

يفرق نعت غير واحد إذا اختلف نحو: مررت برجلين كريم وبخيل، ورغبت في الزيدين التميمي والقرشي، وذلك إذا كان غير الواحد من غير أسماء الإشارة فلا يجوز: مررت بهذين الطويل والقصير نص على ذلك سيبويه، وغيره كالزيادي، والمبرد، والزجاج قال الزيادي: وقد يجوز مررت بهذين الطويل والقصير على البدل، وعطف البيان.

وأجاز سيبويه وغيره: يا هذان زيد وعمرو على عطف البيان، فعطف البيان مخالف للوصف، وقد حكى أن يا هذا زيد كثير في لغة طيئ، فعلى هذا جاز يا هذان زيد وعمرو، والاختيار في: مررت برجلين كريم وبخيل القطع، ويجمع إذا اتفق نحو: مررت برجلين كريمين، واستعنت بالرجلين الفاضلين، ويغلب التذكير والعقل عند الشمول وجوبًا مثال ذلك: مررت بزيد وهند الصالحين، وبرجل وامرأة عاقلين، واشتريت عبدين وفرسين مختارين.

وعند التفصيل اختيارا مثال ذلك عند التغليب بالتذكير: مررت بإنسانين صالح وصالح. ويجوز صالح وصالحة، وباثنين ذي عذرة، وذي عذار، ويجوز ذي عذار وذات عذرة، ومثاله عند التغليب بالعقل: انتفعت بعبيد وأفراس سابقين وسابقين، ويجوز سابقين وسابقات، والعامل إما أن يتحد أو يتعدد، إن تعدد فإنما أن يتحد

[ارتشاف الضرب: 4/ 1922]

عمله أو يختلف، إن اختلف العمل فالقطع نحو: مررت بزيد، ولقيت عمرًا الكريمان أو الكريمين، هذا مذهب جمهور البصريين، وأجاز الكسائي والفراء: الإتباع إذا كان العاملان يرجعان إلى معنى واحد نحو: رأيت زيدًا ومررت بعمرو الظريفين، لأن المرور في معنى الرؤية، ومررت برجل معه رجل قائمين، لأنه قد مر بهما جميعًا، وهذا في (مع) دون ما يخفض إلا أن الفراء يتبع الأول، والكسائي وتبعه ابن الطراوة يتبع الثاني، فعلى مذهب الفراء تقول، قام عبد الله. ورأيت زيدًا العاقلان وعلى مذهبهما العاقلين.

وإن اتحد العمل، فإما أن يتفق جنس معنى الكلام أو يختلف، فإن اختلف فالقطع نحو: قام زيد وهل خرج عمرو العاقلان، فإن كان الاختلاف يكون أحدهما مستفهمًا عنه، والآخر ليس كذلك نحو: من زيد وهذا بكر فلا يجوز أن تقول: العاقلان لا باتباع، ولا قطع، وإن اتفق المعنى، فإما أن يتحد جنس العامل، أو يختلف، إن اختلف كأن يكونا مرفوعين هذا على الابتداء، وهذا على الفاعلية أو منصوبين هذا على المفعولية، وهذا على الظرفية، أو مجرورين هذا بحرف وهذا بإضافة، فذهب الجمهور إلى وجوب القطع، وذهب الأخفش، والجرمي، إلى جواز الاتباع، ويقتضي جواز الاتباع في ذلك مذهب الكسائي والفراء، فإنهما أجازا في: مررت بزيد مع عمرو الظريفين، على أن الظريفين في موضع خفض على الاتباع.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1923]

وإن اتحد جنس العامل، فإما أن يتفقا في اللفظ والمعنى، أو يختلفا فيهما أو يتفقا في اللفظ، ويختلفا في المعنى، أو يتفقا في المعنى، ويختلفا في اللفظ، فإن اختلفا فيهما نحو: أقبل زيد وأدبر عمرو العاقلان، جاز الاتباع والقطع في أماكنه، وذهب المبرد وابن السراج إلى أنه لا يجوز إذ ذاك إلا القطع وهو قول الكسائي، لأنه لا يجيز أكرمت زيدًا وضربت عمرًا الظريفين على الاتباع، لأن الكرامة ليست من جنس الضرب، وإن اتفقا فيهما نحو: قام زيد وقام بكر العاقلان، فمذهب الجمهور جواز الاتباع والقطع في أماكنه.

وفصل ابن السراج فقال: إن قدرت الثاني عاملاً فالقطع، أو توكيدًا والعامل هو الأول جاز الاتباع، وإن اتفقا في اللفظ، واختلفا في المعنى نحو: وجد زيد على عمرو، ووجد بكر الضالة العاقلان، جاز الاتباع والقطع في أماكنه.

وذهب المبرد، وابن السراج إلى أنه لا يجوز إلا القطع، وإن اتفقا في المعنى، واختلفا في اللفظ نحو: ذهب زيد وانطلق خالد العاقلان، فذهب سيبويه، والكسائي، والمبرد إلى جواز الاتباع والقطع في أماكنه، وذهب ابن السراج إلى أنه يجب القطع، ويقتضي مذهب سيبويه أنه لا يجوز الوصف، لما انجر من جهتين كاختلاف الحرف، والإضافة نحو: مررت بزيد، وهذا غلام بكر الفاضلين، وكاختلاف الحرفين نحو: مررت بزيد، ودخلت على عمرو الظريفين، وكاختلاف معنى الحرفين.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1924]

وإن اتحدا لفظًا نحو: مررت بزيد، واستعنت بعمرو على خالد والباء الثانية للسبب، وكاختلاف معنى الإضافتين نحو: هذه دار زيد وهذا أخو عمرو الفاضلين.

وإن اتحد العامل ولم يتعدد، فإما أن يتحد عمله، أو يختلف، إن اتحد عمله جاز الاتباع والقطع في أماكنه نحو: قام زيد وعمرو العاقلان، وإن اختلف عمله، فإما أن تتحد النسبة إليهما من حيث المعنى أو تختلف، فإن اختلفت فالقطع نحو: ضرب زيد عمرًا العاقلان، وإن اتحدت النسبة فالقطع مذهب البصريين.

وذهب الكسائي، والفراء، وابن سعدان إلى جواز الاتباع على اختلاف بينهم، فالنص عن الفراء أنه يوجب إذا اتبع تغليب المرفوع، ونص ابن سعدان على جواز اتباع أي شئت منهما فتقول: خاصم زيد عمرًا الكريمين والكريمان، لأن كلاً منهما مخاصم ومخاصم، فكل واحد منهما مفعول لصاحبه، وفاعل لصاحبه، والصحيح مذهب البصريين بدليل أنه لا يجوز: ضارب زيد هندًا العاقلة برفع العاقلة على أن يكون نعتًا لهند على المعنى باتفاق من البصريين والكوفيين، فكما لا يجوز في نعت الاسم إذا أفرد الحمل على المعنى، فلا يجوز إذا ضممته إلى غيره وهذا الخلاف في هذه المسائل مترتب على العامل في النعت ما هو، فذهب الخليل، وسيبويه، والأخفش، والجرمي وأكثر المحققين إلى أن العامل في النعت تبعيته للمنعوت، واختلف هؤلاء فمنهم من لاحظ التبعية من حيث اتحاد معنى الكلام اتفق الإعراب، أو اختلف، ومنهم من

[ارتشاف الضرب: 4/ 1925]

شرط اتحاد الإعراب، ولا يبالي باختلاف جهة الإعراب، ومنهم من فصل فشرط مع اتحاد الإعراب اتفاق جهته فتكون العوامل من جنس واحد.

وبشرط ألا تكون عوامل مختلفة وإلى هذا ذهب سيبويه، والخليل، وصححه أصحابنا، وذهب المبرد، وابن السراج، وابن كيسان إلى أن العامل في النعت هو العامل في المنعوت، وأنه ينصب عليهما انصبابة واحدة.

قيل وهو مذهب الجمهور، وينسب إلى سيبويه، فهؤلاء إذا كان العامل أكثر من واحد لا يجيزون الاتباع، والنعت في المعرفة إن كان لمدح، أو ذم، أو ترحم، جاز فيه القطع إلى الرفع على إضمار مبتدأ واجب الحذف، وإلى النصب على إضمار فعل مناسب واجب الحذف، فإذا قلت: جاء زيد العالم جاز اتباعه، وقطعه على إضمار هو، ونصبه على إضمار أمدح، وفي الذم يقدر أذم، وفي الترحم أرحم، وخالف يونس في الترحم فلا يجيز القطع، فإن كان النعت لتأكيد أو ملتزمًا أو نعت مبهم، فلا يجوز القطع مثال التأكيد «لا تتخذوا إلهين اثنين» ومثال الملتزم: نظرت إلى الشعرى العبور، ومثاله في المبهم: مررت بهذا العالم، وإن كان لتخصيص وهو ما عدا هذه الثلاثة نحو: مررت بزيد الخياط، جاز قطعه إلى الرفع على إضمار هو، ولا يجب إضماره، وعلى إضمار أعني، ويجوز إظهاره.

وإن كان النعت لنكرة، فإن لم يتقدمه نعت آخر فلا يجوز القطع إلا في باب الشعر نحو: مررت برجل عاقل بالرفع، أو عاقلاً بالنصب، وإن تقدمه آخر فقال

[ارتشاف الضرب: 4/ 1926]

سيبويه: إن كان لمدح، أو ترحم، أو ذم جاز القطع وخالفه الخليل، في المدح والذم، ويونس في الثلاثة، وإن وصفت بغير مدح، أو ذم، أو ترحم جاز القطع عند سيبويه، وشرط القطع في النكرة تأخره عن نعت آخر فأما القطع إلى الحال عند تعذر الوصف، فإن اتحد العامل جاز نحو: مررت بزيد ورجل قائمين، وإن اختلف العامل، فأجاز سيبويه في: هذا رجل معه رجل قائمين نصب قائمين على الحال، إذ تعذر أن يكون صفة لكون رجل الأول خبرًا والثاني فاعلاً بالظرف، والحاصل من مذهب سيبويه أن الحال تنتصب من اثنين مختلفي العامل بشرط أن يكونا ينسحب عليهما عامل واحد، لأنهما في هذه المسألة داخلان تحت معنى الإشارة كأنك قلت: انظر إليهما قائمين، وكذلك مررت برجل مع امرأة ملتزمتين، لأنهما داخلان تحت معنى المرور بخلاف قولك: فوق الدار رجل، وقد جئتك بآخر عاقلين فلا يجوز، وذهب ابن السراج إلى أنه إذا اختلف العامل فلا يجوز الحال، والحال عنده كالوصف، وإذا تكررت النعوت والمنعوت مجهول عند المخاطب، فالاتباع إلا أن تنزله منزلة معلوم، أو يكون الصفة تقدمها صفة متبعة (تقاربها) في المعنى نحو: مررت برجل شجاع فارس فيجوز القطع، أو معلوم والصفات للبيان فالاتباع، أو لمدح، أو ذم، أو ترحم، فاتباع الجميع، وقطع الجميع، واتباع بعض، وقطع بعض، وتقطع بعد الاتباع ولا يعكس، وهذا هو الصحيح، والثابت من كلام العرب، وفيه خلاف، وصحح في البسيط جواز الاتباع بعد القطع، وإذا كان النعت واحدًا والمنعوت مجهول عند المخاطب فالاتباع نحو: مررت برجل كريم وبزيد العاقل إذا لم يكن زيد معلومًا عند المخاطب، إلا أن ينزل المجهول منزلة المعلوم، فيجوز الاتباع والقطع.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1927]

وإن كان المنعوت معلومًا عند المخاطب والصفة لزوال عارض اشتراك، فالاتباع نحو: مررت بزيد الأزرق، قال ابن خروف: ربما قطع بعض النكرة، وبعض المعرفة في الضرورة، وقال السهيلي: أو في ضعف من الكلام، وقال ابن أبي الربيع: ما جيء به للبيان فيجوز نصبه بإضمار فعل، ورفعه بإضمار مبتدأ فتقول: جاءني زيد الخياط أي أريد الخياط، ومررت بزيد الخياط أي هو الخياط، ويجوز إظهار الفعل والمبتدأ، وكأنه في النصب جواب من قال: من تعني، وفي الرفع جواب من قال: من هو لمدح أو ترحم، أو ذم جاز الاتباع والقطع انتهى.

ويجوز القطع قبل تمام الكلام نحو: إن زيدًا العالم قائم، برفع العالم على القطع أو نصبه خلافًا لبعض الكوفيين، فإنه لا يجيز ذلك، والنعوت يجوز عطف بعضها على بعض إذا اختلفت معانيها، فإن كانت معانيها لا يظهر فيها ترتيب كان العطف بالواو خاصة، وإن دلت على أحداث واقع بعضها إثر بعض كان العطف بالفاء نحو: مررت برجل قائم إلى زيد فضاربه، فقالته، وإذا تباعدت المعاني كان العطف بالواو أحسن نحو: «هو الأول والأخر والظاهر والباطن» وأجازوا إذا لم تكن مجتمعة العطف بـ(ثم)، و(أو)، و(بل)، و(لكن)، و(لا) لا بـ(حتى) و(أم).

ولما كانت المعاني متقاربة لم يكن العطف مختارًا نحو قوله تعالى: «هو الله الخالق البارئ المصور»، ولما تباعدت كان العطف مختارًا نحو قوله تعالى: «الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى»، والعطف سائغ سواء أكانت النعوت متبعة أو مقطوعة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1928]

وإذا ولى (النعت) (إما) وجب تكرارها نحو: ايتني برجل إما صالح وإما طالح، أو لا فكذلك نحو: «وظل من يحموم لا بارد ولا كريم»، وقيل لا يلزم تكرار (لا)، ويضعف تقديم الصفة على الموصوف نكرة كان، أو معرفة، فإن كان نكرة وتقدم ما لو تأخر لكان وصفًا، فالفصيح انتصابه على الحال، وإن كان معرفة، وصلحت الصفة لمباشرة العامل كان الذي كان يكون موصوفًا لو تقدمت بدلاً نحو قوله تعالى: «إلى صراط العزيز الحميد الله» في قراءة من جر، قيل من التقديم «وغرابيب سود» أي سود غرابيب، وجاء في تقديمها إضافتها إلى الموصوف وحذف أل منها كقراءة من قرأ: «وأنه تعالى جد ربنا» بضم الجيم أصله ربنا الجد أي العظيم، وإضافة الصفة إلى الموصوف لا تنقاس، وإذا اجتمعت صفات مفرد، وظرف، أو مجرور، وجملة، فالأولى (البداءة) بالمفرد ثم بالظرف، أو المجرور ثم بالجملة قال تعالى: «وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه». ويجوز تقديم الجملة على المفرد نحو: «وهذا كتاب أنزلناه مبارك»، و«بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين»، وهو كثير موجود في كلام العرب، فقول من خصه بالضرورة أو بنادر كلام أو بقليل في الكلام ليس بشيء.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1929]

وفي البديع: الوصف بالجملة الفعلية أوقى منه بالجملة الاسمية، وزعم أبو الفتح أن الصفة إذا كانت رافعة وثم صفة غير رافعة، أنك تقدم غير الرافعة فتقول: مررت برجل عاقل قائم أبوه، لأن الرافعة أشبهت الجملة، فتكون بعد ما لا يرفع، ويكون الظرف بعده ثم الجملة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1930]

فصل

المضمر لا ينعت به، ولا ينعت، وأجاز الكسائي نعت الضمير الغائب إذا كان النعت لمدح، أو ذم، أو ترحم لا مطلقًا كما في التسهيل نحو قولهم: مررت به المسكين، ونحو: صلى الله عليه الرءوف الرحيم، وقال النحاس: أجاز الكسائي: نعت المظهر إذا تقدم المضمر وقال الفراء: هذا خطأ، ومن منع ذلك جعله بدلاً، ومما لا ينعت، ولا ينعت به أسماء الشرط وأسماء الاستفهام، وكم الخبرية، وكل اسم متوغل في البناء نحو: الآن: إلا (ما) إذا كانت نكرة، فإنها تنعت، وينعت بها، وإلا (من) إذا كانت نكرة، فإنها تنعت فإذا كانت (من) و (ما) موصولتين، فالبصريون يجيزون أن يوصفا تقول: جاءني من في الدار العاقل، ونظرت إلى ما اشتريت الحسن.

ومذهب الكوفيين أنه لا يجوز وصفهما، وأما غيرهما من الموصولات كالذي، والتي فتوصف، ويوصف به، وكذلك ذو، وذات في لغة طيئ.

وفي كتاب (الخفاف): منع النحويون صفة الذي، لأن الصلة بعض الاسم، وهي لا توصف، وإن قلت الصفة للموصوف فقط، وصفت بعض الاسم وما لزم موضعين من الإعراب كـ(قبل) و(بعد) لا ينعت ولا ينعت به، وكذا (كل وبعض) نحو: مررت بكل قائمًا، ومررت ببعض جالسًا قال سيبويه: هو معرفة

[ارتشاف الضرب: 4/ 1931]

لا يوصف، ولا يكون نكرة وصفًا، فإن أضيف كل إلى نكرة جاز وصفها نص على ذلك سيبويه نحو:

قبلنا منهم كل = فتى أبيض حسانا

وقد تقدم الوصف بكل إذا أضيفت إلى مثل الموصوف، وما في بعض صوره من الخلاف، وفي البسيط: اختلف في كل، فذهب الكوفيون إلى أنها توصف ويوصف بها، وقال بعض النحويين: إن البصريين لا يصفون بها، ومما لا ينعت، ولا ينعت به المصدر الذي بمعنى الأمر نحو: ضربًا زيدًا، والدعاء نحو: سقيا لك ومما ينعت، وينعت به المشتقات من أسماء الفاعلين والمفعولين وما جرى مجراهما تقول: بزيد الشجاع العالم، فالشجاع وصف لزيد، والعالم وصف للشجاع هذا مذهب سيبويه أجاز يا زيد الطويل ذو الجمة على جعل ذي الجمة نعتًا للطويل، وسواء أكان النعت عاملاً أو غير عامل، ومن العامل قوله:

... ... ... ... ... ... = لدى فرس مستقبل الريح صائم

جعل سيبويه (صائمًا) صفة لمستقبل الريح، وذهب جماعة منهم ابن جني إلى أنه من خواص الوصف، أن لا يقبل الوصف، وإن كثرت صفات كانت

[ارتشاف الضرب: 4/ 1932]

للأول، فإن لم يكن مذكورًا كان مقدرًا، وذهب السهيلي إلى الجواز إذا دل دليل على جموده مثل أن يكون خبرًا لمبتدأ أو بدلاً من اسم جامد، فإن كان نعتًا يقوى فيه معنى الفعل بالاعتماد فلا ينعت، وبعضهم منع ذلك فيما يعمل عمل الفعل، وأجازه في غير هذا، ولهذا قال بعضهم إذا وصف لم يعمل لبعده عن الفعل بالوصف، وقال بعضهم إذا تقدم الوصف لم يعمل وإن تأخر عمل.

وأما أسماء الإشارة، فمذهب البصريين أنها توصف، ويوصف بها، فمن وصفها: «آرءيتك هذا الذي كرمت علي» ومن الوصف به: «قال بل فعله كبيرهم هذا» و«إحدى ابنتي هاتين».

وذهب الكوفيون، وتبعهم السهيلي، والزجاج إلى أن أسماء الإشارة لا توصف، ولا يوصف بها، ومن أجاز نعتها قال: لا يكون إلا مصحوبًا (بأل) خاصة، ولا ينعت بالمضاف، وقال ابن النحاس: بإجماع من النحاة، قال الفراء: من قال (هذا الرجل عاقل)، لم يقل (هذا غلام الرجل عاقل)، ونص أيضًا على أنه لا ينعت بالمضاف ثعلب، والزجاج، فلم يجز أبو إسحاق: مررت بهذا المال قال: محال أن يكون ذو المال مع هذا بمنزلة شيء واحد.

وقال الزجاج: إذا أردت أن تقف على هذا، وفهم المخاطب مقصودك، جاز أن تتبعه بالبدل، وبالفصل بينه وبين نعته نحو: مررت بهذا اليوم الكريم، والعطف على ما بعده نحو: بهذا الطويل والقصير، وبهذا ذي المال، وقال ابن خروف: وجاز على الصفات كما ذكر سيبويه أنك أن جاز إن تقف على هذا أتبعت بالرفع والنصب، وإن كان بمنزلة بـ(أيها) رفعت لا غير، وقال ابن هشام: لا يجوز:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1933]

مررت بهذا، وبزيد الطويلين، ولا يا هذا وزيد الطويلان، ولا يا زيد وهذا الطويلان، ولا يا هذا ويا ذلك الطويلان بدخول حرف العطف، ويا ولا بذاك الذي هنا، ولا بذاك الذي على الحائط انتهى.

وإذا اتبعت اسم الإشارة بذي (أل)، فإما أن يكون جامدًا، أو مشتقًا إن كان مشتقًا فيضعف الوصف به نحو: مررت بهذا العالم، ولا خلاف أنه وصف، وإن كان جامدًا نحو: مررت بهذا الرجل، فسيبويه يسميه نعتًا، والكوفيون يسمونه الترحم، وبعضهم يجعله عطف بيان، وهو قول الزجاج، وابن جني وابن السيد والسهيلي، واختيار ابن مالك.

وقال ابن عصفور: أجاز النحويون في مثل: (مررت بهذا الرجل) أن يكون الرجل نعتًا، وعطف بيان، فإذا كان نعتًا، فـ(أل) في الرجل للعهد، وإذا كان عطف بيان فـ(أل) فيه للحضور قال: وهذا معنى كلام سيبويه.

وقال السهيلي: وإن سماه سيبويه صفة، فمذهبه التسامح في هذه التوابع كلها، وقد سمى التوكيد، وعطف البيان صفة في غير موضع، وقد عرف مذهبه في ذلك انتهى.

والأعلام زيد، وأسماء الأجناس كـت(سبع)، و(نمر) و(فهد) ما دامت على موضوعها توصف، ولا يوصف بها، ولا توصف الأسماء الثواني من الكنى الأعلام، وأي، وكل، وجد، وحق يوصف بها ولا توصف، وسبق الكلام في ذلك، وكذا ما لم يستعمل من الأسماء إلا تابعًا يكون صفة ولا يوصف نحو: بسن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1934]

وليطان وشقيح من قولهم: حسن بسن، وشيطان ليطان، وقبيح شقيح، وهي محفوظة لا يقاس عليها، وما دخل عليها لا التي لنفي الجنس من الأعلام نحو: أما البصرة فلا بصرة لا يجوز أن يوصف به معرفة ولا نكرة، نص عليه الفارسي، ويجوز الفصل بين المنعوت ونعته بما يتمحض مباينته، فإن تمحضت مباينته فلا يجوز ولذلك منع النحاة: مررت برجل على فرس عاقل أبلق، على أن يكون (عاقل) صفة رجل، وأبلق صفة فرس، لأن (عاقلاً) مباين لفرس، وصفته، فما يجوز فيه الفصل بينهما المبتدأ الذي خبره في متعلق الموصوف نحو: «أفي الله شك فاطر السموات والأرض»، والخبر نحو: زيد قائم العاقل، والمقسم به وجوابه نحو: «قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب»، ومعمول الموصوف: هذا ضارب زيدًا عامل ومعمول المضاف الموصوف: «سبحان الله عما يصفون عالم الغيب»، ومعمول الوصف نحو: «ذلك حشر علينا يسير» و:

... ... ... ... = كريم رءوس الدارعين ضروب

والفعل العامل في الموصوف نحو: أزيدًا ضربت العاقل، والمفسر نحو: أزيدًا ضربته العاقل، وجملة الاعتراض: «وإنه لقسم لو تعلمون عظيم»، والاستثناء نحو: ما جاء أحد إلا زيد خير منك، والمعطوف إذا لم يكن شريك

[ارتشاف الضرب: 4/ 1935]

الموصوف في الصفة، حكى سيبويه: هذا رجلان وزيد منطلقان.

فإن كان النعت لمبهم، فلا يجوز الفصل بينهما لو قلت: ضرب هذا الرجل زيدًا لم يجز: ضرب هذا زيدًا الرجل، وكذا ما أشبه ذلك من صفة لا يستغنى عنها نحو: ظهرت الشعرى العبور الليلة لا يجوز: ظهرت الشعرى الليلة العبور.

أو صفة تشبه التوكيد نحو: إلهين اثنين، ولا يجوز أن يتقدم معمول الصفة على الموصوف، فلا يجوز: هذا طعامك رجل يأكل، وأجاز ذلك الكوفيون، وتبعهم الزمخشري في قوله: «وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا» جعل (في أنفسهم) متعلقًا بقوله (بليغًا)، وتقول جاء زيد وعمرو العاقلان. هذا ترتيب الكلام، وأجاز صاحب البديع: تقديم الصفة على الموصوف إذا كانت لاثنين أو جماعة، وقد تقدم أحد الموصوفين تقول: قام زيد العاقلان وعمرو، ومنه قول الشاعر:

ولست مقرا للرجال ظلامة = أبى ذاك عمى الأكرمان وخاليا

انتهى، يريد ذاك عمي وخالي الأكرمان، وقد جاء نظير هذا في المبتدأ والخبر نحو: زيد قائمان وعمرو.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1936]

فصل

في حذف الوصف، وفي حذف الموصوف، وإقامة وصفه مقامه، أما حذف الوصف، فالأصل فيه ألا يحذف، إذ جيء به في الأصل لزوال اشتراك في معرفة، أو لتخصيص في نكرة، لكنهم حذفوه للدلالة عليه فمن ذلك: «وكذب به قومك وهو الحق» أي المعاندون و«ليس من أهلك» أي الناجين، «تدمر كل شيء» أي سلطت عليه «لرادك إلى معاد» أي معاد تحبه وقال:

... ... ... ... ... = مهفهفة لها فرع وجيد

أي فرع وافر وجيد طويل، ومن نادر حذفه قوله:

إذا حارب الحجاج أي منافق = ... ... ... ... ...

وقول الآخر:

لعمرك ما نفسي بجد رشيدة = ... ... ... ...

أي منافقًا أي منافق، وبرشيدة جد رشيدة وقول الآخر:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1937]

... ... ... ... ... = ... ... لقد وقعت على لحم

أي لحم منيع

وأما حذف الموصوف وقيام صفته مقامه، فالصفة إما أن تكون اسمًا أو ظرفًا أو مجرورًا أو جملة، فإن كانت اسمًا، فإما أن تكون صفة لذات غير مكان، أو مكان، أو زمان، أو مصدر، فإن كانت صفة لذات غير مكان فلا تحذف إلا إذا كان الموصوف متقدمًا ذكره نحو: ائتني بماء ولو باردًا أي ولو ماء باردًا «ومن ذريتهما محسن وظالم» أي ذرية محسن وذرية ظالم.

أو أشعر الوصف بالتعليل نحو: أكرم العالم، وأهن الفاسق، أو كان الوصف عومل معاملة الأسماء نحو: مررت بالفقيه، ومررت بالقاضي، أو قصد العموم نحو: لا رطب ولا يابس، أو كان الوصف خاصًا بجنس الموصوف نحو: مررت بكاتب، وبحائض، فإن كان الوصف غير خاص بجنس الموصوف فلا يجوز حذف الموصوف، وإقامة الوصف مقامه إلا في ضرورة الشعر نحو قوله:

وقصري شنج الأنسا = ... ... ... ... ...

يريد: وقصري بثور شنج الأنساء، ومما استعملت العرب الصفات استعمال

[ارتشاف الضرب: 4/ 1938]

الأسماء: الأبطح، والأبرق، والأجرع للمكان، والأدهم للقيد، والأسود للحية، والأخيل للطائر، يدل على أنها صفات عدم الصرف إذا عربت من أل، والإضافة.

وإن كان الوصف لمكان، أو زمان جاز حذف الموصوف نحو: جلست قريبًا منك وبعيدًا عن عمرو، وصحبتك طويلاً، أي مكانًا قريبًا منك وزمانًا طويلاً، وإن كان الوصف لمصدر نحو: قوله تعالى: «فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثير» وقوله: ذهبت سريعًا، فذهب المبرد، وأكثر المعربين: إلى أنه ينتصب انتصاب المصدر، وذهب سيبويه إلى أنه ينتصب على الحال، وليس وصفًا لمصدر، فإن لم يكن فضلة، أعرب بإعراب الموصوف المحذوف، وإن كان الوصف مجرورًا، فلم يسمع حذف الموصوف، وإبقاء ما هو صفة له كقوله تعالى: «وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به» أي وإن (أحد) من أهل الكتاب، وإن كان ظرفًا فخرج عليه على قول: «ومنا دون ذلك»  أي قوم دون ذلك.

وإن كانت الصفة جملة فكثر حذف الموصوف معها إذا تقدمتها (من) حكى سيبويه: (ما منهم مات حتى رأيته)، وقالوا: منا ظعن ومنا أقام وقال الشاعر:

وما الدهر إلا تارتان فمنهما = أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح

التقدير: أحد مات، ومنا إنسان ظعن، وإنسان أقام، وفمنهما تارة أموت، وزعم الفارسي أن ذلك لا يجوز إلا مع المرفوع، وليس كما زعم قد سمع مع المنصوب في مكان التفصيل نحو قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1939]

كانوا فريقين يصفون الزجاج = ... ... ... ....

ثم قال:

وآخرين على الماذي فوقهم = ... ... ... ... ...

التقدير: فريقًا يصفون الزجاج، وآخرين بذي الماذي، وكأن هذا الحذف لم يكن غالبًا إلا مع التفصيل، وقد جاء بغير (من) نحو قوله:

... ... ... ... .... = لكم قبصه من بين أثري وأقترا

أي من بين قبص أثري، وقبص أقترا وأما قول الشاعر:

لو قلت ما في قومها لم تيثم = يفضلها في حسب وميسم

التقدير: أحد يفضلها، فقال ابن مالك في مثل من في جواز الحذف للموصوف، وإقامة صفته مقامه، إذا كان المنعوت بعضًا مما قبله قال: فمثل هذا لو استعمل في غير الشعر لحسن كقولك: ما في الناس إلا شكر أو كفر أي إنسان شكر أو إنسان كفر، وجعل ابن عصفور هذا من الضرائر في الشعر نحو قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1940]

ترمي بكفى كان من أرمى البشر

وقوله: والله ما زيد بنام صاحبه

أي بكفى رجل كان، وما زيد برجل نام صاحبه.

وإذا اجتمعت صفتان مفردتان، ففي كل منهما ضمير الأول، فإن لم يكن في الثانية ضمير آخر جزئ الجملة السابقة لم يلزم التأخير نحو: مررت برجل عاقل كريم، ويجوز كريم عاقل وكلاهما للمنعوت، أو الثانية صفة للأولى على الخلاف، وإن كان لزم التأخير نحو: مررت برجل حسن الوجه جميله، ففي جميله ضميران ضمير الأول، وضمير الوجه، ويجوز أن يكون صفة للأول لازم التأخير، وكذا فيما جرى على غير الأول نحو: مررت برجل عاقلة أمه لبيبة على الصفة للأول، أو صفتان جملتان نحو: مررت برجل يضحك ويكتب تقدم أيا شئت دون الواو.

ومررت برجل يكتب غلامه ويتبعه لا يجوز التقديم، أو صفتان إحداهما

[ارتشاف الضرب: 4/ 1941]

جملة، والأخرى مفرد، فالأحسن تقديم الاسم وتأخير الجملة، ويجوز العكس، وتقدم شيء من هذا، وكذا مررت برجل معه صقر صائد بباز، فإن كان في إحداهما ضمير من الأول لزم تأخيرها نحو: مررت برجل قاعد على سرير يلعب فيه فهو صفة للأول.

ويجوز فيه الحال من الضمير في قاعد، وأن يكون وصفًا لقاعد، وإن كان الاسم كذلك لزم التأخير نحو: مررت برجل معه صقر صائد به، وسواء أكانت ظرفًا كما ذكرنا أم جملة فعلية نحو: مررت برجل ينطلق بابنه حامل أباه إلى داره، أو اسمية نحو: مررت برجل أبوه منطلق برجل حامل أ؛دهما إلى داره، فيجوز الحال في حامل، والوصف ولا يراعى عدم الولاية، ويقوى الوصف إذا ضعفت الحال بنقص بعض شروطها من عدم الانتقال، أو كونها ليست في الحال.

وزعم بعض القدماء أنه لا يجوز الوصف إذا كان في الثاني ضمير للمتقدم، لأنه لا يصح ولايته إياه، ورأى النصب على الحال، ويجوز: مررت برجل معه صقر صائد به هو، يبرز هو تأكيدًا لا لزومًا، ويجوز أن يرفع بالابتداء وخبره صائد مرفوعًا، فإن جرت الصفة على من هي له وجب الإبراز نحو: مررت برجل معه جارية ضاربتها أمه.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1942]

باب عطف البيان

تابع جار مجرى النعت في ظهور المتبوع، وفي التوضيح والتخصيص جامد أو بمنزلة الجامد، فالتابع جنس، جار مجرى النعت، فصل يخرج به عطف النسق والبدل، وفي التوضيح خرج به التوكيد، والتخصيص خرج به ما جيء به من النعوت للتوكيد، وجامد خرج به النعت، أو بمنزلة الجامد خرج به ما أصله صفة ثم غلب عليها فصار علما بالغلبة كالصعق، ومذهب البصريين أنه لا يكون إلا معرفة تابعًا لمعرفة، وخصه بعضهم بالعلم اسمًا، أو كنية أو لقبًا.

وذهب الكوفيون، وتبعهم الفارسي، وابن جني، والزمخشري إلى أنه يكون في النكرة تابعًا لنكرة، واختاره ابن عصفور، وابن مالك، ومثل بعضهم ذلك بقوله: «من شجرة مباركة زيتونة» ورد الأسماء من الأجناس على الأسماء نحو: ثوب خز، وباب ساج، وأجازه الزمخشري فخالفهما في قوله: إن «مقام إبراهيم» عطف بيان على قوله: «آيات بينات» مخالفة لإجماع البصريين والكوفيين، فلا يلتفت إليهما، ويسميه الكوفيون الترجمة.

وقال بعض أصحابنا: لا خلاف في كون المضمر لا يكون عطف بيان، ولا يجرى هو على اسم عطف بيان ثم ناقض فقال في نحو: ما قاموا إلا زيد وإن أعربه نعتًا، فإن النحويين يعنون به أنه عطف بيان للضمير في قاموا، وهذا العطف

[ارتشاف الضرب: 4/ 1943]

يوافق متبوعه في الإفراد والتثنية والجمع، ولا يشترط التساوي في رتبة التعريف، فقد أجاز سيبويه في قولك: (يا هذا ذا الجملة) أن تكون ذا الجمة عطف بيان، وبدلاً.

وقال النحاة في (مررت بهذا الرجل) إن الرجل عطف بيان، وقالوا في: (مررت بالرجل زيد) إن زيدًا عطف بيان، وقول ابن عصفور (عطف البيان يجرى فيه الأعرف على الأقل تعريفًا بخلاف النعت) مخالف لما أجاز سيبويه، وما جاز أن يكون عطف بيان جاز أن يكون بدلاً، ولا ينعكس إذ البدل ليس مشروطًا فيه التعريف، ولا التنكير، ولا المطابقة في إفراد وتثنية وجمع.

ويتعين عطف البيان في صور إحداها: أن يكون فيه (أل) وهو تابع لمنادي منصوب نحو: أيا أخانا الحارث، أو مضموم نحو: يا رجل الحارث، ويجوز الحارث بالنصب.

الثانية: أن يتبع مجرورًا بإضافة صفة مقرونة (بأل) وهو غير صالح لإضافتها إليه ومثاله

أنا ابن التارك البكري بشر = ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1944]

على الصحيح، وهو قول السيرافي، والرماني، والمبرد لا يجيز إلا نصب بشر، وأجاز الفارسي فيه البدل، فإن صلح لم يتعين نحو: الضارب الرجل غلام القوم.

الثالثة: أن يكون الكلام يفتقر إلى رابط، ولا رابط إلا التابع على عطف البيان نحو: هند ضربت الرجل أخاها.

الرابعة: أن يضاف أفعل التفضيل إلى عام، ويتبع بقسمي ذلك العام، ويكون المفضل أحد قسمي ذلك العام نحو: زيد أفضل الناس الرجال والنساء أو النساء والرجال.

الخامسة: أن يتبع موصوف أي بمضاف نحو: يا أيها الرجل غلام زيد.

السادسة: أن يفصل مجرور أي نحو قولهم: أي الرجلين زيد وعمرو أفضل.

السابعة: أن يفصل مجرور كلا نحو قولك: كلا أخويك زيد وعمرو قال ذلك.

الثامنة: أن يتبع المنادي المضموم باسم الإشارة نحو: يا زيد هذا.

التاسعة: أن يتبع المنادي المضاف على سبيل التفضيل بما هو مضاف، وما هو مفرد نحو قوله:

فيا أخوينا عبد شمس ونوفلا = ... ... ... ....

العاشرة: أن يتبع موصوف (أي) في النداء بمنون نحو: (يا أيها الرجل زيد).

[ارتشاف الضرب: 4/ 1945]

الحادية عشرة: أن يتبع اسم الجنس ذا (أل) المنادي المضموم نحو: يا زيد الرجل ويا غلام الرجل الصالح، وإذا أفردت التابع للمنادي المنصوب نصب نحو: يا أخانا زيدًا، أو المضموم جاز نصبه ورفعه نحو: يا غلام بشرًا أو بشر كالنعت نحو: يا أخانا، العاقل ويا فاسق الخبيث والخبيث، فلو أبدلت بشرًا على أنه بدل تعين ضمه فتقول: يا غلام بشر، وعطف البيان قد يجيء مشتركًا مع النعت والبدل نحو: جاء زيد أبو عمرو، ومع البدل نحو: جاء أبو محمد زيد، وقالوا: يجوز أن يجيء عطف البيان للتأكيد، كما يجيء النعت للتأكيد وأنشدوا:

لقائل يا نصر نصرًا نصرا

فنصر الأول المنادي مضموم، وهو نصر بن سيار، والثاني يروي بالنصب وبالرفع وبالضم، وللنحاة في تخريج ذلك أقوال: والعامل في عطف البيان كالعامل في النعت، وتقدم الخلاف في ذلك باب النعت.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1946]

باب التوكيد

معنوي ولفظي، المعنوي تابع بألفاظ محصورة، فلا يحتاج إلى حد ولا رسم، ومنها ما هو للإحاطة خلافًا لابن السراج والفارسي، فإنهما ذهبا إلى أن ما جيء به للإحاطة ليس من قبيل تكرار الاسم بلفظه، ولا بمعناه، فمن تلك الألفاظ نفس وعين، لفرد، وأنفس، وأعين للمثنى والمجموع، وهي مضافة لضمير المؤكد تقول: قام زيد نفسه، وقامت هند نفسها، وقام الزيدان أنفسهما، وقام الزيدون أنفسهم، وقامت الهندات أنفسهن.

وقد وهم الشيخ بدر الدين محمد بن الشيخ جمال الدين محمد بن مالك تابعًا لأبيه، فأجاز أن تقول في تثنية المؤكد: قام الزيدان نفساهما، وكذا عيناهما، ولم يذهب إلى ذلك أحد من النحويين، وفائدة التأكيد بالنفس، والعين هو إزالة التوهم عن المخاطب أن يكون المسند إليه الحكم، إنما أسند إليه مجازًا، ووقع مع غيره حقيقة، فإذا قلت: قام زيد نفسه كان هو الذي قام حقيقة.

وإذا أكد بالنفس والعين ضمير رفع متصل، فالمنصوص على أنه لا بد من تأكيد ذلك الضمير بمنفصل مرفوع نحو: قم أنت نفسك، وقاموا هم أنفسهم، وقمت أنت نفسك، وذكر الأخفش أنه يجوز على ضعف: قوموا أنفسكم.

(فرع): إذا قلت: هلم لكم أنفسكم جاز دون تأكيد للفصل الذي هو

[ارتشاف الضرب: 4/ 1947]

(لكم)، وهذا بلا خلاف فلا يتوهم أنه لا بد فيه من التأكيد، وتنفرد (نفس)، وعين بجواز جرهما بباء زائدة تقول: جاء زيد بنفسه، وجاء زيد بعينه.

وقالت العرب: جاءوا بأجمعهم بضم الميم وفتحها، وفيه معنى التأكيد، وليس من ألفاظه، ومن ألفاظ التأكيد (كلا) لمذكرين، و(كلتا) لمؤنثين تقول قام الزيدان كلاهما، وقامت المرأتان كلتاهما، وإذا كان المتبعض بذاته قد استعمل حيث لا يراد بالتبعيض، ولا يحتمله نحو: رأيت أحد الرجلين كليهما، والمال بين الرجلين كليهما، واختصم الرجلان كلاهما فمذهب الجمهور، ومنهم المبرد إلى الجواز.

وذهب الفراء، وهشام، وأبو علي إلى المنع، وعن الأخفش القولان، والصحيح المنع، لا يحفظ عن عربي شيء من تلك الصور، وإذا قلت اللذان اختصما كلاهما أخواك، وإذا قلنا بالمنع كان كلاهما تأكيدًا للموصول، أو مبتدأ خبره أخواك، وإذا قلنا بالجواز جاز هذان، وأنه يكون تأكيدًا للضمير.

وقال أبو بكر الخياط: القائمان كلاهما مختصمان، إن كان كلاهما من الأسماء توكيدًا للضمير المستكن في القائمين جازت المسألة، أو للألف واللام لم يجز في قول من لم يجز اختصم الزيدان كلاهما، وكذلك إن جعلت (كلاهما) مبتدأ، وجعلت (مختصمان) خبره فهو خطأ.

وفي كتاب ابن هشام أجاز البصريون، كلاهما مختصم، وكلاهما يختصم، وكلاهما مختصمان ويختصمان، ومنع ذلك بعض البغداديين في الإفراد والتثنية

[ارتشاف الضرب: 4/ 1948]

والجمع، وقال ابن مالك: ويستغنى بكلاهما عن كلتاهما ومن شواهد ذلك قوله:

يمت بقربى الزينبين كليهما = ... ... ... ...

وقال ابن عصفور: (هو من تذكير المؤنث حملاً على المعنى للضرورة، وأجاز الفراء: مررت بالرجلين كلاهما بالألف، والكسائي والفراء أجريا كلا من المظهر مجراها مع المضمر، ومنع ذلك البصريون في المسألتين، وأجاز البصريون: كلاكما ينطلق، وكلاكما ينطلقان، وكلاكما تنطلقان، ومنع الأخفش هذه الأخيرة.

ومن ألفاظ التوكيد (كل)، ومن فائدته رفع توهم إرادة المخصوص بما قبله، ويضاف إلى مفرد نحو: قبض المال كله، أو جمع نحو: قام القوم كلهم، وقامت الهندات كلهن، ويجوز (كلتهن) نص عليه الخليل عن بعض العرب، وزعم ابن مالك: أنه يستغنى بكلهما عن كليهما، وعن كلتيهما نحو: قام الرجلان كلهما، وقامت المرأتان كلهما أي كلاهما وكلتاهما، ويحتاج ذلك إلى سماع من العرب.

ولا يؤكد إلا متجزئ بالذات، أو بالعامل نحو: قبض المال كله، ورأيت زيدًا كله، وقال ابن مالك، ويستغنى بإضافة كل إلى مثل الظاهر المؤكد عن الإضافة

[ارتشاف الضرب: 4/ 1949]

إلى ضميره وأنشد على ذلك قوله:

... ... ... ... ... ... = يا أشبه الناس كل الناس بالقمر

ونحو ذلك، والذي ذكر الناس أن (كلا) في التوكيد يضاف إلى ضمير المؤكد، ويحمل ما أنشد على أنه نعت يبين كمال المنعوت، وهو أمدح، وقد مثل هو في باب النعت بقولك: زيد الرجل كل الرجل، وأنه نعت بمعنى الكامل، وغره في ذلك صلاحية (كلهم) مكان كل الناس، وأجاز الكوفيون، وتبعهم الزمخشري: الاستغناء بنية الإضافة عن صريح الإضافة، وجعلا من ذلك قراءة من قرأ: «إنا كل فيها»، إنا كلنا فيها، وخرج على أنه منصوب على الحال، وأختار أن يكون بدلاً من الضمير.

قال أبو بكر بن ميمون في كتابه نقع الغلل: وما حكاه ابن السراج من قول بعضهم: (مررت بهم كلا) فنصبه على الحال شاذ، كما شذ قول بعضهم: (هو أحسن الناس هاتين) يشير بهما إلى عينيه، وهاتان مبهم لا يتنكر بحال.

ومن ألفاظ التأكيد (جميع)، و(عامة) بمعنى (كل) نحو: قام القوم جميعهم، وقام القوم عامتهم ذكر ذلك سيبويه، وأغفله أكثر النحاة، وخالف

[ارتشاف الضرب: 4/ 1950]

المبرد في (عامتهم) فزعم أنه بمعنى أكثرهم، وأجمع، وأكتع، وأبصع، وأبتع بمعنى (كل)، فيؤكد بأجمع المتجزئ بالذات، أو بالعامل مثاله: قبض المال أجمع، ولا يثنى، ولا يجمع وما بعده، خلافًا للكوفيين والبغداديين، وابن خروف من أصحابنا، ومؤنث أجمع وتابعه جمعاء كتعاء بصعاء بتعاء، وفي جمع أجمع، وتابعه تقول: أجمعون أكتعون أبصعون أبتعون، وفي جمع جمعاء وتابعها تقول: جمع كتع بصع بتع، وجمع أجمع، وجمعاء على ما ذكرناه هو قول النحويين فيما أعلم.

وفي البسيط، لا تثنى، ولا تجمع لأنها بمنزلة (كل) في الدلالة، و(كل) لا يثنى، ولا يجمع، وإنما هي صيغ جمع لا جمع لأجمع، لا لجمعاء، وحكى (قبضت المالين أجمعين).

واتفق النحاة على أن ألفاظ التأكيد معارف، فأما ما أضيف إلى الضمير فظاهر وأما (أجمع) وتابعه، ففي تعريفه قولان:

أحدهما: أنه بنية الإضافة، وعزى هذا إلى سيبويه، واختاره السهيلي.

والثاني: أنه بالعلمية علق على معنى الإحاطة لما يتبعه، وهو اختيار ابن سليمان السعدي، ومحمد بن مسعود الغزني قال في كتابه البديع (أجمع وأخواتها معارف وتعريفها تعريف علمي كتعريف أسامة وهنيدة، وشعوب ونحوها انتهى).

وأجمع، وجمعاء وجمع وتوابعها ممنوعة الصرف، وإذا اجتمعت ألفاظ التحقيق بدأت بالنفس ثم بالعين مرتبا، وقيل على طريق الأحسنية [أو ما هو للشمول بدأت ثم بأجمع مرتبا، وقيل عن طريق الأولوية، أو اجتمعا فتقدم ما للتحقيق فتقول: رأيت القوم أنفسهم كلهم، وقيل: تقديم ما للتحقيق على

[ارتشاف الضرب: 4/ 1951]

ما للشمول على طريقة الأحسنية] وكثر ورود (أجمعين) في القرآن دون (كل) فهو يؤكد كما يؤكد (بكل)، وليس من باب الاستغناء به عن (كل) كما زعم ابن مالك، ,تبع أجمع أكتع وأبصع وأبتع بهذا الترتيب.

ومذهب الجمهور أنه لا يجوز تقديم أكتع على أجمع، وأجاز ذلك الكوفيون وابن كيسان أن تبدأ بأيتهن شئت بعد أجمع، وقال ابن عصفور لا تبال بأي قدمت من أبصع وأبتع على الآخر انتهى.

ولا يغني (أكتع) عن أجمع على مذهب الجمهور، وأجاز ذلك الكوفيون، وابن كيسان، وأجمع، وأخواته عند البصريين معارف فلا تتنكر، فتقع حالاً، وأجاز الفراء، نصب (أجمع) وجمعاء وتثنيتهما على الحال، وحكى: أعجبني القصر أجمع والدار جمعاء، وأجاز في التثنية أجمعين، وجمعاوين على الحال.

فأما نصيب أجمعين، و(جمع) على الحال فمنع ذلك الفراء، وأجازه ابن كيسان، واختاره ابن مالك، وقد جاء (جمعاء) بمعنى مجتمعة كما في الحديث (كما نتائج الإبل من بهيمة جمعاء) أي مجتمعة الخلق، وأجاز الأستاذ أبو على أن يكون (أجمع) في معنى مجتمع في قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1952]

أرمى عليها وهي فرع أجمع

ولا يتعين ما قال، وإذا اختلف العامل فلا يجوز التوكيد نحو قولك: مات زيد وعاش عمرو كلاهما، فإن اختلفا لفظًا واتفقا معنى أجازه الأخفش نحو: انطلق زيد وذهب بكر كلاهما، ويحتاج إجازة ذلك إلى تصريح بسماع من كلام العرب، والذي تقتضيه القواعد المنع، ولا يجوز عند البصريين أن تؤكد النكرة بشيء من ألفاظ التوكيد، وأجاز ذلك الأخفش، والكوفيون إذا كانت النكرة مؤقتة، وأجاز ذلك بعض الكوفيين مطلقًا سواء أكانت مؤقتة أم غير مؤقتة، واختاره ابن مالك فأجاز: صمت شهرًا كله، وهذا أسد نفسه، وجاء في الشعر توكيدها بما يقتضي الإحاطة.

وفي حذف المؤكد وإقامة المؤكد مقامه خلاف مثال ذلك: الذي ضربته نفسه زيد، فتقول: الذي ضربت نفسه زيد تريد ضربته، ذهب الخليل وسيبويه والمازني، وابن طاهر، وابن خروف إلى جواز ذلك، وذهب الفارسي، والأخفش وابن جني، وثعلب إلى منع ذلك، ولا يجوز الفصل بين المؤكد والتوكيد بما ليس بينهما علاقة، ويجوز إن كان بينهما علاقة نحو قوله تعالى:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1953]

«ولا يحزن ويرضين بما آتيتاهن كلهن» فـ(كلهن) تأكيد لنون الإناث وقال

ما رأس ذا إلا جبين أجمع

يريد ما رأس ذا أجمع إلا جبين ثم قال:

إذن ظللت الدهر أبكى أجمعا

يريد ظللت الدهر أجمع أبكى، فأما الفصل بإما نحو: مررت بقومك إما أجمعين وإما بعضهم فمنعه البصريون، وأجازه الفراء، والكسائي، ومررت بهم إما كلهم وإما بعضهم أجازه الفراء، ولا يجوز القطع في ألفاظ التوكيد لا تقول: مررت بزيد نفسه لا إلى الرفع ولا إلى النصب، كما جاز ذلك في النعت في مواضعه، ولا يجوز عطف ألفاظه بعضها على بعض لا يجوز: قام زيد نفسه وعينه، ولا جاء القوم كلهم وأجمعون، وأجاز العطف بعضهم، وهو قول ابن الطراوة.

وألفاظ التوكيد إذا تكررت هي للمتبوع المؤكد، وليس الثاني تأكيدًا للتأكيد وأجرت العرب مجرى (كل) في التأكيد اليد، والرجل، والزرع، والضرع، والظهر، والبطن والسهل، والجبل، والصغير، والكبير، والقوي والضعيف تقول: ضرب زيد اليد والرجل، وضرب بكر الظهر والبطن، ومطرنا الزرع والضرع ومطرنا السهل والجبل، وضربتهم كبيرهم وصغيرهم، وقويهم وضعيهم فهذه ألفاظ أخرجتها العرب عن مدلولاتها إلى العموم.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1954 ]

وألفاظ التأكيد لا تلي العامل، فتبقى على مدلولها في التأكيد إلا جميعًا وعامة، فإذا ولى العامل النفس والعين خرجا عن مدلولهما في التأكيد إلا جميعًا وعامة، فإذا ولى العامل النفس والعين خرجا عن مدلولهما في التأكيد تقول: فاضت نفس زيد، وفقئت عين عمرو، وتقول: مررت بجميعهم، وبعامتهم، وبجميعهم، وعامتهم يتحدثون، فيبقى جميع، وعامة على مدلولهما الذي كانا يدلان عليه حالة استعمالها للتوكيد، وأما (كل) وكلا وكلتا، فتستعمل في غير التأكيد مبتدأة بكثرة وغير مبتدأة بقلة قال:

كلهم أروغ من ثعلب = ... ... ...

فهذا كثير وقال

... ... .... = فيتصدر عنها كلها وهو ناهل

وقال (كليهما وتمرًا) وقال:

... ... ... ... ... = خصالاً أرى في كلها الموت قد برق

فاستعمله فاعلاً ومفعولاً ومجرورًا وهذا قليل، وقال بعض أصحابنا إذا أضيفت إلى الضمير لم تستعمل إلا تابعة للمؤكد، أو المبتدأة، ولا يدخل عليها عامل غير

[ارتشاف الضرب: 4/ 1955]

الابتداء إلا في شاذ من الكلام، أو ضرورة شعر، وإذا كان (كل) توكيدًا أو ابتدأت به فوضعه في كلامهم على العموم، فإذا بنيته على اسم نحو: هؤلاء كلهم تشير لمن عرفت من تعنى بالضمير المجرور في كلهم، أو على غير اسم نحو: ضربت كلهم، خرجت عن العموم، وتصير في معنى جميعهم، ويطلق اسم الجميع على الأكثر بخلاف ضربت القوم كلهم، لأنه لا يحيط بهم غالبًا هكذا نقل الخليل عنهم، وإلى الفرق بين الرفع والنصب في قوله

... ... ... ... كله لم أصنع

ذهب ابن أبي العافية، وقال الأستاذ أبو علي: لا فرق بين الرفع والنصب ومذهب البصريين التسوية بين كلهم وأجمعين في إفادة العموم دون تعرض لاجتماع في وقت، وعدمه خلافًا للفراء، والمبرد في زعمهما أن (أجمعين) يفيد الاجتماع في وقت الفعل.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1956]

فصل

التوكيد اللفظي يكون في المفرد، والمركب غير الجملة، والجملة، ويشمل المفرد الاسم والفعل والحرف، ويكون في المعرفة، والنكرة فمن توكيد الاسم.

أخاك أخاك إن من لا أخا له = ... ... ... ... ...

ومن توكيد الفعل:

... ... ... ... ... أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس

ومن توكيد الحرف: لا لا أبوح بحب بثنة = ... ... ... ...

ومن توكيد المركب غير الجملة:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1957]

... ... ... ... ... ... .... = فحتام حتام العناء المطول

ومن توكيد الجملة

قم قائمًا قم قائما

وهذا التوكيد اللفظي قد يكون بتكرار اللفظ مرتين، وهو الأكثر، وقد يكون بثلاث مرات نحو:

ألا حبذا حبذا حبذا = ... ... ... ... ... ...

وقد يكون بغير اللفظ بما يقويه، وما يوافقه معنى كتوكيد الضمير المستكن، والبارز نحو: قم أنت، وقمت أنا، والفعل باسم الفعل نحو قوله:

... ... ... ... .... = صمى لما فعلت يهود صمام

وإذا أكد الضمير المتصل أعيد مع ما اتصل به نحو: قمت قمت، ورأيتك رأيتك وزيد مررت به، وأما الحرف، فإن كان جوابًا أكدته بإعادة لفظه نحو:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1958]

نعم نعم، أجل أجل، لا لا، وإن لم يكن جوابًا، فنص السهيلي على أنه لا يعاد إلا مع ما دخل عليه من اسم أو فعل انتهى.

وسواء أكان عاملاً، أم غير عامل نحو: إن زيدًا إن زيدًا قائم ومفصولاً نحو: «أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم» ولا يعاد وحده إلا ضرورة، نص على ذلك ابن السراج وسمع تكرار (إن) و(ليت)، و(كأن) دون ما دخلت عليه، وأجاز الزمخشري إن إن زيدًا قائم، وتبعه ابن هشام، وإذا أكدت المجرور بحرف، وهو ظاهر، فالأجود إعادة الحرف داخلاً على ضمير الظاهر نحو: مررت بزيد به، وهو أجود من بزيد بزيد، ومن النحاة من يعرب (به) بدلاً، وأجاز بعض النحاة تأكيد المضمر المنفصل بالمبهم، وجعل من ذلك قوله تعالى: «ثم أنتم هؤلاء».

وإذا أكدت جملة بجملة وأمن اللبس، كان الأجود الفصل بينهما بـ(ثم) كقوله تعالى: «وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين» فإن لم يؤمن اللبس لم تدخل (ثم) نحو: ضربت زيدًا ضربت زيدًا، فلو أدخلت (ثم) أوهم أنهما ضربان، ويجوز توكيد الضمير المتصل مطلقًا بالضمير المرفوع المنفصل مطابقًا له في التكلم والخطاب، والغيبة والإفراد، والتثنية والجمع، والتذكير

[ارتشاف الضرب: 4/ 1959]

والتأنيث تقول: قمت أنا وأكرمني أنا، ومررت بي أنا، وزيد قام هو وأكرمته هو، ومررت به هو، وقمت أنت، وأكرمتك أنت، ومررت بك أنت، ثم الضميران إن اتفقا لفظًا فلا يجتمعان باتفاق، وإن اختلفا، فمذهب سيبويه أنهما لا يجتمعان فلا تقول: رأيته هو إياه وأجازه بعضهم، وكذا لو اجتمعا مع الفصل على رأي سيبويه فلا تقول: ظننته هو إياه خيرًا منه.

وإذا أتبعت الضمير المتصل بمنفصل مثله في الإعراب نحو: قمت أنت وأكرمتك إياك جاز في أنت أن يكون توكيدًا، وأن يكون بدلاً، وأما (إياك) فمذهب البصريين أنه بدل من الضمير المتصل، ومذهب الكوفيين أنه توكيد لا بدل، واختاره ابن مالك، وإذا قلت: زيد قام هو، وقمت أنت، فمذهب الفراء أنه إثبات الفعل للاسم، ونفى عن غيره وأن قولك: نفسه إثبات للاسم، وليس فيه نفي عن غيره، والتأكيد بالضمير وبالنفس عند سيبويه سواء ليس فيهما نفي عن غير الاسم.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1960]

باب البدل

تابع مستقل بمقتضى العامل تقديرًا دون متبع، (تابع) جنس يشمل التوابع، والتبعية في الإعراب لفظًا أو موضوعًا نحو:

لستما بيد إلا يدا

و(مستقل) يخرج النعت، وعطف البيان والتوكيد، وأكثر النحاة على أن العامل في البدل مقدر، وهو بلفظ الأول، فهو من جملة ثانية لا من الجملة الأولى، ولا ينوي بالأول الطرح، وقد صرح سيبويه بأن البدل من جملة ثانية، ويظهر العامل كثيرًا إذا كان حرف جر نحو: «لمن آمن منهم» ويجب ذكره في نحو: مررت بزيد به.

واختلفوا في جواز إظهار الرافع والناصب في نحو: قام زيد أخوك، وضربت زيدًا أخاك، فأجاز ذلك بعضهم فتقول: قام زيد قام أخوك، وضربت زيدًا ضربت أخاك، ومنع ذلك بعضهم، وجعل ما أوهم ذلك كقوله تعالى: «اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسئلكم أجرا» من تكرار الجمل، وإن كان واحدًا، ويسمى التتبيع.

