كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس


مراجع في المصطلح واللغة

مراجع في المصطلح واللغة

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 مايو 2022

مجلد 12. الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 420 .

 

12.

مجلد 12. الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 420 .

 -----
يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ
أي يريد الحياة ليتعاطى الفجور فيها. وقيل معناه ليذنب فيها. وقيل معناه يذنب ويقول غدا أتوب ثم لا يفعل فيكون ذلك فجورا لبذله عهدا لا يفى به. وسمى الكاذب فاجرا لكون الكذب بعض الفجور.
وقولهم ونخلع ونترك من يفجرك أي من يكذبك وقيل من يتباعد عنك ، وأيام الفجار وقائع اشتدت بين العرب.
(فجا) : قال تعالى : وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ أي ساحة واسعة ، ومنه قوس فجاء وفجواء بان وتراها عن كبدها ، ورجل أفجى بين الفجا : أي متباعد ما بين العرقوبين.
(فحش) : الفحش والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال ، وقال تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ - وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ - مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ - إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ - إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ - إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ كناية عن الزنا ، وكذلك قوله تعالى : وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ وفحش فلان صار فاحشا. ومنه قول الشاعر :
عقيلة مال الفاحش المتشدد
يعنى به العظيم القبح فى البخل ، والمتفحش الذي يأتى بالفحش.
(فخر) : الفخر المباهاة فى الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه ، ويقال له الفخر ورجل فاخر وفخور وفخير على التكثير ، قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ويقال فخرت فلانا على صاحبه أفخره فخرا حكمت له بفضل عليه ، ويعبر عن كل نفيس بالفاخر يقال ثوب فاخر وناقة فخور عظيمة الضرع ، كثيرة الدر ، والفخار الجرار وذلك لصوته إذا نقر كأنما تصور بصورة من يكثر التفاخر. قال تعالى : مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ.
(فدى) : الفدى والفداء حفظ الإنسان عن النائبة بما يبذله عنه ، قال تعالى : فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً يقال فديته بمال وفديته بنفسي وفاديته بكذا ، قال تعالى : إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وتفادى فلان من فلان أي تحامى من شىء بذله. وقال تعالى : وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وافتدى إذا بذل ذلك عن

(1/3524)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 421
نفسه ، قال تعالى : فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ - وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ والمفاداة هو أن يرد أسر العدى ويسترجع منهم من فى أيديهم ، قال تعالى : وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ - لَافْتَدَتْ بِهِ - لِيَفْتَدُوا بِهِ - وَلَوِ افْتَدى بِهِ - لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وما يقى به الإنسان نفسه من مال يبذله فى عبادة قصر فيها يقال له فدية ككفارة اليمين وكفارة الصوم نحو قوله تعالى : فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ - فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ.
(فر) : أصل الفر الكشف عن سن الدابة يقال فررت فرارا ومنه فر الدهر جدعا ومنه الافترار وهو ظهور السن من الضحك ، وفر عن الحرب فرارا. قال تعالى : فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ - فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ - فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً - لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ - فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ وأفررته جعلته فارا ، ورجل فر وفار ، والمفر موضع الفرار ووقته والفرار نفسه وقوله : أَيْنَ الْمَفَرُّ يحتمل ثلاثتها.
(فرت) : الفرات الماء العذب يقال للواحد والجمع ، قال تعالى :
وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً - هذا عَذْبٌ فُراتٌ.
(فرث) : قال تعالى : مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً أي ما فى الكرش ، يقال فرثت كبده أي فتتتها ، وأفرث فلان أصحابه أوقعهم فى بلية جارية مجرى الفرث.
(فرج) : الفرج والفرجة الشق بين الشيئين كفرجة الحائط والفرج ما بين الرجلين وكنى به عن السوأة وكثر حتى صار كالصريح فيه ، قال تعالى :
وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها - لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ - وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ واستعير الفرج للثغر وكل موضع مخافة. وقيل الفرجان فى الإسلام الترك والسودان ، وقوله تعالى : وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ أي شقوق وفتوق ، قال تعالى : وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ أي انشقت والفرج انكشاف الغم ، يقال فرج اللَّه عنك ، وقوس فرج انفرجت سيتاها ، ورجل فرج لا يكتم سره وفرج لا يزال ينكشف فرجه ، وفراريج الدجاج لانفراج البيض عنها ودجاجة مفرج ذات فراريج ، والمفرج القتيل الذي انكشف عنه القوم فلا يدرى من قتله.

(1/3525)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 422
(فرح) : الفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة وأكثر ما يكون ذلك فى اللذات البدنية فلهذا قال تعالى : وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ - وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا - ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ - حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا - فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ - إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ولم يرخص فى الفرح إلا فى قوله تعالى :
فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا - وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ والمفراح الكثير الفرح ، قال الشاعر :
و لست بمفراح إذا الخير مسنى ولا جازع من صرفه المتقلب
و ما يسرنى بهذا الأمر مفرح ومفروح به ، ورجل مفرح أثقله الدين ، و
فى الحديث : «لا يترك فى الإسلام مفرح
، فكأن الإفراح يستعمل فى جلب الفرح وفى إزالة الفرح كما أن الإشكاء يستعمل فى جلب الشكوى وفى إزالتها ، فالمدان قد أزيل فرحه فلهذا قيل لا غم إلا غم الدين.
(فرد) : الفرد الذي لا يختلط به غيره فهو أعم من الوتر وأخص من الواحد ، وجمعه فرادى ، قال تعالى : لا تَذَرْنِي فَرْداً أي وحيدا ، ويقال فى اللَّه فرد تنبيها أنه بخلاف الأشياء كلها فى الازدواج المنبه عليه بقوله تعالى :
وَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ وقيل معناه المستغنى عما عداه ، كما نبه عليه بقوله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ وإذا قيل هو منفرد بوحدانيته ، فمعناه هو مستغن عن كل تركيب وازدواج تنبيها أنه مخالف للموجودات كلها. وفريد واحد ، وجمعه فرادى نحو أسر وأسارى ، قال تعالى : وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى .
(فرش) : الفرش بسط الثياب ، ويقال للمفروش فرش وفراش ، قال تعالى : الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً أي ذللها ولم يجعلها نائية لا يمكن الاستقرار عليها ، والفراش جمعه فرش ، قال تعالى : وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ - فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ والفرش ما يفرش من الأنعام أي يركب ، قال تعالى :
حَمُولَةً وَفَرْشاً وكنى بالفراش ما يفرش عن كل واحد من الزوجين
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم : «الولد للفراش»
و فلان كريم المفارش أي النساء. وأفرش الرجل صاحبه أي اغتابه وأساء القول فيه ، وأفرش عنه أقلع ، والفراش طير معروف ، قال تعالى :
كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ وبه شبه فراشة القفل ، والفراشة الماء القليل فى الإناء.

(1/3526)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 423
(فرض) : الفرض قطع الشيء الصلب والتأثير فيه كفرض الحديد وفرض الزند والقوس والمفراض والمفرض ما يقطع به الحديد ، وفرضة الماء مقسمة. قال تعالى : لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً أي معلوما وقيل مقطوعا عنهم والفرض كالإيجاب لكن الإيجاب يقال اعتبارا بوقوعه وثباته ، والفرض بقطع الحكم فيه. قال تعالى : سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها أي أوجبنا العمل بها عليك ، وقال تعالى : إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ أي أوجب عليك العمل به ، ومنه يقال لما ألزم الحاكم من النفقة فرض. وكل موضع ورد فرض اللَّه عليه ففى الإيجاب الذي أدخله اللَّه فيه وما ورد من فَرَضَ اللَّهُ لَهُ فهو فى أن لا يحظره على نفسه نحو قوله تعالى : ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ وقوله : قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وقوله تعالى :
وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً أي سميتم لهن مهرا ، وأوجبتم على أنفسكم بذلك ، وعلى هذا يقال فرض له فى العطاء وبهذا النظر ، ومن هذا الغرض قيل للعطية فرض وللدين فرض ، وفرائض اللَّه تعالى ما فرض لأربابها ، ورجل فارض وفرضى بصير بحكم الفرائض قال تعالى : فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ إلى قوله تعالى :
فِي الْحَجِّ أي من عين على نفسه إقامة الحج ، وإضافة فرض الحج إلى الإنسان دلالة أنه هو معين الوقت ، ويقال لما أخذ فى الصدقة فريضة ، قال تعالى : إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ إلى قوله تعالى : فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وعلى هذا ما روى أن أبا بكر الصديق رضى اللَّه عنه كتب إلى بعض عماله كتابا وكتب فيه : هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المسلمين. والفارض المسن من البقر ، قال تعالى : لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ وقيل إنما سمى فارضا لكونه فارضا للأرض أي قاطعا أو فارضا لما يحمل من الأعمال الشاقة ، وقيل : بل لأن فريضة البقر اثنان تبيع ومسنة ، فالتبيع يجوز فى حال دون حال ، والمسنة يصح بذلها فى كل حال فسميت المسنة فارضة لذلك ، فعلى هذا يكون الفارض اسما إسلاميّا.
(فرط) : فرط إذا تقدم تقدما بالقصد يفرط ، ومنه الفارط إلى الماء أي المتقدم لإصلاح الدلو ، يقال فارط وفرط ، ومنه قوله عليه السلام : «أنا فرطكم على الحوض» وقيل فى الولد الصغير إذا مات اللهم اجعله لنا فرطا ، وقوله تعالى :
أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أي يتقدم ، وفرس فرط يسبق الخيل ، والإفراط أن يسرف فى التقدم ، والتفريط أن يقصر فى الفرط ، يقال ما فرطت فى كذا أي ما قصرت ،

(1/3527)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 424
قال : ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ - ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ - ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ وأفرطت القربة ملأتها وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً أي إسرافا وتضييعا.
(فرع) : فرع الشجر غصنه وجمعه فروع ، قال تعالى : وَفَرْعُها فِي السَّماءِ واعتبر ذلك على وجهين ، أحدهما : بالطول فقيل فرع كذا إذا طال وسمى شعر الرأس فرعا لعلوه ، وقيل رجل أفرع وامرأة فرعاء وفرعت الجبل وفرعت رأسه بالسيف وتفرعت فى بنى فلان تزوجت فى أعاليهم وأشرافهم.
و الثاني : اعتبر بالعرض فقيل تفرع كذا وفروع المسألة ، وفروع الرجل أولاده ، وفرعون اسم أعجمى وقد اعتبر عرامته فقيل تفرعن فلان إذا تعاطى فعل فرعون كما يقال أبلس وتبلس ومنه قيل للطغاة الفراعنة والأبالسة.
(فرغ) : الفراغ خلاف الشغل وقد فرغ فراغا ، وفروغا وهو فارغ ، قال تعالى : سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ - وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً أي كأنما فرغ من لبها لما تداخلها من الخوف وذلك كما قال الشاعر :
كأن جؤجؤه هواء
و قيل فارغا من ذكره أي أنسيناها ذكره حتى سكنت واحتملت أن تلقيه فى اليم ، وقيل فارغا أي خاليا إلا من ذكره ، لأنه قال تعالى : إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها ومنه : فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وأفرغت الدلو صببت ما فيه ومنه استعير : أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وذهب دمه فراغا أي مصبوبا ومعناه باطلا لم يطلب به ، وفرس فريغ واسع العدو كأنما يفرغ العدو إفراغا ، وضربه فريغة واسعة ينصب منها الدم.
(فرق) : الفرق يقارب الفلق لكن الفلق يقال اعتبارا بالانشقاق والفرق يقال اعتبارا بالانفصال ، قال تعالى : وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ والفرق القطعة المنفصلة ومنه الفرقة للجماعة المتفردة من الناس ، وقيل فرق الصبح وفلق الصبح ، قال تعالى : فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ والفريق الجماعة المتفرقة عن آخرين ، قال تعالى : وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ - فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ - فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ - إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي - فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ - وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ - وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وفرقت بين الشيئين فصلت بينهما سواء كان ذلك بفصل تدركه

(1/3528)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 425
البصر أو بفصل تدركه البصيرة ، قال تعالى : فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ - فَالْفارِقاتِ فَرْقاً يعنى الملائكة الذين يفصلون بين الأشياء حسبما أمرهم اللَّه وعلى هذا قوله تعالى : فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وقيل عمر الفاروق رضى اللَّه عنه لكونه فارقا بين الحق والباطل ، وقوله تعالى : وَقُرْآناً فَرَقْناهُ أي بينا فيه الأحكام وفصلناه وقيل فرقناه أي أنزلناه مفرقا ، والتفريق أصله للتكثير ويقال ذلك فى تشتيت الشمل والكلمة نحو قوله تعالى : يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ - رَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ
و قوله تعالى : لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وقوله تعالى : لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ إنما جاز أن يجعل التفريق منسوبا إلى أحد من حيث إن لفظ أحد يفيد الجمع فى النفي ، وقال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وقرىء فارقوا والفراق والمفارقة تكون بالأبدان أكثر. قال تعالى : هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ وقوله تعالى : وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ أي غلب على قلبه أنه حين مفارقته الدنيا بالموت ، وقوله تعالى :
وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ أي يظهرون الإيمان باللَّه ويكفرون بالرسل خلاف ما أمرهم اللَّه به. وقوله تعالى : وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أي آمنوا برسل اللَّه جميعا ، والفرقان أبلغ من الفرق لأنه يستعمل فى الفرق بين الحق والباطل وتقديره كتقدير رجل قنعان يقنع به فى الحكم وهو اسم لا مصدر فيما قيل ، والفرق يستعمل فى ذلك وفى غيره وقوله تعالى : يَوْمَ الْفُرْقانِ أي اليوم الذي يفرق فيه بين الحق والباطل ، والحجة والشبهة وقوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً أي نورا وتوفيقا على قلوبكم يفرق بين الحق والباطل ، فكان الفرقان هاهنا كالسكينة والروح فى غيره وقوله تعالى :
وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ قيل أريد به يوم بدر فإنه أول يوم فرق فيه بين الحق والباطل ، والفرقان كلام اللَّه تعالى ، لفرقه بين الحق والباطل فى الاعتقاد والصدق والكذب فى المقال والصالح والطالح فى الأعمال وذلك فى القرآن والتوراة والإنجيل ، قال تعالى : وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ - آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ - وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ - تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ - شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ والفرق تفرق القلب من الخوف ، واستعمال الفرق فيه كاستعمال الصدع والشق فيه ، قال تعالى : وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ويقال رجل فروق وفروقة وامرأة كذلك ومنه قيل للناقة التي تذهب فى الأرض نادة من وجع المخاض

(1/3529)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 426
فارق وفارقة وبها شبه السحابة المنفردة فقيل فارق. والأفرق من الديك ما عرفه مفروق ، ومن الخيل ما أحد وركيه أرفع من الآخر ، والفريقة تمر يطبخ بحلبة ، والفروقة شحم الكليتين.
(فره) : الفره الأشر وناقة مفرهة تنتج الفره ، وقوله تعالى :
وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ أي حاذقين وجمعه فره ويقال ذلك فى الإنسان وفى غيره ، وقرىء فرهين فى معناه وقيل معناهما أشرين.
(فرى) : الفري قطع الجلد للخرز والإصلاح والإفراء للإفساد والافتراء فيهما وفى الإفساد أكثر وكذلك استعمل فى القرآن فى الكذب والشرك والظلم نحو قوله تعالى : وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً - انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وفى الكذب نحو قوله تعالى : افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا - وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ - أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ - وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ - أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ - إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ. وقوله تعالى : لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا قيل معناه عظيما وقيل عجيبا وقيل مصنوعا وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد.
(فز) : قال تعالى : وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ أي أزعج. فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ أي يزعجهم ، وفزنى فلان أي أزعجنى ، والفز ولد البقرة وسمى بذلك لما تصور فيه من الخفة كما يسمى عجلا لما تصور فيه من العجلة.
(فزع) : الفزع انقباض ونفار يعترى الإنسان من الشيء المخيف وهو من جنس الجزع ولا يقال فزعت من اللَّه كما يقال خفت منه. وقوله تعالى :
لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ فهو الفزع من دخول النار. فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ - وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ - حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ أي أزيل عنها الفزع ، ويقال فزع إليه إذا استغاث به عند الفزع ، وفزع له أغاثه وقول الشاعر :
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع
أي صارخ أصابه فزع ، ومن فسره بأن معناه المستغيث فإن ذلك تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ الفزع.

(1/3530)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 427
(فسح) : الفسح والفسيح الواسع من المكان والتفسح والتوسع ، يقال فسحت مجلسه فتفسح فيه ، قال تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ومنه قيل فسحت لفلان أن يفعل كذا كقولك وسعت له وهو فى فسحة من هذا الأمر.
(فسد) : الفساد خروج الشيء عن الاعتدال قليلا كان الخروج عنه أو كثيرا ويضاده الصلاح ويستعمل ذلك فى النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة ، يقال فسد فسادا وفسودا ، وأفسده غيره ، قال تعالى : لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ - لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا - ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ - وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ - وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ - أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ - لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ - إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها - إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ - وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.
(فسر) : الفسر إظهار المعنى المعقول ومنه قيل لما ينبىء عنه البول تفسرة وسمى بها قارورة الماء ، والتفسير فى المبالغة كالفسر ، والتفسير قد يقال فيما يختص بمفردات الألفاظ وغريبها وفيما يختص بالتأويل ، ولهذا يقال تفسير الرؤيا وتأويلها ، قال تعالى : وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً.
(فسق) : فسق فلان خرج عن حجر الشرع وذلك من قولهم فسق الرطب إذا خرج عن قشره وهو أعم من الكفر. والفسق يقع بالقليل من الذنوب وبالكثير لكن تعورف فيما كان كثيرا وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأقر به ثم أخل بجميع أحكامه أو ببعضه ، وإذا قيل للكافر الأصلى فاسق فلأنه أخل بحكم ما ألزمه العقل واقتضته الفطرة ، قال تعالى : فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ - فَفَسَقُوا فِيها
- وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ - وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ - أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً - وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ أي من يستر نعمة اللَّه فقد خرج عن طاعته وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ - وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ - وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ - إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ - كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا - أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً فقابل به الإيمان. فالفاسق أعم من الكافر والظالم أعم من الفاسق وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ إلى قوله تعالى :
قال عليه الصلاة والسلام : «اقتلوا الفويسقة فإنها توهى السقاء وتضرم البيت على أهله»
قال ابن الأعرابى : لم يسمع الفاسق فى وصف الإنسان فى كلام العرب وإنما قالوا فسقت الرطبة ع

(1/3531)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 429 و
فى الحديث : «من أنفق نفقة فاصلة فله من الأجر كذا»
أي نفقة تفصل بين الكفر والإيمان.
(فض) : الفض كسر الشيء والتفريق بين بعضه وبعضه كفض ختم الكتاب وعنه استعير انفض القوم. قال تعالى : وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها - لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ والفضة اختصت بأدون المتعامل بها من الجواهر ، ودرع فضفاضة وفضفاض واسعة.
(فضل) : الفضل الزيادة عن الاقتصار وذلك ضربان : محمود كفضل العلم والحلم ، ومذموم كفضل الغضب على ما يجب أن يكون عليه. والفضل فى المحمود أكثر استعمالا والفضول فى المذموم ، والفضل إذا استعمل لزيادة أحد الشيئين على الآخر فعلى ثلاثة أضرب : فضل من حيث الجنس كفضل جنس الحيوان على جنس النبات ، وفضل من حيث النوع كفضل الإنسان على غيره من الحيوان وعلى هذا النحو قوله تعالى : وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ إلى قوله تعالى :
تَفْضِيلًا وفضل من حيث الذات كفضل رجل على آخر. فالأولان جوهريان لا سبيل للناقص فيهما أن يزيل نقصه وأن يستفيد الفضل كالفرس والحمار لا يمكنهما أن يكتسبا الفضيلة التي خص بها الإنسان ، والفضل الثالث قد يكون عرضيّا فيوجد السبيل على اكتسابه ومن هذا النوع التفضيل المذكور فى قوله تعالى : وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ - لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ يعنى المال وما يكتسب وقوله : بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فإنه يعنى بما حص به الرجل من الفضيلة الذاتية له والفضل الذي أعطيه من المكنة والمال والجاه والقوة ، وقال تعالى : وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ - فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ وكل عطية لا تلزم من يعطى يقال لها فضل نحو قوله تعالى : وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ - ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ - ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وعلى هذا قوله تعالى : قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ - وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ.
(فضا) : الفضاء المكان الواسع ومنه أفضى بيده إلى كذا وأفضى إلى امرأته فى الكناية أبلغ وأقرب إلى التصريح من قولهم خلا بها. قال تعالى : وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وقول الشاعر :
طعامهم فوضى فضا فى رحالهم

(1/3532)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 430
أي مباح كأنه موضوع فى فضاء يفيض فيه من يريده.
(فطر) : أصل الفطر الشق طولا ، يقال فطر فلان كذا فطرا وأفطر هو فطورا وانفطر انفطارا ، قال تعالى : هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ أي اختلال وو هى فيه وذلك قد يكون على سبيل الفساد وقد يكون على سبيل الصلاح قال تعالى :
السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا وفطرت الشاة حلبتها بإصبعين ، وفطرت العجين إذا عجنته فخبزته من وقته ، ومنه الفطرة. وفطر اللَّه الخلق وهو إيجاده الشيء وإبداعه على هيئة مترشحة لفعل من الأفعال فقوله : فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها فإشارة منه تعالى إلى ما فطر أي أبدع وركز فى الناس من معرفته تعالى ، وفطرة اللَّه هى ما ركز فيه من قوته على معرفة الإيمان وهو المشار إليه بقوله : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وقال تعالى : الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وقال تعالى : الَّذِي فَطَرَهُنَّ - وَالَّذِي فَطَرَنا أي أبدعنا وأوجدنا يصح أن يكون الانفطار فى قوله تعالى : السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ إشارة إلى قبول ما أبدعها وأفاضه علينا منه. والفطر ترك الصوم يقال فطرته وأفطرته وأفطر هو ، وقيل للكمأة فطر من حيث إنها تفطر الأرض فتخرج منها.
(فظ) : الفظ الكريه الخلق ، مستعار من الفظ أي ماء الكرش وذلك مكروه شربه لا يتناول إلا فى أشد ضرورة ، قال تعالى : وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ.
(فعل) : الفعل التأثير من جهة مؤثر وهو عام لما كان بإجادة أو غير إجادة ولما كان بعلم أو غير علم وقصد أو غير قصد ، ولما كان من الإنسان والحيوان والجمادات ، والعمل مثله ، والصنع أخص منهما كما تقدم ذكرهما ، قال تعالى : وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ - وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً - يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ أي إن لم تبلغ هذا الأمر فأنت فى حكم من لم يبلغ شيئا بوجه ، والذي من جهة الفاعل يقال له مفعول ومنفعل وقد فصل بعضهم بين المفعول والمنفعل فقال : المفعول يقال إذا اعتبر بفعل الفاعل ، والمنفعل إذا اعتبر قبول الفعل فى نفسه ، قال : فالمفعول أعم من المنفعل لأن المنفعل يقال لما لا يقصد الفاعل إلى إيجاده وإن تولد منه كحمرة اللون من خجل يعترى من رؤية إنسان ، والطرب الحاصل عن الغناء ، وتحرك

(1/3533)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 431
العاشق لرؤية معشوقة وقيل لكل فعل انفعال إلا للإبداع الذي هو من اللَّه تعالى فذلك هو إيجاد عن عدم لا فى عرض وفى جوهر بل ذلك هو إيجاد الجوهر.
(فقد) : الفقد عدم الشيء بعد وجوده فهو أخص من العدم لأن العدم يقال فيه وفيما لم يوجد بعد ، قال تعالى : ما ذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ والتفقد التعهد لكن حقيقة التفقد تعرف فقدان الشيء والتعهد تعرف العهد المتقدم ، قال تعالى : وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ والفاقد المرأة التي تفقد ولدها أو بعلها.
(فقر) : الفقر يستعمل على أربعة أوجه : الأول : وجود الحاجة الضرورية وذلك عام للإنسان مادام فى دار الدنيا بل عام للموجودات كلها ، وعلى هذا قوله تعالى : يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وإلى هذا الفقر أشار بقوله تعالى فى وصف الإنسان : وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ والثاني : عدم المقتنيات وهو المذكور فى قوله تعالى : لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا إلى قوله تعالى : مِنَ التَّعَفُّفِ وقوله : إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وقوله :
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ الثالث : فقر النفس وهو الشره المعنى
بقوله عليه الصلاة والسلام : «كاد الفقر أن يكون كفرا»
و هو المقابل
بقوله : «الغنى غنى النفس»
و المعنى بقولهم : من عدم القناعة لم يفده المال غنى.
الرابع : الفقر إلى اللَّه المشار إليه
بقوله عليه الصلاة والسلام : «اللهم أغننى بالافتقار إليك ، ولا تفقرنى بالاستغناء عنك»
و إياه عنى بقوله تعالى : رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ وبهذا ألم الشاعر فقال :
و يعجبنى فقرى إليك ولم يكن ليعجبنى لولا محبتك الفقر
و يقال افتقر فهو مفتقر وفقير ، ولا يكاد يقال فقر وإن كان القياس يقتضيه.
وأصل الفقير هو المكسور الفقار ، يقال فقرته فاقرة أي داهية تكسر الفقار وأفقرك الصيد فارمه أي أمكنك من فقاره ، وقيل هو من الفقرة أي الحفرة ، ومنه قيل لكل حفيرة يجتمع فيها الماء فقير ، وفقرت للفسيل حفرت له حفيرة غرسته فيها ، قال الشاعر :
ما ليلة الفقير إلا شيطان

(1/3534)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 432
فقيل هو اسم بئر ، وفقرت الخرز ثقبته ، وأفقرت البعير ثقبت خطمه.
(فقع) : يقال أصفر فاقع إذا كان صادق الصفرة كقولهم أسود حالك ، قال : صَفْراءُ فاقِعٌ والفقع ضرب من الكمأة وبه يشبه الذليل فيقال أذل من فقع بقاع ، قال الخليل : سمى الفقاع لما يرتفع من زبده وفقاقيع الماء تشبيها به.
(فقه) : الفقه هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم ، قال تعالى : فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً - ولكن لا يَفْقَهُونَ إلى غير ذلك من الآيات ، والفقه العلم بأحكام الشريعة ، يقال فقه الرجل فقاهة إذا صار فقيها ، وفقه أي فهم فقها ، وفقهه أي فهمه ، وتفقه إذا طلبه فتخصص به ، قال تعالى : لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ.
(فكك) : الفكك التفريج وفك الرهن تخليصه وفك الرقبة عتقها.
وقوله : فَكُّ رَقَبَةٍ قيل هو عتق المملوك ، وقيل بل هو عتق الإنسان نفسه من عذاب اللَّه بالكلم الطيب والعمل الصالح وفك غيره بما يفيده من ذلك والثاني :
يحصل للإنسان بعد حصول الأول فإن من لم يهتد فليس فى قوته أن يهدى كما بينت فى مكارم الشريعة ، والفكك انفراج المنكب عن مفصله ضعفا ، والفكان ملتقى الشدقين. وقوله تعالى : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ أي لم يكونوا متفرقين بل كانوا كلهم على الضلالة كقوله : كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً الآية ، وما انفك يفعل كذا نحو : مازال يفعل كذا.
(فكر) : الفكرة قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم ، والتفكر جولان تلك القوة بحسب نظر العقل وذلك للإنسان دون الحيوان ، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة فى القلب ولهذا
روى : «تفكروا فى آلاء اللَّه ولا تفكروا فى اللَّه إذ كان اللَّه منزها أن يوصف بصورة»
قال تعالى : أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ - أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ - إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ - يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ورجل فكير كثير الفكرة ، قال بعض الأدباء : الفكر مقلوب عن الفكر لكن يستعمل الفكر فى المعاني وهو فرك الأمور وبحثها طلبا للوصول إلى حقيقتها.

(1/3535)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 433
(فكه) : الفاكهة قيل هى الثمار كلها وقيل بل هى الثمار ما عدا العنب والرمان. وقائل هذا كأنه نظر إلى اختصاصهما بالذكر ، وعطفهما على الفاكهة ، قال تعالى : وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ - وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ - وَفاكِهَةً وَأَبًّا - فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ - وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ. والفاكهة حديث ذوى الأنس ، وقوله تعالى : فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ قيل تتعاطون الفكاهة ، وقيل تتناولون الفاكهة. وكذلك قوله تعالى : فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ.
(فلح) : الفلح الشق ، وقيل الحديد بالحديد يفلح ، أي يشق. والفلاح الأكار لذلك. والفلاح الظفر وإدراك بغية ، وذلك ضربان : دنيوى وأخروى ، فالدنيوى الظفر بالسعادات التي تطيب بها حياة الدنيا وهو البقاء والغنى والعز وإياه قصده الشاعر بقوله :
أفلح بما شتت؟؟؟ فقد يدرك بالض عف وقد يخدع الأريب
و فلاح أخروى وذلك أربعة أشياء : بقاء بلا فناء ، وغنى بلا فقر ، وعز بلا ذل ، وعلم بلا جهل. ولذلك قيل : «لا عيش إلا عيش الآخرة» وقال تعالى :
وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ - أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى - قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها - قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ - إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ - فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وقوله تعالى : وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى فيصح أنهم قصدوا به الفلاح الدنيوي وهو الأقرب ، وسمى السحور الفلاح ، ويقال إنه سمى بذلك لقولهم عنده حى على الفلاح وقولهم فى الآذان حى على الفلاح أي على الظفر الذي جعله لنا بالصلاة وعلى هذا قوله : «حتى خفنا أن يفوتنا الفلاح» أي الظفر الذي جعل لنا بصلاة العتمة.
(فلق) : الفلق شق الشيء وإبانة بعضه عن بعض يقال فلقته فانفلق ، قال تعالى : فالِقُ الْإِصْباحِ - إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى - فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وقيل للمطمئن من الأرض بين ربوتين فلق ، وقوله تعالى :
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ أي الصبح وقيل الأنهار المذكورة فى قوله تعالى : أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وقيل هو الكلمة التي علم اللَّه تعالى موسى ففلق بها البحر ، والفلق المفلوق كالنقض والنكث للمنقوض والمنكوث ،

(1/3536)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 434
و قيل الفلق العجب والفيلق كذلك ، والفليق والفالق ما بين الجبلين وما بين السنامين من ظهر البعير.
(فلك) : الفلك السفينة ويستعمل ذلك للواحد والجمع وتقديرهما مختلفان فإن الفلك إن كان واحدا كان كبناء قفل ، وإن كان جمعا فكبناء حمر ، قال تعالى : حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ - وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ - وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ - وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ والفلك مجرى الكواكب وتسميته بذلك لكونه كالفلك ، قال تعالى : وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وفلكة المغزل ومنه اشتق فلك ثدى المرأة ، وفلكت الجدى إذا جعلت فى لسانه مثل فلكة يمنعه عن الرضاع.
(فلن) : فلان وفلانة كنايتان عن الإنسان ، والفلان والفلانة كنايتان عن الحيوانات ، قال تعالى : يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا تنبيها أن كل إنسان يندم على من خاله وصاحبه فى تحرى باطل فيقول ليتنى لم أخاله وذلك إشارة إلى ما قال تعالى : الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ.
(فنن) : الفنن الغصن الغض الورق وجمعه أفنان ويقال ذلك للنوع من الشيء وجمعه فنون وقوله تعالى : ذَواتا أَفْنانٍ أي ذواتا غصون وقيل ذواتا ألوان مختلفة.
(فند) : التفنيد نسبة الإنسان إلى الفند وهو ضعف الرأى ، قال تعالى :
لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ قيل أن تلومونى وحقيقته ما ذكرت والإفناد أن يظهر من الإنسان ذلك ، والفند شمراخ الجبل وبه سمى الرجل فندا.
(فهم) : الفهم هيئة للإنسان بها يتحقق معانى ما يحسن ، يقال فهمت كذا وقوله : فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وذلك إما بأن جعل اللَّه له من فضل قوة الفهم. ما أدرك به ذلك. وإما بأن ألقى ذلك فى روعه أو بأن أوحى إليه وخصه به ، وأفهمته إذا قلت له حتى تصوره ، والاستفهام أن يطلب من غيره أن يفهمه.
(فوت) : الفوت بعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذر إدراكه ، قال :
وَ إِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ وقال تعالى :

(1/3537)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 435
لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ - وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ أي لا يفوتون ما فزعوا منه ، ويقال هو منى فوت الرمح أي حيث لا يدركه الرمح ، وجعل اللَّه رزقه فوت فمه أي حيث يراه ولا يصل إليه فمه ، والافتيات افتعال منه ، وهو أن يفعل الإنسان الشيء من دون ائتمار من حقه أن يؤتمر فيه ، والتفاوت الاختلاف فى الأوصاف كأنه يفوت وصف أحدهما الآخر أو وصف كل واحد منهما الآخر ، قال تعالى :
ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ أي ليس فيها ما يخرج عن مقتضى الحكمة.
(فوج) : الفوج الجماعة المارة المسرعة وجمعه أفواج ، قال تعالى :
كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ - فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ - فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً.
(فأد) : الفؤاد كالقلب لكن يقال له فؤاد إذا اعتبر فيه معنى التفؤد أي التوقد ، يقال فأدت اللحم شويته ولحم فئيد مشوى ، قال تعالى : ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى - إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ وجمع الفؤاد أفئدة ، قال تعالى :
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ - وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ - وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ - نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ وتخصيص الأفئدة تنبيه على فرط تأثير له.
(فور) : الفور شدة الغليان ويقال ذلك فى النار نفسها إذا هاجت وفى القدر وفى الغضب نحو قوله تعالى : وَهِيَ تَفُورُ - وَفارَ التَّنُّورُ قال الشاعر :
و لا العرق فارا
و يقال فار فلان من الحمى يفور والفوارة ما تقذف به القدر من فورانه وفوارة الماء سميت تشبيها بغليان القدر ، ويقال فعلت كذا من فورى أي فى غليان الحال وقيل سكون الأمر ، قال تعالى : وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا والفار جمعه فيران ، وفأرة المسك تشبيها بها فى الهيئة ، ومكان فئر فيه الفأر.
(فوز) : الفوز الظفر بالخير مع حصول السلامة ، قال تعالى : ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ - فازَ فَوْزاً عَظِيماً - ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ وفى أخرى :
الْعَظِيمِ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ والمفازة قيل سميت تفاؤلا للفوز وسميت بذلك إذا وصل بها إلى الفوز فإن الفقر كما يكون سببا للهلاك فقد يكون سببا للفوز

(1/3538)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 436
فيسمى بكل واحد منهما حسبما يتصور منه ويعرض فيه ، وقال بعضهم : سميت مفازة من قولهم فاز الرجل إذا هلك ، فإن يكن فوز بمعنى هلك صحيحا فذلك راجع إلى الفوز تصورا لمن مات بأنه نجا من حبالة الدنيا ، فالموت وإن كان من وجه هلكا فمن وجه فوز ولذلك قيل ما أحد إلا والموت خير له ، هذا إذا اعتبر بحال الدنيا ، فأما إذا اعتبر بحال الآخرة فيما يصل إليه من النعيم فهو الفوز الكبير فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وقوله تعالى : فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ فهى مصدر فاز والاسم الفوز أي لا تحسبنهم يفوزون ويتخلصون من العذاب. وقوله تعالى : إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً أي فوزا ، أي مكان فوز ثم فسر فقال تعالى : حَدائِقَ وَأَعْناباً الآية. وقوله تعالى :
وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ إلى قوله تعالى : فَوْزاً عَظِيماً أي يحرصون على أغراض الدنيا ويعدون ما ينالونه من الغنيمة فوزا عظيما.
(فوض) : قال تعالى : وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ أرده إليه وأصله من قولهم ما لهم فوضى بينهم قال الشاعر :
طعامهم فوضى فضا فى رحالهم
و منه شركة المفاوضة.
(فيض) : فاض الماء إذا سال منصبا ، قال تعالى : تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ وأفاض إناءه إذا ملأه حتى أساله وأفضته ، قال تعالى : أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ ومنه فاض صدره بالسر أي سال ورجل فياض أي سخى ومنه استعير أفاضوا فى الحديث إذا خاضوا فيه ، قال تعالى : لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ - هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ - إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وحديث مستفيض منتشر ، والفيض الماء الكثير ، يقال إنه أعطاه غيضا من فيض أي قليلا من كثير وقوله تعالى : فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ وقوله تعالى : ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ أي دفعتم منها بكثرة تشبيها بفيض الماء ، وأفاض بالقداح ضرب بها ، وأفاض البعير بجرته رمى بها ودرع مفاضة أفيضت على لا بسها كقولهم درع مسنونة من سننت أي صببت.