وذهب بعض النحويين، ومنهم المبرد إلى أن العامل فيه هو العامل في المبدل منه، وليس على نية تكرار العامل، وهو ظاهر قول سيبويه في بعض كلامه، وقيل العامل هو الأول بحكم العوضية عن العامل الثاني المحذوف، واحترز بقوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1961]

دون متبع من المتبع (ببل)، و(لكن) نحو: مررت بزيد بل عمرو، وما قام زيد لكن عمرو، ويسمى الكوفيون هذا بالترجمة والتبيين، والتكرير، والبصريون يسمونه البدل.

والبدل يوافق المبدل منه، ويخالفه في التعريف والتنكير مثال موافقته في التعريف «إلى صراط العزيز الحميد الله» في قراءة من جر، وفي التنكير: «مفازا حدائق» ومثال المخالفة «إلى صراط مستقيم صراط الله» و«لنسفعا بالناصية ناصية» وسواء أكانت النكرة من لفظ الأولى، أو لم تكن، أو موصوفة أم غير موصوفة، وذهب الكوفيون، والبغداديون إلى اشتراط وصف النكرة إذا أبدلت من المعرفة، وتبعهم السهيلي على ذلك، ونقل ابن مالك أن مذهب الكوفيين لا يجوز إبدال النكرة من المعرفة إلا أن يكون من لفظ الأول، وكلام الكوفيين على خلاف النقل، قال الكسائي والفراء في (قتال) من قوله تعالى: «عن الشهر الحرام قتال فيه» خفضه على نية (عن) مضمرة.

ونسب بعض أصحابنا ما نقله ابن مالك عن الكوفيين إلى نحاة بغداد، لا إلى نحاة الكوفة، وأجاز سيبويه: «هذا عبد الله رجل منطلق»، و(رجل)

[ارتشاف الضرب: 4/ 1962]

نكرة بدل من معرفة، وسمع بدل النكرة من المعرفة، وليست من لفظ الأول، ولا موصوفة وهذا مذهب البصريين.

وأما بدل المضمر من المضمر في بدل كل من كل، فمثاله: رأيتك إياك: وتقدم الخلاف فيه بين البصريين والكوفيين، وأما في بدل بعض من كل، وفي بدل الاشتمال فمثاله: ثلث التفاحة أكلتها إياه، وحسن الجارية أعجبتني هو، وفي جواز مثل هذا التركيب خلاف، والذي نختاره المنع، ولو أبدلت مضمرًا من ظاهر في بدل كل من كل قلت: رأيت زيدًا إياه هكذا مثل أصحابنا، وقال ابن مالك: لم يستعمل هذا في كلام العرب نثره ونظمه، ولو استعمل لكان توكيدًا.

أو في بدل بعض من كل أو اشتمال قلت: ثلث التفاحة أكلت التفاحة إياه، وحسن الجارية أعجبتني الجارية هو، وفي جواز ذلك خلاف، وفي النهاية: يجوز إبدال إيا من المضمر نحو: رأيتني إياي، ومن المظهر نحو: رأيت زيدًا إياه، وتقول: إنك أنت إياك خير من زيد، منهم من أجازه تجعل (أنت) توكيدًا للكاف، و(إياك) بدل من الكاف، فيعطي كل مضمر حكمه، ومنهم من منعه، لأن (إياك) مع كونه بدلاً لا يخلو من التوكيد، فلا فائدة في ذكر (أنت)، لأنه وإياك يدلان على شيء واحد، ولأنك إذا جعلت (إياك) بدلاً من الكاف لم يحسن توكيده، لأنه متروك، لأن المبدل منه في نية الطرح، وقال: مسألة مشكلة الظاهرة تقولك زيد هند أكرمتني أنا وإياك هو وهي، زيد مبتدأ

[ارتشاف الضرب: 4/ 1963]

أول، و(هند) مبتدأ ثان، وأكرمتني وما بعده خبر عن هند، وهند وما بعده خبر عن زيد، وفي (أكرمتني) ضمير يعود على هند، وأنا توكيد للياء في أكرمتني، وهو معطوف على ذلك المضمر، ولم يعطف عليه إلا بعد توكيده انتهى.

والبدل على أقسام: بدل موافق من موافق، وهو الذي يسمونه بدل كل من كل، وبعض أصحابنا اصطلح عليه ببدل الشيء من الشيء، وإنما عدل عن مصطلح الجمهور لوجود ذلك في ما لا يطلق عليه بدل كل من كل كقوله تعالى: «العزيز الحميد»، وهذا البدل يوافق في التذكير والتأنيث نحو: مررت بأخيك زيد وبأختك هند، وفي الإفراد كما مثلنا، وفي التثنية نحو: عرفت ابنيك المحمدين، وفي الجمع: عرفت أصحابك الزيدين، إلا إن كان المبدل منه لفظ المصدر، فإنه قد يبدل منه الجمع نحو: «مفازا حدائق» أو قصد التفصيل فلا يطابق في التثنية والجمع نحو قوله:

وكنت كذي رجلين رجل صحيحة = ورجل ... ... ... ...

ومررت بإخوتك زيد وبكر وخالد، وإذا كان في البدل زيادة بيان، فربما اتحدا في اللفظ نحو «وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها» في قراءة من

[ارتشاف الضرب: 4/ 1964]

نصب، ويجوز إبدال ظاهر من مضمر غائب نحو: زيد ضربته أخاك، فإن أبدلته من ضمير متكلم أو مخاطب، وأفاد معنى الإحاطة جاز نحو: «تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا»، وأكرمتكم صغيركم وكبيركم، وإن لم يفد معنى الإحاطة فمذاهب:

أحدها: أنه يجوز وهو قول الكوفيين والأخفش.

الثاني: أنه يجوز في الاستثناء فتقول: ما ضربتكم إلا زيدًا وهو قول قطرب.

الثالث: أنه لا يجوز، وهو قول جمهور البصريين، وسمع الكسائي إلى أبي عبد الله وقال:

بكم قريش كفينا كل معضلة = ... ... ... ....

القسم الثاني: بدل بعض من كل نحو: مررت بقومك ناس منهم، وصرفت وجوهها أولها، وشرط هذا البدل أن يرد المسألة إلى أصلها الذي اختصرت منه، بأن يظهر العامل في البدل، فيصير الكلام جملتين كما كان قبل أن يختصر، فإن

[ارتشاف الضرب: 4/ 1965]

ساغ الاكتفاء بكل من الجملتين جازت المسألة وإلا امتنعت، فعلى هذا تقول: جدعت زيدًا أنفه، ولقيت كل أصحابك أكثرهم.

القسم الثالث: بدل اشتمال وأكثر وروده بالأوصاف نحو: أعجبني زيد علمه، وأعجبتني الجارية ظرفها، وقد جعلوا منه ما كان ذاتًا نحو: سرق زيد ثوبه، وسرق زيد فرسه، وسرني زيد قلنسوته، وسرتني الفتاة زجها وسنانها، وقالت طائفة: هو ما بينه وبين المبدل منه تعلق ما عدا نسبة الجزئية، وقد منع سيبويه أن يكون منه: مررت بزيد أبيه، وإن كان بينهما تعلق غيره نسبة الجزئية.

وحكى البصريون عن الكوفيين أنهم يجيزون في هذا البدل: مررت بزيد أبيه، كما يجيزون: سلب زيد ثوبه، ولا يجيزه إلا البصريون، وفي جمل الزجاجي: كان عبد الله ماله كثير على الابتداء، وكثيرًا على البدل، ولا يجوز لو قلت: كان عبد الله كثيرًا لم يصح، ولم يفهم منه كثرة المال، وما جاز فيه البدلية والابتداء، فالأقيس، والأكثر في الكلام الابتداء نحو: رأيت زيدًا وجهه حسن، ويجوز وجهه حسنًا، وشرط هذا البدل، وبدل بعض من كل عند أصحابنا صحة الاستغناء بالمبدل منه عن البدل ولو قلت: أسرجت القوم دابتهم لم يجز أن يكون منه بخلاف: سرق زيد ثوبه، وقد فرقوا بين المسألتين.

ويشترط في هذين البدلين أن يكون فيهما ضمير يعود على المبدل منه، إما ملفوظ به، وإما مقدر نحو: ضربت زيدًا رأسه، وأعجبتني الجارية حسنها وقوله تعالى: «من استطاع إليه سبيلا» فيمن أعرب (من) بدلاً من الناس، فقدر الضمير أي منه، وقوله:

لقد كان في حول ثواء ثويته = ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1966]

أي ثويته فيه، فأما «قتل أصحاب الأخدود النار» فاتفقوا على أن (النار) بدل، قال الفارسي: بدل اشتمال، وقال الفراء، وابن الطراوة: بدل كل من كل، وقال ابن خروف: بدل إضراب، وقال ابن هشام: على حذف مضاف أي أخدود النار، ومن النحويين من لا يلتزم في هذين البدلين ضميرًا، ويجوز في هذين البدلين أن يبدل من ضمير المتكلم والمخاطب كما يبدل من ضمير الغائب تقول: ضربني رجلي زيد، و:

... ... ... ... .... = وما ألفيتني حلمي مضاعا

[ارتشاف الضرب: 4/ 1967]

وضربتك رأسك، وأجبتك علمك كما تقول: زيد ضربته رأسه، واستجدته عقله، واختلفوا في المشتمل في بدل الاشتمال، فذهب الفارسي في أحد قوليه، والرماني في أحد قوليه، وخطاب الماردي إلى أن الأول مشتمل على الثاني قال خطاب: ولا يجوز: سرني زيد داره، ولا أعجبني زيد فرسه، ولا رأيت زيدًا فرسه، ويجوز: سرني زيد ثوبه، وسرني زيد قلنسوته، لأن الثوب يتضمنه جسده، وقد ردوا عليه هذه المثل التي أجازها.

وذهب الفارسي في الحجة إلى أن الثاني مشتمل على الأول نحو: سرق زيد ثوبه، وذهب المبرد، والسيرافي، وابن جني، والرماني في أحد قوليه، ومن أصحابنا ابن الباذش، وابن أبي العافية، وابن الأبرش إلى أن المعنى المسند إلى المبدل منه مسند إلى البدل، فيكون إسناده إلى الأول مجازًا، إلى الثاني حقيقة، إذ المسلوب في الحقيقة هو الثوب لا الرجل، والمعجب هو العلم لا زيد، وإذا صح فيما كان بدلاً أن يكون مبتدأ وما بعده خبره، كان الابتداء فيه أقيس من البدل وأكثر، وذلك نحو: علمت زيدًا وجهه حسن، وألفيت زيدًا حلمه مضاع، ومنه «ترى الذين كذبوا على الله وجوهم مسودة» و:

فما كان قيس هلكه هلك واحد = ... ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 1968]

قاله سيبويه وذكر أن البدل جائز، فتنصب وجهه حسنًا وحلمه مضاعًا، وهلك واحد، والعرب إذا أتت بعد البدل بخبر، أو حال، أو غير ذلك إنما تعتمد به على البدل لا على المبدل نحو: إن هندًا حسنها فاتن، وأبصرت هندًا ثغرها باسمًا، وإن زيدًا وجنته موردة، وزعم ابن مالك: أنه قد يكون البدل في حكم الملغي، فيكون الاعتماد على المبدل منه لا على البدل، واستدل بما لا دليل فيه ألبتة.

وهذه الأبدال الثلاثة هي المتفق عليها، وقد رد السهيلي بدل بعض من كل، وبدل اشتمال إلى بدل موافق من موافق فقال: العرب تتكلم بالعام وتريد به الخاص، وتحذف المضاف وتنويه فقولك: أكلت الرغيف ثلثه، فإنما تريد أكلت بعض الرغيف، ثم بينت ذلك البعض فقلت ثلثه، وإذا قلت: أعجبتني الجارية فالإعجاب إنما هو لصفة من صفاتها، فحذفت المضاف ثم بينت ذلك المحذوف فقلت: حسنها.

واختلفوا في بدل الكل من البعض، وفي بدل البداء ويسمى أيضًا بدل الإضراب، فأما الأول فنحو: لقيته غدوة يوم الجمعة، ومنه:

[ارتشاف الضرب: 4/ 1969]

كأني غداة البين يوم تحملوا = ... ... ... ... ....

والجمهور على نفي بدل كل من بعض، وأما بدل البداء فأثبته سيبويه، وهو ذكرك المبدل منه والبدل من غير أن يكون الثاني ليس مطابقًا للأول في المعنى، ولا متضمنا المبدل منه بجزئه، ولا بينهما تلازم لوصفية أو غيرها، بل هما متباينان من حيث اللفظ والمعنى وذلك: مررت برجل امرأة أخبرت أولاً أنك مررت برجل ثم بدا لك أن تخبر أنك مررت بامرأة من غير إبطال لمرورك برجل فصار كأنهما إخباران مصرح بهما؛ إذ التقدير: مررت برجل مررت بامرأة، وحكى أبو زيد: (أكلت لحما سمكا تمرا) ومن لم يثبت هذا البدل جعله مما حذف منه حرف العطف أي لحما وسمكا وتمرًا، وبدل الغلط شبيه في اللفظ ببدل البداء، لكن الأول غير مراد، إنما سبق اللسان إلى ذكره غلطًا.

وزعم أبو العباس، وخطاب الماردي أن بدل الغلط لا يوجد في كلام العرب لا نثرها ولا نظمها قال خطاب: وقد عنيت بطلب ذلك في الكلام والشعر فلم أجده فطالبت غيري به فلم يعرفه، وزعم ناس من أهل الأندلس منهم أبو محمد بن السيد أنه وجد في شعر العرب بدل الغلط وما ذكروه تأوله منكرو ذلك.

وفي البسيط: وأما بدل الغلط، فجوزه سيبويه، وجماعة من النحويين،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1970]

واختلفوا في المبدل منه هل ينوي به الطرح لفظًا ومعنى، فقال به المبرد، فتبطل عنده مسائل مما يعرض فيها رجوع ضمير إلى الأول، فإذا طرح لم يكن للضمير ما يعود عليه، وقال الأستاذ أبو علي: معنى قولهم: في نية الطرح أنه يقدر له عامل من جنس الأول يعمل فيه، لأن الأول يطرح ألبتة، لأن في كلام العرب ما يبطل ذلك وهو نحو: زيد ضربته أبا بكر، فلو طرح الضمير لم يبق ما يربط الجملة بالمبتدأ.

وقال ابن مالك: وقد يستغنى في الصلة بالبدل عن لفظ المبدل منه كقولك أحسن إلى الذي وصفت زيدًا بالنصب على البدل من الهاء المقدرة، وبالجر بدلاً من الموصول، وبالرفع على خبر ابتداء مضمر، وخالف في جواز ذلك السيرافي وغيره، وقال تعالى: «ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب» وفي الغرة: (الكذب) بدل من الضمير المحذوف من تصف لا يحسن، لأن الشيء لا يحذف ويبدل منه، لأن حذفه اختصار والبدل إسهاب، وقد أجازه الأخفش انتهى.

وإذا أبدلت من اسم استفهام أو من اسم شرط أعيدت أداة الاستفهام، وهي الهمزة مع البدل من اسم الاستفهام وأداة الشرط، وهي إن مع البدل من اسم الشرط فتقول: كيف زيد أصحيح أم سقيم، ومتى قدمت أيوم الخميس أم يوم الجمعة، وبمن تمرر إن رجل أو امرأة أمرر به، وما تقرأ أنحوًا أم فقها أقرأه، فإذا أتيت

[ارتشاف الضرب: 4/ 1971]

بـ(هل)، أو بـ(إن) فقلت: هل جاء أحد رجل أو امرأة، وإن تضرب أحدًا أرجلاً أو امرأة أضربه لم تدخل الأداة على البدل.

وأجاز ابن جني والزمخشري، وتبعهما ابن مالك أن تبدل الجملة من المفرد، وفي البديع: قد تبدل الجملة من الجملة إذا اتفقا في المعنى، وما استدلوا به لا تقوم به حجة، وفي النهاية: تبدل الجملة من الجملة وجعل من ذلك «أنهم هم الفائزون» على قراءة الكسر بدلاً من «إني جزيتهم اليوم» ويجوز فيها الاستئناف، وجعل ابن جني في قول ابن عطاء السدي أن قوله:

... ... ... ... .... = وقد نهلت ... ... ....

بدلاً من قوله: يخطر بيننا انتهى

ويصح إبدال الفعل من الفعل إذا كان بمعناه كقوله:

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا = تجد ... ... ... ....

أو كان الثاني نوعًا مما قبله نحو: متى تأت تحسن أحسن إليك.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1972]

وفي البسيط: اتفقوا على أن بدل الفعل من الفعل، يكون فيه بدل الشيء من الشيء، ولا يكون فيه بدل بعض من كل، واختلفوا في بدل الاشتمال، ومن أثبته فيه جعل منه: «ومن يفعل ذلك يلق أثامًا يضاعف»، ويجوز فيما فصل به جمع أو عدد الاتباع بدلاً، والقطع إن كان وافيًا بالفصل فتقول: مررت برجال زيد، وعمرو وبكر، ومررت بثلاثة بكر، وجعفر، وخالد، فإن أبدلت اتبعت المبدل منه في الإعراب، وإن شئت قطعت إلى الرفع فقلت: زيد وعمرو وبكر، وكذا فيما أبدل من اسم العدد، وإن لم يف بأن لم ينطلق عليه اسم المفصل قطعت فتقول: مررت برجال زيد وعمرو وبكر، ومررت بثلاثة بكر وجعفر وخالد أي منهم، وليس من شرط القطع التفصيل، بل يجوز في نحو: مررت بزيد أخيك أن تقطع فتقول: أخوك، نص عليه سيبويه، والأخفش وهو قبيح عند بعضهم إلا إن طال الكلام نحو: «بشر من ذلكم» فإن جاء جمع، وتبعه ما ليس موافقًا، فيؤول الجمع على أنه متجوز فيه واقع على الاثنين، أو اعتقد محذوف يفي به، وبالمذكور الإطلاق على الجمع وذلك نحو قوله:

توهمت آيات لها فعرفتها = لستة أعوام وذا العام سابع

[ارتشاف الضرب: 4/ 1973]

رماد ككحل العين لأيا أبينه = ونؤى كجذم الحوض أثلم خاشع

يروى برفع (رماد) و(نؤى) على القطع من آيات أي منها رماد ونؤى، وبنصبهما على تأويل آيات بمعنى آيتين فيكون قد قطع، أو على إقرار آيات على الجمعية، وتقدير محذوف يصح به الاتباع أي رمادًا ونؤيًا وأثفية.

ولا يجوز أن يتقدم بدل الموافق على المبدل منه، وقد تقول: أكلت ثلث الرغيف، وأعجبني حسنه زيد، لكن الأحسن الإضافة فتقول: أكلت ثلث الرغيف، وأعجبني حسن زيد، والأحسن ألا يفصل بين البدل والمبدل منه، وقد يفصل بالظرف والصفة ومعمول الفعل نحو: أكلت الرغيف في اليوم ثلثه، وقام زيد الظريف فقم، وقال تعالى: «قم الليل إلا قليلا».

[ارتشاف الضرب: 4/ 1974]

باب عطف النسق

تابع بأحد الحروف، ولا يحتاج إلى حد، والنسق عبارة الكوفيين، وأكثر ما يقول سيبويه باب الشركة، وهذه الحروف على قسمين متفق عليه، ومختلف فيه، المتفق عليه أنه من حروف العطف الواو، والفاء، وثم، وأو، وبل، ولا، ويأتي تفصيل أحكامها إن شاء الله تعالى.

والمختلف فيه (لكن)، و(إما)، و(إلا)، و(ليس)، و(أي)، و(حتى)، و(أم)، و(لولا)، و(هلا)، ومن الأدوات (كيف) و(متى)، و(أين)، أما (لكن) ففيها خمسة مذاهب:

أحدها: أنها ليست بحرف عطف، وهو مذهب يونس، بل هي حرف استدراك والعطف بالواو وتقول: ما قام سعد ولكن سعيد، ولا تزر زيدًا ولكن عمرًا.

الثاني: أنها حرف عطف، وهو مذهب أكثر النحويين منهم الفارسي فتكون عاطفة، ولا تحتاج إلى الواو تقول: ما قام زيد لكن عمرو، وما ضربت زيدًا لكن عمرًا، وما مررت بزيد لكن عمرو.

الثالث: أنها عاطفة بنفسها، ولا بد في العطف بها من الواو قبلها، والواو زائدة قبلها إذا عطفت، وهو اختيار ابن عصفور.

والرابع: أن العطف بها وأنت مخير بين أن تأتي بالواو، وألا تأتي بها وهو قول ابن كيسان.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1975]

والخامس: أن العطف هو من عطف الجمل لا من عطف المفردات، والواو هي العاطفة، فإذا قلت: ما قام سعد ولكن سعيد، فالتقدير: ولكن قام سعيد وكذلك في النصب، وفي الترشيح: ولو قلت ما قام زيد ولكن عمرو لم يجز، لأنه لا يجمع بين حرفي عطف انتهى.

وأما (إما) وهي التي تدخل عليها الواو، فذكر ابن مالك: أن مذهب يونس، وابن كيسان، وأبي علي: على أنها ليست بحرف عطف، وأن العطف بالواو لا بـ(إما) إذا قلت: قام إما زيد، وإما عمرو، وذكر ابن عصفور اتفاق النحويين على أن (إما) ليست من حروف العطف لا الأولى ولا الثانية انتهى.

وقد عد سيبويه (وإما) في حروف العطف، وحمل بعضهم كلام سيبويه على ظاهره فقال: الواو رابطة بين إما الثانية وبين (إما) الأولى، وقال بعض المتأخرين: الواو عطف إما على (إما)، وإما (الثانية) عطفت الاسم على الاسم الذي بعد (إما) الأولى، وقال الرماني (إما) الثانية حرف عطف، وتأول بعض النحاة كلام سيبويه بأنه لما كانت صاحبة المعنى، ومخرجة للواو عن الجمع، والتابع يليها سماها عاطفة مجازًا، وأما (إلا): فذهب الأخفش، والفراء إلى أنها

[ارتشاف الضرب: 4/ 1976 ]

قد تكون حرف عطف، وجعل الأخفش من ذلك قوله تعالى: «لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم»، وأجاز الفراء في قوله تعالى: «خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك» أي وما شاء ربك.

وذهب الجمهور  إلى أن (إلا) لا تكون حرف عطف، وفي محفوظي أن أحمد بن يحيى ذهب إلى أنها حرف عطف في مثل: ما قام القوم إلا زيد، وما ضربت القوم إلا زيدًا، وما مررت بالقوم إلا زيد.

وأما (ليس) فحكى النحاس، وابن بابشاذ عن الكوفيين أنهم ذهبوا إلى أنها قد تكون حرف عطف، وحكاه ابن عصفور عن البغداديين، وقال أبو جعفر النحاس: قال هشام: ضربت عبد الله ليس زيدًا، وقام عبد الله ليس زيد، ومررت بعبد الله ليس بزيد، لأنك لا تضمر المرور والباء، ولا يجيز حذف الباء، ولا يجيزون: إن زيدًا ليس عمرًا قائم، لأنهم يضمرون العامل بعد الاسم، فيجيزان: زيدًا ليس عمرًا إن قائم، ولو قلت: ظننت زيدًا ليس عمرًا قائم جاز عندهم، لأن ظننت تعمل فيما قبلها، والعطف بـ(ليس) عند البصريين خطأ، وقال ابن كيسان: قال الكسائي: هي على بابها ترفع اسمًا وتنصب خبرًا، وأجريت في النسق مجرى (لا) مضمرًا اسمها فإذا قلت: رأيت زيدًا ليس عمرًا، ففيها اسم مجهول، وهو الأمر، ورأيت محذوفة اكتفاءً بالتي تقدمها، وعمرو محمول على المحذوف لا على العطف على ما قبله. قال ابن كيسان: وهذا الذي أذهب إليه، لأن ليس فعل، ولا بد للفعل من اسم، فإذا عملت في اسم فلا بد من خبر، والخبر حذفه جائز انتهى.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1977]

وفي الحقيقة ليست (ليس) عندهم أداة عطف، لأنهم أضمروا الخبر في قولهم: قام زيد ليس عمرو، وفي النصب والجر جعلوا الاسم ضميرًا لمجهول، وأضمروا الفعل بعدها، وذلك الفعل المضمر في موضع خبر ليس، هذا تحرير مذهبهم، فليس يعطف مفردًا على مفرد على ما يفهم من كلام ابن عصفور، وابن مالك، وهشام، وابن كيسان أعرف بتقدير مذهب الكوفيين منهما.

وأما (أي) فذهب الكوفيون، وتبعهم ابن السكاكي الخوازرني من أهل المشرق، وأبو جعفر بن صابر من أهل المغرب إلى أنها حرف عطف تقول: رأيت الغضنفر أي الأسد، وضربت بالعضب أي السيف، والصحيح أنها حرف تفسير يتبع بعدها الأجلي للأخفى، وهو عطف بيان يوافق في التعريف والتنكير ما قبله.

وأما (حتى): فذهب الكوفيون إلى أنها ليست بحرف عطف، وإنما يعربون ما بعدها بإضمار، والعطف بها رواه سيبويه، وأبو زيد، وغيرهما عن العرب لكن ذلك لغة ضعيفة، ولذلك قال أبو الحسن في الأوسط له: زعموا أن قومًا يقولون: جاءني القوم حتى أخوك، وضربت القوم حتى أخاك وليس بالمعروف.

وأما (أم): فذكر النحاس فيها خلافًا، وأن أبا عبيدة ذهب إلى أنها بمعنى الهمزة فإذا قال: أقام زيد أم عمرو فالمعنى أعمرو قام، فتصير على مذهبه استفهامين، وقال محمد بن مسعود الغزني في كتابه المسمى البديع: أما (أم)

[ارتشاف الضرب: 4/ 1978]

فعديل همزة الاستفهام، وليس بحرف العطف، ولذلك تقع بعدها جملة مستفهم عنها كما بعد الهمزة نحو: أضربت زيدًا أم قتلته، وأبكر في الدار أم خالد أي: أم خالد فيها، ولتساوى الجملتين بعدهما في الاستفهام حسن وقوعها بعد سواء، وإذا كان معنى الهمزة معنى [أم] أي: الأمرين، فكيف تكون حرف العطف، لكنه من حيث يتوسط بين محتملي الوجود لتعيين أحدهما بالاستفهام كتوسط (أو) بين اسمين محتملي الوجود قيل أنه حرف عطف انتهى.

وأما (لولا): فحكى أحمد بن يحيى عن الكسائي أنه أجاز: مررت بزيد فلولا عمرو بحذف الباء، وأتى ذلك الفراء، ولولا هذه هي التحضيضية.

وأما (هلا)، فذهب الكوفيون إلى أنها من أدوات العطف قالوا: تقول العرب: جاء زيد فهلا عمرو، وضربت زيدًا فهلا عمرًا، فمجيء الاسم موافقًا للأول في الإعراب دل على العطف، والصحيح أنها ليست من أدوات العطف والرفع، والنصب هو على إضمار الفعل بدليل امتناع الجر في نحو: ما مررت برجل فهلا امرأة.

وأما (كيف) فذهب هشام إلى أنها حرف نسق، وزعم أنه لا ينسق بها إلا بعد نفي وأجاز: مررت بزيد فكيف بعمرو وقال يونس: امرر على أيهم

[ارتشاف الضرب: 4/ 1979]

أفضل إن زيد وإن عمرو، يعني إن مررت بزيد، وإن مررت بعمرو، قال سيبويه: وهذا يشبه قول النحويين: (ما مررت بزيد فكيف أخيه) قال: وهذا رديء لا تتكلم به العرب، وزعم يونس أن الجر خطأ، ونسب ابن عصفور: العطف بكيف للكوفيين، وقال ابن بابشاذ: لم يذهب إلى العطف بـ(كيف) إلا هشام وحده.

وأما (متى) فحكى ثعلب عن الكسائي أنه أجاز: مررت بزيد فمتى عمرو بالجر ومنع ذلك الفراء كالبصريين، وأما (أين) فذهب الكوفيون إلى أنها من أدوات العطف وقالوا: قالت العرب هذا زيد أين عمرو.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1980]

باب ذكر الحروف المتفق عليها وبعض أحكام من المختلف فيه

فمن ذلك (الواو) وتشرك في الحكم تقول: قام زيد وعمرو، فيحتمل ثلاثة معان:

أحدها: أن يكون قاما معًا في وقت واحد.

والثاني: أن يكون المتقدم قام أولاً.

والثالث: أن يكون المتأخر قوم أولا.

وقال ابن مالك: وتنفرد (الواو) بكون متبعها في الحكم محتملاً للمعية برجحان، وللتأخر بكثرة، وللتقدم بقلة، وهذا الذي ذكره مخالف لمذهب سيبويه وغيره، قال سيبويه: وذلك قولك: مررت برجل وحمار كأنك قلت: مررت بهما وليس في هذا دليل على أنه بدأ بشيء قبل شيء، ولا شيء مع شيء، وقال ابن كيسان: لما اختلفت هذه الوجوه، ولم يكن فيها أكثر من جمع الأشياء كان أغلب أحوالها أن يكون الكلام على الجمع في كل حال، حتى يكون في الكلام ما يدل على التفرق.

وذهب هشام، وأبو جعفر أحمد بن جعفر الدينوري إلى أن الواو لها معنيان معنى اجتماع فلا تبألى بأيها بدأت نحو: اختصم زيد وعمرو، ورأيت زيدًا وعمرًا إذا اتحد زمان رؤيتهما، ومعنى افترقا بأن يختلف الزمان، فالمتقدم في الزمان متقدم في اللفظ، ولا يجوز أن يتقدم المتأخر.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1981]

وما ذكرناه عن هشام، والدينوري من أن (الواو) التي ليست لمعنى الاجتماعي ترتب، هو منقول عن قطرب، وثعلب، وأبي عمرو الزاهد غلام ثعلب.

وما ذكره السيرافي، والسهيلي من إجماع النحاة بصريهم، وكوفيهم على أن (الواو) لا توجب تقديم ما قدم لفظه، ولا تأخير ما أخر لفظه غير صحيح، لوجود الخلاف في ذلك، وتنفرد (الواو) أيضًا بعدم الاستغناء عنها في عطف ما لا يستغنى عنه مثاله: اختصم زيد وعمرو، وهذان زيد وبكر، وإن إخوتك زيدًا وعمرًا، وبكرًا نجباء، والمال بين زيد وعمرو، وزيد بين أخيك وبكر، وسواء عبد الله وبشر، وأجاز الكسائي [وأصحابه: اختصم زيد مع عمرو، فنابت (مع) مناب الواو، ومنع ذلك الفراء، وأجاز الكسائي] ظننت عبد الله ثم زيدًا مختصمين بـ(ثم)، و(بالفاء)، و(بأو)، ومنع ذلك البصريون، والفراء إلا بالواو، وقال الفراء: لا يجوز أظن عبد الله مختصمًا فزيدًا، ولا يثم، ولا بـ(أو)، وحكى الكسائي: «لأضربن عبد الله، ومحمد على هذه الصفة، وكذا قال الفراء وهشام، وقال الفراء: إذا بدأت بالفعل فقلت: ضربت عبد الله وزيدًا، كان في (زيد) الرفع بالرد على التاء، أو بنسق على التاء بمعنى التكرير والنصب على عبد الله أو بالتكرير، ووجه خامس: أن يرفع زيدًا على الرد على عبد الله، وإن كان نصبا وذلك أن الواو لم يظهر معها الفعل، وجاء بعد تمام الكلام بالاسم فكأنك قلت: وزيد كذلك، وزعم هشام أنه لا يجوز: ضربت عبد الله ورجل، فلو قلت ضربت عبد الله فزيدًا، استقبحه الفراء في الفاء.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1982]

وقال هشام: إذا أردت الاستئناف، فجميع النسق سواء، ولا يجوز شيء من هذا عند البصريين، وقال ابن مالك: وتنفرد بجواز عطف بعض متبوعها عليه تفصيلاً نحو قوله تعالى: «وملائكته ورسله وجبريل وميكال»: و«حفظوا على الصلوات والصلاة الوسطى» فـ(جبريل)، و(ميكائيل) مندرجان تحت وملائكته، والصلاة الوسطى مندرجة تحت الصلوات، وهذا ليس متفقا عليه بل ذهب أبو علي، وأبو الفتح إلى أن ما جاء من ذلك لم يندرج تحت ما قبله، وأنه أريد به غير ما عطف عليه ذهابًا منهما إلى أن المعطوف لا يكون إلا غير المعطوف عليه، وقال ابن مالك: ويجوز عطف عامل مضمر على ظاهر يجمعهما معنى واحد مثاله: «والذين تبوأ الدار والإيمان» أصله: تبوءوا الدار واعتقدوا الإيمان، فاستغنى بمفعول اعتقدوا عنه، وهو معطوف على تبوءوا وجاء ذلك، لأن في اعتقد وتبوأ معنى لازموا.

وهذا الذي ذكره فيه مذهبان خلطهما ابن مالك، وركب منهما مذهبا ثالثًا، فتقول: ذهب الفارسي في جماعة من البصريين، والفراء في جماعة من الكوفيين إلى أن ما ورد من ذلك، إنما يحمل على إضمار فعل لتعذر العطف، فقدروا: اعتقدوا الإيمان، وذهب أبو عبيدة، والأصمعي، واليزيدي، وغيرهم

[ارتشاف الضرب: 4/ 1983]

إلى أن ذلك من عطف المفردات، وتضمين العامل معنى ينتظم به المعطوف والمعطوف عليه، فيقدر: آثروا الدار والإيمان، واختار بعض أصحابنا: التضمين على الإضمار، واختلف أيضًا في هذا التضمين، والأكثرون على أنه ينقاس، وضابطه عندهم أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنى واحد لهما، والذي أختاره التفصيل، فإن كان العامل الأول يصح نسبته إلى الاسم الذي يليه حقيقة، كان الثاني محمولاً على الإضمار، لأن الإضمار أكثر من التضمين نحو: يجدع الله أنفه وعينيه أي: ويفقأ عينيه، فنسبة الجدع إلى الأنف حقيقة.

وإن كان لا يصح كان العامل متضمنًا معنى ما يصح نسبته إليه، لأنه لا يمكن الإضمار نحو قول العرب: علفت الدابة ماء وتبنًا، أي: أطعمتها أو غذوتها ماء وتبنًا، وتقدم الكلام على شيء من هذا في المفعول معه.

وإذا عطفت بالواو على منفي عنه الحكم، وأتيت بـ(لا) بعد الواو نحو: ما قام زيد ولا عمرو كان الفعل منفيًا عنهما حالة الاجتماع وحالة الافتراق، فإن كان الفعل مما يقتضي الاشتراك، فقد تأتي بـ(لا) زائدة لتأكيد المنفي نحو: «وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور» والظاهر أن مثل: ما قام زيد، ولا عمرو هو من عطف المفردات، وبعضهم يزعم أنه من قبيل عطف الجمل، قال: إذا عطفت بالواو ومعها (لا) أفادت المنع من الجميع كقولك: والله لا كلمت زيدًا ولا عمرًا، ولو حذفتها لجاز أن تكلم أحدهما، لأن (الواو) للجمع، وإعادة (لا) كإعادة الفعل فيصير الكلام جملتين، وقال السهيلي: (الواو) قسمان أحدهما: أن تجمع الاسمين في عامل واحد، وتنوب مناب صيغة التثنية، فيكون: قام زيد وعمرو بمنزلة قام هذان، فإن نفى الفعل قلت: ما قام زيد وعمرو.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1984]

الثاني: أن يضمر بعد الواو، فيرتفع المعطوف بذلك المضمر أو ينتصب، فإذا نفيت على هذا قلت: ما قام زيد ولا عمرو، فالواو عاطفة جملة على جملة، ويتركب على هذين الأصلين مسائل منها: قامت هند وزيد إذا أضمرت، وقام هند وزيد إذا جعلتها جامعة لتغليب المذكر على المؤنث وتقول: طلعت الشمس والقمر، وطلع الشمس والقمر على هذا ولا تقول: في (جمع) إلا جمع الشمس والقمر، ومنها زيد قام عمرو وأبوه إن جعلتها جامعة جاز، أو أضمرت بعدها لم يجز، وكذا في الصلة والصفة.

(الفاء): تشرك في الحكم، والثاني عقب الأول بلا مهلة هذا مذهب الجمهور، وذهب الجرمي إلى أنها للترتيب إلا في الأماكن والمطر فلا ترتيب تقول: عفا مكان كذا فمكان كذا (وإن كان عفا وهما في وقت واحد)، ونزل المطر مكان كذا فمكان كذا، وإن كان نزوله فيهما في وقت واحد.

وزعم الفراء أن ما بعد الفاء قد يكون سابقًا إذا كان في الكلام ما يدل عليه، وجعل من ذلك قوله تعالى: «وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون» ومعلوم أن مجيء البأس سابق للملائكة، وزعم الفراء أيضًا أن الفعلين إذا كان وقوعهما في وقت واحد، ويئولان إلى معنى واحد، فإنك مخير في عطف أيهما شئت على الآخر بالفاء تقول: أحسنت إلي فأعطيتني، وأعطيتني فأحسنت إلي.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1985]

وتغلب السببية في الفاء إذا عطف بها جملة، أو صفة مثال ذلك «فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه» و «ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه» «وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات» [و] «لأكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم».

وقال ابن مالك: وقد تكون بينهما مهلة مثاله: «أنزل من السماء ماء فيصبح الأرض مخضرة» انتهى.

ولا يعتقد أن قوله (فتصبح) معطوف على أنزل بل ثم محذوف [و] فتصبح معطوف عليه أي فأنبتنا به، فطال النبت فتصبح، وتعطف الفاء مفصلاً على مجمل نحو: «فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما» [و] «فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة».

ويسوغ الاكتفاء بضمير واحد فيما تضمن جملتين من صلة أو صفة، أو خبر إذا كان العطف بها نحو: الذي يطير فيغضب زيد الذباب، ومررت برجل يبكي، فيضحك عمرو، وقد يكون الضمير في الجملة الثانية نحو: الذي تقوم هند، فيغضب عمرو، ومررت بامرأة تبكي زيد فيضحك، وهند يقوم عمرو

[ارتشاف الضرب: 4/ 1986]

فتضحك، وذكروا أن (الفاء) قد جاءت زائدة قال الأخفش: زعموا أنهم يقولون: أخوك فوجد يريدون: أخوك وجد، وذكروا من زيادتها قوله:

... ... ... .... = فثم إذا أصبحت أصبحت غاديًا

وذكروا غير هذا مما يحتمل التأويل، فلا تكون زائدة كما ذكروا زيادة (الواو) وأنشدوا على ذلك أبياتًا، وقال الأخفش: تقول «كنت ومن يأتنا نأته»: الواو زائدة في باب (كان)، ولا يحسن زيادتها إلا في باب كان يعني أنه لا يطرد زيادتها إلا في باب كان.

ويجوز دخول (الفاء) على إذا الفجائية في مثل: خرجت فإذا السبع فمذهب مبرمان، واختاره ابن جني أنها عاطفة، ومذهب الزيادي أنها فاء الجزاء، ومذهب الفارسي أنها زائدة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1987]

(ثم): تشرك في الحكم وترتب بمهلة، وذهب الفراء فيما حكاه السيرافي عنه والأخفش، وقطرب فيما حكاه (أبو محمد عبد المنعم بن الفرس في مسائله الخلافيات عنه) إلى أن (ثم) بمنزلة الواو، لا ترتب، ومنه عندهما: «ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها» ومعلوم أن هذا الجعل كان قبل خلقنا، وزعم بعضهم أنها تقع موقع الفاء وجعل من ذلك:

... ... ... ... ... ... = جرى في الأنابيب ثم اضطرب

أي فاضطرب، كما تقع (الفاء) موقع (ثم) في قول بعضهم، وجعل منه: «ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما» فالفاء في (فخلقنا) (فكسونا) واقعة موقع (ثم)، لما في معناه من المهلة، وكقوله:

إذا مسمع أعطتك يومًا يمينه = فعدت غدا عادت عليك شمالها

[ارتشاف الضرب: 4/ 1988]

وزعم بعضهم أنه قد تقع (ثم) في عطف المقدم بالزمان اكتفاءً بترتيب اللفظ، وحكى المهاباذي أن (ثم) قد تكون زائدة، على مذهب أبي الحسن والكوفيين نحو قوله:

... ... ... ... ... ... ... = وثم إذا أصبحت أصبحت غاديا

والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من أنها للترتيب والإيذان أن الثاني بعد الأول بمهلة، ويؤول ما ظاهره خلاف ذلك.

وقد تبدل ثاؤها بفاء، فيقال: فم، وقد تلحقها التاء ساكنة فتقول: ثمت ومتحركة فتقول: ثمت، وقال الفراء: العرب تستأنف بـ(ثم)، والفعل الذي بعدها قد مضى قبل الفعل الأول من ذلك أن يقول الرجل (قد أعطيتك ألفًا ثم أعطيتك قبل ذلك مالاً)، فيكون (ثم) عطفًا على خبر المخبر كأنك قلت: أخبرك أني أعطيتك اليوم ثم إني أخبرك أني أعطيتك أمس، وهذا هو الذي ذكرنا أن بعضهم قال: إنه قد تقع (ثم) في عطف المقدم بالزمان اكتفاءً بترتيب اللفظ.

(أو): مذهب الجمهور أن (أو) لأحد الشيئين، أو الأشياء، وأكثر النحاة يجعل (أو) مشركة في اللفظ لا في المعنى، وزعم ابن مالك أن (أو) تشرك في اللفظ والمعنى، ومع كونها لأحد الشيئين، أو الأشياء تأتي على معانٍ: الشك في الخبر، وفي الاستفهام نحو: قام زيد أو عمرو، وأقام زيد أو عمرو، والإبهام

[ارتشاف الضرب: 4/ 1989]

تعلم من القائم، وتبهم على المخاطب نحو: «عليها آتاها أمرنا ليلا أو نهارا» وقد علم الله تعالى متى يأتيها أمره، والتخيير نحو: «ففدية من صيام أو صدقة أو نسك»، والإباحة نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين، وإذا نهيت عن المباح استوعب ما كان مباحًا باتفاق من النحاة، ومنه «ولا تطع منهم آثمًا أو كفورا»، وإذا نهيت عن المخبر فيه، فذهب السيرافي إلى أنه يستوعب الجميع كالنهي.

وذهب ابن كيسان إلى جواز أن يكون النهي عن واحد، وأن يكون عن الجميع والتفصيل وهو أن تأتي عقب أ×بار فتفصله نحو: «وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا»، وتكون لإيجاب أحد الشيئين قال كقولك للشجاع: إنما أنت طعن أو ضرب أي تارة كذا، وتارة كذا، وقال قطري:

حتى خضبت بما تحدر من دمي = أكناف سرجي أو عنان لجامي

أي خضبت مرة من أكناف سرجي وأخرى عنان لجامي، وقال الفراء، وأبو علي: تأتي للإضراب بمعنى (بل)، وحكى الفراء: اذهب إلى زيد أو دع

[ارتشاف الضرب: 4/ 1990]

ذلك فلا تبرح اليوم، وقرأ أبو السمال: «أو كلما عاهدوا عهدًا» قال ابن جني معنى (أو) هنا معنى (بل)، وقد ذكر سيبويه: الإضراب في النفي، والنهي في مسائل إذا أعدت العامل، منها: لست بشرًا أو لست عمرًا، وزعم بعض النحويين أنها تكون للإضراب على الإطلاق، وذكر ما استدل به، ونازعه غيره في الاستدلال به، وقال ابن مالك: ويعاقب معنى (أو) الواو في الإباحة كثيرًا، وفي عطف المصاحب والمؤكد قليلاً، فمن عطف المصاحب: «ومن يكسب خطيئة أو إثما»، ومن معاقبة الواو في الإباحة: «ولا يبدين زينتهن» الآية، ومنه جالس الحسن أو ابن سيرين، فلو جالسهما معًا لم يخالف ما أبيح له، والاعتماد في فهم ذلك على القرائن.

وذكر أصحابنا فرقًا بينهما أنك إذا قلت: جالس الحسن، وابن سيرين، لم يجز له مجالسة أحدهما دون الآخر، وإذا كان (بأو) جاز له أن يجالسهما أو أحدهما، وأن يجالسهما معًا، وغيرهما ممن هو مثلهما في الفضل.

وذهب الأخفش، والجرمي إلى أن (أو) تأتي بمعنى (الواو) احتجاجًا بقوله تعالى: «أو يزيدون» وهو مذهب جماعة من الكوفيين في الآيات، وذهب الأزهري إلى أن (أو) تستعمل بمعنى (الواو) في النثر والنظم.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1991]

و(إما): تكون للشك نحو: قام إما زيد وإما عمرو، أو للتخيير «إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا» وللإباحة: جالس إما الحسن وإما ابن سيرين والإبهام: «وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم» والتفصيل: «إما شاكرًا وإما كفورا».

ولإيجاب أحد الشيئين في وقت دون وقت نحو قولك للشجاع: إنما أنت طعن وإما ضرب، ولم يذكر ابن مالك هذا المعنى لـ (إما) كما لم يذكره لـ(أو) وذكره غيره من أصحابنا، ولغة الحجاز ومن جاورهم كسر همزة (إما)، ولغة قيس وأسد وتميم فتحها، وحكى إبدال ميمها الأولى ياء مع كسر الهمزة وفتحها فتقول: إيما وأيما، وزعم الزجاج أنه لا يجوز: لا تضرب إما زيدًا وإما عمرًا والجمهور على جوازه.

ونص النحاس على أن البصريين لا يجيزون فيها إلا التكرار، وأجاز الفراء ألا تكرر، وأن تجري مجرى (أو)، وقال الفراء: يقولون: عبد الله يقوم وإما يقعد، وقال أحمد بن يحيى: وأجازوا أن تأتي (إما) بمعنى (أو) انتهى.

وجاءت (أو) معادلة لها في الشعر نحو قوله:

وقد شفني أن لا يزال يروعني = خيالك إما طارقًا أو مغاديًا

وقال بعض أصحابنا: الوجه فيها أن تستعمل مكررة، وقد تجيء غير مكررة

[ارتشاف الضرب: 4/ 1992]

إذا اعتاضوا عن تكرارها بإن الشرطية المدغمة في لا النافية أو بـ(أو)، وقد تجيء في الشعر غير مكررة من غير عوض ومن ذلك قول الفرزدق:

تهاض بدار قد تقادم عهدها = وإما بأموات ... ... ... ....

حذف (إما) بدار للضرورة، ومثال الاستغناء بـ(وإلا):

فإما أن تكون أخي بحق = وإلا فاطرحني واتخذني

ومذهب سيبويه أن (إما) مركبة من (إن) و(ما)، أدغمت نون (إن) في (ما)، فصارت (إما)، ولما اعتقدوا أن أصلها (إن ما) قالوا قد جاء في الشعر إن دون (ما) وأنشدوا:

قتلت به أخاك بخير عبس = فإن حربًا حذيف وإن سلاما

قالوا: يريد فإما وإما، وقال غير سيبويه: ليست (إما) مركبة من (إن) و(ما)، ولا معنى لـ(إن) هنا، وهذا المذهب عندي أولى، لأن الأصل البساطة لا التركيب، ولما بنوا على أنها مركبة من (إن)، وما قالوا: وقد يحذفون في

[ارتشاف الضرب: 4/ 1993]

الشعر، إما الأولى و(ما) من إما الثانية، ومن ذلك عند سيبويه قول الشاعر

سقته الرواعد من صيف = وإن من خريف فلن يعدما

قالوا: يريد (إما) من صيف وإما من خريف، وذهب الأصمعي والمبرد إلى أن (إن) شرطية والفاء فاء الجواب، والتقدير: وإن سقته من خريف فلن يعدم الري، وذهب أبو عبيدة إلى (أن) (إن) زائدة، والتقدير: من صيف ومن خريف، وزعم الكسائي أن (إما) تكون جحدًا تقول: إما زيد قائم تريد: إن زيد قائم، وما صلة، ويجوز إبدال الميم الأولى ياء فتقول: إيما، ويجوز فتح همزتها فتقول: أما وأيما لغتان عن أبي رياش.

(بل) إن وقع بعدها جملة كانت إضرابًا عما قبلها على جهة الإبطال له، وإثبات ذلك لما بعدها كقوله تعالى: «أم يقولون به جنة بل جاءهم

[ارتشاف الضرب: 4/ 1994]

بالحق» أو على جهة الترك من غير إبطال كقوله تعالى: «ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا»، ولا تكون إذ ذاك عاطفة، وإن وقع بعدها مفرد، فإن كان ما قبلها أمرًا نحو: اضرب زيدًا بل عمرًا، أو نهيًا نحو: لا تضرب زيدًا بل عمرًا فالمعنى فيهما: بل اضرب عمرًا، أو نفيًا نحو: ما قام زيد بل عمرو فمعناه الإيجاب أي: بل قام عمرو، ووافق المبرد في هذا الحكم، وأجاز أن يكون التقدير في النهي: بل لا تضرب عمرًا، وفي النفي: بل ما قام عمرو، ووافقه على ذلك أبو الحسين بن عبد الوارث، أو موجبًا نحو: قام زيد بل عمرو، فهو إضراب عن الأول، وإيجاب ذلك للثاني أي: بل قام عمرو.

وذهب الكوفيون إلى أنه لا يكون (بل) نسقًا إلا بعد نفي، أو ما جرى مجراه قال هشام: ومحال: ضربت عبد الله بل أباك، واختار هذا المذهب أبو جعفر بن صابر، وكون الكوفيين، وهم أوسع من البصريين في اتباع كلام شواذ العرب يذهبون إلى أن (بل) لا تجيء في النسق بعد إيجاب دليل على عدم سماعه من العرب أو على قلة سماعه، ولا يعطف بها بعد استفهام، لا يقال هل: جاء زيد بل عمرو، ولا: أضربت زيدًا بل عمرًا، وقد تكرر (بل) في الجمل قال تعالى: «بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر»، «وما يشعرون أيان يبعثون بل أدارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون».

وإذا زيدت (لا) بعد إيجاب أو أمر نحو: قام زيد لا بل عمرو، واضرب زيدًا لا بل عمرًا و(لا) زائدة لتأكيد الإضراب عن جعل الحكم للأول، أو بعد

[ارتشاف الضرب: 4/ 1995]

نفي، أو نهي نحو: ما قام زيد لا بل عمرو، ولا تضرب خالدًا لا بل بشرًا، فهي زائدة لتأكيد بقاء النفي والنهي، وزعم ابن درستويه أنها لا تزاد بعد النفي، وذهب الجزولي إلى أنها بعد الإيجاب والأمر نفي، وبعد النفي والنهي تأكيد وقال ابن عصفور: وهذا الذي ذهب إليه من زيادة (لا) على (بل) في النفي والنهي، لا ينبغي أن يقال به إلا أن يشهد له بالسماع، وما ذهب إليه ابن درستويه واستبعده ابن عصفور مسموع من كلام العرب، ويقال في لا بل: نابن ونابل ولابن.

(لا): يعطف بها بعد الأمر نحو: اضرب زيدًا لا عمرًا، وفي معنى الأمر التحضيض والدعاء نحو: هلا تضرب زيدًا لا عمرًا، وغفر الله لزيد لا لبكر. ومن كلامهم: به لا بظبي أعفر، وأمت في حجر لا فيك، أو نداء نحو: يا زيد لا عمرو نص على ذلك سيبويه.

وزعم ابن سعدان: أن العطف بـ(لا) على منادي ليس من كلام العرب، وأجاز الفراء العطف بها على اسم لعل تقول: لعل عمرًا لا زيدًا منطلق كما جاز في اسم (إن) نحو: إن زيدًا لا بكرًا قائم، وبعد خبر مثبت إن كان في جملة اسمية، فيعطف على الخبر: هذا رزق الله لا كدك، وعلى المبتدأ نحو: الصدق ينبئ عنك لا الوعيد، أو كان في جملة فعلية مصدرة بمضارع قلت: يقوم زيد لا عمرو: أو بماض نحو: قام زيد لا عمرو، فالجمهور على جواز ذلك.

[ارتشاف الضرب: 4/ 1996]

وقال الكسائي لا يكادون يقولون: مررت بزيد لا عمرو حتى تكرر، وذهب قوم إلى أنه لا يجوز، وما جاء من نفي لا للماضي قليل يحفظ ولا يقاس عليه، وممن منع ذلك الزجاج، وأجاز بعض النحويين: قام زيد لا قعد إذا اقترنت به قرينة تدل على أنه إخبار لادعاء، وأجاز هشام: ضربت بكرًا لا ضربت عمرًا، إذا لم يكن دعاء، وأردت معنى لم تضرب عمرًا، ولا يجوز عند البصريين ضربت بكرًا لا ضربت عمرًا إلا على الدعاء.

وشرط عطف الاسم بـ(لا) أن يكون ما بعدها غير صالح لإطلاق ما قبلها عليه، فلذلك لا يجوز: قام رجل لا زيد، ولا امرر برجل لا عاقل، وتقول: هذا رجل لا امرأة، ورأيت طويلاً لا قصيرًا، ولا يجوز: هذا زيد غير امرأة، ولا رأيت طويلاً غير قصير، فإن كانا علمين جاز فيه (لا) و(غير) تقول: مررت بزيد غير عمرو وهذا زيد غير عمرو.

و(لا) لا يعطف بها إلا المفرد، أو الجمل التي لها موضع من الإعراب نحو: زيد يقوم لا يقعد، فإن كان الفعل منفيًا نحو: زيد ما يقوم لما يجلس لم يجز، فإن لم يكن لها موضع من الإعراب لم يكن حر فعطف، ولذلك يجوز الابتداء بها، ولا يجوز الابتداء بالواو، والفاء، و(ثم) و(أو) ونحوها فإذا قلت: زيد قائم لا عمرو قائم، ولا بشر، فلابد من تكرارها كحالها إذا ابتدئ بها، وتقول: لن يقوم زيد لا يقعد، فلا يجوز نصب (يقعد) عطفًا على المنصوب، بل ترفع على القطع كما نرفع في نحو قوله تعالى: «لا تضار والدة بولدها» في قراءة الرفع،

[ارتشاف الضرب: 4/ 1997]

وأجاز الكسائي والفراء عطف (لا تضار) نسقًا على «لا تكلف نفس إلا وسعها»، وفي النهاية: وتعطف (لا) الجملة على الجملة نحو: (زيد قائم لا عمرو جالس) انتهى. وقد يجوز حذف المعطوف عليه نحو: أعطيتك لا لتظلم، أي: لتعدل لا لتظلم.

(لكن): تقدم الخلاف فيها، وكونها مركبة من (لا) النافية، وكاف الخطاب وأن، ومذهب الكوفيين، وتبعهم السهيلي، وهو لا ينبغي أن يحكى باللفظ فضلاً عن أن يسطر، وتقع قبل المفرد في نفي نحو: ما قام زيد لكن عمرو أو نهي نحو: لا تضرب زيدًا لكن عمرًا لا لإيجاب، وأجاز ذلك الكوفيون نحو: أتاني زيد لكن عمرو، وقيل: جملة فيكون إيجابًا، ونفيًا، أو نهيًا، وأمرًا لا استفهامًا، فلا يقال هل قام زيد لكن عمرو لم يقم، وتكون إذا ذاك حرف ابتداء لا عاطفة هذا قول أكثر أصحابنا وقال ابن أبي الربيع: يظهر لي أنها عاطفة وقعت بعدها جملة أو مفرد إذا كانت بغير واو، وهو ظاهر كلام سيبويه.

وفي البديع: قيل إنها مع الموجب حرف ابتداء كقوله تعالى: «لكن الله يشهد بما أنزل إليك» وإن شئت جعلتها عاطفة جملة على جملة، وتقدم لنا الكلام على (لكن) في باب (إن)، وأن وقوعها بين نقيضين أو ضدين لا بين متماثلين، فإن كانا خلافين ففي وقوعها بينهما خلاف، والصحيح جواز ذلك، وقال ابن هشام الخضراوي لا تكون بين خلافين.

(حتى): تقدم من مذهب الكوفيين أنها لا تكون عاطفة، ونحن نفرع على مذهب البصريين فنقول: المعطوف بها يكون بعض متبوع الأول، فيكون واحدًا من جمع أو جزء من أجزائه مثاله: مات الناس حتى خيارهم، وأكلت السمكة حتى رأسها فلو قلت: ضربت الرجلين حتى أفضلهما لم يجز، لأنه ليس جزءًا من أجزاء

[ارتشاف الضرب: 4/ 1998]

المعطوف لا واحدًا من جمع، وقد يختلط بالمتبوع ما يتنزل منزلة البعض في ذلك نحو: خرج الصيادون حتى كلابهم.

وأجاز الفراء: إن كلبي ليصيد الأرانب حتى الظباء، وإن زيدًا ليقتل الرجالة حتى الفرسان، وهذا خطأ عند البصريين، وشرط المعطوف بـ(حتى) ألا يكون نكرة، فلا يجوز: قام القوم حتى رجل، فإن خصصته جاز نحو: ضربت القوم حتى رجلاً جلدًا فيهم، ويخالف العطف (بحتى) العطف (بالواو) في أن ما بعد (حتى) لا بد أن يكون عظيمًا، أو حقيرًا، أو قويًا، أو ضعيفًا، ومن كلامهم استنت الفصال حتى القرعى، وقد اجتمعت غاية القوة والضعف في قول الشاعر

قهرناكم حتى الكماة فأنتم = لتخشوننا حتى بنينا الأصاغرا

وقد يقدر المباين بعضًا بالتأويل نحو:

... ... ... ... ... = والزاد حتى نعله ألقاها

[ارتشاف الضرب: 4/ 1999]

كأنه قال: وما يشغله حتى نعله، وإذا عطفت على مجرور فقال ابن الخباز الموصلي، وأبو عبد الله الجليس مؤلف كتاب الثمار (لزم إعادة الجار) فرقًا بينها وبين الجارة، وقال ابن عصفور: الأحسن إعادة الخافض ليقع الفرق بين العاطفة والجارة، وإذا عطفت على مجرور أعدت الجار نحو: مررت بهم حتى بزيد، فإن كانت الجارة لم تحتج للباء.

وإن كانت العاطفة أعدت الباء كما تعيدها مع الواو، وقال ابن هشام الخضراوي: لا يجوز العطف إلا حيث يجوز الجر يعني مع الشروط المتقدمة قال: ولذلك لا يعطف المضمر على المظهر، ولا على المضمر لا يجوز: ضربت القوم حتى إياك، ولا قاموا حتى أنت، لأن (حتى) لا تجر المضمر، ولا تعطفه، وهذا الذي ذكره على مذهب جمهور البصريين، وأجاز المبرد، والكوفيون أن تجر (حتى) المضمر نحو: ضربت القوم حتاك، ولكن الكوفيون لا يرون العطف بـ(حتى) بل ذاك على الجر، واتفق الفريقان على أنه لا يجوز: مررت بالقوم حتاك، وتصحيحها حتى بك، وأجاز الفراء فيما يكون بعدها من المكنى إذا أتبعت: قال القوم حتى أنت، وضربت القوم حتى إياك، وقال: لا يجوز: حتاك في النصب

[ارتشاف الضرب: 4/ 2000]

إلا إذا اتبعت محفوظًا نحو: مررت بالقوم حتاك، وقال: إذا أردت النسق كان من بعدها داخلاً، وإذا جررت جاز أن يدخل وأن لا يدخل، قال: وإن جعلت (حتى) معترضة بعد الأسماء وقبل الفعل الذي عليه نسقت، فقلت: القوم حتى عبد الله قاموا، والقوم حتى عبد الله قيام، فلك العطف، والأحسن الجر، وكذا يفعل فيما جرى مجراها من كان وظن وأخواتها، وإذا استوفيت (حتى) ما شرط في كونها عاطفة، فإن اقترن بالكلام قرينة تدل على أن الاسم بعدها غير شريك لما قبلها في الحكم فلا يجوز فيه العطف نحو: صمت الأيام حتى يوم الفطر، أو شريك لم يجز إلا العطف نحو: ضربت القوم حتى زيدًا أيضًا.

فلو لم تذكر المحكوم عليه قبل (حتى) فقلت: ضربت حتى أخاك أو زيادة، فالكوفيون لا يجيزون إلا النصب، وأجاز البصريون الجزاء ولا قرينة على دخول ولا خروج جاز العطف والخفض أحسن، وتقول: ضربت القوم حتى زيدًا، وأوجعت بنصب (زيد) إن قدرت الإيجاع لزيد، فإن قدرته للقوم جاز الخفض والنصب أحسن، وزعم الفراء: أن قولك: ضربت القوم حتى أخاك وأوجعت وأعطيت القوم حتى أخاك فأكثرت لم يكن بد من الفاء؛ لأن المعنى حتى ضربت أخاك فأوجعت، وكذا عنده إن خفضت الأخ، وحذف الفاء جائز في هذا عند البصريين.

ويكون الفعل الثاني توكيدًا لا عطفًا وتقول: ضربت القوم حتى أخاك في ما أظن وأحسب وأرى ونحوه، قال الفراء: إن قدرتها داخلة للأخ كان منسوقًا، وإن قدرته راجعًا لما قبل جاز في الاسم ما جاز قبل دخولها وتقول: ضربت القوم حتى أخاك ضربته، تنصب أخاك بفعل مضمر يدل عليه ما بعد (حتى) ولا يبعد النسق، ويجوز الخفض وأكره الرفع، وأجاز الكسائي الرفع فيما بعدها على الاستئناف حملاً على الواو، فإن قوى الاستئناف بما بعدها جاز، وذلك إذا كان الفعل للمستقبل نحو: ضربت القوم حتى عبد الله اضربه.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2001]

وأما (ألقى الصحيفة) البيت، فالنصب كلام العرب الذي سمعناه، والخفض جائز، وأما (الرفع) فلم يسمع من العرب؛ لكونه غير مستقبل، وجوزه الكسائي ومثله ما كان الفعل يطلب فاعلاً، فإن كالمستقبل نحو: سبني الناس حتى زيد سبني، لا يكون الرفع إلا إذا كان مستقبلاً، وإذا جرت على العادة أو عطفت، فالفعل في موضع نصب على الحال، ولك أن توقع موقعه اسمًا منصوبًا فتقول: حتى عبد الله شابا، وجملة اسمية: حتى عبد الله شاب، والأحسن دخول الفاء في الفعل، والجملة الاسمية.

وإذا وقع الاسم جاز الرفع في الاسم بعدها نحو: ضربت القوم حتى زيد مضروب، وحتى زيدًا مضروبًا، وحتى زيد مضروب، وإذا رفعت ما بعدها، ونصب الاسم بعد الاسم دخل في الكلام معنى صار لكنها لم تقو في معناها حتى تنصب، وقد غلط قوم فنصبوا الاسم بمعنى صار، ولا يجوز أن تعطف الجمل، ولا الأفعال، فإذا وقع بعدها الماضي فهي حرف ابتداء نحو: سرت حتى دخلت المدينة، وأجاز أبو الحسن: أن تكون كالفاء إذا كانت سببًا فتعطف الفعل على الفعل نحو: ما تأتينا حتى تحدثنا، وكذلك أجاز بعضهم أن يكون العطف في سرت حتى دخلت المدينة، وقال خطاب الماردي: تقول: ضربت زيدًا حتى قتلته، وضربته حتى هو مقتول لا تعمل شيئًا، ولا يكون ما بعدها إلا شيئًا يؤديه الأول ويبدله منه تقول: قام حتى أعيا وبكى حتى عمى، ولو قلت: أكل حتى بكى، وسار حتى طلعت الشمس لم يجز، فإن وقعت على مستقبل بمعنى الماضي، أو بمعنى الحال كان مرفوعًا نحو: سرت حتى أدخل المدينة انتهى.

وحتى لا تقتضي في العطف ترتيبًا فهي كالواو، ويجوز كون العطف بها مصاحبًا نحو: قدم الحجاج حتى المشاة في ساعة كذا، وسابقًا نحو: قدموا حتى المشاة متقدمين ومن ادعى أنها تقتضي الترتيب في الزمان، فقد ادعى ما لا دليل عليه.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2002]

وقال الزمخشري (الفاء) و(ثم) و(حتى) تقتضي الترتيب، وحيث جاز الجر والعطف، فالجر أحسن إلا في باب (ضربت القوم حتى زيدًا ضربته)، فالنصب أحسن عند من اعتقد أنها للعطف، فجعل (ضربته) توكيدًا وعند من لم يعتقد أنها للعطف، وقد يجتمع غايات في الزمان وغيره، فيكون قبلها وبعدها مواقيت وغير مواقيت فتقول: إن فلانًا ليشتري الرقيق الأيام كلها حتى الخميس حتى الليل، فلك أن تخفض لعدم الدخول، ولك أن تتبع أحدهما على شكله قدمت أو أخرت، وتجعل الآخر غاية، والأحسن أن تجعل أحدهما عطفًا والآخر غاية، فيختلفا في المعنى.

وهذا الاختلاف فيه ما ليس من الجنس ويجانسه، ومما ليس منه، وينوب عن الزمان: المصدر المقارن للزمان تقول: أقم عندنا حتى طلوع الشمس، وقيام زيد، وهو خفض قال الفراء: ولا يصح أن يقع هنا بدل المصدر ما ينسبك به وهو (أن) و(ما) لا تقول: أقم عندنا حتى أن يقوم زيد، ولا حتى ما يقوم زيد.

ويجوز في أن المشددة نحو: أقم حتى أن الناس يفطرون، ولا يجوز أن يكون بعد (حتى) نكرة لو قلت: أقم عندنا حتى شهر أو يوم لم يجز، إلا أن تريد مقدار ذلك، فإنك لو قلت: أقم عندنا حتى إلى تمام اثنتي عشرة ساعة، [فإنه يجوز].

ومنه قوله تعالى: «ليسجننه حتى حين» كأنه أراد الموت، أو زمانًا يحصر، وتقول: أقم عندنا حتى قليل تقضي حاجتك فيها، وأجاز الكسائي (أقم عندنا حتى شهر وحتى عصر)، فخفض وهو غير جائز.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2003]

ولو قلت: أتينا كل وقت حتى ظهرًا جاز، ولو قلت: كن عندنا حتى غدوة يا هذا، وحتى سحر جاز، ولو قلت: حتى غداة لم يجز، ولو قلت: حتى عشية جاز على قبح إذا جعل العشية من الظهر إلى الليل، فإن لم يرد ذلك كان محالاً وتقول: لا آتيك حتى عشر، فتضع حتى مكان (إلى)، ولو قلت (آتيك) لم يجز، ولو قلت: آتيك فأواظب إلى عشر. جازت حتى كقولك: أرعى الشتاء حتى شهر. انتهت هذه المسائل وهي من كلام الفراء.

(أم) تكون متصلة ومنقطعة، فالمتصلة لا يستغنى ما بعدها عما قبلها، ولا تكون إلا فيما يستعمل لفظ الاستفهام فيه سواء أكان الكلام على معنى الاستفهام أم لا نحو: قد علمت أزيد في الدار أم عمرو، وليت شعري أزيد قائم أم خالد، وما أبالي أقام زيد أم قعد، وسواء علي أقمت أم قعدت، ووقعت في هذه النسب من حيث كان المعنى على التسوية في ظن المخاطب في جهالة أيهما ادعيت العلم بكونه عنده، والتسوية في ظن المتكلم فيما جاء بعد ليت، والتسوية بين قعود زيد، وقيامه في مسألة: ما أبالي، ومسألة سوى، كما أنك إذا استفهمت فقلت: أزيد عندك أم عمرو استوى في ظنك في كينونة من عندك منهما، ولا يجوز أن تقدم: أقمت أم قعدت على (سواء على)، وأغلب ما يكون الفعلان ماضيين، وقد يجوز على ضعف: سواء على أتقوم أم تقعد.

والجملة الواقعة بعد أفعال القلوب والتسوية لا يجوز تقديمها فلا تقول: أقمت أم قعدت علمت، ولا أضربت زيدًا أم عمرًا تبين لي، وإذا عطفت اسمًا بعد (أم) على اسم مخبر عنه بأفعل التفضيل فلا يجوز الإتيان بـ(من) لا في الأول، ولا في الثاني فتقول: ما أبالي أزيد أفضل أم عمرو، ولا يجوز: (زيد) أفضل من عمرو أم بكر، ولا أفضل أم عمرو من بكر.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2004]

ويجوز العطف على الاسم المضمر في أفعل، ويتضح ذلك في (ما أبالي أرأيت زيدًا أفضل أم عمرًا) فإن حملت على المضمر قلت: أم عمرو، ومن يؤكد الضمير المرفوع لمكان العطف لا يؤكد هنا، ومن الناس من لا يجيز العطف عليه فإن قلت: أزيدا ضربت أكثر أم عمرًا لم يجز رفعه على الحمل على الضمير، ويجوز رفع هذا الاسم على الابتداء فتقول: أزيد أفضل أم عمرو تريد (أم الأفضل عمرو) ورفعه على هذا أحسن من حمله على الأول، وهو كلام العرب الفصيح، تقول العرب: أرأيت زيدًا أفضل أم عمرو، كثيرًا أكثر من أم عمرًا.

والمعادلة لا تكون إلا بين اسمين، أو فعلين، أو جملتين، إما اسميتين وإما فعليتين، ولا تعادل بين اسمية وفعلية إلا إن كانت في معنى الاسمية أو الاسمية في معنى الفعلية نحو: «أدعوتموهم أم أنتم صامتون» أي أم صمتم ونحو: «أفلا تبصرون أم أنا خير» المعنى أم أنتم بصراء، والموجبتان تقدم أيا شئت منهما.

وإن كانت إحداهما منفية أخرتها، نحو: أقام زيدًا أم لم يقم، ولا يجوز ألم يقم زيدًا أم لا، ولا سواء على ألم يقم أم قمت، فـ(أم) لا يتقدمها إلا الاستفهام أو التسوية، و(أو) يتقدمها كل كلام إلا التسوية، فلا يجوز سواء علي أقمت أو قعدت، وكذلك ما أبالي أقمت أم قعدت إذا أردت التسوية.

وإن أردت: ما أبالي فعلك جازت (أو) و(أم)، وتقول: أتقوم أم لا، وأم هذه المتصلة لا بد أن يتقدمها الهمزة، ومع الهمزة أفعال القلوب، أو ما جرى مجراها وهي التسوية أو عدم المساواة، أو ضد ذلك نحو: ما أشد علي وما أشق علي أقمت أم قعدت.

وإذا عادلت بين جملتين جاز أن تكون إحداهما الاسمية والأخرى فعلية إلا في التسوية، فإنه لا يذكر بعدها إلا الفعلية، ولا يجوز (سواء علي أزيد قائم أم عمرو

[ارتشاف الضرب: 4/ 2005]

منطلق) هذا ما لا تقوله العرب، وأجازه أبو الحسن قياسًا على الجملة الفعلية، و(سواء) خبر مقدم، و(أقمت أم قعدت) في موضع المبتدأ، وقال أبو الحسن: (أقمت أم قعدت) في موضع الفاعل بسواء، ومما عودل فيه بين الجملة والمفرد قوله

سواء عليك النفر أم بت ليلة = ... ... ... ... ... ...

والمتصلة تسبقها همزة، ويصلح موضعها لأي: ولذلك يبدل ما دخلت عليه من (أي)، تقول: أيهم ضربت أزيدًا أم عمرًا أم خالدًا، وأيهما ضربت أزيدًا أم عمرًا، وجواب (أم) المتصلة التعيين، ويجرى مجرى التسوية: ما أدري، وليت شعري، وسواء علي، وتقع بعدهما الجملة الاسمية والفعلية، وما أبالي فلا يكون بعد الاستفهام فيها إلا الفعل لا الجملة الاسمية كذا قال بعضهم، والصحيح وقوع الجملة الاسمية بعدها قال:

ولست أبالي بعد فقدى مالكا = أموتى ناء أم هو الآن واقع

وكان أبو الحسن يستقبح وقوع الجملة الاسمية بين ما أدري وبين علمت أزيد عندك أم عمرو، وإن أدرى تستعمل في النفي والإيجاب، والتمني بمنزلة النفي، وعلمت لا تكون إلا في النفي لا تقول: ما علمت أزيد عندك أم عمرو، لأن التعليق جرى في الإثبات، وقد يكون السؤال بـ(أم)، والهمزة مبنيًا على توهم السائل حصول ما يسأل عنه فلإيجاب بالتعيين لفساد الوضع، فيكون الجواب كلاهما عندي أولا واحد منهما عندي.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2006]

ويجيء بعد (أم) المتصلة المفرد، والجملة في تقدير المفرد نحو:

أمخدج اليدين أم أتمت

أي (أم) متما، ومن ذلك: أقام زيد أم قعد المعنى: أكان من زيد قيام أم قعود وقد يكون الفعلان لفاعلين نحو: ما أبالي أقام زيد أم قعد بكرن وجملتان ابتدائيتان نحو: ما أبالي أزيد غاضب علي أم هو راض، وقد تحذف الهمزة وتنوي نحو: ما أدري زيد قام أم عمرو أي أزيد، وقرأ ابن محيصن «سواء عليهم ءأنذترهم» بهمزة واحدة، يريد: أأنذرتهم، وقد يكتفي بـ(لا) عن ذكر المعادل نحو: أزيد عندك أم لا تريد: أم لا هو عندك، وأزيد يقوم أم لا تريد: أم لا يقوم وتقول: أزيد عندك أم عمرو، وأزيدًا لقيت أم بشرًا، تفصل (أم) مما عطفت قال تعالى: «قل أذلك خير أم جنة الخلد» فصلت (أم) مما عطفت عليه ولو قلت: ألقيت زيدًا أم عمرًا كان حسنًا، وتقديم الاسم أحسن وقال تعالى: «وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون» ولو قلت: أزيد أم عمرو قائم جاز، وقال ابن الطراوة: إنما تقدم الاسمين مضمومًا أحدهما إلى الآخر، أو تؤخرهما ومنع من التوسط، وقال غيره: لا يجوز إلا تقديم المستفهم عنه، وتأخير ما ليس بمستفهم عنه، وقد مثل سيبويه بجواز الثلاثة.

والمنقطعة ما انخرم فيها شرط المتصلة، وهي ما لا يتقدمها لفظ الهمزة، وألا يتقدم الكلام معها بأيهما أو بأيهم، وتأتي بعد استفهام بغير الهمزة، وبعد جملة خبرية، ومذهب البصريين أنها تتقدر بـ(ل) والهمزة مطلقًا.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2007]

وذهب الكسائي، وهشام إلى أنها بمنزلة (بل) وما بعدها مثل ما قبلها، فإذا قلت: قام زيد أم عمرو، فالمعنى بل قام، وإذا قلت: هل قام زيد أم قام عمرو، فالمعنى: بل هل قام عمرو.

وذهب الفراء إلى أن العرب تجعل (أم) مكان (بل)، إذا كان في أول الكلام استفهام، وذهب بعض الكوفيين إلى أنها تكون بمعنى (بل) بعد الاستفهام، وبعد الخبر قال: وقد تكون بمعنى الهمزة إذا لم يتقدمها استفهام، وإلى هذا ذهب الهروي في الأزهية، وذهب أبو عبيدة إلى أنها بمعنى ألف الاستفهام، وذهب إليه الفراء في بعض المواضع، ولا تدخل (أم) هذه على همزة الاستفهام لا تقول: أقام زيد أم عمرو قائم، ولا هل قام زيد أم عمرو، وتدخل على هل نحو: قام زيد أم هل قام عمرو، كما تدخل الهمزة على هل نحو قوله:

... ... ... ... = أهل رأونا بوادي القف ذي الأكم

[ارتشاف الضرب: 4/ 2008]

وتدخل على أسماء الاستفهام كقوله تعالى: «أماذا كنتم تعملون» وهو كثير فصيح خلافًا لما في شرح (الصفار) الذي كتبه ابن عصفور فإنه ادعى أنه لا يحفظ منه إلا قول:

أم هل كبير بكى = ... ... ... ...

و:

ما أنت أم ما ذكرها ربعية = ... ... ... ... ...

وقوله:

... ... ... ... .... = .... أم هل لامني لك لائم

وأنه من الجمع بين أداتي معنى، وهو قليل جدًا وفي كتاب الله تعالى: «أماذا

[ارتشاف الضرب: 4/ 2009]

كنتم تعملون» «أمن هذا الذي هو جند لكم» «أمن هذا الذي يرزقكم» وفي الغرة: يدخلون (أم) على جميع الاستفهام إلا على الهمزة قال:

أخزمت أم وذمت أم مالها

وقال:

فأصبح لا يدري أيقعد فيكم = على حسبك الشحناء أم أين يذهب

وذكر الآيتين، وقال الفراء: لا يجمع بين الاستفهامين في موضع واحد، لا يجوز: أين قمت، وأيهم في الدار، وأهل زيد في الدار، إلا في ضرورة الشعر انتهى. وهذا من ابن عصفور وتلميذه يدل على الجسارة وعدم حفظ كتاب الله تعالى. وقد دخلت على كيف نحو قوله:

أم كيف ينفع ما يعطي العلوق به = ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 2010]

وتقول: متى قمت أم متى قام زيد، وزعم ابن مالك أن (أم) المنقطعة يعطف بها قليلاً الاسم المفرد، وأصحابنا يقولون: ليست للعطف لا لمفرد ولا جملة، وقالت العرب: (إنها لإبل أم شاء)، وقدرة أصحابنا، والفارسي، وابن جني بـ(بل أهي شاء)، وقال هو: (أم) لمجرد الإضراب، وهي بمعنى بل عاطفة ما بعدها على ما قبلها، واستدل على العطف بما نقل أن بعض العرب قال: (إن هناك إبلاً أم شاء)، قال: وهذا عطف صريح يقوي عدم الإضمار في المرفوع.

وقد رددنا ما ذهب إليه في الشرح الكبير، وإذا تصدر (هل) صلحت (أم) و(أو) قال سيبويه لو قلت: هل تضرب أو تقتل، أو هل تضرب أم تقتل لكان واحدًا، وحصر (أم) في المتصلة والمنفصلة مذهب أكثر النحويين.

وذهب أبو زيد الأنصاري إلى أن (أم) تكون زائدة، ومذهب الجمهور: أن (أم) وضعت على حرفين أصلين، وذهب ابن كيسان إلى أن (أم) ميمها بدل من الواو وأن أصلها (أو).

[ارتشاف الضرب: 4/ 2011]

فصل

يجوز عطف الأسماء بعضها على بعض، فيعطف الظاهر على الظاهر، وعلى المضمر منفصلاً نحو: إياك وزيدًا رأيت، أو متصلاً نحو: رأيتك وزيدًا، والمضمر المنفصل على المضمر المتصل نحو: زيد ضربته وإياك، ومنفصلين نحو: زيد إياه وإياك أ:رمت، وزيد أنت وهو قمتما، والمنفصل على الظاهر نحو: أكرمت زيدًا وإياك، وقام زيد وأنت.

ووهم شيخنا الأستاذ أبو الحسن الأبذي في أنه لا يجوز: رأيت زيدًا وإياك، وكلام العرب على جوازه ومنه «ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله»، ولا يشترط صلاحية المعطوف لمباشرة العامل، فيجوز قام زيد وأنا، وقمت أنا وزيد، ورأيت زيدًا وإياك، ورب رجل وأخيه، وإن زيدًا وإياه قائمان، ومررت برجل قائم أبواه لا قاعدين، وإن زيدًا قائم لا عمرًا، فلو كان العامل لا يمكن قبوله المعطوف بوجه ألبته نحو: أقوم أنا وزيد، و«لا نخلفه نحن ولا أنت»، ونقوم نحن وزيد، وتقوم أنت وزيد، و «لا تضآر والدة بولدها ولا مولود» وقم أنت وزيد، فزعم ابن مالك أن هذا من عطف الجمل فيقدر وليذهب ربك، وفي أقوم أنا وزيد: ويقوم زيد، وكذا باقي ما مثل به، وما ذهب إليه مخالف لما تضافرت عليه نصوص المعربين والنحويين من أن «وزوجك» معطوف على الضمير المستكن في اسكن المؤكد بأنت.

ولا نعلم خلافًا في جواز: تقوم هند وزيد، وأنه من عطف المفردات وفرق ابن مالك بين هذا النوع، وبين مثل: قام زيد وأنا بصلاحية (قمت) وفي قمت

[ارتشاف الضرب: 4/ 2012]

وزيد: قام زيد بخلاف هذا فلا تقول (اسكن وزوجك)، وإذا عطفت على الضمير المرفوع المستكن، أو البارز، فذهب البصريون إلى أنه لا يجوز إلا بالفصل بين المتعاطفين بتوكيد بضمير منفصل أو بغيره، وذهب الكوفيون، وابن الأنباري إلى أنه لا يشترط في ذلك الفصل بل يجوز في الكلام قمت وزيد، وحكى عن أبي علي إجازة ذلك من غير فصل، وفي كتاب سيبويه حين ذكر انفصال بعض الضمائر وكذلك (كنا وأنتم ذاهبين)، إلا أن الشراح تأولوه، ولا يعتد عند البصريين بفصل كاف (رويدك)، بل يؤكد إذا عطفت على الضمير المرفوع في (رويدك) فتقول: رويدك أنت وزيد.

وإذا عطفت على الضمير المجرور بغير لولا فيمن قال هو ضمير جر حقيقة فمذهب: جمهور البصريين على المنع إلا بإعادة الجار نحو: مررت بك وبزيد.

الثاني: جواز ذلك في الكلام، ولا يشترط إعادة الخافض، وهو مذهب الكوفيين، ويونس، والأخفش وهو اختيار الأستاذ أبي علي.

الثالث: أنه إن أكد الضمير جاز نحو: مررت بك أنت وزيد، وهو مذهب الجرمي، والزيادي، وقال الفراء: يجوز مررت به نفسه وزيد، ومررت به كلهم وزيد، وكذا القول في (أجمعين، وقضهم وقضيضهم، وخمستهم) إذا خفضت، فإن نصبت (خمستهم) لم يجز، يعني العطف بغير إعادة الجار قال:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2013]

ومن قال: مررت به أجمع، ينوى (بأجمع) النصب لم يجز أن يرد على المخفوض يعني بغير الإعادة قال الفراء: إذا تراخى الكلام توهمت أن الأول ظاهر، وقول الفراء: هذا قول الجرمي، والزيادي، والذي اختاره جواز العطف عليه مطلقًا، لتصرف العرب في العطف عليه فتارة (بالواو) وتارة بلا واو، وتارة (ببل)، وتارة بـ(أو)، وتارة بـ(أم)، وإن كان الأكثر أن يعاد الجار.

ومن قال: إن الضمير المنفصل في نحو: لولاك: هو ضمير جر، فلا يجيز عطف الظاهر عليه فلو رفعت المعطوف على توهم أنك أتيت بضمير الرفع المنفصل، ففي جواز ذلك نظر، ولا يجوز نيابة حرف على أكثر من العاملين وتصوير ذلك أن تقول: إن زيدًا في البيت على فراش، والقصر نطع عمرًا، والتقدير: وإن في القصر على نطع عمرًا، فنابت الواو مناب (إن) ومناب في، ومناب (على) وقبل ذلك: جاء من الدار إلى المسجد زيد، والحانوت البيت عمرو [نابت الواو مناب جاء، ومناب (من)، ومناب إلى، إذ التقدير: وجاء من الحانوت إلى البيت عمرو] فلو ناب مناب عاملين فمذاهب: أحدها: القول بالجواز مطلقًا سواء أكان أحد العاملين جارًا أم لم يكن: فإن لم يكن جارًا نحو: كان آكلاً طعامك زيد، وتمرًا عمرو، أي وكان آكلاً تمرًا عمرو، فذكر ابن مالك في شرحه: الإجماع على منع ذلك، وليس بصحيح، بل ذكر الفارسي في بعض كتبه جواز ذلك مطلقًا عن قوم من النحويين، ونسب للأخفش.

وإن كان أحد العاملين جارًا فقال المهدوي: إن تأخر المجرور نحو: زيد في

[ارتشاف الضرب: 4/ 2014]

الدار وعمرو القصر لم يجزه أحد، وليس كما ذكر بل من أجاز ذلك مطلقًا أجاز هذه الصورة، ونص بعضهم على أنه لا بد في العطف على عاملين أن يكون أحدهما جارًا، وإذا كان أحدهما جارًا، وتقدم المجرور المعطوف، فالمشهور عن سيبويه المنع مطلقًا، ونقل أبو جعفر النحاس الجواز، وأما الأخفش فعنه في هذه الصورة قولان: أحدهما: الجواز، وهو المشهور عنه، وهو مذهب الكسائي، والفراء، والزجاج، وتبعهم من أصحابنا أبو جعفر بن مضاء، وأبو بكر بن طلحة، والقول الثاني: المنع: ذكره في كتاب المسائل له، وهو مذهب هشام، والمبرد، وابن السراج.

فعلى المشهور من مذهب الأخفش، ومن تبعه يجوز، وسواء أكان المجرور متقدمًا في المعطوف عليه نحو: إن في الدار زيدًا والحجرة عمرًا، أم متأخرًا نحو: إن زيدًا في الدار والحجرة عمرا، وفصل قوم بين أن يتقدم المجرور في المتعاطفين معا فيجوز: إن في الدار زيدًا والقصر عمرًا أولا، فيمتنع نحو: إن زيدًا في الدار والحجرة عمرًا، ونسب هذا لأبي الحجاج الأعلم لتساوي الجملتين، وأنه لم يأت مسموعًا غير هذا، فحصل في هذه المسألة مذاهب: القول بالجواز مطلقًا، والقول بالمنع مطلقًا، والتفصيل بين أن يكون أحد العاملين جارًا، فيجوز، أو ليس بجار فيمتنع.

وإذا كان جارًا فمذهبان أحدهما: إن تقدم المجرور المعطوف جاز وإلا فيمتنع والثاني: إن تقدم المجرور في المتعاطفين جاز، وإلا فلا، وقال ابن الطراوة: العطف

[ارتشاف الضرب: 4/ 2015]

على عاملين إنما يكون في ما كان العاملان فيه من العوامل اللفظية المؤثرة لفظًا ومعنى، فإن انخرم شرط من هذه لم يكن من هذا الباب وهي جائزة، كأن يكون العاملان ابتداءين، أو أحدهما نحو: زيد في الدار والقصر عمرو، وكأن يكون العامل لفظيًا لا معنويًا، كالباء الداخلة في خبر (ليس)، و(ما)، و(من) في النفي، فهو جائز نحو: ليس زيد بقائم، ولا خارج أخوه، وما شرب من عسل زيد، ولا لبن عمرو، وما شرب زيد من عسل ولا لبن عمرو، وأجاز ابن طلحة: زيد في الدار والقصر عمرو كابن الطراوة.

وفي البديع: العطف على عاملين معناه أن يتقدم مرفوع، ومنصوب، أو مرفوع ومجرور، أو منصوب، ومجرور ثم يعطف عليهما من غير إعادة العامل، ومثاله: قام زيد وضرب عمرًا وبكرًا خالدًا، عطفت بكرًا على زيد وخالدًا على عمرو كأنك قلت: قام زيد وضرب عمرًا، وقام بكر وضرب خالدًا، هذا هو الذي وقع فيه الخلاف، وقد أجمعوا على أنه لا يجوز: مررت بعمرو، وبكر خالد، فيعطف على الفعل والباء، فإن قلت: مر زيد بعمرو، وخالد بكر فقدمت المجرور على المرفوع فقد أجازه الأخفش، ومن ذهب مذهبه انتهى.

ويجوز أن يعطف بحرف اسم فأكثر على اسم قبله فأكثر نحو: ضرب زيد عمرا وبكر خالدًا، وظن زيد عمرا منطلقا وبشر جعفرًا مقيمًا، وأعطى زيد عمرا درهمًا، وبكر خالدًا دينارًا، وأعلم زيد عمرا بكرا مقيما، وجعفر خالدا زيدا ظاعنا.

ويجوز حذف المعطوف بالواو، وحذف الواو ومنه قوله تعالى: «سرابيل تقيكم الحر» أي والبرد، وذلك إذا دل الدليل على ذلك، فأما قوله تعالى: «أولم يسيروا»، [و] «أفلم

[ارتشاف الضرب: 4/ 2016]

يسيروا» فزعم الزمخشري، ومحمد بن مسعود الغزني أن بين همزة الاستفهام، وحرف العطف الذي يلي (لم)، و(لما) في قوله: «أو لما أصبناكم» فعلا محذوفًا.

ومذهب الجمهور أن حرف العطف عطف ما بعده على الجملة قبله، والتقدير: وألم وألما لكنه اعتنى بهمزة الاستفهام، فقدمت؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام، وأما حذف الواو وحدها وإبقاء المعطوف، فقد جاء في كلامهم ما يدل على ذلك ومنه قيل ما حكاه أبو زيد (أكلت لحما سمكا تمرا) أي: وسمكا وتمرا، وذهب الفارسي إلى جواز ذلك، وتبعه ابن عصفور وابن مالك.

وذهب ابن جني، وتبعه السهيلي إلى أنه لا يجوز، وبه قال شيخنا الأستاذ أبو الحسن ابن الضائع. ويجوز حذف الفاء والمعطوف عليه بها ومنه «اضرب بعصاك الحجر فانفجرت» أي فضرب فانفجرت، وزعم ابن عصفور في مثل هذا التركيب أنه لم يحذف حرف العطف، والمعطوف عليه، بل حذف المعطوف عليه وحده، وحذفت الفاء من المعطوف، وأقرت الفاء من

[ارتشاف الضرب: 4/ 2017]

المعطوف عليه، فاتصلت بالمعطوف، فأبقى من كل منهما ما يدل على المحذوف، وقد حذفت (أم) ومعطوفها في قوله:

... ... ... ... .... = فما أدري أرشد طلابها

يريد (أم غي)، و(أو) دون معطوفها فيما حكى أبو الحسن: أعطه درهما درهمين ثلاثة، يريد: أو درهمين أو ثلاثة، ويغني المعطوف عن المعطوف عليه بالواو كثيرًا بعد بلى وشبهها تقول لمن قال: ألم تضرب عمرًا: بلى وزيدًا أي ضربت عمرًا وزيدًا، وتقول لمن قال: خرج زيد: نعم وعمرو أي خرج وعمرو، وندر ذلك مع (أو) في قوله:

فهل لك أو من والد لك قبلنا = ... ... ... ... ...

التقدير فهل لك من أخ، أو من والد، وتقول: زيد وعمرو منطلقان، ولا يجوز توسيط مثل هذا الخبر فتقول: زيد منطلقان وعمرو، وأجاز ذلك بعض أصحابنا، وإن ورد ذلك فيكون في شعر ضرورة، ويجوز تقديم المعطوف على المعطوف عليه بخمسة شروط عند أصحابنا:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2018]

أحدها: أن يكون العطف بالواو خاصة، وهو مذهب البصريين، وأجاز ذلك هشام بالفاء، وثم و(أو) و(لا) وقال هو جيد، وقال: وإن كانت الأداة ترفع جاز تقديم النسق تقول: متى وخرج الأمير خروجك، وكذلك في كيف وأين وفي جميع الصفات التامة نحو: خلفك وعبد الله رجل، ولا يجيز: هل وزيد عمرو منطلقان، ولا فيك وزيد عمرو راغبان، وأجاز هذا كله أحمد بن يحيى، ولا يجوز شيء من هذا على مذهب سيبويه لا في التام ولا في الناقص.

الشرط الثاني: أن لا يؤدي إلى وقوع حرف العطف صدرًا لا تقول: وعمرو زيد قائمان تريد: زيد وعمرو قائمان، ولا نعلم خلافًا في هذا الشرط.

الشرط الثالث: أن لا يؤدي إلى مباشرة حرف العطف عاملاً غير متصرف فلا تقول: إن عمرًا وزيدًا قائمان، ولا ما أحسن وزيدًا عمرًا.

الشرط الرابع: أن لا يكون المعطوف محفوظًا فلا تقول: مررت وعمرو بزيد.

الشرط الخامس: أن يكون الفعل لا يستغنى بفاعل واحد نحو: اختصم زيد وعمرو، فذهب هشام إلى أنه لا يجوز: اختصم وعمرو زيد، وهو مذهب البصريين، وأجاز ذلك أحمد بن يحيى.

وإذا اجتمعت هذه الشروط، فمذهب البصريين أنه لا يجوز ذلك إلا في الشعر، وهو عندهم في المنصوب أقبح منه في المرفوع، ومذهب الكوفيين جواز ذلك في الشعر وفي الكلام، وما أنشد دليلاً على ذلك هو من عطف

[ارتشاف الضرب: 4/ 2019]

المفردات، وقد جاء من عطف الجمل وأنشدوا:

أأطلال دار بالسباع فحمت = سالت فلما استعجمت ثم صمت

يريد سالت فحمت، وإذا تقدم معطوف بالواو ومعطوف عليه، وتأخر عنهما خبر أو غيره طابق المتعاطفين في عود الضمير في الخبر وغيره فتقول: زيد وعمرو منطلقان، ومررت بزيد وعمرو وأكرمتهما، فإن أفرد الخبر ولم تكن ثم قرينه تعين المتأخر لما يعود عليه نحو: زيد وعمرو قائم ومنه قوله تعالى: «والله ورسوله أحق أن يرضوه» فقال ابن عصفور: لا يجوز الإفراد إلا حيث سمع، ويكون الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، وقال أيضًا: الأحسن أن لا يفرد الخبر انتهى.

وكون المذكور خبر للثاني، وحذف خبر الأول للدلالة هو مذهب ابن السراج، وذهب سيبويه، والمازني، والمبرد، وعلي بن سليمان، إلى أن المذكور خبر للأول، ويدخل الثاني في معناه، ولا يحتاج إلى إضمار، لأن العطف إذ ذاك من عطف المفردات، فإن كان ثم قرينة تعين المتأخر لما يعود عليه كان على حسب القرينة نحو: ما حكى أبو حاتم: زيد وهند قائمة، فهذا خبر عن الثاني، وحكى: زيد وهند قائم فهذا خبر عن الأول.

والخلاف إنما هو إذا لم تكن قرينة، وفي الإفصاح: لو قلت: زيد قائمان وعمرو لم يجز، إنما تقول العرب: زيد وعمرو قائمان، وزيد قائم وعمرو، فتحذف خبر الثاني لدلالة الأول عليه، وزيد وعمرو قائم قيل حذف خبر الأول، وقيل حذف خبر الثاني، وقيل: أنت مخير وهو الصحيح انتهى.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2020]

فإن كان العطف بالفاء، أو بثم، جاز الإفراد والمطابقة فتقول: زيد فعمرو منطلق، وزيد ثم عمرو منطلق، ومررت به، ويجوز: منطلقان، ومررت بهما، والإفراد مع ثم أحسن، وإن كان العطف بـ(أو)، فنقل الأخفش عن العرب أنه يجوز أن يكون الحكم للأول، ويجوز أن يكون للثاني فتقول: زيد أو أمة الله منطلق، ويجوز: زيد أو أمة الله منطلقة.

وقال ابن عصفور: الضمير في (أو) على حسب المتأخر فتقول: زيد أو عمرو قام، وهذا مخالف لما نقل الأخفش عن العرب، وقال ابن عصفور أيضًا: ولا يجوز أن يكون الضمير على حسب ما تقدم في (أو) إلا شذوذًا لا يقاس عليه، قال الله تعالى: «إن يكن غنيًا أو فقيرًا فالله أولى بهما»، فأعاد الضمير على الغني، والفقير لتفرقهما في الذكر، وقال أيضًا: إن كانت (أو) مستعملة حيث يجوز الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه كالتي في الإباحة، أو في النهي عن المباح، فيجوز في الخبر الإفراد والجمع نحو: الحسن أو ابن سيرين جالسه، والآثم أو الكفور لا تطعه، وإن شئت جالسهما، ولا تطعهما، والدليل على جواز الجمع قوله تعالى: «إن يكن غنيًا أو فقيرًا فالله أولى بهما»، وهذا اضطراب من ابن عصفور تارة حمل الآية على الشذوذ، وتارة استدل لها.

وإن كان العطف بـ(لا)، فالذي يقتضيه النظر أن الحكم في ذلك للأول نحو: زيد لا عمرو قائم. قال ابن عصفور: الضمير على حسب المتأخر نحو: زيد لا عمرو قام، وإن كان العطف بـ(بل) أو بـ(لكن)، فالذي يقتضيه النظر أن الحكم فيهما للثاني فتقول: زيد بل عمرو منطلق، وما زيد لكن عمرو خرج، وقال ابن عصفور على حسب المتأخر منهما، وثمرة القولين تظهر إذا كان أحدهما

[ارتشاف الضرب: 4/ 2021]

مذكرًا والآخر مؤنثًا، ويجوز عطف الفعل على الاسم كقوله تعالى: «صافات ويقبضن». والاسم على الفعل نحو قوله تعالى: «يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي»، ولا يكون ذلك إلا إذا كان كل واحد منهما في تقدير الآخر.

وزعم أبو القاسم السهيلي: أنه يحسن عطف الفعل على الاسم إذا كان اسم فاعل، ويقبح عطف الاسم على الفعل نحو: مررت برجل يقوم وقاعد انتهى.

وإذا قلت: الطائر فيغضب زيد الذباب، عطفت الفعل على الاسم حملاً على المعنى، وهذا لا يجيزه المبرد، ولا ابن السراج، وقد ألم بجوازه يسيرًا أبو الحسن قال: لو قلت: الضاربه أنا، وقمت زيد كان جائزًا بالحمل على المعنى، لأن معنى الضاربه: أنا الذي ضربته، والقياس عنده هنا (أل) في الأول والثاني إذا كان لكل منهما ما يرتبط به، ولذلك منع غيره هذه المسألة، لأن إحدى اللامين يخلو من الضمير.

وقال ابن السراج: وقد أجاز قوم: ظننت عبد الله يقوم وقاعدًا، وظننت عبد الله قائمًا ويقعد، وهو عندي قبيح من أجل عطف الفعل على الاسم، والاسم على الفعل، وقد منع من ذلك المازني، والمبرد، والزجاج كل المنع.

واعتمد الفارسي جواز الذي قبحه شيخه ابن السراج، وله شواهد، وذكر أصحابنا أن الجملة الفعلية والجملة الاسمية لا تكون في تقدير مفرد إلا إذا وقعت

[ارتشاف الضرب: 4/ 2022]

صفة أو حالاً، أو خبرًا أو ثانيًا لظننت أو ثالثًا لأعلمت، ويجوز عطف الجملة الاسمية إذا كانت في تقدير المفرد قال تعالى: «بياتا أو هم قائلون» التقدير: بائتين، أو قائلين، ويجوز عطف الفعل على الفعل بشرط أن يتحدا في الزمان، والأحسن إذ ذاك اتحادهما في الصيغة نحو: زيد قام وخرج، وزيد يقوم ويخرج، ومن الاختلاف في الصيغة «أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة» أي فأصبحت وقوله:

ولقد أمر على اللئيم يسبني = فمضيت ... ... ...

أي مررت فمضيت ولا تقول (زيد قام ويخرج) تريد قام فيما مضى ويخرج فيما يستقبل على أن يكون من عطف الفعل على الفعل، لأن هذا العطف معدود من عطف المفرد على المفرد، فإذا اختلفا في الزمان صار من عطف الجمل.

وحرف العطف إن كان على حرف واحد (كالواو)، والفاء فلا يجوز الفصل بين الواو، و(الفاء)، وما عطف لا بقسم، ولا ظرف ولا مجرور إلا في ضرورة الشعر نص على ذلك أصحابنا فلا تقول: قام زيد والله عمرو، ولا فوالله عمرو،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2023]

ولا ضربت زيدًا وفي البيت عمرو، ولا خرج زيد والساعة عمرو، قال ابن مالك: وهو قول أبي علي قال: وهو جائز في الكلام المنثور إن لم يكن المعطوف فعلا نحو: قام زيد، وفي الدار قعد، وزيد يقوم ووالله يقعد، أو اسمًا مجرورًا لم يعد جره نحو: مررت بزيد ومن بعده عمرو، وأجاز ذلك الفراء في قوله تعالى: «ومن وراء إسحاق يعقوب» فقال: ينوى به الخفض، فيكون معطوفًا على (بإسحاق) وقد فصل بينهما بالجار والمجرور الذي هو (من وراء إسحاق) والعطف بالواو، وخرج ذلك أبو علي، وأبو الفتح على إضمار فعل تقديره: وآتيناها من وراء إسحاق يعقوب كما قال سيبويه في: مررت بزيد وعمرًا إذ التقدير: ولقيت عمرًا، وهذا الذي استقبحه أبو علي لم يستقبحه سيبويه إلا في النصب، وإنما قبحه في الخفض نحو: أمر اليوم بزيد وغدا عمرو.

وإن كان حرف العطف على أكثر من حرف، جاز الفصل بينه وبين المعطوف بالقسم، وبالظرف وبالجار والمجرور نحو: قام زيد ثم والله عمرو، وقام زيد بل، والله عمرو، وما ضربت زيدًا لكن في الدار عمرو.

ومن أحكام حروف العطف أن ما كان معمولاً لعامل بعدها لا يجوز أن يتقدم ذلك المعمول على حرف العطف فلو قلت: زيد قائم وضارب عمرا ما جاز أن تقول: عمرًا وضارب، ونقلوا أن القيام يكون صلة، ولا قيام هناك، فإذا قلت: قمت فضربت زيدًا قالوا: فإن كان القيام لغوا فلا يجوز تقديم زيد على فضربت،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2024]

وإن كان القيام حقيقة أو أكدته بمصدر نحو: قمت قياما فضربت زيدًا، أو كان في شرط نحو: إن قمت فضربت زيدًا فعبدي حر، فيجوز تقديم المفعول على (فضربت) وهذا مخالف لما قررناه في الأصل.

وإذا اجتمعت التوابع بدأت بالنعت، فعطف البيان، فالتوكيد، فالبدل، فعطف النسق فتقول: مررت بأخيك الكريم محمد نفسه رجل صالح ورجل آخر، وأجاز بعضهم تقديم التأكيد على النعت فتقول: قام زيد نفسه [الكاتب؛ فإن كان التأكيد بتكرار الاسم فكالتأكيد بألفاظ التأكيد فتقول: قام زيد العاقل] زيد نص عليه بعض أصحابنا، وقال ذلك في قوله: (ويل له ويل طويل) قال يجوز أن يكون طويل صفة لويل الأول.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2025]

باب القول في الأفعال وأقسامها

الفعل بالنظر إلى الصيغ ثلاثة: ماض وأمر، ومضارع، وكل منهما أصل، فالقسمة ثلاثية، وزعم أبو علي: أن المستقبل حمل على الحال، وأبو بكر بن طاهر إلى أن المستقبل أسبق.

وأكثر النحاة يقول: في بنية (يفعل) بالاشتراك كاشتراك عين، وزعم الكوفيون أن الأمر مقتطع من المضارع، فالقسمة عندهم ثنائية، وزعم بعض النحاة أن الأصل في الأفعال هو الماضي، فتسمية الماضي ماضيًا، والأمر أمرًا واضحة، وزعم صاحب (الضروري): أن الأمر والنهي نحو: اضرب، ولا تضرب ليسا فعلين إلا مجازًا.

وأما المضارع فهو في اللغة المشابه لما شابه الاسم سمي مضارعًا كأنه وضع مع الاسم صريحًا، وزعم ابن عصفور أن المضارعة مقلوبة عن المراضعة، ويقول المتكلم مذكرًا كان أو مؤنثًا: أخرج بالهمزة الدال ما هي فيه على المتكلم، ويقول جماعة المتكلمين: نحن نصنع، وكذلك لو كان معه مشارك في الفعل واحدًا أو أكثر نحو: نحن وزيد نفعل، أو نحن والزيدون نفعل.

وكذا إذا شارك المتكلم غيره في الفعل نحو: أنا وهند نصنع، وأنا والزيدون نصنع، ويقول المتكلم المعظم نفسه نصنع كذا، وهو عند بعض أصحابنا مجاز فيه، وتقول للمخاطب مطلقًا: أنت تقوم، أنت تقومين، أنتما تقومان، أنتم تقومون، وأنتن تقمن بالتاء فيها كلها.

وقد يعامل جمع التكسير من المؤنث معاملة المؤنث في الخطاب تقول: يا نساء تقومين كما تقول: يا هند تقومين، وتقول للغائبة: هند تقوم وهي تقوم، والسماء تنفطر، وهي منفطر، وللغائبتين: الهندان تخرجان والعينان تدمعان، فإن كان هما

[ارتشاف الضرب: 4/ 2027]

ضمير غائبتين، فمسألة خلاف، فـ(ابن الباذش) يقول: هما يخرجان كضمير المذكر، وابن أبي العافية يقول: هما يخرجان كظاهرهما وهو الصحيح، وقد يحمل المذكر الغائب على مؤنث، فيكون بالياء نحو: تجيء كتابي يريد الصحيفة، أو أضيف إلى مؤنث وأنت تريد المذكر، نحو: يجتمع أهل اليمامة و«يلتقطه بعض السيارة» في قراءة من قرأ بالتاء، وتشرق صدر القناة، أو يكون في المذكر تاء التأنيث نحو: تقوم طلحة، وتعدل الخليفة وهذا قليل: أو أسند إلى ظاهر جمع تكسير لمذكر، وأريد معنى جماعة، أو ضمير غائبات نحو: تقوم الزيود، وتنكسر الأجذاع، وتنكسر الجذوع، وتخرج الرجال والرجال تخرج، والنساء تخرج؛ فإن كان الظاهر جمع سلامة في المذكر، أو ضميرًا يعود عليه، فمذهب البصريين أنه لا يجوز إلا بالياء فتقول: يقوم الزيدون والزيدون يقومون، وأجاز الكوفيون: تقوم الزيدون، والزيدون تقوم بالتاء، وتقول للغائب، يقوم زيد، ويقوم الزيدان، ويقوم الزيدون، وزيد يقوم، والزيدان يقومان، والزيدون يقومون، وقد يقال الزيدون يقوم كما يقال: زيد يقوم وهو قليل جدًا.

فإن كان الجمع لغير عاقل، جاز فيه ذلك أيضًا، فتقول: الجذوع تنكسر وتقول: تقوم الهنود، و«تكاد السموات» وتسرع الجمال، والهنود يقمن، و«السماوات يتفطرن»، والجمال يسرعن، والهندات تخرجن،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2028]

وروى أبو عمرو الزاهد في نوادر ابن الأعرابي: الإبل تشممن يعني بالتاء، وقرأ يونس عن أبي عمرو، (تكاد السموات تتفطرن) بالتاء في (يتفطرن) وهي قراءة شاذة، وتشممن حرف نادر، فإن كان الظاهر جمع سلامة في المؤنث العاقل نحو: الهندات، فمذهب البصريين أنه لا يجوز إلا بالتاء فتقول: تقوم الهندات، وإنما جاز بالتاء في السموات لجواز ذلك في مفرده أو تأنيثه مجاز، وأجاز الكوفيون: يقوم الهندات بالياء، ويجوز: يقطع يد زيد، لجواز تقطع زيد وأنت تريد يده، ويحضر القاضي امرأة، وينفعك اليوم الموعظة، وتنفع الموعظة على معنى الوعظ بالياء.

والأمر مستقبل أبدًا، وربما دل بصيغة الخبر على الأمر نحو قوله تعالى: «والوالدات يرضعن أولادهن» كما دل بصيغة الأمر على الخبر في قوله تعالى: «فليمدد له الرحمن مدا» أي فيمد.

والمضارع فيه خمسة مذاهب:

أحدها: أنه لا يكون إلا مستقبلاً، وهو مذهب الزجاج.

الثاني: أنه مختص بالحال وهو مذهب ابن الطراوة.

والثالث: وهو مذهب الجمهور، وهو أنه يكون للحال، ويكون للاستقبال واختلفوا: فقيل هو مشترك كلفظة (عين)، وهو ظاهر مذهب سيبويه، ورجحه (صاحب الضروري)، وقيل إذا أريد به الحال فهو: بحق الأصلية، وإذا أريد به الاستقبال، فهو بحق الفرعية، وهو مذهب الفارسي، وبه قال من أصحابنا أبو بكر بن مسعود، وقيل عكس هذا، وأن أصله المستقبل، وهو مذهب الأستاذ أبي بكر بن طاهر، ومن قال: إنه صالح للحال قال هو صالح لهما، ولو نفى

[ارتشاف الضرب: 4/ 2029]

بلا، وهذا مذهب الأخفش والمبرد إلا إن تعين المضارع للاستقبال.

وذهب أكثر المتأخرين إلى أنها تخلصه للاستقبال، ومنهم الزمخشري، وهو ظاهر مذهب سيبويه، وقال: يترجح الحال مع التجريد، يعني من القرائن المخلصة للحال والاستقبال، وقال بهذا ابن مالك مع زعمه، ونصه أنه مشترك بين الحال والاستقبال، وهو قول متناقض قال: ويتعين عند الأكثر بمصاحبة (الآن)، وما في معناه كالساعة، والحين، وأل فيهما للحضور، وآنفا تقول: يخرج الآن أو الساعة أو الحين أو آنفًا.

وقد جاء استعمال (الآن) مع المستقبل كقوله تعالى: «فالآن باشروهن» «فمن يستمع الآن»، فأجاز بعضهم: يخرج زيد الآن على الاستقبال، وأما (لام الابتداء) فتخلص للحال عند الأكثرين نحو: إن زيدًا ليقوم. قال ابن مالك: ويجوز أن يراد الاستقبال بالمقرون بها، واستدل بما رددناه عليه في الشرح، قال: والأكثرون على أن النفي بـ(ليس) و(ما) و(إن) قرينة تخلص للحال مانعة من إرادة الاستقبال، وقال ليس ذلك بلازم، وأورد أدلة على زعمه لا تدل على مدعاه، لأن المدعي أن تلك تخلص للحال، إذا لم يكن هناك قرينة لفظية، أو معنوية تخلص للاستقبال، ومما يخلص للحال عطف الحال عليه نحو: يقوم زيد ويخرج الآن، وعطفه على الحال نحو: يقوم زيد الآن ويخرج، ومجيئه حالا نحو: جاء زيد يضحك، ومما يعينه للحال الإنشاء نحو: أقسم لأضربن عمرًا، وأحلف ما خرج زيد، ويتخلص للاستقبال بظرف مستقبل

[ارتشاف الضرب: 4/ 2030]

معمولاً للمضارع نحو: أكرمك إذا جئت، أو مضافًا إليه نحو: القتال إذا تجيء، وإسناده إلى متوقع نحو قوله:

يهولك أن تموت ... ... ... = ... ... ... ....

أو تضمن طلبا نحو قوله «والوالدات يرضعن أولادهن»، أو وعدًا نحو «يعذب من يشاء ويرحم من يشاء» أو مصاحب ناصب، نحو: أن، ولن، وإذن، وكي في أحد قسميها، وخالف في هذا بعض المتأخرين، أي في تخليص الناصب للاستقبال، أو أداة ترج نحو: «لعلي أبلغ الأسباب» أو [اشتقاق نحو

... ... ... ... ... ... = عسى يغتر به حمق لئيم

أو مجازاة جازمة نحو]: «إن يشأ يذهبكم» أو غير جازمة: كيف تصنع أصنع، قال ابن مالك: أو (لو) المصدرية نحو: «يود أحدهم لو يعمر» أو حرف تنفيس، وهو سوف، والسين، ولا يعرف البصريون غيرهما، وهما لغتان وليست السين مقتطعة من سوف، خلافًا لمن زعم أنها فرع من سوف.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2031]

وحكى الكسائي أن ناسا من أهل الحجاز يقولون: سوف تعلمون بسكون الواو، وحكى أحمد بن عبد الجليل المروي في كتابه الذي سماه (توطئة المدخل): (سو أفعل)، و(سوأفعل) بفتح الواو، وسكونها لغتان، وحكى الكوفيون (سف). وحكى ابن سيده (سى)، قال ابن مالك: واتفقوا على أن أصل (سو)، و(سف)، و(سى) سوف انتهى.

وزعم بعضهم أن هذا من الحذف الذي جاء في الشعر، وليس بلغة، وذكر أبو موسى في مخلصاته للاستقبال لام الأمر، والدعاء، ولا في النهي والدعاء، وهذا مندرج تحت اقتضاء الطلب، وذكر أيضًا لام القسم نحو: والله ليقوم زيد، وعطفه على المستقبل، وعطف المستقبل عليه، وينصرف معنى المضارع إلى المضى بـ(لم) و(لما)، وهذا مذهب المبرد، والأستاذ أبي علي وأكثر المتأخرين قالوا: الأصل يفعل فدخلت عليه (لم)، أو (لما) فصرفت معناه إلى المضى، وبقى اللفظ على ما كان عليه، وذهب أبو موسى وغيره إلى أنهما يصرفان لفظ الماضي إلى المبهم دون معناه، ونسب هذا إلى سيبويه، وبـ(لو) الامتناعية نحو «ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم»، وبـ(إذ) نحو «وإذ تقول للذي أنعم الله عليه» و(رمبا) نحو:

ربما تكره النفوس من الأمر = ... ... ... ....

[ارتشاف الضرب: 4/ 2032]

وقد جاء ما ظاهره الاستقبال كقوله تعالى: «ربما يود الذين كفروا» وقد في بعض المواضع كقوله تعالى: «قد نرى تقلب وجهك» وعطفه على الماضي كقوله تعالى: «ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة» أي فأصبحت، وعطفت الماضي عليه نحو:

ولقد أمر على اللئيم يسبني = فمضيت ... ... ... ...

إلخ، أي: ولقد مررت، ووقوعه خبرًا لكان وأخواتها نحو: كان زيد يقوم، وإعماله في الظرف الماضي نحو:

يجزيه رب العرش عني إذ جزى

أي جزاه رب العرش، وزعم ابن عصفور أن من هذه القرائن (لما) المحتاجة إلى الجواب ومثل ذلك بقوله: لما يقوم زيد قام عمرو، ويحتاج إثبات ما زعم إلى دليل من السماع، وينصرف الماضي إلى الحال بالإنشاء نحو: أقسمت لأضربن زيدًا، وألفاظ العقود نحو: زوجها، وقبلت واشتريت.

وإلى الاستقبال بالطلب نحو: غفر الله لك، و(اتقى الله امرء فعل خيرا يثب عليه)، وعزمت عليك إلا فعلت ولما فعلت، وبالوعد نحو: «إنا أعطيناك الكوثر»، وبالعطف على ما علم استقباله نحو: «يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار»، وذكر ابن مالك أنه ينصرف إلى الاستقبال في القسم بدخول (لا) و(أن) عليه، ومثل بما لا دليل فيه على مدعاه، وقال: ويحتمل المضي والاستقبال بعد همزة التسوية نحو: سواء علي أقمت أم قعدت، وسواء علي أي وقت جئتني، فإن كان المعادل مقرونًا بـ(لم) تعين المضى نحو:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2033]

«سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم»، وبعد حرف التحضيض نحو: هلا ضربت زيدًا إن أردت المضى كان للتوبيخ أو للاستقبال كان للأمر، وبعد كلما نحو: «كلما جاء أمة رسولها كذبوه»، و«كلما نضجت جلودهم بدلناهم» وبعد حيث نحو: «من حيث خرجت» [و] «فأتوهن من حيث أمركم الله» وبكونه صلة نحو: «الذين قال لهم الناس إن الناس» [و] «إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم» أو صفة لنكرة عامة نحو

رب رفد هرقته ذلك اليو = م وأسرى ....

و(نضر الله امرءا سمع مقالتي)، وهذه المثل في هذا الاحتمال من كلام ابن مالك، وإن ذلك على سبيل التسوية، والذي نذهب إليه الحمل على المضى لإبقاء اللفظ على موضوعه، وإنما فهم الاستقبال فيما مثل به من خارج.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2034]

فصل

الفعل متصرف وجامد، والمتصرف ما اختلفت بنيته لاختلاف زمانه: ضرب يضرب اضرب، والجامد بخلافه، وهو قسمان مبوب له في النحو وغير مبوب له. المبوب سيأتي ذكره إن شاء الله.

وغير المبوب له منه ما ذكر في باب كان، وفي باب المقاربة، وفي باب الاستثناء، وتقدم الكلام على ذلك، ومنها قل، فإذا كان مقابله كثر تصرفت، وإذا كان للنفي المحض فلا تتصرف، فيرتفع بها الفاعل وما بعده في موضع الصفة مثاله: (قل رجل يقول ذلك) أي ما رجل يقول ذلك، ويطابق ما بعد فاعله الفاعل: تقول: قل رجلان يقولان ذلك أي: ما رجلان يقولان ذلك، وتتصل بقل ما كافة، فيليها إذ ذاك الفعل، وليس لها إذ ذاك فاعل، لإجرائها مجرى حرف النفي، وقد يليها الاسم في الضرورة نحو:

... ... ... ... ... وقلما = وصال على طول الصدود يدوم

وخرج على تقديم الفاعل ضرورة، أو على إضمار فعل يفسره ما بعده أي: وقلما يدوم وصال على طول الصدود يدوم، والتي تقابل كثر إذا دخل (ما) كانت

[ارتشاف الضرب: 4/ 2035]

مصدرية لا كافة، و(تبارك) مشتق من البركة لم يستعمل إلا ماضيًا لازمًا قال تعالى: «فتبارك الله أحسن الخالقين»، وهدك تقول: مررت برجل هدك من رجل، وبامرأة هدتك من امرأة، أي كفاك وكفتك. وتقدم أن (هدك) يكون اسمًا يوصف به تقول: مررت برجل هدك من رجل، ولا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، وإن كان تابعًا لمثنى أو مجموع أو مؤنث تقول: مررت برجلين هدك من رجلين، وبرجال هدك من رجال، وبامرأة هدك من امرأة. أي كافيك ومحسبك، ومن زعم أن هد لم يستعمل فعلاً فزعمه باطل، و(عمرتك الله) أي أسأل الله تعميرك، ونصب (الله) باسأل محذوفة، وتقدم الكلام مشبعًا عليها في باب القسم.

وكذب في الإغراء: الكذب يطلق، ويراد به اختلاف ما لم يعلم ولم يسمع، وما يشبه الكذب، وإن لم يقصده، والخطأ والبطول: كذب الرجل أي بطل عليه أمه، وما رجاه وقدره، وفعله متصرف في هذه المعاني، ويطلق كذب، ومراد به الإغراء ومطالبة المخاطب بلزوم الشيء المذكور، ولا يتصرف بل لم يستعمل منه في الإغراء إلا لفظ الماضي.

وقالت العرب: كذب عليك العسل أي: كل العسل، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (كذبك عليكم الحج كذب عليكم العمرة، كذب عليكم الجهاد ثلاثة أسفار كذبن عليكم) معناه: الزموا الحج والعمرة والجهاد، والمغري به مرفوع قالوا: يكذب ولا يجو نصبه، وأجاز بعضهم النصب بما روى أن أعرابيًا نظر إلى ناقة نضو لرجل فقال له: (كذب عليك البزر والنوى) بالنصب أي الزمهما، وقال ابن الأنباري: هذا شاذ لا يعمل به، وقد روى قول عنترة:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2036]

كذب العتيق وماء شن بارد = ... ... ... ... ....