(1/3539)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 437
(فوق) : فوق يستعمل فى الزمان والمكان والجسم والعدد والمنزلة وذلك أضرب ، الأول باعتبار العلو نحو قوله تعالى : وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ - مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ - وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها ويقابله تحت قال تعالى : قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ الثاني : باعتبار الصعود والحدور نحو قوله : إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ الثالث : يقال فى العدد نحو قوله تعالى : فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ الرابع : فى الكبر والصغر مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها قيل أشار بقوله تعالى : فَما فَوْقَها إلى العنكبوت المذكور فى الآية ، وقيل معناه ما فوقها فى الصغر ومن قال أراد ما دونها فإنما قصد هذا المعنى ، وتصور بعض أهل اللغة أنه يعنى أن فوق يستعمل بمعنى دون فأخرج ذلك فى جملة ما صنفه من الأضداد ، وهذا توهم منه الخامس : باعتبار الفضيلة الدنيوية نحو قوله تعالى :
وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ أو الأخروية : وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ - فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا السادس : باعتبار القهر والغلبة نحو قوله تعالى : وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وقوله عن فرعون : وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ ومن فوق ، قيل فاق فلان غيره يفوق إذا علاه وذلك من فوق المستعمل فى الفضيلة ، ومن فوق يشتق فوق السهم وسهم أفوق انكسر فوقه ، والإفاقة رجوع الفهم إلى الإنسان بعد السكر أو الجنون والقوة بعد المرض ، والإفاقة فى الحلب رجوع الدر وكل درة بعد الرجوع يقال لها فيقة ، والفواق ما بين الحلبتين. وقوله : ما لَها مِنْ فَواقٍ أي من راحة ترجع إليها ، وقيل ما لها من رجوع إلى الدنيا. قال أبو عبيدة : من قرأ : مِنْ فَواقٍ بالضم فهو من فواق الناقة أي ما بين الحلبتين ، وقيل هما واحد نحو جمام وجمام ، وقيل استفق ناقتك أي اتركها حتى يفوق لبنها ، وفوق فصيلك أي اسقه ساعة بعد ساعة ، وظل يتفوق المحض ، قال الشاعر :
حتى إذا فيقة فى ضرعها اجتمعت
(فيل) : الفيل معروف جمع فيلة وفيول قال تعالى : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ ورجل فيل الرأى وفال الرأى أي ضعيفه ، والمفايلة لعبة يخبئون شيئا فى التراب ويقسمونه ويقولون فى أيها هو ، والفائل عرق فى خربة الورك أو لحم عليها.

(1/3540)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 438
(فوم) : الفوم الحنطة وقيل هى الثوم ، يقال ثوم وفوم كقولهم جدث وجدف ، قال تعالى : وَفُومِها وَعَدَسِها.
(فوه) : أفواه جمع فم وأصل فم فوه وكل موضع علق اللَّه تعالى حكم القول بالفم فإشارة إلى الكذب وتنبيه أن الاعتقاد لا يطابقه نحو قوله تعالى :
ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وقوله تعالى : كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ - يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ - فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ - مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ - يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ومن ذلك فوهة النهر كقولهم : فم النهر ، وأفواه الطيب الواحد فوه.
(فيأ) : الفيء والفيئة الرجوع إلى حالة محمودة ، قال تعالى : حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ - فَإِنْ فاءَتْ وقال تعالى : فَإِنْ فاؤُ ومنه فاء الظل ، والفيء لا يقال إلا للراجع منه ، قال تعالى : يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ وقيل للغنيمة التي لا يلحق فيها مشقة فىء ، قال تعالى : ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ - مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ قال بعضهم : سمى ذلك بالفيء الذي هو الظل تنبيها أن أشرف أعراض الدنيا يجرى مجرى ظل زائل ، قال الشاعر :
أرى المال أفياء الظلام عشية
و كما قال :
إنما الدنيا كظل زائل
و الفيء الجماعة المتظاهرة التي يرجع بعضهم إلى بعض فى التعاضد ، قال تعالى :
إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً - كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً - فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا - فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ - مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ - فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ.

(1/3541)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 439
القاف
(قبح) : القبيح ما ينوب عنه البصر من الأعيان وما تنبو عنه النفس من الأعمال والأحوال وقد قبح قباحة فهو قبيح ، وقوله تعالى : مِنَ الْمَقْبُوحِينَ أي من الموسومين بحالة منكرة ، وذلك إشارة إلى ما وصف اللَّه تعالى به الكفار من الرجاسة والنجاسة إلى غير ذلك من الصفات ، وما وصفهم به يوم القيامة من سواد الوجوه وزرقة العيون وسحبهم بالأغلال والسلاسل ونحو ذلك ، يقال :
قبحه اللَّه عن الخير أي نحاه ، ويقال لعظم الساعد ، مما يلى النصف منه إلى المرفق قبيح.
(قبر) : القبر مقر الميت ومصدر قبرته جعلته فى القبر وأقبرته جعلت له مكانا يقبر فيه نحو أسقيته جعلت له ما يسقى منه ، قال تعالى : ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ قيل معناه ألهم كيف يدفن ، والمقبرة والمقبرة موضع القبور وجمعها مقابر ، قال تعالى : حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ كناية عن الموت. وقوله تعالى :
إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ إشارة إلى حال البعث وقيل إشارة إلى حين كشف السرائر فإن أحوال الإنسان مادام فى الدنيا مستورة كأنها مقبورة فتكون القبور على طريق الاستعارة ، وقيل معناه إذا زالت الجهالة بالموت فكأن الكافر والجاهل ما دام فى الدنيا فهو مقبور فإذا مات فقد أنشر وأخرج من قبره أي من جهالته وذلك حسبما
روى : «الإنسان نائم فإذا مات انتبه»
و إلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى : وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ أي الذين هم فى حكم الأموات.
(قبس) : القبس المتناول من الشعلة ، قال تعالى : أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ والقبس والاقتباس طلب ذلك ثم يستعار لطلب العلم والهداية. قال تعالى : انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ وأقبسته نارا أو علما أعطيته ، والقبيس فحل سريع الإلقاح تشبيها بالنار فى السرعة.
(قبص) : القبص التناول بأطراف الأصابع ، والمتناول بها يقال له القبص والقبيصة ، ويعبر عن القليل بالقبيص وقرىء : (فقبصت قبصة)

(1/3542)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 440
و القبوص الفرس الذي لا يمس فى عدوه الأرض إلا بسنابكه وذلك استعارة كاستعارة القبص له فى العدو.
(قبض) : القبض تناول الشيء بجميع الكف نحو قبض السيف وغيره ، قال تعالى : فَقَبَضْتُ قَبْضَةً فقبض اليد على الشيء جمعها بعد تناوله ، وقبضها عن الشيء جمعها قبل تناوله وذلك إمساك عنه ومنه قيل لإمساك اليد عن البذل قبض. قال تعالى : يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ أي يمتنعون من الإنفاق ويستعار القبض لتحصيل الشيء وإن لم يكن فيه مراعاة الكف كقولك قبضت الدار من فلان ، أي حزتها. قال تعالى : وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي فى حوزه حيث لا تمليك لأحد. وقوله تعالى : ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً فإشارة إلى نسخ الظل الشمس. ويستعار القبض ، للعدو لتصور الذي يعدو بصورة المتناول من الأرض شيئا. وقوله تعالى : يقبض ويبسط أي يسلب تارة ويعطى تارة ، أو يسلب قوما ويعطى قوما أو يجمع مرة ويفرق أخرى ، أو يميت ويحيى ، وقد يكنى بالقبض عن الموت فيقال قبضه اللَّه وعلى هذا النحو
قوله عليه الصلاة والسلام : «ما من آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن»
أي اللَّه قادر على تصريف أشرف جزء منه فكيف ما دونه ، وقيل راعى قبضة :
يجمع الإبل ، والانقباض جمع الأطراف ويستعمل فى ترك التبسط.
(قبل) : قبل يستعمل فى التقدم المتصل والمنفصل ويضاده بعد ، وقيل يستعملان فى التقدم المتصل ويضادهما دبر ودبر هذا فى الأصل وإن كان قد يتجوز فى كل واحد منهما. فقبل يستعمل على أوجه ، الأول : فى المكان بحسب الإضافة فيقول الخارج من أصبهان إلى مكة : بغداد قبل الكوفة ، ويقول الخارج من مكة إلى أصبهان : الكوفة قبل بغداد. الثاني : فى الزمان نحو : زمان عبد الملك قبل المنصور ، قال تعالى : فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ. الثالث : فى المنزلة نحو : عبد الملك قبل الحجاج. الرابع : فى الترتيب الصناعى نحو تعلم الهجاء قبل تعلم الخط ، وقوله تعالى : ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ وقوله تعالى : قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها - قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ - أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فكل إشارة إلى التقدم الزمانى. والقبل والدبر يكنى بهما عن السوأتين ، والإقبال التوجه نحو القبل ، كالاستقبال ، قال تعالى : فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ - وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ - فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ والقابل الذي يستقبل الدلو من البئر فيأخذه ، والقابلة

(1/3543)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 441
التي تقبل الولد عند الولادة ، وقبلت عذره وتوبته وغيره وتقبلته كذلك ، قال تعالى : وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ - وَقابِلِ التَّوْبِ - وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ - إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ والتقبل قبول الشيء على وجه يقتضى ثوابا كالهدية ونحوها ، قال تعالى : أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وقوله تعالى : إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ تنبيه أن ليس كل عبادة متقبلة بل إنما يتقبل إذا كان على وجه مخصوص ، قال تعالى : فَتَقَبَّلْ مِنِّي وقيل للكفالة قبالة فإن الكفالة هى أوكد تقبل ، وقوله تعالى : فَتَقَبَّلْ مِنِّي فباعتبار معنى الكفالة ، وسمى العهد المكتوب قبالة ، وقوله تعالى : فَتَقَبَّلَها قيل معناه قبلها وقيل معناه تكفل بها ويقول اللَّه تعالى كلفتنى أعظم كفالة فى الحقيقة وإنما قيل : فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ ولم يقبل بتقبل للجمع بين الأمرين : التقبل الذي هو الترقي فى القبول ، والقبول الذي يقتضى الرضا والإثابة. وقيل القبول هو من قولهم فلان عليه قبول إذا أحبه من رآه ، وقوله تعالى : كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا قيل هو جمع قابل ومعناه مقابل لحواسهم ، وكذلك قال مجاهد : جماعة جماعة ، فيكون جمع قبيل ، وكذلك قوله تعالى : أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا ومن قرأ قُبُلًا فمعناه عيانا.
والقبيل جمع قبيله وهى الجماعة المجتمعة التي يقبل بعضها على بعض ، قال تعالى :
وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ - وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا أي جماعة جماعة وقيل معناه كفيلا من قولهم قبلت فلانا وتقبلت به أي تكفلت به ، وقيل مقابلة أي معاينة ، ويقال فلان لا يعرف قبيلا من دبير أي ما أقبلت به المرأة من غزلها وما أدبرت به.
و المقابلة والتقابل أن يقبل بعضهم على بعضهم على بعض إما بالذات وإما بالعناية والتوفر والمودة ، قال تعالى : مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ - إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ولى قبل فلان كذا كقولك عنده ، قال تعالى : وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ - فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ويستعار ذلك للقوة والقدرة على المقابلة أي المجازاة فيقال لا قبل لى بكذا أي لا يمكننى أن أقابله ، قال تعالى : فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها أي لا طاقة لهم على استقبالها ودفاعها. والقبلة فى الأصل اسم للحالة التي عليها المقابل نحو الجلسة والقعدة ، وفى التعارف صار اسما للمكان المقابل المتوجه إليه للصلاة نحو قوله تعالى : فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها والقبول ريح الصبا وتسميتها بذلك لاستقبالها القبلة. وقبيلة الرأس موصل الشئون وشاة مقابلة قطع من قبل أذنها ، وقبال النعل زمامها ، وقد قابلتها جعلت لها قبالا ، وللقبل الفحج ، والقبلة خرزة يزعم الساحر أنه يقبل بالإنسان على وجه الآخر ، ومنه القبلة وجمعها قبل وقبلته تقبيلا.

(1/3544)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 442
(قتر) : القتر تقليل النفقة وهو بإزاء الإسراف وكلاهما مدمومان ، قال تعالى : وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ورجل قتور ومقتر ، وقوله تعالى : وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً تنبيه على ما جبل عليه الإنسان من البخل كقوله تعالى : وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وقد قترت الشيء وأقترته وقتّرته أي قللته ومقتر فقير ، قال تعالى : وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ وأصل ذلك من القتار والقتر ، وهو الدخان الساطع من الشواء والعود ونحوهما فكأن المقتر والمقترّ يتناول من الشيء قتاره ، وقوله تعالى : تَرْهَقُها قَتَرَةٌ نحو قوله تعالى : غَبَرَةٌ وذلك شبه دخان يغشى الوجه من الكذب. والقترة ناموس الصائد الحافظ لقتار الإنسان أي الريح لأن الصائد يجتهد أن يخفى ريحه عن الصيد لئلا يند ، ورجل قاتر ضعيف كأنه قتر فى الخفة كقوله هو هباء ، وابن قترة حية صغيرة خفيفة ، والقتير رؤوس مسامير الدرع.
(قتل) : أصل القتل إزالة الروح عن الجسد كالموت لكن إذا اعتبر بفعل المتولى لذلك يقال قتل وإذا اعتبر بفوت الحياة يقال موت قال تعالى : أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ وقوله تعالى : فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ - قُتِلَ الْإِنْسانُ وقيل قوله تعالى : قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ لفظ قتل دعاء عليهم وهو من اللَّه تعالى إيجاد ذلك ، وقوله تعالى : فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قيل معناه ليقتل بعضكم بعضا وقيل عنى بقتل النفس إماطة الشهوات وعنه استعير على سبيل المبالغة قتلت الخمر بالماء إذا مزجته ، وقتلت فلانا وقتّلته ، إذا ذللته ، قال الشاعر :
كأن عينى فى غربى مقتلة
و قتلت كذا علما : وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً أي ما علموا كونه مصلوبا يقينا.
و المقاتلة المحاربة وتحرى القتل ، قال تعالى : وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ - وَلَئِنْ قُوتِلُوا - قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ - وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ وقيل القتل العدو والقرن وأصله المقاتل ، وقوله تعالى : قاتَلَهُمُ اللَّهُ قيل معناه لعنهم اللَّه ، وقيل معناه قتلهم والصحيح أن ذلك هو المفاعلة والمعنى صار بحيث يتصدى لمحاربة اللَّه فإن من قاتل اللَّه فمقتول ومن غالبه فهو مغلوب كما قال تعالى : إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ
و قوله تعالى : وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ فقد قيل إن ذلك نهى عن وأد البنات ، وقال بعضهم بل نهى عن تضييع البذر بالعزلة ووضعه فى غير موضعه وقيل إن ذلك نهى عن شغل الأولاد بما يصدهم عن العلم وتحرى

(1/3545)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 443
ما يقتضى الحياة الأبدية إذ كان الجاهل والغافل عن الآخرة فى حكم الأموات ، ألا ترى أنه وصفهم بذلك فى قوله تعالى : أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وعلى هذا :
وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ألا ترى أنه قال : وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ وقوله تعالى :
لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ فإنه ذكر لفظ القتل دون الذبح والذكاة ، إذ كان القتل أعم هذه الألفاظ تنبيها أن تفويت روحه على جميع الوجوه محظور ، يقال أقتلت فلانا عرضته للقتل واقتتله العشق والجن ولا يقال ذلك فى غيرهما ، والاقتتال كالمقاتلة ، قال تعالى :
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا.
(قحم) : الاقتحام توسط شدة مخيفة ، قال تعالى : فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ - هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ وقحم الفرس فارسه : توغل به ما يخاف عليه ، وقحم فلان نفسه فى كذا من غير روية ، والمقاحيم الذين يقتحمون فى الأمر ، قال الشاعر :
مقاحيم فى الأمر الذي يتجنب
و يروى : يتهيب.
(قدد) : القد قطع الشيء طولا ، قال تعالى : إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ - وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ والقد المقدود ، ومنه قيل لقامة الإنسان قد كقولك تقطيعه ، وقددت اللحم فهو قديد ، والقدد الطرائق ، قال تعالى :
طَرائِقَ قِدَداً الواحدة قدة ، والقدة الفرقة من الناس والقدة كالقطعة واقتد الأمر دبره كقولك فصله وصرمه ، وقد : حرف يختص بالفعل والنحويون يقولون هو للتوقع وحقيقته أنه إذا دخل على فعل ماض فإنما يدخل على كل فعل متجدد نحو قوله تعالى : قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا - قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ - لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ - لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ - لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وغير ذلك ولما قلت لا يصح أن يستعمل فى أوصاف اللَّه تعالى الذاتية. فيقال قد كان اللَّه عليما حكيما وأما قوله قد : عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى فإن ذلك متناول للمرض فى المعنى كما أن النفي فى قولك : ما علم اللَّه زيدا يخرج ، وهو للخروج وتقدير ذلك قد يمرصون فيما علم اللَّه ، وما يخرج زيد فيما علم اللَّه وإذا دخل «قد» على المستقبل من الفعل فذلك الفعل يكون فى حالة دون حالة نحو قوله تعالى : قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً أي قد يتسللون أحيانا فيما

(1/3546)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 444
علم اللَّه وقد وقط : يكونان اسما للفعل بمعنى حسب ، يقال قدنى كذا وقطنى كذا ، وحكى قدى ، وحكى الفراء قد زيدا وجعل ذلك مقيسا على ما سمع من قولهم قدنى وقدك ، والصحيح أن ذلك لا يستعمل مع الظاهر وإنما جاء عنهم فى المضمر.
(قدر) : القدرة إذا وصف بها الإنسان فاسم لهيئة له بها يتمكن من فعل شىء ما ، وإذا وصف اللَّه تعالى بها فهى نفى العجز عنه ومحال أن يوصف غير اللَّه بالقدرة المطلقة معنى وإن أطلق عليه لفظا بل حقه أن يقال قادر على كذا ، ومتى قيل هو قادر فعلى سبيل معنى التقييد ولهذا لا أحد غير اللَّه يوصف بالقدرة من وجه إلا ويصح أن يوصف بالعجز من وجه ، واللَّه تعالى هو الذي ينتفى عنه العجز من كل وجه. والقدير هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضى الحكمة لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه ولذلك لا يصح أن يوصف به إلا اللَّه تعالى ، قال تعالى :
أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ والمقتدر يقاربه نحو : عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ لكن قد يوصف به البشر وإذا استعمل فى اللَّه تعالى فمعناه معنى القدير ، وإذا استعمل فى البشر فمعناه المتكلف والمكتسب للقدرة ، يقال قدرت على كذا قدرة ، قال تعالى : لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا والقدر والتقدير تبيين كمية الشيء يقال قدرته وقدرته ، وقدره بالتشديد أعطاه القدرة يقال قدرنى اللَّه على كذا وقوانى عليه فلتقدير اللَّه الأشياء على وجهين ، أحدهما : بإعطاء القدرة ، والثاني :
بأن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة ، وذلك أن فعل اللَّه تعالى ضربان : ضرب أوجده بالفعل ، ومعنى إيجاده بالفعل أن أبدعه كاملا دفعة لا تعتريه الزيادة والنقصان إلى أن يشاء أن يفنيه أو يبدله كالسموات وما فيها. ومنها ما جعل أصوله موجودة بالفعل وأجزاءه بالقوة وقدره على وجه لا يتأتى منه غير ما قدره فيه كتقديره فى النواة أن ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون ، وتقدير منى الإنسان أن يكون منه الإنسان دون سائر الحيوانات.
فتقدير اللَّه على وجهين ، أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا أو لا يكون كذا ، إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الإمكان. وعلى ذلك قوله تعالى : قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً. والثاني : بإعطاء القدرة عليه. وقوله : فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ تنبيها أن كل ما يحكم به فهو محمود فى حكمه أن يكون من قوله تعالى : قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً وقرىء فَقَدَرْنا بالتشديد وذلك

(1/3547)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 445
منه أو من إعطاء القدرة ، وقوله تعالى : نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ فإنه تنبيه أن ذلك حكمة من حيث إنه هو المقدر وتنبيه أن ذلك ليس كما زعم المجوس أن اللَّه يخلق وإبليس يقتل ، وقوله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إلى آخرها أي ليلة قيضها لأمور مخصوصة. وقوله تعالى : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ وقوله تعالى : وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ إشارة إلى ما أجرى من تكوير الليل على النهار وتكوير النهار على الليل ، وأن ليس أحد يمكنه معرفة ساعاتهما وتوفية حق العبادة منهما فى وقت معلوم ، وقوله تعالى : مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ فإشارة إلى ما أوجده فيه بالقوة فيظهر حالا فحالا إلى الوجود بالصورة ، وقوله تعالى : وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً فقدر إشارة إلى ما سبق به القضاء والكتابة فى اللوح المحفوظ. والمشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام : «فرغ ربكم من الخلق والأجل والرزق» ، والمقدور إشارة إلى ما يحدث عنه حالا فحالا مما قدر وهو المشار إليه بقوله تعالى : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ وعلى ذلك قوله تعالى : وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ قال أبو الحسن : خذه بقدر كذا وبقدر كذا ، وفلان يخاصم بقدر وقدر ، وقوله تعالى : عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ.
أي ما يليق بحاله مقدرا عليه ، وقوله تعالى : وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى أي أعطى كل شىء ما فيه مصلحته وهداه لما فيه خلاصة إما بالتسخير وإما بالتعليم كما قال تعالى : أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى والتقدير من الإنسان على وجهين أحدهما : التفكر فى الأمر بحسب نظر العقل وبناء الأمر عليه وذلك محمود ، والثاني أن يكون بحسب التمني والشهوة وذلك مذموم كقوله تعالى : فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ وتستعار القدرة والمقدور للحال والسعة فى المال ، والقدر وقت الشيء المقدر له والمكان المقدر له ، قال تعالى : إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ وقال : فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها أي بقدر المكان المقدر لأن يسعها ، وقرىء : بِقَدَرِها أي تقديرها. وقوله تعالى : وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ قاصدين أي معينين لوقت قدوره ، وكذلك قوله تعالى : فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وقدرت عليه الشيء ضيقته كأنما جعلته بقدر بخلاف ما وصف بِغَيْرِ حِسابٍ ، قال تعالى :
وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أي ضيق عليه وقال : يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وقال : فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ أي لن نضيق عليه وقرىء : لَنْ

(1/3548)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 446
نَقْدِرَ عَلَيْهِ
، ومن هذا المعنى اشتق الأقدر أي القصير العنق وفرس أقدر يضع حافر رجله موضع حافر يده وقوله تعالى : وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ أي ما عرفوا كنهه تنبيها أنه كيف يمكنهم أن يدركوا كنهه وهذا وصفه وهو قوله تعالى :
وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، وقوله تعالى : أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ أي أحكمه ، وقوله تعالى : فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ومقدار الشيء للشىء المقدر له وبه وقتا كان أو زمانا أو غيرهما ، قال تعالى : فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وقوله تعالى : لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ فالكلام فيه مختص بالتأويل. والقدر اسم لما يطبخ فيه اللحم ، قال تعالى : وَقُدُورٍ راسِياتٍ وقدرت اللحم طبخته فى القدر ، والقدير المطبوخ فيها ، والقدر الذي ينحر ويقدر قال الشاعر :
ضرب القدار نقيعة القدام
(قدس) : التقديس التطهير الإلهى المذكور فى قوله تعالى : وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً دون التطهير الذي هو إزالة النجاسة المحسوسة ، وقوله تعالى : وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ أي نظهر الأشياء ارتساما لك ، وقيل نقدسك أي نصفك بالتقديس. وقوله تعالى : قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ يعنى به جبريل من حيث إنه ينزل بالقدس من اللَّه أي بما يطهر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهى ، والبيت المقدس هو المطهر من النجاسة أن الشرك ، وكذلك الأرض المقدسة ، قال تعالى : يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وحظيرة القدس قيل الجنة وقيل الشريعة وكلاهما صحيح فالشريعة حظيرة منها يستفاد القدس أو الطهارة.
(قدم) : القدم قدم الرجل وجمعه أقدام ، قال تعالى : وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ وبه اعتبر التقدم والتأخر ، والتقدم على أربعة أوجه كما ذكرنا من قبل ، ويقال حديث وقديم ذلك إما باعتبار الزمانين وإما بالشرف نحو فلان متقدم على فلان أي أشرف منه ، وإما لما لا يصح وجود غيره إلا بوجوده كقولك الواحد متقدم على العدد بمعنى أنه لو توهم ارتفاعه لارتفعت الأعداد ، والقدم وجود فيما مضى والبقاء وجود فيما يستقبل ، وقد ورد فى وصف اللَّه ، يا قديم الإحسان ، ولم يرد فى شىء من القرآن والآثار الصحيحة : القديم فى وصف اللَّه تعالى

(1/3549)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 447
و المتكلمون يستعملونه ، ويصفونه به ، وأكثر ما يستعمل القديم باعتبار الزمان نحو قوله تعالى : كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ وقوله : قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي سابقة فضيلة وهو اسم مصدر وقدمت كذا ، قال تعالى : أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ، وقال : لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ وقدمت فلانا أقدمه إذا تقدمته ، قال تعالى : يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ - بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وقوله تعالى : لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قيل معناه لا تتقدموه وتحقيقه لا تسبقوه بالقول والحكم بل افعلوا ما يرسمه لكم كما يفعله العباد المكرمون وهم الملائكة حيث قال تعالى : لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وقوله : لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ أي لا يريدون تأخّرا ولا تقدّما. وقوله تعالى :
وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ أي ما فعلوه ، قيل وقدمت إليه بكذا إذا أمرته قبل وقت الحاجة إلى فعله وقبل أن يدهمه الأمر والناس وقدمت به أعلمته قبل وقت الحاجة إلى أن يعمله ومنه : وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ وقدام بإزاء خلف وتصغيره قديمة ، وركب فلان مقاديمه إذا مر على وجهه ، وقادمة الرحل وقادمة الأطباء وقادمة الجناح ومقدمة الجيش والقدوم كل ذلك يعتبر فيه معنى التقدم.
(قذف) : القذف الرمي البعيد والاعتبار البعيد فيه منزل قذف وقذيف وبلدة قذوف بعيدة ، وقوله تعالى : فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ أي اطرحيه فيه ، وقال تعالى : وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ - بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ - يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ - وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً واستعير القذف للشتم والعيب كما استعير الرمي.
(قر) : قر فى مكانه يقر قرارا إذا ثبت ثبوتا حامدا ، وأصله من القر وهو البرد وهو يقتضى السكون ، والحر يقتضى الحركة ، وقرىء : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ. قيل أصله اقررن فحذف إحدى الرائين تخفيفا نحو : فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ أي ظللتم ، قال تعالى : جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً - أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً أي مستقرّا وقال فى صفة الجنة : ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ وفى صفة النار قال : فَبِئْسَ الْقَرارُ وقوله تعالى : اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ أي ثبات وقال الشاعر :
و لا قرار على زأر من الأسد

(1/3550)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 448
اى أمن واستقرار ، ويوم القر بعد يوم النحر لاستقرار الناس فيه بمنى ، واستقر فلان إذا تحرى القرار ، وقد يستعمل فى معنى قر كاستجاب وأجاب قال فى الجنة : خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا وفى النار : ساءَتْ مُسْتَقَرًّا ، وقوله : فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قال ابن مسعود مستقر فى الأرض ومستودع فى القبور. وقال ابن عباس : مستقر فى الأرض ومستودع فى الأصلاب. وقال الحسن : مستقر فى الآخرة ومستودع فى الدنيا. وجملة الأمر أن كل حال ينقل عنها الإنسان فليس بالمستقر التام والإقرار إثبات الشيء ، قال تعالى : وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ وقد يكون ذلك إثباتا إما بالقلب وإما باللسان وإما بهما ، والإقرار بالتوحيد وما يجرى مجراه لا يعنى باللسان ما لم يضامه الإقرار بالقلب ، ويضاد الإقرار الإنكار وأما الجحود فإنما يقال فيما ينكر باللسان دون القلب ، وقد تقدم ذكره ، قال تعالى : ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ - ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَل
قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ وقوله ت
أسخن اللَّههو من القرار. والمعنى أعطاه اللَّه ما تسكن به عينه فلا يطمح إلى غيره ، وأقر بالحق اعترف به وأثبته على نفسه. وتقرر الأمر على كذا أي حصل ، والقارورة معروفة وجمعها قوارير ، قال تعالى : قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ، وقال تعالى : رْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ
أي من زجاج.
(قرب) : القرب والبعد يتقابلان ، يقال قربت منه أقرب وقربته أقربه قربا وقربانا ويستعمل ذلك فى المكان والزمان وفى النسبة وفى الحظوة والرعاية والقدرة ، فمن الأول نحو قوله تعالى : وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ - وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ
- وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى - فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا. وقوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوهُنَّ كناية عن الجماع كقوله : فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ، وقوله : فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ

(1/3551)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 449
و فى الزمان نحو قوله تعالى : اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وقوله : وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ وفى النسبة نحو قوله تعالى : وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى ، وقال : الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وقال : وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى - وَلِذِي الْقُرْبى - وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى - يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ وفى الحظوة : لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
و قال فى عيسى : وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ - عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ - فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ - قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ - وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا ويقال للحظوة القربة كقوله تعالى : قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ - تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى وفى الرعاية نحو قوله تعالى : إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وقوله : فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ وفى القدرة نحو قوله تعالى : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ وقوله : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ يحتمل أن يكون من حيث القدرة ، والقربان ما يتقرب به إلى اللَّه وصار فى المتعارف اسما للنسيكة التي هذه الذبيحة وجمعه قرابين ، قال تعالى : إِذْ قَرَّبا قُرْباناً - حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ وقوله : قُرْباناً آلِهَةً فمن قولهم قربان الملك لمن يتقرب بخدمته إلى الملك ، ويستعمل ذلك للواحد والجمع ولكونه فى هذا الموضع جمعا قال آلهة ، والتقرب التحدي بما يقتضى حظوة وقرب اللَّه تعالى من العبد هو بالإفضال عليه والفيض لا بالمكان ولهذا
روى أن موسى عليه السلام قال إلهى أقريب أنت فأناجيك؟ أم بعيد فأناديك؟ فقال : لو قدرت لك البعد لما انتهيت إليه ، ولو قدرت لك القرب لما اقتدرت عليه.
وقال تعالى : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ وقرب العبد من اللَّه فى الحقيقة التخصص بكثير من الصفات التي يصح أن يوصف اللَّه تعالى بها وإن لم يكن وصف الإنسان بها على الحد الذي يوصف تعالى به نحو : الحكمة والعلم والحلم والرحمة والغنى وذلك يكون بإزالة الأوساخ من الجهل والطيش والغضب والحاجات البدنية بقدر طاقة البشر وذلك قرب روحانى لا بدني ، وعلى هذا القرب
نبه عليه الصلاة والسلام فيما ذكر عن اللَّه تعالى : «من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا»
و
قوله عنه «ما تقرب إلى عبد بمثل أداء ما افترضت عليه وإنه ليتقرب إلى بعد ذلك بالنوافل حتى أحبه»
الخبر وقوله : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ
هو أبلغ من النهى عن تناوله لأن النهى عن قربه أبلغ من النهى عن أخذه ، وعلى هذا قوله تعالى : وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ وقوله : وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ كناية عن الجماع وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى والقراب المقاربة ، قال الشاعر :

(1/3552)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 450
فإن قراب البطن يكفيك ملؤه
و قدح قربان قريب من الملء ، وقربان المرأة غشيانها ، وتقريب الفرس سير يقرب من عدوه والقراب القريب ، وفرس لا حق الأقراب أي الخواصر ، والقراب وعاء السيف وقيل هو جلد فوق الغمد لا الغمد نفسه ، وجمعه قرب وقربت السيف وأقربته ورجل قارب قرب من الماء وليلة القرب ، وأقربوا إبلهم ، والمقرب الحامل التي قربت ولادتها.
(قرح) : القرح الأثر من الجراحة من شىء يصيبه من خارج ، والقرح أثرها من داخل كالبثرة ونحوها ، يقال قرحته نحو جرحته ، وقرح خرج به قرح وقرح قلبه وأقرحه اللَّه وقد يقال القرح للجراحة والقرح للألم ، قال تعالى :
مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ - إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وقرىء بالضم والقرحان الذي لم يصبه الجدري ، وفرس قارح إذا ظهر به أثر من طلوع نابه والأنثى قارحة ، وأقرح به أثر من الغرة ، وروضة قرحاء وسطها نور وذلك لتشبهها بالفرس القرحاء واقترحت الجمل ابتدعت ركوبه واقترحت كذا على فلان ابتدعت التمني عليه واقترحت بئرا استخرجت منه ماء قراحا ونحوه :
أرض قراح أي خالصة ، والقريحة حيث يستقر فيه الماء المستنبط ، ومنه استعير قريحة الإنسان.
(قرد) : القرد جمعه قردة قال تعالى : كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ وقال : وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ قيل جعل صورهم المشاهدة كصور القردة وقيل بل جعل أخلاقهم كأخلاقها وإن لم تكن صورتهم كصورتها. والقراد جمعه قردان ، والصوف القرد المتداخل بعضه فى بعض. ومنه قيل سحاب قرد أي متلبد ، وأقرد أي لصق بالأرض لصوق القراد ، وقرد سكن سكونه ، وقردت البعير أزلت قراده نحو قذيت ومرضت ويستعار ذلك للمداراة المتوصل بها إلى خديعة فيقال فلان يقرد فلانا ، وسمى حلمة الثدي قرادا كما تسمى حلمة تشبيها بها فى الهيئة.
(قرطس) : القرطاس ما يكتب فيه ، قال تعالى : وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ - قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ.