بالرفع والنصب، قال عبد الدايم القيرواني: أصله كذب ذلك عليك العتيق حذف عليك، وناب (كذب) منابه، فصارت العرب تغرى به، وقال الأعلم: العرب تقول: (كذبك التمر واللبن) أي عليك بهما، وبعض العرب تنصب وهم مضر والرفع لليمن، وقال عمر رضي الله عنه (كذبكم الحج والقرآن) أي عليكم بهما، وقال الفراء: معنى كذب عليكم: وجب عليكم، والذي تقتضيه القواعد في مثل كذب عليكم الحج وشبهه أن ذلك يكون من باب الإعمال، فإذا ارتفع الاسم كان فاعلاً بـ(كذب)، وحذف مفعول عليك أي عليكه حذف لفهم المعنى، وإذا انتصب ما بعد عليك كان منصوبًا بـ(عليك)، وفاعل (كذب) مضمر يفسره ما بعده على رأي سيبويه، أو محذوف على رأي الكسائي.

(ويهيط): لم يستعمل إلا مضارعًا، والهياط: العجاج والصياح يقال: ما زال منذ اليوم يهبط هيطًا.

و(أهلم): تقول للمخاطب: إلام أهلم، وأهلم، ولا أهلمكه فهذه مضارعات، ولم تستعمل منها العرب فعلاً ماضيًا، ولا أكثر العرب فعل أمر، ففي هذه الحالة لا تتصرف، و(هلم) التميمية لم تستعمل بنو تميم لها ماضيًا، ولا مضارعًا غير ما نبه عليه، وسيأتي الكلام على (هلم) مشبعا في باب أسماء الأفعال إن شاء الله تعالى.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2037]

و(سقط في يده) بمعنى الندم والتخلي عما كان يتعلق به، لم يستعمل في هذا المعنى إلا ماضيًا مبنيًا للمفعول و(في يده) قائم مقام الفاعل، وقراءة اليماني: «ولما سقط في أيديهم» مبنيًا للفاعل مخالف لما قيل في سقط.

(وأهاء) بمعنى أعطى لا يتصرف لم يستعمل منه بهذا المعنى لا ماض ولا أمر ولا مضارع مبني للفاعل، و(أهاء) بمعنى آخذ حكى أن المخاطب بها بمعنى خذ تقول: ما أهاء، وما أهاء بمعنى: ما آخذ وما أعطى.

وذكر ابن مالك في الأفعال التي لا تتصرف (عم صباحًا) بمعنى أنعم صباحًا، وينبغي وهو وهم يقال: وعم يعم في معنى نعم ينعم، فيكون لازمًا ومنه:

... ... ... ... ... = وهل يعمن من كان في العصر الخالي

ومتعديًا قال يونس: وعمت الدار أعم أي قلت لها انعمي، ويقال: انبغي ينبغي وهو من أفعال المطاوعة، قال ابن فارس: يقال بغيته فانبغى كما تقول كسرته فانكسر، وقال ابن مالك تابعًا للأعلم: و(تعلم) بمعنى اعلم يعني أنه لا يستعمل منه ماضٍ ولا مضارع بهذا المعنى قال:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2038]

تعلم شفاء النفس قهر عدوها = ... ... ... ... ....

أي اعلم، وذكر غيره أن يعقوب ذكر أنها متصرفة، وحكى: تعلمت أن فلانًا خارج بمعنى علمت، و(هاء وهاء) بمعنى خذ، وسيأتي الكلام على هذا في باب أسماء الأفعال إن شاء الله تعالى.

وتقول في زجر الخيل، وهو حثها على السير (أقدم) و(أقدم)، و(هب) لزجرها أيضًا، وبمعنى (ظن)، ولا يتصرف في الحالين تقول (هب) زيدًا شجاعًا، و(هب) بمعنى جعل تقول: (وهبني الله فداءك) أي جعلني فداءك لا يستعمل إلا ماضيًا، وفي زجر الفرس (أرحب) و(ارحبى) أي توسعي وتباعدي، ويقال: أرحبت الشيء إذا وسعته ولا يستعمل في الزجر إلا أمرًا.

وقال قطرب: إذا كان البعير باركًا، قيل له ارحبي ارحبي ليقوم، وقال في كتاب (الفرق): يقال في زجر الفرس: إجد وإجد، وهجد وهجد، وإجدم يقال: أجدمت الفرس إجدامًا إذا قلت له ذلك. انتهى.

وصيغة (إجد)، و(هجد) ليست على وزن الأفعال، ويتخيل لتخريجه بأن الأصل: إجدم، فحذفت الميم شذوذًا، ونقلت حركة الدال إلى الجيم، وأقروا همزة الوصل، لعروض التحريك كما قالوا: (اسل)، فصار (إجد)، ثم أبدلوا الهمزة هاء فقالوا: هجد، وإنما حكم على هذه الكلم بأنها أفعال لرفعها الضمير البارز،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2039]

واستغنى غالبًا بترك) عن (وذر) و(ودع)، وبالترك عن (الوذر)، و(الودع) وبتارك عن (وازر)، و(وادع)، وقرأ أبو بحرية «ما ودعك» بالتخفيف، وفي الحديث (ذروا الحبشة ما وذرتكم) وفيه (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعة)، وعند البهاري في الأفعال التي لا تتصرف (ما جاءت حاجتك) و(قعدت كأنها حربة)، وأحسن بزيد، و(نكر) ضد عرف، وبسوى قال ابن الحاج بمعنى يساوي، وذكر هذين ابن كيسان في تعريفه (القسم الثاني من الجامد): وهو المبوب له وذلك: نعم وبئس وما جرى مجراها وصيغ التعجب.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2040]

باب نعم وبئس

أوردوا الخلاف فيهما على طريقتين:

إحداهما: أن مذهب البصريين والكسائي أنهما فعلان، وذهب الفراء، وكثير من الكوفيين إلى أنهما اسمان، وعلى هذه الطريقة ذكر أكثر أصحابنا الخلاف فيهما.

والطريقة الثانية: أن الخلاف إنما هو بين الفريقين بعد إسناد نعم، وبئس إلى الفاعل، فذهب البصريون إلى أن (نعم الرجل) جملة، وكذلك (بئس الرجل)، وذهب الكسائي إلى أنهما اسمان محكيان بمنزلة (تأبط شرا) و(برق نحره).

فـ(نعم الرجل) عنده اسم للممدوح، و(بئس الرجل) اسم للمذموم وهما جملتان في الأصل، نقلاً عن أصلهما وسمى بهما، وذهب الفراء: إلى أن الأصل: رجل نعم الرجل زيد، ورجل بئس الرجل بكر، حذف الموصوف، وأقيمت الصفة مقامه، فنعم الرجل، وبئس الرجل رافعان لزيد وعمرو، وكما أنك لو قلت ممدوح زيد، ومذموم عمرو لكانا مرفوعين بهما، ونعم وبئس لإنشاء المدح والذم، ولا يعملان في مصدر، ولا ظرف، وقد يقطع الاستمرار بـ(كان) تقول: لقد كان نعم الرجل ويدل على الصيرورة فتقول: لقد صار نعم [الرجل، وأصلهما فعل وقد يردان كذلك، ويقال: نعم] وبئس بإسكان حرف الحلق، ونعم

[ارتشاف الضرب: 4/ 2041]

وبئس بكسر الفاء هو الكثير في السماع، وحكى الأخفش، وأبو علي (بيس) بفتح الباء، وإبدال الهمزة ياء على غير قياس، و(نعم وبئس) بكسر فاء الكلمة اتباعًا لحركة العين.

ويظهر أن تجويز هذه الأوجه بعضها بالسماع، وبعضها بالقياس، وهو نعم بفتح النون وسكون العين، وبأس كذلك، وبئس بكسرهما، وفي تعليقة الصفار أجاز السيرافي: بئس وبئس وبأس، والمسموع إنما هو بئس بالهمزة وتركه.

وسمع: نعيم الرجل زيد بالإشباع، وأجازوا في كل ما كان على وزن فعل فعلاً كان أو اسمًا، إذا كانت عينه حرف حلق الأوجه الأربعة التي في نعم نحو: سئم، وشهد، ونهم، وسخر، ووغر، ووحر، وفخذ، وفئر، ووحل وسهل، ووعر، وزعر، وذلك بشرطين: أن لا تكون العرب شذت في فكه نحو: (لححت عينه) أو اتصل بآخر الفعل ما يسكن له نحو: شهدت، أو كان اسم فاعل من فعل معتل اللام نحو: ضح من قولهم: ضحى الثوب ضحى، فهو ضح إذا اتسخ، وسخ من سخى البعير ظلع من وثوبه بالحمل الثقيل، فلا يجوز تسكين العين، وفاعل (نعم) و(بئس) ظاهر معرف (بأل) نحو: «نعم المولى» و«لبئس المهاد» أو مضافًا إلى ما هما فيه مباشرًا نحو: «ولنعم دار المتقين» «فلبئس مثوى المتكبرين» أو بواسطة نحو:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2042]

فنعم ابن أخت القوم غير مكذب = ... ... ... ...

و(أل) هذه ذهب الجمهور إلى أنها جنسية، فقال قوم: حقيقة، فالجنس كله هو الممدوح، وزيد مندرج في الجنس، لأنه فرد من أفراده، قال سيبويه: لأنك تريد أن تجعله من أمة كلهم صالح، وقال قوم: هي جنسية مجازًا جعلت (زيدًا) جميع الجنس مبالغة، وذهب قوم إلى أنها عهدية في الذهن لا في الخارج، وذهب قوم إلى أنها عهدية شخصية، وهو مذهب أبي إسحاق بن ملكون من أصحابنا، وأبي منصور الجواليقي من أهل بغداد، ومحمد بن مسعود من نحاة عزنة، ورجحه الأستاذ أبو عبد الله الشلويين الصغير، وقال خطاب لا يكفيى تصوره، بل وجوده في الخارج في أشخاص، و(أل) عنده جنسية قال لو قلت: نعمت الشمس هذه، ونعم القمر هذا لم يجز، فلو قلت: نعم الشمس هند، ونعم القمر زيد جاز على التشبيه، ولو قلت: نعم القمر ما يكون لأربع عشرة، ونعمت الشمس شمس السعود جاز، وقال أيضًا: وقد يجوز نعم الزيد زيد بن حارثة، ونعم العمر عمر بن الخطاب، لأنك أردت واحدًا من جماعة، فصار جيدًا حسنًا لكل من له هذا الاسم انتهى.

وإذا جاءت (ما) بعد (نعم وبئس)، فإما أن يكون ما بعدها اسم أو فعل، إن كان بعدها اسم نحو: بئس ما تزويج ولا مهر، ونعم ما زيد، فقيل مذهب البصريين أن (ما) تمييز نكرة غير موصوفة، وقد أضمروا في الفعل، والمرفوع بعد (ما)، هو

[ارتشاف الضرب: 4/ 2043]

المخصوص بالمدح أو بالذم، وقيل (ما) معرفة تامة فاعل بالفعل، وهو قول سيبويه، والمبرد، وابن السراج، والفارسي، وأحد قولي الفراء، وروى عن الكسائي، قال سيبويه في: (غسلته غسلا نعما) أي نعم الغسل وقال الكسائي في (بئس ما تزويج) بئس التزويج، وقال المبرد في (دققته دقا نعما) أي نعم الدق، وقال قوم منهم الفراء: ما بعد نعم وبئس كالشيء الواحد لا موضع لها من الإعراب، فالمرفوع فاعل (بنعما وبئسما)، ومن قال بئست المرأة هند لم يقل بئست ما هند، ومن أجاز: نعمت المنزل مكة لم يلزمه أن يقول: نعمت ما جاريتك، فتحصل فيما إذا جاء بعدها اسم ثلاثة أقوال: النصب على التمييز، والرفع على الفاعل، والتركيب مع الفعل فلا موضع لها من الإعراب.

وإن وقع بعد (ما) فعل نحو: نعم ما صنعت ففيها عشرة أقوال:

أحدها: أن يكون (ما) فاعلاً اسمًا تامة معرفة، والمخصوص محذوف والفعل صفة له: التقدير: نعم الشيء شيء صنعت، وهذا هو مذهب المحققين من أصحاب سيبويه.

الثاني: أن يكون (ما) نكرة منصوبة على التمييز، والفعل صفة لمخصوص محذوف التقدير: نعم شيئًا شيء صنعت.

الثالث: أن (ما) نكرة منصوبة على التمييز، والفعل بعدها صفة (لما)

[ارتشاف الضرب: 4/ 2044]

والمخصوص محذوف، وهو مذهب الأخفش، والزجاج وتبعهما الزمخشري.

الرابع: أنها موصولة والفعل صلتها، والمخصوص محذوف قاله الفارسي.

الخامس: أنها موصولة وهي المخصوص، وما أخرى تمييز محذوف التقدير: نعم شيئًا الذي صنعته، وهو قول الفراء.

السادس: أن (ما) تمييز، والمخصوص (ما) أخرى موصولة، والفعل صلة لما الموصولة المحذوفة، وهو قول الكسائي.

السابع: أنه لا حذف هنا و(ما) مصدرية، وتأويله: بئس صنعك، ولا يحسن في الكلام بئس صنعك حتى تقول: بئس الصنع صنعك، كما تقول: أظن أن تقوم، ولا تقول: أظن قيامك.

الثامن: ما ذكره ابن مالك عن الفراء، والفارسي أن (ما) فاعلة موصولة يكتفي بها وبصلتها عن المخصوص.

التاسع: أن (ما) كافة لنعم، كما كفت (ما) قل، فصارت تدخل على الجملة الفعلية.

العاشر: أن (ما) نكرة موصوفة مرفوعة، ويجوز أن يتبع فاعل (نعم) و(بئس) الظاهر بعطف وبدل، يجوز مباشرتهما لنعم وبئس، ولا يجوز وصفه عند البصريين وأجازه قوم منهم ابن السراج، والفارسي، ولا يجوز توكيده توكيدًا معنويًا باتفاق.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2045]

وقال ابن مالك: ولا يمتنع التأكيد اللفظي فتقول: نعم الرجل الرجل زيد انتهى.

ومن ذهب إلى أن (أل) عهدية شخصية فلا يبعد أن يجيز: نعم الرجل نفسه زيد، وينبغي أن لا يجوز التأكيد اللفظي إلا بسماع من العرب.

وقال ابن أبي الربيع: لا يجوز أن يفصل بين نعم وفاعلها بشيء، ولا بظرف، ولا مجرور لا تقول: نعم في الدار الرجل زيد، ويجوز: نعم الرجل في الدار زيد، وفي البسيط: يصح الفصل بين الفعل والفاعل لتصرفه في رفعه الظاهر والمضمر، وعدم التركيب انتهى.

فإن كان معمولاً للفاعل نحو: نعم فيك الراغب زيد، فأجازه الكسائي، ومنع من ذلك الجمهور، وقد جاء في الشعر ما يدل على الجواز قال:

... ... ... ... ... ... = وبئس من المليحات البديل

ووجدت في شعر العرب الفصل بـ(إذن) قال:

... ... ... ... ... = لبئس إذن راعي المودة والوصل

[ارتشاف الضرب: 4/ 2046]

وبالقسم قال:

بئس عمر الله قوم طرقوا = فقروا أضيافهم لحما وحر

وقال ابن الحاج في تعليقه على المقرب: قال الصيمري: أما أن تقدمه على التمييز نحو: نعم فيك راغبًا زيد فجائز بإجماع، قال ابن السراج وفيه نظر، وأما نعم طعامك آكلاً زيد فلا يجوز، وقال أبو علي في التذكرة: «نعم فيك الراغب زيد» فيك يتعلق بنعم انتهى.

ولا يكون فاعلها نكرة مفردة، ولا مضافة هذا مذهب سيبويه وعامة النحويين إلا في الضرورة، وأجاز ذلك الكوفيون، والأخفش، وابن السراج، ونقل الأخفش أن ناسًا من العرب يرفعون بهما النكرة المفردة.

ونقل في الأوسط: أن ناسا من العرب يرفعون بهما النكرة المفردة.

ونقل في الأوسط: أن ناسا من العرب يرفعون بهما النكرة إذا أضافوهما إلى نكرة يقولون: نعم أخو قوم أنت، فمن قال ذا قال: نعم أخو قوم، وصاحبهم أنت إذا جعلت الثاني نكرة، فإن جعلته معرفة لم يجز.

وقال الفراء: يجوز رفع النكرة المضافة إلى نكرة ونصبها تقول: نعم غلام سفر غلامك، ونعم غلام سفر غلامك، ومن كلام الحارث بن عابد: «نعم قتيل أصلح الله به بين ابني وائل».

[ارتشاف الضرب: 4/ 2047]

وجاء في الشعر: كون الفاعل نكرة مفردة، ونكرة مضافة وأجاز بعض النحاة أن يكون الفاعل ما أضيف إلى ضمير ذي (أل) نحو:

فنعم أخو الهيجا ونعم شهابها

والصحيح المنع، وهذا يحفظ ولا يقاس عليه، وقالت العرب: (نعم رجلاً زيد) فذهب سيبويه، ومعظم البصريين إلى أن في (نعم) ضميرًا مستكنًا هو فاعل بـ(نعم)، و(رجلا) تمييز لذلك الضمير، وذهب الكسائي، والفراء أنه لا ضمير ثم، والفاعل بنعم هو زيد، والمنصوب عند الكسائي حال، وتبعه دريود.

وعند الفراء تمييز من قبيل المنقول، والأصل: رجل نعم الرجل زيد حذف رجل، وقامت صفته مقامه، ثم نقل الفعل إلى اسم الممدوح فقيل: نعم رجلا زيد، ويقبح عنده تأخيره، ويجوز عند الكسائي تأخير المنصوب فتقول: نعم زيد رجلاً، ويمتنع تقديمه عندهما على نعم.

وفي البسيط عن الكوفيين: أن انتصاب رجلا هو على التفسير للمدوح، ولا يقدرون فاعلاً، وكأنك قلت: زيد الممدوح رجلاً، وذهب ابن الطراوة إلى أنه لا إضمار في الفعل، وأن الفاعل محذوف، وقاله أبو سعد علي بن مسعود صاحب المستوفى قال: المشهور أن فاعل (نعم) محذوف بشريطة التفسير فكأن التقدير: نعم الرجل رجلاً زيد، انتهى.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2048]

والقائلون بأن في (نعم) ضميرًا، والمنصوب بعده تمييزًا اختلفوا فمن قال: (أل) في نعم الرجل جنس اختلفوا هنا فقال بعضهم: الضمير هنا شخص كأنك قلت: زيد نعم هو رجلا وقيل هو جنس، ومن قال بأن (الرجل) أل فيه عهدية شخصية قال الضمير هنا شخص.

وإذا فرعنا على أن في (نعم) رجلاً زيد ضميرًا، فقالوا: يمتنع أن يعطف عليه، وأن يبدل منه، وأن يؤكد بضمير أو غيره لا يجوز: نعم هو رجلاً زيد، وأما ما روى من نحو: نعم هم قوما أنتم فشاذ، و(هم) تأكيد للضمير المستكن في نعم على المعنى، وهذا المنصوب بعد (نعم) تقدم الخلاف فيه أهو حال أو تمييز، والتفريع على أنه تمييز، وهو مؤخر عن (نعم)، وأما تأخيره عن المخصوص فتقول: (نعم زيد رجلا).

فذهب البصريون إلى المنع من ذلك، وذهب الكوفيون إلى جواز ذلك، وهو قبيح عند الفراء، وما روى من قول بعضهم: نعم زيد رجلاً شاذ، وقد منع سيبويه ذلك في كتابه، وشرط هذا التمييز أن يكون مبينا للنوع الذي قصد به المدح، أو الذم فلا يجوز: نعم غيرك زيد ونحوه مما هو متوغل في الإبهام كـ(مثل) و(أي)، وأن لا يكون فيه معنى المفاضلة فلا يجوز: نعم أفضل منك زيد، ولا نعم أفضل رجل، وألا يكون عاما في الوجود فلو قلت: نعم شمسا هذه الشمس، ونعم قمرًا هذا القمر لم يجز، فلو قلت: نعم شمسًا شمس هذا اليوم، ونعم قمرًا قمر هذه الليلة جاز، ويلزم ذكر هذا التمييز، ولا يجوز حذفه نص على ذلك سيبويه، وأجازه بعضهم على قلة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2049]

وقال بعض أصحابنا: (فبها ونعمت) شاذ، وخرجه ابن عصفور على تقدير: فبالرخصة أخذ، ونعمت رخصة الوضوء، وابن هشام على تقدير ونعمت الفعلة الآخذ بالسنة، ويجوز وصف هذا المفسر فتقول: نعم رجلا صالحا زيد، وقالوا: حسن إيمانًا نفعك، ورجح عقلاً ردعك قاله في البسيط.

وإذا كان المضمر مفسرًا بمؤنث، فنص أبو غانم في كتابه (المحلى) على إلحاق التاء فتقول: نعمت جارية جاريتك، وبئست جارية جاريتك، ونص خطاب على التخيير في ذلك فتقول: نعم جارية هند، وبئست جارية جمل، أجرى الضمير مجرى الظاهر المؤنث، تقول: نعم المرأة هند، ونعمت المرأة هند.

ونص ابن أبي الربيع، على أنها لا تلحق لا تقول: نعمت امرأة هند، إنما يقال: نعم امرأة هند، استغناء بتأنيث المفسر، وقال ابن أبي الربيع: لا يجوز الفصل بين نعم، وبئس ومفسر المضمر لا تقول: نعم في الدار رجلاً زيد، والصحيح جوازه قال تعالى: «بئس للظالمين بدلا» وأجاز المبرد، وابن السراج، والفارسي الجمع بين الفاعل الظاهر، والتمييز نحو: نعم الرجل

[ارتشاف الضرب: 4/ 2050]

رجلا زيد، وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز، وبه قال السيرافي، وجماعة، واختاره ابن عصفور، ومما ورد من ذلك في النثر قول الحارث بن عباد: «نعم القتيل قتيلا أصلح بين بكر وتغلب» هكذا جاء قتيلا بالنصب، ومما ورد في النظم قول الشاعر:

نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت = رد التحية نطقًا أو بإيماء

وفصل بعض أصحابنا، فقال: إن أفاد التمييز معنى لم يفده الفاعل جاز الجمع بينهما نحو: نعم الرجل رجلاً فارسًا زيد، ولا يجوز دخول (من) على هذا التمييز لا يقال: نعم من رجل زيد، فإن جاء فضرورة، ولا يجوز أن يكون فاعل (نعم) و(بئس) موصولاً، نص عليه الجرمي في (الفرخ) وهو مذهب الكوفيين، وكثير من البصريين، وأجاز المبرد، والفارسي إسنادهما إلى الذي الجنسية، وجاء ذلك في كلام العرب قال الشاعر:

لعمري لئن أنزفتم أو هجرتم = لبئس الذي ما أنتم آل أبجرا

[ارتشاف الضرب: 4/ 2051]

وأجاز ذلك قوم في (من وما) الموصولتين، وظاهر قول الأخفش أنه يجيز (نعم الذي يفعل زيد)، ولا يجيز (نعم من يفعل زيد)، والضمير المرفوع بـ(نعم) المفسر بالنكرة عند سيبويه، والبصريين، مفرد دائمًا سواء أكان مفسرًا بمفرد أم مثنى أم مجموع، وأجاز قوم من الكوفيين تثنيته وجمعه مطابقًا للتمييز تقول: أخواك نعما رجلين، وقومك نعموا رجالاً، وروى ذلك الكسائي عن العرب، وحكى الأخفش عن بعض بني أسد: (نعما رجلين الزيدان)، ونعموا رجالاً الزيدون، ونعمت رجالاً، ونعمت نساء الهندات ثم قال: لا آمن أن يكون فيهم التلقين انتهى.

وروى نعم بها قومًا أي: نعم هم، زاد الباء في الفاعل، وقالوا: نعم عبد الله خالد، وبئس عبد الله أنا إن كان كذا، وشهدت صفين وبئست صفون، وخرج على حذف التمييز، ونعم وبئس مسندان إلى ضمير وعبد الله، و(صفون) هما المخصوص، وعلى هذا خرجه ابن مالك، لاعتقاده جواز

[ارتشاف الضرب: 4/ 2052]

حذف التمييز، وأجاز الجرمي أن يقاس على نعم عبد الله خالد فتقول: نعم عبد الله زيد، فـ(عبد الله) مرفوع بنعم، و(زيد) المخصوص.

وإن كان فاعل (نعم) مضافًا إلى الله وهو علم، ومنع ذلك عامة النحاة سواء كان عبد الله علمًا، أم كان واحدًا من العبيد أضيف إلى الله تعالى وجاء في الشعر:

بئس قوم الله قوم طرقوا = ... ... ... ...

وجاء أيضًا ما ظاهره إسناد بئس إلى اسم الإشارة متبوعًا بذي اللام قال:

بئس هذا الحي حيا ناصرًا = ... ... ... ... ... ...

والمخصوص بالمدح والذم يجوز حذفه إذا دل عليه الدليل نحو: قوله تعالى: «نعم العبد» أي أيوب، و«فنعم الماهدون» أي نحن، وذهب بعض المتأخرين إلى أنه لا يجوز حذفه إلا إذا تقدم ذكره، والأكثرون لم يشترطوا في جواز حذفه التقديم، ويجوز أن يذكر قبلهما مبتدأ نحو: زيد نعم الرجل، وزيد نعم رجلاً وجوزوا في قول من قال: باسمية نعم وبئس إعرابهما مبتدأ، والمخصوص الخبر والعكس.

وإذا كان (زيد) مبتدأ، فالجملة بعده في موضع الخبر، والعموم هو الرابط، لأن (أل) للجنس، وقال ابن السيد: الرابط هو: (هو) محذوف، فالتقدير:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2053]

زيد هو نعم الرجل، وقال ابن الطراوة: نعم الرجل تحمل الضمير، لأن التركيب أصار الجملة اسمًا بمعنى الممدوح، أو المذموم، فتحمل الضمير الذي تحملاه، ومن قال بأن (أل) للعهد، جعل الرابط تكرار المبتدأ باسم هو المبتدأ من حيث المعنى، وإذا قلت: زيد نعم رجلاً فتجيء هذه المذاهب إلا مذهب ابن الطراوة، فالرابط هو الضمير الذي رفعته (نعم) و(بئس) ثم حذف.

وتدخل بعض النواسخ على هذا الاسم تقول: كان زيد نعم الرجل، وإن زيدًا نعم الرجل، وظننت زيدًا نعم الرجل، ويجوز أن تؤخر المخصوص بعد (نعم) و(بئس) فتقول: نعم الرجل زيد، فـ(زيد) مبتدأ والجملة قبله خبر عنه كحاله إذا تقدم هذا مذهب سيبوبه والأخفش، وقيل: خبر مبتدأ محذوف تقديره هو زيد، ونسب هذا إلى سيبويه، وقال به جماعة منهم الجرمي، والمبرد، والزجاج، وابن السراج، والسيرافي، والفارسي، وابن جني، والصيمري.

وأجاز جماعة أن يكون مبتدأ محذوف الخبر تقديره: زيد هو، أو زيد الممدوح، وذكر ابن عصفور أن هذين الإعرابين مذهب الجمهور، وذهب

[ارتشاف الضرب: 4/ 2054]

أبو سعد صاحب المستوفى: إلى أنه بدل من الرجل، قال: ولا يلزم أن يقال نعم زيد، لأنه قد يجوز في الاسم إذا وقع بدلاً ما لا يجوز فيه إذا ولى العامل، فإنهم قد حملوا: إنك أنت قائم على البدل، وإن كان لا يجوز إن أنت، وإن كان الرجل كليا، وزيد خاص، فيكون من بدل الاشتمال، انتهى.

وإن تأخر جاز أن يكون معمولاً لبعض النواسخ نحو: نعم الرجل كان زيد، ونعم الرجل ظننت زيدًا، فتكون الجملة في موضع خبر كان، وفي موضع المفعول الثاني لظن، والغالب كون المخصوص معرفة أو قريبًا من المعرفة بالتخصيص نحو: نعم الفتى رجل من قريش، وقالوا: نعم البعير جمل، ونعم الإنسان رجل، ونعم مالاً ألف، ونعم المال أربعون، والمخصوص يصلح الإخبار به عن الفاعل موصوفًا بالممدوح بعد نعم وبالمذموم بعد بئس، كقولك: في نعم الرجل زيد: الرجل الممدوح زيد، وفي بئس الولد العاق أباه، الولد المذموم العاق أباه قاله ابن مالك.

ولا يسوغ هذا إلا إذا رفع (نعم) و(بئس) الظاهر أما إذا رفع (المضمر) فلا يصلح ذلك فيه، بل يعتبر ذلك في التمييز، فإذا قلت: نعم رجلاً زيد، فالإخبار بما ذكر يكون في التمييز، فتقول: الرجل الممدوح زيد، وكذا في بئس، وما ذكره هو معنى ما ذكره أصحابنا من أن شرط المخصوص أن لا يكون أعم، ولا مساويًا، بل يكون أخص فلو قلت: نعم الرجل الإنسان، أو نعم الرجل المرء لم يجز، فإن باينة أول كقوله تعالى: «بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله» أي مثل الذين كذبوا، حذف (مثل)، وهو المخصوص بالذم وقام (الذين) مقامه، وقد يحذف المخصوص وتخلفه صفته اسمًا نحو: نعم الرجل حليم كريم أي رجل حليم كريم، أو فعلاً.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2055]

قال ابن مالك: ويكثر ذلك إذا كانت الصفة فعلا نحو: نعم الصاحب تستعين به، فيعينك، أي: رجل تستعين به، وهذه المسألة فيها خلاف أجاز ذلك الكسائي، وأجاز: (نعم الرجل عندي)، ومنع ذلك فيها أكثر النحاة، وأما قوله:

بئس مقام الشيخ أمرس أمرس

فأول على أن التقدير مقام مقول فيه، أو يقال فيه أمرس، أمرس، حذف المخصوص وصفته، وأبق متعلق الصفة وهذا في غاية الشذوذ، وإذا كان المذكر كنى به عن مؤنث، أو المؤنث كنى به عن مذكر، جاز أن يعامل معاملة ما كنى به عنه تقول: هذه الدار نعمت البلد، وهذا البلد نعم الدار، ويجوز في الأول نعم البلد، وفي الثانية: نعمت الدار، وترك التاء أجود إذا كان الفاعل مذكرًا قد كنى به عن مؤنث، والأحسن في نعمت الجارية أختك التاء، وكذا في التثنية وترك التاء أحسن في الجماعة من النساء: نحو: نعم النساء أخواتك.

ويلحق (بنعم وبئس) في الأحكام (فعل) موضوعًا كـ(لؤم)، و(ظرف)، أو محولاً من فعل وفعل إلى (فعل): عقل، وبخس، فيثبت لـ(فعل) أحكام (نعم وبئس)، ويصير المتعدى من فعل، وفعل بالتحويل إلى فعل لازمًا نحو: ساء الرجل زيد، ونص النحاة على أن العرب شذت في ثلاثة أفعال، فلم تحولها واستعملتها استعمال نعم وبئس، وهي (علم وجهل

[ارتشاف الضرب: 4/ 2056]

وسمع): علم الرجل، زيد، وجهل الرجل بكر، وسمع الرجل خالد، إذا أرادوا المبالغة في علمه، وجهله، وسمعه، كذا قال الكسائي: أنه يجوز أن يبنى على (فعل) إلا في هذه الأفعال الثلاثة، ومن النحويين من أجاز فيها سمع وجهل وعلم بضم عين الكلمة، وقال خطاب الماردي في كتاب الترشيح: إن تعجبت من الرباعي فصاعدًا، أو الألوان والعاهات، فإنهم عدلوا فيه عن الأصل في هذا الباب، واستغنوا فيه بأفعل الفعل فعله تقول: أشد الحمرة حمرته، وأسرع الانطلاق انطلاقه، وأفحس الصمم صممه، وكان القياس أن يقولوا: لفحش الصمم صممه، ولشدة الحمرة حمرته، فيرفعونه من حيث رفعوا لكرم الرجل زيد، ولكنهم استغنوا عنه بما ذكرت لك انتهى.

وإذا استعمل (فعل) هذا لمدح أو ذم، فمذهب الفارسي وأكثر النحويين إلحاقها بباب (نعم وبئس) فقط، فتثبت له جميع أحكام (نعم وبئس)، وذهب الأخفش، والمبرد أنه يجوز إلحاقه بباب التعجب، وحكى الأخفش الاستعمالين له في الكبير عن العرب تقول: حسن الرجل، ولحسن زيد في معنى ما أحسنه، وكيفية بناء فعل جارية مجرى نعم وبئس أو مرادًا بها التعجب، إن كان صحيح العين واللام، وأجريته مجرى نعم: نحو: حسن الوجه وجهك، فيجوز فيه إقرار ضمه العين وتسكينها ونقلها إلى فاء الكلمة، وإن أجريته مجرى فعل التعجب جاز الضم والتسكين، ولا يجوز النقل تقول: لحسن الرجل في معنى ما أحسنه.

وإن كان مضاعفًا فالإدغام تقول: لحب الرجل، ويجوز النقل إلى الفاء نحو: لحب الرجل زيد، وإن كان معتلهما من باب قوة قلبت الضمة كسرة واللام ياء نحو: لقوى الرجل زيد، أو من باب شوى قلبت الياء واوًا، وتفعل به ما فعلت بباب قوة فتقول: لشوى الرجل زيد، ويجوز التسكين فيهما فتقول: لقوى ولشوى، ولا تدغم.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2057]

وإن كان معتل العين نحو: جاد وباع لزم قلبها ألفًا، فتقول: إذا كان حسن القول والبيع: قال الرجل زيد، وباع الرجل بكر، وإن كان معتل اللام على فعل وصفا نحو: سرو قلت: سرو الرجل زيد، ويجوز التسكين، أو على فعل أو فعل نحو: رمى، وغزا، وخشى، ولهى، فذهب الجمهور إلى تحويلهما إلى فعل، فتظهر (الواو) في ما أصله الواو نحو: غزو، وتنقلب الياء فيما أصلها ياء واوًا فتقول: رمو وخشو، ولهو، وإذا سكنت عين الكلمة مما لامه (ياء)، لم ترد اللام إلى أصلها من الياء، وذهب بعض النحاة إلى أن هذا النوع يقر على حاله فتقول: لرمى الرجل زيد، ولغزى الرجل بكر، وذكره أبو بكر في الأصول عن الكسائي، وذكر سيبويه والأخفش وغيرهما القلب فيه.

وقالت العرب: لقضوا الرجل زيد، ويجوز دخول اللام على فعل كان مستعملاً استعمال نعم، أو مرادًا به التعجب، وإذا كان (فعل) مرادًا به التعجب جاز جرّ فاعله بالياء نحو: حسن بزيد رجلاً، تريد: ما أحسن زيدًا رجلاً، حكى الكسائي عن العرب: «مررت بأبيات جدن أبياتا، وجاد بهن أبياتا».

وفاعل (فعل) هذا يكون معرفة، ونكرة وكثر جره بالباء في الشعر، ويضمر على وفق ما قبله من إفراد وتثنية وجمع نحو: زيد لكرم وهند لكرمت، والزيدان كرما رجلين، والزيدون كرموا رجالا تريد معنى ما أكرم.

وقال خطاب: اللام لام قسم، ويجوز حذفها: كرم الرجل، وشرف الغلام يعني ما أكرمه وما أشرفه، ولا يقع هذا الفعل في التعجب إلا على ما فيه ألف ولام خاصة في قول الأخفش ومن وافقه، وقد رأيت في كتاب المقتضب لأبي العباس أنه يجيء: كرم زيد، وشرف عمرو، وهو يريد التعجب ولا أدري ما قوله.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2058]

باب حبذا

أصل (حب) فعل، وهو متعد ثم بني على فعل، لإنشاء المدح فلا يتعدى، وقد جاء بعده فاعلاً ليس اسم إشارة كقوله:

... ... ... وحب من يتحبب = ... ... ... ... ...

وإذا كان بعدها ذا، ولم تلحظ إشارته بل أريد المدح كان ذا مفردًا لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث تقول: حبذا زيد، حبذا هند، حبذا الزيدان، حبذا الزيدون، واختلف النحاة في الإعراب في (حبذا)، فذهب ابن درستويه، وابن كيسان، والفارسي في البغداديات، وابن برهان، وابن خروف، إلى أن (ذا) فاعل، ونسب إلى الخليل وسيبويه، وهذا قول من لم يدع التركيب، وأفرد، لأنه كالمثل، أو أريد به جنس شائع، أو على حذف أي: حبذا أمر زيد (أقوال).

وذهب المبرد، وابن السراج، والسيرافي، والأكثرون إلى أنهما تركبا وصارا اسمًا واحدًا مرفوعًا بالابتداء، ونسب هذا إلى الخليل وسيبويه، وذهب قوم منهم الأخفش، وخطاب

[ارتشاف الضرب: 4/ 2059]

الماردي، إلى أنهما تركبا وصارا فعلاً، والمخصوص هو الفاعل.

وقالت العرب: لا تحبذه، وتدخل (لا) على حبذا، فتكون للذم قال:

لا حبذا أنت يا صنعاء من بلد = ... ... ... ... ...

ودخول (لا) على حبذا مشكل على كل إعراب حبذا، ومن قال بأنه اسم مركب أعربه مبتدأ، والمخصوص الخبر، قاله المبرد، أو عكسه، واختاره الفارسي، ومن أعرب (ذا) فاعلاً، فالمخصوص مبتدأ والجملة خبر، والرابط اسم الإشارة.

وقال ابن كيسان: ليس مبتدأ، بل هو بدل من (ذا) لازم التبعية، وهو اختيار ابن الحاج: قال: ولا يلزم منه (حب زيد)، لأنه استعمل استعمال الأمثال، وقال بعضهم: هو عطف بيان وقيل: مبتدأ محذوف الخبر، وقيل خبر مبتدأ محذوف، وقاله الصيمري.

وذهب (دريود) إلى أن (ذا) صلة يعني زائدًا، وليس اسمًا مشارًا إليه بدليل حذفه في: (رجز).

... ... ... ... ... ... وحب دينا

[ارتشاف الضرب: 4/ 2060 ]

ولا يدخل على حبذا زيد النواسخ، ولا يقدم المخصوص بخلاف نعم لا تقول: كان حبذا زيد لا برفع زيد ولا نصبه، ولا تقول: زيد حبذا، ويجيء قبل المخصوص، وبعده اسم نكرة منصوب نحو: حبذا راكبًا زيد، وحبذا زيد راكبًا، وتأخيره عند الفارسي أولى، وتقديمه عند ابن مالك أولى، وهذا المنصوب يطابق المخصوص في إفراد وتثنية، وجمع، وتذكير، وتأنيث، واختلف النحاة في هذا المنصوب بعد (حبذا)، فذهب الأخفش، والفارسي، والربعي، وخطاب، وجماعة من البصريين إلى أنه منصوب على الحال لا غير وسواء أكان جامدًا أم مشتقًا، وذهب أبو عمرو بن العلاء إلى أنه منصوب على التمييز لا غير جامدًا كان أو مشتقًا، وأجاز الكوفيون، وبعض البصريين نصبه على التمييز، وفصل بعض النحاة فقال: إن كان مشتقًا فهو حال، وإن كان جامدًا فهو تمييز، والذي يظهر أنه إن كان جامدًا كان تمييزًا، وإن كان مشتقًا فمقصدان للمتكلم إن أراد تقييد المبالغة في مدح المخصوص بوصف كان حالاً، وإن أراد عدم التقييد، بل تبيين جنس المبالغ في مدحه كان تمييزًا مثال الأول:

يا حبذا المال مبذولاً بلا سرف = ... ... ....

[ارتشاف الضرب: 4/ 2061]

ومثال الثاني: حبذا راكبًا زيد، وهذا يدخل عليه (من) فتقول: من راكب، وفي البسيط: جواز نصبه على إضمار أعني فلا يكون تمييزًا، ولا حالاً، وهو قول غريب، وإذا كان النصب على الحال؛ فإن كانت الحال لاسم الإشارة ناسب أن يليه فتقول: حبذا (راكبًا زيد)، وإن كانت الحال من المخصوص ناسب أن يليه نحو: حبذا زيد راكبًا.

وإذا كان النصب على التمييز، فالأحسن أن يلي (ذا)، ولا يكون بعد (زيد)، ولا شك أنه يقال: حبذا رجلا زيد، وحبذا زيد رجلاً، وحبذا راكبًا زيد، وحبذا زيد راكبًا، وقال ابن خروف: تقديم التمييز على المخصوص أحسن، وسوى بين التقديم والتأخير في الحال، وقال الجرمي في الفرخ: إذا كان المنصوب تمييزًا قبح تقديمه قبل زيد، وجعله متصلاً بـ(ذا)، وإن كان حالاً، فإن شئت قدمت، وإن شئت أخرت، وهذا بناء من الجرمي على أن زيدًا فاعل بـ(حبذا) قال والتمييز: إنما يكون بعد الفاعل، وهذا يدل على أنه لا يجوز عنده: امتلأ ماء الإناء.

وحكى الفارسي عن الكوفيين أنهم لا يجيزون (حبذا رجلا زيد) وحذف المخصوص بعد حبذا قليل، ومنه:

فحبذا ربا

أي الإله: وزعم ابن مالك أنه قد يستغنى بالتمييز عن (ذا) واستدل بقوله:

وحب دينا

[ارتشاف الضرب: 4/ 2062]

ولا دليل في ذلك إذ قوله: (وحب دينا) من باب نعم رجلاً أي: وحب دينًا ديننا، أضمر في (حب) كما أضمر في نعم، و(دينا) تمييز لذلك المضمر، وحذف المخصوص لدلالة المعنى عليه، ومن ذهب إلى أن (ذا) فاعل في حبذا لا يجيز اتباعه لا بنعت، ولا تأكيد، ولا بدل، ولا عطف، ويجوز ذلك في المخصوص، ويجوز أن يكون المخصوص اسم إشارة مخالف في الرتبة لـ(ذا)، والفصل بالنداء بين (حبذا) والمخصوص، وقد جمع ذلك في قوله:

... ... ... ... ... ... = ألا حبذا ياعز ذاك التساتر

ويجوز تأكيد (حبذا) التأكيد اللفظي، أنشد أبو الفتح في المنصف

ألا حبذا حبذا حبذا = حبيب تحملت فيه الأذى

وما كان على (فعل) أصلاً، أو تحويلاً، يجوز نقل ضمة العين إلى الفاء إذا أريد به مدح أو ذم كان فاؤه حرف حلق كحسن، وحب ولا كضرب، فإن كان مضعفًا، وأسند إلى ما يسكن آخر الفعل له لم يجز النقل نحو: حببت يا هذا، وحببت يا هند.

وفي النهاية: يجوز أن تعمل (حبذا) في الظرف، كما عملت في التمييز، والحال، ولا تعمل في المصدر، لأنه غير متصرف فلا مصدر له،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2063]

ولا يجوز حبذا إلا إخوتك القوم، ويجوز حبذا القوم إلا أخوتك، إن جعلت (القوم) بدلاً، وإلا لم يجز، ويجوز أن يعمل في المفعول له، والمفعول معه نحو: حبذا زيد إكرامًا له، وحبذا وعمرًا زيد انتهى.

ولا يقدم على شيء من هذه التراكيب إلا بسماع من العرب.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2064]

باب صيغ التعجب

صيغة (ما أفعله)، و(أفعل به)، و(أفعل)، فأما (ما أفعله) فنحو: ما أحسن زيدًا، فـ(ما) مبتدأ إجماعًا إلا خلافًا شاذًا عن الكسائي أنه لا موضع له من الإعراب، ومذهب الخليل، وسيبويه وجمهور البصريين أن (ما) نكرة تامة بمعنى شيء، وما بعدها خبر، وذهب الفراء، وابن درستويه إلى أن (ما) استفهامية دخلها معنى التعجب، وتأوله ابن درستويه على الخليل، ونسب كونها استفهامية ابن مالك إلى الكوفيين. وعن الأخفش في (ما) ثلاثة أقوال: أحدها: كقول جمهور البصريين.

والثاني: أن (ما) موصولة، والفعل صلته، والخبر محذوف واجب الحذف، والتقدير: الذي أحسن زيدًا عظيم، وحكى البهاري أنه مذهب الكوفيين، وحكاه ابن بابشاذ عن طائفة منهم.

والثالث: أن (ما) نكرة موصوفة الفعل صفتها، والخبر محذوف واجب الحذف التقدير: شيء أحسن زيدًا عظيم.

و(أفعل) مذهب البصريين، والكسائي أنه فعل و(زيدًا) مفعول به، والهمزة في (أفعل) للتعدية، وفي (أحسن) ضمير فاعل، يعود على (ما)،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2065]

وهو مذكر غائب مفرد لا يتبع لا بعطف ولا يؤكد بضمير، ولا بنفس، ولا ببدل، ومذهب الكوفيين غير الكسائي أن (أفعل) اسم، وانتصب الاسم بعده في قول الفراء ومن وافقه من الكوفيين على حد ما انتصب في قولهم: زيد كريم الأب فأصله في نحو: ما أظرف زيدًا: زيد أظرف من غيره، إلا أنهم أتوا (بما) فقالوا: ما أظرف زيدًا على سبيل الاستفهام، نقلوا الصفة من زيد وأسندوها إلى ضمير (ما)، وانتصب زيد بـ(أظرف) فرقًا بين الخبر والاستفهام.

والفتحة في (أفعل) فتحة إعراب، وهو خبر عن (ما)، وإنما انتصب لكونه خلاف المبتدأ الذي هو (ما)، إذ هو في الحقيقة خبر عن زيد، وإنما أتى بـ(ما) ليعود عليها الضمير، والخبر إذا كان خلاف المبتدأ كان منتصبًا بالخلاف على مذهب الكوفيين في زيد خلفك، وزعم بعض الكوفيين، أن (أفعل) اسم مبني، لتضمنه معنى التعجب.

وأما (أفعل به) نحو: أحسن بزيد، فاتفقوا على أنه فعل إلا ما في كلام ابن الأنباري من تصريحه بأنه اسم، ومذهب جمهور البصريين أن صورته صورة الأمر، وهو خبر في المعنى، والهمزة فيه للصيرورة، ومعناه: أحسن زيد، أي صار حسنًا في معنى ما أحسن زيدًا، والمجرور في موضع الفاعل، والباء زائدة لازمة إلا مع (أن) وصلتها فجاء حذفها.

وفي النهاية: لا يجوز حذف الباء من أن وأن في التعجب بل تقول أحبب إلي بأن تزورني، وأهون علي بأن زيدًا يغضب، وفي شعر الشريف الموسوي إسقاطها قال:

أهون علي إذا امتلأت من الكرى = أني أبيت بليلة الملسوع

[ارتشاف الضرب: 4/ 2066]

وفي كلام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، حذف الباء من أن وقد جاء:

وقال أمير المسلمين تقدموا = وأحبب إلينا أن تكون المقدما

يريد بـ(أن) فحذف الباء وجاء:

تردد فيها ضوؤها وشعاعها = فأحسن وأزين لامرئ أن تسربلا

يريد بأن تسربل، وذهب الفراء، والزجاج، والزمخشري وابن خروف إلى أنه أمر حقيقة، والهمزة للنقل، و(بزيد) مفعول والباء زائدة، والمخاطب قال ابن كيسان، وتعبه ابن الطراوة، وهو ضمير المصدر الدال عليه الفعل كأنه قيل يا حسن أحسن بزيد أي ألزمه ودم به.

وقيل الفاعل ضمير المخاطب ولم يبرز باختلاف المخاطب، من تثنية وجمع وتأنيث، لأنه جرى مجرى المثل، وربما أكد (أفعل) بالنون نحو: أحسنن

[ارتشاف الضرب: 4/ 2067]

بزيد، واختلفوا فيما كان على فعل وفعل إذا صير إلى (فعل) هل يحول قبل التصيير إلى (أفعل) إلى (فعل) ثم تدخل عليه همزة النقل فقيل: يحولان إلى (فعل)، وقيل لا يحولان، وهو ظاهر كلام سيبويه وتصحيح عين (أفعل) و(أفعل) وفك (أفعل) المضعف واجب عند الجمهور تقول: ما أبين الحق وما أنوره، وأبين بالحق، وأنور به، وأجلل بزيد.

وذهب الكسائي إلى جواز التصحيح في أفعل كمذهب الجمهور وإلى جواز الإعلال، فتقول: أطول بهذه النخلة وأطل بها، وإلى جواز الفك في (أفعل) كمذهب الجمهور، وإلى جواز الإدغام فتقول: أجلل بزيد وأجل به، وجواز تصغير (أفعل) نحو: ما أحيسن زيدًا، هو نص الكوفيين والبصريين، واقتياسه وتقول في تصغير ما أحيا زيدًا: ما أحيى أصله: ما أحيى، وقول ابن مالك: وشذ تصغير (أفعل) مقصور على السماع خلافًا لابن كيسان في اطراده قول من لم يطلع على كلام النحاة في هذه المسألة.

وأما تصغير (أفعل) نحو: أحسن بزيد فلا يجوز، وأجاز ابن كيسان تصغيره فتقول: أحيسن بزيد قياسًا على ما أحيسن زيدًا، ويجوز حذف المتعجب منه بأفعل للدلالة عليه تقول: زيد ما أعف تريد ما أعفه، وأفعل نحو: زيد أحسن به وأجمل، فمذهب سيبويه أنه لا يجوز حذف الفاعل المجرور ولا جاره، وأجاز ذلك ناس منهم أبو الحسن.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2068]

وزعم الفارسي، وقوم من النحاة أنه لم يحذف الفاعل في (أفعل)، بل حذف حرف الجر، فاستتر الفاعل في (أفعل)، وزعم بعض أصحابنا أنه لا يجوز الاقتصار على الاسم بعد (أفعل) و(أفعل) إلا في باب التنازع نحو: ما أحسن وأجمل زيدًا، وأحسن وأجمل بزيد، ويعني أن كل فعل منهما يطلب مفعولاً فلا يجوز أن يقتصر على اسم واحد في باب التنازع قال على خلاف فيه.

والمتعجب منه: مخبر عنه في المعنى، فلا يكون إلا معرفة أو نكرة مختصة، فإن كان معرفًا بـ(أل) للعهد نحو: ما أحسن القاضي: تريد قاضيًا بينك وبين المخاطب عهد فيه، فأجاز ذلك الجمهور، ومنعه الفراء، وإن كان (أيا) الموصولة بفعل ماض نحو: ما أحسن أيهم قال ذلك، فمنعها الكوفيون والأخفش وأجازها  غيرهم.

فإن وصلت بمضارع جازت عند الجمع نحو: ما أحسن أيهم يقول ذلك وتقول: ما أحسن ما كان ما كان زيد، والمعنى: ما أحسن ما كانت كينونة زيد فالأولى في موضع نصب، والثانية في موضع رفع، أجاز ذلك هشام ومعها غيره.

وقال النحاس: هي جائزة على أصل البصريين وتقول: ما أحسن ما كان زيد ضاحكًا إن كان (كان) تامة، ونصب (ضاحكًا) على الحال جازت عند الجميع، وإن كان (كان) ناقصة أجازها الفراء، ومنعها البصريون وتقول: ما أحسن ما ظننت عبد الله قائمًا، (قائمًا) عند البصريين خبر، فلا يجوز حذفه، وهو عند الفراء حال، فإن شئت لم تأت به وتقول: ما أحسن أحدًا يقول ذلك أجازها الكسائي ومنعها الفراء والبصريون؛ فإن جعلت (أحدًا) بمعنى واحد صحت المسألة، وتقول: ما أحسن ما ليس يذكرك زيد، قال بعض أصحابنا: يجوز قال: لا يجوز: ما ليس زيد قائمًا، وهو مذهب البغداديين وتقول:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2069]

ما أحسنك وجهًا، وما أحسن زيدًا رجلاً، تنصب وجهًا ورجلاً على التمييز، وأما (أفعل) فتقدم الكلام فيه في آخر باب نعم وبئس، وفي كيفية بنائه، ولا يؤكد فعل التعجب هذا مذهب الجمهور، وأجاز الجرمي تأكيده فتقول: ما أحسن زيدًا إحسانًا، وأحسن بزيد إحسانًا، والقياس يقتضيه لكنه والله أعلم لم يسمع من العرب، وهذه الصيغ ثلاثة كما ذكرنا، وزاد الكوفيون (أفعل) بغير (ما) مسندة إلى الفعل نحو قوله:

... ... ... ... ... .... = ... ... ... ....فأبرحت فارسا

أي ما أبرحت فارسًا، وزاد بعض النحاة في صيغ التعجب (أفعل من) كذا، ولا تتصرف هذه الصيغ لا تستعمل من (ما أفعله) مضارع ولا أمر، ولا من (أفعل به) ماض، ولا مضارع، ولا من (أفعل) مضارع ولا أمر، وشذ هشام فأجاز في (ما أفعل زيدًا) أن يؤتى له بمضارع فتقول: ما يحسن زيدًا وما قاله قياس، ولم يسمع فوجب اطراحه، ولا يفصل بين (أفعل) ومعموله، ولا بين أفعل ومعموله بشيء لا يتعلق بهما لو قلت: ما أحسن بمعروف آمرًا، وما أقبح في الصلاة ضاحكًا، تريد: آمرًا بمعروف وضاحكًا في الصلاة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2070]

قال ابن مالك: لا خلاف في منع الفصل بذلك، فإن تعلق بهما غير ظرف أو حرف جر، فقال ابن مالك: لا خلاف في منع إيلائهما إياه تقول: ما أحسن زيدًا مقبلاً، وأكرم به رجلاً، فلو قلت: ما أحسن مقبلاً زيدًا، وأكرم رجلاً به، لم يجز بإجماع، وكذا قال ابنه في شرح الخلاصة لأبيه، لا خلاف في امتناع الفصل بينه أي بين الفعل، والمتعجب منه بغير الظرف، والجار والمجرور كالحال والمنادي، وما ذكراه ليس بصحيح.

ذهب الجرمي، وهشام، إلى جواز الفصل بينهما بالحال، والجرمي إلى جواز الفصل بينهما بالمصدر نحو: ما أحسن إحسانًا زيدًا، ومذهب الجمهور المنع في المسألتين، وأما الفصل بالمنادي فقال بدر الدين ابن مالك لا خلاف في منع ذلك، وقال أبوه أبو عبد الله بن مالك: قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما قتل عمار بن ياسر: «أعزز علي أبا اليقظان أن أراك صريعًا مجدلاً»  مصحح لجواز الفصل بالنداء، وإن تعلق الظرف أو المجرور بالفعل فذهب الجرمي، والفراء، والأخفش في أحد قوليه،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2071]

والمازني، والزجاج، والفارسي، وابن خروف، والأستاذ أبو علي الشلوبين إلى جواز الفصل، وهو الصحيح المنصور.

وسوى الأستاذ أبو علي بين (أفعل) و(أفعل) في ذلك: وذهب الأخفش في أحد قوليه، والمبرد، وأكثر البصريين إلى المنع، واختاره الزمخشري، ونسبه الصيمري إلى سيبويه، وإذا تعلق بالمفعول ضمير يعود على المجرور وجب تقديم المجرور نحو قولهم: ما أحسن بالرجل أن يصدق و:

ما أحرى بذي اللب أن يرى = صبورًا ... ... ....

وزعم بعضهم أن الفصل بالظرف والمجرور قبيح، وأجاز ابن كيسان الفصل بـ(لولا) نحو: ما أحسن لولا بخله زيدًا، وأحسن لولا بخله بزيد،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2072]

ولا حجة له على ذلك، ولا يجوز تقديم شيء من معمول أفعل التعجب على الفعل، ولا على (ما).

وإن كان يجوز في نحوه من التركيب الذي ليس فيه تعجب نحو زيد عمرًا ضرب بلا خلاف، وعمرًا زيد ضرب بخلاف، ولا يجوز تأكيد المضمر في (أحسن)، ولا في أحسن على مذهب من اعتقد فيه ضميرًا، ومن علل امتناع ذلك بأنه فصل بين العامل والمعمول أجاز تأكيده متأخرًا نحو: ما أحسن زيدًا نفسه.

وإذا اختلف متعلق (ما أفعل) فلا يجوز حذف (ما) لو قلت: ما أحسن زيدًا، وأقبح خالدًا كان قبيحًا، وأفعل مسلوب الدلالة على المضى، وزمانه حال، وحكاه ابن بابشاذ، وابن الدهان عن المبرد.

فإذا أردت الماضي المنقطع قلت: ما كان أحسن زيدًا، وقيل هو بمعنى الماضي المتصل بزمان الحال، فإن أردت الماضي المنقطع أتيت بـ(كان)، وهذا قول الأكثرين، وقال ابن الحاج: يظهر لي أن ما أحسنه، وأحسن به صالح للأزمنة الثلاثة، وجائز أن يقيد بكل واحد منهما كقولك: ما أحسن زيدًا أمس وغدًا، والآن، إلا أنهم يقيدون في (ما أحسن) إذا أرادوا المضي بكان، وفي المستقبل بيكون نحو: ما أحسن ما يكون زيدًا، وقال تعالى: «أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا» فـ(يوم) ظرف مستقبل، واختلفوا في الوصف المتعجب منه هل هو واجب الثبوت وقت التعجب أو جائزه على قولين، ومن قال بالجواز قال منه: ما أطول ما يكون هذا الزرع، وما أحسن ما تكون هذه الجارية، ومذهب أكثر البصريين، والكوفيين أن كان الداخلة بين (ما) وأفعل زائدة لا اسم لها، ولا خبر، واختاره الفارسي.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2073]

وذهب السيرافي، وتبعه خطاب الماردي إلى أنها زائدة، وهي تامة وفاعلها قال السيرافي: ضمير المصدر الدال عليه كان، وقال خطاب: ضميرها عائد على غير (ما)، ولكن يعود على مجهول تقديره: كان الأمر، ومذهب الجرمي أنها كان الناقصة، واسمها ضمير (ما) وخبرها (أفعل)، وعزاه بعضهم إلى البصريين ولا يصح ذلك، وحكى زيادة (يكون) بين (ما) و(أفعل)، قالوا: ما يكون أهون زيدًا، وما يكون أحسن زيدًا.

وذهب الكسائي، والفراء، والأخفش، إلى زيادة (أمسى) و(أصبح) بينهما، حكى من كلامهم: «ما أصبح أبردها، وما أمسى أدفأها». وهذا شاذ عند جمهور البصريين، وذهب الفراء إلى جواز ذلك في كل فعل يحتاج إلى اسم وفعل يعني إلى اسم وخبر، وعن الكوفيين أنهم قاسوا على كان سائر أخواتها، ما لم يناقض معنى الفعل المزيد معنى التعجب، وأجاز بعض النحاة زيادة كل فعل لا يتعدى مما لا يناقض نحو: ما قام أحسن زيدًا إذا أردت ما أحسن قيام زيد فيما مضى.