(1/3553)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 451
(قرض) : القرض ضرب من القطع وسمى قطع المكان وتجاوزه قرضا كما سمى قطعا ، قال تعالى : وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ أي تجوزهم وتدعهم إلى أحد الجانبين ، وسمى ما يدفع إلى الإنسان من المال بشرط رد بدله قرضا ، قال تعالى : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وسمى المفاوضة فى الشعر مقارضة ، والقريض للشعر ، مستعار استعارة النسج والحوك.
(قرع) : القرع ضرب شىء على شىء ، ومنه قرعته بالمقرعة ، قال تعالى : كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ - الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ.
(قرف) : أصل القرف والاقتراف قشر اللحاء عن الشجر والجلدة عن الجرح ، وما يؤخذ منه قرف ، واستعير الاقتراف للاكتساب حسنا كان أو سوءا ، قال تعالى : سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ - وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ - وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها والاقتراف فى الإساءة أكثر استعمالا ، ولهذا يقال :
الاعتراف يزيل الاقتراف ، وقرفت فلانا بكذا إذا عبته به أو اتهمته ، وقد حمل على ذلك قوله تعالى : وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ ، وفلان قرفنى ، ورجل مقرف هجين ، وقارف فلان أمرا إذا تعاطى ما يعاب به.
(قرن) : الاقتران كالازدواج فى كونه اجتماع شيئين أو أشياء فى معنى من المعاني ، قال تعالى : أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ يقال قرنت البعير بالبعير جمعت بينهما ، ويسمى الحبل الذي يشد به قرنا وقرنته على التكثير قال تعالى : وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ وفلان قرن فلان فى الولادة وقرينه وقرنه فى الجلادة وفى القوة وفى غيرها من الأحوال ، قال تعالى : إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ - وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ إشارة إلى شهيده قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ - فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وجمعه قرناء ، قال تعالى : وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ والقرن القوم المقترنون فى زمن واحد وجمعه قرون ، قال : وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ - وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ - وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ وقال : وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً - ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ - قُرُوناً آخَرِينَ والقرون النفس لكونها مقترنة بالجسم ، والقرون من البعير الذي يضع رجله موضع يده كأنه يقرنها بها والقرن الجعبة ولا يقال لها قرن إلا إذا قرنت بالقوس وناقة قرون إذا دنا أحد خلفيها من الآخر ، والقران الجمع بين الحج والعمرة ويستعمل فى الجمع بين

(1/3554)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 452
الشيئين وقرن الشاة والبقرة ، والقرن عظم القرن ، وكبش أقرن وشاة قرناء ، وسمى عقل المرأة قرنا تشبيها بالقرن فى الهيئة ، وتأذى عضو الرجل عند مباضعتها به كالتأذى بالقرن ، وقرن الجبل الناتي منه ، وقرن المرأة ذؤابتها ، وقرن المرآة حافتها ، وقرن الفلاة حرفها ، وقرن الشمس ، وقرن الشيطان كل ذلك تشبيها بالقرن. وذو القرنين معروف.
وقوله عليه الصلاة والسلام لعلىّ رضى اللَّه عنه : «إن لك بيتا فى الجنة وإنك لذو قرنيها»
يعنى ذو قرنى الأمة أي أنت فيهم كذى القرنين.
(قرأ) : قرأت المرأة : رأت الدم ، وأقرأت : صارت ذات قرء ، وقرأت الجارية استبرأتها بالقرء. والقرء فى الحقيقة اسم للدخول فى الحيض عن طهر. ولما كنا اسما جامعا للأمرين الطهر والحيض المتعقب له أطلق على كل واحد منهما لأن كل اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحد منهما إذا انفرد كالمائدة للخوان وللطعام ، ثم قد يسمى كل واحد منهما بانفراده به. وليس القرء اسما للطهر مجردا ولا للحيض مجردا بدلالة أن الطاهر التي لم تر أثر الدم لا يقال لها ذات قرء. وكذا الحائض التي استمر بها الدم والنفساء لا يقال لها ذلك. وقوله تعالى :
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ أي ثلاثة دخول من الطهر فى الحيض.
وقوله عليه الصلاة والسلام : «اقعدى عن الصلاة أيام أقرائك»
أي أيام حيضك فإنما هو كقول القائل افعل كذا أيام ورود فلان ، ووروده إنما يكون فى ساعة وإن كان ينسب إلى الأيام. وقول أهل اللغة إن القرء من قرأ أي جمع ، فإنهم اعتبروا الجمع بين زمن الطهر وزمن الحيض حسبما ذكرت لاجتماع الدم فى الرحم ، والقراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض فى الترتيل ، وليس يقال ذلك لكل جمع لا يقال قرأت القوم إذا جمعتهم ، ويدل على ذلك أنه لا يقال للحرف الواحد إذا تفوه به قراءة ، والقرآن فى الأصل مصدر نحو كفران ورجحان ، قال تعالى :
إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
قال ابن عباس : إذا جمعناه وأثبتناه فى صدرك فاعمل به ، وقد خص بالكتاب المنزل على محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم فصار له كالعلم كما أن التوراة لما أنزل على موسى والإنجيل على عيسى - عليهما السلام - قال بعض العلماء : تسمية هذا الكتاب قرآنا من بين كتب اللَّه لكونه جامعا لثمرة كتبه بل لجمعه ثمرة جميع العلوم كما أشار تعالى إليه بقوله تعالى :
وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وقوله : تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ - قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي

(1/3555)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 453
عِوَجٍ
- وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ - فِي هذَا الْقُرْآنِ - وَقُرْآنَ الْفَجْرِ أي قراءته لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ وأقرأت فلانا كذا قال : سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى وتقرأت تفهمت وقارأته دراسته.
(قرى) : القرية اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس وللناس جميعا ويستعمل فى كل واحد منهما ، قال تعالى : وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ قال كثير من المفسرين معناه أهل القرية. وقال بعضهم بل القرية هاهنا القوم أنفسهم وعلى هذا قوله تعالى : وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً وقال : وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ وقوله : وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى فإنها اسم للمدينة وكذا قوله : وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى - رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها و
حكى أن بعض القضاة دخل على علىّ بن الحسين رضى اللَّه عنهما فقال : أخبرنى عن قول اللَّه تعالى :
وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً ما يقول فيه علماؤكم؟ قال : يقولون إنها مكة ، فقال : وهل رأيت؟ فقلت : ما هى؟ قال :
إنما عنى الرجال ، فقال : فقلت : فأين ذلك فى كتاب اللَّه؟ فقال : ألم تسمع قوله تعالى : وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ الآية.
وقال تعالى :
وَ تِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا - وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وقريت الماء فى الحوض وقريت الضيف قرىء ، وقرىء الشيء فى فمه جمعه وقربان الماء مجتمعه.
(قسس) : القس والقسيس العالم العابد من رؤوس النصارى ، قال تعالى : ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وأصل القس تتبع الشيء وطلبه بالليل ، يقال : تقسست أصواتهم بالليل ، أي تتبعتها ، والقسقاس ، والقسقس الدليل بالليل.
(قسر) : القسر الغلبة والقهر ، يقال : قسرته واقتسرته ومنه القسورة ، قال تعالى : فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قيل هو الأسد وقيل الرامي وقيل الصائد.
(قسط) : القسط هو النصيب بالعدل كالنصف والنصفة ، قال :
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ - وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ والقسط هو أن يأخذ قسط غيره وذلك جور ، والإقساط أن يعطى قسط غيره وذلك إنصاف ولذلك قيل قسط الرجل إذا جار ، وأقسط إذا عدل ، قال تعالى :

(1/3556)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 454
أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً
. وقال : وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وتقسطنا بيننا أي اقتسمنا ، والقسط اعوجاج فى الرجلين بخلاف الفحج ، والقسطاس الميزان ويعبر به عن العدالة كما يعبر عنها بالميزان ، قال تعالى :
وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ.
(قسم) : القسم إفراز النصيب ، يقال قسمت كذا قسما وقسمة ، وقسمة الميراث وقسمة الغنيمة تفريقهما على أربابهما ، قال : لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ - وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ واستقسمته : سألته أن يقسم ، ثم قد يستعمل فى معنى قسم ، قال تعالى : وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ ورجل منقسم القلب أي اقتسمه الهم نحو متوزع الخاطر ومشترك اللب ، وأقسم حلف وأصله من القسامة وهى أيمان تقسم على أولياء المقتول ثم صار اسما لكل حلف ، قال تعالى : وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ - أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ.
وقال : لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ. وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ - فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ - إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ - فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ وقاسمته وتقاسما ، وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ - قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ وفلان مقسم الوجه وقسيم الوجه أي صبيحه ، والقسامة الحسن وأصله من القسمة كأنما آتى كل موضع نصيبه من الحسن فلم يتفاوت ، وقيل إنما قيل مقسم لأنه يقسم بحسنه الطرف ، فلا يثبت فى موضع دون موضع ، وقوله تعالى : كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ أي الذين تقاسموا شعب مكة ليصدوا عن سبيل اللَّه من يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ، وقيل الذين تحالفوا على كيده عليه الصلاة والسلام.
(قسو) : القسوة غلظ القلب ، وأصله من حجر قاس ، والمقاساة معالجة ذلك ، قال تعالى : ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ - فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وقال : وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ - وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً وقرىّ : (قسية) أي ليست قلوبهم بخالصة من قولهم درهم قسى وهو جنس من الفضة المغشوشة فيه قساوة أي صلابة ، قال الشاعر :
صاح القسيات فى أيدى الصياريف
(قشعر) : قال تعالى : تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ أي يعلوها قشعريرة.

(1/3557)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 455
(قصص) : القص تتبع الأثر ، يقال قصصت أثره والقصص الأثر ، قال : فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً - وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ومنه قيل لما يبقى من الكلا فيتتبع أثره قصيص ، وقصصت ظفره ، والقصص الأخبار المتتبعة ، قال :
لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ - فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ - وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ - نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ - فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ - يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ - فَاقْصُصِ الْقَصَصَ والقصاص تتبع الدم بالقود ، قال تعالى : وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ - وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ويقال قص فلان فلانا ، وضربه ضربا فأقصه أي أدناه من الموت ، والقص الجص ، و
نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن تقصيص القبور.
(قصد) : القصد استقامة الطريق ، يقال قصدت قصده أي نحوت نحوه ، ومنه الاقتصاد ، والاقتصاد على ضربين ، أحدهما محمود على الإطلاق وذلك فيما له طرفان إفراط وتفريط كالجود ، فإنه بين الإسراف والبخل وكالشجاعة فإنها بين التهور والجبن ، ونحو ذلك وعلى هذا قوله تعالى : وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وإلى هذا النحو من الاقتصاد أشار بقوله : وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا الآية والثاني : يكنى به عما يتردد بين المحمود والمذموم وهو فيما يقع بين محمود ومذموم كالواقعه بين العدل والجور والقريب والبعيد وعلى ذلك قوله تعالى :
فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وقوله : وَسَفَراً قاصِداً أي سفرا متوسطا غير متناهى البعد وربما فسر بقريب والحقيقة ما ذكرت ، وأقصد السهم أصاب وقتل مكانه كأنه وجد قصده قال :
فأصاب قلبك غير أن لم يقصد
و انقصد الرمح انكسر وتقصد تكسر وقصد الرمح كسره وناقة قصيد مكتنزة ممتلئة من اللحم ، والقصيد من الشعر ماتم سبعة أبيات.
(قصر) : القصر خلاف الطول وهما من الأسماء المتضايفة التي تعتبر بغيرها ، وقصرت كذا جعلته قصيرا ، والتقصير اسم للتضجيع وقصرت كذا ضممت بعضه إلى بعض ومنه سمى القصر وجمعه قصور ، قال تعالى : وَقَصْرٍ مَشِيدٍ - وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً - إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ وقيل القصر أصول الشجر ، الواحدة قصرة مثل جمرة وجمر وتشبيها بالقصر كتشبيه ذلك فى قوله تعالى : كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ ، وقصرته جعلته فى قصر ، ومنه قوله تعالى :

(1/3558)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 456
حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ ، وقصر الصلاة جعلها قصيرة بترك بعض أركانها ترخيصا ، قال تعالى : فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ وقصرت اللقحة على فرسى حبست درها عليه وقصر السهم عن الهدف أي لم يبلغه وامرأة قاصرة الطرف لا تمد طرفها إلى ما لا يجوز ، قال تعالى : فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ وقصر شعره جز بعضه ، قال تعالى : مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ وقصر فى كذا أي توانى ، وقصر عنه لم ينله وأقصر عنه كف مع القدرة عليه ، واقتصر على كذا اكتفى بالشيء القصير منه أي القليل ، وأقصرت الشاة أسنت حتى قصر أطراف أسنانها ، وأقصرت المرأة ولدت أولادا قصارا ، والتقصار قلادة قصيرة والقوصرة معروفة.
(قصف) : قال اللَّه تعالى : فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ وهى التي تقصف ما مرت عليه من الشجر والبناء ، ورعد قاصف فى صوته تكسر ، ومنه قيل لصوت المعازف قصف ويتجوز به فى كل لهو.
(قصم) : قال تعالى : وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً أي حطمناها وهشمناها وذلك عبارة عن الهلاك ويسمى الهلاك قاصمة الظهر وقال فى آخر : وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى والقصم الرجل الذي يقصم من قاومه.
(قصى) : القصي البعد والقصىّ البعيد يقال قصوت عنه وأقصيت أبعدت والمكان الأقصى والناحية القصوى ومنه قوله تعالى : وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى وقوله : إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يعنى بيت المقدس فسماه الأقصى اعتبارا بمكان المخاطبين به من النبي وأصحابه وقال تعالى : إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وقصوت البعير قطعت أذنه ، وناقة قصواء وحكوا أنه يقال بعير أقصى ، والقصية من الإبل البعيدة عن الاستعمال.
(قض) : قضضته فانقض وانقض الحائط وقع ، قال تعالى : يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ وأقض عليه مضجعه صار فيه قضض أي حجارة صغار.
(قضب) : قال تعالى : فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً أي رطبة ، والمقاضب الأرض التي تنبتها ، والقضيب نحو القضب لكن القضيب يستعمل فى فروع الشجر والقضب يستعمل فى البقل ، والقضب قطع القضب والقضيب.

(1/3559)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 457
و
روى أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا رأى فى ثوب تصليبا قضبه.
وسيف قاضب وقضيب أي قاطع ، فالقضيب هاهنا بمعنى الفاعل ، وفى الأول بمعنى المفعول وكذا قولهم ناقة قضيب : مقتضبة من بين الإبل ولما قرض ، ويقال لكل ما لم يهذب مقتضب ، ومنه اقتضب حديثا إذا أورده قبل أن راضه وهذبه فى نفسه.
(قضى) : القضاء فصل الأمر قولا كان ذلك أو فعلا وكل واحد منهما على وجهين : إلهى وبشرى. فمن القول الإلهى قوله تعالى : وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ أي أمر بذلك وقال : وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ فهذا قضاء بالإعلام والفصل فى الحكم أي أعلمناهم وأوحينا إليهم وحيا جزما ، وعلى هذا : وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ ومن الفعل الإلهى قوله تعالى : وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ وقوله تعالى : فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ إشارة إلى إيجاده الإبداعى والفراغ منه نحو قوله تعالى : بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وقوله : وَلَوْ لا أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي لفصل ، ومن القول البشرى نحو قضى الحاكم بكذا فإن حكم الحاكم يكون بالقول ، ومن الفعل البشرى. فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ - ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ، وقال تعالى : قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وقال : فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً وقال : ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ أي افرغوا من أمركم ، وقوله تعالى : فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ - إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا وقول الشاعر :
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها
يحتمل القضاء بالقول والفعل جميعا ، ويعبر عن الموت بالقضاء فيقال فلان قضى نحبه كأنه فصل أمره المختص به من دنياه ، وقوله تعالى : فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ قيل قضى نذره لأنه كان قد ألزم نفسه ألا ينكل عن العدى أو يقتل ، وقيل معناه منهم من مات وقال تعالى : ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ قيل عنى بالأول أجل الحياة وبالثاني أجل البعث ، وقال : يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ - وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ وذلك كناية عن الموت ، وقال تعالى : فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ وقضى

(1/3560)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 458
الدين فصل الأمر فيه برده ، والاقتضاء المطالبة بقضائه ، ومنه قولهم هذا يقضى كذا وقوله تعالى : لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ أي فرغ من أجلهم ومدتهم المضروبة للحياة ، والقضاء من اللَّه تعالى أخص من القدر لأنه الفصل بين التقدير ، فالقدر هو التقدير والقضاء هو الفصل والقطع ، وقد ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المعد للكيل والقضاء بمنزلة الكيل ، وهذا كما قال أبو عبيدة لعمر رضى اللَّه عنهما لما أراد الفرار من الطاعون بالشام : أتفر من القضاء؟ قال أفر من قضاء اللَّه إلى قدر اللَّه تنبيها أن القدر ما لم يكن قضاء فمرجوّ أن يدفعه اللَّه فإذا قضى فلا مدفع له.
ويشهد لذلك قوله تعالى : وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا وقوله : كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا - وَقُضِيَ الْأَمْرُ أي فصل تنبيها أنه صار لا يمكن تلافيه. وقوله :
إِذا قَضى أَمْراً وكل قول مقطوع به من قولك هو كذا أو ليس بكذا يقال له قضية ومن هذا يقال قضية صادقة وقضية كاذبة وإياها عنى من قال التجربة خطر والقضاء عسر ، أي الحكم بالشيء أنه كذا وليس بكذا أمر صعب ، و
قال عليه الصلاة والسلام : «علىّ أقضاكم».
(قط) : قال تعالى : وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ القط الصحيفة وهو اسم للمكتوب والمكتوب فيه ، ثم قد يسمى المكتوب بذلك كما يسمى الكلام كتابا وإن لم يكن مكتوبا ، وأصل القط الشيء المقطوع عرضا كما أن القد هو المقطوع طولا ، والقط النصيب المفروز كأنه قط أي أفرز وقد فسر ابن عباس رضى اللَّه عنه الآية به ، وقط السعر أي علا ، وما رأيته قط عبارة عن مدة الزمان المقطوع به ، وقطنى حسبى.
(قطر) : القطر الجانب وجمعه أقطار ، قال : إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وقال تعالى : وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها وقطرته ألقيته على قطره وتقطر وقع على قطره ومنه قطر المطر أي سقط وسمى لذلك قطرا ، وتقاطر القوم جاءوا أرسالا كالقطر ومنه قطار الإبل ، وقيل :
الإنفاض يقطر الجلب أي إذا أنفض القوم فقل زادهم قطروا الإبل وجلبوها للبيع ، والقطران ما يتقطر من الهناء ، قال تعالى : سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وقرىء :
مِنْ قَطِرانٍ أي من نحاس مذاب قد أنى حرها ، وقال تعالى : آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً أي نحاسا مذابا ، وقال تعالى : وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ

(1/3561)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 459
بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وقوله تعالى : وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً والقناطير جمع القنطرة ، والقنطرة من المال ما فيه عبور الحياة تشبيها بالقنطرة وذلك غير محدود القدر فى نفسه وإنما هو بحسب الإضافة كالغنى فرب إنسان يستغنى بالقليل وآخر لا يستغنى بالكثير ، ولما قلنا اختلفوا فى حده فقيل أربع أوقية وقال الحسن ألف ومائتا دينار ، وقيل ملء مسك ثور ذهبا إلى غير ذلك ، وذلك كاختلافهم فى حد الغنى ، وقوله تعالى : وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ أي المجموعة قنطارا قنطارا كقولك دراهم مدرهمة ودنانير مدنرة.
(قطع) : القطع فصل الشيء مدركا بالبصر كالأجسام أو مدركا بالبصيرة كالأشياء المعقولة فمن ذلك قطع الأعضاء نحو قوله تعالى : لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وقوله : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما وقوله : وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ وقطع الثوب وذلك قوله تعالى : فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ وقطع الطريق يقال على وجهين : أحدهما : يراد به السير والسلوك ، والثاني : يراد به الغضب من المارة والسالكين للطريق نحو قوله تعالى : أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وذلك إشارة إلى قوله تعالى : الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وقوله :
فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وإنما سمي ذلك قطع الطريق لأنه يؤدى إلى انقطاع الناس عن الطريق فجعل ذلك قطعا للطريق ، وقطع الماء بالسباحة عبوره ، وقطع الوصل هو الهجران ، وقطع الرحم يكون بالهجران ومنع البر ، قال تعالى :
وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ وقال : وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ - ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ وقد قيل ليقطع حبله حتى يقع ، وقد قيل ليقطع أجله بالاختناق وهو معنى قول ابن عباس ثم ليختنق ، وقطع الأمر فصله ، ومنه قوله تعالى :
ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً وقوله : لِيَقْطَعَ طَرَفاً أي يهلك جماعة منهم.
و قطع دابر الإنسان هو إفناء نوعه ، قال تعالى : فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا - أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ وقوله : إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ أي إلا أن يموتوا ، وقيل إلا أن يتوبوا توبة بها تنقطع قلوبهم ندما على تفريطهم ، وقطع من الليل قطعة منه ، قال : فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ والقطيع من الغنم جمعه قطعان وذلك كالصرمة والفرقة وغير ذلك من أسماء الجماعة المشتقة من

(1/3562)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 460
معنى القطع والقطيع السوط ، وأصاب بئرهم قطع أي انقطع ماؤها ، ومقاطع الأودية مآخيرها.
(قطف) : يقال قطفت الثمرة قطفا والقطف المقطوف منه وجمعه قطوف ، قال تعالى : قُطُوفُها دانِيَةٌ وقطفت الدابة قطفا فهى قطوف ، واستعمال ذلك فيه استعارة وتشبيه بقاطف شىء كما يوصف بالنقض على ما تقدم ذكره ، وأقطف الكرم دنا قطافه. والقطافة ما يسقط منه كالنفاية.
(قطمر) : قال تعالى : وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ أي الأثر فى ظهر النواة وذلك مثل للشىء الطفيف.
(قطن) : قال تعالى : وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ. واليقطين :
بلا ساق له من الثبات. والقطن وقطن الحيوان معروفان.
(قعد) : القعود يقابل به القيام والقعدة للمرة والقعدة للحال التي يكون عليها القاعد ، والقعود قد يكون جمع قاعد قال تعالى : فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً - الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً ، والمقعد مكان القعود وجمعه مقاعد ، قال تعالى : فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ أي فى مكان هدوء وقوله تعالى : مَقاعِدَ لِلْقِتالِ كناية عن المعركة التي بها المستقر ويعبر عن المتكاسل فى الشيء بالقاعد نحو قوله تعالى : لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ، ومنه رجل قعدة وضجعة وقوله تعالى : وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً وعن الترصد للشىء بالقعود له نحو قوله : لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ وقوله : إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ يعنى متوقعون. وقوله : عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ أي ملك يترصده ويكتب له وعليه ، ويقال ذلك للواحد والجمع ، والقعيد من الوحش خلاف النطيح ، وقعيدك اللَّه وقعدك اللَّه أي أسأل اللَّه الذي يلزمك حفظك ، والقاعدة لمن قعدت عن الحيض والتزوج ، والقواعد جمعها ، قال تعالى : وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ والمقعد من قعد عن الديوان ولن يعجز عن النهوض لزمانة به ، وبه شبه الضفدع فقيل له مقعد وجمعه مقعدات ، وثدى مقعد للكاعب ناتىء مصور بصورته ، والمقعد كناية عن اللئيم المتقاعد عن المكارم ، وقواعد البناء أساسه. قال تعالى : وَإِذْ

(1/3563)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 461
يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ
و قواعد الهودج خشباته الجارية مجرى قواعد البناء.
(قعر) : قعر الشيء نهاية أسفله. وقوله تعالى : كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ أي ذاهب فى قعر الأرض. وقال بعضهم : انقعرت الشجرة انقلعت من قعرها ، وقيل معنى انقعرت ذهبت فى قعر الأرض ، وإنما أراد تعالى أن هؤلاء اجتثوا كما اجتثت النخل الذاهب فى قعر الأرض فلم يبق لهم رسم ولا أثر ، وقصعة قعيرة لها قعر ، وقعر فلان فى كلامه إذا أخرج الكلام من قعر حلقه ، وهذا كما يقال : شدق فى كلامه إذا أخرجه من شدقه.
(قفل) : القفل جمعه أقفال ، قال أقفلت الباب وقد جعل ذلك مثلا لكل مانع للإنسان من تعاطى فعل فيقال فلان مقفل عن كذا ، قال تعالى : أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها وقيل للبخيل مقفل اليدين كما يقال مغلول اليدين ، والقفول الرجوع من السفر ، والقافلة الراجعة من السفر ، والقفيل اليابس من الشيء إما لكون بعضه راجعا إلى بعض فى اليبوسة ، وإما لكونه كالمقفل لصلابته ، يقال : قفل النبات وقفل الفحل وذلك إذا اشتد هياجه فيبس من ذلك وهزل.
(قفا) : القفا معروف يقال قفوته أصبت قفاه ، وقفوت أثره واقتفيته تبعث قفاه ، والاقتفاء اتباع القفا ، كما أن الارتداف اتباع الردف ويكنى بذلك عن الاغتياب وتتبع المعايب ، وقوله تعالى : وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي لا تحكم بالقيافة والظن ، والقيافة مقلوبة عن الاقتفاء فيما قيل نحو جذب وجبذ وهى صناعة ، وقفيته جعلته خلفه ، قال تعالى : وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ والقافية اسم للجزء الأخير من البيت الذي حقه أن يراعى لفظه فيكرر فى كل بيت ، والقفاوة الطعام الذي يتفقد به من يغنى به فيتبع.
(قل) : القلة والكثرة يستعملان فى الأعداد ، كما أن العظم والصغر يستعملان فى الأجسام ، ثم يستعار كل واحد من الكثرة والعظم ومن القلة والصغر للآخر. وقوله تعالى : ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا أي وقتا وكذا قوله : قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا - وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا وقوله : نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا وقوله : ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا أي قتالا قليلا وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا أي جماعة قليلة. وكذلك قوله : إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي

(1/3564)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 462
مَنامِكَ قَلِيلًا
- وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ ويكنى بالقلة عن الذلة اعتبارا بما قال الشاعر :
و لست بالأكثر منه حصا وإنما العزة للكاثر
و على ذلك قوله تعالى : وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ. ويكنى بها تارة عن العزة اعتبارا بقوله : وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ - وَقَلِيلٌ ما هُمْ وذاك أن كل ما يعز يقل وجوده. وقوله : وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا يجوز أن يكون استثناء من قوله : وَما أُوتِيتُمْ أي ما أوتيتم العلم إلا قليلا منكم ، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي علما قليلا ، وقوله : وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا يعنى بالقليل هاهنا أعراض الدنيا كائنا ما كان ، وجعلها قليلا فى جنب ما أعد اللَّه للمتقين فى القيامة ، وعلى ذلك قوله تعالى : قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وقليل يعبر به عن النفي نحو قلما يفعل فلان كذا ولهذا يصح أن يستثنى منه على حد ما يستثنى من النفي فيقال قلما يفعل كذا إلا قاعدا أو قائما وما يجرى مجراه ، وعلى ذلك حمل قوله تعالى : قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ وقيل معناه تؤمنون إيمانا قليلا ، والإيمان القليل هو الإقرار والمعرفة العامية المشار إليه بقوله تعالى :
وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ وأقللت كذا وجدته قليل المحمل أي خفيفا إما فى الحكم أو بالإضافة إلى قوته ، فالأول نحو أقللت ما أعطيتنى والثاني قوله : أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا أي احتملته فوجدته قليلا باعتبار قوتها ، واستقللته رأيته قليلا نحو استخففته رأيته خفيفا ، والقلة ما أقله الإنسان من جرة وحب ، وقلة الجبل شعفه اعتبارا بقلته إلى ما عداه من أجزائه ، فأما تقلقل الشيء إذا اضطرب وتقلقل المسمار فمشتق من القلقلة وهى حكاية صوت الحركة.
(قلب) : قلب الشيء تصريفه وصرفه عن وجه إلى وجه كقلب الثوب وقلب الإنسان أي صرفه عن طريقته ، قال تعالى : إِلَيْهِ تُقْلَبُونَ والانقلاب الانصراف ، قال تعالى : انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ ، وقال : إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ ، وقال : أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ، وقال : وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ وقلب الإنسان قيل سمى به لكثرة تقلبه ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة وغير ذلك ، وقوله تعالى : وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ أي

(1/3565)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 463
الأرواح. وقال : إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أي علم وفهم وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ، وقوله : وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ، وقوله : وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ أي تثبت به شجاعتكم ويزول خوفكم وعلى عكسه وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ، وقوله : ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ أي أجلب للعفة ، وقوله : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ، وقوله : وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى أي متفرقة ، وقوله : وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ قيل العقل وقيل الروح فأما العقل فلا يصح عليه ذلك ، قال ومجازه مجاز قوله : تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ والأنهار لا تجرى وإنما تجرى المياه التي فيها. وتقلب الشيء تغييره من حال إلى حال نحو قوله تعالى :
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ وتقليب الأمور تدبيرها والنظر فيها ، قال تعالى : وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ وتقليب اللَّه القلوب والبصائر صرفها من رأى إلى رأى ، قال : وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ وتقليب اليد عبارة عن الندم ذكرا لحال ما يوجد عليه النادم ، قال : فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ أي يصفق ندامة ، قال الشاعر :
كمغبون يعض على يده تبين غبنه بعد البياع
و التقلب التصرف ، قال : وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ وقال : أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ ورجل قلب حول كثير التقلب والحيلة ، والقلاب داء يصيب القلب ، وما به قلبة علة يقلب لأجلها ، والقليب البئر التي لم تطو ، والقلب المقلوب من الأسورة. (قلد) : القلد الفتل ، يقال قلدت الحبل فهو قليد ومقلود والقلادة المفتولة التي تجعل فى العنق من خيط وفضة وغيرهما وبها شبه كل ما يتطوق وكل ما يحيط بشىء يقال تقلد سيفه تشبيها بالقلادة ، كقوله : توشح به تشبيها بالوشاح ، وقلدته سيفا يقال تارة إذا وشحته به وتارة إذا ضربت عنقه. وقلدته عملا ألزمته وقلدته هجاء ألزمته ، وقوله تعالى : لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي ما يحيط بها ، وقيل خزائنها ، وقيل مفاتحها والإشارة بكلها إلى معنى واحد ، وهو قدرته تعالى عليها وحفظه لها.

(1/3566)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 464
(قلم) : أصل القلم القص من الشيء الصلب كالظفر وكعب الرمح والقصب ، ويقال للمقلوم قلم. كما يقال للمنقوض نقض. وخص ذلك بما يكتب به وبالقدح الذي يضرب به وجمعه أقلام. قال تعالى : ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ. وقال تعالى : وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وقال : إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أي أقداحهم وقوله تعالى : عَلَّمَ بِالْقَلَمِ تنبيه لنعمته على الإنسان بما أفاده من الكتابة وما
روى : «أنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ الوحى عن جبريل وجبريل عن ميكائيل وميكائيل عن اسرافيل وإسرافيل عن اللوح المحفوظ واللوح عن القلم»
فإشارة إلى معنى إلهى وليس هذا موضع تحقيقه. والإقليم واحد الأقاليم السبعة ، وذلك أن الدنيا مقسومة على سبعة أسهم على تقدير أصحاب الهيئة.
(قلى) : القلى شدة البغض ، يقال قلاه يقليه ويقلوه ، قال تعالى :
ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى وقال : إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ فمن جعله من الواو فهو من القول أي الرمي من قولهم قلت الناقة براكبها قلوا وقلوت بالقلة فكأن المقلو هو الذي يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله ، ومن جعله من الياء فمن قليت البسر والسويق على المقلاة.
(قمح) : قال الخليل : القمح البر إذا جرى فى السنبل من لدن الإنضاج إلى حين الاكتناز ، ويسمى السويق المتخذ منه قميحة ، والقمح رفع الرأس لسف الشيء ثم يقال لرفع الرأس كيفما كان قمح ، وقمح البعير رفع رأسه ، وأقمحت البعير شددت رأسه إلى خلف. وقوله : مُقْمَحُونَ تشبيه بذلك ومثل لهم وقصد إلى وصفهم بالتأبى عن الانقياد للحق وعن الإذعان لقبول الرشد والتأبى عن الإنفاق فى سبيل اللَّه ، وقيل إشارة إلى حالهم فى القيامة إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ.
(قمر) : القمر قمر السماء يقال عند الامتلاء وذلك بعد الثالثة ، قيل وسمى بذلك لأنه يقمر ضوء الكواكب ويفوز به ، قال تعالى : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وقال : وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ - وَانْشَقَّ الْقَمَرُ - وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها وقال : كَلَّا وَالْقَمَرِ والقمر ضوءه ،

(1/3567)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 465
و تقمرت فلانا أتيته فى القمراء وقمرت القربة فسدت بالقمراء ، وقيل حمار أقمر إذا كان على لون القمراء ، وقمرت فلانا كذا خدعته عنه.
(قمص) : القميص معروف وجمعه قمص وأقمصة وقمصان ، قال تعالى : إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ - وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ وتقمصه لبسه ، وقمص البعير يقمص ويقمص إذا نزا ، والقماص داء يأخذه فلا يستقر موضعه ، ومنه القامصة فى الحديث.
(قمطر) : قال تعالى : عَبُوساً قَمْطَرِيراً أي شديدا يقال قمطرير وقماطير.
(قمع) : قال تعالى : وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ جمع مقمع وهو ما يضرب به ويذلل ولذلك يقال قمعته فانقمع أي كففته فكف ، والقمع والقمع ما يضرب به الشيء فيمنع من أن يسيل و
فى الحديث : «ويل لأقماع القول»
أي الذين يجعلون آذانهم كالأقماع فيتبعون أحاديث الناس ، والقمع الذباب الأزرق لكونه مقموعا ، وتقمع الحمار إذا ذب القمعة عن نفسه.
(قمل) : القمل صغار الذباب ، قال تعالى : وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ والقمل معروف ورجل قمل وقع فيه القمل ومنه قيل رجل قمل وامرأة قملة قبيحة كأنها قملة أو قملة.
(قنت) : القنوت لزوم الطاعة مع الخضوع وفسر بكل واحد منهما فى قوله تعالى : وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ وقوله تعالى : كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ قيل خاضعون وقيل طائعون وقيل ساكتون ولم يعن به كل السكوت ، وإنما عنى به ما
قال عليه الصلاة والسلام : «إن هذه الصلاة لا يصح فيها شىء من كلام الآدميين ، إنما هى قرآن وتسبيح»
و على هذا قيل : أي الصلاة أفضل؟ فقال :
طول القنوت ، أي الاشتغال بالعبادة ورفض كل ما سواه. وقال تعالى : إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً - وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ - أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً - اقْنُتِي لِرَبِّكِ - وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وقال تعالى : وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ - فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ.
(قنط) : القنوط اليأس من الخير يقال قنط يقنط قنوطا وقنط يقنط ، قال

(1/3568)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 466
تعالى : فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ قال : وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ وقال : يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ - وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ - إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ.
(قنع) : القناعة الاجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج إليها ، يقال قنع يقنع قناعة وقنعانا إذا رضى ، وقنع يفنع قنوعا إذا سأل ، قال تعالى : وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ قال بعضهم : القانع هو السائل الذي لا يلح فى السؤال ويرضى بما يأتيه عفوا ، قال الشاعر :
لمال المرء يصلحه فيغنى مفاقره أعف من القنوع
و أقنع رأسه رفعه ، قال تعالى : مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ وقال بعضهم : أصل هذه الكلمة من القناع وهو ما يغطى به الرأس ، فقنع أي لبس القناع سائرا لفقرة كقولهم خفى أي لبس الخفاء ، وقنع إذا رفع قناعة كاشفا رأسه بالسؤال نحو خفى إذا رفع الخفاء ، ومن القناعة قولهم رجل مقنع يقنع به وجمعه مقانع ، قال الشاعر :
شهودى على ليلى عدول مقانع
و من القناع قيل تقنعت المرأة وتقنع الرجل إذا لبس المغفر تشبيها بتقنع المرأة ، وقنعت رأسه بالسيف والسوط.
(قنى) : قوله تعالى : أَغْنى وَأَقْنى أي أعطى ما فيه الغنى وما فيه القنية. أي المال المدخر ، وقيل أقنى أرضى وتحقيق ذلك أنه جعل له قنية من الرضا والطاعة ، وذلك أعظم الغناءين ، وجمع القنية قنيات ، وقنيت كذا واقتنيته ومنه :
قنيت حيائى عفة وتكرما
(قنو) : القنو العذق وتثنيته قنوان وجمعه قنوان. قال تعالى : قِنْوانٌ دانِيَةٌ والقناة تشبه القنو فى كونهما غصنين ، وأما القناة التي يجرى فيها الماء فإنما قيل ذلك تشبيها بالقناة فى الخط والامتداد ، وقيل أصله من قنيت الشيء ادخرته لأن القناة مدخرة للماء ، وقيل هو من قولهم قاناه أي خالطه قال الشاعر :

(1/3569)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 467
كبكر المقاناة البياض بصفرة
و أما القنا الذي هو الاحديداب فى الأنف فتشبيه فى الهيئة بالقنا يقال رجل أقنى وامرأة قنواء.
(قهر) : القهر الغلبة والتذليل معا ويستعمل فى كل واحد منهما ، قال تعالى : وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وقال تعالى : وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ - فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ - فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ أي لا تذلل وأقهره سلط عليه من يقهره ، والقهقرى المشي إلى خلف.
(قاب) : القاب ما بين المقبض والسية من القوس ، قال تعالى :
فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى .
(قوت) : القوت ما يمسك الرمق وجمعه أقوات ، قال تعالى : وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها وقاته يقوته قوتا أطعمه قوته ، وأقاته يقيته جعل له ما يقوته ، و
فى الحديث : «إن أكبر الكبائر أن يضيع الرجل من يقوت»
، و
يروى : «من يقيت»
، قال تعالى : وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً قيل مقتدرا وقيل حافظا وقيل شاهدا ، وحقيقته قائما عليه يحفظه ويقيته. ويقال ما له قوت ليلة وقيت ليلة وقيتة ليلة نحو الطعم والطعمة ، قال الشاعر فى صفة نار :
فقلت له ارفعها إليك وأحيها بروحك واقتته لها قيتة قدرا
(قوس) : القوس ما يرمى عنه ، قال تعالى : فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى وتصور منها هيئتها فقيل للانحناء التقوس ، وقوس الشيخ وتقوس إذا انحنى ، وقوست الخط فهو مقوس والمقوس المكان الذي يجرى منه القوس ، وأصله الحبل الذي يمد على هيئة قوس فيرسل الخيل من خلفه.
(قيض) : قال : وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ وقوله تعالى : وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً أي نفح ، ليستولى عليه استيلاء القيض على البيض وهو القشر الأعلى.
(قيع) : قوله تعالى : كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ والقيع والقاع المستوي من الأرض جمعه قيعان وتصغيره قويع واستعير منه قاع الفحل الناقة إذا ضربها.

(1/3570)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 468
(قول) : القول والقيل واحد ، قال تعالى : وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا والقول يستعمل على أوجه أظهرها أن يكون للمركب من الحروف المبرز بالنطق مفردا كان أو جملة ، فالمفرد كقولك زيد وخرج. والمركب زيد منطلق ، وهل خرج عمرو ، ونحو ذلك ، وقد يستعمل الجزء الواحد من الأنواع الثلاثة أعنى الاسم والفعل والأداة قولا كما قد تسمى القصيدة والخطبة ونحوهما قولا ، والثاني : يقال للمتصور فى النفس قبل الإبراز باللفظ فيقال فى نفسى قول لم أظهره ، قال تعالى : وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ فجعل ما فى اعتقادهم قولا الثالث : للاعتقاد نحو فلان يقول بقول أبى حنيفة. الرابع : يقال للدلالة على الشيء نحو قول الشاعر :
امتلأ الحوض وقال قطنى
الخامس : يقال للعناية الصادقة بالشيء كقولك فلان يقول بكذا. السادس :
يستعمله المنطقيون دون غيرهم فى معنى الحد فيقولون قول الجوهر كذا وقول العرض كذا ، أي حدهما. السابع : فى الإلهام نحو قوله تعالى : قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ فإن ذلك لم يكن بخطاب ورد عليه فيما روى وذكر ، بل كان ذلك إلهاما فسماه قولا. وقيل فى قوله تعالى : قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ إن ذلك كان بتسخير من اللَّه تعالى لا بخطاب ظاهر ورد عليهما ، وكذا فى قوله تعالى :
قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً ، وقوله تعالى : يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ فذكر أفواههم تنبيها على أن ذلك كذب مقول لا عن صحة اعتقاد كما ذكر فى الكتابة باليد فقال تعالى : فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وقوله : لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي علم اللَّه تعالى بهم وكلمته عليهم كما قال تعالى : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ وقوله : إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وقوله :
ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ فإنما سماه قول الحق تنبيها على ما قال : إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ إلى قوله : ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وتسميته قولا كتسميته كلمة فى قوله : وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وقوله تعالى : إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ أي لفى أمر من البعث فسماه قولا فإن المقول فيه يسمى قولا كما أن المذكور يسمى ذكرا وقوله تعالى : إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ - وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ فقد نسب القول إلى الرسول وذلك أن

(1/3571)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 469
القول الصادر إليك عن الرسول يبلغه إليك عن مرسل له فيصح أن تنسبه تارة إلى الرسول ، وتارة إلى المرسل ، وكلاهما صحيح. فإن قيل : فهل يصح على هذا أن ينسب الشعر والخطبة إلى راويهما كما تنسبهما إلى صانعهما؟ قيل يصح أن يقال للشعر هو قول الراوي. ولا يصح أن يقال هو شعره وخطبته لأن الشعر يقع على القول إذا كان على صورة مخصوصة وتلك الصورة ليس للراوى فيها شىء والقول هو قول الراوي كما هو قول المروي عنه. وقوله تعالى : إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ لم يرد به القول المنطقي فقط بل أراد ذلك إذا كان معه اعتقاد وعمل. ويقال للسان المقول ، ورجل مقول منطيق وقوال وقوالة كذلك. والقيل الملك من ملوك حمير سموه بذلك لكونه معتمدا على قوله ومقتدى به ولكونه متقيلا لأبيه. ويقال تقيل فلان أباه. وعلى هذا النحو سموا الملك بعد الملك تبعا وأصله من الواو لقولهم فى جمعه أقوال نحو ميت وأموات ، والأصل قيل نحو ميت فخفف. وإذا قيل أقيال فذلك نحو أعياد. وتقيل أباه نحو تعبد ، واقتال قولا. قال ما اجتر به إلى نفسه خيرا أو شرّا. ويقال ذلك فى معنى احتكم قال الشاعر :
تأبى حكومة المقتال
و القال والقالة ما ينشر من القول. قال الخليل : يوضع القال موضع القائل.
فيقال أنا قال كذا أي قائله.
(قيل) : قوله تعالى : أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا مصدر قلت قيلولة نمت نصف النهار أو موضع القيلولة ، وقد يقال قلته فى البيع قيلا وأقلته ، وتقايلا بعد ما تبايعا.
(قوم) : يقال قام يقوم قياما فهو قائم وجمعه قيام ، وأقام غيره. وأقام بالمكان إقامة ، والقيام على أضرب : قيام بالشخص إما بتسخير أو اختيار ، وقيام للشىء هو المراعاة للشىء والحفظ له ، وقيام هو على العزم على الشيء ، فمن القيام بالتسخير قائِمٌ وَحَصِيدٌ وقوله تعالى : ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها ومن القيام الذي هو بالاختيار قوله تعالى : أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً. وقوله : الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وقوله : الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ وقوله : وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً والقيام فى الآيتين جمع قائم ومن المراعاة للشىء

(1/3572)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 470
قوله : كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ - قائِماً بِالْقِسْطِ وقوله : أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ أي حافظ لها. وقوله تعالى : لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ وقوله تعالى : إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً أي ثابتا على طلبه. ومن القيام الذي هو العزم قوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ وقوله : يُقِيمُونَ الصَّلاةَ أي يديمون فعلها ويحافظون علهيا.
والقيام والقوام اسم لما يقوم به الشيء أي يثبت ، كالعماد والسناد لما يعمد ويسند به ، كقوله : وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً أي جعلها مما يمسككم. وقوله : جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ أي قواما لهم يقوم به معاشهم ومعادهم. قال الأصم : قائما لا ينسخ ، وقرىء قيما بمعنى قياما وليس قول من قال جمع فيه بشىء ويقال قام كذا وثبت وركز بمعنى.
و قوله : وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وقام فلان مقام فلان إذا ناب عنه.
قال : فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ. وقوله :
دِيناً قِيَماً أي ثابتا مقوما لأمور معاشهم ومعادهم وقرىء قيما مخففا من قيام وقيل هو وصف نحو قوم عدى ومكان سوى ولحم رذى وماء روى ، وعلى هذا قوله تعالى : ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وقوله : وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً وقوله :
وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ فالقيمة هاهنا اسم للأمة القائمة بالقسط المشار إليهم بقوله : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ وقوله : كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ - يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ فقد أشار بقوله صحفا مطهرة إلى القرآن وبقوله : كُتُبٌ قَيِّمَةٌ إلى ما فيه من معانى كتب اللَّه تعالى فإن القرآن مجمع ثمرة كتب اللَّه تعالى المتقدمة. وقوله : اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ أي القائم الحافظ لكل شىء والمعطى له ما به قوامه وذلك هو المعنى المذكور فى قوله : الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى وفى قوله : أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وبناء قيوم فيعول ، وقيام فيعال نحو ديون وديان ، والقيامة عبارة عن قيام الساعة المذكور فى قوله تعالى : وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ - يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ - وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً والقيامة أصلها ما يكون من الإنسان من القيام دفعة واحدة أدخل فيها الهاء تنبيها على وقوعها دفعة ، والمقام يكون مصدرا واسم مكان القيام وزمانه نحو قوله تعالى : إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي - ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ - وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ - وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى - فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وقوله : وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ - إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي

(1/3573)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 471
مَقامٍ أَمِينٍ
- خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا وقال : وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وقال : أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ قال الأخفش فى قوله : قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ إن المقام المقعد فهذا إن أراد أن المقام والمقعد بالذات شىء واحد ، وإنما يختلفان بنسبته إلى الفاعل كالصعود والحدور فصحيح ، وإن أراد أن معنى المقام معنى المقعد فذلك بعيد فإنه يسمى المكان الواحد مرة مقاما إذا اعتبر بقيامه ومقعدا إذا اعتبر بقعوده ، وقيل المقامة الجماعة ، قال الشاعر :
و فيهم مقامات حسان وجوههم
و إنما ذلك فى الحقيقة اسم للمكان وإن جعل اسما لأصحابه نحو قول الشاعر :
و استب بعدك يا كليب المجلس
فسمى المستبين المجلس. والاستقامة يقال فى الطريق الذي يكون على خط مستو وبه شبه طريق المحق نحو قوله تعالى : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ - وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً - إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ واستقامة الإنسان لزومه المنهج المستقيم نحو قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا وقال :
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ - فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ والإقامة فى المكان الثبات وإقامة الشيء توفيه حقه ، وقال : قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ أي توفون حقوقهما بالعلم والعمل وكذلك قوله : وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ولم يأمر تعالى بالصلاة حيثما أمر ولا مدح به حينما مدح إلا بلفظ الإقامة تنبيها أن المقصود منها توفيه شرائطها لا الإتيان بهيئاتها ، نحو قوله تعالى : أَقِيمُوا الصَّلاةَ فى غير موضع. وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وقوله :
وَ إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى
فإن هذا من القيام لا من الإقامة وأما قوله تعالى : رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ أي وفقني لتوفية شرائطها وقوله :
فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ فقد قيل عنى به إقامتها بالإقرار بوجوبها لا بأدائها ، والمقام يقال للمصدر والمكان والزمان والمفعول لكن الوارد فى القرآن هو المصدر نحو قوله تعالى : إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً والمقامة الإقامة ، قال تعالى : الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ نحو قوله : دارُ الْخُلْدِ - جَنَّاتِ عَدْنٍ وقوله : لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا من قام أي لا مستقر لكم وقد قرىء : لا مُقامَ لَكُمْ من أقام. ويعبر بالإقامة عن الدوام نحو قوله تعالى :

(1/3574)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 472
عَذابٌ مُقِيمٌ وقرىء : إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ أي فى مكان تدوم إقامتهم فيه ، وتقويم الشيء تثقيفه ، قال : لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وذلك إشارة إلى ما خص به الإنسان من بين الحيوان من العقل والفهم وانتصاب القامة الدالة على استيلائه على كل ما فى هذا العالم ، وتقويم السلعة بيان قيمتها.
والقوم جماعة الرجال فى الأصل دون النساء ، ولذلك قال : لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ الآية ، قال الشاعر :
أقوم آل حصن أم نساء
و فى عامة القرآن أريدوا به والنساء جميعا ، وحقيقته للرجال لما نبه عليه قوله تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ الآية.
(قوى) : القوة تستعمل تارة فى معنى القدرة نحو قوله تعالى : خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وتارة للتهيؤ الموجود فى الشيء نحو أن يقال : النوى بالقوة تخل ، أي متهيىء ومترشح أن يكون منه ذلك. ويستعمل ذلك فى البدن تارة وفى القلب أخرى ، وفى المعاون من خارج تارة وفى القدرة الإلهية تارة. ففى البدن نحو قوله تعالى : وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً - فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ فالقوة هاهنا قوة البدن بدلالة أنه رغب عن القوة الخارجة فقال تعالى : ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ وفى القلب نحو قوله : يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ أي بقوة قلب ، وفى المعاون من خارج نحو قوله تعالى : لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً قيل معناه من أتقوى به من الجند وما أتقوى به من المال ، ونحو قوله : قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وفى القدرة الإلهية نحو قوله : إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ - وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً وقوله : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ فعام فيما اختص اللَّه تعالى به من القدرة وما جعله للخلق. وقوله : وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ فقد ضمن تعالى أن يعطى كل واحد منهم من أنواع القوى قدر ما يستحقه وقوله تعالى : ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ يعنى به جبرئيل عليه السلام ووصفه بالقوة عند ذى العرش وأفرد اللفظ ونكره فقال : ذِي قُوَّةٍ تنبيها أنه إذا اعتبر بالملأ الأعلى فقوته إلى حد ما ، وقوله فيه : عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى فإنه وصف القوة بلفظ الجمع وعرفها تعريف الجنس تنبيها أنه إذا اعتبر بهذا العالم وبالذين يعلمهم ويفيدهم هو كثير القوى عظيم القدرة والقوة التي تستعمل للتهيؤ

(1/3575)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 473
أكثر من يستعملها الفلاسفة ويقولونها على وجهين ، أحدهما : أن يقال لما كان موجودا ولكن ليس يستعمل فيقال فلان كاتب بالقوة أي معه المعرفة بالكتابة لكنه ليس يستعمل ، والثاني يقال فلان كاتب بالقوة وليس يعنى به أن معه العلم بالكتابة ، ولكن معناه يمكنه أن يتعلم الكتابة وسميت المفازة قواء ، وأقوى الرجل صار فى قواء أي قفر ، وتصور من حال الحاصل فى القفر الفقر فقيل أقوى فلان أي افتقر كقولهم أرمل وأترب ، قال اللَّه تعالى : وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ.

(1/3576)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 474
الكاف
(كب) : الكب إسقاط الشيء على وجهه ، قال تعالى : فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ والإكباب جعل وجهه مكبوبا على العمل ، قال تعالى :
أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى والكبكبة تدهور الشيء فى هوة ، قال :
فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ يقال كب وكبكب نحو كف وكفكف وصبر الريح وصرصر. والكواكب النجوم البادية ولا يقال لها كواكب إلا إذا بدت ، قال تعالى : فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً وقال : كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ - إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ - وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ ويقال ذهبوا تحت كل كوكب إذا تفرقوا ، وكوكب العسكر ما يلمع فيها من الحديد.
(كبت) : الكبت الرد بعنف وتذليل ، قال تعالى : كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وقال تعالى : لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ.
(كبد) : الكبد معروفة ، والكبد والكباد توجعها ، والكبد إصابتها ، ويقال كبدت الرجل إذا أصبت كبده ، وكبد السماء وسطها تشبيها بكبد.
الإنسان لكونها فى وسط البدن. وقيل تكبدت الشمس صارت فى كبد السماء ، والكبد المشقة ، قال : لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ تنبيها أن الإنسان خلقه اللَّه تعالى على حالة لا ينفك من المشاق ما لم يقتحم العقبة ويستقر به القرار كما قال : لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ.
(كبر) : الكبير والصغير من الأسماء المتضايقة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض ، فالشىء قد يكون صغيرا فى جنب شىء وكبيرا فى جنب غيره ، ويستعملان فى الكمية المتصلة كالأجسام وذلك كالكثير والقليل ، وفى الكمية المنفصلة كالعدد ، وربما يتعاقب الكثير والكبير على شىء واحد بنظرين مختلفين نحو قوله تعالى : قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وكثير ، قرىء بهما وأصل ذلك أن يستعمل فى الأعيان ثم استعير للمعانى نحو قوله تعالى : لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وقوله : وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ وقوله :

(1/3577)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 475
يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ إنما وصفه بالأكبر تنبيها أن العمرة هى الحجة الصغرى كما
قال صلّى اللَّه عليه وسلّم : «العمرة هى الحج الأصغر»
فمن ذلك ما اعتبر فيه الزمان فيقال فلان كبير أي مسن نحو قوله تعالى : إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما وقال : وَأَصابَهُ الْكِبَرُ - وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ ومنه ما اعتبر فيه المنزلة والرفعة نحو قوله تعالى : قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ونحو قوله : الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ وقوله :
فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ فسماه كبيرا بحسب اعتقادهم فيه لا لقدر ورفعة له على الحقيقة ، وعلى ذلك قوله : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا وقوله :
وَ كَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها أي رؤساءها وقوله : إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ أي رئيسكم ومن هذا النحو يقال ورثه كابرا عن كابر ، أي أبا كبير القدر عن أب مثله. والكبيرة متعارفة فى كل ذنب تعظم عقوبته والجمع الكبائر ، ثم قال تعالى : الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ وقال : إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ قيل أريد به الشرك لقوله :
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وقيل هى الشرك وسائر المعاصي الموبقة كالزنا وقتل النفس المحرمة ولذلك قال : إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً وقال : قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وتستعمل الكبيرة فيما يشق ويصعب نحو قوله تعالى : وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ ، وقال : كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ وقال : وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ وقوله تعالى : كَبُرَتْ كَلِمَةً ففيه تنبيه على عظم ذلك من بين الذنوب وعظم عقوبته ولذلك قال تعالى : كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وقوله : وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ إشارة إلى من أوقع حديث الإفك. وتنبيها أن كل من سن سنة قبيحة يصير مقتدى به فذنبه أكبر. وقوله : إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ أي تكبر وقيل أمر كبير من السن كقوله : وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ والكبر والتكبر والاستكبار تتقارب ، فالكبر الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه وذلك أن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره. وأعظم التكبر التكبر على اللَّه بالامتناع من قبول الحق والإذعان له بالعبادة. والاستكبار يقال على وجهين ، أحدهما : أن يتحرى الإنسان ويطلب أن يصير كبيرا وذلك متى كان على ما يجب وفى المكان الذي يجب وفى الوقت الذي يجب فمحمود ، والثاني : أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له وهذا هو المذموم وعلى هذا ما ورد فى القرآن. وهو ما قال تعالى :
أَبى وَاسْتَكْبَرَ. وقال تعالى : أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ ، وقال : وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً - اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ -

(1/3578)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 476
فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ
- تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وقال : إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ - قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ وقوله : فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا قابل المستكبرين بالضعفاء تنبيها أن استكبارهم كان بما لهم من القوة من البدن والمال :
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فقابل المستكبرين بالمستضعفين : فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ نبه بقوله فاستكبروا على تكبرهم وإعجابهم بأنفسهم وتعظمهم عن الإصغاء إليه ، ونبه بقوله : وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ أن الذي حملهم على ذلك هو ما تقدم من جرمهم وأن ذلك لم يكن شيئا حدث منهم بل كان ذلك دأبهم قبل. وقال تعالى : فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ وقال بعده : إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ والتكبر يقال على وجهين ، أحدهما : أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة فى الحقيقة وزائدة على محاسن غيره وعلى هذا وصف اللَّه تعالى بالتكبر. قال تعالى : الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ. والثاني : أن يكون متكلفا لذلك متشبعا وذلك فى وصف عامة الناس نحو قوله تعالى : فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ، وقوله تعالى : كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ومن وصف بالتكبر على الوجه الأول فمحمود ، ومن وصف به على الوجه الثاني فمذموم ، ويدل على أنه قد يصح أن يوصف الإنسان بذلك ولا يكون مذموما ، قوله تعالى :
سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فجعل متكبرين بغير الحق ، وقال : عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ بإضافة القلب إلى التكبر. ومن قرأ بالتنوين جعل المتكبر صفة للقلب ، والكبرياء الترفع عن الانقياد وذلك لا يستحقه غير اللَّه فقال : وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ولما قلنا
روى عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول عن اللَّه تعالى : «الكبرياء ردائى والعظمة إزارى فمن نازعنى فى واحد منهما قصمته».
وقال تعالى : قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ ، وأكبرت الشيء رأيته كبيرا ، قال تعالى :
فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ والتكبير يقال لذلك ولتعظيم اللَّه تعالى بقولهم اللَّه أكبر ولعبادته واستشعار تعظيمه وعلى ذلك : وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ - وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ، وقوله : لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ فهى إشارة إلى ما خصهما اللَّه تعالى به من عجائب صنعه وحكمته التي لا يعلمها إلا قليل ممن وصفهم بقوله : وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ

(1/3579)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 477
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فأما عظم جثتهما فأكثرهم يعلمونه. وقوله تعالى : يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى فتنبيه أن كل ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك فى الدنيا وفى البرزخ صغير فى جنب عذاب ذلك اليوم والكبار أبلغ من الكبير ، والكبار أبلغ من ذلك ، قال : وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً.
(كتب) : الكتب ضم أديم إلى أديم بالخياطة ، يقال كتبت السقاء ، وكتبت البغلة جمعت بين شفريها بحلقة ، وفى المتعارف ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط وقد يقال ذلك للمضموم بعضها إلى بعض باللفظ ، فالأصل فى الكتابة النظم بالخط لكن يستعار كل واحد للآخر ولهذا سمى كلام اللَّه وإن لم يكتب كتابا كقوله : الم ذلِكَ الْكِتابُ وقوله : قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ والكتاب فى الأصل مصدر ثم سمى المكتوب فيه كتابا ، والكتاب فى الأصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيه وفى قوله : يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فإنه يعنى صحيفة فيها كتابة ، ولهذا قال : وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ الآية. ويعبر عن الإثبات والتقدير والإيجاب والفرض والعزم بالكتابة ، ووجه ذلك أن الشيء يراد ثم يقال ، ثم يكتب ، فالإرادة مبدأ والكتابة منتهى.
ثم يعبر عن المراد الذي هو المبدأ إذا أريد توكيده بالكتابة التي هى المنتهى ، قال تعالى : كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي وقال تعالى : قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا - لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ وقال : وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ أي فى حكمه ، وقوله : وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ أي أوحينا وفرضنا وكذلك قوله : كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ وقوله : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ - لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ - ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ - لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ أي لولا أن أوجب اللَّه عليهم الإخلال بديارهم ، ويعبر بالكتابة عن القضاء الممضى وما يصير فى حكم الممضى وعلى هذا حمل قوله تعالى : بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ قيل ذلك مثل قوله تعالى : يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وقوله : أُولئِكَ كَتَبَ فِي
لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ وقوله : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ أي فى حكمه ويعبر بالكتاب عن الحجة الثابتة من جهة اللَّه نحو قوله
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ - أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ
- أُوتُوا الْكِتابَ - كِتابَ اللَّهِ - أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً - فَهُمْ يَكْتُبُونَ فذلك إشارة إلى العلم والتحقق والاعتقاد ، وقوله تعالى :
وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ إشارة فى تحرى النكاح إلى لطيفة وهى أن اللَّه جعل لنا شهوة النكاح لنتحرى طلب النسل الذي يكون سببا لبقاء نوع الإنسان إلى غاية قدرهما ، فيجب للإنسان أن يتحرى بالنكاح ما جعل اللَّه له على حسب مقتضى العقل والديانة ، ومن تحرى بالنكاح حفظ النسل وحصانة النفس على الوجه المشروع فقد ابتغى ما كتب اللَّه له وإلى هذا أشار من قال : عنى بما كتب اللَّه لكم الولد ويعبر عن الإيجاد بالكتابة وعن الإزالة والإفناء بالمحو. قال تعالى :

(1/3580)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 479
لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ - يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ نبه أن لكل وقت إيجادا وهو يوجد ما تقتضى الحكمة إيجاده ويزيل ما تقتضى الحكمة إزالته ، ودل قوله :
لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ على نحو ما دل عليه قوله : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ وقوله : وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ وقوله : وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ فالكتاب الأول ما كتبوه بأيديهم المذكورة فى قوله تعالى : فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ والكتاب الثاني التوراة ، والثالث لجنس كتب اللَّه أي ما هو من شىء من كتب اللَّه سبحانه وتعالى وكلامه ، وقوله : وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ فقد قيل هما عبارتان عن التوراة وتسميتها كتابا اعتبارا بما أثبت فيها من الأحكام ، وتسميتها فرقانا اعتبارا بما فيها من الفرق بين الحق والباطل. وقوله : وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا أي حكما. لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ وقوله : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ كل ذلك حكم منه.
و أما قوله تعالى : فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ فتنبيه أنهم يختلقونه ويفتعلونه ، وكما نسب الكتاب المختلق إلى أيديهم نسب المقال المختلق إلى أفواههم فقال : ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ والاكتتاب متعارف فى المختلق نحو قوله : أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها وحيثما ذكر اللَّه تعالى أهل الكتاب فإنما أراد بالكتاب التوراة والإنجيل وإياهما جميعا ، وقوله : وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى إلى قوله : وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ فإنما أراد بالكتاب هاهنا ما تقدم من كتب اللَّه دون القرآن ألا ترى أنه جعل القرآن مصدقا له ، وقوله : وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا فمنهم من قال هو القرآن ومنهم من قال هو القرآن وغيره من الحجج والعلم والعقل ، وكذلك قوله : فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وقوله : قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ فقد قيل أريد به علم الكتاب وقيل علم من العلوم التي آتاها اللَّه سليمان فى كتابه المخصوص به وبه سخر له كل شىء ، وقوله : وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ أي بالكتب المنزلة فوضع ذلك موضع الجمع إما لكونه جنسا كقولك كثر الدرهم فى أيدى الناس ، أو لكونه فى الأصل مصدرا نحو عدل وذلك كقوله : يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وقيل يعنى أنهم ليسوا كمن قيل فيهم : وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وكتابة العبد ابتياع نفسه من سيده بما يؤديه من كسبه ، قال تعالى : وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ

(1/3581)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 480
مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ
و اشتقاقها يصح أن يكون من الكتابة التي هى الإيجاب ، وأن يكون من الكتب الذي هو النظم والإنسان يفعل ذلك.
(كتم) : الكتمان ستر الحديث ، يقال كتمته كتما وكتمانا ، قال تعالى :
وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وقال : وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ - وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ - وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وقوله : الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فكتمان الفضل هو كفران النعمة ولذلك قال بعده. وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً وقوله : وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً قال ابن عباس : إن المشركين إذا رأوا أهل القيامة لا يدخل الجنة إلا من لم يكن مشركا قالوا : وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فتشهد عليهم جوار حهم فحينئذ يودون أن لم يكتموا اللَّه حديثا. وقال الحسن : فى الآخرة مواقف فى بعضها يكتمون وفى بعضها لا يكتمون ، وعن بعضهم لا يكتمون اللَّه حديثا هو أن تنطق جوارحهم.
(كثب) : قال تعالى : وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا أي رملا متراكما وجمعه أكثبة وكثب وكثبان ، والكثيبة القليل من اللبن والقطعة من التمر سميت بذلك لاجتماعها ، وكثب إذا اجتمع ، والكاثب الجامع ، والتكثيب الصيد إذا أمكن من نفسه ، والعرب تقول أكثبك الصيد فارمه ، وهو من الكثب أي القرب.
(كثر) : قد تقدم أن الكثرة والقلة يستعملان فى الكمية المنفصلة كالأعداد ، قال تعالى : وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً - وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ - بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وقال : كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً وقال :
وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً - وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إلى آيات كثيرة وقوله تعالى : بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ فإنه جعلها كثيرة اعتبارا بمطاعم الدنيا ، وليست الكثرة إشارة إلى العدد فقط بل إلى الفضل ، ويقال عدد كثير وكثار وكاثر : زائد ، ورجل كاثر إذا كان كثير المال ، قال الشاعر :
و لست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر
و المكاثرة والتكاثر التبارى فى كثرة المال والعز ، قال تعالى : أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ وفلان مكثور أي مغلوب فى الكثرة ، والمكثار متعارف فى كثرة الكلام ، والكثر

(1/3582)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 481
الجمّار الكثير وقد حكى بتسكين الثاء ، و
روى : «لا قطع فى ثمر ولا كثر»
و قوله تعالى : إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قيل هو نهر فى الجنة يتشعب عنه الأنهار ، وقيل بل هو الخير العظيم الذي أعطاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد يقال للرجل السخي كوثر ، ويقال تكوثر الشيء كثر كثرة متناهية ، قال الشاعر :
و قد ثار نقع الموت حتى تكوثرا
(كدح) : الكدح السعى والعناء ، قال تعالى : إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً وقد يستعمل استعمال الكدم فى الأسنان ، قال الخليل : الكدح دون الكدم.
(كدر) : الكدر ضد الصفاء ، يقال عيش كدر والكدرة فى اللون خاصة ، والكدورة فى الماء وفى العيش ، والانكدار تغير من انتثار الشيء ، قال تعالى : وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ، وانكدر القوم على كذا إذا قصدوا متناثرين عليه.
(كدى) : الكدية صلابة فى الأرض ، يقال حفر فأكدى إذا وصل إلى كدية ، واستعير ذلك للطالب المخفق والمعطى المقل ، قال تعالى : أَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى .
(كذب) : قد تقدم القول فى الكذب مع الصدق وأنه يقال فى المقال والفعال قال تعالى : إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ، وقوله تعالى :
وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ وقد تقدم أنه كذبهم فى اعتقادهم لا فى مقالهم ، ومقالهم كان صدقا ، وقوله تعالى : لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ فقد نسب الكذب إلى نفس الفعل كقولهم فعلة صادقة وفعلة كاذبة ، قوله : ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ يقال رجل كذاب وكذوب وكذبذب وكيذبان كل ذلك للمبالغة ويقال لا مكذوبة أي لا أكذبك وكذبتك حديثا ، قال تعالى : الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، ويتعدى إلى مفعولين نحو صدق فى قوله تعالى : لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ يقال كذبه كذبا وكذابا ، وأكذبته. وجدته كاذبا ، وكذبته : نسبته إلى الكذب صادقا كان أو كاذبا ، وما جاء فى القرآن ففى تكذيب الصادق نحو قوله تعالى : كَذَّبُوا بِآياتِنا - رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ -

(1/3583)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 482
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ
- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا - كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ - وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ - وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وقال تعالى : فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ قرىء بالتخفيف والتشديد ، ومعناه لا يجدونك كاذبا ولا يستطيعون أن يثبتوا كذبك ، وقوله تعالى : حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا أي علموا أنهم تلقوا من جهة الذين أرسلوا إليهم بالكذب فكذبوا نحو فسقوا وزنوا وخطئوا إذا نسبوا إلى شىء من ذلك ، وذلك قوله : إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ وقرىء :
كَذَّبُوا بالتخفيف من قولهم كذبتك حديثا أي ظن المرسل إليهم أن المرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به أنهم إن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب وإنما ظنوا ذلك من إمهال اللَّه تعالى إياهم وإملائه لهم ، وقوله تعالى : لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً الكذاب التكذيب والمعنى لا يكذبون فيكذب بعضهم بعضا ، ونفى التكذيب عن الجنة يقتضى نفى الكذب عنها وقرىء : كِذَّاباً من المكاذبة أي لا يتكاذبون تكاذب الناس فى الدنيا ، يقال حمل فلان على فرية وكذب كما يقال فى ضده صدق. وكذب لبن الناقة إذا ظن أن يدوم مدة فلم يدم. وقولهم كذب عليك الحج قيل معناه وجب فعليك به ، وحقيقته أنه فى حكم الغائب البطيء وقته كقولك قد فات الحج فبادر أي كاد يفوت. وكذب عليك العسل بالنصب أي عليك بالعسل وذلك إغراء ، وقيل العسل هاهنا العسلان وهو ضرب من العدو ، والكذابة ثوب ينقش بلون صبغ كأنه موشى وذلك لأنه يكذب بحاله.
(كر) : الكر العطف على الشيء بالذات أو بالفعل ، ويقال للحبل المفتول كر وهو فى الأصل مصدر وصار اسما وجمعه كرور ، قال تعالى : ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ - فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ - وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً - لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً والكر كرة رحى زور البعير ويعبر بها عن الجماعة المجتمعة ، والكركرة تصريف الريح السحاب ، وذلك مكرر من كر.
(كرب) : الكرب الغم الشديد ، قال تعالى : فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ والكربة كالغمة وأصل ذلك من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر فالغم يثير النفس إثارة ذلك ، وقيل فى مثل : الكراب على البقر ، وليس ذلك من

(1/3584)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 483
قولهم : «الكراب على البقر» فى شىء ويصح أن يكون الكرب من كربت الشمس إذا دنت للمغيب وقولهم إناء كربان أي قريب نحو قربان أي قريب من الملء ، أو من الكرب وهو عقد غليظ فى رشا الدلو ، وقد يوصف الغم بأنه عقدة على القلب ، يقال أكربت الدلو.
(كرس) : الكرسي فى تعارف العامة اسم لما يقعد عليه ، قال تعالى :
وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ وهو فى الأصل منسوب إلى الكرس أي المتلبد أي المجتمع. ومنه الكراسة للمتكرس من الأوراق ، وكرست البناء فتكرس ، قال العجاج :
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا قال : نعم أعرفه ، وأبلسا
و الكرس أصل الشيء ، يقال هو قديم الكرس وكل مجتمع من الشيء كرس ، والكروس المتركب بعض أجزاء رأسه إلى بعضه لكبره ، وقوله تعالى : وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فقد روى عن ابن عباس أن الكرسي العلم ، وقيل كرسيه ملكه ، وقال بعضهم : هو اسم الفلك المحيط بالأفلاك ، قال : ويشهد لذلك ما
روى : «ما السموات السبع فى الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة».
(كرم) : الكرم إذا وصف اللَّه تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر نحو قوله تعالى : فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ وإذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه ، ولا يقال هو كريم حتى يظهر ذلك منه. قال بعض العلماء : الكرم كالحرية إلا أن الحرية قد تقال فى المحاسن الصغيرة والكبيرة والكرم لا يقال إلا فى المحاسن الكبيرة كمن ينفق مالا فى تجهيز جيش فى سبيل اللَّه وتحمل حمالة ترقىء دماء قوم ، وقوله تعالى : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ فإنما كان كل ذلك لأن الكرم الأفعال المحمودة وأكرمها وأشرفها ما يقصد به وجه اللَّه تعالى ، فمن قصد ذلك بمحاسن فعله فهو التقى ، فإذا أكرم الناس أتقاهم ، وكل شىء شرف فى بابه فإنه يوصف بالكرم ، قال تعالى : أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ - وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ - إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ - وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً والإكرام والتكريم أن يوصل إلى الإنسان إكرام أي نفع لا يلحقه فيه غضاضة ، أو أن يجعل ما يوصل إليه شيئا كريما أي شريفا ، قال تعالى : هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ وقوله : بَلْ عِبادٌ

(1/3585)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 484
مُكْرَمُونَ
أي جعلهم كراما ، قال : كِراماً كاتِبِينَ ، وقال : بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ - وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ، وقوله : ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ منطو على المعنيين.
(كره) : قيل الكره والكره واحد نحو : الضعف والضّعف ، وقيل الكرة المشقة التي تنال الإنسان من خارج فيما يحمل عليه بإكراه ، والكره ما يناله من ذاته وهو يعافه ، وذلك على ضربين ، أحدهما : ما يعاف من حيث الطبع والثاني ما يعاف من حيث العقل أو الشرع ، ولهذا يصح أن يقول الإنسان فى الشيء الواحد إنى أريده وأكرهه بمعنى أنى أريده من حيث الطبع وأكرهه من حيث العقل أو الشرع ، أو أريده من حيث العقل أو الشرع وأكرهه من حيث الطبع ، وقوله تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ أي تكرهونه من حيث الطبع ثم بين ذلك بقوله تعالى : وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أنه لا يجب للإنسان أن يعتبر كراهيته للشىء أو محبته له حتى يعلم حاله.
وكرهت يقال فيهما جميعا إلا أن استعماله فى الكره أكثر ، قال تعالى : وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ - وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ - وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ ، وقوله : أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ تنبيه أن أكل لحم الأخ شىء قد جبلت النفس على كراهتها له وإن تجراه الإنسان ، وقوله : لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وقرىء كرها ، والإكراه يقال فى حمل الإنسان على ما يكرهه وقوله : وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ فنهى عن حملهن على ما فيه كره وكره ، وقوله : لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ فقد قيل كان ذلك فى ابتداء الإسلام فإنه كان يعرض على الإنسان الإسلام فإن أجاب وإلا ترك. والثاني : أن ذلك فى أهل الكتاب فإنهم إن أرادوا الجزية والتزموا الشرائط تركوا. والثالث :
أنه لا حكم لمن أكره على دين باطل فاعترف به ودخل فيه كما قال : إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ. الرابع : لا اعتداد فى الآخرة بما يفعل الإنسان فى الدنيا من الطاعة كرها فإن اللَّه تعالى يعتبر السرائر ولا يرضى إلا الإخلاص ولهذا
قال عليه الصلاة والسلام : «الأعمال بالنيات»
و
قال : «أخلص يكفك القليل من العمل»
الخامس : معناه لا يحمل الإنسان على أمر مكروه فى الحقيقة مما يكلفهم اللَّه بل يحملون على نعيم الأبد ، ولهذا
قال عليه الصلاة والسلام : «عجب ربكم من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل»
السادس : أن الدين الجزاء ،

(1/3586)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 485
معناه أن اللَّه ليس بمكره على الجزاء بل يفعل ما يشاء بمن يشاء كما يشاء وقوله :
أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ إلى قوله : طَوْعاً وَكَرْهاً قيل معناه أسلم من فى السموات طوعا ومن فى الأرض كرها أي الحجة أكرهتهم وألجأتهم كقولك الدلالة أكرهتنى على القول بهذه المسألة وليس هذا من الكره المذموم. الثاني :
أسلم المؤمنون طوعا والكافرون كرها إذ لم يقدروا أن يمتنعوا عليه بما يريد بهم ويقضيه عليهم. الثالث : عن قتادة أسلم المؤمنون طوعا والكافرون كرها عند الموت حيث قال : فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ الآية. الرابع : عنى بالكره من قوتل وألجئ إلى أن يؤمن. الخامس : عن أبى العالية ومجاهد أن كلا أقر بخلقه إياهم وإن أشركوا معه. كقوله : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ السادس : عن ابن عباس : أسلموا بأحوالهم المنبئة عنهم وإن كفر بعضهم بمقالهم وذلك هو الإسلام فى الذر الأول حيث قال : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى وذلك هو دلائلهم التي فطروا عليها من العقل المقتضى لأن يسلموا ، وإلى هذا أشار بقوله : وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ السابع : عن بعض الصوفية أن من أسلم طوعا هو من طالع المثيب والمعاقب لا الثواب والعقاب فأسلم له ، ومن أسلم كرها هو من طالع الثواب والعقاب فأسلم رغبة ورهبة ونحو هذه الاية. وقوله وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً.
(كسب) : الكسب ما يتحراه الإنسان مما فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظ ككسب المال ، وقد يستعمل فيما يظن الإنسان أنه يجلب منفعة ثم استجلب به مضرة. والكسب يقال فيما أخذه لنفسه ولغيره ولهذا قد يتعدى إلى مفعولين فيقال كسبت فلانا كذا ، والاكتساب لا يقال إلا فيما استفدته لنفسك فكل اكتساب كسب وليس كل كسب اكتسابا ، وذلك نحو خبز واختبز وشوى واشتوى وطبخ واطبخ ، وقوله تعالى : أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ
روى أنه قيل للنبى صلّى اللَّه عليه وسلّم : «أي الكسب أطيب؟ فقال عليه الصلاة والسلام ، عمل الرجل بيده ، وقال : إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه»
و قال تعالى : لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وقد ورد فى القرآن فى فعل الصالحات والسيئات فمما استعمل فى الصالحات قوله تعالى : أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً وقوله تعالى : وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً إلى قوله : مِمَّا كَسَبُوا : ومما يستعمل فى السيئات : أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما

(1/3587)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 486
كَسَبَتْ
- أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا - إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ - فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ وقال :
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ - وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا - وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وقوله : ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ فمتناول لهما. والاكتساب قد ورد فيهما ، قال فى الصالحات :
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وقوله : لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ فقد قيل خص الكسب هاهنا بالصالح والاكتساب بالسيىء ، وقيل عنى بالكسب ما يتحراه من المكاسب الأخروية ، وبالاكتساب ، ما يتحراه من المكاسب الدنيوية ، وقيل عنى بالكسب ما يفعله الإنسان من فعل خير وجلب نفع إلى غيره من حيثما يجوز وبالاكتساب ما يحصله لنفسه من نفع يجوز تناوله ، فنبه على أن ما يفعله الإنسان لغيره من نفع يوصله إليه فله الثواب وأن ما يحصله لنفسه وإن كان متناولا من حيثما يجوز على الوجه فقلما ينفك من أن يكون عليه ، إشارة إلى ما قيل : «من أراد الدنيا فليوطن نفسه على المصائب» ، وقوله تعالى : أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
و نحو ذلك.
(كسف) : كسوف الشمس والقمر استتارهما بعارض مخصوص ، وبه شبه كسوف الوجه والحال فقيل كاسف الوجه وكاسف الحال ، والكسفة قطعة من السحاب والقطن ونحو ذلك من الأجسام المتخلخلة الحائلة وجمعهما كسف ، قال : وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً - فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ - أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً وكسفا بالسكون. فكسف جمع كسفة نحو سدرة وسدر : وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ قال أبو زيد : كسفت الثوب أكسفه كسفا إذا قطعته قطعا ، وقيل كسفت عرقوب الإبل ، قال بعضهم : هو كسحت لا غير.
(كسل) : الكسل التثاقل عما لا ينبغى التثاقل عنه ولأجل ذلك صار مذموما ، يقال كسل فهو كسل وكسلان وجمعه كسالى وكسالى ، قال تعالى :
وَ لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وقيل فلان لا يكسله المكاسل ، وفحل كسل يكسل عن الضراب ، وامرأة مكسال فاترة عن التحرك.