وحكى الكسائي عن العرب: «ما مر أغلظ أصحاب موسى». يعنون موسى الهادي من بني العباس، ومنع هذا الفراء ومعناه ما أغلظ مرور أصحاب موسى، وحكى الكسائي: ما يخرج أطوله، وأجاز الكسائي: ما أظن أظرفك، وما ظننت أظرفك بجعل (أظن) ناصبة في المعنى (لما)، ولأظرف، وتوقع أظرف على الكاف، وأجاز هشام ذلك في الظن وأخواته، ولا يجيز جمهور البصريين أن يفصل بين (ما) والفعل إلا بكان فقط، وتقول: ما أحسن ما كان زيد، وما أحسن ما يكون زيد، ما مصدرية و(زيد) مرفوع على الفاعلية، أوقعت التعجب على

[ارتشاف الضرب: 4/ 2074]

الكون والمراد ذات زيد تجوزًا، وكان تامة، وأجاز المبرد، وجماعة أن تكون ناقصة، و(ما) بمعنى الذي، ومن منع من وقوع (ما) على شخص من يعقل منع هذه المسألة، ولو قلت: ما أحسن من كان زيدًا جاز، وتقول: ما أحسن ما كانت هند، وأجمله، تعيد الضمير على الكون، عطفت الفعل ومتعلقه على الفعل ومتعلقه، ويجوز أن تقول: وأجملها تعيد الضمير على هند قاله الأخفش، وتقول: ما كان أحسن ما كان زيد، يجوز على التوحيد في رفع زيد ونصبه، ولا يجوز: ما كان أحسن ما يكون زيد للتناقض، وإذا كان المجرور المتعلق بهما فاعلاً من حيث المعنى تعدى (أفعل)، و(أفعل) بـ(إلى) نحو: ما أحب زيدًا إلى عمرو، وما أبغض عمرًا إلى بكر، وما أمقت بكرًا إلى خالد، وأحبب بزيد إلى عمرو، وكذا أبغض وأمقت أصله: أحب عمرو زيدًا، وكذا أبغض وأمقت.

وإن لم يكن فاعلاً في المعنى فإما أن يكون من مفهم علم أو جهل، فيتعدى بالباء نحو: ما أعرف زيدًا بالفقه، وما أبصره بالشعر، وأبصر بزيد بالفقه، وأجهل بخالد بالنحو، وإلا؛ فإن كان متعديًا كان باللام نحو: ما أضرب زيدًا لعمرو، وما أمقت زيدًا لخالد، وما أبغض زيد لبكر قال ابن مالك: وأضرب بزيد لعمرو، وهذا مشكل، لأن معناه أضرب زيدًا أي: صار ذا ضرب، والهمزة للصيرورة، و(أفعل) الذي للصيرورة لا يتعد فلا يجوز هذا التركيب إلا بسماعه من العرب، وإن كان متعديًا بحرف جر، فيتعدى به نحو: ما أعز زيدًا علي، وما أزهد عمرًا في الدنيا [وأعزز بزيد علي، وأزهد ببكر في الدنيا]، وإن كان فيتعدى إلى اثنين من باب (كسا) اقتصرت على الذي كان فاعلاً فقلت: ما أكسى زيدًا، وما أعطى عمرًا، وجاز أن تعديه بعد ذلك إلى أحد المفعولين باللام نحو: ما أكسى زيدًا لعمرو، وما أكسى بكرًا للثياب.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2075]

فإن جاء من كلامهم: ما أعطى زيدًا لعمرو الدراهم، وما أكسى زيدًا للفقراء الثياب، فمذهب البصريين أنه ينتصب بإضمار فعل تقديره: أعطاه الدراهم، وأكساهم الثياب، ومذهب الكوفيين أنه منصوب بنفس فعل التعجب، وأجاز ابن كيسان ما أعطى زيدًا لعمرو المال، وحكاه ابن الدهان عن الكوفيين، وإن كان من باب ظن اقتصرت على الفاعل فقط: ما أظن زيدًا وما أزعم عمرًا، هذا مذهب البصريين، وأجاز بعض النحاة: ما أعلمني أنك قائم أو بأنك قائم، قال ابن الحاج: ولا أعلم ما يمنع منه انتهى.

وأجاز الكوفيون ذكرهما بشرط دخول اللام على الأول، ونصب الثاني هذا إن أمن اللبس نحو: ما أظن زيدًا لبكر صديقًا، وإن خيف لبس أدخلت اللام على كل من المفعولين نحو: ما أظن زيدًا لأخيك لأبيك أصله: ظن زيد أخاك أباك.

وخلط ابن مالك في النقل في شرحه لما شرح من التسهيل فقال عن البصريين: «إن كان يتعدى إلى اثنين من باب كسا، أو من باب ظن جررت الأول باللام، ونصبت الثاني بإضمار فعل تقول: ما أكسى زيدًا للفقراء الثياب، وما أظن عمرًا لبشر صديقًا، تقديره عندهم: يكسوهم الثياب، ويظنه صديقًا». وقال عن الكوفيين أنهم لا يضمرون، بل ينصبون الثاني بفعل التعجب، فذكر عن البصريين تساوى الحكم في باب كسا، وظن، ولم يذكر التفصيل عن الكوفيين.

وفي البسيط (إن كان من باب (ظن) جاز شرط الاقتصار على الفاعل، فإن كان في موضع المفعولين أن، لأنه يتعدى إليها بحرف جر تقول: ما أعلمني بأنك فاضل.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2076]

فصل

صيغ التعجب تبنى من فعل ثلاثي مجرد تام مثبت متصرف قابل معناه للكثرة غير مبني للمفعول، ولا معبر عن فاعله بأفعل فعلاء.

القيد الأول: كونه يبنى من فعل تنبيه على خطأ من قال من الكلب: ما أكلبه، ومن الحمار: ما أحمره، ومن الجلف: ما أجلفه، فبني ذلك من الاسم، وقال ابن مالك: وقد يبنى من غير فعل قالوا: أقمن به أي أحقق اشتقوه من قولهم: هو قمن بكذا أي حقيق وقالوا: ما أذرع فلانة بمعنى ما أخفها في الغزل، وهو من قولهم: امرأة ذراع، وهي الخفيفة اليد في الغزل، ولم يسمع منه فعل، وهذان وما أشبههما شواذ لبنائهما من غير فعل. انتهى.

ودعواه أن ما أذرعها لم يسمع منه فعل غير صحيحة، وقال ابن القطاع: ذرعت المرأة خفت يداها في العمل فهي ذراع.

القيد الثاني: كونه ثلاثيًا احتراز من أن يكون رباعيًا أصلاً أو مزيدًا نحو: دحرج وتدحرج.

القيد الثالث: كونه مجردًا حتراز من أن يكون غير مجرد، بل فيه مزيد، وذكروا مما جاء من ذلك: ما أغناه، وما أفقره، وما أتقاه، وما أقومه، وما أمكنه، وما أملأه، وما آبله، وما أشده، وما أحوله، وما أخصره، وما أشهاه، وما أحياه، وما أرفعه، من (استغنى، وافتقر، واتقى، واستقام، وتمكن، وامتلأ، وتأبل، واشتد، واحتال، واختصر، واشتهى واستحيا، وارتفع). وحكى هشام: ما أحوجه، وذكر أنه قيل: فقر وغنى، وتقى، وشهى، وحيى [وارتفع] بمعنى: اشتهى واستحى ورفع، وقام بمعنى استقام، ومكن بمعنى تمكن، وملأ بمعنى امتلأ،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2077]

وأبل بمعنى تأبل أي كثرت إبله، وشددت.

فإن كان المزيد على وزن أفعل فثلاثة مذاهب:

أحدها: أنه لا يجوز البناء للتعجب منه مطلقًا، وهو مذهب أبي الحسن والجرمي، والمازني، والمبرد، وابن السراج، والفارسي في الأغفال.

والثاني: أنه يجوز مطلقًا، ونقل عن الأخفش، ونسب إلى سيبويه، وصححه ابن هشام الخضراوي، وقال ابن مالك: هذا مذهب سيبويه والمحققين من أصحابه، وهذا مخالف لما حكيناه من المنع عن جمهور البصريين الذين ذكرناهم.

والثالث: التفصيل بين أن تكون الهمزة في (أفعل) للنقل، فلا يجوز أن يبنى منه صيغة التعجب، أو لا تكون للنقل فيجوز، قال ابن الحاج: هذا التفصيل الذي فصله يعني ابن عصفور شيء لم يذهب إليه أحد، ولا ذهب إليه نحوى انتهى.

ومن المسموع منه مما همزته للنقل قولهم: ما آتاه للمعروف وما أعطاه للدراهم، وما أولاه بالمعروف، وما أضيعه لكذا، ومن المسموع مما همزته ليست للنقل قولهم: ما أنتنه في لغة من قال: أنتن، وما أخطأه، وما أصوبه، وما أيسره، وما أعدمه، وما أسنه، وما أوحش الدار، وما أمتعه، وما أسرفه، وما أفرط جهله، وما أظلمه، وما أضواه.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2078]

وقال خطاب: قد يتعجبون من لفظ الرباعي على غير قياس في قولهم: ما أعطاه، وما أولاه، وما آتاه للمعروف، ولكنها شاذة تحفظ حفظًا، ولا يقاس عليه ثم قال خطاب: وتقول: أعظ بزيد، وأول به، وآت به كما قلت: ما أعطاه، وما أولاه، وما آتاه، انتهى.

القيد الرابع: كونه تامًا احتراز من الناقص نحو: كان، وظل، وكاد، وكرب ونحوهن من النواقص، ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز التعجب منها، وحكى جواز ذلك عن الفراء صاحب البسيط، وأبو مروان عبد الله بن هشام الحضرمي في كتابه الانتخاب، وقال أبو بكر بن الأنباري تقول: ما أ:ون عبد الله قائمًا مرفوعة بما في (أكون)، واسم كان مضمر فيها، وعبد الله منصوب على التعجب، وقائمًا خبر كان، وأكون بعد الله قائمًا، وأكون بعبدي الله قائمين، وأكون بعبيد الله قيامًا، وحكى ابن الدهان: أن الكوفيين يجيزون: ما أكون زيدًا لأخيك، ولا يجيزون لقائم.

القيد الخامس: كونه مثبتًا احتراز من أن يكون منفيًا، فإنه لا يبنى منه.

القيد السادس: كونه متصرفًا احتراز مما لا يتصرف نحو: يذر ويدع، فلا يقال ما أوذره للشر، ولا لو ذر الرجل وشذ قولهم: ما أعساه، وأعسى به، ومعناه ما أحقه وأحقق به، قال ابن مالك: بنوا فعل التعجب من عسى وهو فعل غير متصرف.

القيد السابع: كون معناه قابلاً للكثرة احتراز مما لا يقبل الكثرة والزيادة نحو:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2079]

مات وفنى، وحدث فلا يقال: ما أموت زيدًا، ولا أموت به، قالوا: وشذ من الألفاظ التي لا تقبل الزيادة قولهم: ما أحسنه، وما أقبحه، وما أطوله، وما أقصره، وما أشنعه، وما أحمقه، وما أنوكه.

وقال ابن مالك: وقد يبنى من فعل فهو أفعل إذا أفهم عسرًا، أو جهلاً، فذكر بناءه من حمق، ورعن، وهوج، ونوك، ولذا قال: جرت في التعجب، والتفضيل مجرى جهل وعسر، وإن كان مذكرها على أفعل، والمؤنث على فعلاء وأقول: إن هذه التي عدوها من الشواذ، وأنها لا تقبل الزيادة ليس كما قالوا، بل هذه كلها تقبل الزيادة، وهي من المشكل، قال ابن الحاج: حكى اللغويون، وصاحب المحكم: عاقلت الرجل أي غلبته في العقل، فهذا تصريح بالمفاضلة، والتعجب من ما أهوجه، وشبهه جائز حسن، وأما ما أشنعه فراجع إلى معنى الحمق، ولست أعلم أن أحدًا من النحاة عدد في الشواذ ما عدده يعنى ابن عصفور، ولم يسلم له مثال مما أورده أنه شاذ.

وذكر مكي في المشكل: أن الفراء حكى ما أعماه، وما أعوره بمعنى ما أقبح لا على ظاهر اللفظ، ونص سيبويه على جواز «ما أهوجه وما أرعنه، وما أشغله، وما أنوكه، وما أحمقه» ودل كلامه على أنه لا يعتقد أنها شاذة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2080]

وكذلك نص السيرافي في تفسير هذا الموضع، ونص سيبويه على جواز: ما أحسنه، وعلى جواز محسنان، وهو ألفاظ المبالغة في حسن.

وصفات الله تعالى لا تقبل الزيادة، فلا يجوز التعجب منها لا يقال: ما أعلم الله، وقالت العرب: (ما أعظم الله وأجله) وقال الشاعر:

ما أقدر الله أن يدني على شحط = ... ... ... ... ...

وتأول النحاة قول العرب وهذا.

القيد الثامن: كونه غير مبني للمفعول احتراز مما يبنى للمفعول لا يجوز: ما أضرب زيدًا، وأنت تتعجب من الضرب الذي حل به، وعلل خطاب الماردي منع ذلك باللبس قال: فإذا لم يلبس جاز، وقد قال كعب: فلهو أخوف عندي.

وما صح فيه (أفعل من) صح فيه (ما أفعله)، وتبع ابن مالك خطابًا: فقالك وقد يبنيان من فعل المفعول إن أمن اللبس نحو: ما أجنه، وما أنحته، وما أشغفه، وهو من أفعل التفضيل أكثر منه في التعجب: (كأزهى من ديك) و(أشغل من ذات النحيين) وأشهر من غيره، وأعذر، وألوم، وأعرف،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2081]

وأنكر، وأخوف، وأرجى من شهر، وعذر، وليم، وعرف، ونكر، وخيف، ورجى وإذا لم يلبس فلا يقتصر فيه على السماع، بل يحكم باطراده في فعل التعجب وأفعل التفضيل انتهى.

وقصر ذلك على السماع قول الجمهور، والمسموع (ما أشغله، وما أجنه، وما أولعه، وما أحبه، وما أخوفه، وما أزهاه، وما أعجبه برأيه. وما أبخته، وما أشغفه، وما أخصره) من شغل، وجن، وأولع، وحب، وخيف، وزهى، وأعجب، وبخت، وشغف، واختصر، وفي (اختصر) شذوذان: بناؤه من المزيد، وكونه من المفعول، وزاد بعضهم في الشاذ: ما أبغضه، وما أمقته من أبغض ومن أمقت.

وقد سمع فيها بغض، ومقت مقاته، فلا يكون ما أبغضه وما أمقته شاذًا، وحكى سيبويه، والنحويون: بغض، وولع الرجل بمعنى أولع حكاه ابن القوطية وغيره.

القيد التاسع: كونه غير معبر عن فاعله بأفعل فعلاء كان عيبًا كـ(برص)، وبرش، وحول، وعمى. وعور ومن المحاسن كـ(شهل)، وكحل، ودعج، ولمى، وشنب.

واختلف في العاهات والألوان، فذهب جمهور البصريين إلى أنه لا يتعجب من العاهات، وأجاز ذلك الأخفش، والكسائي، وهشام نحو: ما أعوره. وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز من الألوان، وأجاز ذلك الكسائي، وهشام مطلقًا نحو: ما أحمره، وأجاز بعض الكوفيين ذلك في السواد والبياض خاصة

[ارتشاف الضرب: 4/ 2082]

دون سائر الألوان، وسمع الكسائي: «ما أسود شعره» ومن كلام أم الهيثم: «هو أسود من حنك الغراب» وفي الحديث في صفة جهنم: «لهي أسود من القار» وفي الشعر:

أبيض من أخت بني إباض

و:

... ... ... ... ... ... = ... ... أبيضهم سربال طباخ

وهذا عند البصريين شاذ، لا يقاس عليه، وقال ابن الحاج: عندي جواز اقتياس (ما أفعله) في السواد والبياض، ولا يقتصر على مورد السماع فيها بل أقول: ما أبيض زيدًا، وما أسود فلانًا في الكلام والشعر انتهى.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2083]

وهي نزعة كوفية، وقال ابن عصفور تابعًا لصاحب الغرة: ومن الأفعال ما استوفى شروط ما يتعجب منه، ولكن العرب استغنت عن التعجب منه بغيره، وذلك قام، وقعد، وجلس ضد أقام، وسكرن وقال من القائلة، فتقول: ما أحسن قيامه، وكذا باقيها.

وقال ابن الحاج: أما القيام، والقعود، والجلوس فمعان لا يجوز التعجب منها، لأنها مما لا يتصور فيها الزيادة والنقص، فلا يرجح قيام على قيام فيما يدل عليه لفظ قيام، وكذا القعود والجلوس، فأما ما تكرر فعله وكثر كأن يقوم إنسان مرات عدة، وآخر أقل منها أو أكثر منها، فيمكن التعجب بأكثر أو أقل لا بلفظ الفعل نفسه، فأما قوله:

وإني لقوام مقاوم لم يكن = جرير ولا مولى جرير يقومها

فمنقول من الانتصاب للقيام بالأمر، والاضطلاع به، وذكروا فيها غضب، وحكى الأخفش عن بعض العرب: ما أغضبه، قال: وسألنا عنه تميمًا وقيسًا فلم يقولوه.

ومن عد (نام) فيها، فليس قوله بصحيح حكى سيبويه: ما أنومه، وقالت العرب: «هو أنوم من فهد»، و«أنوم من غزال»، وذكر ابن الأنباري خلافًا في جواز التعجب من السكر، وما لا يتعجب منه لفقد الشروط أتى بما يتعجب منه، ونصب مصدر ذلك الفعل نحو: ما أحسن حمرة زيد، وأحسن بحمرته، وما أسوأ عور زيد، وأسوئ بعوره،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2084]

وما أبين بلجة عمرو، وأبين ببلجته، وما أحسن استخراج زيد للدراهم، وأحسن باستخراجه، وما أفجع موت زيد، وأفجع بموته، وما أحسن كون هند متجردة، وأحسن بكون هند متجردة، وما أشد دحرجته، وأشدد بدحرجته.

وإن لم يكن له مصدر مشهور، جعلت الفعل في صلة (ما) المصدرية فقلت: ما أكثر ما يذر زيد الشر، وأكثر بما يذر زيد الشر، وكذا إن كان الفعل بني للمفعول تقول: ما أكثر ما ضرب زيد، وأكثر بما ضرب زيد، وإن لم يلبس وكان له مصدر أتيت بالمصدر فقلت: ما أكثر شغل زيد، وأكثر بشغله، وما استوفى الشروط جاز فيه ذلك تقول: ما أكثر ضرب زيد لعمرو، وأكثر بضرب زيد لعمرو.

فإن كان المانع كونه منفيًا جعلته في صلة أن نحو: ما أقبح أن لا تأمر بالمعروف، وأقبح بأن لا تأمر بالمعروف؛ فإن كن الفعل من باب كان ولزمه النفي، لكونه وضع كذلك، وهو ليس، أو لكونه لا يستعمل إلا مقرونًا به، أو بحرف النهي، أو الدعاء ففيه خلاف: ذهب البغداديون، وابن السراج إلى إجازة: (ما أحسن ما ليس يذكرك زيد)، وما أحسن ما لا يزال يذكرنا زيد، والجمهور على المنع.

ولا يجوز حذف همزة أفعل، وشذ من كلامهم: ما خير اللبن للصحيح وما شره للمبطون، وفي الشعر:

ما شد أنفسهم وأعلمهم ... .... = ... ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 2085]

وسمع (ما خيرك، وما حسبك)، وسمع الكسائي (ما خبثه)، قال النحاس والقياس على ما حذفت منه الهمزة خطأ عند البصريين، ولا يجوز حذف نون الوقاية من نحو: ما أظرفني، وما أحسنني، وحكى الكوفيون: ما أحسنى بالحذف، وقال ابن عصفور: يجوز إثباتها وحذفها، فلو كان آخر الفعل نونًا نحو: ما أحسنني، وما ألينني جاز الفك والإدغام، فتقول: ما أليني، فلو لقى ضمير المتكلمين نحو: ما أحسننا، وجب الفك.

فلو كانت (ما) نافية وجب الإدغام، أو استفهامًا جاز الفك، وجاز الإدغام، مشارًا إلى الصفة بالإشمام لزوما، وما شذوا فيه فقالوا: ما أفعله نحو: ما أملأ هذه القربة، وما أمكنه عند الملك لا يقال فيه: فعل في التعجب، لا يقال لملؤت القربة، ولا لمكن زيد، ومن ذهب إلى أنه يجوز التعجب مما كان على أفعل، وهمزته ليست للنقل، وجعل ذلك مقيسًا لا يجيز أن يبنى منه التعجب فلا تقول: (لخطؤ الرجل، ولا لصاب الرجل، وإن كانوا قالوا: ما أخطأه، وما أصوبه، وتقول: ما أحسن زيدًا لا ما أشرفه، وما أحسن زيدًا لا أشرفه، منع الكسائي من إجازتها، وقال أبو جعفر النحاس: هذا جائز على أصول البصريين، وتقول: ما أحسن وأجمل زيدًا، وفيها ثلاثة مذاهب ذكرت في باب الإعمال، وقد انقضى القول في صيغ التعجب المبوب له في النحو.

وقد جاء التعجب متضمنًا جملاً لم تكن له في أصل الوضع فمن ذلك قولهم: سبحان الله، ولا إله إلا الله، وسبحان الله من هو؟ ومررت برجل أيما رجل، وزيد ما زيد، ويلمه رجلاً، ولله دره فارسًا، وحسبك به فارسًا، وكفاك بزيد رجلاً، وسبحان الله رجلاً، ولك أن تدخل من في هذه الأربعة، والعظمة لله من رب، ويجوز في: حسبك بزيد حذف الباء وترفع زيدًا، واعجبوا لزيد رجلا، ومن رجل، وكاليوم رجلاً، وكالليلة قمرًا، وكرمًا، وصلفًا، وياللماء، وياللدواهي،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2086]

ويا حسنه رجلاً، ويا طيبها من ليلة، ويا لك فارسًا، وإنك من رجل لعالم، ولا تحذف (من)، وما أنت من رجل، وقيل لا تحذف (من)، وما أنت جارة، خرجوه على أن (جارة) تمييز، وما أنت من جارة، ولله أنت، وواهاً له، ولله لا يؤخر الأجل، (ووا) في أسماء الأفعال، وأي رجل زيد، و«كيف تكفرون بالله» و«لأي يوم أجلت»، و«عم يتساءلون» و:

... ... ... ... ... ... = ... ... لا كالعشية زائرًا ومزورًا

[ارتشاف الضرب: 4/ 2087]

فصل

الفعل لازم ومتعد، والتعدي تجاوز الفعل فاعله إلى مفعول أو أكثر، فإن تعدى إلى غيره من المنصوبات، لم يسم متعديًا، ويبنى منه اسم مفعول نحو: مضروب ومقتول، وقد يكون الفعل الواحد لازمًا ومتعديًا بنفسه نحو (فغرفاه) أي فتحه، و(فغرفوه) أي انفتح، ومتعديًا بنفسه تارة، وبحرف جر أخرى نحو: (شكرت زيدًا وشكرت لزيد) وكذلك نصحت، ولما تساويا في الاستعمال صارا قسمًا برأسه، خلافًا لمن منع هذا القسم وزعم أن الأصل فيه حرف الجر، وكثر فيه الأصل والفرع، وصحح هذا القول ابن عصفور، وردة عليه الشلوبين الصغير، وقيل: أصل هذا القسم أن يتعدى بنفسه، وحرف الجر زائد، وزعم ابن درستويه أن (نصح) يتعدى لواحد بنفسه، وللآخر بحرف الجر، والأصل: نصحت لزيد رأيه، وما زعم لم يسمع في موضع.

وفي كتاب البهي المنسوب للكسائي أنك تقول: شكرت لك ونصحت لك، ولا تقول: شكرتك ولا نصحتك، هذا كلام العرب قال تعالى: «واشكروا لي» «وأنصح لكم» انتهى، وجاء في شعر النابغة (نصحت) معدى بغير اللام قال:

نصحت بني عوف فلم يتقبلوا = وصاتي، ولم تنجح لديهم وسائلي

[ارتشاف الضرب: 4/ 2088]

وذكروا من هذا: كلت زيدًا، وكلت لزيد، وزنت زيدًا، ووزنت لزيد، ووعدت زيدًا، ووعدت لزيد، وقد يعلق اللازم بمفعول به معنى، فيعدى بحرف الجر مخصوصًا، ومدرك هذا السماع نحو: مررت بزيد، وغضبت على عمرو، ويبنى منه اسم مفعول معدى بالحرف نحو: زيد ممرور به، وعمرو مغضوب عليه، فإن الفعل لا يقتضيه بخصوصه نحو: خرجت إلى زيد، فقال ابن هشام الخضراوي لا يسمى هذا تعديًا بخلاف: خرجت من الدار، فيسمى تعديًا، لضرورة أن الخروج يقتضي مخروجًا منه، والصحيح أنه يسمى متعديًا، وإن كان لا يقتضيه بخصوصه والحكم سواء، وقد ينحذف الحرف شذوذًا نحو: (لقضاني) يريد: لقضى علي، أو لكثرة الاستعمال نحو: دخلت الدار فيقال عليه: دخلت البلد والبيت، وإن لم يكثر قيل: ولم يقس عليه نحو: ذهبت الشام، وتوجهت مكة، ومطرنا السهل والجبل، وضرب زيد الظهر والبطن، أو لتضمن معنى يوجب ذلك نحو قول نصر بن سيار: «أرحبكم الدخول في طاعة ابن الكرماني» أي أوسعكم.

وحكى أن بعض العرب قال في (كاثرناهم): كثرناهم وهو قبيح، وإذا أشربت اللازم معنى فعل متعد فأكثر ما يكون فيما يتعدى بحرف الجر، فيصير يتعدى بنفسه، فمن النحاة من قاس ذلك لكثرته، ومنهم من قصره على السماع.

وقد جاء تضمين ما يتعدى معنى اللازم قال تعالى: «فليحذر الذين يخالفون عن أمره» أي يخرجون وينفصلون، واطرد حذف حرف الجر المتعين مع (أن وأن) نحو: غضبت أن تخرج، وعجبت أنك تقوم، أي من أن تخرج، ومن أنك تقوم، فإن أتيت بصريح المصدر لم يجز الحذف نحو: عجبت من

[ارتشاف الضرب: 4/ 2089]

قيامك، فإن لم يتعين الحرف لم يجز الحذف، وذلك بأن يكون الفعل يتعدى بحرفين مختلفي المعنى نحو: رغبت في أنك تقوم، ورغبت عن أن تقوم.

وإذا حذف حرف الجر من (أن وأن)، ففي كتاب سيبويه النص عن الخليل أن موضعه نصب، واتفق ابن مالك، وصاحب البسيط على أن مذهب الكسائي أنه جر، وأن الفراء قال: هو في موضع نصب، قال في البسيط: «أكثر النحويين على أنه في موضع نصب»، ووهم ابن مالك، وصاحب البسيط، فنقلاً أن مذهب الخليل أنه في موضع جر، ووهم ابن مالك فنقل أن مذهب سيبويه أنه في موضع نصب كالفراء.

ولم يصرح سيبويه فيه بمذهب، إنما ذكر مذهب الخليل أنه في موضع نصب ثم قال: لو قال إنسان إن (أن) في موضع جر، لكان قولاً قويًا وله نظائر نحو قولهم: لاه أبوك، فإن كان الذي جر بحرف غير (أن وأن) لم يجز حذفه قال الأخفش الأصغر فيما نقل ابن مالك: يجوز الحذف، والنصب فيما لا لبس فيه نحو قوله:

... ... ... ... = وأخفى الذي لولا الأسى لقضانى

والصحيح أن يتوقف فيه على السماع، وأورد أصحابنا خلاف الأخفش هذا على غير ما أورده ابن مالك، أوردوه فيما يتعدى إلى اثنين: أحدهما بنفسه، والآخر بحرف الجر، قالوا في هذا: لا يجوز حذف الحرف إلا مع (أن وأن) وفي أفعال مسموعة، وهي: اختار، واستغفر، وأمر، وسمى، وكنى، ودعا، وزوج، وصدق، وعير، وهدى، وفرق، وفزع، وجاء، واشتاق، وراح، وتعرض،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2090]

ونأى، وحل، وخشن تقول: اخترت زيدًا من الرجال، واستغفرت الله من الذنب، وأمرت زيدًا بالخير، وسميت ولدي بأحمد، ودعوت ولدي بزيد، وكنيته بأبي الحسن، وزوجته بامرأة، وصدقت زيدًا في الحديث، أو في القتال، أو في ظني، وعيرت زيدًا في الحديث، أو في القتال، أو في ظني، وعيرت زيدًا بسواده، وهديت زيدًا إلى الطريق، وفرقت من زيد، وفزعت من بكر، وجئت إلى البصرة، واشتقت إلى زيد، ورحت القوم، ورحت إليهم، وتعرضت معروفه، وتعرضت لمعروفه، ونأيتهم، ونأيت عنهم، وحللتهم، وحللت بهم، وخشنت صدره، وخشنت بصدره.

ويجوز حذف الحرف من هذه، وزعم الجرجاني: أن من باب اختار قولهم: كلته كذا وكذا، ووزنته كذا درهمًا أصله كلت له، ووزنت له حذف اللام، كما حذف (من)، والباء في اختار وأمر، فتعدى الفعل إلى مفعولين، وجرى مجرى (أعطيت) في الظاهر قال تعالى: «وإذا كالوهم أو وزنوهم» والمعنى: كالوا لهم، ووزنوا لهم، ولم يذكر المكيل والموزون، وزعم ابن الطراوة وتلميذه السهيلي أن استغفر ليس أصلها التعدية إلى الثاني بحرف الجر، بل الأصل أن يتعدى إليه بنفسه، وتعديته بـ(من) إنما هو بتضمينه طلب التوبة، والخروج من الذنب، وزعم علي بن سليمان الأخفش، وتبعه ابن الطراوة أنه يجوز حذف الحرف إذا تعين، وتعين مكانه قياسًا على تلك الأفعال، فأجاز: (بريت القلم بالسكين)، فإن اختل الشرطان، أو أحدهما منع نحو: رغبت الأمر لا يجوز، لأنه لا يعلم هل أردت رغبت في الأمر، أو رغبت عن الأمر.

وكذلك لا يجوز: اخترت إخوتك الزيدين، لأن كل منهما يصلح لدخول (من) عليه، والصحيح أنه لا يجوز ذلك، وإن وجد الشرطان فلا يقال: أحببت الرجال زيدًا، ولا اصطفيت الرجال عمرًا تريد من الرجال وقولهم:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2091]

تمرون الديار ... ... ... ... = ... ... ... ...

و:

... ... ... ... ... ... = ... ... ... .... لقضاني

و:

... ... ... ... .... فرشنني = هراسا ... ... ... ... ...

يريد على الديار، ولقضى علي، وفرش لي ضرورة شعر لا يقاس عليه ولا خلاف في شذوذ:

... ... ... ... ... ... ... = أشارت كليب بالأكف الأصابع

و:

... ... ... ... ... ... = حتى تبذخ فارتقى الأعلام

يريد إلى كليب، وإلى الأعلام، وذهب السهيلي إلى أنه لا يجوز الحذف إلا إذا تؤول في الفعل معنى فعل يصل بنفسه، وبشرط ألا يفصل بين الذي يحذف منه الحرف فلا تقول أمرتك يوم الجمعة الخير، وبشرط ألا يكون على حذف فلا تقول: أمرتك زيدًا تريد: بزيد، أي: بأمره وشأنه، ولما كان معنى أمرتك، كلفتك جاز، ولم يشترط أصحابنا ما اشترطه السهيلي.

والتعدي تارة يكون بالهمزة، وتارة بالتضعيف، فإن كان الفعل لازمًا صار

[ارتشاف الضرب: 4/ 2092]

متعديًا إلى واحد، وإن كان يتعدى إلى واحد صار يتعدى إلى اثنين نحو: كفل زيد عمرًا وأكفلت زيدًا عمرًا، وإن كان يتعدى إلى اثنين، وليس من باب علم، لم يتعد إلى ثلاثة نحو: كسوت زيدًا ثوبًا لا بهمزة ولا بتضعيف بإجماع، وفي التعدي بالهمزة مذهب:

أحدها: أنه سماع في اللازم والمتعدي، وهو مذهب المبرد.

الثاني: أنه قياس فيهما، وهو مذهب أبي الحسن، وظاهر مذهب أبي علي.

والثالث: أنه قياس في اللازم، إذا لم تدخل عليه الهمزة لمعنى آخر سماع في المتعدي، وهو ظاهر مذهب سيبويه، وقال السهيلي: وقد ذكر الفعل اللازم النقل بالهمزة مذهب سيبويه أنه مسموع، ومذهب غيره أنه مقيس على الإطلاق.

والرابع: أنه مقيس في كل فعل إلا في باب علم، وهو مذهب أبي عمرو وجماعة، وقال السهيلي: الصحيح التفصيل، فإن كان الفعل يكتسب منه الفاعل صفة في نفسه لم تكن فيه قبل الفعل نحو: قام، وقعد، ففي مثل هذا يقال فيه أفعلته أي جعلته على الصفة نحو: أنمته، وأقمته، وإن كان لا يصير على هيئة لم يكن عليها، ولا حصل في ذاته وصف باق نحو: اشتريت زيدًا ماء، قبح التعدي، وكذلك لا تقول: أذبحته الكبش: أي جعلته يذبحه، لأن الفاعل لم يصر على هيئة لم يكن عليها، وفي التعدي بالتضعيف مذهبان:

أحدهما: أنه سماع من اللازم والمتعدي.

والثاني: أنه قياس، ونقل ابن هشام: أنه لا خلاف أن النقل بالتضعيف لا يقاس، ولا يتعدى ما سمع منه غير صحيح، وقد يتعاقب التضعيف والهمزة نحو: أنزلت الشيء ونزلته، وأبنت الشيء وبينته، والصحيح أن معناهما واحد.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2093]

وذهب الزمخشري، والسهيلي، ومن وافقهما إلى أن التعدية لا تدل على التكرير، وأن التعدية بالتضعيف تدل على تكرار في الفعل وتمهل.

وفي البديع: تضعيف الفعل اللازم، والمتعدي للتكثير، وقد جاء عنهم بالعكس قالوا: مجدت الإبل مخففًا إذا علفتها ملء بطنها، ومجدتها مشددًا، إذا علفتها نصف بطنها، وهذا الباد قد شبعت غنمه إذا أكلت أكل الشبع، وشبعت غنمه إذا أكلت نصف الشبع، وقد تكون التعدية بالتضعيف حيث لا يكون بالهمزة نحو قويت الشيء، وهيأته وحكمت فلانًا، وطهرت الشيء، ما لم تكن عين الكلمة همزة، إلا شاذًا نحو: أنأيت، وأثأيت، والشاذ نحو: ذأبت ومنه:

... ... ... ... ... .... = إلى سند مثل الغبيط المذأب

وقل ذلك في غير الهمزة من حروف الحلق عينات نحو: أذهبته وألحمته، وأسعدته، وأوعلته، وأدخلته، وقد يتعاقب في هذا النوع أفعل، وفعل نحو أوهنه، ووهنه، وأنعمه، ونعمه، وزاد بعض النحاة في المعديات بالحركة: ذهب زيد، وذهبت بزيد أي: أذهبته، وزاد بعضهم تضعيف اللام، وهو غريب، وكذلك صغر خده، وصعررته، والسين والتاء نحو: حسن زيد، واستحسنته، وقبح الشيء واستقبحته، وطعم زيد الخبز، واستطعمته الخبز.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2094]

وألف المفاعلة نحو: سار زيد، وسايرته، والمعتبر بحركة العين، شترت عين الرجل، وشترها الله، وكسى زيد الثوب، وكسى زيد عمرًا ثوبًا، ولا ينقاس شيء من التعدية بهذه، ومن الأفعال ما جاء ثلاثيه متعديًا، وبالهمزة قاصرًا خلاف المعهود من ذلك: أكب الرجل، وكببته أنا، وأقشع الغيم، وقشعته الريح، وأنسل ريش الطائر، ونسلته أنا، وأنزفت البئر، ونزفتها أنا، وأمرت الناقة: در لبنها، ومريتها أنا، وأشنق البعير: رفع رأسه، وشنقته أنا، وأجفل الظليم وجفلته أنا، وتعدى الفعل تارة يكون إلى واحد نحو: ضرب زيد عمرًا، وتارة إلى اثنين، فأصل أحدهما حرف الجر، وهو (اختار) وما ذكر معه، وتارة إلى اثنين بنفسه وذلك نحو: كسا وأعطى، وتارة إلى اثنين وأصلهما مبتدأ وخبر، وتارة إلى ثلاثة مفاعيل وهو (أعلم) وأخواته.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2095]

باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر

مذهب الجمهور أن ظن وأخواتها داخلة على المبتدأ والخبر، ومذهب السهيلي: إلى أنها ليست داخلة عليهما، بل هي مع مفعوليها كأعطيت في أنها استعملت معهما ابتداءً، ومذهب الفراء: أنها لما طلبت اسمين شبهت بما طلب اسمين من الأفعال، أحدهما مفعول به، والثاني حال، فشبه الثاني في هذا الباب بالحال.

وتدخل هذه الأفعال على ما تدخل عليه (كان)، وقد تدخل على ما لا تدخل عليه كان من المبتدأ نحو: أيهم أفضل؟ وغلام من عندك؟، تقول: أيهم ظننت أفضل؟ وغلام من ظننت عندك؟، وحذف مفعوليها إن كان اقتصارًا، فهو حذف لغير دليل، فأربعة مذاهب:

أحدها: مذهب الأخفش والجرمي وهو المنع.

والثاني: الجواز مطلقًا وهو مذهب الأكثرين.

والثالث: مذهب الأعلم، وهو التفصيل، فأجاز ذلك في ظن وما في معناها، ومنع في علم وما في معناها.

والرابع: المنع قياسًا، والجواز في بعضها سماعًا، وهو اختيار أبي العلا إدريس، وزعم أنه مذهب سيبويه فلا يتعدى الحذف إلى غير ظننت،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2097]

وخلت، وحسبت، وهو مسموع في هذه الثلاث، ومنه ظننت ذاك، إشارة إلى المصدر، وقوله تعالى: «وظننتم ظن السوء»، وإن حذفت أحدهما اقتصارًا فلا يجوز بلا خلاف، وإن حذفتهما اختصارًا، وهو حذف الشيء لدليل عليه جاز، وإن حذفت أحدهما اختصارًا جاز عند الجمهور على قلة.

وذهب ابن ملكون إلى أنه لا يجوز، فإذا قلت: زيدًا ظننته قائمًا، فالتقدير: ظننت زيدًا قائمًا، حذفت ظننت لدلالة ظننته، وقائمًا لدلالة قائمًا، ومن منع حذف أحد المفعولين قدر فعلاً غير ظننت مما يتعدى إلى واحد فتقول: اتهمت زيدًا ظننته قائمًا أو عرفت، أو لابست زيدًا علمته قائمًا، وهو خلاف قول الجمهور.

وأما ظننت ذاك مقتصرًا عليه، فهو إشارة إلى المصدر هذا مذهب سيبويه والبصريين، وقال الفراء وابن كيسان، والمازني، وجماعة من الكوفيين هو إشارة إلى الحديث أجرته العرب مجرى المفعولين، يقول القائل: كان من الأمر كذا وكذا فتقول: ظننت ذاك.

وفائدة هذه الأفعال في الخبر ظن أو يقين، أو كلاهما: أو تحويل، فالذي يفيد الظن (حجا) يحجو، وهي مشتركة بين معان كثيرة، فإذا كانت بمعنى ظن تعدت إلى اثنين، و(زعم) بمعنى ظن، وهي مشتركة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2098]

وذكر صاحب العين: أن الأحسن في (زعم) أن توقع على (أن) قال: وقد توقع في الشعر على الاسم، قال السيرافي: والزعم قول يقترن به اعتقاد صح، أو لم يصح.

و(جعل) بمعنى اعتقد، وهي مشتركة، ومما فيه خلاف (عد) مذهب الكوفيين أنها من أفعال هذا الباب، وهو اختيار ابن مالك، وأبي الحسين بن أبي الربيع، وقيل هي بمعنى ظن بالتضمين، أو من حسب الشيء وعده مجدًا وسؤددا، وقد حسبه مجدًا وسؤددًا.

وقال ابن هشام: قالت الجماعة لا يصح أن يتعدى (عدّ) إلى اثنين لا لغة، ولا استعمالاً انتهى.

و(هب) غير متصرف ذهب ابن مالك إلى أنها بمعنى ظن ولا تتصرف فلا يستعمل منها ماضٍ، ولا مضارع، ولا اسم فاعل، ولا أمر باللام، ويتصل بها الضمير لمؤنث ومثنى ومجموع.

والذي يفيد اليقين علم وهي مشتركة، ووجد بمعنى علم اليقينية قال تعالى: «وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين».

[ارتشاف الضرب: 4/ 2099]

و(تعلم) قال ابن مالك: بمعنى اعلم، ولا يتصرف، وهو شيء قاله الأعلم، وحكى يعقوب: «تعلمت أن فلانًا خارج»، بمعنى علمت، فالصحيح أنها تتصرف، وتقدم ذلك في الأفعال التي لا تتصرف.

والذي فيه خلاف في هذا القسم: (درى)، ذهب الكوفيون إلى أنها من هذا الباب، وتبعهم ابن مالك، ولم يذكر أصحابنا (درى) فيما يتعدى إلى اثنين، فإن كان سمع ذلك فيها فلعله بالتضمين، والمحفوظ في (درى) أنه يتعدى لواحد بحرف الجر نحو: ما دريت به، ولذلك حين عدى بالهمزة بقى الثاني مصحوبًا بالباء، قال تعالى: «ولا أدراكم به».

والذي يفيد الظن أو اليقين (ظن)، فالمشهور استعمالها في غير المتقين، وهو ترجيح أحد الجائزين، وتستعمل أيضًا قالوا في المتيقن، ومنه: «الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم».

وزعم بعض النحاة أن الظن بمعنى اليقين مجاز، ولا يجوز أن يؤكد إذ ذاك بالمصدر، كما لا يقال: قال الحائط قولاً، وذهب الأستاذ أبو بكر محمد بن ميمون في كتابه المسمى: (نقع الغلل) إلى أن الظن بمعنى العلم غير مشهور في لسان العرب، ولا معول عليه في حكاية من حكاه عن العرب، وتأول ما أوهم ظاهره ورود ذلك، وزعم الفراء أن الظن يكون شكًا ويقينًا، وكذبًا، وأكثر البصريين أن الظن لا يكون كذبًا، إنما يكون عندهم شكًا ويقينًا، ومن الكذب عند الفراء قول

[ارتشاف الضرب: 4/ 2100]

الكفار: (إن نظن إلا ظنا) وعند البصريين هو الشك، وفرق بعضهم بين الشك والظن واليقين، فقال: الشك استواء الأمرين عندك، فإن ترجح أحدهما فظن، أو اعتقدته بدليل فيقين.

وتجيء ظن بمعنى اتهم فيتعدى إلى واحد، وحسب أكثر استعمالها في غير المتيقن كقوله تعالى: «ويحسبون أنهم على شيء» ونقل استعمالها في المتقين، ومنه قول الشاعر:

حسبت التقى والحمد خير تجارة = رباحًا إذا ما المرء أصبح ثاقلا

ومصدر حسب: حسبان، وقد جاءت حسب لازمة قالوا: (حسب الرجل) إذا احمر لونه وابيض كالبرص وكذا إذا كان ذا شقرة، و(خال) يخال وأكثر استعمالها في غير المتقين، وقد تستعمل في معنى علمت، قال الشاعر: (الطويل)

إذا الناس قالوا من فتى خلت أنني = عنيت فلم أكسل ولم أتبلد

ومصدر خال: خيل، وخال، وخيلة، ومخيلة، ومخالة، وخيلان، وخيلولة، والاشتقاق من الخيال، وهو الذي لا يتحقق، ويكون خال أيضًا بمعنى تكبر، وخال الفرس: ظلع ومضارعها يخال، وقيل: تأتي بمعنى نظر، ومضارعها يخيل، قال:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2101 ]

فظلت لدى البيت العتيق أخيله = ... ... ... ... ...

أي انظر إليه، فأما خال يخول بمعنى عهد فمن ذوات الواو.

ورأى بمعنى علم وبمعنى ظن قال: يقال: «إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا» أي يظنونه ونعلمه؛ فإن كانت بمعنى أبصر، أو بمعنى أصاب الرئة، تعدت إلى واحد، وإن كانت بمعنى اعتقد، فمذهب الفارسي أنها تتعدى إلى واحد، ومذهب غيره أنها تتعدى إلى اثنين.

والذي يفيد التحويل: (صير)، و(أصار)، وهما منقولان من صار أخت كان، فقلت: صير بالتضعيف، وأصار بالهمزة، وفي البسيط: إذا كانت صير بمعنى انتقل تعدت إلى واحد بنفسه، وإلى الآخر بحرف الجر نحو: صيرتك إلى موضعك، ومثال تعديها إلى اثنين قوله:

فصيروا مثل كعصف مأكول

وابن مالك هو الذي ذكر أصار بمعنى صير، ولم يذكر شاهدًا، وجعل

[ارتشاف الضرب: 4/ 2102]

بمعنى صير، قال تعالى: «فجعلناه هباء منثورا» وقال تعالى: «وجعلنا ذريته هم الباقين» وقال النابغة الجعدي: (الطويل).

وذو التاج من غسان ينظر جاهدًا = ليجعل فينا جدنا هو أسفلا

فهي في هذا داخلة على المبتدأ والخبر، ولذلك جاء الفصل بينهما، وفي البسيط: وهذه إما تصيير لما له نسبة إليه، أو إلى ما يكون له ذاتًا، أو كالذات فالأول لا بد فيه من أحد حروف النسبة كقوله تعالى: «ويجعلون لله ما يكرهون» والثاني: تصييره في الفعل بالذات نحو: جعلت الطين خزفًا، وقد تدخل فيه من كقوله تعالى: «وجعل منهم القردة والخنازير» أو بالصفة: جعلته عالمًا، وإما في الاعتقاد: «وجعلوا الملائكة الذين هم عبد الرحمن إناثا» وإما في النيابة عن الشيء: جعلت البصرة بغداد، والكتاب خزا، وإما في التسمية: جعلت حسنى قبيحًا، وهي إذا كانت بهذه المعاني لم تؤثر إلا في المفعول الأول، لأنه وقع به ذلك، ولا يستغنى عن الثاني، لأنه كالابتداء والخبر في الأصل، أو ما هو منزل منزلته، انتهى ملخصًا، وفي البديع: وتكون بمعنى ظن كقولهم: «اجعل الأسد ثعلبا واهجم عليه» انتهى.

و(وهب) غير متصرف، حكى ابن الأعرابي: وهبني الله فداك، أي صيرني فداك، و(رد)، قال تعالى: «يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا»

[ارتشاف الضرب: 4/ 2103]

أي يصيرونكم، و(اتخذ) يتعدى إلى اثنين بمعنى صير، قال تعالى: «أفرأيت من اتخذ إلهه هواه»، وإلى واحد قال تعالى: «كمثل العنكبوت اتخذت بيتا» هذا مذهب الفارسي، وذهب ابن برهان إلى أن (اتخذ) لا يتعدى إلى واحد، وأنه لا يعلمها إلا تتعدى إلى اثنين، الثاني فيهما بمعنى الأول. و(تخذ) مثل اتخذ، قال تعالى: «لتخذت عليه أجرا» وقال الشاعر

تخذت غران إثرهم دليلاً = وفروا في الحجاز ليعجزوني

غران اسم جبل انتهى، وفي البسيط: اتخذ يتعدى إلى واحد بمعان: «ما اتخذ الله من ولد»، [و] «لو أردنا أن نتخذ لهوا» واتخذت خاتمًا أي لبست، واتخذت مالاً أي كسبت، ويجمع ذلك كله معنى الملابسة وبمعنى جعل المصيرة «لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء»، والفرق بين تصيير (جعل)، وتصيير (اتخذ) أنه في اتخذ لا يتغير المفعول به تغييرًا في نفسه، ويتعدى إليك منه شيء وفي (جعل) قد لا يلزم أن يكون ذلك فيه، نحو: جعلت الرجل عالمًا، وإذا قلت اتخذته حبيبًا أو صاحبًا عاد عليك منه شيء ولا تقول: اتخذت الطين خزفًا.

و(ترك) فيها خلاف، منهم من قال يتعدى إلى اثنين بمعنى (صير)، ومنهم من قال: لا يتعدى إلا إلى واحد، وإن وجد بعدها منصوب كان حالاً.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2104]

و(أكان) قال ابن مالك: ألحق ابن أفلح بأصار (أكان) المنقول من (كان) بمعنى (صار)، ولا أعلمه مسموعًا انتهى، ولا أدري من ابن أفلح، وزعم جماعة من المتأخرين منهم خطاب الماردي: أنه قد يجوز أن يضمن الفعل الذي يتعدى إلى واحد معنى صير، ويجعل من هذا الباب، فيجوز أن يقال حفرت وسط الدار بئرًا، بمعنى صيرت، قال خطاب: ولا يكون (بئرًا) تمييزًا، لأنه لا يحسن فيه من وكذلك أجاز: بنيت الدار مسجدًا، وقطعت الثوب قميصًا، وقطعت الجلد نعلاً، وصبغت الثوب غماميًا، لأن المعنى فيها صيرت، قال ابن مالك: وألحقوا قال: يعني (العرب) برأي العلمية: الحلمية، قال فأدخلتهما على المبتدأ والخبر ونصبتهما مفعولين، واستدل بما لا يقطع بادعاء ما ادعاه، وتأولناه.

وأما (سمع)، فإن دخلت على مسموع تعدت إلى واحد نحو: سمعت كلام زيد، وإن دخلت على غير مسموع، فمذهب الجمهور أنها تتعدى إلى واحد، ويكون ما بعده حالاً نحو: سمعت زيدًا يتكلم، أي في حال تكلم، وهو على حذف مضاف أي صوت زيد في حال تكلمه.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2105]

وذهب الأخفش، والفارسي إلى أن الثاني في موضع المفعول الثاني وقد يضمن (سمع) معنى أصغى فيتعدى بإلى قال تعالى: «لا يسمعون إلى الملأ الأعلى» وبمعنى استجاب نحو: سمع الله لمن حمده، وأما (ضرب) فذهب قوم إلى أنها بمعنى صير مع المثل، قال تعالى: «أن يضرب مثلاً ما بعوضة» وذهب قوم إلى أنه لا يجوز، وأجاز بعضهم كونها بمعنى صير مع غير المثل في نحو: ضربت الفضة خاتمًا، وضربت الطين خزفًا، وذهب هشام إلى جعل عرف، وأبصر من هذا الباب، وابن درستويه إلى جعل أصاب، وصادف، وغادر، وألفى من هذا الباب، والصحيح أنها ليست من هذا الباب، وقال بعض الناس: يصح أن يكون خلق بمعنى جعل، فيكسبها ذلك قوة التعدي إلى اثنين، فيكون قوله ضعيفًا من قوله تعالى: «وخلق الإنسان ضعيفا» مفعولاً ثانيًا انتهى، ولا أعلم نحويًا ذهب إلى أن خلق يتعدى إلى اثنين فيكون من هذا الباب، وذكر في المفتاح فيما يتعدى إلى اثنين (توهمت، وتيقنت، وشعرت، ودريت، وتبينت، وأصبت، واعتقدت، وتمنيت، وودت، وهب بمعنى حسب) ويحتاج في جعل هذه من الباب إلى صحة نقل عن العرب.

وهذه الأفعال نوعان، قلبية وغير قلبية، فالقلبية تختص بالإلغاء والتعليق، والإلغاء ترك العمل لغير موجب، وحيث يكون الإلغاء والإعمال اختلفوا، فذهب

[ارتشاف الضرب: 4/ 2106]

الجمهور إلى أنك مخير بين الإلغاء والإعمال، وذهب الأخفش إلى أنه ليس على التخيير، وإنما هو لازم إذا ابتدأت، لتخبر بمدلول ذلك الفعل من شك، أو غيره، فتعمل الفعل على كل حال سواء قدمته أو وسطته، أم أخرته؛ فإن ابتدأت، وأردت جعل الخبر في شك، أو غيره ألغيت وابتدأت، وذهب ابن درستويه، وابن كيسان إلى نحو ما ذهب إليه أبو الحسن، لكن إذا وسطت؛ فإن قدمت الاسم لم تلغ، وأعملت الفعل في ضميره، ونصبت ما بعده فقلت: زيدًا ظننته قائمًا، وإن قدمت الخبر، وظهر فيه الرفع، ألغيته أيضًا نحو: قائم ظننت زيدًا، فإن كان مجرورًا، أو جملة أعملت، ونويت في موضع المجرور، والجملة نصبًا نحو: في الدار ظننت زيدًا، وأخوه منطلق ظننت عمرًا، ولا يجوز الرفع عنده هنا وقوله:

... ... ... ... ... = وفي الأراجيز خلت اللؤم والخور

من أقبح الضرورات، وذهب بعض النحويين إلى أنك إذا ابتدأت معتمدًا على ما دل عليه الفعل من شك، أو يقين ألغيت على كل حال سواء وسطت أو أخرت، وإن ابتدأت لا معتمدًا على ذلك، ولم تقدم الفعل كنت مخيرًا، والتفريع على مذهب الجمهور في أن الإلغاء والإعمال على سبيل التخيير فنقول: الفعل إن وقع صدر كلام فلا يجوز عند جمهور البصريين إلا الإعمال، وذهب الأخفش، ومحمد بن الوليد، وأبو بكر الزبيدي، وابن الطراوة، والكوفيون في نقل

[ارتشاف الضرب: 4/ 2107]

أصحابنا عن الكوفيين إلى أنه يجوز الإلغاء والإعمال عندهم أحسن، وعن الفراء كقول جمهور البصريين لا تلغى متقدمة، واختلفوا من هذا الأصل في مسائل:

إحداها: ظننت يقوم زيدًا، وظننت قام زيدًا، ذهب الكوفيون، والأخفش إلى أنه لا يجوز النصب، وأجاز ذلك سائر البصريين.

الثانية: أظن نعم الرجل زيدًا، ووجدت نعم الرجل زيدًا ذهب الفراء إلى جواز ذلك، وهو مقتضى قول البصريين، ولم يجز الكسائي ذلك في أظن، وأجاز ذلك في وجدت.

الثالثة: ظننت قائمًا زيدًا أجازها البصريون، ومنعها الكوفيون إن أردت بقائم الفعل، وإن أردت به الحلف جازت عند أكثرهم، وقال ابن كيسان هي قبيحة.

الرابعة: أظن آكلاً زيدًا طعامك، أجازها البصريون، ومنعها الكوفيون.

الخامسة: طعامك أظن آكلاً زيدًا، أجازها البصريون والكسائي، وقال الكسائي النية فيه: أظن زيدًا آكلاً طعامك، وقال الفراء: لا يجوز، وإن لم تتصدر، وتقدمت على الاسمين نحو: متى ظننت زيدًا منطلقًا، فلم يذكر سيبويه فيه إلا الإعمال، وذكر غيره فيه الإلغاء على قلة على تفصيل في ذلك، وهو إما أن تكون متى معمولة للخبر، فيجوز الإلغاء والإعمال، أو معمولة لظننت فلا يجوز إلا الإعمال، ولو تقدمت على ظننت المتقدمة على الاسمين ما لا يكون معمولاً لا لها ولا للخبر، فالإعمال نحو: أتظن زيدًا منطلقًا، ولا يجوز الإلغاء ولو دخل على ظننت المتقدمة عليهما لام (إن) وجب الإلغاء، وهو مقابلة الصورة التي قبلها، وذلك نحو: إن زيدًا لظننت أبوه منطلق حكاها الأخفش.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2108]

وإن تقدم الاسمان على الفعل نحو: زيد قائم ظننت، أو توسط هو بينهما، نحو: زيد ظننت منطلق، فإما أن تدخل على الاسم لام الابتداء، فيجب في مسألة لام الابتداء الإلغاء نحو: لزيد ظننت منطلق، ولزيد منطلق ظننت أو ينفى الفعل، فيجب في مسألة النفي الإعمال، نحو: زيدًا منطلقًا لما أظن، وزيد لم أظن منطلقًا، أو لا تدخل، ولا ينفي فيجوز الإعمال، والإلغاء نحو: زيدًا ظننت منطلقًا، وزيدًا منطلقًا ظننت، وإن شئت ألغيت فرفعت الاسمين، فأما قوله: (وما إخال لدينا منك تنويل) فالنفي دخل على جملة الابتداء، ثم اعترض (بإخال) فنبى أولاً على نفي التنويل، ثم اعترض بإخال، ولو كان الخبر جملة اسمية، أو جملة شرطية، وتقدمت جملة الابتداء على الفعل نحو: زيد أبوه منطلق ظننت، وزيدًا ظننت أبوه منطلق، وإن تكرمه يكرمك خلت عمرًا جاز الإعمال والإلغاء، وحيث جاز الإعمال والإلغاء، وتوسطت، فقيل الأرجح الإعمال وقيل هما سواء، وإن تأخرت، فالإلغاء أولى عند الجميع.

وللفراء كلام فيه تفصيل وطول، وملخصه أنها إذا توسطت، أو تأخرت جاز الإعمال مع التوسط، وينبغي إذا تأخرت أن تلغى، ولا يقدم على الإعمال إلا بسماع، وإن كان القياس يقتضيه وتقول: زيد ظننت ماله كثير، يجوز فيه الإعمال والإلغاء، وزعم الفراء أن الإلغاء قبيح، وإذا قلت ظننت زيد منطلق، فخرجه سيبويه على حذف لام الابتداء، كأنه قال: لزيد منطلق، وكانت (ظننت) معلقة، والجملة في موضع نصب، وخرجه غيره على إضمار الأمر، كأنه قال: ظننته أي الظن والجملة في موضع المفعول الثاني لظننت، وقد تنازع ابن هشام وابن عصفور في هذا التركيب، فقال ابن عصفور: لا يحفظ إلغاء

[ارتشاف الضرب: 4/ 2109]

ظننت، أو شيء من أخواتها إذا وقعت صدرًا، وقال ابن هشام: جاء عنهم مثل: علمت زيد قائم، وقد علمت أن زيدًا ذاهب، وقد أجاز سيبويه في كتابه على التأويل الذي ذكرناه عنه، وجوازه لا يدل على سماعه، وقد يقع الملغي بين معمولي (إن) نحو قوله:

إن المحب علمت مصطبر = ... ... ... ....

وبين سوف ومصحوبها نحو قوله:

وما أدري وسوف إخال أدري = ... ... ... ... ...

يريد وسوف أدري، وبين متعاطفين نحو قوله:

... ... ... ... ... ... = ولكن دعاك الخبز أحسب والتمر

[ارتشاف الضرب: 4/ 2110]

ومن الإلغاء قول الآخر:

وما خلت يجذبني الشقاق ولا الحذر

برفع الشقاق، وإذا وقع الفعل بين فعل ومرفوع نحو: قام أظن زيد، فالبصريون على جواز الإلغاء والإعمال.

وقال الكوفيون: لا يكون إلا الإلغاء، والاسم مرفوع على الفاعلية لا على الابتداء، وقال بعض المتأخرين: المسألة من باب الإعمال، فلك أن تعمل ظن ولك أن تعمل قام، أو يقوم، وقال ابن هشام: الصحيح ما رآه الكوفيون، وتوكيد الملغي يكون بصريح المصدر. وبضمير المصدر، وبإشارة إلى المصدر، فإذا أكدته بالمصدر غير مضاف إلى ضمير المتكلم نحو: زيد ظننت ظنًا، فهو قبيح أو مضافًا إلى الياء فضعيف، وإن أكدته بضمير المصدر نحو: زيد ظننته قائم، وهو أحسن من تأكيده بصريح المصدر.