(1/3588)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 487
(كسا) : الكساء والكسوة اللباس ، قال تعالى : أَوْ كِسْوَتُهُمْ وقد كسوته واكتسى. قال تعالى : وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ - فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ، واكتست الأرض بالنبات ، وقول الشاعر :
فبات له دون الصبا وهى قرة لحاف ومصقول الكساء رقيق
فقد قيل هو كناية عن اللبن إذا علته الدواية ، وقول الآخر :
حتى أرى فارس الصموت على أكساء خيل كانها الإبل
قيل معناه على أعقابها ، وأصله أن تعدى الإبل فتثير الغبار ويعلوها فيكسوها فكأنه تولى إكساء الإبل أي ملابسها من الغبار.
(كشف) : كشفت الثوب عن الوجه وغيره ويقال كشف غمه ، قال تعالى : وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ - فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ - لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ - أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ، وقوله : يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قيل أصله من قامت الحرب على ساق أي ظهرت الشدة ، وقال بعضهم أصله من تذمير الناقة ، وهو أنه إذا أخرج رجل الفصيل من بطن أمه ، فيقال كشف عن الساق.
(كشط) : قال تعالى : وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ وهو من كسط الناقة أي تنحية الجلد عنها ومنه استعير انكشط روعه أي زال.
(كظم) : الكظم مخرج النفس ، يقال أخذ بكظمه والكظوم احتباس النفس ويعبر به عن السكوت كقولهم فلان لا يتنفس إذا وصف بالمبالغة فى السكوت ، وكظم فلان حبس نفسه ، قال تعالى : إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ ، وكظم الغيظ حبسه ، قال تعالى : وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ ومنه كظم البعير إذا ترك الاجتزاز ، وكظم السقاء شده بعد ملئه مانعا لنفسه ، والكاظمة حلقة تجمع فيها الخيوط فى طرف حديدة الميزان ، والسير الذي يوصل بوتر القوس ، والكظائم خروق بين البئرين يجرى فيها الماء كل ذلك تشبيه بمجرى النفس وتردده فيه.
(كعب) : كعب الرجل : العظم الذي عند ملتقى القدم والساق ، قال تعالى : وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ والكعبة كل بيت على هيئته فى التربيع

(1/3589)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 488
و بها سميت الكعبة ، قال تعالى : جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وذو الكعبات بيت كان فى الجاهلية لبنى ربيعة ، وفلان جالس فى كعبته أي غرفته وبيته على تلك الهيئة ، وامرأة كاعب تكعب ثدياها ، وقد كعبت كعابة والجمع كواعب ، قال تعالى : وَكَواعِبَ أَتْراباً وقد يقال كعب الثدي كعبا وكعب تكعيبا وثوب مكعب مطوى شديد الإدراج ، وكل ما بين العقدتين من القصب والرمح يقال له كعب تشبيها بالكعب فى الفصل بين العقدتين كفصل الكعب بين الساق والقدم. (كف) : الكف : كف الإنسان وهى ما بها يقبض ويبسط ، وكففته أصبت كفه وكففته أصبته بالكف ودفعته بها. وتعورف الكف بالدفع على أي وجه كان بالكف كان أو غيرها حتى قيل رجل مكفوف لمن قبض بصره ، وقوله تعالى : وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ أي كافا لهم عن المعاصي والهاء فيه للمبالغة كقولهم : رواية وعلامة ونسابة ، وقوله : وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً قيل معناه كافين لهم كما يقاتلونكم كافين ، وقيل معناه جماعة كما يقاتلونكم جماعة ، وذلك أن الجماعة يقال لهم الكافة كما يقال لهم الوازعة لقوتهم باجتماعهم وعلى هذا قوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وقوله :
فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها فإشارة إلى حال النادم وما يتعاطاه فى حال ندمه. وتكفف الرجل إذا مد يده سائلا ، واستكف إذا مد كفه سائلا أو دافعا ، واستكف الشمس دفعها بكفة وهو أن يضع كفه على حاجبه مستظلا من الشمس ليرى ما يطلبه ، وكفه الميزان تشبيه بالكف فى كفها ما يوزن بها وكذا كفة الحبالة ، وكففت الثوب إذا خطت نواحيه بعد الخياطة الأولى.
(كفت) : الكفت القبض والجمع ، قال تعالى : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً أي تجمع الناس أحياءهم وأمواتهم ، وقيل معناه تضم الأحياء التي هى الإنسان والحيوانات والنبات ، والأموات التي هى الجمادات من الأرض والماء وغير ذلك. والكفات قيل هو الطيران السريع ، وحقيقته قبض الجناح للطيران ، كما قال تعالى : أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ فالقبض هاهنا كالكفات هناك. والكفت السوق الشديد ، واستعمال الكفت فى سوق الإبل كاستعمال القبض فيه كقولهم قبض الراعي الإبل وراعى

(1/3590)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 489
قبضة ، وكفت اللَّه فلانا إلى نفسه كقولهم قبضه ، و
فى الحديث : «اكفتوا صبيانكم بالليل».
(كفر) : الكفر فى اللغة ستر الشيء ، ووصف الليل بالكافر لستره الأشخاص ، والزراع لستره البذر فى الأرض ، وليس ذلك باسم لهما كما قال بعض أهل اللغة لما سمع :
ألقت ذكاء يمينها فى كافر
و الكافور اسم أكمام الثمرة التي تكفرها ، قال الشاعر :
كالكرم إذ نادى من الكافور
و كفر النعمة وكفرانها سترها بترك أداء شكرها ، قال تعالى : فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وأعظم الكفر جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة ، والكفران فى جحود النعمة أكثر استعمالا ، والكفر فى الدين أكثر والكفور فيهما جميعا قال تعالى : فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً - فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً ويقال منهما كفر فهو كافر ، قال فى الكفران : لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ وقال تعالى : وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ وقوله : وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ أي تحريت كفران نعمتى ، وقال تعالى : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ولما كان الكفران يقتضى جحود النعمة صار يستعمل فى الجحود ، قال : وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ أي جاحد له وساتر ، والكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو ثلاثتها ، وقد يقال كفر لمن أخل بالشريعة وترك ما لزمه من شكر اللَّه عليه ، قال : مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ يدل على ذلك مقابلته بقوله : وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ وقال : وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ وقوله : وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ أي لا تكونوا أئمة فى الكفر فيقتدى بكم ، وقوله : وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ عنى بالكافر الساتر للحق فلذلك ، جعله فاسقا ، ومعلوم أن الكفر المطلق هو أعم من الفسق ، ومعناه من جحد حق اللَّه فقد فسق عن أمر ربه بظلمه. ولما جعل كل فعل محمود من الإيمان جعل كل فعل مذموم من الكفر ، وقال فى السحر : وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ

(1/3591)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 490
النَّاسَ السِّحْرَ
و قوله تعالى : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا إلى قوله كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ وقال : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ إلى قوله : وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ والكفور المبالغ فى كفران النعمة ، وقوله : إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ وقال : ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ إن قيل كيف وصف الإنسان هاهنا بالكفور ولم يرض بذلك حتى أدخل علهى إن واللام وكل ذلك تأكيد ، وقال فى موضع : وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ فقوله : إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ تنبيه على ما ينطوى عليه الإنسان من كفران النعمة وقلة ما يقوم بأداء الشكر ، وعلى هذا قوله : قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ولذلك قال :
وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ قوله : إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً تنبيه أنه عرفه الطريقين كما قال تعالى : وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ فمن سالك سبيل الشكر ، ومن سالك سبيل الكفر ، وقوله : وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً فمن الكفر ونبه بقوله : كانَ أنه لم يزل منذ وجد منطويا على الكفر. والكفّار أبلغ من الكفور لقوله : كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ وقال : وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ - إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ - إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً وقد أجرى الكفار مجرى الكفور فى قوله : إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ والكفّار فى جمع الكافر المضاد للإيمان أكثر استعمالا كقوله : أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ وقوله : لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ والكفرة فى جمع كافر النعمة أشد استعمالا فى قوله تعالى : أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ألا ترى أنه وصف الكفرة بالفجرة؟ والفجرة قد يقال للفساق من المسلمين. وقوله : جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ أي من الأنبياء ومن يجرى مجراهم ممن بذلوا النصح فى أمر اللَّه فلم يقبل منهم. وقوله : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا قيل عنى بقوله إنهم آمنوا بموسى ثم كفروا بمن بعده. والنصارى آمنوا بعيسى ثم كفروا بمن بعده. وقيل آمنوا بموسى ثم كفروا بموسى إذ لم يؤمنوا بغيره ، وقيل هو ما قال :
وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي إلى قوله : وَاكْفُرُوا آخِرَهُ ولم يرد أنهم آمنوا مرتين وكفروا مرتين ، بل ذلك إشارة إلى أحوال كثيرة. وقيل كما يصعد الإنسان فى الفضائل فى ثلاث درجات ينعكس فى الرذائل فى ثلاث درجات والآية إشارة إلى ذلك. ويقال كفر فلان إذا اعتقد الكفر ، ويقال ذلك إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد ولذلك قال تعالى : مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ويقال كفر فلان بالشيطان إذا كفر بسببه ، وقد يقال

(1/3592)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 491
ذلك إذا أمن وخالف الشيطان كقوله : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ وأكفره إكفارا حكم بكفره ، وقد يعبر عن التبري بالكفر نحو : يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ الآية وقوله تعالى : إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ وقوله : كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ قيل عنى بالكفار الزراع ، لأنهم يغطون البذر فى التراب ستر الكفار حق اللَّه تعالى بدلالة قوله تعالى : يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ولآن الكافر لا اختصاص له بذلك وقيل بلى عنى الكفار ، وخصهم بكونهم معجبين بالدنيا وزخارفها وراكنين إليها. والكفارة ما يغطى الإثم ومنه كفارة اليمين نحو قوله : ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وكذلك كفارة غيره من الآثام ككفارة القتل والظهار قال : فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ والتكفير ستره وتغطيته حتى يصبر بمنزلة ما لم يعمل ويصح أن يكون أصله إزالة الكفر والكفران نحو التمريض فى كونه إزالة للمرض وتقذية العين فى إزالة القذى عنه ، قال تعالى : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ - نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وإلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى : إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ وقيل صغار الحسنات لا تكفر كبار السيئات ، وقال تعالى :
لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ - لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا ويقال : كفرت الشمس النجوم سترتها ويقال الكافر للحساب الذي يغطى الشمس والليل ، قال الشاعر :
ألقت ذكاء يمينها فى كافر
و تكفر فى السلاح أي تغطى فيه ، والكافور أكمام الثمرة أي التي تكفر الثمرة ، قال الشاعر :
كالكرم إذ نادى من الكافور
و الكافور الذي هو من الطيب ، قال تعالى : كانَ مِزاجُها كافُوراً.
(كفل) : الكفالة الضمان ، تقول تكفلت بكذا وكفلته فلانا وقرىء :
وَ كَفَّلَها زَكَرِيَّا أي كفلها اللَّه تعالى ، ومن خفف جعل الفعل لزكريا ، المعنى تضمنها ، قال تعالى : وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ، والكفيل الحظ الذي فيه الكفاية كأنه تكفل بأمره نحو قوله تعالى : فَقالَ أَكْفِلْنِيها أي

(1/3593)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 492
اجعلنى كفلا لها ، والكفل الكفيل ، قال : يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ أي كفيلين من نعمته فى الدنيا والآخرة وهما المرغوب إلى اللَّه تعالى فيهما بقوله :
رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وقيل لم يعن بقوله كفلين أي نعمتين اثنتين بل أراد النعمة المتوالية المتكفلة بكفايته ، ويكون تثنيته على حد ما ذكرنا فى قولهم لبيك وسعديك ، وأما قوله : مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً إلى قوله : يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها فإن الكفل هاهنا ليس بمعنى الأول بل هو مستعار من الكفل وهو الشيء الرديء واشتقاقه من الكفل وهو أن الكفل لما كان مركبا ينبوا براكبه صار متعارفا فى كل شدة كالسيساء وهو العظم الناتي من ظهر الحمار فيقال لأحملنك على الكفل وعلى السيساء ، ولأركبنك الحسرى الرزايا ، قال الشاعر :
و حملناهم على صعبة زو راء يعلونها بغير وطاء
و معنى الآية من ينضم إلى غيره معينا له فى فعلة حسنة يكون له منها نصيب ، ومن ينضم إلى غيره معينا له فى فعلة سيئة يناله منها شدة. وقيل الكفل الكفيل. ونبه أن من تحرى شرّا فله من فعله كفيل يسأله كما قيل من ظلم فقد أقام كفيلا بظلمه تنبيها أنه لا يمكنه التخلص من عقوبته.
(كفؤ) : الكفء فى المنزلة والقدر ، ومنه الكفاء لشقة تنضح بالأخرى فيجلل بها مؤخر البيت ، يقال فلان كفء لفلان فى المناكحة أو المحاربة ونحو ذلك ، قال تعالى : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ومنه المكافأة أي المساواة والمقابلة فى الفعل ، وفلان كفؤ لك فى المضادة ، والإكفاء قلب الشيء كأنه إزالة المساواة ، ومنها الإكفاء فى الشعر ، ومكفأ الوجه أي كاسد اللون وكفيؤه ، ويقال لناتج الإبل ليست تامة كفأة ، وجعل فلان إبله كفأتين إذا لقح كل سنة قطعة منها.
(كفى) : الكفاية ما فيه سد الخلة وبلوغ المراد فى الأمر ، قال تعالى :
وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ - إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ وقوله تعالى : وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً قيل معناه : كفى اللَّه شهيدا ، والباء زائدة وقيل معناه اكتف باللَّه شهيدا ، والكفية من القوت ما فيه كفاية والجمع كفى ، ويقال كافيك فلان من رجل كقولك حسبك من رجل.

(1/3594)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 493
(كل) : لفظ كل هو لضم أجزاء الشيء وذلك ضربان ، أحدهما الضام لذات الشيء وأحواله المختصة به ، ويفيد معنى التمام نحو قوله تعالى : وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ أي بسطا تامّا ، قال الشاعر :
ليس الفتى كل الفتى إلا الفتى فى أدبه
أي التام الفتوة. والثاني الضام للذوات وذلك يضاف تارة إلى جمع معرف بالألف واللام نحو قولك كل القوم ، وتارة إلى ضمير ذلك نحو قوله تعالى : فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ وقوله : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أو إلى نكرة مفردة نحو قوله : وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ - وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ إلى غيرها من الآيات وربما عرى عن الإضافة ويقدر ذلك فيه نحو قوله : كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ - وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ - وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً - وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ - كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ - وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ إلى غير ذلك فى القرآن مما يكثر تعداده. ولم يرد فى شىء من القرآن ولا فى شىء من كلام الفصحاء الكل بالألف واللام وإنما ذلك شىء يجرى فى كلام المتكلمين والفقهاء ومن نحا نحوهم. والكلالة اسم لما عدا الولد والوالد من الورثة ، وقال ابن عباس : هو اسم لمن عدا الولد ، و
روى أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سئل عن الكلالة فقال :
«من مات وليس له ولد ولا والد»
فجعله اسما للميت وكلا القولين صحيح.
فإن الكلالة مصدر يجمع الوارث والموروث جميعا وتسميتها بذلك إما لأن النسب كل عن اللحوق به أو لأنه قد لحق به بالعرض من أحد طرفيه وذلك لأن الانتساب ضربان ، أحدهما : بالعمق كنسبة الأب والابن ، والثاني بالعرض كنسبة الأخ والعم ، قال قطرب : الكلالة اسم لما عدا الأبوين والأخ ، وليس بشىء ، وقال بعضهم هو اسم لكل وارث كقول الشاعر :
و المرء يبخل بالحقو ق وللكلالة ما يسيم
من أسام الإبل إذا أخرجها للمرعى ولم يقصد الشاعر بما ظنه هذا وإنما خص الكلالة ليزهد الإنسان فى جمع المال لأن ترك المال لهم أشد من تركه للأولاد ، وتنبيها أن من خلفت له المال فجار مجرى الكلالة وذلك كقولك ما تجمعه فهو للعدو ، وتقول العرب لم يرث فلان كذا كلالة لمن تخصص بشىء قد كان لأبيه ، قال الشاعر :

(1/3595)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 494
ورثتم قناة الملك غير كلالة عن ابني مناف عبد شمس وهاشم
و الإكليل سمى بذلك لإطافته بالرأس ، يقال كل الرجل فى مشيته كلالا ، والسيف عن ضريبته كلولا وكلة ، واللسان عن الكلام كذلك ، وأكل فلان كلت راحلته والكلكل الصدر.
(كلب) : الكلب الحيوان النباح والأنثى كلبة والجمع أكلب وكلاب وقد يقال للجمع كليب ، قال تعالى : كَمَثَلِ الْكَلْبِ وقال : وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ وعنه اشتق الكلب للحرص ومنه يقال هو أحرص من كلب ، ورجل كلب : شديد الحرص ، وكلب كلب أي مجنون يكلب بلحوم الناس فيأخذه شبه جنون ، ومن عقره كلب أي يأخذه داء فيقال رجل كلب وقوم كلبى ، قال الشاعر :
دماؤهم من الكلب الشفاء
و قد يصيب الكلب البعير. ويقال أكلب الرجل : أصاب إبله ذلك ، وكلب الشتاء اشتد برده وحدته تشبيها بالكلب الكلب ، ودهر كلب ، ويقال أرض كلبة إذا لم ترو فتيبس تشبيها بالرجل الكلب لأنه لا يشرب فييبس والكلّاب والمكلّب الذي يعلم الكلب ، قال تعالى : وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ وأرض مكلبة كثيرة الكلاب ، والكلب المسمار فى قائم السيف ، والكلبة سير يدخل تحت السير الذي تشد به المزادة فيخرز به ، وذلك لتصوره بصورة الكلب فى الاصطياد به ، وقد كلبت الأديم خرزته بذلك ، قال الشاعر :
سير صناع فى أديم تكلبه
و الكلب نجم فى السماء مشبه بالكلب لكونه تابعا لنجم يقال له الراعي ، والكلبتان آلة مع الحدادين سميا بذلك تشبيها بكلبين فى اصطيادهما وثنى اللفظ لكونهما اثنين ، والكلوب شىء يمسك به ، وكلاليب البازي مخلبه اشتق من الكلب لإمساكه ما يعلق عليه إمساك الكلب.
(كلف) : الكلف الإيلاع بالشيء ، يقال كلف فلان بكذا وأكلفته به جعلته كلفا ، والكلف فى الوجه سمى لتصور كلفة به ، وتكلف الشيء ما يفعله الإنسان بإظهار كلف مع مشقة تناله فى تعاطيه ، وصارت الكلفة فى التعارف اسما

(1/3596)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 495
للمشقة ، والتكلف اسم لما يفعل بمشقة أو تصنع أو تشبع ، ولذلك صار التكلف على ضربين ، محمود : وهو ما يتحراه الإنسان ليتوصل به إلى أن يصير الفعل الذي يتعاطاه سهلا عليه ويصير كلفا به ومحبّا له ، وبهذا النظر يستعمل التكليف فى تكلف العبادات. والثاني : مذموم وهو ما يتحراه الإنسان مراءاة وإياه عنى بقوله تعالى : قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ و
قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم : «أنا وأتقياء أمتى برآء من التكلف»
و قوله تعالى : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أي ما يعدونه مشقة فهو سعة فى المآل نحو قوله : وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ وقوله تعالى : فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً الآية.
(كلم) : الكلم التأثير المدرك بإحدى الحاستين ، فالكلام مدرك بحاسة السمع ، والكلم بحاسة البصر ، وكلمة جرحته جراحة بان تأثيرها ولاجتماعهما فى ذلك قال الشاعر :
و الكلم الأصيل كأرعب الكلم
الكلم الأول جمع كلمة ، والثاني جراحات والأرعب الأوسع ، وقال آخر :
و جرح اللسان كجرح اليد
فالكلام يقع على الألفاظ المنظومة وعلى المعاني التي تحتها مجموعة ، وعند النحويين يقع على الجزء منه اسما كان أو فعلا أو أداة. وعند كثير من المتكلمين لا يقع إلا على الجملة المركبة المقيدة وهو أخص من القول فإن القول يقع عندهم على المفردات ، والكلمة تقع عندهم على كل واحد من الأنواع الثلاثة ، وقد قيل بخلاف ذلك ، قال تعالى : كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وقوله : فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ قيل هى قوله : رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وقال الحسن : هى قوله : «ألم تخلقنى بيدك؟ ألم تسكنى جنتك؟ ألم تسجد لى ملائكتك؟ ألم تسبق رحمتك غضبك؟ أرأيت إن تبت أكنت معيدى إلى الجنة؟ قال : نعم» وقيل هى الأمانة المعروضة على السموات والأرض والجبال فى قوله تعالى : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ الآية ، وقوله : وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قيل هى الأشياء التي امتحن اللَّه إبراهيم بها من ذبح ولده والختان وغيرهما. وقوله لزكريا : أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ قيل هى كلمة التوحيد وقيل كتاب اللَّه وقيل يعنى به عيسى ، وتسمية عيسى بكلمة فى

(1/3597)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 496
هذه الآية ، وفى قوله : وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ لكونه موجدا بكن المذكور فى قوله : إِنَّ مَثَلَ عِيسى الآية. وقيل لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام اللَّه تعالى ، وقيل سمى به لما خصه اللَّه تعالى به فى صغره حيث قال وهو فى مهده :
إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ الآية ، وقيل سمى كلمة اللَّه تعالى من حيث إنه صار نبيّا كما سمى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم - ذِكْراً رَسُولًا وقوله تعالى : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الآية فالكلمة هاهنا القضية ، فكل قضية تسمى كلمة سواء كان ذلك مقالا أو فعالا ، ووصفها بالصدق لأنه يقال قول صدق وفعل صدق ، وقوله :
وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ إشارة إلى نحو قوله : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الآية ، ونبه بذلك أنه لا تنسخ الشريعة بعد هذا ، وقيل إشارة إلى ما قال عليه الصلاة والسلام : «أول ما خلق اللَّه تعالى القلم فقال له اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة» وقيل الكلمة هى القرآن وتسميته بكلمة كتسميتهم القصيدة كلمة فذكر أنها تتم وتبقى بحفظ اللَّه تعالى إياها ، فعبر عن ذلك بلفظ الماضي تنبيها أن ذلك فى حكم الكائن وإلى هذا المعنى من حفظ القرآن أشار بقوله : فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ الآية ، وقيل عنى به ما وعد من الثواب والعقاب ، وعلى ذلك قوله تعالى : بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ وقوله : كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا الآية ، وقيل عنى بالكلمات الآيات المعجزات التي اقترحوها فنبه أن ما أرسل من الآيات تام وفيه بلاغ ، وقوله تعالى : لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ رد لقولهم : ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا الآية ، وقيل أراد بكلمة ربك أحكامه التي حكم بها وبين أنه شرع لعباده ما فيه بلاغ ، وقوله : وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وهذه الكلمة فيما قيل هى قوله تعالى : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ الآية ، وقوله : وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً - وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فإشارة إلى ما سبق من حكمه الذي اقتضاه حكمته وأنه لا تبديل لكلماته ، وقوله تعالى : وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ أي بحججه التي جعلها اللَّه تعالى لكم عليهم سلطانا مبينا ، أي حجة قوية.
و قوله تعالى : يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ هو إشارة إلى ما قال : فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ الآية ، وذلك أن اللَّه تعالى جعل قول هؤلاء المنافقين : ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ تبديلا لكلام اللَّه تعالى ، فنبه أن هؤلاء لا يفعلون وكيف يفعلون وقد علم اللَّه تعالى منهم أن لا يتأتى ذلك منهم ، وقد سبق ذلك حكمه. ومكالمة اللَّه تعالى العبد على ضربين ، أحدهما : فى الدنيا ، والثاني فى

(1/3598)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 497
الآخرة فما فى الدنيا فعلى ما نبه عليه بقوله : ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ الآية ، وما فى الآخرة ثواب للمؤمنين وكرامة لهم تخفى علينا كيفيته ، ونبه أنه يحرم ذلك على الكافرين بقوله : إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ الآية وقوله : يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ جمع الكلمة ، وقيل إنهم يبدلون الألفاظ ويغيرونها ، وقيل إنه كان من جهة المعنى وهو حمله على غير ما قصد به واقتضاه وهذا أمثل القولين فإن اللفظ إذا تداولته الألسنة واشتهر يصعب تبديله ، وقوله تعالى : وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ أي لو لا يكلمنا اللَّه مواجهة وذلك نحو قوله :
يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ إلى قوله : أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً.
(كلا) : كلا ردع وزجر وإبطال لقول القائل ، وذلك نقيض إي فى الإثبات ، قال تعالى : أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ إلى قوله (كلا) وقال تعالى : لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إلى غير ذلك من الآيات ، وقال تعالى : كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ.
(كلأ) : الكلاءة حفظ الشيء وتبقيته ، يقال كلأك اللَّه وبلغ بك أكلأ العمر ، واكتلأت بعيني كذا قال تعالى : قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ الآية والمكلأ موضع تحفظ فيه السفن ، والكلاء موضع بالبصرة سمى بذلك لأنهم يكلأون سفنهم هناك وعبر عن النسيئة بالكالئ.
وروى أنه عليه الصلاة والسلام : نهى عن الكالئ بالكالئ.
والكلأ العشب الذي يحفظ ومكان مكلأ وكالىء يكثر كلؤه.
(كلا) : كلا فى التثنية ككل فى الجمع وهو مفرد اللفظ مثنى المعنى عبر عنه بلفظ الواحد مرة اعتبارا بلفظه ، وبلفظ الاثنين مرة اعتبارا بمعناه قال : إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما ويقال فى المؤنث كلتا. ومتى أضيف إلى اسم ظاهر بقي ألفه على حالته فى النصب والجر والرفع ، وإذا أضيف إلى مضمر قلبت فى النصب والجر ياء ، فيقال : رأيت كليهما ومررت بكليهما ، قال تعالى :
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وتقول فى الرفع جاءنى كلاهما.
(كم) : كم عبارة عن العدد ويستعمل فى باب الاستفهام وينصب بعده الاسم الذي يميز به نحو ، كم رجلا ضربت؟ ويستعمل فى باب الخبر ويجر بعده الاسم الذي يميز به نحو : كم رجل؟ ويقتضى معنى الكثرة ، وقد يدخل من فى

(1/3599)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 498
الاسم الذي يميز بعده نحو : وَكَمْ مِنْ ق
ر ذلك من الأجسام ، قال تعالى :
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ - كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ وأكننت بما يستر فى النفس قال تعالى : أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ وجمع الكن أكنان ، قال تعالى : وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً والكنان الغطاء الذي يكن فيه الشيء والجمع أكنة نحو غطاء وأغطية ، قال تعالى : وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وقوله تعالى : وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ قيل معناه فى غطاء عن تفهم ما تورده علينا كما قالوا : يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ الآية وقوله : إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ، فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ قيل عنى بالكتاب المكنون اللوح المحفوظ ، وقيل هو قلوب المؤمنين ، وقيل ذلك إشارة إلى كونه محفوظا عند اللَّه تعالى كما قال : وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ وسميت المرأة المتزوجة كنة لكونها فى كن من حفظ زوجها كما سميت محصنة لكونها فى حصن من حفظ زوجها ، والكنانة جعبة غير مشقوقة.

(1/3600)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 499
(كند) : قوله تعالى : إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ أي كفور لنعمته كقولهم أرض كنود إذا لم تنبت شيئا.
(كنز) : الكنز جعل المال بعضه على بعض وحفظه وأصله من كنزت التمر فى الوعاء ، وزمن الكناز وقت ما يكنز فيه التمر ، وناقة كناز مكتنزة اللحم.
وقوله تعالى : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ أي يدخرونها ، وقوله :
فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ وقوله : لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أي مال عظيم وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قيل كان صحيفة علم.
(كهف) : الكهف الغار فى الجبل وجمعه كهوف ، قال تعالى : أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ الآية.
(كهل) : الكهل من وخطه الشيب ، قال تعالى : وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ واكتهل النبات إذا شارف اليبوسة مشارفة الكهل الشيب ، قال :
مؤزر بهشيم النبت مكتهل
(كهن) : الكاهن هو الذي يخبر بالأخبار الماضية الخفية الحفية بضرب من الظن ، والعراف الذي يخبر بالأخبار المستقبلة على نحو ذلك ولكون هاتين الصناعتين مبنيتين على الظن الذي يخطىء ويصيب قال عليه الصلاة والسلام :
«من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على أبى القاسم» ويقال كهن فلان كهانة إذا تعاطى ذلك وكهن إذا تخصص بذلك ، وتكهن تكلف ذلك ، وقال تعالى : وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ.
(كوب) : الكوب قدح لا عروة له وجمعه أكواب ، قال تعالى :
بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ والكوبة الطبل الذي يلعب به.
(كيد) : الكيد ضرب من الاحتيال وقد يكون مذموما وممدوحا وإن كان يستعمل فى المذموم أكثر وكذلك الاستدراج والمكر ويكون بعض ذلك محمودا ، قال تعالى : كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ وقوله : وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ قال بعضهم : أراد بالكيد العذاب ، والصحيح أنه هو الإملاء والإمهال المؤدى إلى العقاب كقوله : إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ

(1/3601)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 500
الْخائِنِينَ
فخص الخائنين تنبيها أنه قد يهدى كيد من لم يقصد بكيده خيانة ككيد يوسف بأخيه وقوله : لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ أي لأريدن بها سوءا. وقال :
فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ وقوله : فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ وقال : كَيْدُ ساحِرٍ - فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ويقال فلان يكيد بنفسه أي يجود بها وكاد الزند إذا تباطأ بإخراج ناره. ووضع كاد لمقاربة الفعل ، يقال كاد يفعل إذا لم يكن قد فعل ، وإذا كان معه حرف نفى يكون لما قد وقع ويكون قريبا من أن لا يكون نحو قوله تعالى : لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا - وَإِنْ كادُوا - تَكادُ السَّماواتُ - يَكادُ الْبَرْقُ - يَكادُونَ يَسْطُونَ - إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ولا فرق بين أن يكون حرف النفي متقدما عليه أو متأخرا عنه نحو قوله : وَما كادُوا يَفْعَلُونَ - لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ وقلما يستعمل فى كاد أن إلا فى ضرورة الشعر ، قال :
قد كاد من طول البلى أن يمحصا
أي يمضى ويدرس.
(كور) : كور الشيء إدارته وضم بعضه إلى بعض ككور العمامة ، وقوله تعالى : يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ فإشارة إلى جريان الشمس فى مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازديادهما. وطعنه فكوره إذا ألقاه مجتمعا ، واكتار الفرس إذا أدار ذنبه فى عدوه ، وقيل لإبل كثيرة كور ، وكوارة النحل معروفة والكور الرحل ، وقيل لكل مصر كورة وهى البقعة التي يجتمع فيها قرى ومحال.
(كأس) : قال تعالى : مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً والكأس الإناء بما فيه من الشراب وسمى كل واحد منهما بانفراده كأسا ، يقال شربت كأسا ، وكأس طيبة يعنى بها الشراب ، قال : وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ وكأست الناقة تكؤس إذا مشت على ثلاثة قوائم ، والكيس جودة القريحة ، وأكأس الرجل وأكيس إذا ولد أولادا أكياسا ، وسمى الغدر كيسان تصورا أنه ضرب من استعمال الكيس أو لأن كيسان كان رجلا عرف بالغدر ثم سمى كل غادر به كما أن الهالكى كان حدادا عرف بالحدادة ثم سمى كل حداد هالكيّا.