وضمير المصدر يكون مفردًا مذكرًا وأجاز هشام، وأصحاب سيبويه تأنيث الضمير نحو: زيد أظنها قائم، أي أظن الظنة، ومنع الفراء تأنيث الضمير إلا مع المؤنث نحو: هند أظنها قائمة، والهاء للظنة، وأجاز هشام تثنية الضمير وجمعه، فتقول: زيد أظنها ذاهبين، أي أظن الظنين، وزيدًا أظن ذاهب، أي أظن الظانات، وأجاز أيضًا: زيد ظان أنا قائم، وزيد أنا ظان قائم، تلغي الظن، وإن كان في جملة اسمية كما تلغيه في جملة فعلية، فإن أراد المصدر جاء بالهاء فقال: زيد ظانه أنك قائم، وإن شاء قال أنا ظانها يريد: الظن، وظانهن يريد: الظانات، وقال الفراء: كلام العرب: زيد ظانًا أنا قائم بالنصب، لأن الظن معلق بالجملة، وقال النحاس: جعل الفراء ظانًا مصدرًا مثل: عائذًا بك أي عوذًا، وفاعل مصدر لا يقاس عليه، والذي أجازه هشام لا يحسن إلا أن يكون من كلامين، فتقول: زيد ظان أنا قائم، أي زيد قائم أنا ظان ذلك، وإن أكدته بإشارة إلى المصدر: زيد

[ارتشاف الضرب: 4/ 2111]

ظننت ذلك منطلق فقد ذكره سيبويه وباتفاق هو أحسن في الإلغاء من لفظ المصدر، عند من يجيز إلغاءه، وهو ظاهر كلام سيبويه أنه أضعف في الإلغاء من الضمير.

وقال الزجاج: الهاء أضعف، وتوكيد الجملة بمصدر الفعل بدلاً من لفظه منصوبًا، فيلغى وجوبًا نحو: زيد منطلق ظنك، وزيد ظنك منطلق ناب ظنك مناب ظننت، ونصبه نصب المصدر المؤكد للجمل فإلغاؤه واجب، فلا يجوز: زيدًا أظنك منطلقًا، ولا يجوز تقديمه، وأجاز ذلك الأخفش إذا ألغيت الظن، ونصبت ظنك بالفعل.

وملخص هذا الكلام في المصدر أنه لا يخلو أن تأتي بالفعل معه أو لا، إن أتيت بالفعل كان مؤكدًا للفعل، ثم الفعل إن كان متقدمًا، فالإعمال نحو: ظننت ظنا زيدًا قائمًا، وسواء أتيت بصريح المصدر أم بضميره أم باسم إشارة إليه، وإن توسط أو تأخر فالفصيح الإعمال، ويجوز الإلغاء، وهو قليل جدًا، فإن أتيت بصريح المصدر كان جائزًا على قبح، أو بالضمير أو اسم الإشارة كان دون صريح المصدر في القبح، وإن لم تأت بالفعل، فإما أن يتقدم المصدر أو يتوسط أو يتأخر ولا يكون إذ ذاك إلا صريح المصدر لا ضميره، ولا اسم إشارة إليه، فإن توسط أو تأخر، فالإلغاء، وهو إذ ذاك بدل من الفعل الملغي فلا يجتمع معه، وإنما يجتمع مع الفعل العامل، ولا يكون بدلاً من الفعل العامل فيعمل لكونه بدلاً منه.

وذهب المبرد، والزجاج، وابن السراج إلى جواز إعماله، فتقول على

[ارتشاف الضرب: 4/ 2112]

مذهبهم: زيدًا ظنك منطلقًا، وزيدًا منطلقًا أظنك فتعمله، لأنه عندهم بدل من الفعل العامل، وإن تقدم فالصحيح أنه لا يجوز التقديم، وأجاز الأخفش وغيره التقديم، واختلف مجيزوه في جواز إعماله، فمنهم من أجاز ذلك فتقول: ظنك زيدًا قائمًا، والصحيح عند أكثر من أجاز التقديم أنه لا يجوز الإعمال، وهذا التفريع كله على مذهب من يرى أنك مجيز في الإلغاء، وتقدم أنه مذهب الجمهور.

وأما على مذهب الأخفش، ففيه ذلك التفصيل السابق، ويقل القبح في (متى ظنك زيد ذاهب) كما يقل في: (متى تظن زيد ذاهب)، ومن أجاز الإعمال في (ظنك زيدًا ذاهبًا) كان عنده هنا أجوز، وتقول: متى ظنك زيدًا ذاهبًا، وممن ذهب إلى إجازة ذلك مع متى ومنعه إذا لم تكن متى ابن عصفور، وإذا كانت متى خبر المصدر ظن نصبت فقلت: متى ظنك زيدًا قائمًا، وأجاز الأخفش، والفراء إعمال المنصوب في الأمر والاستفهام نحو: ظنك زيدًا منطلقًا، وكما تقول: ضربًا زيدًا، وأظنك زيدًا منطلقًا وكما تقول:

أعلاقة أم الوليد ... .... = ... ... ... ... ....

قال صاحب الملخص: وكذا لو وسطت ظنا أو أخرته فالإعمال، ولا يجوز الإلغاء، فإن بنيت الكلام على الإخبار بلا عمل لظن جاز كما تقول: زيد منطلق ظن تريد: ظن هذا موجودًا وتقول: أظنا زيدًا منطلقًا ليس إلا الإعمال، فإن توسطت أو تأخرت جاز الإلغاء والإعمال، كما جاز في الخبر انتهى.

وما ذكر من الإعمال والإلغاء في هذه الأفعال، ذكر ابن مالك أنه لا يكون

[ارتشاف الضرب: 4/ 2113]

الإلغاء فيما كان غير متصرف منها نحو: هب، إن كانت بمعنى ظن، و(تعلم) عند ابن مالك بمعنى (اعلم)، ولم يتعرض من أصحابنا لذكر الإلغاء فيها.

والتعليق هو ترك العمل في اللفظ لا في التقدير لمانع، ويكون ذلك في أفعال القلوب من هذا الباب مطلقًا سواء كان بمعنى العلم أم بمعنى الظن، وذهب ابن كيسان، وثعلب، وحكى عن المبرد إلى أنه لا يعلق منها إلا العلم، ولا يعلق الظن وما كان نحوه، وزعم أبو العلا إدريس أنه رأي سيبويه، وذهب بعض النحاة أنه حسن في (علمت) قبيح في غيرها، والمعلقات استفهام داخل على الجملة نحو: علمت أزيد في الدار أم عمرو، وعلمت أخرج زيد أم قعد، أو اسم ضمن معنى الاستهفام نحو: علمت أيهم قائم، أو مضافًا إليه نحو: غلام أيهم أنت، أو تالي لام ابتداء نحو: علمت لزيد قائم، وظننت لعمرو منطلق، أو (ما) النافية نحو: «لقد علمت ما هؤلاء ينطقون» و(إن) النافية «وتظنون إن لبثتم إلا قليلا» و(إن) وفي خبرها اللام نحو: علمت إن زيدًا لقائم، وشذ المازني فأجاز فتح الهمزة مع اللام، وذكر ابن السراج، والنحاس من المعلقات (لا) نحو: أظن لا يقوم زيد، وذكر ابن مالك فيها (لام القسم) نحو:

ولقد علمت لتأتين منيتي = ... ... ... ...

ولم يذكر أصحابنا (لا)، ولا (لام القسم)، وقال في الغرة: ولا تعلق لام القسم كما تقول: علمت أن زيدًا ليقومن فتفتح أن وفي هذه الجمل التي هي

[ارتشاف الضرب: 4/ 2114]

مصدرة بإن المكسورة، وفي خبرها اللام أو بلام الابتداء أو بلام القسم أو بما النافية أو بلا خلاف.

فمذهب سيبويه والبصريين، وابن كيسان أنها في موضع نصب، وذهب الكوفيون إلى إضمار القسم بين الفعل وبين هذه الجمل، فتكون لا موضع لها من الإعراب، فإن كان مسموعًا عن لسان العرب: علمت لزيد قائم، وعمرًا منطلقًا كما أجازه من أجازه من البصريين، كان حجة على الكوفيين.

وأما (لو) قال الشاعر:

ولقد علم الأقوام لو أن حاتما = يريد ثراء المال أمسى له وفر

فزعم ابن مالك أن (لو) معلقة للفعل، كما علقت لام القسم، وقال بعض أصحابنا: إن هذه الأفعال تضمن معنى القسم، فتتلقى بما يتلقى به القسم، وتعلق إذ ذاك عن العمل، وهذا جنوح لمذهب الكوفيين.

فإذا ضمنت معنى القسم، لم تكن الجمل لها موضع مع الإعراب، وصحح هذا القول ابن عصفور، ولا يعرف النقل عن الكوفيين أن تلك الجملة القسمية التي ادعوا إضمارها قبل تلك الحروف وجوابها في موضع المعمول، ونقل بعض

[ارتشاف الضرب: 4/ 2115]

أصحابنا عن غير معين مضمر بين هذه الأفعال، وهذه الحروف، وأنه وجوابه معمول للفعل، وفي البسيط ما ملخصه: ذهب الخليل وجماعة إلى أنه يعلق بما النافية كالاستفهام، تقول: علمت ما عبد الله قائم، وهو يجوز مع العمل في بعض، والإلغاء عن بعض نحو: علمت زيدًا ما أبوه قائم، فيه خلاف، واختلف المجوزون، فقيل لا يكون إلا في التميمية دون الحجازية، وقيل: يجوز وقيل إن (لا) بمعنى (ما) يجوز أن تعلق نحو: علمت لا رجل في الدار ولا امرأة، وهل تكون فيه (لا) التبرئة ما في الحجازية. انتهى.

وفي كتاب الصفار البطليوسي: الذي يعلق به يعني من الحروف اللام الداخلة على المبتدأ والخبر، واللام المقرونة بإن، واللام الداخلة على الفعل نحو: ليقومن في جواب القسم، و(ما)، و(لا) في جوابه على خلاف في (ما) و(لا) انتهى.

وكنت قد ذكرت في كتاب منهج السالك: أنه ظهر لي من جملة الحروف المعلقة (لعل) ومنه: «وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا» و«ما يدريك لعله يزكى» و«إن أدري لعله فتنة لكم» ورأيت مصب الفعل في هذه الآيات على جملة الترجي، فهو في موضع نصب بالفعل المعلق إلا أني وقعت لأبي علي الفارسي على شيء من هذا، قال: وقد ذكر «وما يدريك لعله يزكى» و«وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا» ما نصه: «والقول في (لعل) وموضعها أنه يجوز أن يكون في موضع نصب، وأن الفعل لما كان بمعنى العلم علق عما بعده، وجاز تعليقه، لأنه مثل الاستفهام في أنه غير خبر، وأن ما بعده منقطع عما قبله ولا يعمل فيه» انتهى ما كتبناه من كلام الفارسي في هذه المسألة، وفي

[ارتشاف الضرب: 4/ 2116]

النهاية: التعليق يكون مع ثلاثة أشياء: لام الابتداء، وما النافية نحو: علمت ما عمرو ذاهب أو ذاهبًا، فإن قلت: علمت ما يقوم زيد لم يكن تعليقًا، لأنه إنما يكون في موضع لو سلط عليه الفعل، لتناول المفعولين فعمل فيهما، وذلك لأنه فعل وفاعل، وعلمت إنما تدخل على المبتدأ والخبر، قال تعالى: «وظنوا ما لهم من محيص» قيل هذا جواب قسم، ويصح أن يكون تعليقًا، وإذا قلت: «علمت ليذهبن عمرو» لم يكن تعليقًا أيضًا لما ذكرناه، والثالث الاستفهام مع الهمزة وأسمائه، ويجوز إذا علقتها بالاستفهام أن توقع بعدها الفعل والفاعل كقولك: علمت متى تذهب كأنك قلت: أغدًا تذهب أم بعد غد، وتقول: لزيد قائم وعمرا جالسًا تعطف على اللام وما بعدها ولا تجعلها داخلة في التلعيق، ولو عطفت على ما بعد اللام رفعت. انتهى.

وذكر النحويون في هذا الباب ما يعلق من أفعال القلوب وغيرها، وليست كل أفعال القلوب يجوز تعليقها، ألا ترى أن أراد، وكره، وأحب، وأبغض من أفعال القلوب ولا تعلق، ومما ذكر فيه التعليق أفعال ليست من أفعال القلوب أنا أذكرها فمنها: (نظر) البصرية، فمذهب ابن عصفور، وابن مالك إلى أنه يجوز تعليقها، وتبعًا في ذلك ابن خروف وقال أستاذنا أبو جعفر بن الزبير لم يذهب أحد إلى تعليق (نظر) غير ابن خروف، وجعل من ذلك قوله تعالى: «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت» قال: ولا يعدى النظر بإلى إلا إذا كان بمعنى

[ارتشاف الضرب: 4/ 2117]

الإبصار، و(أبصر) قال ابن مالك نحو قوله تعالى: «فستبصر ويبصرون بأييكم المفتون» ولا يتعين أن يكون تعليقًا، وسأل هذا كالمتعلق عليه يعلق، قال تعالى: «يسئلون أيان يوم الدين» لما كان السؤال سببًا للعلم أجرى مجرى العلم، وترى في قولهم: أما ترى أي برق هاهنا، ذكره سيبويه، فذهب المازني وتبعه ابن مالك إلى أن (ترى) هنا بصرية، وأما شراح الكتاب فحملوا ذلك على أن ترى بمعنى تعلم، و(تبصر) من قول الشاعر:

تبصر خليلي هل ترى من ظعائن = ... ... ... ... ...

والظاهر أنه من إبصار العين فتبصر فيه من إبصار العين، ومما علق (استنبأ) بمعنى استعلم أي طلب العلم في قوله تعالى: «ويستنبئونك أحق هو» وأما قوله تعالى: «ليبلوكم أيكم أحسن عملا» فجعله ابن مالك تعليقًا، ولا يتعين إذ يجوز أن تكون موصولة بنيت، وحذف صدر صلتها، وأجاز يونس في قوله تعالى:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2118]

«ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد» أنه علق لننزعن وإن لم تكن من أفعال القلوب، ولا من باب النظر ولا السؤال.

ومذهب سيبويه في الآية أنها موصولة بنيت، وحذف صدر صلتها، ومذهب الخليل أنه على سبيل الحكاية بقول محذوف، ومفعول لننزعن محذوف، وذكر ابن مالك تعليق (نسى) واستدل بما لا يفيد التعليق، وإذا تقدم عى الاستفهام أحد المفعولين نحو: علمت زيدًا أبو من هو، فنصب زيد متفق عليه، وهو المختار، واختلفوا في رفعه، فأجاز ذلك سيبويه، ومنع ذلك ابن كيسان ورفعه يمتنع بعد أرأيت بمعنى أخبرني كقولك: أرأيتك زيدًا أبو من هو؟ فنصب زيد متفق عليه، و«أرأيتك عمرًا أعندك هو أم عند فلان»، ولاجملة التي بعد المنصوب في موضع المفعول الثاني، وليست أرأيت معلقه عنها، بل هي كالجملة في «علمت زيدًا أبو من هو». هذا مذهب سيبويه، وزعم ابن كيسان: أن الجملة الاستفهامية في موضع بدل من المنصوب، وزعم كثير من النحاة أن (أرأيت) تعلق كثيرًا، وانتقدوا على سيبويه قوله: إنها لا تعلق، واستدلوا بآيات

[ارتشاف الضرب: 4/ 2119]

من القرآن، وقع فيها ما ظاهره التعليق كقوله تعالى: «قل أرءيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون».

وتأول ذلك من انتصر لمذهب سيبويه، وأرأيت هذه كثيرة الدوران في القرآن وكلام العرب، ونحن نذكر ما وقفنا عليه من أحكامها فنقول: يجوز حذف الهمزة منها وهي عين الكلمة فتقول: أريت، وبه قرأ الكسائي، وتلزم الخطاب، فلا يجوز: أرى زيد عمرًا ما صنع، وجاءت (أرأيت) ليس بعدها منصوب، ولا استفهام بل جملة متصدرة بالفاء كقوله تعالى: «أرءيت إذا أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت»؛ فزعم أبو الحسن: أنها أخرجت عن بابها بالكلية، وضمنت معنى أما أو تنفيه، فالفاء في جواب أرأيت على التضمين المذكور، وزعم أبو الحسن أن العرب لا تحذف معمول أرأيتك التي بمعنى أخبرني حتى تؤكد التاء في (أرأيتك) فتقول: أريتك أنت ما صنعت، وأرأيتك أنت وزيدًا ما صنعتما، وزعم أن هذا التوكيد يقوم مقام المفعول بدليل أنهم يعطفون عليه المنصوب، وزعم أنهم لا يقولون: أرأيتك أنت وزيد، قال: وهذا كله سماع من العرب، وزعم أبو الحسن أن (أرأيت) هذه لا بد بعدها من الاسم المستخبر عنه، وتلزم الجملة التي بعده الاستفهام.

وقد ذكرنا في الشرح الكبير تخريج ما ذكره أبو الحسن على خلاف ما تأوله هو، واعلم أن اسم الاستفهام يبقى على حاله من الإعراب إن رفعا فرفع، وإن نصبا فنصب على ما كان عليه قبل دخول ظننت وأخواتها نحو: علمت أي الناس صديقك، وعلمت أيهم ضربت، وعلمت أي قيام قمت، وعلمت أين خالد، وعلمت متى قام زيد، وعلمت أين ضربت زيدًا، وعلمت كيف ضربت زيدًا، وعلمت غلام أيهم ضربت.

وأصل التعليق عن العمل أن يكون في الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر التي يصح فيها أن تلغى ثم الفعل إن كان مما يتعدى بحرف الجر كـ(تفكر) في قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2120]

... ... ... ... ... = تفكر إياه يعنون أم قردا

فالجملة في موضع نصب على تقدير إسقاط حرف الجر، وإن كان يتعدى إلى واحد، في موضع مفعوله نحو: عرفت أيهم زيد، وذهب ابن السراج، وأبو علي، وابن الباذش، وابن طاهر، وجماعة إلى أنه لا يكون التلعيق إلا فيما جاز إلغاؤه وما عداه فبالحمل عليه.

وذهب السيرافي، وجماعة إلى أنه يجوز في أفعال القلوب مطلقًا سواء أكان مما يلغى، أو مما لا يلغى، فعلى القول الأول يكون فكر، وتفكر، وعرف يتضمن معنى ما يتعدى إلى اثنين، وإن كان يتعدى إلى اثنين سدت الجملة مسد المفعولين.

وإن كان يتعدى إلى واحد، وجاءت بعده جملة الاستفهام فثلاثة مذاهب:

أحدها: أنها في موضع بدل من المنصوب قبلها، وهو مذهب السيرافي، واختيار ابن عصفور قال: وهذا بدل شيء من شيء على حذف مضاف التقدير عرفت قصة زيد، أو أمر زيد أبو من هو، وقال ابن الضائع هو بدل اشتمال.

والثاني: أن الجملة في موضع نصب على الحال، وهو مذهب المبرد، والأعلم وابن خروف.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2121]

والثالث: أن الجملة في موضع المفعول الثاني على تضمين الفعل معنى ما يتعدى إلى اثنين، وهو مذهب أبي علي فيما حكاه عنه ابن جني، وتبعه أبو عبد الله بن أبي العافية، وهذا المذهب جار على ما تقدم ذكره من قول ابن السراج، ومن ذكر معه.

وتختص القلبية من هذا الباب بجواز كون فاعلها ومفعولها ضميرين متصلين متحدي المعنى، وقد يكون الأول مستكنا نحو: ظننتني خارجًا، وأنت ظننتك خارجًا، وزيد أظنه خارجًا.

وفي إجراء القول إذا كان بمعنى الظن مجرى الظن في ذلك نظر فتقول: قلتني قائمًا، ولو ضوعت مكان الضمير الأول النفس فقلت: ظننت نفسك عالمة، فذهب أكثر النحويين إلى أنه لا يجوز ذلك، وذهب ابن كيسان إلى جوازه، ورأى الحلمية والبصرية كذلك كقوله تعالى: «إني أراني أعصر خمرا» وقال:

فلقد أراني للرماح دريئة = ... ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 2122]

ولا يجوز في غير ذلك لا تقول: ضربتني ولا ضربتك، ولا زيد ضربه تريد ضرب نفسه، بل تأتي في مثل هذا بالنفس، وسمع: فقدتني، وعدمتني، ووجدتني وشذ قوله

قد بت أحرسني وحدي ويمنعني = صوت السباع به يضبحن والهام

فقال: أحرسني يريد: أحرس نفسي، وإذا كان الفاعل متصلاً مفسرًا بالمفعول امتنع ذلك في باب ظن، فلا يجوز: زيدًا أظن قائمًا، وفي غير باب ظن: لا تقول زيدًا ضرب، فإن كان منفصلاً جاز في باب ظن، وفي غيره نحو: ما ظن زيدًا قائمًا إلا هو، وما ظن قائمًا إلا إياه، وما ضرب زيدًا إلا هو، وما ضرب زيدًا إلا إياه وهذه مسائل منثورة من هذا الباب، أجاز سيبويه، وأصحابه، والفراء (أظن أنك قائم)، ولم يجيزوا: (أظن قيامك)، وأجاز ذلك الكسائي، إذا قلت أظن أنك قائم فمذهب سيبويه أنه لا حذف فيه.

وذهب أبو الحسن، والمبرد: إلى أن المفعول الثاني محذوف وتقديره مستقرًا، وحكى الفراء: أظن أنك قائم خير لك، وأظن خيرًا لك أنك قائم، وأجاز الكسائي والفراء: أظن أن يذهب زيد، ولا يجوز ذلك عند البصريين إلا بعوض نحو: قد، والسين، وسوف، أظن يذهب زيد يمتنع إلا على مذهب من

[ارتشاف الضرب: 4/ 2123]

مذاهب الفراء في قراءة من قرأ: «ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا» بمعنى أن سبقوا، وحذف (أن) لما عاد الذكر على الفاعلين، والذين في موضع رفع، وشبهه بقوله: يريد يقوم بمعنى: يريد أن يقوم، وظننت زيدًا إنه قائم بكسر (إن) في مذهب البصريين لا غير، وأجازه الكوفيون مع فتح (أن)، وقال ابن كيسان: يجب فتح (أن) على البدل.

وأجاز الفراء حذف حرف الاستفهام مع الشك قال: وتضمره العرب في حروف الشك خاصة، فيقولون: تراك منطلقًا، ونظنك تخرج، وامتنع في ضربت وقتلت وسائر الأفعال، وتابعه قطرب في هذا، وزاد أنه أجز ذلك في غير هذه الأفعال، ومذهب سيبويه أن ذلك لا يجوز، وزعم الأخفش الصغير أن ما أجازه الفراء إنما أخذه من كلام العامة، لأنهم يقولون: ترى ذلك قائمًا؟ فأما عن العرب فلا يعرف.

(لزيد ظننت ظنًا قائم) امتنعت المسألة لا بالرفع، ولا بالنصب إن رفعت جمعت بين متعاقبين، وإن نصبت أدخلت لام الابتداء على الجملة الفعلية، ذكر هذه المسألة صاحب (الملخص) تقول: أظن زيدًا ذاهبًا بحقي باطلاً، بنصب الباطل، وأجاز الفراء رفع الباطل و(زيد)، وجعل ذاهبًا بمعنى أن يذهب، وقال: لا يجوز أظن زيد قائمًا بمعنى أن يقوم، لأن (أن) تكتفي من شيئين، فلا بد من شيئين إذا حذفتها فتقول: ظننت قائمًا أنا، وأظن زيد قائمًا هو. «عبد الله ما علمت عالم» أجمعوا على جوازها، واختلفوا في: عبد الله ما رأيت عالمًا، أو ما ظننت، فمنع ذلك الفراء، وابن كيسان، وأجاز ذلك غيرهما. «أزيد زعمت أنه منطلق»  هذا لا خلاف في جوازه، فإن نصبت زيدًا، فهو خطأ عند البصريين،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2124]

وأجاز ذلك الكسائي، وحكى عن العرب: كم زعمت أنك سائر، ومن زعمت أنك ضارب على أن (كم) و(من) في موضع نصب، وتأوله مخالفوه على أن ذلك في موضع رفع، والتقدير: سائره وضاربه، و(أن) لا تعمل في شيء قبلها، ولا تفسر عاملاً. «كم زعمت أن الحرورية رجلا» حكاه الكسائي على أن (كم) في موضع رفع، وتابعه الأخفش. «ظننته زيد منطلق» لا خلاف في جوازها، فإن قدمت منطلقًا على زيد، فالبصريون يرفعون على التقديم والتأخير، وهو خطأ عن الكوفيين، وتقدمت هذه المسألة في وسط الفصل الرابع من باب المضمر في أوائل شرح التسهيل. «ظننت زيدًا قائمًا ظنًا حسنًا» لا خلاف في جوازها، فلو قلت: ظننت زيدًا ظنا حسنًا قائمًا أجازها البصريون، ومنع ذلك الكوفيون.

«ظننت زيدًا يوم الجمعة قائمًا وظننت زيدًا خلفك قائمًا» إن جعلت الظرف ظرفًا للمفعول جازت بلا خلاف؛ وإن جعلته ظرفًا للظن أجاز ذلك البصريون ومنعه الكوفيون. «ظننت أن زيدًا ظنًا حسنا قائم» لا خلاف في منعها. «طعامك ظننت أن عبد الله آكل» منعها الجمهور، وأجازها الكسائي. «ظننت إن زيدًا قائم» لا يجوز إلا كسر إن عند البصريين، وأجاز ابن كيسان الفتح بدلاً من الهاء، والهاء كناية عن الخبر، كأنك قلت: ظننت ذلك أن زيدًا قائم. «أظن عبد الله مختصمًا وزيد» قال الفراء: وأكثر النحويين لا يجوز في زيد النصب، وأجاز بعضهم على أن يكون مفعولاً معه. «أظن عبد الله مختصمًا فزيد»، أو ثم زيد أو (أو زيد)، لا يجوز شيء من هذا عند الفراء والبصريين، وأجاز الكسائي: أظن عبد الله ثم زيدًا مختصمين، وكذلك الفاء والواو وأنكر الفراء ذلك عليه. «أظن عبد الله وأظن زيدًا مختصمين» أجاز ذلك الفراء على أن تلغى أظن الثانية قال: فإن توهمت التكرار كان محالاً، والقول عند البصريين أنهما واحد. «أنا ظان أن يقوم زيد» وإن شئت حذفت التنوين، وأضفت؛ فإن قلت: أنا ظان أنك

[ارتشاف الضرب: 4/ 2125]

تقوم كل حذف التنوين قبيحًا، قال الفراء: وإن كان في شعر أجزتهما. «أنا ظان أنك لقائم» لم تجز الإضافة، فإن قلت: أنا قائل إنك لقائم، ولتقومن، ولزيد قائم، وما زيد بقائم، جاز حذف التنوين، والإضافة. «أخواك مظنونان أن يذهبا» قال الفراء: هي خطأ، وهذا جائز على مذهب البصريين، غير أن الأجود أن يقال: أخواك يظن أن يذهبا، وأخواك مظنون أن يذهبا، أي: مظنون ذهابهما، فإن قلت: مظنونان أن يذهبا كانت (أن) بدلاً من الضمير في مظنونان. قول العرب: عرفت أيهم في الدار، عرفت تقتضي حصول المعرفة، وأيهم في الدار استعلام من في الدار، وهذا الكلام يدافع أوله آخره، إذ حصول المعرفة ينافي طلبها، وهذا استفهام في الصورة ليس باستفهام في الحقيقة.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2126]

فصل

أصل القول إذا دخل على الجمل أن تحكى على حالها، كانت الجملة اسمية أو فعلية، فإذا كانت اسمية جاز أن تحكى، وجاز إن كانت مما تدخل عليه ظن أن تجرى مجرى الظن في العلم بلا شرط عند سليم فتقول: قال زيد عمرًا منطلقًا كما تقول: ظن زيد عمرًا منطلقًا، ويجوز أن تجرى مجرى الظن عند أكثر العرب بشروط:

أحدها: أن يكون مضارعًا، وأجاز السيرافي إجراءه مجرى الظن ماضيًا بباقي الشروط التي ستأتي، فتقول: أقلت زيدًا منطلقًا؟ وسيبويه لم يستثن إلا القول، فيظهر منه اختصاصه بالمضارع، وزعم الكوفيون أن الأمر من القول للمخاطب يجرى مجرى الظن في لغة غير سليم، كما يجرون المضارع مجراه، إذا اجتمعت الشروط التي في المضارع ومنه:

ومن ينازعها فقله (قد فلج)

أي فظنها، وقال الفراء: لم أر العرب أوقعت القول بالنصب في شيء من الفعل إلا في التاء، خاطبت بها أو أمرت فإنهم لا يقولون: أتقول زيدًا منطلقًا.

الشرط الثاني: أن يكون المضارع لخطاب نحو: أتقول، فإن كان مسندًا لغائب ظاهر، أو مضمر، أو متكلم فالحكاية على لغة سليم.

الشرط الثالث: أن يكون بعد استفهام بأي أداة، كان الاستفهام كالهمزة ومتى وغيرهما.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2127]

الشرط الرابع: أن تتصل الأداة بتقول، أو تنفصل بظرف، أو مجرور أو أحد المفعولين، أو حال مما يكون معمولاً لـ(أتقول)، فإن فصلت بما ليس بمعمول وهو الأجنبي نحو: أأنت تقول زيد منطلق، لم يجر مجرى الظن، وكانت الحكاية واجبة، ولم يجز في زيد إلا الرفع، وهذا على مذهب سيبويه، وأجاز الكوفيون وسائر البصريين فيه النصب.

الشرط الخامس: ذكره ابن مالك وهو أن تكون للحاضر، وفسره هو بأن يكون للحال، ولم يشترط أصحابنا هذا الشرط، بل إطلاقهم يدل على أنه يجوز أن يكون للحال وللاستقبال.

الشرط السادس: نبه عليه السهيلي وهو ألا يكون الفعل عدي باللام لمعمول نحو: أتقول لزيد عمرو منطلق، فلا يجوز إلا الحكاية، وهنا مسألة تجمع فيها الشروط ولا تعمل أتقول النصب، ذكرها خطاب، قال ولو قال قائل: إن هذا يقول زيد منطلق، فسألته عن تصحيح ما يحكى عنه رفعت أبدًا، وذلك قولك: أتقول زيد منطلق، والمعنى هل أمرك كما بلغني أنك تقول زيد منطلق، وذكر أبو القاسم الثمانيني: أنه لغة لبعض العرب يعملون القول إعمال الظن بشرط

[ارتشاف الضرب: 4/ 2128]

الاستفهام فقط، كان للمخاطب أو للغائب، وفي النهاية أن بعضهم ألغى الاستفهام فتقول: تقول زيدًا منطلقًا، فتبقى الشروط الثلاثة، ومن أجرى القول مجرى الظن جوز في الظن من كون الفاعل والمفعول كشيء واحد، ومن الإلغاء والتعليق. انتهى.

وإذا وقعت (إن) بعد القول الذي يقتضي القياس أن من أعمله إعمال الظن أن يفتحها كما يفتحها بعد الظن، ومن أجاز الحكاية بعد أتقول يكسرها كما يكسرها بعد القول، عاريًا من شرط الإعمال، واختلف نقل النحاة عن العرب في ذلك، فحكى البصريون فتحها في لغة سليم، وغيرها، وحكى الكوفيون أنها تفتح في لغة سليم، وتكسر في لغة غيرهم، ومذهب الجمهور، واختيار أبي الفتح أنه لا يعمل عمل الظن حتى يضمن معنى الظن في اللغة السليمية، وغيرها، فإن لم يضمن معنى الظن لم يعمل أصلاً، ولا تفتح (أن) بعده، وذهب الأعلم، وابن خروف، وصاحب البسيط: إلى أن القول قد يجرى في العمل مجرى الظن دون معناه وتجوز الحكاية، وإن اجتمعت الشروط فتقول: أتقول زيد منطلق، وكذا في لغة سليم، ليس العمل عندهم متحتمًا بل جائزًا، ولا يلحق في الحكاية بالقول ما في معناها كالدعاء، والنداء، والوصية، والقراءة نحو: «ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا»، و«دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه» فهذا وما أشبه عند البصريين على إضمار القول، وقال الكوفيون: هي وأمثالها محكية بالنداء والدعاء وما أشبه ذلك.

واختار ابن عصفور مذهب الكوفيين، وقد يضاف قول وقائل إلى الكلام

[ارتشاف الضرب: 4/ 2129]

المحكي، وذلك أن قولاً مصدر يضاف إلى مفعوله إذا كان مقدرًا بحرف مصدري والفعل، كقوله:

قول يا للرجال ينهض منا = مسرعين الكهول والشبانا

وقائل اسم فاعل فحيث يجوز إضافة اسم فاعل نحو إضافته كقوله:

فأجبت قائل كيف أنت بصالح = حتى مللت وملني عوادي

وقد يغني القول عن المحكي في صلة نحو قوله:

لم يا عمرو لم تعذ بالذي قلـ = ـت فتلقاه إذا خذلت نصيرا

تقديره قلت: إني أعوذ به، أو قلت: إنك عائذ به، وإذا دخل القول على مفرد، فإن كان مفردًا في اللفظ لا في التقدير حكى على حسب ما يكون فيه من الإعراب نحو قوله:

إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة = ... ... ... ....

يروى برفع طعم فالتقدير: طعمه طعم مدامة، وبالنصب فالتقدير: ذقت طعم مدامة، وإن كان مفردًا في اللفظ، والتقدير مصدرًا عمل فيه النصب نحو: قال زيد قولاً، واسمًا لجملة نحو: قال زيد حقًا، وقال باطلاً، فقيل: انتصب على أنه نعت لمصدر محذوف، وقيل: نصب المفعول به، وإذا قلت: قال فلانة شعرًا، أو قال خطبة فقيل: فينتصب نصب المصدر النوعي نحو: رجع القهقرى، وقيل نصب المفعول به.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2130]

وإن كن مفردًا أريد به مجرد اللفظ نحو: قال زيد كلمة، وقال زيد عمرًا؛ فذهب الزجاجي، والزمخشري، وابن خروف، وتبعهم ابن مالك إلى جواز إعمال القول فيه، وذهب غيرهم إلى أنه لا يجوز، ولا يحفظ من كلامهم، قال زيد ضرب، ولا قال ليت، ولا قال عمرًا؛ وإنما يقع القول في كلامهم لحكاية الجملة، والأصل أن تحكى كما سمعت، فإذا قال زيد: عمرو منطلق، أو انطلقت قلت قال زيد: عمرو منطلق، أو قال زيد: انطلقت. ويجوز أن تحكى على المعنى بإجماع فتقول قال زيد منطلق عمرو والمنطلق عمرو؛ فإن كانت الجملة ملحونة حكيتها على المعنى بإجماع فتقول في قول زيد: عمرو منطلق، وقام زيد، قال زيد عمرو منطلق، وقام زيد بالرفع في عمرو وزيد.

واختلفوا في حكايتها على لحنها فمجوز ومانع، وإذا حكيت كلام متكلم عن نفسه نحو قول زيد: انطلقت، فلك أن تحكيه بلفظه من غير تغيير فتقول: قال فلان انطلقت، ويجوز أن تقول: قال فلان: انطلق أو أنه انطلق، أو أنه منطلق، ومن غريب النقل أن القول قد يجيء في كلام العرب صلة للكلام، ولا قول هناك حقيقة تقول الفصحاء من العرب: قال الحائط فسقط، وقالت النخلة فتحركت، وقد يقول الفصيح من العرب: قلت بعينه فبخصتها، وقلت بحقه فمطلت، وقلت بزيد فأكرمته، وإذا رأيت في خاتمه مكتوبًا جعفرًا، وعلقت به فعلا يتعلق به كقرأت، ورأيت، ولمحت، ونحوها مما يتعلق باللفظ أو بالكناية نحو: كتب؛ فإن كان قد قيل بالشكل رفعًا أضمرت له رافعًا أو نصبًا أضمرت له ناصبًا على حسب ما يناسب صاحب ذلك الخاتم، وصارت الجملة المقدر فيه الرافع،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2131]

أو الناصب، محكية بذلك الفعل، كأنه في الرفع صاحبه أي صاحب الخاتم جعفرا، وجعفر صاحبه، وفي النصب: اقصدا جعفرًا كما أنشدوا:

وأصفر من ضرب دار الملو = ك يلوح على وجهه جعفرا

أي اقصدوا جعفرا أسند يلوح إلى الجملة، وهو فاعل بيلوح ويجيء الحال من هذه الجملة المقدرة فتقول: قرأت في خاتمه منقوشًا جعفرًا مكتوبًا باعتبار الكلام، ومكتوبة باعتبار الجملة فتذكر وتؤنث، وإن كان المنقوش في الخاتم صورة والفعل مما يتعلق بالصورة، كرأيت فإنك تعرف وتصفه بما يناسب أن يكون وصفًا للصورة المنقوشة، وتقول رأيت في خاتمه أسدًا مفتوح الفم، ونظرت في خاتمه إلى أسد مفتوح الفم، ولا يوصف بوصف حقيقي كأبخر.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2132]

باب الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل

وهي أعلم، وأرى المنقولان من علم. ورأى بمعناهما المتعديين فتقول: أعلم زيد عمرًا كبشك سمينًا، وكذلك أرى، وهذان الفعلان مجمع على تعديتهما إلى ثلاثة وزاد سيبويه (نبأ)، وقال ابن هشام: (وأنبأ).

وذكر الفارسي، والجرجاني هذه الأربعة، وزاد الفراء: أخبر، وخبر، وزاد الكوفيون: حدث قالوا: ولم يحفظ عن العرب ما يتعدى إلى ثلاثة غيرها، ولم يذكر المتقدمون من البصريين: أخبر، وخبر، وحدث، وقد ذكرهما جماعة من المتأخرين كـ(الزمخشري)، وأكثر أصحابنا، وذكر الحريري: (علم) المتعدية بالتضعيف المنقولة من علم المتعدية إلى اثنين، وذكر ابن مالك (أدرى) في نحو قوله تعالى: «وما أدراك ما يوم الدين» قال: أدري بمعنى أعلم، وقال ابن هشام اللخمي: أدري يتعدى إلى ثلاثة، وزاد الأخفش قياسًا، واختاره ابن السراج أظن، وأحسب، وأخال، وأزعم، وأوجد، وزاد بعضهم (رأى) الحلمية، واختاره ابن مالك، وقال سماعًا كقوله تعالى: «إذ يريكهم الله في منامك قليلاً».

[ارتشاف الضرب: 4/ 2133]

وزاد ابن هشام اللخمي: (عرف)، و(أشعر) المنقولين من عرف، وشعر المتعديين إلى اثنين، وزاد عبد القاهر: استعطيت زيدًا عمرًا درهمًا، وقال في النهاية: «ولا يبعد أن يقول: أكسيت زيدًا عمرًا ثوبًا أي جعلته يكسوه إلا أنهم لم يذكروا النقل إلا فيما يتعدى إلى اثنين من باب ظننت».

فأما (أنبأ) و(نبأ)، فقال ابن ولاد: يستعملان على أصلهما فتقول: أنبأته عن كذا وبكذا، وكذا (أنبأ) قال: وتستعمل (أعلم) استعمالهما فتقول: أعلمت زيدًا بأمرك وعن خبرك، وقال صاحب اللباب: وذهب بعضهم إلى أن (أنبأ) تتعدى إلى اثنين بنفسها كقوله تعالى: «من أنبأك هذا».

وقال الأستاذ أبو علي بالثلاثة التي ذكرها سيبويها وهي: (أعلم، وأرى، ونبأ) وقال في (أنبأ)، وأخبر، وخبر، وحدث: الأصل تعديتها بحرف الجر؛ فإن سمع تعديتها إلى ثلاثة فاتساع إلى ثلاثة، وزعم أن (حدث) إنما سمعوا تعديتها إلى ثلاثة في قوله: (الخفيف).

أو منعتم ما تسألون فمن حد = ثتموه له علينا الولاء

ولا دليل فيه، لأنه إنما وصل بالتضمين، وأما (علم) في قول الحريري، فالذي ذكر أصحابنا أن (علم) المتعدية إلى اثنين لم تنقل إلا بالهمزة، وأن علم المتعدية إلى واحد لم تنقل إلا بالتضعيف ليفرق بذلك بين المعنيين، ولم توجد متعدية إلى ثلاثة في لسان العرب.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2134]

وأما (أدرى)، فمنقولة بالهمزة من (درى) المتعدية بحرف الجر، فتتعدى إلى واحد، وإلى آخر بحرف الجر كقوله تعالى: «ولا أدراكم به».

وأما (أرى) الحلمية، فمبني على أن (رأى) الحلمية تتعدى إلى اثنين، ولا يصح بل ما ادعى أنه مفعول ثان، أو ثالث منصوب على الحال، وما يتعدى إلى ثلاثة يجوز حذفها اختصارًا، أو حذف اثنين منها اختصارًا، أو حذف كل منهما اختصارًا.

وأما الحذف اقتصارًا، فإن كان الأول، فذهب المبرد، وابن السراج، وابن كيسان، وخطاب الماردي، والأكثرون إلى أنه يجوز حذفه اقتصارًا، ويجوز أن يقتصر عليه، وتحذف المفعولين الأخيرين فتقول: أعلمت كبشك سمينًا، ولا تذكر من أعلمت، وأعلمت زيدًا، ولا تذكر ما أعلمته، وروى هاذ عن المازني. وأجاز الجرمي: الاقتصار على الأول دون الأخيرين، وذهب سيبويه إلى أنه لا يجوز أن يقتصر عنه ولا عليه، وهو قول ابن الباذش، وابن طاهر، وابن خروف، والأستاذ أبي علي، وابن عصفور، ونقل عن الأستاذ أبي علي أيضًا أنه لا يجوز أن يقتصر على الأول، فتقول: أعلمت زيدًا ولا عليه وعلى أحد الآخرين، ويجوز الاقتصار على الآخرين، وحذف الأول، وهذان المفعولان الأخيران أصلهما المبتدأ والخبر، واختلفوا في إلغاء الفعل عنهما، فيرجعان إلى أصلهما من المبتدأ والخبر، فذهب قوم إلى جواز الإلغاء سواء بني الفعل للفاعل، أم بني للمفعول، وهو

[ارتشاف الضرب: 4/ 2135]

اختيار ابن مالك.

وذهب قوم إلى المنع مطلقًا، وهو قول الأستاذ أبي علي، وتبعه صاحب البسيط، وابن أبي الربيع، وعبد العزيز بن زيد بن جمعه من معاصرينا من نحاة بغداد، وفصل أبو بكر خطاب، وتعبه الجزولي، فقال: إن كانت مبنية للفاعل فلا يجوز إلغاؤها، وإن كانت مبنية للمفعول جاز  إلغاؤها، قال خطاب: زيد (نبئت) عالم وأخوك أعلمت، ففيه ألغيت للتوسط، وإن شئت أعملت، وقال زيد: أنبأت عمرًا خير الناس أعلمت ولا يجوز إلغاؤها توسطت أو تأخرت.

وأما التعليق على المفعولين، فذهب أكثر النحويين إلى أنه لا يجوز، وهو اختيار ابن أبي الربيع، وابن جمعه، وذهب بعضهم إلى جوازه، وهو اختيار صاحب البسيط، وابن مالك.

وإذا بنيت هذه الأفعال للمفعول صارت كـ(ظننت) فتقول: أعلمت زيدًا قائمًا، وحدثت عمرًا منطلقًا، والخلاف، والتقسيم، الذي في مفعولي ظننت بالنسبة إلى الحذف اقتصارًا واختصارًا، جاز هنا.

وتسد (أن)، و(إن)، مسد المفعولين بنيت للفاعل أو للمفعول كما سدتا في ظننت، ولا يتصل ضمير الشأن بأعلمت كما يتصل بظننت، ومما جاء مبنيًا للمفعول ولم يبن للفاعل (أرى) بمعنى أظن تقول: أريت زيدًا قائمًا أي ظننت،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2136]

فهو مسند من فعل مبني للفاعل، لم ينطق به أيضًا بأظننت التي أريت بمعناها، وحكم المضارع حكم الماضي في ذلك، فتقول: أرى زيدًا ذاهبًا، ونرى زيدًا ذاهبًا، فمفعولها الأول لا يكون إلا ضمير متكلم أو ضمير مخاطب نحو قولهم: «كما ترى الحرورية رجلا». ويصل هذا الفعل إلى نصب الضمير المتصل مع أنه رافع الضمير، وهو تقول أراني سائرًا ومتى نراك سائرًا، ومتى تريانكما سائرين، ومتى ترونكم سائرين، ومتى ترينك سائرة، ومتى تريانكما سائرتين، ومتى ترينكن سائرات.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2137]

باب التنازع

ويسمى أيضًا باب الإعمال اقتضى عاملين، أو ثلاثة من الفعل، أو شبهه، مقتضى، لم يمنع مانع لفظي من العمل فيه، والتقديم في المقتضى هو أكثري لا شرط خلافًا لمن اشترط التقديم، فقد أجاز الفارسي توسطه.

وقد ذكر بعض أصحابنا تقدم المعمول نحو: أي رجل ضربت، أو شتمت فعلى هذا لا يكون التقدم في المقتضى شرطًا، والعامل قد يكون جيء به للتوكيد نحو: قام قام زيد و:

هيهات هيهات العقيق = ... ... ... ... ...

فأجاز فيه الإعمال الفارسي، وتبعه الجرجاني، وأبو الحسن بن أبي الربيع فقال الفارسي: ارتفع (العقيق) بهيهات الثانية، وأضمرت في الأول أو بالأولى، وأضمرت في الثانية، وقال أبو الحسن: قام قام زيد، «زيد» فاعل بالثاني، وفاعل الأول مضمر كأنه من باب الإعمال، أو يقال: إن زيدًا فاعل بـ(قام) الأول، والثاني لا يحتاج إلى مسند إليه، إذ لم يؤت به، لذلك إنما جيء به للتوكيد قال: وهذا الوجه الثاني حسن.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2139]

وشرط كون المقتضى لغير توكيد ابن مالك، وصاحب البسيط، والاقتضاء أعم من الاقتضاء باتفاق الإعراب، واختلافه، وشرط ابن عصفور في المقتضى التصرف، فعلى هذا لا يجوز في فعلي التعجب، والكثير أن يكون المقتضى عاملين، وقد يكون ثلاثة نحو:

سئلت فلم تبخل ولم تعط سائلاً = ... ... ... ... ...

وشبه الفعل هو اسم الفاعل واسم المفعول واسم الفعل والمقتضى أعم من أن يكون أجنبيًا أو سببيًا، فإن كان سببيًا فإما أن يكون مرفوعًا أو غير مرفوع إن كان غير مرفوع لم يمتنع التنازع نحو: زيد أكرم وأفضل أباه، وإن كان مرفوعًا نحو: زيد قام، وقعد أبوه، وزيد قائم وقاعد أبوه، فذهب بعض النحويين إلى أنه لا يكون في هذا التنازع، وبه قال ابن خروف، وابن مالك، ولم يذكره معظم النحويين، ولا شرطوه، وقال الأستاذ أبو علي: وليس منه

... ... ... ... ... = وعزة ممطول معنى غريمها

و(غريمها) مبتدأ، وكذا قال ابن السيد: الوجه عندي أن يكون (غريمها)

[ارتشاف الضرب: 4/ 2140]

مبتدأ، و(ممطول) خبر مقدم، و(معنى) صفة له، وقد خرجه بعضهم على الإعمال، ومنهم الفارسي، فتحصل أن المسألة فيها خلاف، وقلنا: لم يمنع مانع إلى آخره، لأنه لا يكفي الاقتضاء حتى لا يكون يمنع من العمل مانع لفظي نحو قوله

كأنهن خوافي أجدل قرم = ولي ليسبقه كالأمعز الخرب

فهذا من إعمال الأول ولا يجوز أن يكون من إعمال الثاني، لأن (الخرب) حينئذ يكون مفسرًا للضمير الذي في (ولى)، ولام (كي) تمنعه أن يتخطاها إلى تفسيره، فإنه لا يتقدم ما بعدها عليها، فكذلك لا يفسر ما بعدها ما قبلها، لأن المفسر نائب مناب المفسر، فكأنما قد تقدم ما بعدها عليها، وهذا الاقتضاء من جهة المعنى أقوى ما يكون بحرف العطف، ولذلك يمتنع: ضربني ضربته زيد لأنه لا رابط، ويجوز الإعمال في قوله تعالى: «آتوني أفرغ عليه قطرا» إذ العامل الثاني جواب الأول، فهو مرتبط به، وإذا كان الاقتضاء على ما شرطناه عمل في المقتضى واحد من العاملين، لا كلاهما خلافًا للفراء، في زعمه أن في مثل: قام وقعد زيد العامل هو كلا الفعلين.

فلو كان العطف بـ(أو) أو غيرها، مما لا يجمع بين الشيئين لم يجز أن يشترك العاملان في العمل نحو: قام أو قعد زيد، وصار من باب الإعمال، وعلى الإعمال خرجوا قوله:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2141]

وهل يرجع التسليم أو يكشف العنا = ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع

ولا خلاف بين البصريين والكوفيين في جواز إعمال السابق والمجاور، واختار الكوفيون إعمال السابق، واختار البصريون إعمال المجاور، ونقل سيبويه يدل على أن إعمال الثاني هو الكثير في كلام العرب، وأن إعمال الأول قليل قال ابن مالك، ومع قلته لا يكاد يوجد إلا في الشعر بخلاف إعمال الثاني، فإنه كثير الاستعمال في النثر والنظم، وقد تضمنه القرآن في مواضع كثيرة انتهى.

وإذا أعملت الثاني؛ فإما أن يكون الأول طالب مرفوع، أو منصوب أو مجرور، إن كان (طالب) منصوب، أو مجرور نحو: ضربت وضربني زيد، ومررت ومر بي زيد، فأجاز ذلك بعض النحويين، ولا يضمر في الأول، وهو مذهب أصحابنا والأكثرين ومن النحويين من يضمر فيقول: ضربته، وضربني زيد، ومررت به ومر بي زيد، ومنع من جواز إضماره الكوفيون، وخص أصحابنا إضماره بالشعر ما لم

[ارتشاف الضرب: 4/ 2142]

يلبس بحذفه، أو يكون طالب النصب من باب [غير] ظن، فإن ألبس أبرز الضمير نحو: استعنت به، واستعان على زيد وملت إليه، ومال عني زيد، وإن كان من باب ظن، فثلاثة مذاهب: إضماره قبل الذكر نحو: ظننته وظننت زيدًا قائمًا، أو مؤخرًا نحو: ظننتني وظننت زيدًا قائمًا إياه.

وزعم ابن الطراوة: أن الإضمار في باب ظن لا يجوز، فمنع ما أدى إليه من مسائل ظن، إذ ليس للمضمر تفسير يعود عليه، فالضمير متصلاً أو منفصلاً عائد على قائم، وليس إياه، وتقدمه إلى مثله الكسائي، فمنع: ظننت وظننته زيدًا قائمًا والذي ينبغي أن يتبع في ذلك السماع.

فإن كانت العرب استعملت مثل هذا الإضمار اتبع، وإلا توقف في إجازة ذلك، وإن كان طالب مرفوع فمذاهب.

أحدها: أنه يضمر قبل الذكر، فيستكن في فعل الواحد، ويبرز في التثنية والجمع فتقول: ضربني وضربت زيدًا، وضربتني وضربت هندًا، وضرباني وضربت الزيدين وضربتاني وضربت الهندين، وضربوني، وضربت الزيدين، وضربنني وضربت الهندات، وهذا مذهب سيبويه والبصريين، وحكى أبو زيد، وسيبويه وغيرهما ضربوني وضربت قومك.

وذهب محمد بن الوليد إلى أنه ليس إضمارًا قبل الذكر والتقدير عنده في نحو: ضربوني، وضربت قومك: ضربت قومك وضربوني: فالضمير المتقدم لفظًا هو منوى به التأخير؛ فأما ما قاله سيبويه من نحو: ضربني وضربت قومك، فقال: جائز، وهو قبيح أن تجعل اللفظ كالواحد قال: كأنك قلت ضربني (من) ثم وضربت قومك، وترك ذلك أجود وأحسن، وهو رديء في القياس.

المذهب الثاني: مذهب الكسائي في مشهور ما نقل عنه، وهشام

[ارتشاف الضرب: 4/ 2143]

وتابعهما من أصحابنا أبو زيد السهيلي، وأبو جعفر بن مضاء صاحب كتاب (المشرق في النحو) أن الفاعل محذوف لا يضمر، وقد نقل عن الكسائي أنه مضمر مستتر في الفعل، مفرد في الأحوال كلها، وأن ما نقله البصريون عن الكسائي أنه يحذف الفاعل لا يصح.

المذهب الثالث: أن مثل هذا التركيب باطل، لأنه يؤدي إلى الإضمار قبل الذكر، أو إلى الحذف للفاعل، وهو مذهب الفراء، ويجب على مذهبه إعمال الأول في هذه المسألة، وعن الفراء أيضًا أن مثل: ضربني وضربت زيدًا يقصره على السماع، ولا يجعله قياسًا، وعنه أيضًا أن إصلاح هذه المسألة أن يعمل الأول أو يضمر الفاعل بعد الجملة المعطوفة فنقول: ضربني وضربت زيدًا هو، وضربت الزيدين هما.

وذهب أبو ذر مصعب بن أبي بكر، فيما أدى إلى الإضمار أو الحذف، إلى اختيار إعمال الأول دون إعمال الثاني، وإذا أعملت الأول فإما أن يكون الثاني طالب مرفوع، أو منصوب، أو مجرور، إن كان (طالب) منصوب أو مجرور، فالمنقول عن البصريين والكوفيين جواز الحذف على اختلاف بينهم، قال في المقنع تقول: ضربني وضربتهم قومك هذا لا خلاف فيها، فإن قلت: ضربني وضربت قومك جاز عند الكوفيين على قول من قال: زيد ضربت، وهو عند البصريين جيد حسن على الحذف، وزيد ضربت قبيح جدًا.

وفي الإفصاح: مذهب أبي علي إضمار معمول الثاني، ومذهب السيرافي جواز حذفه جوازًا مطردًا، وإن كان طالب مرفوع نحو: ضربت وضربني زيدًا أضمرت، ويبرز الضمير في التثنية والجمع فتقول: ضربت، وضرباني الزيدين، وضربت وضربوني الزيدين، وضربت وضربنني الهندات، فيطابق الضمير في إعمال الأول، وفي إعمال الثاني في مذهب سيبويه إذا كان (طالب) مرفوع؛ فإن أدت مطابقته إلى مخالفة خبر، ومخبر عنه، فالإظهار مثاله: ظناني منطلقًا، وظننت

[ارتشاف الضرب: 4/ 2144]

الزيدين منطلقين، وظننت، وظناني قائمًا، الزيدين قائمين، ولا يجيز المبرد إلا هذا، وهو إظهار كل معمول لطالبه، وتخرج المسألة أن تكون من باب التنازع، وأجاز الكوفيون هذا الوجه، وأجازوا وجهين آخرين.

أحدهما: حذف الضمير فتقول: ظناني وظننت الزيدين قائمين، وظننت، وظناني الزيدين قائمين إياه، حذف قائمًا لدلالة (قائمين) عليه.

والوجه الآخر: أن تضمره مؤخرًا مطابقًا للمخبر عنه، نحو: ظننت وظناني الزيدين قائمين إياه، وظناني وظننت الزيدين قائمين إياه، وأجاز بعض أصحاب أبي العباس إضماره متقدمًا فتقول: ظننت وظنني إياه أخويك منطلقين، وإن طابق في باب ظن قلت: ظننت وظننته زيدًا قائمًا، أو ظننت وظنني إياه زيدًا قائمًا، ولا يجوز حذف الضمير عند البصريين، ويجوز عند الكوفيين.

وفي البسيط: إذا أعمل الأول ترجح إعمال الثاني في جميع معمولاته، ولك حينئذ أن تقدم منها ما شئت منفصلاً، كما تقدم منها ما لم يتنازعوا فيه تقول: ضرب زيد، وزيدًا ضرب خالدًا على معنى: ضرب زيد خالدًا، وضرب خالد زيدًا، وقد يجوز الاشتغال فيه فترفع وتقول: ضرب زيد، وزيد ضربه خالد وكذلك تقول: ضربت وإياه ضرب عمرو خالدًا، والأحسن أن يبقى المفعول الذي لم يتنازع في موضعه.

وإن كان العامل الثاني قدمته للأول، ولا تؤخره فتقول: ظناني شاخصًا، وظننت الزيدين شاخصين، ولك أن تؤخر لكنه قبيح، وإن أعملت الأول جاز تقديمه وتأخيره كقولك: ظنني وظننتهما شاخصين الزيدان شاخصًا، وفي الثاني: يقبح الفصل فلا يؤخر معموله فلا يقول: ظنني وظننتهما الزيدان شاخصًا شاخصين وفي الجمع كذلك نحو: ظنني وظننتهم شاخصين الزيدون شاخصًا انتهى.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2145]

وفي كون التنازع فيه أكثر من واحد خلاف، ذهب الجرمي إلى أنه لا يكون فيما يتعدى إلى ثلاثة، ولم يسمع عن العرب ذلك لا في نثر، ولا في نظم، وأجاز ذلك الجمهور والمازني، وجماعة وعن الجرمي أيضًا أن التنازع لا يكون فيما يطلب اثنين والصحيح جواز ذلك، ففي كتاب سيبويه حكاية عن العرب: «متى رأيت أو قلت زيدًا منطلقًا» على إعمال رأيت وحذف مطلوب قلت، وزيد منطلق على طلب قلت، وقال المبرد: لو أعمل الأول لقال أو قلت: هو هو زيدًا منطلقًا.

وإذا تنازع ثلاثة، وهو أكثر ما سمع في هذا الباب، وزعم ابن خروف، وتبعه ابن مالك أنه يكون العمل للثالث، ويلغى الأول والثاني، وادعى ابن خروف أنه استقرى ذلك في الكلام فوجده مثل ما قال، واستقراؤه استقراء ناقص، وقد جاء إعمال الأول، والإضمار في الثاني، والثالث كقول أبي الأسود الدؤلي:

كساك ولم تستكسه فاشكرن له = أخ لك يعطيك الجزيل وناصر

أعمل (كساك)، ورفع به (أخ)، وأضمر في الثاني في قوله: ولم تستكسه.

وفي الثالث: في له، وحكى بعض أصحابنا انعقاد الإجماع على جواز إعمال الأول والثاني والثالث، قبل أن يختلف ابن خروف وابن مالك، قيل: لكن يحفظ سماعًا في إعمال الثاني، وإلغاء الأول والثالث، لكن نص على الإجماع في جوازه.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2146]

وقال بعض أصحابنا: إن البصريين يختارون إعمال الآخر، وإن الكوفيين يختارون إعمال الأول، وسكتوا عن إعمال الأوسط، وهذا النقل معارض بالإجماع على أنه يجوز: وتقول: ضربني وضربت ومربي زيد؛ فإن أعملت (مربى) أضمرت فاعلاً في ضربني، وأبرزت ضمير المفعول في ضربت فقلت: وضربته، وإن أعملت ضربني أضمرت الفاعل في (ومربى)، والمفعول في (ضربت) فقلت: وضربته.