(1/3602)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 501
(كيف) : كيف لفظ يسأل به عما يصح أن يقال فيه شبيه وغير شيبه كالأبيض والأسود والصحيح والسقيم ، ولهذا لا يصح أن يقال فى اللَّه عز وجل كيف ، وقد يعبر بكيف عن المسئول عنه كالأسود والأبيض فإنا نسميه كيف ، وكل ما أخبر اللَّه تعالى بلفظة كيف عن نفسه فهو استخبار على طريق التنبيه للمخاطب أو توبيخا نحو : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ - كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ - كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ - انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ - فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ - أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ.
(كيل) : الكيل كيل الطعام. يقال كلت له الطعام إذا توليت ذلك له ، وكلته الطعام إذا أعطيته كيلا ، واكتلت عليه أخذت منه كيلا ، قال اللَّه تعالى :
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ وذلك إن كان مخصوصا بالكيل فحث على تحرى العدل فى كل ما وقع فيه أخذ ودفع وقوله :
فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ - فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ - كَيْلَ بَعِيرٍ مقدار حمل بعير.
(كان) : كان عبارة عما مضى من الزمان وفى كثير من وصف اللَّه تعالى تنبىء عن معنى الأزلية ، قال تعالى : وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً - وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً وما استعمل منه فى جنس الشيء متعلقا بوصف له هو موجود فيه فتنبيه على أن ذلك الوصف لازم له ، قليل الانفكاك منه نحو قوله فى الإنسان :
وَ كانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً - وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً - وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا فذلك تنبيه على أن ذلك الوصف لازم له قليل الانفكاك منه. وقوله فى وصف الشيطان : وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا - وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً وإذا استعمل فى الزمان الماضي فقد يجوز أن يكون المستعمل فيه بقي على حالته كما تقدم ذكره آنفا ، ويجوز أن يكون قد تغير نحو كان فلان كذا ثم صار كذا. ولا فرق بين أن يكون الزمان المستعمل فيه كان قد تقدم تقدما كثيرا نحو أن تقول : كان فى أول ما أوجد اللَّه تعالى ، وبين أن يكون فى زمان قد تقدم بآن واحد عن الوقت الذي استعملت فيه كان نحو أن تقول كان آدم كذا ، وبين أن يقال كان زيد هاهنا ، ويكون بينك وبين ذلك الزمان أدنى وقت ولهذا صح أن يقال : كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا فأشار بكان أن عيسى وحالته التي شاهده عليها قبيل. وليس قول من قال هذا إشارة إلى الحال بشىء لأن

(1/3603)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 502
ذلك إشارة إلى ما تقدم لكن إلى زمان يقرب من زمان قولهم هذا. وقوله تعالى : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ فقد قيل معنى كنتم معنى الحال وليس ذلك بشىء بل إنما ذلك إشارة إلى أنكم كنتم كذلك فى تقدير اللَّه تعالى وحكمه ، وقوله : وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فقد قيل معناه حصل ووقع ، والكون يستعمله بعض الناس فى استحالة جوهر إلى ما هو دونه وكثير من المتكلمين يستعملونه فى معنى الإبداع. وكينونة عند بعض النحويين فعلولة وأصله كونونة وكرهوا الضمة والواو فقلبوا ، وعند سيبويه كيونونة على وزن فيعلولة ، ثم أدغم فصار كيّنونة ثم حذف فصار كينونة كقولهم فى ميت ميت وأصل ميت ميوت ولم يقولوا كيّنونة على الأصل كما قالوا ميت لثقل لفظها والمكان قيل أصله من كان يكون فلما كثر فى كلامهم توهمت الميم أصلية فقيل تمكن كما قيل فى المسكين تمسكن ، واستكان فلان تضرع وكأنه سكن وترك الدعة لضراعته ، قال : فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ.
(كوى) : كويت الدابة بالنار كيّا ، قال تعالى : فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وكى علة لفعل الشيء وكيلا لانتفائه ، نحو قوله تعالى : كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً.
(كاف) : الكاف للتشبيه والتمثيل ، قال تعالى : فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ معناه وصفهم كوصفه وقوله : كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ الآية ، فإن ذلك ليس بتشبيه وإنما هو تمثيل كما يقول النحويون مثلا فالاسم كقولك زيد أي مثاله قولك زيد والتمثيل أكثر من التشبيه لأن كل تمثيل تشبيه ، وليس كل تشبيه تمثيلا.

(1/3604)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 503
اللام
(لب) : اللب العقل الخالص من الشوائب وسمى بذلك لكونه خالص ما فى الإنسان من معانيه كاللباب واللب من الشيء ، وقيل هو ما زكى من العقل فكل لب عقل وليس كل عقل لبّا. ولهذا علق اللَّه تعالى الأحكام التي لا يدركها إلا العقول الزكية بأولى الألباب نحو قوله : وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً إلى قوله : أُولُوا الْأَلْبابِ ونحو ذلك من الآيات ، ولب فلان يلب صار ذا لب وقالت امرأة فى ابنها اضربه كى يلب ويقود الجيش ذا اللجب. ورجل ألبب من قوم ألباء ، وملبوب معروف باللب ، وألب بالمكان أقام وأصله فى البعير وهو أن يلقى لبته فيه أي صدره ، وتلبب إذا تحزم وأصله أن يشد لبته ، ولببته ضربت لبته وسمى اللبة لكونه موضع اللب ، وفلان فى لبب رخى أي فى سعة.
وقولهم لبيك قيل أصله من لب بالمكان وألب أقام به وثنى لأنه أراد إجابة بعد إجابة ، وقيل أصله لبب فأبدل من أحد الباءات ياء نحو تظنيت وأصله تظننت ، وقيل هو من قولهم امرأة لبة أي محبة لولدها ، وقيل معناه إخلاص لك بعد إخلاص من قولهم لب الطعام أي خالصه ومنه حسب لباب.
(لبث) : لبث بالمكان أقام به ملازما له ، قال تعالى : فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ - فَلَبِثْتَ سِنِينَ قال : كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ - قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ - لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً - لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً - ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ.
(لبد) : قال تعالى : يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً أي مجتمعة ، الواحدة لبدة كاللبد المتلبد أي المجتمع ، وقيل معناه كانوا يسقطون عليه سقوط اللبد ، وقرىء لِبَداً أي متلبدا ملتصقا بعضها ببعض للتزاحم عليه ، وجمع اللبد ألباد ولبود. وقد ألبدت السرج جعلت له لبدا وألبدت الفرس ألقيت عليه اللبد نحو أسرجته وألجمته وألببته ، واللبدة القطعة منها. وقيل هو أمنع من لبدة الأس؟؟؟ من صدره ، ولبد الشعر وألبد بالمكان لزمه لزوم لبده ، ولبدت الإبل لبدا أكثرت من الكلأ حتى أتعبها وقوله تعالى : مالًا لُبَداً أي كثيرا متلبدا ، وقيل ماله سبد ولا لبد ، ولبد طائر من شأنه أن يلصق بالأرض وآخر نسور لقمان كان يقال له لبد ، وألبد

(1/3605)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 504
البعير صار ذا لبد من الثلط وقد يكنى بذلك عن حسنه لدلالة ذلك منه على خصبه وسمنه ، وألبدت القربة جعلتها فى لبيد أي فى جوالق صغير.
(لبس) : لبس الثوب استتر به وألبسه غيره ومنه قوله تعالى :
يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً واللباس واللبوس واللبس ما يلبس ، قال تعالى : قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وجعل اللباس لكل ما يغطى من الإنسان عن قبيح فجعل الزوج لزوجه لباسا من حيث إنه يمنعها ويصدها عن تعاطى قبيح ، قال تعالى :
هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ فسماهن لباسا كما سماها الشاعر إزارا فى قوله :
فدى لك من أخى ثفة إزارى
و جعل التقوى لباسا على طريق التمثيل والتشبيه ، قال تعالى : وَلِباسُ التَّقْوى وقوله : صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ يعنى به الدرع وقوله : فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ، وجعل الجوع والخوف لباسا على التجسيم والتشبيه تصويرا له ، وذلك بحسب ما يقولون تدرع فلان الفقر ولبس الجوع ونحو ذلك ، قال الشاعر :
و كسوتهم من خير برد منجم
نوع من برود اليمن يعنى به شعرا ، وقرأ بعضهم : وَلِباسُ التَّقْوى من اللبس أي الستر وأصل اللبس ستر الشيء ويقال ذلك فى المعاني ، يقال لبست عليه أمره ، قال تعالى : وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ وقال : وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ - لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ - الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ ويقال فى الأمر لبسة أي التباس ولا بست الأمر إذا زاولته ولا بست فلانا خالطته وفى فلان ملبس أي مستمع ، قال الشاعر :
و بعد المشيب طول عمر وملبسا
(لبن) : اللبن جمعه ألبان ، قال تعالى : وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وقال : مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً ، ولابن كثر عنده لبن ولبنته سقيته إياه وفرس ملبون ، وألبن فلان كثر لبنه فهو ملبن. وألبنت الناقة فهى ملبن إذا كثر لبنها إما خلقة وإما أن يترك فى ضرعها حتى يكثر ، والملبن ما يجعل فيه

(1/3606)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 505
اللبن وأخوه بلبان أمه ، قيل ولا يقال بلبن أمه أي لم يسمع ذلك من العرب ، وكم لبن غنمك؟ أي ذوات الدر منها. واللبان الصدر ، واللبانة أصلها الحاجة إلى اللبن ثم استعمل فى كل حاجة ، وأما اللبن الذي يبنى به فليس من ذلك فى شىء ، الواحدة لبنة ، يقال لبنه يلبنه ، واللبان ضاربه.
(لج) : اللجاج التمادي والعناد فى تعاطى الفعل المزجور عنه وقد لج فى الأمر يلج لجاجا ، قال تعالى : وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ - بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ومنه لجة الصوت بفتح اللام أي تردده ولجة البحر بالضم تردد أمواجه ، ولجة الليل تردد ظلامه ، ويقال فى كل واحد لج ولج ، قال : فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ منسوب إلى لجة البحر ، وما روى وضع اللج على قفى ، أصله قفاى فقلب الألف ياء وهو لغة فعبارة عن السيف المتموج ماؤه ، واللجلجة التردد فى الكلام وفى ابتلاع الطعام ، قال الشاعر :
يلجلج مضغة فيها أنيض
أي غير منضج ورجل لجلج ولجلاج فى كلامه تردد ، وقيل الحق أبلج والباطل لجلج أي لا يستقيم فى قول قائله وفى فعل فاعله بل يتردد فيه.
(لحد) : اللحد حفرة مائلة عن الوسط وقد لحد القبر حفره كذلك وألحده وقد لحدت الميت وألحدته جعلته فى اللحد ، ويسمى اللحد ملحدا وذلك اسم موضع من ألحدته ، وألحده بلسانه إلى كذا مال ، قال تعالى : لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ من لحد وقرىء : يُلْحِدُونَ من ألحد ، وألحد فلان مال عن الحق ، والإلحاد ضربان : إلحاد إلى الشكر باللَّه ، وإلحاد إلى الشرك بالأسباب ، فالأول ينافى الإيمان ويبطله ، والثاني يوهن عراه ولا يبطله. ومن هذا النحو قوله :
وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ وقوله تعالى : الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ ، والإلحاد فى أسمائه على وجهين : أحدهما أن يوصف بما لا يصح وصفه به والثاني : أن يتأول أوصافه على ما لا يليق به ، والتحد إلى كذا مال إليه ، قال تعالى : وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً أي التجاء أو موضع التجاء. وألحد السهم الهدف : مال فى أحد جانبيه.
(لحف) : قال تعالى : لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً ، أي إلحاحا ومنه

(1/3607)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 506
استعير ألحف شاربه إذا بالغ فى تناوله وجزه وأصله من اللحاف وهو ما يتغطى به ، يقال ألحفته فالتحف.
(لحق) : لحقته ولحقت به أدركته ، قال تعالى : بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ - وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ويقال ألحقت كذا ، قال بعضهم :
يقال ألحقه بمعنى لحقه وعلى هذا قوله : (إن عذابك بالكفار ملحق) وقيل هو من ألحقت به كذا فنسب الفعل إلى العذاب تعظيما له ، وكنى عن الدعي بالملحق.
(لحم) : اللحم جمعه لحام ولحوم ولحمان ، قال تعالى : وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ولحم الرجل كثر عليه اللحم فضخم فهو لحيم ولاحم ، وشاحم صار ذا لحم وشحم نحو لابن وتامر ، ولحم : ضرى باللحم ومنه باز لحم وذئب لحم أي كثير أكل اللحم وبيت لحم أي فيه لحم ، و
فى الحديث : «إن اللَّه يبغض قوما لحمين»
و ألحمه أطعمه اللحم وبه شبه المرزوق من الصيد فقيل ملحم وقد يوصف المرزوق من غيره به ، وبه شبه ثوب ملحم إذا تداخل سداه ويسمى ذلك الغزل لحمة تشبيها بلحمه البازي ، ومنه قيل : «الولاء لحمة كلحمة النسب» وشجة متلاحمة اكتست اللحم ، ولحمت اللحم عن العظم قشرته ، ولحمت الشيء وألحمته ولا حمت بين الشيئين لأمتهما تشبيها بالجسم إذا صار بين عظامه لحم يلحم به ، واللحام ما يلحم به الإناء وألحمت فلانا قتلته وجعلته لحما للسباع ، وألحمت الطائر أطعمته اللحم ، وألحمتك فلانا أمكنتك من شتمه وثلبه وذلك كتسمية الاغتياب والوقيعة بأكل اللحم ، نحو قوله : أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ، وفلان لحيم فعيل كأنه جعل لحما للسباع ، والملحمة المعركة ، والجمع الملاحم.
(لحن) : اللحن صرف الكلام عن سننه الجاري عليه إما بإزالة الإعراب أو التصحيف وهو المذموم وذلك أكثر استعمالا ، وإما بإزالته عن التصريح وصرفه بمعناه إلى تعريض وفحوى وهو محمود عند أكثر الأدباء من حيث البلاغة وإياه قصد الشاعر بقوله :
و خير الحديث ما كان لحنا
و إياه قصد بقوله تعالى : وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ومنه قيل للفطن بما يقتضى

(1/3608)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 507
فحوى الكلام : لحن ، و
فى الحديث : «لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض»
أي ألسن وأفصح وأبين كلاما وأقدر على الحجة.
(لدد) : الألد الخصم الشديد التأبى وجمعه لد ، قال تعالى : وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وقال : وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا وأصل الألد الشديد اللدد أي صفحة العنق وذلك إذا لم يمكن صرفه عما يريده ، وفلان يتلدد أي يتلفت ، واللدود ما سقى الإنسان من دواء فى أحد شقى وجهه وقد التددت ذلك.
(لدن) : لدن أخص من عند لأنه يدل على ابتداء نهاية نحو أقمت عنده من لدن طلوع الشمس إلى غروبها فيوضع لدن موضع نهاية الفعل. وقد يوضع موضع عند فيما حكى ، يقال أصبت عنده مالا ولدنه مالا ، قال بعضهم لدن أبلغ من عند وأخص ، قال تعالى : فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً - رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً - فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا - وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً - عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً - لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ ويقال من لدن ، ولد ، ولد ، ولدى. واللدن اللين.
(لدى) : لدى يقارب لدن ، قال تعالى : وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ.
(لزب) : اللازب الثابت الشديد الثبوت ، قال تعالى : مِنْ طِينٍ لازِبٍ ويعبر باللازب عن الواجب فيقال ضربة لازب ، واللزبة السنة الجدبة الشديدة وجمعها اللزبات.
(لزم) : لزوم الشيء طول مكثه ومنه يقال لزمه يلزمه لزوما ، والإلزام ضربان : إلزام بالتسخير من اللَّه تعالى أو من الإنسان ، وإلزام بالحكم والأمر نحو قوله تعالى : أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ وقوله : وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وقوله : فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً أي لازما وقوله : وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى.
(لسن) : اللسان الجارحة وقوتها وقوله تعالى : وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يعنى به من قوة لسانه فإن العقدة لم تكن فى الجارحة وإنما كانت فى قوته

(1/3609)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 508
التي هى النطق به ، ويقال لكل قوم لسان ولسن بكسر اللام أي لغة ، قال تعالى : فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ وقال تعالى : بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ - وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ فاختلاف الألسنة. إشارة إلى اختلاف اللغات وإلى اختلاف النغمات ، فإن لكل إنسان نغمة مخصوصة يميزها السمع كما أن له صورة مخصوصة يميزها البصر.
(لطف) : اللطيف إذا وصف به الجسم فضد الجثل وهو الثقيل ، يقال شعر جئل أي كثير ، ويعبر باللطافة واللطف عن الحركة الخفيفة وعن تعاطى الأمور الدقيقة ، وقد يعبر باللطائف عما لا الحاسة تدركه ، ويصح أن يكون وصف اللَّه تعالى به على هذا الوجه وأن يكون لمعرفته بدقائق الأمور ، وأن يكون لرفقه بالعباد فى هدايتهم. قال تعالى : اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ - إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ أي يحسن الاستخراج تنبيها على ما أوصل إليه يوسف حيث ألقاه إخوته فى الجب ، وقد يعبر عن التحف المتوصل بها إلى المودة باللطف ، ولهذا قال :
«تهادوا تحابوا» وقد ألطف فلان أخاه بكذا.
(لظى) : اللظى اللهب الخالص ، وقد لظيت النار وتلظت ، قال تعالى : ناراً تَلَظَّى أي تتلظى ، ولظى غير مصروفة اسم لجهنم قال تعالى :
إِنَّها لَظى .
(لعب) : أصل الكلمة اللعاب وهو البزاق السائل ، وقد لعب يلعب لعبا سال لعابه ، ولعب فلان إذا كان فعله غير قاصد به مقصدا صحيحا يلعب لعبا قال تعالى : وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ - وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وقال : أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ - قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ - وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ واللّعبة للمرة الواحد واللعبة الحالة التي عليها اللاعب ، ورجل تلعابة ذو تلعب ، واللعبة ما يلعب به ، والملعب موضع اللعب ، وقيل لعاب النحل للعسل ، ولعاب الشمس ما يرى فى الجو كنسج العنكبوت ، وملاعب ظله طائر كأنه يلعب بالظل.
(لعن) : اللعن الطرد والإبعاد على سبيل السخط وذلك من اللَّه تعالى فى

(1/3610)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 509
الآخرة عقوبة وفى الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه ، ومن الإنسان دعاء على غيره ، قال تعالى : أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ - وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ - لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ - وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ واللعنة الذي يلتعن كثيرا. واللعنة الذي يلعن كثيرا ، والتعن فلان لعن نفسه ، والتلاعن والملاعنة أن يلعن كل واحد منهما نفسه أو صاحبه.
(لعل) : لعل طمع وإشفاق ، وذكر بعض المفسرين أن لعل من اللَّه واجب وفسر فى كثير من المواضع بكى ، وقالوا إن الطمع والإشفاق لا يصح على اللَّه تعالى ولعل وإن كان طمعا فإن ذلك يقتضى فى كلامهم تارة طمع المخاطب ، وتارة طمع غيرهما. فقوله تعالى فيما ذكر عن قوم فرعون : لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ فذلك طمع منهم ، وقوله فى فرعون : لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى فإطماع لموسى عليه السلام مع هرون ، ومعناه فقولا له قولا لينا راجين أن يتذكر أو يخشى. وقوله تعالى : فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ أي يظن بك الناس ذلك وعلى ذلك قوله : فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ وقال تعالى : وَاذْكُرُوا اللَّه
(لغب) : اللغوب التعب والنصب ، يقال أتانا ساغبا لاغبا أي جائت الكتاب وهو مذكر؟
فقال أو ليس صحيفة.
(لغا) : اللغو من الكلام ما لا يعتد به وهو الذي يورد لا عن روية وفكر فيجرى مجرى اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور ، قال أبو عبيدة : لغو ولغا نحو عيب وعاب وأنشدهم :
عن اللغا ورفث التكلم
يقال لغيت تلغى نحو لقيت تلقى ، وقد يسمى كل كلام قبيح لغوا. قال تعالى :

(1/3611)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 510
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً وقال : وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ - لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً وقال : وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وقوله : وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً أي كنوا عن القبيح لم يصرحوا ، وقيل معناه إذا صادفوا أهل اللغو لم يخوضوا معهم. ويستعمل اللغو فيما لا يعتد به ومنه اللغو فى الأيمان أي ما لا عقد عليه وذلك ما يجرى وصلا للكلام بضرب من العادة ، قال تعالى : لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ومن هذا أخذ الشاعر فقال :
و لست بمأخوذ بلغو تقوله إذا لم تعمّد عاقدات العزائم
و قوله : لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً أي لغوا فجعل اسم الفاعل وصفا للكلام نحو كاذبة ، وقيل لما لا يعتد به فى الدية من الإبل لغو ، وقال الشاعر :
كما ألغيت فى الدية الحوارا
و لغى بكذا أي لهج به لهج العصفور بلغاه أي بصوته ، ومنه قيل للكلام الذي يلهج به فرقة فرقة لغة.
(لفف) : قال تعالى : جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً أي منضما بعضكم إلى بعض ، يقال لففت الشيء لفا وجاءوا ومن لف لفهم أي من انضم إليهم ، وقوله تعالى : وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً أي التف بعضها ببعض لكثرة الشجر ، قال :
وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ والألف الذي يتدانى فخذاه من سمنه ، والألف أيضا السمين الثقيل البطيء من الناس ، ولف رأسه فى ثيابه والطائر رأسه تحت جناحه ، واللفيف من الناس المجتمعون من قبائل شتى وسمى الخليل كل كلمة اعتل منها حرفان أصليان لفيفا.
(لفت) : يقال لفته عن كذا صرفه عنه ، قال تعالى : قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا أي تصرفنا ومنه التفت فلان إذا عدل عن قبله بوجهه ، وامرأة لفوت تلفت من زوجها إلى ولدها من غيره ، واللفتية ما يغلظ من العصيدة.
(لفح) : يقال لفحيته الشمس والسموم ، قال تعالى : تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وعنه استعير لفحته بالسيف.

(1/3612)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 511
(لفظ) : اللفظ بالكلام مستعار من لفظ الشيء من الفم ، ولفظ الرحى الدقيق ، ومنه سمى الديك اللافظة لطرحه بعض ما يلتقطه للدجاج ، قال تعالى :
ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ.
(لفى) : ألفيت وجدت ، قال اللَّه تعالى : قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا - وَأَلْفَيا سَيِّدَها.
(لقب) : اللقب اسم يسمى به الإنسان سوى اسمه الأول ويراعى فيه المعنى بخلاف الإعلام ، ولمراعاة المعنى فيه قال الشاعر :
و قلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فتشت فى لقبه
و اللقب ضربان : ضرب على سبيل التشريف كألقاب السلاطين ، وضرب على سبيل النبز وإياه قصد بقوله تعالى : وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ.
(لقح) : يقال لقحت الناقة تلقح لقحا ولقاحا ، وكذلك الشجرة ، وألقح الفحل الناقة والريح السحاب ، قال تعالى : وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ أي ذوات لقاح وألقح فلان النخل ولقحها واستلقحت النخلة وحرب لا قح تشبيها بالناقة اللاقح ، وقيل اللقحة الناقة التي لها لبن وجمعها لقاح ولقّح والملاقيح النوق التي فى بطنها أولادها ، ويقال ذلك أيضا للأولاد ونهى عن بيع الملاقيح والمضامين فالملاقيح هى ما فى بطون الأمهات ، والمضامين ما فى أصلاب الفحول واللقاح ماء الفحل ، واللقاح الحي الذي لا يدين لأحد من الملوك كأنه يريد أن يكون حاملا لا محمولا.
(لقف) : لقفت الشيء ألقفه وتلقفته تناولته بالحذق سواء فى ذلك تناوله بالفم أو اليد ، قال تعالى : فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ.
(لقم) : لقمان اسم الحكيم المعروف واشتقاقه يجوز أن يكون من لقمت الطعام ألقمه وتلقمته ورجل تلقام كثير اللقم ، واللقيم أصله الملتقم ويقال لطرف الطريق اللقم.
(لقى) : اللقاء مقابلة الشيء ومصادفته معا ، وقد يعبر به عن كل واحد منهما ، يقال لقيه يلقاه لقاء ولقيا ولقية ، ويقال ذلك فى الإدراك بالحسن وبالبصر

(1/3613)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 512
و بالبصيرة ، قال تعالى : لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ وقال تعالى :
لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً وملاقاة اللَّه عزّ وجلّ عبارة عن القيامة وعن المصير إليه ، قال : وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وقالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ واللقاء الملاقاة ، قال : وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا - إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ - فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا أي نسيتم القيامة والبعث والنشور ، وقوله تعالى : يَوْمَ التَّلاقِ أي يوم القيامة وتخصيصه بذلك لالتقاء من تقدم ومن تأخر والتقاء أهل السماء والأرض وملاقاة كل أحد بعمله الذي قدمه ، ويقال لقى فلان خيرا وشرّا ، قال الشاعر :
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره
و قال آخر :
تلقى السماحة منه والندى خلقا
و يقال لقيته بكذا إذا استقبلته به ، قال تعالى : وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً - وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وتلقاه كذا أي لقيه ، قال تعالى : وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ - وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ والإلقاء طرح الشيء حيث تلقاه أي تراه ثم صار فى المتعارف اسما لكل طرح ، قال تعالى : فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ - قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ وقال تعالى : قالَ أَلْقُوا - قالَ أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها وقال : فليلقه اليم بالساحل - وإذا ألقوا فيها - كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ - وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ وهو نحو قوله : وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ويقال ألقيت إليك قولا وسلاما وكلاما ومودة ، قال : تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ - فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ - وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وقوله : إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا فإشارة إلى ما حمل من النبوة والوحى وقوله تعالى :
أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ فعبارة عن الإصغاء إليه وقوله : فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً فإنما ألقى تنبيها على أنه دهمهم وجعلهم فى حكم غير المختارين.
(لم) : تقول لممت الشيء جمعته وأصلحته ومنه لممت شعثه. قال :
وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا واللمم مقاربة المعصية ويعبر به عن الصغيرة ويقال فلان يفعل كذا لمما أي حينا بعد حين وكذلك قوله : الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ

(1/3614)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 513
وَ الْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ
و هو من قولك ألممت بكذا أي نزلت به وقاربته من غير مواقعة ، ويقال زيارته إلمام أي قليلة ، ولم نفى للماضى وإن كان يدخل على الفعل المستقبل ويدخل عليه ألف الاستفهام للتقرير نحو : أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً - أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى .
(لما) : يستعمل على وجهين ، أحدهما : لنفى الماضي وتقريب الفعل نحو : وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا. والثاني : علما للظرف نحو قوله تعالى :
فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أي فى وقت مجيئه وأمثلتها تكثر.
(لمح) : اللمح لمعان البرق ورأيته لمحة البرق ، قال تعالى : كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ويقال لأرينك لمحا باصرا أي أمرا واضحا.
(لمز) : اللمز لمعان البرق ورأيته لمحة البرق ، قال تعالى : كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ويقال لأرينك لمحا باصرا أي أمرا واضحا.
(لمز) : اللمز الاغتياب وتتبع المعاب ، يقال لمزه يلمزه ويلمزه ، قال تعالى : وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ - الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ - وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ أي لا تلمزوا الناس فيلمزونكم فتكونوا فى حكم من لمز نفسه ، ورجل لماز ولمزة كثير اللمز ، قال تعالى : وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ.
(لمس) : اللمس إدراك بظاهر البشرة ، كالمس ، ويعبر به عن الطلب كقول الشاعر :
و ألمسه فلا أجده
و قال تعالى : وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ الآية ويكنى به وبالملامسة عن الجماع ، وقرىء لامَسْتُمُ - وَ - لامَسْتُمُ النِّساءَ حملا على المس وعلى الجماع ، ونهى عليه الصلاة والسلام عن بيع الملامسة وهو أن يقول إذا لمست ثوبى أو لمست ثوبك ، فقد وجب البيع بيننا واللماسة الحاجة. المقاربة.
(لهب) : اللهب اضطرام النار ، قال : وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ - سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ واللهيب ما يبدو من اشتعال النار ، ويقال للدخان وللغبار لهب ، وقوله : تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ فقد قال بعض المفسرين إنه لم يقصد بذلك مقصد كنيته التي اشتهر بها ، وإنما قصد إلى إثبات النار له وأنه من أهلها وسماه بذلك كما يسمى المثير للحرب والمباشر لها أبو الحرب وأخو الحرب. وفرس

(1/3615)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 514
ملهب شديد العدو تشبيها بالنار الملتهبة والألهوب من ذلك وهو العدو الشديد ، ويستعمل اللهاب فى الحر الذي ينال العطشان.
(لهث) : لهث يلهث لهثا ، قال اللَّه تعالى : فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ وهو أن يدلع لسانه من العطش. قال ابن دريد : اللهث يقال للإعياء وللعطش جميعا.
(لهم) : الإلهام إلقاء الشيء فى الروع ويختص ذلك بما كان من جهة اللَّه تعالى وجهة الملأ الأعلى. قال تعالى : فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها وذلك نحو ما عبر عنه بلمة الملك وبالنفث فى الروع
كقوله عليه الصلاة والسلام : «إن للملك لمة وللشيطان لمة»
و
كقوله عليه الصلاة والسلام : «إن روح القدس نفث فى روعى»
و أصله من التهام الشيء وهو ابتلاعه ، والتهم الفصيل ما فى الضرع وفرس لهم كأنه يلتهم الأرض لشدة عدوه.
(لهى) : اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه ، يقال لهوت بكذا ولهيت عن كذا اشتغلت عنه بلهو ، قال : إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ - وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ويعبر عن كل ما به استمتاع باللهو ، قال تعالى :
لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً ومن قال أراد باللهو المرأة والولد فتخصيص لبعض ما هو من زينة الحياة الدنيا التي جعل لهوا ولعبا ويقال ألهاه كذا أي شغله عما هو أهم إليه ، قال : أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ - رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وليس ذلك نهيا عن التجارة وكراهية لها بل هو نهى عن التهافت فيها والاشتغال عن الصلوات والعبادات بها ، ألا ترى إلى قوله : لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ - لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وقوله : لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ أي ساهية مشتغلة بما لا يعنيها ، واللهوة ما يشغل به الرحى مما يطرح فيه وجمعها لهاء وسميت العطية لهوة تشبيها بها ، واللهاة اللحمة المشرفة على الحلق وقيل بل هو أقصى الفم.
(لات) : اللات والعزى صنمان ، وأصل اللات اللَّه فحذفوا منه الهاء وأدخلوا التاء فيه وأنثوه تنبيها على قصوره عن اللَّه تعالى وجعلوه مختصا بما يتقرب به إلى اللَّه تعالى فى زعمهم ، وقوله : وَلاتَ حِينَ مَناصٍ قال الفراء :

(1/3616)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 515
تقديره لا حين والتاء زائدة فيه كما زيدت فى ثمت وربت. وقال بعض البصريين :
معناه ليس ، وقال أبو بكر العلاف : أصله ليس فقلبت الياء ألفا وأبدل من السين تاء كما قالوا نات فى ناس. وقال بعضهم : أصله لا ، وزيد فيه تاء التأنيث تنبيها على الساعة أو المدة كأنه قيل ليست الساعة أو المدة حين مناص.
(ليت) : يقال لاته عن كذا يليته صرفه عنه ونقصه حقا له ليتا ، قال :
لا يَلِتْكُمْ أي لا ينقصكم من أعمالكم ، لات وألات بمعنى نقص وأصله رد الليت أي صفحة العنق. وليت طمع ، وتمن ، قال : لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا - يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
- يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ، وقول الشاعر :
و ليلة ذات دجى سريت ولم يلتنى عن هواها ليت
معناه لم يصرفنى عنه قولى ليته كان كذا. وأعرب ليت هاهنا فجعله اسما.
كقوله الآخر :
إن ليتا وإن لوا عناء
و قيل معناه لم يلتنى عن هواها لائت أي صارف فوضع المصدر موضع اسم الفاعل.
(لوح) : اللوح واحد ألواح السفينة ، قال : وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ وما يكتب فيه من الخشب وغيره ، وقوله : فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ فكيفيته تخفى علينا إلا بقدر ما روى لنا فى الأخبار وهو المعبر عنه بالكتاب فى قوله : إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ واللوح العطش ودابة ملواح سريع العطش واللوح أيضا بضم اللام الهواء بين السماء والأرض والأكثرون على فتح اللام إذا أريد به العطش ، وبضمه إذا كان بمعنى الهواء ولا يجوز فيه غير الضم.
ولوحه الحر غيره ، ولاح الحر لوحا حصل فى اللوح ، وقيل هو مثل لمح. ولاح البرق ، وألاح إذا أومض وألاح بسيفه أشار به.
(لوذ) : قال تعالى : قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً هو من قولهم لاوذ بكذا يلاوذ لواذا وملاوذة إذا استتر به أي يستترون فيلتجئون

(1/3617)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 516
بغيرهم فيمضون واحدا بعد واحد. ولو كان من لاذ يلوذ لقيل لياذا إلا أن اللواذ هو فعال من لاوذ واللياذ من فعل ، واللوذ ما يطيف بالجبل منه.
(لوط) : لوط اسم علم واشتقاقه من لاط الشيء بقلبي يلوط لوطا وليطا ، و
في الحديث «الولد ألوط - آي الصق بالكبد»
و هذا أمر لا يلتاط بصقرى أي لا يلصق بقلبي ، ولطت الحوض بالطين لوطا ملطته به ، وقولهم تلوط فلان إذا تعاطى فعل قوم لوط ، فمن طريق الاشتقاق فإنه اشتق من لفظ لوط الناهي عن ذلك لا من لفظ المتعاطين له.
(لوم) : اللوم عذل الإنسان بنسبته إلى ما فيه لوم ، يقال لمته فهو ملوم ، قال : فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ - فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ - وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ - فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فإنه ذكر اللوم تنبيها على أنه إذا لم يلاموا لم يفعل بهم ما فوق اللوم. وألام استحق اللوم ، قال : نَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ
و التلاوم أن يلوم بعضهم بعضا ، قال : وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ وقوله : وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ قيل هى النفس التي اكتسبت بعض الفضيلة فتلوم صاحبها إذا ارتكب مكروها فهى دون النفس المطمئنة ، وقيل بل هى النفس التي قد اطمأنت فى ذاتها وترشحت لتأديب غيرها فهى فوق النفس المطمئنة ، ويقال رجل لومة يلوم الناس ، ولومة يلومه الناس ، نحو سخرة وسخرة وهزأة وهزأة ، واللومة الملامة واللائمة الأمر الذي يلام عليه الإنسان.
(ليل) : يقال ليل وليلة وجمعها ليال وليائل وليلات ، وقيل ليل أليل ، وليلة ليلاء. وقيل أصل ليلة ليلاة بدليل تصغيرها على لييلة ، وجمعها على ليال ، قال : وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ - وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى - وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً - إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ - وَلَيالٍ عَشْرٍ - ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا.
(لون) : اللون معروف وينطوى على الأبيض والأسود وما يركب منهما ، ويقال تلون إذا اكتسى لونا غير اللون الذي كان له ، قال : وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وقوله : وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ فإشارة إلى أنواع الألوان واختلاف الصور التي يختص كل واحد بهيئة غير هيئة صاحبه وسحناء غير سحنائه مع كثرة عددهم ، وذلك تنبيه على سعة قدرته.

(1/3618)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 517
و يعبر بالألوان عن الأجناس والأنواع ، يقال فلان أتى بالألوان من الآحاديث ، وتناول كذا ألوانا من الطعام.
(لين) : اللين ضد الخشونة ويستعمل ذلك فى الأجسام ثم يستعار للخلق وغيره من المعاني ، فيقال فلان لين ، وفلان خشن ، وكل واحد منهما يمدح به طورا ، ويذم به طورا بحسب اختلاف المواقع ، قال تعالى : فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وقوله : ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ فإشارة إلى إذعانهم للحق وقبولهم له بعد تأبيهم منه وإنكارهم إياه ، وقوله : ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أي من نخلة ناعمة ، ومحرجه مخرج فعلة نحو حنطة ، ولا يختص بنوع منه دون نوع.
(لؤلؤ) : يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وقال : كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ جمعه لآلىء ، وتلألأ الشيء لمع لمعان اللؤلؤ ، وقيل لا أفعل ذلك ما لألأت الظباء بأذنابها.
(لوى) : اللى فتل الحبل ، يقال لويته ألويه ليا ، ولوى يده ولوى رأسه وبرأسه أماله ، لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ أمالوها ، ولوى لسانه بكذا كناية عن الكذب وتخرص الحديث ، قال تعالى : يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ وقال : لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ ويقال فلان لا يلوى على أحد إذا أمعن فى الهزيمة ، قال تعالى : إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وذلك كما قال الشاعر :
ترك الأحبة أن تقاتل دونه ونجا برأس طمرة وثاب
و اللواء الراية سميت لالتوائها بالريح واللوية ما يلوى فيدخر من الطعام ، ولوى مدينه أي ما طله ، وألوى بلغ لوى الرمل ، وهو منعطفه.
(لو) : لو قيل هو لامتناع الشيء لامتناع غيره ويتضمن معنى الشرط نحو : قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ.
(لولا) : لولا يجىء على وجهين أحدهما بمعنى امتناع الشيء لوقوع غيره ويلزم خبره الحذف ويستغنى بجوابه عن الخبر نحو : لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ والثاني : بمعنى هلا ويتعقبه الفعل نحو : لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا أي هلا وأمثلتهما تكثر فى القرآن.

(1/3619)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 518
(لا) : لا يستعمل للعدم المحض نحو زيد لا عالم وذلك يدل على كونه جاهلا وذلك يكون للنفى ويستعمل فى الأزمنة الثلاثة ومع الاسم والفعل غير أنه إذا نفى به الماضي فإما أن لا يؤتى بعده بالفعل نحو أن يقال لك هل خرجت؟
فتقول لا ، وتقديره لا خرجت. ويكون قلما يذكر بعده الفعل الماضي إلا إذا فصل بينهما بشىء نحو لا رجلا ضربت ولا امرأة ، أو يكون عطفا نحو لا خرجت ولا ركبت ، أو عند تكريره نحو : فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى أو عند الدعاء نحو قولهم لا كان ولا أفلح ، ونحو ذلك. فمما نفى به المستقبل قوله : لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ وقد يجىء «لا» داخلا على كلام مثبت ، ويكون هو نافيا لكلام محذوف نحو : وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وقد حمل على ذلك قوله : لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ - فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ - فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ - فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وعلى ذلك قول الشاعر :
فلا وأبيك ابنة العامري
و قد حمل على ذلك قول عمر رضى اللَّه عنه وقد أفطر يوما فى رمضان ، فظن أن الشمس قد غربت ثم طلعت : لا ، نقضيه ما تجانفنا الإثم فيه ، وذلك أن قائلا قال له قد أثمنا فقال لا ، نقضيه. فقوله «لا» رد لكلامه قد أثمنا ثم استأنف فقال نقضيه. وقد يكون لا للنهى نحو : لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ - وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ وعلى هذا النحو : يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ وعلى ذلك :
لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وقوله : وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فنفى قيل تقديره إنهم لا يعبدون ، وعلى هذا : وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وقوله : ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ يصح أن يكون لا تقاتلون فى موضع الحال : مالكم غير مقاتلين. ويجعل لا مبنيا مع النكرة بعده فيقصد به النفي نحو : فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وقد يكرر الكلام فى المتضادين ويراد إثبات الأمر فيهما جميعا نحو أن يقال ليس زيد بمقيم ولا ظاعن أي يكون تارة كذا وتارة كذا ، وقد يقال ذلك ويراد إثبات حالة بينهما نحو أن يقال ليس بأبيض ولا أسود وإنما يراد إثبات حالة أخرى له ، وقوله لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ فقد قيل معناه إنها شرقية وغربية وقيل معناه مصونة عن الإفراط والتفريط. وقد يذكر «لا» ويراد به سلب المعنى دون إثبات شىء ويقال له الاسم غير المحصل نحو لا إنسان إذا قصدت سلب الإنسانية ، وعلى هذا قول العامة لاحد أي لا أحد.

(1/3620)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 519
(اللام) : اللام التي هى للأداة على أوجه الأول الجارة وذلك أضرب :
ضرب لتعدية الفعل ولا يجوز حذفه نحو : وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وضرب للتعدية لكن قد يحذف كقوله : يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ - فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً فأثبت فى موضع وحذف فى موضع. الثاني للملك والاستحقاق وليس نعنى بالملك ملك العين بل قد يكون ملكا لبعض المنافع أو لضرب من التصرف فملك العين نحو : وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ - وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وملك التصرف كقولك لمن يأخذ معك خشبا خذ طرفك ، لآخذ طرفى ، وقولهم للَّه كذا نحو للَّه درك ، فقد قيل إن القصد أن هذا الشيء لشرفه لا يستحق ملكه غير اللَّه ، وقيل القصد به أن ينسب إليه إيجاده أي هو الذي أوجده إبداعا لأن الموجودات ضربان : ضرب أوجده بسبب طبيعى أو صنعة آدمي ، وضرب أوجده إبداعا كالفلك والسماء ونحو ذلك. وهذا الضرب أشرف وأعلى فيما قيل. ولام الاستحقاق نحو قوله : وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ - وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وهذا كالأول لكن الأول لما قد حصل فى الملك وثبت وهذا لما لم يحصل بعد ولكن هو فى حكم الحاصل من حيثما قد استحق. وقال بعض النحويين : اللام فى قوله :
وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ بمعنى على أي عليهم اللعنة ، وفى قوله : لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وليس ذلك بشىء وقيل قد تكون اللام بمعنى إلى فى قوله :
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها وليس كذلك لأن الوحى للنحل جعل ذلك له بالتسخير والإلهام وليس ذلك كالوحى الموحى إلى الأنبياء فنبه باللام على جعل ذلك الشيء له بالتسخير. وقوله : وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً معناه لا تخاصم الناس لأجل الخائنين ، ومعناه كمعنى قوله : وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ
و ليست اللام هاهنا كاللام فى قولك لا تكن للَّه خصيما لأن اللام هاهنا داخل على المفعول ومعناه لا تكن خصيم اللَّه. الثالث لام الابتداء نحو :
لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى - لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا - لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً الرابع : الداخل فى باب إن إما فى اسمه إذا تأخر نحو : إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً أو فى خبره نحو : إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ - إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ أو فيما يتصل بالخبر إذا تقدم على الخبر نحو : لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ فإن تقديره ليعمهون فى سكرتهم. الخامس : الداخل فى إن المخففة فرقا بينه وبين

(1/3621)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 520
إن النافية نحو وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا. السادس : لام القسم وذلك يدخل على الاسم نحو قوله : يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ ويدخل على الفعل الماضي نحو : لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ وفى المستقبل يلزمه إحدى النونين نحو : لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ و
الميم
(متع) : المتوع الامتداد والارتفاع ، يقال متع النهار ومتع النبات. إذا ارتفع فى أول النبات ، والمتاع انتفاع ممتد الوقت ، يقاله : وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ أي طعامهم فسماه متاعا ، وقيل وعاءهم وكلاهما متاع وهما متلازمان فإن الطعام كان فى الوعاء. وقوله : وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ فالمتاع والمتعة ما يعطى المطلقة لتنتفع به مدة عدتها ، يقال أمتعتها ومتعتها ، والقرآن ورد بالثاني نحو : فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ وقال : وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ومتعة النكاح هى : أن الرجل كان يشارط المرأة بمال معلوم يعطيها إياه إلى أجل معلوم فإذا انقضى الأجل فارقها من غير طلاق ، ومتعة الحج ضم العمرة إليه ، قال تعالى : فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وشراب ماتع قيل أحمر وإنما هو الذي يمتع بجودته وليست الحمرة بخاصة للماتع وإن كانت أحد أوصاف جودته ، وجمل ماتع قوى ، قيل :
و ميزانه فى سورة البر ماتع
أي راجح زائد.
(متن) : المتنان مكتنفا الصلب وبه شبه المتن من الأرض ، ومتنته ضربت متنه ، ومتن قوى متنه فصار متينا ومنه قيل حبل متين وقوله : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ.

(1/3622)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 522
(متى) : متى سؤال عن الوقت ، قال تعالى : مَتى هذَا الْوَعْدُ - مَتى هذَا الْفَتْحُ وحكى أن هذيلا تقول جعلته متى كمّى أي وسط كمى وأنشدوا لأبى ذؤيب.
شربن بماء البحر ثم ترفعت متى لجج خضر لهن نئيج
(مثل) : أصل المثول الانتصاب ، والممثّل المصور على مثال غيره ، يقال مثل الشيء أي انتصب وتصور ومنه
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم : «من أحب أن يمثل له الرجال فلينبوأ مقعده من النار»
و التمثال الشيء المصور وتمثل كذا تصور ، قال تعالى : فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
و المثل عبارة عن قول فى شىء يشبه قولا فى شىء آخر بينهما مشابهة ليبين أحدهما الآخر ويصوره نحو قولهم الصيف ضيعت اللبن ، فإن هذا القول يشبه قولك أهملت وقت الإمكان أمرك وعلى هذا الوجه ما ضرب اللَّه تعالى من الأمثال فقال :
وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ وفى أخرى : وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ والمثل يقال على وجهين أحدهما : بمعنى المثل نحو شبه وشبه ونقض ، قال بعضهم وقد يعبر بهما عن وصف الشيء نحو قوله : مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ والثاني : عبارة عن المشابهة لغيره فى معنى من المعاني أي معنى كان وهو أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة وذلك أن الند يقال فيما يشارك فى الجوهر فقط ، والشبه يقال فيما يشارك فى الكيفية فقط ، والمساوى يقال فيما يشارك فى الكمية فقط ، والشكل يقال فيما يشاركه فى القدر والمساحة فقط ، والمثل عام فى جميع ذلك ولهذا لما أراد اللَّه تعالى نفى التشبيه من كل وجه خصه بالذكر فقال :
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وأما الجمع بين الكاف والمثل فقد قيل ذلك لتأكيد النفي تنبيها على أنه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف فنفى بليس الأمرين جميعا. وقيل المثل هاهنا هو بمعنى الصفة ومعناه ليس كصفته صفة تنبيها على أنه وإن وصف بكثير مما يوصف به البشر فليس تلك الصفات له على حسب ما يستعمل فى البشر ، وقوله : لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى أي لهم الصفات الذميمة وله الصفات العلى. وقد منع اللَّه تعالى عن ضرب الأمثال بقوله : فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ ثم نبه أنه قد يضرب لنفسه المثل ولا يجوز لنا أن نقتدى به فقال : إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ثم ضرب لنفسه مثلا فقال : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً الآية ، وفى هذا تنبيه أنه لا يجوز أن نصفه بصفة مما يوصف به البشر إلا بما وصف به نفسه ، وقوله : مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا

(1/3623)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 523
التَّوْراةَ الآية ، أي هم فى جهلهم بمضمون حقائق التوراة كالحمار فى جهله بما على ظهره من الأسفار ، وقوله : وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ فإنه شبهه بملازمته واتباعه هواه ، وقلة مزايلته له بالكلب الذي لا يزايل اللهث على جميع الأحوال وقوله : مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً الآية فإنه شبه من آتاه اللَّه تعالى ضربا من الهداية والمعاون فاضاعه ولم يتوصل به إلى ما رشح له من نعيم الأبد بمن استوقد نارا فى ظلمة ، فلما أضاءت له ضيعها ونكس فعاد فى الظلمة ، وقوله : وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً فإنه قصد تشبيه المدعو بالغنم فأجمل وراعى مقابلة المعنى دون مقابلة الألفاظ وبسط الكلام مثل راعى الذين كفروا ، والذين كفروا كمثل الذي ينعق بالغنم ، ومثل الغنم التي لا تسمع إلا دعاء ونداء. وعلى هذا النحو قوله : مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ومثله قوله ثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ
و على هذا النحو ما جاء من أمثاله. والمثال مقابلة شىء بشىء هو نظيره أو وضع شىء ما ليحتذى به فيما يفعل ، والمثلة نقمة ، تنزل بالإنسان فيجعل مثالا يرتدع به غيره وذلك كالنكال ، وجمعه مثلات ومثلات ، وقد قرىء :
مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ والمثلات بإسكان الثاء على التخفيف نحو : عضد وعضد ، وقد أمثل السلطان فلانا إذا نكل به ، والأمثل يعبر به عن الأشبه بالأفاضل والأقرب إلى الخير ، وأماثل القوم كناية عن خيارهم ، وعلى هذا قوله تعالى : إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً وقال : وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى أي الأشبه بالفضيلة ، وهى تأنيث الأمثل.
(مجد) : المجد السعة فى الكرم والجلا ، وقد تقدم الكلام فى الكرم ، يقال مجد يمجد مجدا ومجادة ، وأصل المجد من قولهم مجدت الإبل إذا حصلت فى مرعى كثير واسع ، وقد أمجدها الراعي ، وتقول العرب فى كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار ، وقولهم فى صفة اللَّه تعالى المجيد أي يجرى السعة فى بذل الفضل المختص به وقوله فى صفة القرآن : ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ فوصفه بذلك لكثرة ما يتضمن من المكارم الدنيوية والأخروية ، وعلى هذا وصفه بالكريم بقوله تعالى : إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ وعلى نحوه قوله : بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ وقوله : ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فوصفه بذلك لسعة فيضه وكثرة جوده ، وقرىء :

(1/3624)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 524
الْمَجِيدِ بالكسر فلجلالته وعظم قدره ، وما
أشار إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم : «ما الكرسي فى جنب العرش إلا كحلقة ملقاة فى أرض فلاة»
و على هذا قوله :
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ والتمجيد من العبد للَّه بالقول وذكر الصفات الحسنة ، ومن اللَّه للعبد بإعطائه الفضل.
(محص) : أصل المحص تخليص الشيء مما فيه من عيب كالفحص لكن الفحص يقال فى إبراز شىء من أثناء ما يختلط به وهو منفصل عنه ، والمحص يقال فى إبرازه عما هو متصل به ، يقال : محصت الذهب ومحّصته إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبث ، قال تعالى : وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا - وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ فالتمحيص هاهنا كالتزكية والتطهير ونحو ذلك من الألفاظ ، ويقال فى الدعاء اللهم محص عنا ذنوبنا ، أي أزل ما علق بنا من الذنوب. ومحص الثوب إذا ذهب زئبره ، ومحص الحبل يمحص أخلق حتى يذهب عنه وبرة ، ومحص الصبى إذا عدا.
(محق) : المحق النقصان ومنه المحاق لآخر الشهر إذا انمحق الهلال وامتحق وانمحق ، يقال محقه إذا نقصه وأذهب بركته ، قال تعالى : يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وقال : وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ.
(محل) : قوله تعالى : وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ أي الأخذ بالعقوبة ، قال بعضهم : هو من قولهم محل به محلا ومحالا إذا أراده بسوء ، قال أبو زيد. محل الزمان قحط ، ومكان ما حل ومتماحل وأمحلت الأرض ، والمحالة فقارة الظهر والجمع المحال ، ولبن ممحل قد فسد ، ويقال ما حل عنه أي جادل عنه ، ومحل به إلى السلطان إذا سعى به ، و
فى الحديث : «لا تجعل القرآن ما حلا بنا»
أي يظهر عندك معايبنا ، وقيل بل المحال من الحول والحيلة والميم فيه زائدة.
(محن) : المحن والامتحان نحو الابتلاء ، نحو قوله تعالى :
فَامْتَحِنُوهُنَّ وقد تقدم الكلام فى الابتداء ، قال تعالى : أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى وذلك نحو قوله : وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً وذلك نحو قوله : إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ الآية.
(محو) : المحو إزالة الأثر ، ومنه قيل للشمال محوة ، لأنها تمحو السحاب والأثر ، قال تعالى : يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ.

(1/3625)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 525
(مخر) : مخر الماء للأرض استقبالها بالدور فيها ، يقال مخرت السفينة مخرا ومخورا إذا شقت الماء بجؤجئها مستقبلة له ، وسفينة ماخرة والجمع المواخر ، قال : وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ ويقال استمخرت الريح وامتخرتها إذا استقبلتها بأنفك ، و
فى الحديث : «استمخروا الريح وأعدوا النبل»
أي فى الاستنجاء والماخور الموضع الذي يباع فيه الخمر ، وبنات مخر سحائب تنشأ صيفا.
(مد) : أصل المد الجر ، ومنه المدة للوقت الممتد ، ومدة الجرح ، ومدّ النهر ومده نهر آخر ، ومددت عينى إلى كذا ، قال تعالى : وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ الآية. ومددته فى غيه ومددت الإبل سقيتها المديد وهو بزر ودقيق يخلطان بماء ، وأمددت الجيش بمدد والإنسان بطعام ، قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وأكثر ما جاء الإمداد فى المحبوب. والمد فى المكروه نحو قوله تعالى :
وَ أَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ - أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ - وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ - يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ الآية. وقوله : أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ - وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا - وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ - وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ - وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ فمن قولهم مده نهر آخر ، وليس هو مما ذكرناه من الإمداد ، والمد المحبوب والمكروه ، وإنما هو من قولهم مددت الدواة أمدها ، وقوله تعالى : وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً والمد من المكاييل معروف.
(مدن) : المدينة فعيلة عند قوم وجمعها مدن وقد مدنت مدينة ، وناس يجعلون الميم زائدة ، قال تعالى : وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ قال :
وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ - وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ.
(مرر) : المرور المضي والاجتياز بالشيء قال تعالى : وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ
- وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً تنبيها أنهم إذا دفعوا إلى التفوه باللغو كنوا عنه ، وإذا سمعوه تصامموا عنه ، وإذا شاهدوه أعرضوا عنه ، وقوله :
فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا فقوله : مَرَّ هاهنا كقوله :
وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وأمررت الحبل إذا فتلته ، والمرير والممر المفتول ، ومنه فلان ذو مرة كأنه محكم الفتل قال تعالى : ذُو

(1/3626)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 526
مِرَّةٍ فَاسْتَوى
و يقال مر الشيء وأمر إذا صار مرا ومنه يقال فلان ما يمر وما يحلى ، وقوله : حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ قيل استمرت. وقولهم مرة ومرتين كفعلة وفعلتين وذلك لجزء من الزمان ، قال : يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ - وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ - إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً - إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ - سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ، وقوله تعالى : ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
(مرج) : أصل المرج الخلط والمروج الاختلاط ، يقال مرج أمرهم اختلط ومرج الخاتم فى إصبعى فهو مارج ، ويقال أمر مريج أي مختلط ومنه غصن مريج مختلط ، قال تعالى : فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ والمرجان صغار اللؤلؤ ، قال تعالى : كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ وقوله : مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ من قولهم مرج. ويقال للأرض التي يكثر فيها النبات فتمرج فيه الدواب مرج ، وقوله :
مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ أي لهيب مختلط ، وأمرجت الدابة فى المرعى أرسلتها فنه فمرجت.
(مرح) : المرح شدة الفرح والتوسع فيه ، قال تعالى : وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً وقرىء مرحا أي فرحا ومرحى كلمة تعجب.
(مرد) : قال تعالى : وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ والمارد والمريد من شياطين الجن والإنس المتعرى من الخيرات من قولهم شجر أمرد إذا تعرى من الورق ، ومنه قيل رملة مرداء لم تنبت شيئا ، ومنه الأمرد لتجرده عن الشعر.
وروى أهل الجنة مرد ، فقيل حمل على ظاهره ، قيل معناه معرون من الشوائب والقبائح ، ومنه قيل مرد فلان عن القبائح ومرد عن المحاسن وعن الطاعة ، قال تعالى : وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ أي ارتكسوا عن الخير وهم على النفاق ، وقوله تعالى : مَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ
أي مملس من قولهم شجرة مرداء إذا لم يكن عليها ورق ، وكأن الممرد إشارة إلى قول الشاعر :
فى مجدل شيد بنيانه يزل عنه ظفر الظافر
و مارد حصن معروف وفى الأمثال : تمرد مارد وعز الأبلق ، قاله ملك امتنع عليه هذان الحصنان.
(مرض) : المرض الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان وذلك

(1/3627)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 527
ضربان ، الأول مرض جسمى وهو المذكور فى قوله : وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ - وَلا عَلَى الْمَرْضى والثاني عبارة عن الرذائل كالجهل والجبن والبخل والنفاق وغيرها من الرذائل الخلقية نحو قوله تعالى : فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً - أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا - وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وذلك نحو قوله : وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً ويشبه النفاق والكفر ونحوهما من الرذائل بالمرض إما لكونها مانعة عن إدراك الفضائل كالمرض المانع للبدن عن التصرف الكامل ، وإما لكونها مانعة عن تحصيل الحياة الأخروية المذكورة فى قوله تعالى : وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ وإما لميل النفس بها إلى الاعتقادات الرديئة ميل البدن المريض إلى الأشياء المضرة ، ولكون هذه الأشياء متصورة بصورة المرض قيل ذوى صدر فلان ونغل قلبه.
وقال عليه الصلاة والسلام : «وأى داء أدوأ من البخل؟» ،
و يقال شمس مريضة إذا لم تكن مضيئة لعارض عرض لها ، وأمرض فلان فى قوله إذا عرض ، والتمريض القيام على المريض وتحقيقه إزالة المرض عن المريض كالتقذية فى إزالة القذى عن العين.
(مرأ) : يقال مرء ومرأة ، وامرؤ وامرأة ، قال تعالى : إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ - وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً والمروّة كمال المرء كما أن الرجولية كمال الرجل ، والمريء رأس المعدة والكرش اللاصق بالحلقوم ، ومرؤ الطعام وأمرأ إذا تخصص بالمريء. لموافقة الطبع ، قال تعالى : فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً.
(مرى) : المرية التردد فى الأمر وهو أخص من الشك ، قال تعالى :
وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ - فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ - فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ - أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ والامتراء والمماراة المحاجة فيما فيه مرية ، قال تعالى : قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ - بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ - أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى - فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وأصله من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها للحلب.
(مريم) : مريم اسم أعجمى ، اسم أم عيسى عليه السلام.
(مزن) : المزن السحاب المضيء والقطعة منه مزنة ، قال تعالى : أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ويقال للهلال الذي يظهر من خلال السحاب

(1/3628)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 528
ابن مزنة ، وفلان يتمزن أي يتسخى ويتشبه بالمزن ، ومزنت فلانا شبهته بالمزن ، وقيل المازن بيض النمل.
(مزج) : مزج الشراب خلطه والمزاج ما يمزج به ، قال تعالى :
مِزاجُها كافُوراً - وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ - مِزاجُها زَنْجَبِيلًا.
(مسس) : المس كاللمس لكن اللمس قد يقال لطلب الشيء ، وإن لم يوجد كما قال الشاعر :
و ألمسه فلا أجده
و المس يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس وكنى به عن النكاح ، فقيل مسها وماسها ، قال تعالى : وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقال :
لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ وقرىء : ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ وقال : أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ والمسيس كناية عن النكاح ، وكنى بالمس عن الجنون ، قال تعالى : الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ والمس يقال فى كل ما ينال الإنسان من أذى نحو قوله : وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ - ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ - مَسَّنِيَ الضُّرُّ - مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ - مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا - وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ.
(مسح) : المسح إمرار اليد على الشيء وإزالة الأثر عنه ، وقد يستعمل فى كل واحد منهما يقال مسحت يدى بالمنديل ، وقيل للدرهم الأطلس مسيح وللمكان الأملس أمسح ، ومسح الأرض ذرعها وعبر عن السير بالمسح كما عبر عنه بالذرع ، فقيل مسح البعير المفازة وذرعها ، والمسح فى تعارف الشرع إمرار الماء على الأعضاء ، يقال مسحت للصلاة وتمسحت ، قال : وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ومسحته بالسيف كناية عن الضرب كما يقال مسست ، قال : فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وقيل سمى الدجال مسيحا لأنه ممسوح أحد شقى وجهه وهو أنه روى أنه لا عين له ولا حاجب ، وقيل سمى عيسى عليه السلام مسيحا لكونه ماسحا فى الأرض أي ذاهبا فيها وذلك أنه كان فى زمانه قوم يسمون المشائين والسياحين لسيرهم فى الأرض ، وقيل سمى به لأنه كان يمسح ذا العاهة فيبرأ ، وقيل سمى بذلك لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن.
وقال بعضهم إنما كان مشوحا بالعبرانية فعرب فقيل المسيح وكذا موسى كان

(1/3629)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 529
موشى. وقال بعضهم : المسيح هو الذي مسحت إحدى عينيه ، وقد روى إن الدجال ممسوح اليمنى وعيسى ممسوح اليسرى. قال : ويعنى بأن الدجال قد مسحت عنه القوة المحمودة من العلم والعقل والحلم والأخلاق الجميلة ، وأن عيسى مسحت عنه القوة الذميمة من الجهل والشره والحرص وسائر الأخلاق الذميمة. وكنى عن الجماع بالمسح كما كنى عنه بالمس واللمس ، وسمى العرق القليل مسيحا ، والمسح البلاس جمعه مسوح وأمساح ، والتمساح معروف ، وبه شبه المارد من الإنسان.
(مسخ) : المسخ تشويه الخلق والخلق وتحويلهما من صورة إلى صورة.
قال بعض الحكماء : المسخ ضربان : مسخ خاص يحصل فى العينة وهو مسخ الخلق ، ومسخ قد يحصل فى كل زمان وهو مسخ الخلق ، وذلك أن يصير الإنسان متخلفا بخلق ذميم من أخلاق بعض الحيوانات نحو أن يصير فى شدة الحرص كالكلب ، وفى الشره كالخنزير ، وفى الغمارة كالثور ، قال وعلى هذا أحد الوجهين فى قوله تعالى : وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ ، وقوله :
لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ يتضمن الأمرين وإن كان فى الأول أظهر ، والمسيخ من الطعام مالا طعم له ، قال الشاعر :
و أنت مسيخ كلحم الحوار
و مسخت الناقة أنضيتها وأزلتها حتى أزلت خلقتها عن حالها والماسخى القواس وأصله كان قواس منسوبا إلى ماسخة وهى قبيلة فسمى كل قواس به كما سمى كل حداد بالهالكي.
(مسد) : المسد ليف يتخذ من جريد النخل أي من غصنه فيمسد أي يفتل ، قال تعالى : حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ وامرأة ممسودة مطوية الخلق كالجبل الممسود.
(مسك) : إمساك الشيء التعلق به وحفظه ، قال تعالى : فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وقال : يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ أي يحفظها ، واستمسكت بالشيء إذا تحريت الإمساك ، قال تعالى :
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ وقال : أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ويقال تمسكت به ومسكت به ، قال : وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ

(1/3630)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 530
الْكَوافِرِ
يقال أمسكت عنه كذا أي منعته ، قال : هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ وكنى عن البخل بالإمساك. والمسكة من الطعام والشراب ما يمسك الرمق ، والمسك الذبل المشدود على المعصم ، والمسك الجلد الممسك للبدن.
(مشج) : قال تعالى : أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ أي أخلاط من الدم وذلك عبارة عما جعله اللَّه تعالى بالنطفة من القوى المختلفة المشار إليها بقوله تعالى :
وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ إلى قوله : خَلْقاً آخَرَ.
(مشى) : المشي الانتقال من مكان إلى مكان بإرادة ، قال اللَّه تعالى :
كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ - فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ إلى آخر الآية.
يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً - فَامْشُوا فِي مَناكِبِها ويكنى بالمشي عن النميمة ، قال : هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ويكنى به عن شرب المسهل فقيل شربت مشيا ومشوا ، والماشية الأغنام ، وقيل امرأة ماشية كثر أولادها.
(مصر) : المصر اسم لكل بلد ممصور أي محدود ، يقال مصرت مصرا أي بنيته ، والمصر الحد وكان من شروط هجر اشترى فلان الدار بمصورها أي حدودها ، قال الشاعر :
و جاعل الشمس مصرا لا خفاء به بين النهار وبين الليل قد فصلا
و قوله تعالى : اهْبِطُوا مِصْراً فهو البلد المعروف وصرفه لخفته ، وقيل بل عنى بلدا من البلدان. والمصار الحاجز بين الماءين ، ومصرت الناقة إذا جمعت أطراف الأصابع على ضرعها فحلبتها ، ومنه قيل لهم غلة يمتصرونها أي يحتلبون منها قليلا قليلا ، وثوب ممصر مشبع الصبغ ، وناقة مصور مانع للبن لا تسمح به ، وقال الحسن : لا بأس بكسب التياس ما لم يمصر ولم يبسر ، أي يحتلب بإصبعيه ويبسر على الشاة قبل وقتها. والمصير المعى وجمعه مصران وقيل بل هو مفعل من صار لأنه مستقر الطعام.
(مضغ) : المضغة القطعة من اللحم قدر ما يمضغ ولم ينضج قال الشاعر :
يلجلج مضغة فيها أنيض
أي غير منضج وجعل اسما للحالة التي ينتهى إليها الجنين بعد العلقة ، قال تعالى :
فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً وقال تعالى : مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ

(1/3631)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 531
وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ
و المضاغة ما يبقى عن المضغ فى الفم ، والماضغان الشدقان لمضغهما الطعام ، والمضائغ العقبات اللواتى على طرفى هيئة القوس الواحدة مضيغة.
(مضى) : المضي والمضاء النفاذ ويقال ذلك فى الأعيان والأحداث ، قال تعالى : وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ - فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ.
(مطر) : المطر الماء المنسكب ويوم مطير وماطر وممطر وواد مطير أي ممطور يقال مطرتنا السماء وأمطرتنا ، وما مطرت منه بخير ، وقيل إن مطر يقال فى الخير ، وأمطر فى العذاب ، قال تعالى : وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ - وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ - وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً - فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ ومطر وتمطر ذهب فى الأرض ذهاب المطر ، وفرس متمطر أي سريع كالمطر ، والمستمطر طالب المطر والمكان الظاهر للمطر ويعبر به عن طالب الخير ، قال الشاعر :
فواد خطاء وواد مطر
(مطى) : قال تعالى : ثُمَّ ذَ
(مع) معا ، أو فى المعنى كالمتضايفين نحو الأخ والأب فإن أحدهما صار أخا للآخر فى حال ما صار الآخر أخاه ، وإما فى الشرف والرتبة نحو : هما معا فى العلو ، ويقتضى معنى النصرة وأن المضاف إليه لفظ مع هو المنصور نحو قوله :
لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا أي الذي مع يضاف إليه فى قوله اللَّه معنا هو منصور أي ناصرنا ، وقوله : إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا - وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ - وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وقوله عن موسى : إِنَّ مَعِي رَبِّي ورجل إمعة من شأنه أن يقول لكل واحد أنا معك. والمعمعة صوت الحريق والشجعان فى الحرب ، والمعمعان شدة الحرب.
(معز) : قال تعالى : وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ والمعيز جماعة المعز كما يقال ضئين لجماعة الضأن ، ورجل ماعز معصوب الخلق والأمعز والمعزاء المكان الغليظ ، واستمعز فى أمره : جد.

(1/3632)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 532
(معن) : ماء معين هو من قولهم : معن الماء جرى فهو معين ، ومجارى الماء معنان ، وأمعن الفرس تباعد فى عدوه ، وأمعن بحقي ذهب ، وفلان معن فى حاجته وقيل ماء معين هو من العين والميم زائدة فيه.
(مقت) : المقت البغض الشديد لمن تراه تعاطى القبيح. يقال مقت مقاتة فهو مقيت ومقته فهو مقيت وممقوت ، قال : إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا وكان يسمى تزوج الرجل امرأة أبيه نكاح المقت ، وأما المقيت فمفعل من القوت وقد تقدم.
(مكك) : اشتقاق مكة من تمككت العظم أخرجت مخه ، وأمتك الفصيل ما فى ضرع أمه وعبر عن الاستقصاء بالتمكك.
وروى أنه قال عليه الصلاة والسلام : «لا تمكوا على غرمائكم»
و تسميتها بذلك لأنها كانت تمك من ظلم بها أي تدقه وتهلكه ، قال الخليل : سميت بذلك لأنها وسط الأرض كالمخ الذي هو أصل ما فى العظم ، والمكوك طاس يشرب به ويكال كالصواع.
(مكث) : المكث ثبات مع انتظار ، يقال مكث مكثا ، قال :
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ، وقرىء مكث ، قال : إِنَّكُمْ ماكِثُونَ - فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا.
(مكر) : المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة وذلك ضربان : مكر محمود وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل وعلى ذلك قال تعالى : وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ومذموم وهو أن يتحرى به فعل قبيح ، قال : وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ - وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا - فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ وقال فى الأمرين : وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وقال بعضهم :
من مكر اللَّه إمهال العبد وتمكينه من أعراض الدنيا ولذلك قال أمير المؤمنين رضى اللَّه عنه : من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله.
(مكن) : المكان عند أهل اللغة الموضع الحاوي للشىء ، وعند بعض المتكلمين أنه عرض وهو اجتماع جسمين حاو ومحوى وذلك أن يكون سطح الجسم الحاوي محيطا بالمحوى ، فالمكان عندهم هو المناسبة بين هذين الجسمين ، قال : مَكاناً سُوىً - وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً ويقال : مكنته ومكنت له

(1/3633)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 533
فتمكن ، قال تعالى : وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ - وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ - أَوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ - وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ - وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وقال : فِي قَرارٍ مَكِينٍ وأمكنت فلانا من فلان ، ويقال : مكان ومكانة ، قال تعالى : اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ وقرىء : (على مكاناتكم) وقوله : ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ أي متمكن ذى قدر ومنزلة.
ومكنات الطير ومكناتها مقاره ، والمكن بيض الضب وبيض مكنون. قال الخليل : المكان مفعل من الكون ولكثرته فى الكلام أجرى مجرى فعال فقيل :
تمكن وتمسكن نحو تمنزل.
(مكا) : مكا الطير يمكو مكاء ، صفر ، قال تعالى : وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً تنبيها أن ذلك منهم جار مجرى مكاء الطير فى قلة الغناء ، والمكاء طائر ، ومكت استه صوتت.
(ملل) : الملة كالدين وهو اسم لما شرع اللَّه تعالى لعباده على لسان الأنبياء ليتوصلوا به إلى جوار اللَّه ، والفرق بينها وبين الدين أن الملة لا تضاف إلا إلى النبي عليه الصلاة والسلام الذي تسند إليه نحو : فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ - وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي ولا تكاد توجد مضافة إلى اللَّه ولا إلى آحاد أمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا تستعمل إلا فى حملة الشرائع دون آحادها ، لا يقال ملة اللَّه. ولا يقال ملتى وملة زيد كما يقال دين اللَّه ودين زيد ، ولا يقال الصلاة ملة اللَّه. وأصل الملة من أمللت الكتاب ، قال تعالى : لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ - فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ وتقال الملة اعتبارا بالشيء الذي شرعه اللَّه ، والدين يقال اعتبارا بمن يقيمه إذ كان معناه الطاعة.
ويقال خبز ملة ومل خبزه يمله ملا ، والمليل ما طرح فى النار ، والمليلة حرارة يجدها الإنسان ، ومللت الشيء أمله أعرضت عنه أي ضجرت ، وأمللته من كذا حملته على أن مل من
قوله عليه الصلاة والسلام : «تكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن اللَّه لا يمل حتى تملوا»
فإنه لم يثبت للَّه ملالا بل القصد أنكم تملون واللَّه لا يمل.
(ملح) : الملح الماء الذي تغير طعمه التغير المعروف وتجمد ، ويقال له ملح إذا تغير طعمه ، وإن لم يتجمد فيقال ماء ملح. وقلما تقول العرب ماء

(1/3634)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 534
مالح ، قال اللَّه تعالى : وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وملحت القدر ألقيت فيها الملح ، وأملحتها أفسدتها بالملح ، وسمك مليح. ثم استعير من لفظ المليح الملاحة فقيل رجل مليح وذلك راجع إلى حسن يغمض إدراكه.
(ملك) : الملك هو المتصرف بالأمر والنهى فى الجمهور وذلك يختص بسياسة الناطقين ولهذا يقال ملك الناس ولا يقال ملك الأشياء ، وقوله : ملك يوم الدين فتقديره الملك فى يوم الدين وذلك لقوله : لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ والملك ضربان : ملك هو التملك والتولي ، وملك هو القوة على ذلك تولى أو لم يتول. فمن الأول قوله : إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها ، ومن الثاني قوله : إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً فجعل النبوة مخصوصة والملك عاما ، فإن معنى الملك هاهنا هو القوة التي بها يترشح للسياسة لا أنه جعلهم كلهم متولين للأمر فذلك مناف للحكمة كما قيل لا خير فى كثرة الرؤساء.
قال بعضهم : الملك اسم لكل من يملك السياسة إما فى نفسه وذلك بالتمكين من زمام قواه وصرفها عن هواها ، وإما فى غيره سواء تولى ذلك أو لم يتول على ما تقدم ، وقوله : فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً والملك الحق الدائم للَّه فلذلك قال : لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وقال : قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ فالملك ضبط الشيء المتصرف فيه بالحكم ، والملك كالجنس للملك فكل ملك ملك وليس كل ملك ملكا قال : قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ - لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً وقال : أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ - قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا وفى غيرها من الآيات. والملكوت مختص بملك اللَّه تعالى وهو مصدر ملك أدخلت فيه التاء نحو رحموت ورهبوت ، قال تعالى : وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وقال : أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والمملكة سلطان الملك وبقاعه التي يتملكها ، والمملوك يختص فى المتعارف بالرقيق من الأملاك ، قال : عَبْداً مَمْلُوكاً وقد يقال فلان جواد بمملوكه أي بما يتملكه والملكة تختص بملك العبيد ويقال فلان حسن الملكة أي الصنع إلى مماليكه ، وخص ملك العبيد فى القرآن باليمين فقال : لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وقوله : أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ - أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ومملوك مقر