وإن أعملت الثاني، لكونه أسبق من الثالث نصبت زيدًا، وأضمرت في ضربني وفي (مربى) على مذهب سيبويه، وحذفت على مذهب الكسائي، وامتنعت المسألة على مذهب الفراء، إلا أن تؤخر الضمير على ما نقل بعضهم عنه في إصلاح المسألة بتأخير الضمير عن المفسر، فعلى هذا القياس تقول: ضربني وضربت، ومربى زيدًا هو هو، فيكون (هو) الأول فاعلاً (بضربني)، والثاني فاعلاً بـت(مربى)، والتأنيث، والتثنية والجمع يجرى هذا المجرى، وإذا جوزنا التنازع في باب أعلم قلت: في إعمال الأول: أعلمني وأعلمته إياه إياه زيدًا عمرًا قائمًا.

وفي إعمال الثاني: أعلمني وأعلمت زيدًا عمرًا قائمًا إياه إياه، هذا على قول من لم يجز الاقتصار على المفعول الأول، ومن أجاز تقول في إعمال الأول: أعلمني، وأعلمته زيدًا عمرًا قائمًا، وفي إعمال الثاني: أعلمني وأعلمت زيدًا عمرًا قائمًا وكذلك إن قدمت أعلمت على أعلمني، يجوز فيه التفريع على المذهبين فتقول: في إعمال الأول على رأي من لا يقتصر: أعلمت وأعلمني إياه إياه زيدًا عمرًا قائمًا، وفي إعمال الثاني أعلمت وأعلمني زيد عمرًا قائمًا إياه إياه إياه وفي إعمال الأول على رأي من يقتصر أعلمت وأعلمني زيدًا عمرًا قائمًا وفي إعمال الثاني: أعلمت وأعلمني زيدًا عمرًا قائمًا إياه، وقال أبو زكريا يحيى بن معط: (إن

[ارتشاف الضرب: 4/ 2147]

أعملت الأول قلت: أعلمت وأنبأتهما إياهما منطلقين الزيدين العمرين منطلقين ليس لك إلا ذلك، لاستغراق الضمير حالتي الاتصال والانفصال، فلم يبق للثالث إلا إعادته، ثم قال بعد ألا ترى أنك لو قلت في باب المخالفة: أعلمت، وأعلمني زيد عمرًا شاخصًا، وقعت المنازعة في ثلاثة، وتبين ذلك أن تعمل الأول فتقول: أعلمت وأعلمته زيدًا بكرًا شاخصًا، فلم تقع المنازعة في معمول واحد، بل في ثلاثة انتهى.

وإذا كان العامل من الفعل لا يتصرف، ولم يجز فيه الإعمال فلا يكون في (حبذا) ولا في نعم، وبئس لو قلت: نعم في الحضر، وبئس في السفر الرجل زيد لم يجز. واختلفوا في فعل التعجب، فأجاز ذلك المبرد وقال في كتاب المدخل له: وتقول: ما أحسن وأجمل زيدًا إذا نصبه (بأجمل)؛ فإن نصبته بأحسن قلت: ما أحسن وأجمله زيدًا، وإلى مذهب المبرد ذهب صاحب (المحلى) في النحو، وهو أبو غانم المظفر بن أحمد.

وذهب بعض النحويين إلى أنه لا يجوز التنازع في فعل التعجب، وقال ابن مالك: والصحيح عندي جوازه، لكن بشرط إعمال الثاني قال وكذلك: أحسن وأعقل بزيد قال: ويجوز على أصل مذهب الفراء: «أحسن وأعقل بزيد» على أن تكون الباء متعلقة (بأحسن) و(أعقل) معًا انتهى.

وقالت العرب: ما قام وقعد إلا زيد، ويقاس على هذا التركيب، فزعم بعضهم أنه ليس من باب الإعمال، وأنه من باب الحذف، وأنه على تأويل ما قام أحد، ولا قعد إلا زيد، وفاعل (قعد) ضمير أحد المقدر، ولذلك لا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث، وإن كان ما بعد إلا مثنى، أو مجموعًا، أو مؤنثًا قيل وإلا زيد، بدل من (أحد) المحذوف أو من الضمير، وزعم بعض النحويين أنه من باب الإعمال، وقال

[ارتشاف الضرب: 4/ 2148]

بعض أصحابنا: ما قام وقعد إلا أنت، لا يكون من الباب على مذهب سيبويه، لأن الفاعل هنا لا يصح إضماره، ولا يجيز حذف الفاعل، ويكون من الباب على مذهبي الكسائي والفراء، ففي مذهب الكسائي على الحذف للفاعل، وعلى مذهب الفراء لارتفاعه بالفعلين معًا.

والمتنازعان لا بد أن يكون الأول يجوز الفصل بينه وبين معموله بالعامل الثاني، فإن لم يجز الفصل أصلاً لم يجز التنازع كالمضافين فلا تقول: رأيت غلامًا، وضاربًا زيدًا تريد: غلام زيد، وضاربًا، والمعمول في التنازع فاعل ومفعول خاص أو عام الفاعل لا يتنازعه فعلا متكلم، ولا مخاطب، ولا مختلط منهما، وفعلا الغائب يتنازعان، وما اتصل بهما من المفعولات لا يقع فيهما التنازع، ولا يتنازع فعلا متكلم ومخاطب الفاعل إلا في صورة الغائب عند الفصل نحو: ما قام ولا قعد إلا أنا وأنت، ولا ضمير المفعول إلا بالفصل نحو: ما أكرم، ولا أعز إلا إياي، وما نكرم ولا نعز إلا إياك، ولا يكون هذا للاختلاط بينهما، وبين الغائب لاختلاط الفاعل.

وأما المفعول به الصريح فينازعه ثلاثة أصناف، والمختلط منها وما تنازع منها الفاعل، جاز ذلك فيه وفي المفعول معًا، نحو: ضرب وأكرم زيد عمرًا، فإن كان أحدهما متعديًا، والآخر لازمًا جاز أن يفصل بينهما نحو: قام وأكرم عمرا زيد، فيجوز رفع (زيد) بالأول وبالثاني؛ فلو قلت: قام وأكرم زيد عمرًا، فقيل يتعين الثاني وقيل: لا يتعين، وفي معنى ذلك إذا بنيا للمفعول، أو أحدهما والمجرور يتنازعه الثلاثة، والمختلط، فإن كان لأحدهما فظاهر نحو: ضربت ومررت بزيد، وإن كان لكل واختلفا في الحرف نحو: انفصلت ومررت بزيد، أو اتفقا واتفقا في المعنى نحو قولك: صلى الله وبارك على محمد، أو اختلفا فيه نحو: قمت وذهبت بزيد تريد: قمت بسبب زيد، فلا يجوز إلا إن فهم من قوة الكلام كقولك: أطعمتك، ووهبتك لله، وما يتعدى إلى مفعول واحد يتعدى إلى اثنين، ومع الفاعل

[ارتشاف الضرب: 4/ 2149]

نحو ضرب، وأعطى ثوبًا عبد الله عمرًا، ولو قدمت الفاعل لتعين الثاني، وباب ظننت مع باب أعطيت، إذا كان معفولاهما شخصين نحو: أعطيت وظننت سالمًا صبيحًا، قيل يتنازعان، وقيل يبعد إذ أحدهما خبر، والآخر غير خبر كما لا يكون أحد المتنازعين خبرًا والآخر دعاء نحو: غفر الله، ووهبتك لزيد، ويبعد التنازع بين ضرب وكان لعدم المناسبة نحو: ضرب زيد وكان عمرو أخاك.

مسائل من هذا الباب:

أعطيت وأعطاني أخوك درهمين: مفعولا أعطيت يجوز الاقتصار على كل واحد منهما، فهل يجوز أن يكون الأول معملاً بالنسبة إلى درهمين، فتنصب الدرهمين به، وملغى بالنسبة إلى الفاعل الذي هو أخوك، ويكون الثاني معملاً بالنسبة إلى الفاعل، وملغى بالنسبة إلى الدرهمين، فتكون قد حذفت مفعول الأول الأول ومفعول الثاني. اختلف في ذلك، فذهب الكوفيون إلى جواز ذلك، وذهب البصريون إلى أنه خطأ. كلمت وكلمني أخوك كلمتين، هي من مباداة ما قبلها فـ(عند) البصريين لا يجوز أن ينتصب كلمتين إلا بالفعل الثاني، ويجوز عند الكوفيين النصب بالفعل الأول إذا كانت في آخر الكلام، وهو خطأ عند البصريين فإن قلت: كلمته أو كلمني كلمتين أخوك، فجئت بكلمتين متوسطة، فلا اختلاف بني النحويين في أن تنصب (كلتمين) بالثاني لا غير.

(متى رأيت وقلت زيدًا منطلقًا) النصب بالأول، وتحذف من الثاني ولا تضمر فيه، وإن أعملت الثاني وهو (قلت) رفعت الجزأين على الحكاية، وحذفت مفعولي رأيت هذا مذهب سيبويه، وزعم المبرد أنك تقولك على إعمال الأول متى رأيت أو قلت: هو هو زيدًا قائمًا، وضربت وضربني زيد أعملت الثاني فحذفت من الأول، والأصل: ضربت زيدًا وضربني زيد، ولا يجوز الأصل

[ارتشاف الضرب: 4/ 2150]

إلا على قلة نحو قوله:

يمنعها شيخ يجذبه الشيب = لا يحذر الريب إذا خيف الريب

وكلام العرب على الإعمال، وأجاز بعض النحويين تأخير المفعولين بعد المرفوع وذلك على إعمال الفعلين في الاسمين الظاهرين فتقول: ضربت وضربني قومك قومك، تريد: ضربت قومك، وضربني قومك، والشائع في لسان العرب حذف مفعول الأول، ولا يؤتى به ظاهرًا، فضربت، وضربوني قومك، أجاز سيبويه رفع (قومك) على أنه فاعل، والواو علامة جمع، وعلى أن يكون بدلاً من المضمر، واستقبح هذا الوجه الفارسي.

وأجاز سيبويه أيضًا: ضربوني وضربتهم قومك، بنصب (قومك) على البدل من ضمير (ضربتهم)، فيكون البدل قد فسر ضميرين: أحدهما: مرفوع، وهو الواو في (ضربوني)، والآخر منصوب، وهو الهاء في (ضربتهم) وهذا غريب جدًا أن يفسر واحد ضميرين متقدمين عليه في الذكر، ولا يوجد هذا في الضمائر التي يفسرها ما بعدها، وينبغي التوقف في إجازة مثل هذا حتى يسمع من العرب. تكلم سيبويه على الوجوه الجائزة في المسألتين اللتين يدور عليهما الباب وهما ضربت وضربني وضربني وضربت، فأما الأولى، فأجاز فيهما خمسة أوجه، فعلى إعمال الثاني: الرفع من ثلاثة أوجه على الفاعل بـ(ضربني)، وهو الظاهر، وعلى البدل من الضمير المستكن في (ضربني) والجمع والتثنية على هذين الوجهين، والثالث على أن الواو والألف والنون علامة، والاسم بعدها هو الفاعل، وعلى إعمال الأول وجهان:

أحدهما: مطابقة الضمير في ضربني المنصوب بعده.

والثاني: أن لا يطابق في الجمع، وأما المسألة الثانية فعلى إعمال الثاني وجهان.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2151]

أحدهما: أن يضمر في ضربني ما يطابق المفسر، وينصب ما بعد ضربت.

الثاني: أن تسلط (ضربت) على ضمير مطابق للمفسر مع نصب المفسر مع مطابقة الضمير في ضربني، وعلى إعمال الأول الرفع من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن تضمر في (ضربت) مطابقًا للمفسر، ويرفع ما بعد ذلك الضمير بـ(ضربني).

الثاني: أن تحذف ذلك الضمير المنصوب من الوجه الذي قبله.

الثالث: أن تضمر في (ضربني) مطابقًا للمفسر، والظاهر المرفوع المفسر بدل من ذلك الضمير، أو فاعل والألف والواو، والنون، علامات التثنية والجمع قال امرؤ القيس:

فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة = كفاني ولم أطلق قليل من المال

ذهب الكوفيون، وجمهور البصريين إلى أنه ليس من الإعمال لاختلاف المقتضى لأن (لم أطلب) لا يقضتي القليل، بل مفعوله محذوف، وهو معطوف على جواب لو فلو اقتضى القليل لفسد المعنى.

وذهب بعض البصريين إلى أنه من باب الإعمال، وأنه معطوف على جواب (لو) والتقدير: لو سعيت لأدنى معيشة لم أطلب قليلاً من المال، لأن (قليلاً من المال) يمكنني دون طلب، ولأكد لحصول القليل عندي، فلا أحتاج إلى تطلبه، وذهب الأستاذ أبو ذر مصعب بن أبي بكر الخشني، والأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن ملكون، والأستاذ أبو علي الشلوبين إلى أنه من الإعمال قالوا: لا يكون (ولم أطلب) معطوفًا على جواب (لو)، وهو (كفاني) بل يكون على استئناف الجملة، أي: وأنا لم أطلب قليلاً من المال، وتكون معطوفة على الجملة المنعقدة من (لو) وجوابها قال النابغة:

ردت عليه أقاصيه ولبده = ضرب الوليدة بالمسحاة في التأد

[ارتشاف الضرب: 4/ 2152]

ويروى (بضم راء ردت) ولا إشكال، وبفتح الراء، فخرجه شيخونا على الإعمال، فالعامل الأول هو (ردت)، والعامل الثاني هو المصدر المضاف إلى الفاعل، وهو الوليدة أعمل الثاني، وأضمر في الأول، وتقديره قبل هذا التركيب: ردت الوليدة عليه أقاصيه ولبده ضربها: أي ضرب الوليدة إياه، والتنازع في مثل هذا التركيب غريب.

ويجوز التنازع في الظرف فتقول في إعمال الثاني: سرت وذهبت اليوم، وفي إعمال الأول: سرت وذهبت فيه اليوم، وفي المصدر إن أعملت الثاني قلت: إن تضرب زيدًا أضربك ضربًا شديدًا، وإن أعملت الأول قلت: إن تضرب زيدًا أضربك ضربًا شديدًا، ولا تنازع في الحال لأنها لا تضمر.

وزعم ابن معط أنه يجوز التنازع فيها، ولكن تقول في مثل: إن تزرني ألقك راكبًا على إعمال الأول: إن تزرني أزرك في هذه الحال، راكبًا على معنى إن تزرني راكبًا ألقك في هذه الحال، ولا يجوز الكناية عنها. والأجود إعادة لفظ الحال كالأول انتهى.

وأجاز بعض النحاة التنازع في (لعل) و(عسى) تقول: لعل وعسى يريد أن يخرج على إعمال الثاني، ولو أعمل الأول لقال: لعل وعسى زيدًا خارج، وأجاز السيرافي تنازع المصدرين في قوله:

أرواح مودع أم بكور = أنت فانظر لأي ذاك تصير

ومنع بعض النحاة التنازع في المضمر، وأجازه أكثرهم، وفي النهاية:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2153]

لا تنازع في المفعول له، ولا الحال، ولا التمييز، ولا في الحرفين وتقول في المفعول معه: (قمت وسرت وعمرًا) إن أعملت فيه (سرت)، وإن أعملت قمت قلت: قمت وسرت وإياه وعمرًا، ويصح تنازع اسمي الفعل نحو: نزال، ومناع زيدًا إذا أعملت الثاني، فإن أعملت الأول قلت: نزال ومناعه زيدًا، ولا يصح تنازع المصدرين، فإذا قلت: سرني إكرامك وزيارتك زيدًا وجب نصب زيدًا بالثاني، ولا يجوز بالأول للفصل بين المصدر ومعموله انتهى. فإن كان المصدر في معنى الأمر، أو في معنى الخبر فينبغي أن يجوز الإعمال بأيهما أردت.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2154]

باب المحمول على فعل واجب الإضمار

المنصوبات على ثلاثة أقسام: قسم ينتصب بفعل واجب الإضمار، وذلك كل فعل إذا أضمرته لم يكن على إضماره دليل من لفظ متقدم (أو بساط حال)، وقسم ينتصب بجائز الإضمار، وهو ما على إضماره دليل، وقسم ينتصب بواجب الإضمار، وهذا على قسمين: قسم مبوب له في النحو، وهو باب الاشتغال، وباب النداء، وباب الاختصاص، وباب التحذير والإغراء، وقسم غير مبوب له، وهو قد ذكر في أبواب متفرقة، والمقصود هنا جمع ما تفرق، فمنه (امرأ ونفسه)، و(شأنك والحج)، و(رأسه والحائط)، فالأول بإضمار (دع)، والثاني به، وبواسطة الواو على معنى (مع)، و(أهلك والليل) أي بادر أهلك، أو بادر الليل، أو بادر أهلك قبل الليل، وويحه وأخاه، ينتصب (وأخاه) على ما ينتصب عليه (ويحه) وسيأتي، و(شأنك وزيدًا) وما أنت وزيدًا، أي ما شأنك وملابسة زيدًا، وما أنت وملابسة زيدًا.

والمصادر الموضوعة موضع فعل الأمر تنصب بفعل من لفظها، وما وضع من الفعل موضع فعل الدعاء وهي: سقيا ورعيا، وخيبة، وجوعًا، وعقرا، وسحقًا وبعدًا، وأفة، وتفة، ودفرًا، وتعسًا، وتبًا، وبهرًا.

مما له فعل من لفظه انتصب به، وما لا فمن معناه: ونوعًا لا يستعمل إلا تابعًا

[ارتشاف الضرب: 4/ 2155]

لـ(جوعًا) وتربا وجندلاً، وفاهًا لفيك على معنى الدعاء أي جعل الله في (فيه) تربا، ووضع في (فيه) جندلا أي أماته الله، وجعل الله فم الداهية لفيه، و«هنيئًا مريئًا» صفتان منصوبتان بمضمر على الحال.

وإذا قلت لمن هو في حال تنعم: هنيئًا لك، فكأنك قلت: أدام الله لك من النعيم ما أنت فيه هنيئًا، وكذلك مريئًا، ولا تستعمل إلا بعد (هنيئًا) وقيل يستعمل وحده ولا يحفظ ذلك، وسبحان الله، وريحانه بفعل من معناهما لا من لفظهما، ومعنى سبحان: تنزيهًا، وريحانه: استرزاقه، ومعاذ الله بلفظ فعله أي أعوذ بالله معاذًا، وعمرك الله أي أسألك ببقاء الله، وهو مصدر من عمر على حذف الزيادة، يعني تعميرًا أي سألك بعمر الله أي ببقائه، وقعدك الله معناه حفظك الله بفعل من معناه، وويحه، وويله وعوله، وويسه، وويبه بأفعال من معناها، ومعنى ويحه وويسه: رحمة له، ومعنى ويبه وويله: حسرة له، وعوله اتباع لويله، ولا يستعمل بغير (ويله)، وقيل استعمل من ويل، وويح، وويس أفعال فهي منصوبة بوال، وواح، وواس، وما استدل به قيل مصنوع، ولا يعلم قائل البيت الذي استدل به.

حنانيك، ولبيك، وسعديك، وهذاذيك، ودواليك، ومعنى (سعديك) إجابة بعد إجابة أي إسعادًا لأمرك بعد إسعاد، و(لبيك): لزومًا لطاعتك من ألب بالمكان أقام به، ولزم تنصب بفعل من معناها، وهذه المصادر مثناة بلا خلاف إلا لبيك، فمذهب سيبويه أنه تثنية لب، ومذهب يونس أنه مفرد والتثنية هنا

[ارتشاف الضرب: 4/ 2156]

للتكثير لا لشفع الواحد أي تحننا بعد تحنن، وكذلك باقيها، وليست الكاف حرف خطاب، فتحذف النون لشبه الإضافة خلافًا للأعلم. لك الشاء شاة بدرهم ناب المجرور عن الفعل والمعنى: مستقرًا لك الشاء، أخذته بدرهم فزائدًا أو بدرهم فصاعًا أي فزاد الثمن صاعدًا فهو في موضع الحال. كرمًا وصلفًا أي أكرم كرمًا وأصلف صلفًا، كل مصدر أو صفة بعد أما، فيشترط أن لا يكون بعد (أما) ما يعمل فيه.

فأما (أما سمينًا فسمين) فبفعل مضمر، وهو ما في (أما) من معنى الفعل، وانتصب مصدرًا في موضع الحال في لغة الحجاز، ولذلك إذا دخلت عليه (أل) رفعوه، ومفعول من أجله في لغة تميم، ولذلك إذا عرفوه بقى منصوبًا، ويقال: أما علما فما أعلمه، وأما علما فلا علم له، وذلك بفعل مضمر.

المصادر التشبيهات إن أريد بالأول الفعل الذي هو عجلا لا إخراج الصوت، انتصب ما بعده به، وليس من هذا الباب، وإن أريد به الصفة، وأردت بالثاني الفعل، انتصب بفعل من لفظه أي يصوت صوت حمار، وإن أردت به الصفة لا المصدر، فبإضمار فعل من غير لفظه أي يخرجه صوت حمار. من أنت زيدًا أي تذكر زيدًا، و(كليهما وتمرًا) يستعمل لمن خير بين شيئين، فطلبهما جميعًا أي أعطني كليهما، وزدني تمرًا، و(هذا ولا زعماتك) أي (ولا أزعم زعماتك) أي هذا هو الحق، ونعمة عين، ونعام عين، ونعمى عين، وكرامة ومسرة، أسماء وضعت موضع المصادر، تنصب بمضمر من لفظها أي أنعم به عينك

[ارتشاف الضرب: 4/ 2157]

إنعامًا، وأسرك به مسرة وأكرمك كرامة، ولا كيدًا ولا همًا ولا غما ولا رغما، أي لا أفعل كيدًا، ولا أكيده كيدًا أي لا أقاربه وأي لا أهم به همًا، ولا أرغمك به رغمًا، ولا أغمك به غمًا، أتميميًا مرة وقيسيًا أخرى أي أتتحول، (أعور وذا ناب) أي أتستقبلون يقال لإنكار الجمع بين قبيحين.

كل اسم ينتصب بمضمر على معنى الأمر قد تقدم النهي عن ضده، وهي: انته أمرًا [قاصدًا و(وراءك أوسع لك) و«انتهوا خيرًا لكم» أي: وأت أمرًا قاصدًا] وأت، أوسع لك من ورائك، وأتوا خيرًا لكم، وأجاز الفراء أن يكون (خيرًا) صفة لمصدر محذوف أي انتهاء خيرًا لكم.

المصادر الموضوعة موضع الخبر في المبالغة، ما أنت إلا سيرًا أي تسير سيرًا وما أنت إلا شرب الإبل، أي تشرب شرب الإبل، ومرحبًا، وأهلاً، وسهلاً أي صادفت رحبًا، وسعة، وأهلاً، أي من يقوم لك مقام أهلك وصادفت لينا، وخفضا لا حزنا، سبحوا قدوسا رب الملائكة والروح، أي ذكرت سبوحا أي مبرأ منزها مما ينسبه إليه الملحدون، وذكرت قدوسا أي مقدسا مطهرًا، إن تأتني فأهلي الليل والنهار، أي تجد من يقوم مقام أهلك في النهار والليل. (كل شيء ولا هذا) وكل شيء ولا شتيمة حر أي ائت ل شيء ولا تأت هذا، أقرب كل شيء ولا تقرب شتيمة حر.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2158]

(ديار فلانة) أي اذكر. أقائمًا وقعد قعد الناس، وأقاعدًا وقد سار الركب وعائذًا بالله، وبابه من الأسماء الموضوعة موضع الفعل في الخبر، وذلك موقوف على السماع وفيه وجهان:

أحدهما: أن يكون حالاً مؤكدة نابت مناب الفعل العامل فيها، والآخر أن تكون مصادر نحو: العاقبة والعافية، فتكون بمنزلة أقيامًا وأقعودا، وأدخل أبو القاسم الزجاجي في هذا الباب ما ليس منه، فمن ذلك حمدًا وشكرًا، وغفرانك وسعة، ورحبًا، وهي من قبيل ما انتصب بفعل يجوز إظهاره وإضماره وكذلك كلمته مشافهة، ولقيته فجاءة، وكفاحًا، ولقيته عيانًا، وقتلته صبرًا، وأتيته ركضًا، وعدوا ومشيًا.

فمن راعى أن هذه المصادر منتصبة بأفعال مضمرة، جعلها من هذا الباب، ومن راعي أن العامل فيها هو هذا الفعل الظاهر لم يجعلها من هذا الباب وفي هذا الضرب من المصادر القائمة مقال الحال خلاف، مذهب سيبويه قصرها على السماع، ومذهب المبرد القياس فيها إذا كان الفعل دالاً على المصدر.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2159]

باب الاشتغال

ينتصب الاسم السابق المفتقر لما بعده، بعامل يفسره العامل في ضميره، أو ملابسه لفظًا، أو معنى بحيث لولا اشتغاله لعمل في ذلك الاسم، فلو تأخر الاسم نحو: ضربته زيدًا، أو لم يفتقر لما بعده نحو: زيد في الدار فأكرمه لم يدخل في هذا الباب.

والعامل في الضمير، أو في الملابس فعل متصرف أو اسم فاعل، أو اسم مفعول، أو جمع سالم لمذكر ولمؤنث، لا اسم فعل، ولا صفة مشبهة، ولا فعل جامد، وقد أجاز ذلك سيبويه في ليس فقال: أزيدًا لست مثله، ومنع ذلك غيره.

وحكى ابن كيسان في كتاب الحقائق: أن بعض الكوفيين، والمازني لا يجيزون دخول (ليس)، ولا كان في باب الاشتغال، ولا يجيزون أزيدًا لست مثله، ولا عمرًا كنت مثله، وأن المبرد لا يجيز ذلك في (ليس) انتهى.

وفي دخول جمع التكسير في هذا الباب خلاف، وفي المصدر العامل ثلاثة مذاهب:

أحدها: دخوله في هذا الباب، سواء كان منحلاً لحرف مصدري، أو كان في باب الأمر والاستفهام فتقول: زيدًا ضربته قائمًا، وأما زيدًا فضربًا إياه، وأزيدًا ضربًا أخاه. وفي كتاب النقد لابن الحاج: الكوفيون يجيزون الاشتغال في المصدر نحو: كان جزائي زيدًا أن أضربه، وكذلك زيدًا ضربته قائمًا. انتهى.

الثاني: أنه لا يدخل في هذا الباب والاسم السابق يجب رفعه على الابتداء.

الثالث: التفصيل، فلا يدخل إذا كان منحلاً، وإن كان بدلاً دخل، وأجاز المبرد أن يعمل فيما قبله إذا كان نكرة غير موصوفة، فيجوز أن يفسر عاملاً.

وقال ابن خروف: إذا كان بدلاً من فعله فسر، ولا يعمل فيما تقدم، ومثال عمله في الضمير: زيدًا ضربته، ومثاله في اسم الفاعل: زيدًا أنا ضاربه.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2161]

ومثاله في اسم المفعول: زيدًا لا درهم معطى إياه، ومثاله في جمع السلامة: زيدًا أنتم ضاربوه، وزيدًا أنت ضارباته، ومثال جمع التكسير في مذهب من أجازه: زيدًا أنتم ضرابه وزيدًا أنتن ضواربه.

ومثال ما ينصب من حيث المعنى: زيدًا مررت به، أي لا بست زيدًا مررت به، وألفيت زيدًا مررت به.

والسببي أحد خمسة أشياء: مضافًا للضمير نحو: زيدًا ضربت أخاه، أو مشتملاً عليه صفته نحو: هندًا ضربت رجلاً يبغضها، أو صلته نحو: زيدًا ضربت الذي يهينه، أو معطوف عليه عطف بيان نحو: زيدًا ضربت عمرًا أخاه، أو عطف نسق بالواو نحو: زيدًا ضربت عمرًا وأخاه، والمضاف إلى واحد من هذه الخمسة كالمضاف إليه، والبدل، والعطف بغير الواو، ولا يكون سببًا هذا هو المشهور، وأجاز قوم العطف بـ(ثم) وبـ(أو)، فأجازوا ضربت عمرًا ثم أخاه، وضربت زيدًا أو أخاه، ولو أعيد العامل فقيل ضربت زيدًا، وضربت أخاه لم يكن ذلك سببًا: إلا إن نوى بإعادته التوكيد.

وقد جاء الربط بتكرار الاسم، وذلك في الشعر نحو قولك: زيدًا لقيت زيدًا فأكرمه، وقياس قول الكسائي في اسم الفعل أن يدخل هذا الباب فتقول: زيدًا ضرابه، وزيدًا عليكه.

ويجب الرفع على الابتداء في صور:

إحداها: أن يكون العامل موصولا نحو: زيد أنا الضاربه، وأذكر أن تلد ناقتك أحب إليك أم أنثى؟

الثانية: أن يكون العامل صفة نحو: لا رجل تحبه يهان.

الثالثة: أن يكون مضافًا إليه نحو: زيد يوم تراه يفرح.

الرابعة: أن يكون شرطًا نحو: زيد إن تزره يمنن عليك، ومن أجاز تقديم

[ارتشاف الضرب: 4/ 2162]

معول فعل الشرط اعلى أداة الشرط نحو: زيدًا إن تكرمه يكرمك أجاز أن يدخل ذلك في الاشتغال فتقول: زيدًا إن تكرمه يكرمك، ومن زعم أن تقديم معمول الشرط على الأداة لا يجوز بلا خلاف فهو واهم، فأما معمول الجواب ففي تقديمه على فعل الجواب وحده مذاهب: المنع قول الجمهور: فلا يجوز أن تقول: زيدًا أخاه أكرم، والثاني الجواز مطلقًا، وهو مذهب الكسائي، والثالث التفصيل بين أن يكون ظرفًا أو مجرورًا فيجوز تقديمه، أو غيرهما فلا يجوز، وهو مذهب الفراء، وعلى هذه المذاهب يبنى جواز الاشتغال ومنعه.

والصورة الخامسة: أن يسند العامل إلى ضمير الاسم السابق، وهو ضمير متصل نحو: أهند ظننتها قائمة، أي ظننت نفسها، فلو انفصل الضمير جاز أن يكون من باب الاشتغال نحو: هند لم نظنها قائمة إلا هي.

السادسة: أن يلي الفعل أداة الاستثناء نحو: ما زيد إلا يضربه عمرو.

السابعة: أن يليه معلق نحو: زيد كيف وجدته، وزيد ما أضربه، وزيد أي أضربه، والدرهم لمعطيكه عمرو، فإن كان يلي (لا) فمرتب على الخلاف في جواز تقديم معمول ما بعد لا عليها، فمن جوز ذلك أجازه في الاشتغال: فتقول زيدًا لا أضربه.

الثامنة: أن يلي لام القسم نحو: زيد لأضربنه، هو مبني على الخلاف في جواز زيدًا لأضربن، فمن أجاز ذلك أجاز هنا فقال: زيدًا لأضربنه.

التاسعة: أن يليه حرف ناسخ نحو: زيد ليتني ألقاه.

العاشرة: أن يلي (كم) الخبرية: زيد كم لقيته.

الحادية عشرة: أن يليه أداة تحضيض، أو عرض أو تمن بألا نحو: زيد هلا ضربته، وزيد ألا تكرمه، والعون على الخير ألا أجده، هذا مذهب سيبويه،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2163]

وزعم قوم منهم الجزولي أن هذه الثلاثة مما يترجح النصب فيختار زيدًا هلا ضربته، وعمرًا ألا تكرمه، والعون على الخير ألا أجده.

الثانية عشرة: إذا ولى الاسم إذا الفجائية نحو: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو، وفي ذلك ثلاثة مذاهب: أحدها: أنه يجوز فيه الاشتغال، الثاني: أنه لا يجوز فيه إلا الابتداء الثالث: التفصيل بين أن يكون الفعل قد دخل عليه قد، فيجوز فيه الاشتغال أو لا تدخل عليه (قد) فيمتنع.

الثالثة عشرة: أن يلي الاسم واو الحال نحو: جاء زيد وعمرو يضربه بكر.

الرابعة عشرة: أن يفصل بين الاسم والفعل بأجنبي نحو: زيد أنت تضربه وهند عمرو يضربها، ومذهب سيبويه، وهشام أنه لا يجوز في زيد وهند إلا الرفع على الابتداء، وأجاز الكسائي فيه الاشتغال قياسًا للفعل على اسم الفاعل، إذ هو موضع الاتفاق نحو: زيدًا أنا ضاربه.

الخامسة عشرة: أن يكون الفعل دخلت عليه السين، أو سوف نحو: زيد سأضربه، وهند سوف أضربها، فذهب الجمهور إلى أنه يجوز تقديم معمول الفعل على حرف التنفيس نحو: زيدًا سأضرب فيجوز فيه الاشتغال، وذهب ابن الطراوة، وتلميذه السهيلي إلى أن حرف التنفيس من حروف الصدر فلا يجوز فيه إلا الابتداء.

السادسة عشرة: أن يلي الاسم (ليتما) نحو: ليتما زيدًا أضربه، فقال ابن مالك: يجب في الاسم الرفع على الابتداء بناءً منه على أن (ليتما) لا يليها الفعل، وقد تقدم الكلام في ذلك في باب إن وأخواتها.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2164]

السابعة عشرة: معمول جواب الشرط إذا تقدم على أداة الشرط نحو: زيدًا إن يزرك تكرم، فأجاز الأخفش تقديمه عليهما إذا كان الجواب مجزومًا، فعلى هذا يجوز الاشتغال فتقول: زيدًا إن يزرك تكرمه، وإن كان الفع لمرفوعًا جاز فيه الاشتغال، وجاز تقديمه على (إن) نحو: زيدًا إن زارك تكرم، فيجوز (تكرمه) على الاشتغال، لأن الفعل ليس جوابًا له عند سيبويه، فلو كان جوابًا حقيقة، لكونه جوابًا لـ(إذا) لم يجز التقديم نحو: إذا جاءك زيد تكرم عمرا، فلا يجوز عمرًا  إذا جاءك تكرم، ولا يجوز فيه الاشتغال، ويرجح الرفع إذا كان العطف على جملة اسمية نحو: زيد منطلق وعمرو أضربه.

وإذا فصل بين الهمزة والاسم مبتدأ نحو: أأنت زيد تضربه؟ خلافًا للأخفش، وإذا كان النفي بحرف يختص نحو: زيد لم أضربه، وزيد لن أضربه، خلافًا لابن السيد: فإنه يختار النصب على الرفع، وإذا لم يكن موجب، ولا مرجح، ولا مسوى نحو: زيد ضربته، وأين زيد لقيته؟ وكنت زيد لقيته، وحسبتني زيدًا ضربته، واختار الكسائي النصب إذا تقدم على الاسم اسم هو فاعل في المعنى في الفعل نحو: أنا زيدًا ضربته، وأنت زيدًا ضربته، ويجو النصب على الاشتغال، إذا تلا الاسم ما يختص بالفعل، وذلك الظرف المستقبل وهو (إذا) نحو: إذا زيدًا لقيته فأكرمه، وأجاز الأخفش والكسائي مجيء

[ارتشاف الضرب: 4/ 2165]

المبتدأ بعد (إذا)، و(إن) من أدوات الشرط، بشرط كون لفظ الفعل ماضيًا نحو: إن زيدًا لقيته فأكرمه، وإن زيدًا لم تلقه فلا تلمه؛ فإن كان الفعل مجزومًا، فلا يجوز ذلك إلا في الشعر نحو: إن زيدًا تلقه فأكرمه، وأما غير إن من أدوات الشرط، فلا يجوز أن يليه الاسم [إلا في الشعر، ولا ينقاس في الشعر، وقاسه الكوفيون في الشعر بشرط أن يكون الاسم] المتقدم غير أداة الشرط في المعنى، فإن كان إياه لم يجز نحو: من هو يقم أقم معه، وأجاز الكسائي أن تلي الابتداء أدوات الاستفهام غير الهمزة نحو: هر مرادك نلته؟ ومن أمة الله يضربها؟ ولا يجوز أن تلي الاسم مع وجود الفعل إلا في الشعر هذا مذهب سيبويه.

وأجاز الكسائي أن تلي الاسم، وإن وجد الفعل نحو: هل زيد ضربت، فعلى مذهبه يجوز فيه الابتداء والاشتغال، وقال سيبويه: «لو قلت أيهم زيدًا ضرب قبح» ويختار النصب في صور:

إحداها: أن يليه فعل أمر نحو: زيدًا اضربه، وزيدًا ليضربه عمرو، أو فعل خبر معناه الأمر نحو: الأولاد يرضعن الوالدات، وسواء كان ما قبل الأمر يراد به العموم أم الخصوص نحو: اللذين يأتيانك اضربهما، وزيدًا اضربه. وقال ابن بابشاذ، وابن السيد: يختار الرفع في العموم، والنصب في الخصوص، ومن فروع الأمر: زيدًا أسمع به في التعجب يجب فيه الرفع على الابتداء في قول الفريقين.

الثانية: ما جرى مجرى الفعل من المصادر نحو: زيدًا جدعا له، وعمرًا عقرًا

[ارتشاف الضرب: 4/ 2166]

له، والله حمدًا له، والمجرور هنا منصوب في المعنى وفي كتاب (النقد) لابن الحاج مثل سيبويه: «أما زيدًا فجدعا له، وأما بكرًا فسقيا له»، وليس من ذلك زيدًا دراكه، لأن أسماء الأفعال لا يتقدم عليها معمولها عند سيبويه والفراء، وأما الكسائي فيجيز ذلك فأما (أما زيدًا فجدعا له) فمما يفسر، ولا يعمل [عند الفراء، ونص سيبويه على أنه لا يعمل] في آخر باب اسم الفعل، وأعمله فيما قبله المبرد إذا كان نكرة غير موصوف انتهى.

الثالثة: أن يلي الاسم نهي نحو: زيدًا لا تضربه، والخبر في معنى النهي نحو قوله:

القائلين يسارًا لا تناظره = غشا لسيدهم في الأمر إذ أمروا

الرابعة: في الدعاء كان بصيغة الأمر نحو: زيدًا ليجزه الله خيرًا، وزيدًا أصلح شأنه يا رب، وبغير صيغة الأمر نحو: زيدًا قطع الله يده، وعمرًا أمر الله عليه العيش.

الخامسة: أن يلي الاسم همزة الاستفهام نحو: أزيدًا ضربته، وأزيدًا أنت ضاربه كان الفعل من باب الظن أو من غيره نحو: أعبد الله ظننته قائمًا، وقال الفراء الرفع في باب (ظن) وجه الكلام، وسواء أكان الاستفهام عن الفعل أم عن الاسم نحو: أزيدًا ضربته، ونحو: أزيدًا ضربته أم عمرًا، وذهب ابن الطراوة إلى التفصيل فقال إن كان عن الفعل اختير النصب، وإن كان عن الاسم اختير الرفع،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2167]

وهذا الحكم مختص بالهمزة على مذهب سيبويه، وذهب الأخفش إلى التسوية بين الهمزة وغيرها من أدوات الاستفهام في اختيار النصب نحو: أيهم زيدًا ضربته، ومن أمة الله ضربتها، ومثل إن زيدًا ضربته، قولك: أكل يوم زيدًا تضربه.

السادسة: أن يلي الاسم حرف نفي لا يختص بالفعل نحو: ما زيدًا ضربته، ولا عمرًا ضربته ولا بشرًا، وفيه ثلاثة مذاهب:

مذهب الجمهور: أنه يختار فيه النصب على الرفع، واختاره ابن عصفور وابن مالك.

والثاني: يختار فيه الابتداء على النصب، وهو ظاهر مذهب سيبويه.

والثالث: هما مستويان، وهو مذهب ابن الباذش، وابن خروف، وإن كان حرف النفي مختصًا بالفعل فلا يليه الاسم إلا في ضرورة نحو: لن زيدًا أضرب، ولم زيدًا أضرب.

السابعة: أن يلي الاسم (حيث) نحو: حيث زيدًا تلقاه يكرمك.

الثامنة: أن تكون الجملة معطوفة على جملة فعلية نحو: قام زيد وعمرًا ضربته، وضربت زيدًا وعمرًا كلمته، وكنت أخاك وزيدًا أكرمته، وعمرًا ضربته وعمرًا صبحته، ولست أخاك وعمرًا، كنت له أخًا، وقال الفراء في

[ارتشاف الضرب: 4/ 2168]

(ليس) الرفع لا غير، وفي مثل الحمل على الفعل إذا تقدمت جملة فعلية: ضربت زيدًا وعمرو قام، ومررت بزيد وعمرو ذهبن وضرب زيد وعمرو أكرم، ترفع بإضمار فعل، ويجرى مجرى حرف العطف حتى، ولكن، وبل، نحو: ضربت القوم حتى زيدًا ضربت أخاه، وما أنت زيدًا ولكن عمرًا مررت به، وما رأيت زيدًا بل خالدًا لقيت أخاه.

وقال ابن مالك ضربت زيدًا حتى بشر ضربته، يجب رفع بشر لزوال شبيهه حتى الابتدائية بالعاطفة، إذ لا تقع العاطفة إلا بين بعض [وكل ولم يعتبر سيبويه وغيره هذا الشرط.

التاسعة: إذا كان الرفع يوهم وصفًا مخلاً عند بعضهم] قالوا كقوله تعالى: «إنا كل شيء خلقناه بقدر» في قراءة الجمهور (كل) بالنصب قالوا رجح بالنصب، لأنه لو رفع لاحتمل أن يكون (خلقناه) صفة، واحتمل أن يكون خبرًا، والنصب يزيل احتمال الوصفية، إذ الفعل إذا كان صفة لا يفسر، ولم يعتبر سيبويه هذا الذي ذكروه أن يكون مرجحًا للنصب بل قال جاء هذا على (زيدًا ضربته) وهو عربي كثير، قال وقد قرأ بعضهم «وأما ثمود فهديناهم» بالنصب. ودعوى ابن خروف، وابن عصفور ضعف هذه القراءة، لم يذكره سيبويه، وقال: القراءة لا تخالف لأنها السنة، وعن الأخفش أن (خلقناه) صفة، ولا يكون ذلك إلا مع قراءة الرفع وقد قرئ بالرفع.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2169]

العاشرة: أن يكون جوابًا لاسم استفهام منصوب نحو قولهم: أيهم ضربت، أو من ضربت فتقول: زيدًا ضربته، فيختار فيه النصب، فلو قال أيهم ضربته بالرفع، فالجواب: زيد ضربته بالرفع عند سيبويه، ولا يجيز النصب إلا على حد زيدًا ضربته ابتداء غير جواب، وجوز الأخفش الرفع على حد ما يجوز في العطف في الجملة ذات الوجهين، ومما جرى مجرى الاستفهام المضاف إلى اسم الاستفهام تقول: ثوب أيهم لبست؟ فتقول في الجواب: ثوب زيد لبسته، ومما جرى مجرى جواب الاستفهام، وإن لم يكن جوابًا لاسم استفهام تقول: هل رأيت زيدًا؟ فيقول: لا، ولكن عمرًا لقيته، فعمرو ليس مسئولاً عنه، لكنه لما كان في الجملة جوابًا جرى مجرى الأول، وكذا لا بل عمرًا لقيته، أو نعم عمرًا لقيته، فلو كان الفعل غير خبر لم يكن الحمل على مراعاة الأول بل على الأصل نحو قوله: هل مررت بزيد؟ فتقول: لا ولكن عمرًا امرر به.

ويتساوى الرفع على الابتداء، والنصب في العطف على جملة ذات وجهين: أي اسمية الصدر فعلية العجزر إلا إذا كانت تعجبية، ولا يلحظ فيها الجملة الفعلية، أو فصل بـ(أما) فيختار الرفع في المعطوف نحو: ما أحسن زيدًا وعمرًا أحبه، وزيد ضربته، وأما عمرًا فأكرمته، وإذا عريت عن هذين جاز أن تراعى صدر الجملة، فترفع في العطف، وجاز أن تراعى الصغرى فتنصب، وإذا راعيت الصغرى؛ فإما أن يكون في الجملة المعطوفة ضمير يعود على الاسم الأول الذي في الجملة الأولى أو لا. إن كان فيها ضمير جازت المسألة بلا خلاف نحو: زيد ضربته وهندًا أكرمتها في داره، وإن لم يكن ضمير نحو: زيد ضربته وهندًا أكرمتها فأربعة مذاهب:

أحدها: أنه لا تجوز المسألة. وهو مذهب الأخفش، والزيادي

[ارتشاف الضرب: 4/ 2170]

والسيرافي.

والثاني: أنه يجوز وهو مذهب جماعة من القدماء، والفارسي، وهو ظاهر كلام سيبويه.

والثالث: إن كان العطف بالواو، أو بالفاء جازت، وإلا فلا، وهو مذهب هشام.

والرابع: إن كان العطف بثم جاز، وإلا فلا، وهو مذهب الجمهور، والفعل اللازم في الجملة الأولى كالمتعدي في اعتبار العطف على الجملة الصغرى نحو: زيد قام وهند كلمتها في داره، واسم الفاعل كالفعل يلحظ الفعل تقول: زيد ضارب عمرًا، وعمرو كلمته، فنصب مراعاة لاسم الفاعل، وكأنه قال: زيد يضرب عمرًا، ينزل اسم الفاعل منزلة الجملة الصغرى، ويجرى مجرى العطف، (حتى) تقول القوم ضربتهم حتى زيدًا ضربته، فالرفع مراعاة لصدر الجملة، والنصب مراعاة للعجز، والنصب في هذا الباب فيه مذاهب:

أحدها: أن الفعل هو الناصب للاسم، والضمير، وهو مذهب الفراء.

الثاني: أن الفعل ناصب للاسم على إلغاء العائد، وهو مذهب الكسائي.

والثالث: أنه منصوب بفعل يفسره العامل في الضمير أو السببي، فتارة يقدر من لفظ الفعل حيث يمكن نحو: زيدًا ضربته يقدره (ضربت زيدًا ضربته)، وإن لم يمكن فمن المعنى نحو: زيدًا مررت به يقدره (لقيت أو لابست زيدًا مررت به)، وفي مثل زيدًا ضربت أخاه تقدره أهنت زيدًا ضربت أخاه، ورتب النصب متفاوتة فـ(زيدًا ضربته) أقوى من (زيدًا ضربت أخاه)، وهذا أحسن من (زيدًا مررت به)، وهذا أحسن من (زيدًا مررت بأخيه)، وزعم ابن كيسان في

[ارتشاف الضرب: 4/ 2171]

(زيدًا مررت به) أحسن منه في (زيدًا ضربت أخاه)، وحمل ما يتعدى بحرف جر على ما يتعدى بنفسه في نصب الاسم السابق نحو: زيدًا مررت به، لاشتراك النصب والجر في أشياء، وأجاز بعض النحويين جر الاسم السابق بمثل ما جر الضمير، فأجاز: بزيد مررت به، وعلى زيد غضبت عليه، والصحيح أنه لا يجوز، ولو وجد كان ما بعده بدلاً، وإذا كان المفسر للناصب في الأول اسم فاعل نحو: زيدًا أنت ضاربه، ودخل على الأول ما يعتمد عليه اسم الفاعل نحو أزيدًا أنت ضاربه فيجوز أن يقدر فعلاً نحو: أتضرب زيدًا أنت ضاربه؛ فيجوز أن يكون التقدير اسم فاعل لصحة اعتماده. قيل: ويختار أن يكون (أنت) مرفوعًا به؛ لأن ذلك المقدر إما مبتدأ أو خبرًا مقدمًا وهو في كل ذلك حال مفتقر إليهما أما على الفاعلية أو على الابتداء.

ويرتفع ضاربه الثاني على إضمار مبتدأ، أي أنت ضاربه، وفي هذا نظر، إذ فيه حذف مبتدأ وخبر، وقال ابن مالك وقد يضمر مطاوع للظاهر، فيرفع السابق نحو قوله:

فإن أنت لم ينفعك ... ... = فانتسب ... ... ... ...

التقدير: فإن لم تنتفع حذف الفعل فانفصل الضمير، و«أتجزع إن نفس أتاها حمامها» تقديره: إن ماتت نفس، لأنه لازم لقوله (أتاها حمامها) ولا يجوز ذلك أصحابنا، لا يجيزون: إن الإناء كسرته فاغرمه على تقدير إن كسر الإناء، وتأولوا: فإن أنت لم ينفعك علمك بوجوه مذكورة في الشرح.

وقال في (الترشيح): إن زيدًا ضربته، نصب بإضمار فعل، وإن رفعته بإضمار كان جاز، أو بإضمار فعل لم يسم فاعله من لفظ ما بعده كأنك قلت: إن

[ارتشاف الضرب: 4/ 2172]

ضرب ضربته، وهذا قول أبي العباس، وكان (ابن العريف) ينكر هذا، ويرفعه وذلك غلط منه انتهى.

وابتداء المسبوق باستفهام داخل على أجنبي من المسبوق نحو: أأنت زيد تضربه، وأهند زيد تضربه، فعن سيبويه أنه يبطل حكم الاستفهام في اختيار النصب في زيد، فيكون (أنت وهند) مبتدأين، وما بعده خبر، وذهب الأخفش إلى لحظ الاستفهام، فرفع (أنت) بفعل مضمر، وكذلك هند، وينصب بذلك الفعل زيدًا في المسألتين، وكأن همزة الاستفهام باشرت زيدًا، فاختير نصبه، وقد رد على الأخفش ابن ولاد، وابن طاهر، وابن مضاء بما هو مذكور في الشرح، وقال قوم لا خلاف بين سيبويه والأخفش، بل هما مقصدان إن دخلت الهمزة على أنت زيد ضربته، حال رفع زيد، اختير الرفع في زيد يكون أنت مبتدأ، وإن أدخلتها حال نصب زيد كان النصب مختارًا، وكان (أنت) مرفوعًا بالفعل المضمر الناصب لزيد، ومن فسر مذهب الأخفش فسر بأن الفعل الرافع هو بنفسه الناصب لزيد.

وقال شيخنا أبو الحسن الأبذي في تقدير مذهب الأخفش أن التقدير أضربت ضربت زيدًا ضربته ضربته، فسر رافعًا للضمير لما حذف انفصل الضمير، فصارت أنت، وفسر ناصبًا لزيد، فصار المحذوف فعلين، فعلاً رافعًا، وفعلاً ناصبًا، وهذا قول لم يسبقه إليه أحد ممن قرر مذهب الأخفش.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2173]

وفي (البسيط): الأخفش يفرق بين أن يكون الاسم الفاصل ضميرًا في الفعل نحو: أنت زيدًا تضربه، فيبقى على ما كان عليه من طلب الفعل، وتعلقه بالاسمين وأنت مرفوع وزيد منصوب، والنصب الاختيار، وإن لم يكن له فيه ذكر وافق سيبويه على الابتداء في زيد، ورجحه على النصب نحو: زيد أخوه يضربه؛ فلو كان الفاصل بين الهمزة والاسم ظرفًا، أو مجرورًا، أو حرف عطف لم يعد فاصلاً، وكان النصب هو المختار، مثاله: اليوم زيدًا تضربه، وما في الدار زيدًا تضربه، فأو زيدًا يضربه.

وقد يفسر عامل الاسم المشغول عنه العامل الظاهر عاملاً فيما قبله إن كان من سببه، وكان المشغول مسندًا إلى غير ضميرهما، مثال ذلك: زيد أخوه يضربه، وزيد أخوه يضربه عمرو. فـ(زيد) مبتدأ، و(أخوه) مبتدأ ثان، والجملة بعده خبر عنه، وهو وخبره خبر عن الأول، ويجو نصب الاسم الثاني بلا خلاف على الاشتغال فتقول: زيد أخاه يضربه، وزيد أخاه يضربه عمرو. والتقدير: تضرب أخاه تضربه، ويضرب أخاه يضربه عمرو، وفي نصب (زيد) وهو الذي كان مبتدأ أولاً خلاف، ذهب سيبويه، والأخفش إلى جواز النصب فتقول: زيدًا أخاه يضربه وزيدًا أخاه يضربه عمرو [والتقدير: تضرب زيدًا تضرب أخاه تضربه، ويضرب زيدًا يضرب أخاه يضربه عمرو] ففسر (تضربه) و(يضربه) ناصبًا أخاه مقدرًا، وفسر هذا الناصب المقدر ناصبًا لزيد، وذهب قوم من القدماء إلى أنه لا يجوز في زيد إلا الرفع على الابتداء، ولا يجيزون فيه النصب على الاشتغال، لأن المفسر لا يكون مفسرًا، وهذه المسألة قياسية لا نص فيها بالنصب عن العرب،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2174]

والقياس يقتضي منع النصب، وهو الذي نختار، فإن أسند الفعل إلى ضمير زيد، أو إلى ضمير أخيه، فصاحب الضمير مرفوع بمفسر المشغول، وصاحب الآخر منصوب به مثال ذلك: زيد أخوه يضربه إن جعلت الفاعل في يضربه ضمير زيد، والهاء للأخ، رفعت زيدًا ونصبت أخاه، فالمرفوع للمرفوع والمنصوب للمنصوب، وقلت أزيد أخاه يضربه، التقدير: ليضرب زيد أخاه يضربه، وإن جعلت الفاعل في يضربه ضمير الأخ، والهاء لزيد رفعت الأخ، ونصبت زيدًا، فقلت: أزيدًا أخوه يضربه، والفعل المقدر في الصورة الأولى رافع لزيد ناصب لأخيه، وفي هذه الصورة ناصب لزيد رافع لأخيه.

واختلف النحاة في أصل كبير في هذا الباب، وهو أن الضمير أو السببي إذا انتصب من وجه غير الوجه الذي انتصب عليه الاسم السابق، هل يجوز أن يكون من باب الاشتغال، أو شرطه أن ينتصب من جهة واحدة، فذهب ابن كيسان، والفارسي، وأبو زيد السهيلي، والأستاذ أبو علي في أحد قوليه إلى اشتراط ذلك إن نصب على الظرف أو على المفعول به إن نصب عليه، فلو كان الضمير أو السببي ينتصب على الظرف، أو على المفعول له، أو المصدر أو الخبر، أو المفعول معه لم يجز أن ينتصب السابق على المفعول به، فلا يجوز زيدًا قمت إجلالاً له، أو زيدًا جلست مجلسه، أو زيدًا قمت وأخاه، أو زيدًا كنت غلامه، أو زيدًا قمت مقامه لم يجز في زيد إلا الرفع فقط، وذهب سيبويه، والأخفش، والأستاذ أبو علي في أحد قوليه إلى أنه يجوز نصبه، وإن كان الضمير والسببي قد ينتصبان من غير الوجه الذي انتصب المشغول

[ارتشاف الضرب: 4/ 2175]

عنه، ومنه المسألة التي ذكرها ابن مالك. وهو: زيد ظفرت به إذا كانت الباء سببية، وكان المظفور به غير زيد، وحكى أنه يجوز في زيد النصب خلافًا لابن كيسان، وهذه المسألة فرع من ذلك الأصل، وحكم رافع الاسم المشغول عنه العامل عنه العامل لفظًا أو تقديرًا في تفسير رافع السابق حكم الناصب، فينقسم بانقسامه واجب الرفع على الابتداء نحو: زيد قام، وأجاز ابن العريف، وقوم منهم المبرد رفعه على الفاعلية بفعل مضمر يفسره العامل بعده وتقديره: قام زيد قام.

ومما يرجح فيه الرفع على الابتداء نحو: خرجت فإذا زيد قد ضربه، وما يجب فيه الحمل على الفعل نحو قوله تعالى: «وإن أحد من المشركين استجارك»، وقوله تعالى: «إذا السماء اشنقت» التقدير: إن استجارك أحد استجارك، وإذا انشقت السماء انشقت، وكذلك: هلا زيد قام، و«لو غيرك قالها يا أبا عبيدة»، وما يرجح فيه الحمل على الفعل نحو: أزيد قام، هذا ظاهر مذهب سيبويه، ومذهب الجرمي الحمل على الابتداء، وحيث زيدًا يقوم قم، وأنت قم، وزيد ليقم، وما زيد قام في مذهب من رجح النصب في: ما زيدا ضربته.

وذكر السيرافي في أن الحمل على الفعل في (أزيد قام) مرجوح، ونص سيبويه على رجحانه، وهو مذهب الأخفش. ومن مثل سيبويه: أزيد ذهب به، فمذهب سيبويه أنه مرفوع على الاشتغال، ولا يجوز نصبه: لأن المجرور في موضع رفع والتقدير: (أذهب زيد أذهب به)، ويجوز رفعه على الابتداء ولا يجوز النصب.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2176]

وذهب المبرد، وابن السراج، والسيرافي إلى أنه يجوز في زيد النصب على أن يكون به في موضع نصب، ويكون مفعول ذهب المصدر الذي تضمنه الفعل، فقدره ابن مالك نكرة أي: ذهب ذهاب، والذي يقتضيه النظر أن يقدر معرفة أي الذهاب، كما قدره في قوله تعالى: «اعدلوا هو أقرب للتقوى»، فكنوا عنه بالضمير، وكذلك قدره في قولهم: «من كذب كان شرًا له». أي كان هو أي الكذب، والفعل الذي اشتغل عن الاسم إن كان من باب ظن وفقد وعدم وما يستوي فيه الابتداء، والحمل على الفعل جملة ذات وجهين نحو: زيد قام وعمرو قعد، فـ(عمرو) على اعتبار الكبرى مبتدأ، وعلى اعتبار الصغرى فاعل بفعل مضمر تقديره: وقعد عمرو قعد، على ما تقرر فيها حالة النصب ضميرًا وسببي حمل عليه، نحو: أزيدًا ظننته قائمًا، وأزيدًا ظننت أخاه قائمًا.

أو ضميران متصلان، حملت على المرفوع لا على المنصوب، نحو: أزيدًا ظننته قائمًا، أو منفصلان حملت على أيهما شئت نحو: أزيد إياه لم يظن إلا هو قائمًا، أو أحدهما متصل والآخر منفصل والمتصل مرفوع حمل عليه لا على غيره نحو: أزيدًا لم يظن إلا إياه قائمًا، أو منصوبًا حملت على أيهما شئت نحو: أزيدًا لم أظنه إلا هو قائمًا، والسببيان حملت على أيهما شئت: أزيدًا ظن أخاه أبوه قائمًا، أو ضمير متصل مرفوع وسببي حملت عليه لا على السببي نحو: أزيد ظن أخوه قائمًا، أو ضمير متصل مرفوع وسببي حملت عليه لا على السببي نحو: أزيد ظن أخوه قائمًا، أو منصوب حملت على أيهما شئت نحو: أزيد أظنه أخوه قائمًا، أو منفصل حملت على أيهما شئت نحو: أزيد لم يظن أخاه إلا هو قائمًا، وفقد وعدم كون في هذا التقسيم.

وإن كان من غير باب ظن، وفقد، وعدم، والاسم ضميرًا وسببي حمل عليه، أو ضميران متصلان فلا تجوز المسألة، أو منفصلان فعلى أيهما شئت نحو: أزيدًا إياه

[ارتشاف الضرب: 4/ 2177]

لم يضرب إلا هو، أو أحدهما متصل والآخر منفصل حملت على المنفصل نحو: أزيد لم يضربه إلا هو، أو سببيان فعلى أيهما شئت نحو: أزيدًا إياه ضرب أخوه، وأزيد إياه ضرب أخوه، أو متصل حملت عليه لا على السببي فتقول: والضمير منصوب: أزيدًا ضربه أخوه، وتقول والضمير مرفوع: أزيد ضرب أخاه، وخالف ابن الطراوة إذا كان الضمير منصوبًا والسببي مرفوعًا، فزعم أنه جائز مستدلاً بقول الشاعر:

فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب = ... ... ... ... ...

قال: حمل على السببي كأنه قال: فإن لم ينفعك، فعدى فعل المضمر المتصل إلى مضمره المنفصل، وقد أول (أنت) على وجوه ذكرت في الشرح، واعتبار هذه المسائل أن تضع الاسم السابق موضع ما حملته عليه إن أمكن، وإن لم يمكن حذفت ما حملته عليه، وتركته موضعه ناويًا به التأخير؛ فإن جازت المسألة بعد ذلك فهي جائزة قبله وإلا فهي ممتنعة.

وفي البسيط ما ملخصه: شرط المشغول عنه أن يكون مما يقبل أن يضمر وأن يتقدم ولا يصح الشغل عن الحال، والتمييز، والمصدر المؤكد، ومجرور كاف التشبيه، وحتى، وغير ذلك مما امتنع إضماره، والظرف إن كان على التوسع في الفعل جرى مجرى المفعول به، واتصل بالفعل نحو: يوم الجمعة صمته رفعًا ونصبًا، إما على الصفة، وإما على الظرف، فإن كان على الظرف قلت: يوم الجمعة ألقاك، فيه فرق بينه وبين المتوسع فيه والمصدر إن كان متسعًا فيه جاز الشغل عنه نحو: ضربت زيدًا الضرب الشديد فتقول: الضرب الشديد ضربته زيدًا رفعًا ونصبًا، والمفعول معه بمنزلة المجرور تقول: الخشبة استوى الماء، وإياها فتصير بمنزلة (زيدًا ضربت عمرًا وأخاه) أي (لابس الماء الخشبة)، وأما المفعول من أجله؛ فإن كان اسمًا فكالمجرور نحو: الله أطعمت له، وإن كان مصدرًا، فإن جوزنا إضماره جاز، وإلا فلا كمسألته في الإخبار، وتجرى هذه المشغول عنها في الفصل والأدوات والأحكام على ما تقدم.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2178]

باب النداء

النداء لغة الدعاء، واصطلاحًا الدعاء بحروف مخصوصة، وتكسر نون النداء وتضم، وهمزته منقلبة عن واو كهي في كساء، ومذهب الجمهور أنها حروف، وذهب بعض النحاة إلى أنها أسماء أفعال تتحمل ضميرًا مستكنًا فيها، وأعمها استعمالاً: (يا) ينادى بها القريب والبعيد، والهمزة للقريب، و(آ) حكاها الأخفش والكوفيون، وزعم ابن عصفور أنها للقريب كالهمزة، و(أي) زعم المبرد وجماعة من المتأخرين أنها للقريب كالهمزة، و(أي) حكاها الكسائي.

وذكر سيبويه رواية عن العرب أن الهمزة للقريب وما سواها للبعيد، وما هو للبعيد (أيا) و(هيا)، وزعم ابن السكيت، وتبعه ابن الخشاب أن (هاء) هيا بدل من همزة (أيا)، و(وا) ذكر سيبويه والجمهور أنها مختصة بالندبة، وقيل تستعمل في غيرها، والنداء إنشاء، وقيل إن كان بالصفة فهو خبر نحو: يا فاسق.

والمنادي منصوب لفظًا، أو تقديرًا إلا إن كان مستغاثًا به، أو متعجبًا منه، فيدخل عليه لام الجر، وناصبه عند الجمهور فعل مضمر بعد الأداة تقديره: أنادي، أو أدعو، وهو إنشاء كـ(أقسم) في باب القسم، وقيل الناصب الأداة، وهي اسم فعل، وقيل الحرف نفسه، وقيل الحرف بنيابته عن الفعل، وهو مذهب

[ارتشاف الضرب: 4/ 2179]

الفارسي، ويلزم الحرف إذا نودي (الله) بغير ميم مشددة، والمستغاث به والمتعجب منه نحو: يا لزيد لعمرو، ويا للماء، والمندوب، ونص البصريون على أنه يلزم اسم الإشارة واسم الجنس إلا في شذوذ أو ضرورة، وجاء منه ألفاظ منها (أعور عينك، والحجر)، و(افتد مخنوق) و(أصبح ليل)، و(أطرق كرا)، و(ثوبي حجر)، و(اشتدي أزمة تنفرجي)، وجاء في الشعر:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2180]

كليه وجريه ضباع ... .... = ... ... ... ... ... ...

و:

... ... ... عطار هلا أتيتنا = ... ... ... ... ....

وفي جواز حذفه من النكرة غير المقبل عليها خلاف نحو: رجلاً خذ بيدي، ويجوز حذفه مما سوى ذلك كالعلم والموصول وغيرهما.

واختلفوا في جواز حذف المنادي، وإبقاء الأداة تدل عليه، والذي يقتضيه النظر المنع، وفي جواز الحل من المنادي على مذاهب:

أحدها: الجواز مطلقًا، وهو مذهب المبرد، وابن طاهر، وابن طلحة من المتأخرين.

الثاني: المنع، وهو مذهب الكوفيين وبعض البصريين.

الثالث: التفصيل بين أن تكون الحال مؤكدة أو مبنية فلا يجوز، وهو مذهب الأخفش، والمازني، والفارسي، ولا نص عن سيبويه في إجازة ولا منع، وجاء في الشعر:

[ارتشاف الضرب: 4/ 2181]

يا أيها الربع مبكيا بساحته = ... ... ... ....

و(مبكيًا) حال، قال ابن مالك: وقد يعمل عامل المنادي في المصدر، والظرف، والحال، وأنشد في المصدر:

يا هند دعوة صب هائم دنف = ... ... ... ... ...

ولا يفصل بين الحرف والمنادى، وقال ابن مالك: قد يفصل بالأمر كقول جداية بنت خالد النخعية تخاطب أمها لطيف:

ألا يا فابك شوالا لطيفًا = ... ... ... ... ... ...

(تريد يا لطيفة) فرخمت، والمنادى غير المجرور باللام ينقسم إلى مفرد ومضاف ومشبه بالمضاف ويسمى المطول والممطول، والمفرد في هذا الباب، وفي باب (لا) هو قسم للمضاف والمطول، فالمفرد: إن كان مبني الوضع، أو محكيًا بقى على

[ارتشاف الضرب: 4/ 2182]

حاله نحو: رقاش، وسيبويه، وهؤلاء، وبرق نحره، وفي جواز ندائه مضمرًا لضمير النصب نحو: (يا إياك)، وبضمير الرفع نحو (يا أنت) خلاف، والصحيح المنع، وفي ندائه مشارًا مصحوبًا بحرف الخطاب نحو: يا ذاك خلاف، منع من ندائه السيرافي ووافقه سيبويه في كلامه أن أولئك ينادى، فإن لم يصحبه الحرف فلا خلاف في جواز ندائه، ولا ينادى ضمير متكلم، ولا ضمير غائب لا يقال: (يا أنا)، ولا (يا هو) وإن كن معربًا في الأصل بني على ما يرفع به تقول: يا زيد، ويا رجل، ويا زيدان، ويا زيدون، ويا مصطفون، وذهب بعض الكوفيين إلى تثنية المثنى والمجموع على حد المضاف فنادوهما بالياء نحو: يا زيدين، ويا زيدين، ويا مصطفين، ولما تنزل (عشر) في اثنتى عشر، و(عشرة) في اثنتي عشر منزلة النون كان نداؤها بالألف فتقول: «يا اثنا عشر، ويا اثنتا عشرة»، وأجرى ذلك الكوفيون مجرى الإضافة فقالوا: «يا اثنى عشر، ويا اثنتى عشرة».

وحركة (يا زيد)، و(يا رجل) حركة بناء خلافًا للكسائي، والرياشي في زعمهما أنها حركة إعراب، وما كان علمًا نحو: (يا زيد) فهو باق على تعريفه بالعلمية وهو مذهب ابن السراج، وذهب المبرد، والفارسي إلى أنه يسلب تعريفه بالعلمية ويصير معرفة بالإقبال عليه والخطاب.

وفي نداء النكرة غير الموصوفة خلاف، مذهب البصريين: جواز النداء مطلقًا، مقبل عليها وغير مقبل، ومذهب المازني: إنكار وجود النكرة غير مقبل

[ارتشاف الضرب: 4/ 2183]

عليها في النداء، ومذهب الكسائي والفراء، وعامة الكوفيين أنه إن كان خلفًا من موصوف جاز نداؤها، وإلا فلا، وزعموا أن من شرط النكرة غير المقبل عليها أن تكون موصوفة، أو خلفًا من موصوف، فلا يجوز عندهم (يا رجلا)، وزعموا أنه ليس بمسموع، وإذا وصفت النكرة، فمذهب البصريين أنه يجب نصبها قصدت واحدًا بعينه أولا، ومذهب الكسائي جواز الرفع والنصب فيها، ومذهب الفراء: التفصيل بين أن يكون فيه ضمير غيبة، فيجب النصب نحو: يا رجلاً ضرب زيدًا، أو ضمير خطاب فيجب الرفع نحو: يا رجل ضربت زيدًا.

ونقل ابن مالك عن الفراء أنه قال: النكرة المقصودة الموصوفة المناداة تؤثر العرب نصبها نحو: يا رجلاً كريمًا، فإذا أفردوا رفعوا أكثر مما ينصبون، انتهى.

وما جاء في الشعر من قوله:

ألا يا نخلة من ذات عرق = ... ... ... ....

[ارتشاف الضرب: 4/ 2184]

و:

أدارًا بحزوى ... ... ... ... = ... ... ... ... ... ...

قال المازني: لا تكون غير مقبل عليها، وقال الكوفيون: نكرة غير مقبل عليها وقال ابن الطراوة: معرفة، وما بعدها صلة لموصول محذوف تقديره (ألا يا نخلة التي من ذات عرق) و(أدارًا التي بحزوى).

وفي تعريف النكرة المقبل عليها خلاف، فقيل بالإقبال، وقيل بأل المحذوفة، وناب عنها حرف النداء، ويجوز وصف المنادي المبني على الضم، وهو مذهب سيبويه، والخليل والأكثرين، وذهب الأصمعي وقوم من الكوفيين إلى أنه لا يجوز وصفه، وقال الفارسي: يجوز، والقياس أن لا يجوز، والمضاف والمشبه به منصوبان، ولا يخلو المضاف من أن يضاف إلى معرفة نحو: يا غلام زيد، أو إلى نكرة، فإن كانت محضة نحو: يا أخا رجل، ويا أخا صدق فهو نكرة، ولا يجو أن يقصد به واحد بعينه فيعرفه بالنداء، وقال الجرجاني: يصح أن يكون معينا، واسم الفاعل الماضي من قبيل ما أضيف إلى معرفة، فإن كان بمعنى الحال والاستقبال، أو كان صفة مشبهة، فقيل يجرى مجرى [المضاف إلى النكرة،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2185]

فلا يقصد تعريفه في النداء، وقيل يجرى مجرى] يا ضاربًا رجلاً، فيكون مطولاً.

ونص سيبويه في اسم الفاعل على أنه بمنزلة المطول لعروض الإضافة، وينبغي أن تقاس الصفة المشبهة عليه، وإن أضيف إلى معرفة، فإن كان ضمير المتكلم جاز نحو: يا غلامي، إن كان لمخاطب لم يجز لا يقال يا غلامك، وإن كان ظاهرًا، والمضاف إليه أم أو عم، فسيأتي حكمه، أو غير ذلك فلا يجوز الفصل بينهما إلا في ضرورة نحو:

... ... ... ... ... ... = يا بؤس للجهل ... ... ...

نص عليه سيبويه، والمشبه بالمضاف، وهو المطول هو ماله عمل فيما بعده، ويعطف نحو: يا ضاربًا رجلاً، ويا خيرًا من زيد، ويا عشرين رجلاً، ويا زيدًا وعمرًا مسمى به.

وشرط المعمول أن يكون ملفوظًا به، فإن كان مستترًا في الاسم المنادى نحو: قولك: (يا ذاهب) تنادي واحدًا بعينه، ففيه ضمير مستتر، ولا يكون مطولاً

[ارتشاف الضرب: 4/ 2186]

فينصب، فلو عطفت على الاسم المنادي، فقتل: يا ذاهب وزيد بنيتهما على الضم، فلو عطفت على الضمير المستكن في (ذاهب) قلت: يا ذاهبًا وزيد تريد يا ذاهبًا هو وزيد، وصار مطولاً، لأنه عامل في (زيد) بوساطة حرف العطف، ولو قلت: يا مشتركا وزيد، لم يكن في مشترك إلا النصب، وقال الفارسي لو قلت: يا ثلاثة وثلاثين، وهما مسمى بهما نصبت للطول، ولو ناديت جماعة هذه عدتهم قلت: يا ثلاثة والثلاثون، أو يا ثلاثة والثلاثين كما تقول يا زيد والنضر، والنضر، وقال ابن خروف: وهذه الأسماء الأعلام: تبقى على ما كانت عليه قبل التسمية بها من رفع، أو نصب أو خفض؛ فإن كانت من مرفوع قلت: يا ثلاثة ويا ثلاثون.

وقد أجاز بعضهم تكرير (يا) في الثلاثين التي في حال العلمية، ومنع ذلك سيبويه، ومن قبيل المضاف قولك في الصفة المشبهة: يا حسن الوجه، ويا جميل الأنف، فلا يجوز فيه حالة الإضافة إلا النصب، وأجاز أحمد بن يحيى فيه الضم فتقول: يا حسن الوجه كأنه لم يعتد بالمضاف إليه وتقول: يا زيد بن عمرو فلك في (زيد) الفتح، وهو اختيار البصريين، وقال ابن كيسان: هو أكثر في كلام العرب، وزعم المبرد أن الضم أجود، وحركة (ابن عمرو) حركة إعراب إذا فتحت (يا زيد) في قول الجمهور، لأنه مضاف إلى ما بعده، وقال عبد القاهر: هي حركة بناء، لأنك ركبته مع زيد، وجعلا بمنزلة (يا ابن أم)، و(يا ابن عم) انتهى.

وشرط الفتح أن يكون (ابن) صفة للمنادي العلم مضافًا إلى علم، ولم يفصل

[ارتشاف الضرب: 4/ 2187]

بينه وبين منعوته، فلو كان (ابن) بدلاً أو عطف بيان أو منادى مضافًا أو مفعولاً بفعل مضمر أو كان قبل (ابن) غير علم نحو: يا غلام ابن زيد، أو كان مضافًا إلى غير علم نحو: يا زيد ابن أخينا، أو كان مفصولاً بينه، وبين منعوته نحو: يا زيد الكريم بن عمرو، لم يكن في (زيد) المنادى إلا الضم، ولو كانت الضمة مقدرة نحو: يا موسى بن زيد، فالظاهر عند الفراء يجيز فيه تقدير الفتحة، وقال ابن مالك: لا ينوى تبديل (الفتحة بالضمة).

وفي النهاية: وقال الله تعالى: «يا عيسى ابن مريم» فـ(ألف) عيسى في موضع فتح حملاً للقرآن على أشيع القولين انتهى.

وحكى الأخفش تبعية حركة ابن لضمة زيد فتقول: يا زيد بن عمرو كما تبعت حركة زيد لحركة (ابن) في الفتحة حين قالوا: يا زيد بن عمرو، ولو وصف بغير (ابن) لم يجز فيه إلا الضم نحو: يا زيد الكريم، وأجاز الكوفيون فتحه إذا وصف بغير ابن، وكان الوصف مفردًا نحو: يا زيد الكريم، وإذا كان (ابن) صفة بين متفقي اللفظ غير علمين نحو قولك: يا كريم ابن كريم، ويا شريف ابن شريف، ويا كلب ابن كلب، ويا وثن ابن وثن، ويا كلب بن الكلب، يا وثن بن الوثن، ويا ضل بن ضل، فمذهب البصريين أنه لا يجوز في المنادى إلا الضم، ومذهب الكوفيين جواز الضم والفتح كحال العلمين إذا كان بينهما (ابن) صفة، ومن إجراء ذلك مجرى العلمين ما أنشده الفراء:

يا غنم بن غنم محبوسة = فيها ثغاء ونعيق وحبق

وإذا سميت (بداع)، أو (بمسلمات)، أو (بزيدين) أو (بزيدين) حاكيًا

[ارتشاف الضرب: 4/ 2188]

إعرابهما قلت في لغة من قال: يا زيد بن عمرو (بفتح الدال)، يا داعي بن عمرو، ويا مسلمات بن عمرو، ويا زيدين بن عمرو، وعلى لغة من ضم تقول: يا داع بن عمرو ويا مسلمات بن عمرو، ومن جعل الإعراب في النون قال: يا زيدان بن عمرو، يا زيدون بن عمرو، ويا زيدين بن عمرو، ويا زيدين بن عمرو، وتقول: يا حار بن عمرو، فيمن نوى المحذوف على لغة يا زيد بن عمرو، ويا زيد بن عمرو، فإن بنيت (يا حار) قلت: يا حار بن زيد، ويا حار بن زيد، لأنك لم تنو المحذوف، فكانت الراء تمام الكلمة.

وإذا وقع (ابن) صفة بين علمين بالشرط الذي تقدم في النداء، وجب في غير النداء أن تحذف تنوين العلم الأول، وتحذف ألف (ابن) في النداء وغيره نحو: جاء زيد بن عمرو، ورأيت زيد بن عمرو، ومررت بزيد بن عمرو، ولا يثبت التنوين إلا في ضرورة نحو قوله:

جارية من قيس بن ثعلبة

وليس حذف التنوين منه لتركيب الصفة والموصوف، فوقع وسطًا، فحذف وبقى نون (ابن) حرف الإعراب، والدال تابع للنون تبعية الميم في قولك: مرء ومرأ، و(مرء)، وليس من شروط العلمين تكبيرهما خلافًا لبعض المتأخرين، واشتراط التذكير فيهما صحيح.

فلو كان الثاني مؤنثًا تعينه التنوين نحو: زيد بن علية، وحذف في عمرو بن هند لكثرة الاستعمال، وفي الوصف بابنة خلاف أجرى في النداء وغيره إذا وقعت بين علمين مجرى (ابن) حكاه ابن كيسان، وقال: موضع السماع هو في

[ارتشاف الضرب: 4/ 2189]

(ابن) لا في (ابنة)، فالنحويون في النداء يرفعون الأول، وينصبون (ابنة) قال: والقياس على (ابن) حسن، وفي الوصف بـ(بنت) في غير النداء وجهان:

أحدهما: حذف التنوين تقول: هذه هند بنت عاصم، حذفت لكثرة الاستعمال وحذف في (هذه هند ابنة زيد) لكثرة الاستعمال، ولالتقاء الساكنين، وإذا قلت: يا رقاش ابنة عمرو، فلا تغير حركة البناء، ويكون الفتح للإتباع تقديرًا، وفلان بن فلان، كـ(زيد بن عمرو)، وتقدم أن (فلانًا) علم كناية عن علم، وهو علم جنس، إذ صار كناية عن كل علم.

وقال المبرد: لا خلاف في حذفت التنوين من فلان بن فلان، وحكوا سماعه عن العرب انتهى.

وفي نحو نداء المنقوص المعين بالنداء خلاف، وذهب الخليل إلى أنه يحذف تنوينه، فتعود الياء التي حذفت لأجل التنوين فتقول: يا قاضي، وتقدر الضمة في الياء، كما تقدر في الألف في (يا فتى)، وذهب يونس: إلى أنه لما حذف التنوين في النداء بقى على حالته من غير رد الياء، فالضمة مقدرة في الياء المحذوفة، فإن كان المنقوص قد حذف منه، فلم يبق إلا أصل واحد ثبتت الياء إجماعًا نحو: مر، ويف، مسمى بهما فتقول: يا مري، ويا يفي.

والمنادى المضموم قد ينون اضطرارًا، واختيار الخليل، وسيبويه والمازني بقاء ضمه، واختيار أبي عمرو، وعيسى بن عمر، ويونس،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2190]

والجرمي، والمبرد نصبه، وكلاهما مسموع عن العرب.

قال ابن مالك: عندي أن بقاء الضمة أرجح في العلم والنصب راجح في النكرة المعينة انتهى.

وإذا نعت المضموم المنون في الضرورة بالمفرد جاز في النعت الرفع والنصب، وإذا نعت به المنصوب لم يجز في النعت إلا النصب، ولو نونت مقصورًا نحو: يا فتى، فإن اعتقدت أنه منصوب لم يجز في نعته إلا النصب، وإن اعتقدت أنه مضموم جاز في نعته الرفع والنصب، ويظهر من كلام سيبويه أن ذلك الخلاف ليس على الاختيار بل على التحتم بين الخليل، ومن خالفه ألا ترى قول سيبويه «ولم نسمع عربيًا يقوله» يعني النصب مع التنوين، وليس للنافي حجة على المثبت، وكلاهما مسموع عن العرب، والمنادى إن كان في أوله (أل)، وكان محكيًا نحو: كـ(تسميتك الرجل قائم) جاز نداؤه فتقول: يا الرجل قائم أقبل.

وإن سميت بذي (أل) من الموصولات، كتسميتك بالذي رأيت، فذهب سيبويه إلى أنه لا ينادي، وذهب المبرد إلى جواز ندائه، وإن كان لفظ (الله) جاز نداؤه بقطع الهمزة ووصلها فتقول: يا ألله، ويا الله، وإن كان (اللهم) جاز نداؤه إلا أنه لا يباشر (يا) في مذهب البصريين، وزعموا أن الميم المشددة في آخره عوض من حرف النداء، فلا يجتمعان، وأجاز الكوفيون أن تباشره (يا) وعندهم أن الميم المشددة بقية من جملة محذوفة قدروها (أمنا بخير) وهو قول سخيف لا يحسن أن يقوله من عنده علم، وإذا قلت (اللهم): اختلفوا في جواز

[ارتشاف الضرب: 4/ 2191]

وصفه، فذهب سيبويه والخليل إلى أنه لا يجوز وصفه، وذهب المبرد، والزجاج إلى جواز وصفه، وإذا وصف عندهما بمفرد جاز فيه الرفع والنصب، ولا يستعمل (اللهم) إلا في النداء، وشذ استعماله في غير النداء، وشذ أيضًا حذف (أل) منه وهو كثير في الشعر قال:

لا هم إن جرهما عبادكا

وقال آخر

لا هم هذا رابع إن تما

وقال الآخر

لا هم إن كنت قبلت حجتج

وقال آخر

لا هم إن الحارث بن جبله

[ارتشاف الضرب: 4/ 2192]

وفي النهاية: يستعمل اللهم على ثلاثة أنحاء أحدها: أن يراد به النداء المحض كقولهم: اللهم أثبتا، الثاني: أن يذكره المجيب تمكينًا للجواب في نفس السائل يقول لك القائل: أزيد قائم فتقول أنت: اللهم نعم، أو اللهم لا. الثالث: تستعمل دليلاً على الندرة، وقلة وقوع المذكور كقولك: أنا لا أزورك اللهم إلا إذا لم تدعني ألا ترى أن وقوع الزيارة مقرونًا بعدم الدعاء قليل انتهى.

وإن كان غير هذا (بأل) فثلاثة مذاهب: الجواز مطلقًا، وهو مذهب الكوفيين، والبغداديين، والمنع مطلقًا إلا في ضرورة الشعر، وهو مذهب البصريين، والتفصيل بين أن يكون ذو (أل) مشبها به، فيجوز نحو: يا الأسد شدة، أو ليس مشبها به، فيمتنع فلا يقال يا الرجل، وهو مذهب ابن سعدان.

وفي النهاية: العلم الذي فيه (أل) في ندائه خلاف، قيل يحذف وينادى وقيل: لا ينادى، وهو الظاهر، لأن نداءه، وحذف (أل) تغيير لصيغة العلم، وينادى (بأي)، فيبنى على الضم، وتلزم بعدها هاء التنبيه مفتوحة الهاء، وضمها لغة بني مالك من بني أسد.

وقد قرئ «يا أيه الساحر» بالضم، وذلك إذا لم يكن بعدها اسم إشارة، والجمهور على أن (أيا) هذه يجيء بعدها اسم جنس بـ(أل)، أو موصول ذو (أل)، أو اسم إشارة نحو: يا أيها الرجل، و«يا أيها الذي نزل عليه الذكر» ويا أيها ذا الرجل، وهذا التابع هو وصف، وقيل عطف بيان قال

[ارتشاف الضرب: 4/ 2193]

ابن السيد: وهو الظاهر، ولا يكون هذا التابع إلا مرفوعًا خلافًا للمازني، إذ يجيز فيه الرفع والنصب، قالوا: والنصب فيه مخالف لكلام العرب، وذكر ابن الباذش: أن النصب فيه مسموع عن بعض العرب، فلو كان في التابع (أل) للمح الصفة كالنضر، والحارث، والعباس، فمذهب الجمهور أنه لا يجوز: يا أيها الحارث، وهو علم وأل فيه للمح الصفة، وقد أجازه الفراء، والجرمي ونص عليه.

وقال سيبويه في آخر باب الحكاية التي لا تغير فيها الأسماء عن حالها ما نصه «ولا يجوز أن تقول: يا أيها الذي رأيت كما لا يجوز يا أيها النضر، وأنت تريد الاسم الغالب».

ومراد سيبويه إذا سمى بالذي رأيت لا يجوز أن يوصف به (أي)، وإذا اتبعت (أيا) هذه باسم الإشارة، فشرطه أن يكون اسم الإشارة منعوتًا بذي (أل) وما ذهب إليه ابن عصفور، وابن مالك من الاقتصار على اسم الإشارة وصفًا لأي، ولا نعت لاسم الإشارة، بنياه على بيت نادر شاذ لا تبنى على مثله القواعد وهو قول الشاعر

أيهذان كلا زادكما = ودعاني واغلاً فيمن وغل

[ارتشاف الضرب: 4/ 2194]

وفي النهاية: ويجوز أن يوصف (أي) باسم الإشارة فتقول: يا أيهذا، ويا أيهذان، ويا أيهؤلاء، ويا أيتهذه، ويا أيتهتان، ويا أيتهؤلاء، ويجوز (يا أيهذا الجملة) بدلاً من (أي) لا صفة لهذا ويجوز يا أيهذا أبو القاسم عطف بيان، لأنه لا يحل محل الأول انتهى.

وهي تراكيب تحتاج إلى سماع من العرب، واختلفوا إذا لحق اسم الإشارة كاف الخطاب أيجوز أن يوصف به (أي)، فذهب ابن كيسان إلى جواز ذلك فتقول: يا أيهذا الرجل، ويا أيهذاك الرجل، قال: وهو أقل من (يا أيهذا الرجل)، وذهب السيرافي إلى منع ذلك، وما ذهب إليه الجرمي، والفارسي، وابن جني من استضعاف نعت (أي) باسم الإشارة لا يلتفت إليه، لأنه مخالف للسماع، وذهب الكوفيون، وابن كيسان إلى أن (ها) دخلت للتنبيه على اسم الإشارة على اختلاف في التقدير فقال الكوفيون (أي) منادى ليس بموصوف، فإذا قال: يا أي التبس اسمه ثم قال: هو هذا الرجل استأنف لبيان (أي) لإبهامه، فإذا قال (يا أيها الرجل قائمًا) يريد: يا أيهذا الرجل، وحذف (ذا) اكتفاءً بـ(هاء) منها، لدلالة الرجل عليها، ولا يجوز عندهم (يا أي الرجل) فلا بد عندهم من اسم الإشارة، وهما (معه)، أو محذوفًا اسم الإشارة، وإبقاؤها اكتفاءً به من اسم الإشارة.

وقال ابن كيسان (أي) منادى، وهذا تبيين له، والرجل تبيين لاسم الإشارة، فإذا قالوا: يا أيها الرجل (فها) عنده يراد بها هذا، فإذا حذفوها اكتفوا (بها) التنبيه منها، والرجل نعت لها، كما هو نعت (لذا)، لأن معنى (ها) وهذا واحد، ولزم على هذا المذهب إجازة (يا أي الرجل)؛ فذهب إلى إجازته، ولا يحفظ من كلامهم.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2195]

وذهب الأخفش في أحد قوليه: إلى أن (أيا) في النداء موصولة، والمرفوع بعدها خبر لمبتدأ محذوف، والجملة صلة (لأي) ولذلك التزم رفع ما جاء بعدها؛ لأنه خبر لمبتدأ محذوف انتهى نقل هذا المذهب.

ولا يوصف (أي) بغير ما ذكرنا من اسم الجنس، والموصول، واسم الإشارة على ما تقدم فلا تقول: يا أيها صاحب الفرس، ولا يا أيها أخا عمرو، فإن تكرر الوصف وجعلته وصفًا لوصف (أي) فالرفع، وإن كانت مضافة فتقول: يا أيها الرجل الطويل، ويا أيها الرجل ذو الجمة؛ فإن جعلت الصفة الثانية وصفًا لـ(أي) وكانت مضافة فالنصب تقول: يا أيها الرجل ذا الجمة على الموضع، وإن كانت مفردة جاز الرفع حملاً على لفظ أي، والنصب حملاً على (موضع أي) ويجوز العطف عليها نحو: يا أيها الرجل وزيد أقبلا، وإذا كان التابع مؤنثًا اختير إثبات التاء نحو: يا أيتها المرأة ولا يلحقها شيء من علامات الفروع إلا التاء، لا علامة تثنية، ولا جمع قال تعالى: «سنفرغ لكم أيها الثقلان»، «وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون».

والذي تقتضيه القواعد، وإطلاق النحاة أنه يجوز في (أي) أن يعطف عليها عطف بيان، وعطف النسق، وتوكيد ويبدل منها، واسم الإشارة يجرى في أحد استعماليه مجرى (أي)، فلا يكتفي به فتوصف إذ ذاك باسم الجنس، وبالموصول ذي (أل)، وقيل ذلك مخصوص بها إذا نعتت (بأل)، فيجب رفع نعتها، وإنما يكون مكتفي بها إذا نعتت بما ليس فيه (أل)، وذكر أنه المتفهم من كلام سيبويه، وقال السيرافي: يجوز فيه الاعتباران فتقول: يا هذا الطويل، وإن أردت الاكتفاء قلت: يا هذا الطويل إن شئت وعلى هذا الاعتبار تقول: يا هذان

[ارتشاف الضرب: 4/ 2196]

زيد، وعمرو، ويا هؤلاء زيد وبكر وخالد إن أردت البدل بنيت، أو عطف البيان، فالرفع والنصب، والعطف فيه كالتثنية تقول: يا هذان الزيدان انتهى.

وإذا قدرت اسم الإشارة وصلة لنداء ما فيه (أل)، لم يجز في نعته إلا الرفع ومن ذلك قوله:

يا ذا المخوفنا بمقتل شيخه = حجر تمنى صاحب الأحلام

وإذا كان مكتفي به في النداء، جاز في الصفة الرفع على اللفظ، والنصب على الموضع، وليس نصب (الصفة) على الموضع بمسموع من كلامهم، وإنما قاله النحويون بالقياس على التقدير الذي ذكرناه، وهو ألا تجعل اسم الإشارة وصلة لنداء ما فيه (أل)، وأن يكون مكتفي به، وتقدم مذهب السيرافي أن اسم الإشارة إذا لحقته كاف الخطاب لم يجز نداؤه ومذهب سيبويه، وابن كيسان الجواز فتقول: يا هذا الرجل، ويا ذاك الرجل، ويا ذلك الرجل، ويا ذانكما الرجلان، ويا أولئكم الرجال، ويا أولئك الرجال، وحكى فيه ابن كيسان عن بعض النحويين سماعًا عن العرب، وانقضى الكلام في تابع (أي) واسم الإشارة.

وأما غيرهما من المناديات، فإن كان كالمرفوع، ويشمل النكرة المقصودة والعلم المفرد مما يبنى على ما يرفع به، والمبني لا بسبب النداء كـ(حذام) ومعد يكرب في لغة من بناهما.

ولا يخلو تابع هذا النوع من أن يكون مضافًا أو غير مضاف، إن كان مضافًا وجب نصبه مطلقًا تقول: يا زيد أخا عمرو، ويا زيد نفسه، ويا زيد عائذ الكلب، ويا زيد وغلام بشر، ما لم يكن كالحسن الوجه مما إضافته غير محضة، فيجوز الرفع على اللفظ، والنصب على الموضع فتقول: يا زيد الحسن الوجه، ويا زيد الضارب الرجل.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2197]

فإن كانت الإضافة محضة وجب النصب، وأجاز الكسائي، والفراء وأبو عبد الله الطوال، وتبعهم ابن الأنباري الرفع في نعت مضاف إضافة محضة نحو: يا زيد صاحبنا، وأجرى الفراء التوكيد بالمضاف مجرى النعت بالمضاف إضافة محضة، فأجاز فيه الرفع والنصب نحو: يا زيد نفسه، ونفسه، وتقول: يا تميم كلهم وكلهم، وقد سمع الرفع فأول على القطع (أي) كلهم أو كلكم مدعو، ومذهب سيبويه والجمهور وجوب النصب والنعت بالمضاف المذكور، وأجاز الفراء في المعطوف المضاف الرفع قياسًا نحو: يا زيد وغلام بشر، وحكم العطف بالمطول حكم النعت بالمضاف فيجب نصبه تقول: يا زيد وخيرًا من عمرو (أقبلا) هذا مذهب الجمهور.

ويجوز إدخال (يا) عليه فتقول: يا زيد ويا خيرًا من عمرو [أقبلا] ومنع أبو عثمان عطفه على يا زيد من غير (أل)، أو إدخال (يا) عليه فتقول: يا زيد والأخير أقبلا، ويا زيد ويا خيرًا من عمرو أقبلا؛ فإن كان التابع غير مضاف جاز فيه الرفع والنصب نحو: يا رجل الطويل ويا غلام بشر، ويا دار جمعاء لقد بان أهلك، ويا رجل والغلام سيرا، ويا زيد الطويل ويا زيد بطة، ويا ديار جمعاء لقد هلكت.

والنص عن الكوفيين أنه لا يجوز في النعت إلا النصب فتقول: يا زيد الطويل، وحكى أحمد بن يحيى عن الفراء أنه لا يجيز في التوكيد بالمفرد إلا النصب فتقول: يا تميم أجمعين، وقال الأستاذ أبو علي: منع قوم الرفع في نحو: يا زيد والنضر، وقالوا: لا يجوز إلا النصب، والسماع يرد عليهم، بل قد قال الجرمي في الفرخ: أكثر قول العرب الرفع في (يا زيد العاقل) انتهى.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2198]

وفي جواز وصف المفرد المقصود خلاف، الأكثرون على المنع، ذكر سيبويه عن يونس أنهم وصفوه بالمعرفة، وأجروه مجرى العلم المفرد في جواز رفع نعته ذي (أل)، ونصبه، فإن أضيف نعته، فكنعت العلم إذا أضيف، والتوكيد وعطف البيان كالنعت، وعطف النسق المفرد يجوز فيه الرفع والنصب، وزعم الأخفش أن تابع النكرة المقصودة من النعت، والتوكيد لا يجوز فيه إلا الرفع، فتقول: يا رجل العاقل ويا رجال أجمعون، وزعم أيضًا في الأشهر من قوليه أن الاسم العلم المبني على الضم لا يجوز في نعته إلا النصب على الموضع، ولا يتبع على اللفظ أصلاً، وأن الحركة في (يا زيد) العاقل بالضم حركة اتباع لا حركة رفع.

وثمرة الخلاف تظهر في النعت المضاف بعد النعت المفرد، فعلى مذهب الأخفش: يا زيد العاقل ذا الجمة، لا يكون في (ذا الجمة) إلا النصب كان نعتًا للمنادى، أو نعتًا للعاقل، ويفصل على مذهب الجمهور، فإن كان ذو الجمة نعتًا للعاقل رفعت، وإن كان نعتًا للمنادى نصبت.

وفي النهاية: أن من النحويين من يعتقد بناء الصفة إذا رفعت في نحو: يا زيد الطويل، لأن حركتها كحركة المنادى انتهى.

وزعم الكوفيون أن النصب في (العاقل) من (يا زيد العاقل)، ليس على الموضع وأن العرب أرادت نداء النعت، فلما لم يدخله النداء نصبته، وإن كان وصفًا موطئًا نحو: يا زيد زيد الطويل، فلك الحمل على الموضع نصبًا، وهو أرجح نص عليه سيبويه، ولك الحمل على اللفظ، ورجحه أبو عمرو، وكلاهما مسموع عن العرب، ويجوز فيه القطع إما على إخبار، وإما على نداء. والأصمعي يوجب القطع، فإن كان التابع بدلاً مفردًا نكرة نصبته ونونته نحو: يا زيد رجلا

[ارتشاف الضرب: 4/ 2199]

صالحًا، أو نكرة مقبلاً عليها، أو اسم إشارة، أو ذا (أل) لم يجز إبدالها منه لا تقول: يا زيد هذا، ولا يا زيد الرجل، وإن كان غير ذلك جاز، وضم ولا ينون نحو: يا زيد بطة، وإن كن التابع منسوقًا نكرة نصبت ونونت وقلت: يا زيد وغلامًا أو مقبلاً عليها، فذهب الأخفش وخطاب إلى أنه لا يجوز العطف فلا تقول: يا زيد ورجل، وأجاز المبرد ذلك أجاز في المقتضب: يا ثلاثة وثلاثون بالرفع إذا أردت يا أيها الثلاثة ويا أيها الثلاثون أو اسم إشارة، فذهب المبرد إلى جواز ذلك نحو: يا زيد وهذا، كما أجاز يا زيد ورجل، ويقتضي مذهب الأخفش وخطاب المنع، وإن كان غير ذلك عاريًا من (أل) جاز العطف بلا خلاف نحو: يا زيد وعمرو ولا تنون عمرًا، وأجاز المازني، والكوفيون: يا زيد وعمرًا بالنصب قاله ابن مالك وقال ابن أصبغ: وحكى ذلك عن المازني، ويجوز في قياس قول الكوفيون، يا زيد وعمرو بالرفع والتنوين، وفي البديع: إن لم يكن في المعطوف ألف ولام فحكمه حكم ما لو ابتدأت به تقول: يا زيد وعمرو، ويا عبد الله وزيد، ويا زيدًا وعمرو أقبل، ويا زيد لا عمرو، وقد جوز المازني والأخفش فيه النصب انتهى.

وإن كان في المنسوق (أل) جاز بإجماع الرفع والنصب نحو: يا زيد والحارث، فإن كان ذو (أل) عطف على نكرة مقبل عليها فلا يجوز فيه على مذهب الأخفش، ومن تبعه إلا الرفع، وهو محجوج بقولهم: يا فسق الخبيث والخبيث بالرفع والنصب، والرفع في ذي (أل) راجح عند الخليل وسيبويه، والمازني،

[ارتشاف الضرب: 4/ 2200]

ومرجوح عند أبي عمرو، ويونس، وعيسى، والجرمي

وأما المبرد ففي المقتضب أنه ذهب إلى اختيار مذهب أبي عمرو، وأصحابه، والتفصيل بين أن تكون فيه (أل) للمح الصفة، فيختار مذهب أبي عمرو حكاه ابن السراج، وإن كان المنادى مضافًا، واتبعته بعطف بيان أو توكيد، أو وصف فلا يكون إلا نصبًا نحو: يا غلام زيد العاقل، ويا غلام زيد صاحب عمرو، ويا أخا زيد عبد الله، ويا أخا زيد كرزًا، ويا أخوة زيد أجمعين، ويا أخوة زيد كلهم، أو يبدل مفرد بني على الضم نحو: يا غلامنا زيد، ولا يكون البدل إلا مما يمكن أن يباشره حرف النداء؛ فلا يجوز: يا عبد الله الرجل الصالح، ولا يا غلام زيد رجل، ولا يا غلام زيد هذا.

أو بعطف نسق، فكالبدل تقول: يا أخانا وزيد بالضم بلا تنوين، وأجاز الكوفيون فيه النصب منونًا وهي في قياس قول المازني أحرى بالجواز من مسألة يا زيد وعمرًا، ويا أخانا وعبد الله، وامتنع يا غلام زيد ورجل ويا غلام زيد وهذا، وجاز أن يكون معرفًا (بأل) فيجب نصبه تقول: يا غلام والرجل أقبلا.

وحكم تابع المنادى المطول حكم تابع المنادى المضاف سواء، فقس عليه تقول في المطول مسمى به، أو نكرة مقصودة يا خيرًا من زيد الكريم، تصفه فيهما بالمعرفة؛ فإن لم تقصدها فبالنكرة كالنكرة غير المقصودة، كما تقول: يا رجلاً قائمًا، والمنادى المضاف إضافة غير محضة [فذهب ابن السراج إلى أنه كالمنادى الذي إضافته غير محضة]، ومذهب الأخفش، والمبرد أنه محكوم

[ارتشاف الضرب: 4/ 2201]

له بحكم الانفصال فهو من قبيل المنادي المطول، وتابع تابع المنادي إن كان من تابع العلم المبني، وما في معناه معربًا، فالحمل عليه نحو: يا زيد الطويل ذو الجمة، إن جعلته تابعًا للطويل، فإن جعلته للمنادي، أو على نداء ثان نصبت.

وتقول: يا زيد ذا الجمة الطويل نصبت، وتقول: يا هذا الطويل ذو الجمة، إن أردت الاكتفاء أجريته كالعلم، وما كان مبنيًا، فتابعه يجري مجرى التابع الأول المبني تقول: يا زيد وعمرو العاقل والعاقل، ويا هذا زيد الطويل والطويل على البدل والاكتفاء.

وما كان من توابع المبهمات اللازمة فهي معربة ليس إلا، كان تابع التابع مضافًا أو لم يكن تقول: يا أيها الرجل ذو الجمة، ويا أيها الرجل زيد، ويا هذا الرجل زيد، وتقول: يا زيد الطويل الجسم إن جعلته نعتًا للطويل، فإن كان (الطويل) مرفوعًا رفعت الجسم، وإن كان منصوبًا نصبته، وإن كان مضافًا نصبته.

وإن كان الجسم نعتًا لـ(زيد) جاز رفعه على اللفظ، ونصبه على الموضع، وتقول: يا زيد الطويل وذو الجمة، فالجمهور على أنه لا يجوز فيه إلا النصب، فتقول: وذا الجمة سواء عطفته على الصفة، أم على الموصوف.

وقال المازني: إن عطفت (ذا الجمة) على الطويل رفعت كما في الصفة، وإن كان في تابع المنادي ضمير جيء به غائبًا، أو مخاطبًا تقول: يا زيد نفسه، ويا تميم كلهم ويا زيد نفسك، ويا تميم كلكم، وقال الأخفش: لا يأتي إلا ضمير غيبة، فأما قول العرب: يا تميم كلكم بالرفع، فعلى الابتداء التقدير: كلكم مدعو، وبالنصب فعلى المفعول أي كلكم دعوت قال: ويجوز في هذا القياس: يا زيد نفسك ونفسك، وهو قبيح.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2202]

وإن كان المنادي المبني (أيا) ووصفت بموصوف (بالذي)، فيجوز أن يعود الضمير غائبًا، وأن يعود مخاطبًا، وأنشد أحمد بن يحيى:

فيا أيها الصمد الذي كنت مرة = نحلك سقيت الأهاضيب من صمد

ويجوز: الذي كان مرة (نحلة) أجرى (أيها) مجرى (أنت) كما قال:

أأنت الهلالي الذي كنت مرة = ... ... ... ... ...

وتقول: يا زيد زيد الضم على نداء ثان كأنه قال: يا زيد يا زيد، وهو على رأي سيبويه، وبالرفع منونًا عطف بيان على اللفظ، وبالنصب منونًا عطف بيان على الموضع، وتقول: يا رجل زيد بالرفع والنصب، ويا رجل عبد الله بالنصب؛ إذا عطف البيان يجرى مجرى النعت.

ومن زعم أن ضمة (يا رجل) إعرابية لم يجز إلا الرفع، كان مفردًا أو مضافًا فتقول: يا رجل زيد، ويا رجل عبد الله، وأكثر النحويين يجعل الثاني في (يا زيد زيد) بدلاً، قال ابن مالك، وذلك عندي غير صحيح، وإذا تكرر لفظ المنادي مضافًا، وكانا علمين نحو

يا تيم تيم عدى .... = ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 2203]

و:

يا زيد زيد اليعملات الذبل

جاز في المنادي الضم على أنه منادي مفرد، وهو الوجه والأكثر، وتنصب الثاني على أنه منادي ثان مضاف، أو مفعولاً بإضمار أعني، أو عطف بيان، أو توكيدًا ذكره ابن مالك، ولم يذكره أصحابنا أعني التوكيد، وقد أبطلناه في الشرح، وأجاز السيرافي نصبها نعتًا وتأول فيه الاشتقاق.

وجاء في المنادي النصب فتقول: يا زيد زيد عدى وفيه مذاهب:

الأول: مذهب سيبويه وهو أن (يا زيد) مضاف إلى عدي، و(زيد) الثاني مقحم بين المنادي المضاف، وما أضيف إليه وأصلهما عنده: يا زيد عدى زيده، فحذف الضمير، وأقحم بين (زيد) المنادي، وعدي، وقد قدره

[ارتشاف الضرب: 4/ 2204]

بعضهم يا زيد عدي زيد عدي، فحذف (عدي)، وأقحم زيدًا بين زيد، وعدي.

المذهب الثاني: مذهب المبرد، وهو أنه حذف (عدي) الأول لدلالة الثاني عليه، وأقر وهو غير مضاف لفظًا بغير تنوين، إقراره حين كان مضافًا لفظًا.

المذهب الثالث: مذهب الأعلم، وهو تركيب الاسمين، فصارا واحدًا، وفتحتهما فتحة بناء، وأضيف المنادي المركب كما قالوا: ما فعلت خمسة عشرك، والإعراب على مذهب سيبويه أنه منصوب على التوكيد، إذ هو مقحم، وعلى مذهب المبرد بدل، أو عطف بيان أو منادي مستأنف أو توكيد، وجاز التوكيد؛ لأن المحذوف مراد، فصار بدلاً لفظيًا.

وعلى مذهب الأعلم في موضع نصب منادي مضاف، فإن لم يكونا علمين وكانا المسمى جنس نحو: يا رجل رجل القوم، فذهب البصريون إلى أنه ينتصب بغير تنوين كالعلمين فتقول: يا رجل رجل القوم، ومنع الكوفيون نصبه، ولم يختلف الجميع في جواز ضمه، أو كانا صفتين نحو: يا صاحب صاحب زيد، ويا صاحب صاحباي، فذهب البصريون إلى أنه ينتصب بغير تنوين، وذهب الكوفيون إلى أنه لا ينتصب إلا منونًا فتقول: يا صاحبًا صاحب زيد، ولم يختلف الجميع في جواز ضمه من غير تنوين.

وإذا أضفت الثاني إلى ضمير مفرد متكلم نحو: يا زيد زيد، ففي جواز ذلك نظر، أو جمع نحو: يا زيد زيدنا، فذهب سيبويه، والجمهور إلى جواز ضم الأول، وأجاز ذلك الكسائي، والفراء، ولا خلاف في جواز الضم والنصب في

[ارتشاف الضرب: 4/ 2205]

الاسم الأول من قولك: يا زيد زيد عمرو، ويقتضي مذهب الفراء أن يكون الأول والثاني معًا، مضافين إلى الثالث قال ذلك في قوله:

... ... ... ... ... = بين ذراعي وجبهة الأسد

لكنه لم يصرح بذلك في يا زيد زيد عمرو.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2206]

فصل

تقدم الكلام على إضافة المنادي إلى ياء المتكلم في آخر فصل من باب الإضافة، وكذا تقدم إن أضيف المنادي إلى مضاف إلى الياء نحو: يا غلام غلامي، وإذا أضيف (ابن)، أو (ابنة) إلى أم، أو (عم) مضافًا إلى الياء، فالغالب الاستعمال دون (يا) بفتح الميم أو كسرها.

فأما الفتح فذهب سيبويه، والبصريون إلى أنهما اسمان جعلا اسمًا واحدًا مركبًا كـ(بعلبك)، وبُنيا على الفتح، وقيل الأصل: يا ابن أمي بفتح ما قبل الياء وانقلبت ألفًا وحذفت، وهذا قول الكسائي، والفراء، وأبي عبيدة قالوا أصله: عمى تحركت الياء، وانفتح ما قبلها، فانقلبت ألفًا، فحذفت لكثرة الاستعمال ووجه جواز حذفها أن التي انقلبت عنها، وهي الياء يجوز حذفها، فكذلك يجوز حذف ما انقلبت عنه، وهي الألف، وهذا الخلاف في (ابن أم).

وأما (الكسر) فظاهر قول الزجاجي، وغيره أنه مما اجترئ فيه بالكسرة عن الياء المحذوفة من (أم) بغير تركيب، وأصحابنا يعتقدون أن (ابن أم) و(ابنة أم)، و(ابن عم) و(ابنة عم) حكمت العرب لهما بحكم اسم واحد، وحذفوا الياء كحذفهم إياها من أحد عشر إذا أضافوه إليها، وكسر الميم والفتح لغتان فصيحتان قرئ بهما في السبعة، وربما تثبت الياء، فقيل: يا ابن أمي، أو قلبت ألفًا، فقيل

[ارتشاف الضرب: 4/ 2207]

يا ابن أما، وهما لغتان قليلتان، وأجاز أبو عمرو قلب هذه الياء ألفًا في النداء وغيره.

وقال ابن زيدان في كتاب (التمشية): في يا ابنة عمي خمس لغات: يا ابنة عمي، عما، عم، عم، والخامسة فيها خلاف وتقول: يا أبت ويا أمت، وهذه التاء عوض من ياء الإضافة عند البصريين فلا يجتمعان إلا في ضرورة، وأجاز الجمع بينهما في الكلام كثير من الكوفيين، وتكسر التاء وتفتح، وقرئ بهما، والكسر أفصح واختلفوا في ضمها فأجازه الفراء، وأبو جعفر النحاس، ولم يجزه الزجاج.

وقال سيبويه: سألت الخليل عن قولهم: يا أبت ويا أمت ويا أبتاه ويا أمتاه، فزعم أن هذه التاء بمنزلة (الهاء) في عمه وخاله، وزعم أنه سمع من العرب من يقول: يا أمة لا تفعلي بالضم، ومذهب البصريين الوقف على هذه التاء بالهاء، ومذهب الفراء بالتاء، وبالتاء وقف عليها أبو عمرو بن العلاء، وقرأ أبو جعفر «يا حسرتي» بفتح الياء جمع بين العوض والمعوض، قال ابن جني ومن

[ارتشاف الضرب: 4/ 2208]

ذلك: يا أبتاه في قوله:

يا أبتا علك أو عساكًا

وقالوا في: (أبا) المقصور يا أبت، وتقول في الكناية عن نكرة من يعقل باهن، وقال ابن عصفور: قد يكنى به عن معرفة من يعقل ومعناه يا رجل، ويا إنسان، وحكى أبو حاتم تثنيته وجمعه وتأنيثه تقول: يا هن، ويا هنان، ويا هنون، ويا هنت، ويا هنتان، ويا هنات، وتلحق آخرهن هاء السكت فتقول: يا هناه ساكنة وبالضم وبالكسر، ويا هنانيه، ويا هنوناه، ويا هنتاه، ويا هنتانيه، ويا هنتاتوه، وذكر الأخفش في الأوسط تثنيته أيضًا وجمعه ملحقًا فيه الألف والهاء، وغير ملحق قال: وإن أضفته إلى نفسك لم يكن فيه إلا وجه واحد تقول: (يا هن) أقبل، ويا هني أقبلا، ويا هني أقبلوا، وللمرأة يا هنت أقبلي، ويا هنتي أقبلا، ويا هنات أقبلن.

واختلفوا في مادة هذه الكلمة على خمسة أقوال:

أحدها: أن أصلها (هـ ن هـ) من باب (سلس) وهو مذهب أبي زيد.

الثاني: أن أصلها (هـ ن و) فالهاء في (هناه) بدل من واو.

الثالث: أن الهاء بدل من همزة، والهمزة بدل من واو، فالهاء بدل من بدل، وهو مذهب ابن جني.

الرابع: أن الألف والهاء زائدتان، لكن في نفس البناء على حد زيادة الهمزة في (أحمر) فوزنه (فعلاه)، إذ أصله: هنواه تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا فحذفت لالتقاء الساكنين، أو حذفت لام الكلمة أو لا، وزيد في بناء الكلمة الألف والهاء.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2209]

الخامس: أن تكون الهاء هاء السكت، والألف قبلها، الألف التي تلحق في مثل: يا زيد إذا ندبت، وهو مذهب الفراء، ونسبه بعضهم إلى أكثر النحاة، ولو ذهب ذاهب إلى أن أصل (هن) ومادته (هـ ن ن) مستدلاً بما حكى أبو الخطاب من قولهم: يا هناتان في التثنية يريد: يا هنان لكان مذهبًا، فـ(هنان) فعال من المضاعف، و(هن) محذوف منه، ولا التفات إلى زعم المازني أنه لا يعرف هنانين، ولا رأي يعرفه، لأن أبا الخطاب ثقة مأمون فيما نقل، قال ابن خروف (وهن) كناية عن إنسان يقال أتاني (هن بن هن)، وللأنثى منه إذا وصلت قلت: هنت، فإذا وقفت قلت: هنه، وتقول: هذه هنه مقبلة، وقد نسبوا إلى (هن) جميعًا فقالوا: الهنيين انتهى.

ومن زعم أن الهاء أصلية أو بدل من أصل، أو بدل من بدل، أو زائدة في نفس البنية يقول في التثنية: يا هناهان، ويا هنتاهان، ويا هناهون، ويا هنتاهات، وهذا شيء لم يسمع من العرب، إنما سمع ما حكاه أبو حاتم من قولهم: يا هنانيه إلى آخره.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2210]

باب الاستغاثة والتعجب والشبيه بها

ما صح أن يكون منادي صح أن يكون مستغاثًا به، ومتعجبًا منه [وأجمعوا على جواز أن يكون (بأل) نحو: يا لله، ويا للرجال، ويا للماء، ولام المستغاث به، والمتعجب به] مفتوحة.

ومذهب سيبويه أنها ليست زائدة، وتتعلق بفعل النداء، ومذهب ابن جني أنها تتعلق بحرف النداء، واختيار ابن خروف أنها زائدة فلا تتعلق بشيء، ولام المستغاث لأجله على أصلها من الكسر، وفيما تتعلق به أقوال:

أحدها: بفعل النداء.

الثاني: بفعل محذوف تقديره: أدعوك لزيد.

والثالث: بمحذوف في موضع الحال أي مدعوًا لزيد، وهو مذهب ابن الباذش، وقد يجر المستغاث من أجله (بمن) نحو قول الشاعر:

يا للرجال ذوي الأباب من نفر = لا يبرح السفه المردي لهم دينا

وقد يحذف المستغاث من أجله كقول عمر رضي الله عنه لما طعنه فيروز لعنه الله: (يا لله يا للمسلمين)، كما يحذف المستغاث به، فيلي (يا) المستغاث من أجله نحو قوله:

يا لأناس أبوا إلا مثابرة = على التوغل في بغي وعدوان

[ارتشاف الضرب: 4/ 2211]

التقدير: يا لقومي لأناس، وقد يجرون المستغاث به مجرى النداء، فيأمرونه كما قال:

يا لقومي أنشروا لي كليبًا = ... ... ....

ويستفهمونه كما قال:

يا لقوم من للعلي والمساعي = ... ... ... ... ...

وإذا عطفت على المستغاث به، ولم تكرر (يا) جر المعطوف بلام مكسورة على الأصل، أو كررت فمفتوحة نحو: بالزيد والبكر لخالد، وإذا أدخلت (يا) على المضمر، فاللام مفتوحة إلا مع الياء كحال ذلك في غير الاستغاثة والتعجب، فإذا قلت: يا لك احتمال أن يكون مستغاثًا به، ومستغاثًا من أجله وقيل في قوله:

فيا لك من ليل كأن نجومه = ... ... ... ...

[ارتشاف الضرب: 4/ 2212]

اللام فيه للاستغاثة والتعجب استغاث به منه لطوله كأنه قال: يا ليل ما أطولك، وإذا قلت (يالى)، فقال ابن جني: يجوز في قول الشاعر:

فيا شوق ما أبقى وبالي من النوى = ... ... ... ... ... ...

أن يكون مستغاثًا به، كأنه استغاث بنفسه من النوى، وأن يكون مستغاثًا له، وحذف المستغاث به، وذهب ابن عصفور إلى أنه لا يجوز في (يالى) حيث ما وقع الضمير إلا أن يكون مستغاثًا له، والمستغاث به محذوف.

والمستغاث به لا يكون إلا معلومًا ولا يدخل، ولا على المتعجب منه من حروف النداء إلا (يا) خاصة، ولا يجوز حذفها فيهما، وقل ورود (وا) في التعجب كقول عمر رضي الله عنه: واعجبًا لك يا ابن العاص، وإذا ولى (يا) اسم لا يصلح للنداء، إلا مجازًا، جاز فتح اللام اعتبارًا، بكونه مستغاثًا به، وكسرها باعتبار كونه مستغاثًا من أجله، وكون المستغاث به محذوفًا روى عن العرب في قولهم: يا للعجب، ويا للدواهي، ويا للماء، ونحوها بفتح اللام وكسرها، وربما اتحد المستغاث به، والمستغاث من أجله كقولك: يا لزيد لزيد أي أدعوك لتنتصف من نفسك، وليست (لام) الاستغاثة بقية (أل) [وأن الأصل يا (أل) زيد، فيكون (زيد) مخفوضًا بالإضافة، وحكى ابن مالك: أنها بقية (أل)] عند الكوفيين، وقاله صاحب النهاية عن الفراء، وحكى الفراء أن

[ارتشاف الضرب: 4/ 2213]

من الناس من زعم أن اللام في (يا لزيد) وأشباهه ليست لام جر، بل هي بقية من (أل)، فظاهر حكايته أنه ليس مذهب الكوفيين، وأنه لا يقول بذلك، لأنه من رءوس الكوفيين.

وتعاقب اللام ألف كألف المندوب فتقول: يا زيدًا لعمرو، ولا يجمع بينهما، فلا يجوز: يا لزيدا لعمرو، والأصل في الاستغاثة اللام، وتقول: يا عجباه، إذا أرادوا تأكيد التعجب، والألف معاقبة للام الإضافة، وربما استغنى عن لام الاستغاثة والتعجب ومعاقبها تقول: يا زيد ويا عجب كما ينادي بصورة النداء المطلق.

ويا لزيد، ويا للعجب، ويا زيداه، ويا عجباه إذا وقفت، ويا زيدًا ويا عجبا إذا وصلت، وإذا وصفت المستغاث به جررت الصفة تقول: يا لزيد الشجاع للمظلوم.

وفي النهاية: لا يبعد نصب الصفة حملاً على الموضع، لأن الجار والمجرور لا بد له من شيء يتعلق به.

[ارتشاف الضرب: 4/ 2214]

======

===========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جلد 3. الحيوان للجاحظ /الجزء الثالث

  الجزء الثالث بسم الله الرحمن الرحيم فاتحة استنشاط القارئ ببعض الهزل وإن كنَّا قد أمَلْلناك بالجِدِّ وبالاحتجاجاتِ الصحيحة والم...