(1/3635)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 535
بالملوكة والملكة والملك ، وملاك الأمر ما يعتمد عليه منه. وقيل القلب ملاك الجسد ، والملاك التزويج ، وأملكوه زوجوه ، شبه الزوج بملك عليها فى سياستها ، وبهذا النظر قيل كاد المروس أن يكون ملكا. وملك الإبل والشاء ما يتقدم ويتبعه سائره تشبيها بالملك ، ويقال ما لأحد فى هذا ملك وملك غيرى ، قال تعالى :
ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وقرىء بكسر الميم ، وملكت العجين شددت عجنه ، وحائط ليس له ملاك أي تماسك ، وأما الملك فالنحويون جعلوه من لفظ الملائكة ، وجعل الميم فيه زائدة. وقال بعض المحققين هو من الملك ، قال :
و المتولى من الملائكة شيئا من السياسات يقال له ملك بالفتح ، ومن البشر يقال له ملك بالكسر ، فكل ملك ملائكة وليس كل ملائكة ملكا ، بل الملك هو المشار إليه بقوله : فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً - فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً - وَالنَّازِعاتِ ونحو ذلك ومنه ملك الموت ، قال : وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها - عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ - قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ.
(ملا) : الملأ جماعة يجتمعون على رأى ، فيملئون العيون رواء ومنظرا والنفوس بهاء وجلالا ، قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ - وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ - إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ - قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ وغير ذلك من الآيات ، يقال فلان ملء العيون أي معظم عند من رآه كأنه ملأ عينه من رؤيته ، ومنه قيل شاب مالىء العين ، والملأ الخلق المملوء جمالا ، قال الشاعر :
فقلنا أحسنى ملأ جهينا
و مالأته عاونته وصرت من ملئه أي جمعه نحو شايعته أي صرت من شيعته ، ويقال هو ملىء بكذا. والملاءة الزكام الذي يملأ الدماغ ، يقال ملىء فلان وأملأ ، والملء مقدار ما يأخذه الإناء الممتلئ ، يقال أعطنى ملأه وملأيه وثلاثة أملائه.
(ملا) : الإملاء الإمداد ، ومنه قيل للمدة الطويلة ملاوة من الدهر وملىّ من الدهر ، قال : وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا وتمليت دهرا أبقيت ، وتمليت الثوب تمتعت به طويلا ، وتملى بكذا تمتع به بملاوة من الدهر ، وملاك اللَّه غير مهموز عمرك ، ويقال عشت مليّا أي طويلا ، والملا مقصور المفازة الممتدة ، والملوان

(1/3636)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 536
قيل الليل والنهار وحقيقة ذلك تكررهما وامتدادهما بدلالة أنهما أضيفا إليهما فى قول الشاعر :
نهار وليل دائم ملواهما على كل حال المرء يختلفان
فلو كانا الليل والنهار لما أضيفا إليهما. قال تعالى : وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ أي أمهلهم ، وقوله : الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ أي أمهل ومن قرأ ملأ لهم فمن قولهم أمليت الكتاب أمليه إملاء ، قال : أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ وأصل أمليت أمللت فقلب تخفيفا. فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ - فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ.
(منن) : المن ما يوزن به ، يقال من ومنان وأمنان وربما أبدل من إحدى النونين ألف فقيل منا وأمناء ، ويقال لما يقدر ممنون كما يقال موزون ، والمنة النعمة الثقيلة ويقال ذلك على وجهين : أحدهما : أن يكون ذلك بالفعل فيقال من فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ - كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ - وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ - يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ - وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا وذلك على الحقيقة لا يكون إلا للَّه تعالى. والثاني : أن يكون ذلك بالقول وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة ، ولقبح ذلك قبل المنة تهدم الصنيعة ، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل إذا كفرت النعمة حسنت المنة. وقوله : يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ فالمنة منهم بالقول ومنة اللَّه عليهم بالفعل وهو هدايته إياهم كما ذكر ، وقوله : فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً فالمن إشارة إلى الإطلاق بلا عوض. وقوله : هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ أي أنفقه وقوله : وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ فقد قيل هو المنة بالقول وذلك أن يمتن به ويستكثره ، وقيل معناه لا تعط مبتغيا به أكثر منه ، وقوله : لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ قيل غير معدود كما قال : بِغَيْرِ حِسابٍ وقيل غير مقطوع ولا منقوص. ومنه قيل المنون للمنية لأنها تنقص العدد وتقطع المدد.
و قيل إن المنة التي بالقول هى من هذا لأنها تقطع النعمة وتقتضى قطع الشر ، وأما المن فى قوله : وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى فقد قيل المن شىء كالطل فيه حلاوة يسقط على الشجر ، والسلوى طائر وقيل المن والسلوى كلاهما إشارة إلى ما أنعم اللَّه به عليهم وهما بالذات شىء واحد ولكن سماه منا بحيث إنه امتن به عليهم ، وسماه

(1/3637)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 537
سلوى من حيث إنه كان لهم به التسلي. و«من» عبارة عن الناطقين ولا يعبر به عن غير الناطقين إلا إذا جمع بينهم وبين غيرهم كقولك : رأيت من فى الدار من الناس والبهائم ، أو يكون تفصيلا لجملة يدخل فيهم الناطقون كقوله تعالى :
فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي الآية ولا يعبر به عن غير الناطقين إذا انفرد ولهذا قال بعض المحدثين فى صفة أغنام نفى عنهم الإنسانية : تخطىء إذا جئت فى استفهامها بمن تنبيها أنهم حيوان أو دون الحيوان. ويعبر به عن الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، قال : وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ وفى أخرى : مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وقال : وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ.
(من) : لابتداء الغاية وللتبعيض وللتبيين ، وتكون لا ستغراق الجنس فى النفي والاستفهام نحو قوله : فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ والبدل نحو خذ هذا من ذلك أي بدله : إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ فمن اقتضى التبعيض فإنه كان نزل فيه بعض ذريته ، وقوله : مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ قال : تقديره أنه ينزل من السماء جبالا ، فمن الأولى ظرف والثانية فى موضع المفعول والثالثة للتبيين كقولك : عنده جبال من مال. وقيل يحتمل أن يكون قوله من جبال نصبا على الظرف على أنه ينزل منه ، وقوله : مِنْ بَرَدٍ نصب أي ينزل من السماء من جبال فيها بردا ، وقيل يصح أن يكون موضع من فى قوله «من برد» رفعا ، و«من جبال» نصبا على أنه مفعول به ، كأنه فى التقدير وينزل من السماء جبالا فيها برد ويكون الجبال على هذا تعظيما وتكثيرا لما نزل من السماء. وقوله : فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ قال أبو الحسن : من زائدة ، والصحيح أن تلك ليست بزائدة لأن بعض ما يمسكن لا يجوز أكله كالدم والغدد وما فيها من القاذورات المنهي عن تناولها.
(منع) : المنع يقال فى ضد العطية ، يقال رجل مانع ومناع أي بخيل ، قال اللَّه تعالى : وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ وقال : مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ ، ويقال فى الحماية ومنه مكان منيع وقد منع ، وفلان ذو منعة أي عزيز ممتنع على من يرومه ، قال : أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ - وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ - ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ أي ما حملك وقيل ما الذي صدك وحملك على ترك ذلك؟ يقال امرأة منيعة كناية عن العفيفة وقيل مناع أي امنع كقولهم نزال أي انزل.

(1/3638)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 538
(منى) : المنى التقدير ، يقال منى لك المانى أي قدر لك المقدر ، ومنه المنا الذي يوزن به فيما قيل ، والمنى الذي قدر به الحيوانات ، قال تعالى : أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى - مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى أي تقدر بالعزة الإلهية ما لم يكن منه ، ومنه المنية وهو الأجل المقدر للحيوان وجمعه منايا ، والتمني تقدير شىء فى النفس وتصويره فيها وذلك قد يكون عن تخمين وظن ، ويكون عن روية وبناء على أصل ، لكن لما كان أكثره عن تخمين صار الكذب له أملك ، فأكثر التمني تصور ما لا حقيقة له. قال تعالى : أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى - فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ - وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً والأمنية الصورة الحاصلة فى النفس من تمنى الشيء ، ولما كان الكذب تصور ما لا حقيقة له وإيراده باللفظ صار التمني كالمبدأ للكذب فصح أن يعبر عن الكذب بالتمني ، وعلى ذلك ما روى عن عثمان رضى اللَّه عنه : ما تغنيت ولا تمنيت منذ أسلمت. وقوله تعالى : وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ قال مجاهد : معناه إلا كذبا ، وقال غيره إلا تلاوة مجردة عن المعرفة من حيث إن التلاوة بلا معرفة المعنى تجرى عند صاحبها مجرى أمنية تمنيتها على التخمين ، وقوله تعالى : وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ أي فى تلاوته ، فقد تقدم أن التمني كما يكون عن تخمين وظن فقد يكون عن روية وبناء على أصل ، ولما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كثيرا ما كان يبادر إلى ما نزل به الروح الأمين على قلبه حتى قيل له : لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ الآية.
ولا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
سمى تلاوته على ذلك تمنيا ونبه أن للشيطان تسلطا على مثله فى أمنيته وذلك من حيث بين أن العجلة من الشيطان ومنيتنى كذا : جعلت لى أمنيته بما شبهت لى ، قال تعالى مخبرا عنه : وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ.
(مهد) : المهد ما تهيىء للصبى ، قال تعالى : كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا والمهد والمهاد المكان الممهد الموطأ ، قال : الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً - و - مِهاداً وذلك مثل قوله تعالى : الْأَرْضَ فِراشاً ومهدت لكم كذا هيأته وسويته ، قال تعالى : وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً وامتهد السنام أي تسوى فصار كمهاد أو مهد.
(مهل) : المهل التؤدة والسكون ، يقال مهل فى فعله وعمل فى مهلة ، ويقال مهلا ، نحو رفقا ، وقد مهلته إذا قلت له مهلا وأمهلته رفقت به ، قال :
فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً والمهل دردى الزيت قال : كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ.

(1/3639)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 539
(موت) : أنواع الموت بحسب أنواع الحياة ، فالأول ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة فى الإنسان والحيوانات والنبات نحو قوله : يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها - أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً الثاني زوال القوة الحاسة ، قال تعالى : يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا - أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا الثالث : زوال القوة العاقلة وهى الجهالة نحو قوله : أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وإياه قصد بقوله : إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى الرابع : الحزن المكدر للحياة وإياه قصد بقوله : وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ الخامس المنام فقيل النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل وعلى هذا النحو سماهما اللَّه تعالى توفيا فقال : وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ - اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها وقوله :
وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ فقد قيل نفى الموت هو عن أرواحهم فإنه نبه على تنعمهم ، وقيل نفى عنهم الحزن المذكور فى قوله :
وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وقوله : كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ فعبارة عن زوال القوة الحيوانية وإبانة الروح عن الجسد وقوله : إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ فقد قيل معناه ستموت تنبيها أنه لا بد لأحد من الموت كما قيل :
و الموت حتم فى رقاب العباد
و قيل بل الميت هاهنا ليس بإشارة إلى إبانة الروح عن الجسد بل هو إشارة إلى ما يعترى الإنسان فى كل حال من التحلل والنقص فإن البشر مادام فى الدنيا يموت جزءا فجزءا كما قال الشاعر :
يموت جزءا فجزءا
و قد عبر قوم عن هذا المعنى بالمائت وفصلوا بين الميت والمائت فقالوا المائت هو المتحلل ، قال القاضي على بن عبد العزيز : ليس فى لغتنا مائت على حسب ما قالوه ، والميت مخفف عن الميت وإنما يقال موت مائت كقولك شعر شاعر وسيل سائل ، ويقال بلد ميت وميت قال تعالى : سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ - بَلْدَةً مَيْتاً والميتة من الحيوان ما زال روحه بغير تذكية ، قال : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ - إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً والموتان بإزاء الحيوان وهى الأرض التي لم تحي للزرع ، وأرض موات. ووقع فى الإبل موتان كثير وناقة مميتة ومميت مات ولدها وإماتة الخمر كناية عن طبخها ، والمستميت المتعرض للموت ، قال الشاعر :
فأعطيت الجعالة مستميتا

(1/3640)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 540
و الموتة شبه الجنون كأنه من موت العلم والعقل ومنه رجل موتان القلب وامرأة موتانة.
(موج) : الموج فى البحر ما يعلو من غوارب الماء ، قال تعالى : فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ - يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ وماج كذا يموج وتموج تموجا اضطرب اضطراب الموج ، قال : وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ.
(ميد) : الميد : اضطراب الشيء العظيم كاضطراب الأرض ، قال تعالى : أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ - أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ ومادت الأغصان تميد ، وقيل الميدان فى قول الشاعر :
نعيما وميدانا من العيش أخضرا
و قيل هو الممتد من العيش ، وميدان الدابة منه والمائدة الطبق الذي عليه الطعام ، ويقال لكل واحدة منها مائدة ، ويقال مادنى يميدنى أي أطعمنى ، وقيل يعشينى ، وقوله : أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قيل استدعوا طعاما ، وقيل استدعوا علما ، وسماه مائدة من حيث أن العلم غذاء القلوب كما أن الطعام غذاء الأبدان.
(مور) : المور الجريان السريع ، يقال مار يمور مورا ، قال تعالى :
يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً ومار الدم على وجهه ، والمور التراب المتردد به الريح ، وناقة تمور فى سيرها فهى موارة.
(مير) : الميرة الطعام يمتاره الإنسان ، يقال مار أهله يميرهم ، قال تعالى :
وَ نَمِيرُ أَهْلَنا والخيرة والميرة يتقاربان.
(ميز) : الميز والتمييز الفصل بين المتشابهات يقال مازه يميزه ميزا وميزه تمييزا ، قال تعالى : لِيَمِيزَ اللَّهُ وقرىء : (ليميز الخبيث من الطيب) والتمييز يقال تارة للفصل وتارة للقوة التي فى الدماغ ، وبها تستنبط المعاني ، ومنه يقال فلان لا تمييز له ، ويقال انماز وامتاز ، قال : وَامْتازُوا الْيَوْمَ وتميز كذا مطاوع ماز أي انفصل وانقطع ، قال : تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ.
(ميل) : الميل العدول عن الوسط إلى أحد الجانبين ، ويستعمل فى الجور ، وإذا استعمل فى الأجسام فإنه يقال فيما كان خلقة ميل ، وفيما كان عرضا ميل ، يقال ملت إلى فلان إذا عاونته ، قال : فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ

(1/3641)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 541
و ملت عليه تحاملت عليه ، قالت تعالى : فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً والمال سمى بذلك لكونه مائلا أبدا وزائلا ، ولذلك سمى عرضا ، وعلى هذا دل قول من قال : المال قحبة تكون يوما فى بيت عطار ويوما فى بيت بيطار.
(مائة) : المائة : الثالثة من أصول الأعداد ، وذلك أن أصول الأعداد أربعة : آحاد ، وعشرات ، ومئات ، وألوف ، قال تعالى : فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ - وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ومائة آخرها محذوف ، يقال أمأيت الدراهم فامأت هى أي صارت ذات مائة.
(ماء) : قال تعالى : وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ - ماءً طَهُوراً ويقال ماه بنى فلان ، وأصل ماء موه بدلالة قولهم فى جمعه أمواه ومياه فى تصغي
(ما) : فى كلامهم عشرة خمس
ده يكون مفعولا تقديره أن يضرب مثلا بعوضة. الثالث : الاستفهام ويسأل به عن جنس ذات الشيء ونوعه وعن جنس صفات الشيء ونوعه ، وقد يسأل به عن الأشخاص والأعيان فى غير الناطقين. وقال بعض النحويين : وقد يعبر به عن الأشخاص الناطقين كقوله : إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ - إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وقال الخليل : ما استفهام أي أىّ شىء تدعون من دون اللَّه؟ وإنما جعله كذلك لأن ما هذه لا تدخل إلا فى المبتدأ والاستفهام الواقع آخرا نحو قوله : ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ الآية. ونحو ما تضرب أضرب. الخامس : التعجب نحو قوله : فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ.

(1/3642)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 542
و أما الحروف :
فالأول : أن يكون ما بعده بمنزلة المصدر كأن الناصبة للفعل المستقبل نحو قوله تعالى : وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فإن ما مع رزق فى تقدير الرزق والدلالة على أنه مثل أن أنه لا يعود إليه ضمير لا ملفوظ به ولا مقدر فيه ، وعلى هذا حمل قوله : بِما كانُوا يَكْذِبُونَ وعلى هذا قولهم أتانى القوم ما عدا زيدا ، وعلى هذا إذا كان فى تقدير ظرف نحو قوله تعالى : كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ - كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ - كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً وأما قوله :
فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ فيصح أن يكون مصدرا وأن يكون بمعنى الذي. واعلم أن ما إذا كان مع ما بعدها فى تقدير المصدر لم يكن إلا حرفا لأنه لو كان اسما لعاد إليه ضمير ، وكذلك قولك أريد أن أخرج ، فإنه لا عائد من الضمير إلى أن ، ولا ضمير لها بعده.
الثاني : للنفى وأهل الحجاز يعملونه بشرط نحو قوله : ما هذا بَشَراً.
الثالث : الكافة وهى الداخلة على أن وأخواتها ورب ونحو ذلك والفعل.
نحو قوله : إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ - إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً - كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وعلى ذلك «ما» فى قوله : رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وعلى ذلك قلما وطالما فيما حكى.
الرابع : المسلطة وهى التي تجعل اللفظ متسلطا بالعمل بعد أن لم يكن عاملا نحو : «ما» فى إذما وحيثما لأنك تقول إذ ما تفعل أفعل ، وحيثما تقعد أقعد ، فإذ وحيث لا يعملان بمجردهما فى الشرط ويعملان عند دخول «ما» عليهما.
الخامس : الزائدة لتوكيد اللفظ فى قولهم إذا ما فعلت كذا ، وقولهم إما تخرج أخرج قال تعالى : فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً ، وقوله : إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما.

(1/3643)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 543
النون
(نبت) : النبت والنبات ما يخرج من الأرض من الناميات سواء كان له ساق كالشجر أو لم يكن له ساق كالنجم ، لكن اختص فى المتعارف بما لا ساق له بل قد اختص عند العامة بما يأكله الحيوان ، وعلى هذا قوله : لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً ومتى اعتبرت الحقائق فإنه يستعمل فى كل نام نباتا كان أو حيوانا أو إنسانا ، والإنبات يستعمل فى كل ذلك. قال تعالى : فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً ، وَفاكِهَةً وَأَبًّا - فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها - يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وقوله : وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً فقال النحويون : قوله نباتا موضوع موضع الإنبات وهو مصدر وقال غيرهم قوله نباتا حال لا مصدر ، ونبه بذلك أن الإنسان هو من وجه نبات من حيث إن بدأه ونشأه من التراب ، وإنه ينمو نموه وإن كان له وصف زائد على إنبات وعلى هذا نبه بقوله : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ وعلى ذلك قوله : وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وقوله : تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ الباء للحال لا للتعدية لأن نبت متعد تقديره تنبت حاملة للدهن أي تنبت والدهن موجود فيها بالقوة ، ويقال إن بنى فلان لنابتة شر ، ونبتت فيهم نابتة أي نشأ فيهم نشء صغار.
(نبذ) : النبذ إلقاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به ولذلك يقال نبذته نبذ النعل الخلق ، قال تعالى : لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ - فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ لقلة اعتدادهم به وقال تعالى : نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ أي طرحوه لقلة اعتدادهم به وقال : فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ - فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ - لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وقوله : فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ فمعناه ألق إليهم السلم ، واستعمال النبذ فى ذلك كاستعمال الإلقاء كقوله : فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ - وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ تنبيها أن لا يؤكد العقد معهم بل حقهم أن يطرح ذلك إليهم طرحا مستحثا به على سبيل المجاملة ، وأن يراعيهم حسب مراعاتهم له ويعاهدهم على قدر ما عاهدوه ، وانتبذ فلان اعتزل اعتزال من لا يقل مبالاته بنفسه فيما بين الناس ، قال تعالى : فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا وقعد نبذة ونبذة أي ناحية معتزلة ، وصبى منبوذ ونبيذ كقولك ملقوط ولقيط لكن يقال منبوذ اعتبارا

(1/3644)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 544
بمن طرحه وملقوط ولقيط اعتبارا بمن تناوله ، والنبيذ التمر والزبيب الملقى مع الماء فى الإناء ثم صار اسما للشراب المخصوص.
(نبز) : النبز التلقيب قال تعالى : وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ.
(نبط) : قال تعالى : وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ أي يستخرجونه منهم وهو استفعال من أنبطت كذا ، والنبط الماء المستنبط وفرس أنبط أبيض تحت الإبط ، ومنه النبط المعروفون.
(نبع) : النبع خروج الماء من العين ، يقال نبع الماء ينبع نبوعا ونبعا ، والينبوع العين الذي يخرج منه الماء وجمعه ينابيع ، قال تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ والنبع شجر يتخذ منه القسي.
(نبأ) : النبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن ، ولا يقال للخبر فى الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة ، وحق الخبر الذي يقال فيه نبأ أن يتعرى عن الكذب كالتواتر وخبر اللَّه تعالى وخبر النبي عليه الصلاة والسلام ، ولتضمن النبأ معنى الخبر. يقال أنبأته بكذا كقولك أخبرته بكذا ، ولتضمنه معنى العلم قيل أنبأته كذا كقولك أعلمته كذا ، قال اللَّه تعالى : قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ وقال : عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ - أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وقال : تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ وقال : تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وقال :
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ وقوله : إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا فتنبيه أنه إذا كان الخبر شيئا عظيما له قدر فحقه أن يتوقف فيه وإن علم وغلب صحته على الظن حتى يعاد النظر فيه ويتبين فضل تبين ، يقال نبأته وأنبأته ، قال تعالى : أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وقال : أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ وقال : نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ - وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ وقال : أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ - قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ وقال : نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ - قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ ونبأته أبلغ من أنبأته ، فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا - يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
و يدل على ذلك قوله : فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ

(1/3645)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 545
و لم يقل أنبأنى بل عدل إلى نبأ الذي هو أبلغ تنبيها على تحقيقه وكونه من قبل اللَّه. وكذا قوله : قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ - فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ والنبوة سفارة بين اللَّه وبين ذوى العقول من عباده لإزاحة علتهم فى أمر معادهم ومعاشهم والنبي لكونه منبئا بما تسكن إليه العقول الذكية. وهو يصح أن يكون فعيلا بمعنى فاعل لقوله تعالى : نَبِّئْ عِبادِي - قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ وأن يكون بمعنى المفعول لقوله تعالى : نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ وتنبأ فلان ادعى النبوة ، وكان من حق لفظه في وضع اللغة أن يصح استعماله في النبي إذ هو مطاوع نبأ كقوله زينه فتزين ، وحلاه فتحلى ، وجمله فتجمل ، لكن لما تعورف فيمن يدعى النبوة كذبا جنب استعماله فى المحق ولم يستعمل إلا في المتقول فى دعواه كقولك تنبأ مسيلمة ، ويقال فى تصغير نبىء : مسيلمة نبيىء سوء ، تنبيها أن أخباره ليست من أخبار اللَّه تعالى ، كما قال رجل سمع كلامه : واللَّه ما خرج هذا الكلام من ألّ أي اللَّه. والنبأة الصوت الخفي.
(نبى) : النبي بغير همز فقد قال النحويون أصله الهمز فترك همزه ، واستدلوا بقولهم : مسيلمة نبيىء سوء ، وقال بعض العلماء : هو من النبوة أي الرفعة ، وسمى نبيّا لرفعة محله عن سائر الناس المدلول عليه بقوله تعالى :
وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا فالنبى بغير الهمز أبلغ من النبىء بالهمز لأنه ليس كل منبأ رفيع القدر والمحل ، ولذلك
قال عليه الصلاة والسلام لمن قال : يا نبىء اللَّه فقال : «لست بنبىء اللَّه ولكن نبى اللَّه»
لما رأى أن الرجل خاطبه بالهمز لبغض منه. والنبوة والنباوة الارتفاع ، ومنه قيل نبا بفلان مكانه كقولهم قض عليه مضجعه ، ونبا السيف عن الضريبة إذا ارتد عنه ولم يمض فيه ، ونبا بصره عن كذا تشبيها بذلك.
(نتق) : نتق الشيء جذبه ونزعه حتى يسترخى كنتق عرى الحمل ، قال تعالى : وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ ومنه استعير امرأة ناتق إذا كثر ولدها ، وقيل زند ناتق : وار ، تشبيها بالمرأة الناتق.
(نثر) : نثر الشيء نشره وتفريقه ، يقال نثرته فانتثر ، قال تعالى :
وَ إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ ويسمى الدرع إذا لبس نثرة ، ونثرت الشاة طرحت من أنفها الأذى ، والنثرة ما يسيل من الأنف ، وقد تسمى الأنف نثرة ، ومنه

(1/3646)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 546
النثرة لنجم يقال له أن الأسد ، وطعنه فأنثره ألقاه على أنفه ، والاستنثار جعل الماء فى النثرة.
(نجد) : النجد المكان الغليظ الرفيع ، وقوله تعالى : وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ فذلك مثل لطريقى الحق والباطل فى الاعتقاد والصدق والكذب فى المقال ، والجميل والقبيح فى الفعال ، وبين أنه عرفهما كقوله تعالى : إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ الآية ، والنجد اسم صقع وأنجده قصده ، ورجل نجد ونجيد ونجد أي قوى شديد بين النجدة ، واستنجدته طلبت نجدته فأنجدنى أي أعاننى بنجدته أي شجاعته وقوته ، وربما قيل استنجد فلان أي قوى ، وقيل للمكروب والمغلوب منجود كأنه ناله نجدة أي شدة والنجد العرق ونجده الدهر أي قواه وشدده وذلك بما رأى فيه من التجربة ، ومنه قيل فلان ابن نجدة كذا ، والنجاد ما يرفع به البيت ، والنجّاد متخذه ، ونجاد السيف ما يرفع به من السير ، والناجود الراووق وهو شىء يعلق فيصفى به الشراب.
(نجس) : النجاسة القذارة وذلك ضربان : ضرب يدرك بالحاسة وضرب يدرك بالبصيرة ، والثاني وصف اللَّه تعالى به المشركين فقال : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ويقال نجسه أي جعله نجسا ، ونجسه أيضا أزال نجسه ومنه تنجيس العرب وهو شىء كانوا يفعلونه من تعليق عوذة على الصبى ليدفعوا عنه نجاسة الشيطان ، والناجس والنجيس داء خبيث لا دواء له.
(نجم) : أصل النجم الكوكب الطالع وجمعه نجوم ، ونجم طلع نجوما ونجما. فصار النجم مرة اسما ومرة مصدرا ، فالنجوم مرة اسما كالقلوب والجيوب ، ومرة مصدرا كالطلوع والغروب ، ومنه شبه به طلوع النبات والرأى فقيل نجم النبت والقرن ، ونجم لى رأى نجما ونجوما ، ونجم فلان على السلطان صار عاصيا ، ونجمت المال عليه إذا وزعته كأنك فرضت أن يدفع عند طلوع كل نجم نصيبا ثم صار متعارفا فى تقدير دفعه بأى شىء قدرت ذلك. قال تعالى :
وَ عَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ وقال : فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ أي فى علم النجوم وقوله : وَالنَّجْمِ إِذا هَوى قيل أراد به الكوكب وإنما خص الهوى دون الطلوع فإن لفظة النجم تدل على طلوعه ، وقيل أراد بالنجم الثريا والعرب إذا أطلقت لفظ النجم قصدت به الثريا نحو طلع النجم غذيه وابتغى

(1/3647)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 547
الراعي شكيه. وقيل أراد بذلك القرآن المنجم المنزل قدرا فقدرا ويعنى بقوله هوى نزوله وعلى هذا قوله : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ فقد فسر على الوجهين ، والتنجم الحكم بالنجوم وقوله : وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ فالنجم ما لا ساق له من النبات وقيل أراد الكواكب.
(نجو) : أصل النجاء الانفصال من الشيء ومنه نجا فلان من فلان وأنجيته ونجيته ، قال تعالى : وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وقال : إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ - وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ - فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ - فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ - فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا - وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما - نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ نِعْمَةً - وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا - وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ - ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا - ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا والنجوة والنجاة المكان المرتفع المفصل بارتفاع عما حوله ، وقيل سمى لكونه ناجيا من السيل ، ونجيته تركته بنجوة وعلى هذا قوله : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ونجوت قشر الشجرة وجلد الشاة ولاشتراكهما فى ذلك قال الشاعر :
فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنه سير ضيكما منها سنام وغاربه
و ناجيته أي ساررته ، وأصله أن تخلو به فى نجوة من الأرض وقيل أصله من النجاة وهو أن تعاونه على ما فيه خلاصه أو أن تنجو بسرك من أن يطلع عليك ، وتناجى القوم ، قال تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى - إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً والنجوى أصله المصدر ، قال تعالى : إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ وقال : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى وقوله : وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا تنبيها أنهم لم يظهروا بوجه لأن النجوى ربما تظهر بعد. وقال : ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وقد يوصف بالنجوى فيقال هو نجوى ، وهم نجوى قال : وَإِذْ هُمْ نَجْوى والنجى المناجى ويقال للواحد والجمع ، قال : وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا وقال : فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا وانتجيت فلانا استخلصته لسرى وأنجى فلان أتى نجوة ، وهم فى أرض مستنجى من شجرها العصى والقسي أي يتخذ ويستخلص ، والنجا عيدان قد قشرت ، قال

(1/3648)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 548
بعضهم يقال نجوت فلانا استنكهته واحتج بقول الشاعر :
نجوت مجالدا فوجدت منه كريح الكلب مات حديث عهد
فإن يكن حمل نجوت على هذا المعنى من أجل هذا البيت فليس فى البيت حجة له ، وإنما أراد أنى ساررته فوجدت من بخره ريح الكلب الميت. وكنى عما يخرج من الإنسان بالنجو وقيل شرب دواء فما أنجاه أي ما أقامه ، والاستنجاء تحرى إزالة النجو أو طلب نجوة لإلقاء الأذى كقولهم تغوط إذا طلب غائطا من الأرض أو طلب نجوة أي قطعة مدر لإزالة الأذى كقولهم استجمر إذا طلب جمارا أي حجرا ، والنجأة بالهمز الإصابة بالعين.
وفى الحديث : «ادفعوا نجأة السائل باللقمة».
(نحب) : النحب النذر المحكوم بوجوبه ، يقال قضى فلان نحبه أي وفى بنذره ، قال تعالى : فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ويعبر بذلك عمن مات كقولهم قضى أجله واستوفى أكله وقضى من الدنيا حاجته ، والنحيب البكاء الذي معه صوت والنحاب السعال.
(نحت) : نحت الخشب والحجر ونحوهما من الأجسام الصلبة ، قال تعالى : وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ والنحاتة ما يسقط من المنحوت والنحيتة الطبيعية التي نحت عليها الإنسان كما أن الغريزة ما غرز عليها الإنسان.
(نحر) : النحر موضع القلادة من الصدر ونحرته أصبت نحره ، ومنه نحر البعير وقيل فى حرف عبد اللَّه (فنحروها وما كادوا يفعلون) وانتحروا على كذا تقاتلوا تشبيها بنحر البعير ، ونحرة الشهر ونحيره أوله وقيل آخر يوم من الشهر كأنه ينحر الذي قبله ، وقوله تعالى : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ هو حث على مراعاة هذين الركنين وهما الصلاة ونحر الهدى وأنه لا بد من تعاطيهما فذلك واجب فى كل دين وفى كل ملة ، وقيل أمر بوضع اليد على النحر وقيل حث على قتل النفس بقمع الشهوة. والنحرير العالم بالشيء والحاذق به.
(نحس) : قوله تعالى : يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فالنحاس اللهيب بلا دخان وذلك تشبيه فى اللون بالنحاس والنحس ضد السعد ،

(1/3649)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 549
قال تعالى : فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ - فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ وقرىء نحسات بالفتح قيل مشئومات ، وقيل شديدات البرد. وأصل النحس أن يحمر الأفق فيصير كالنحاس أي لهب بلا دخان فصار ذلك مثلا للشؤم.
(نحل) : النحل الحيوان المخصوص ، قال تعالى : وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ والنحلة والنّحلة عطية على سبيل التبرع وهو أخص من الهبة إذ كل هبة نحلة وليس كل نحلة هبة ، واشتقاقه فيما أرى أنه من النحل نظرا منه إلى فعله فكأن نحلته أعطيته عطية النحل ، وذلك ما نبه عليه قوله : وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ الآية وبين الحكماء أن النحل يقع على الأشياء كلها فلا يضرها بوجه وينفع أعظم نفع فإنه يعطى ما فيه الشفاء كما وصفه اللَّه تعالى ، وسمى الصداق بها من حيث إنه لا يجب فى مقابلته أكثر من تمتع دون عوض مالى ، وكذلك عطية الرجل ابنه يقال نحل ابنه كذا وأنحله ومنه نحلت المرأة ، قال تعالى : صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً والانتحال ادعاء الشيء وتناوله ومنه يقال فلان ينتحل الشعر ونحل جسمه نحولا صار فى الدقة كالنحل ومنه النواحل للسيوف أي الرقاق الظبات تصورا لنحولها ويصح أن يجعل النحلة أصلا فيسمى النحل بذلك اعتبارا بفعله واللَّه أعلم.
(نحن) : نحن عبارة عن المتكلم إذا أخبر عن نفسه مع غيره ، وما ورد فى القرآن من إخبار اللَّه تعالى عن نفسه بقوله تعالى : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ فقد قيل هو إخبار عن نفسه وحده لكن يخرج ذلك مخرج الإخبار الملوكي. وقال بعض العلماء إن اللَّه تعالى يذكر مثل هذه الألفاظ إذا كان الفعل المذكور بعده يفعله بواسطة بعض ملائكته أو بعض أوليائه فيكون نحن عبارة عنه تعالى وعنهم وذلك كالوحى ونصرة المؤمنين وإهلاك الكافرين ونحو ذلك مما يتولاه الملائكة المذكورون بقوله تعالى : فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً وعلى هذا قوله : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ يعنى وقت المحتضر حين يشهده الرسل المذكورون فى قوله :
تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ وقوله : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ لما كان بواسطة القلم واللوح وجبريل.
(نخر) : قال تعالى : أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً من قولهم نخرت الشجرة أي بليت فهبت بها نخرة الريح أي هبوبها والنخير صوت من الأنف ويسمى

(1/3650)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 550
حرفا الأنف اللذان يخرج منهما النخير نخرتاه ومنخراه ، والنخور الناقة التي لا تدر أو يدخل الإصبع فى منخرها ، والناخر من يخرج منه النخير ومنه ما بالدار ناخر.
(نخل) : النخل معروف ، وقد يستعمل فى الواحد والجمع ، قال تعالى : كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ وقال : كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ - وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ - وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ وجمعه نخيل ، قال :
وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ والنخل نخل الدقيق بالمنخل وانتخلت الشيء انتقيته فأخذت خياره.
(ندد) : نديد الشيء مشاركه فى جوهره وذلك ضرب من المماثلة فإن المثل يقال فى أي مشاركة كانت ، فكل ند مثل وليس كل مثل ندا ، ويقال نده ونديده ونديدته ، قال : فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً - وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً - وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً وقرىء : يَوْمَ التَّنادِ أي يند بعضهم من بعض نحو : يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ.
(ندم) : الندم والندامة التحسر من تغير رأى فى أمر فائت ، قال تعالى :
فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ وقال : عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ وأصله من منادمة الحزن له. والنديم والندمان والمنادم يتقارب. قال بعضهم : المندامة والمداومة يتقاربان. وقال بعضهم : الشريبان سميا نديمين لما يتعقب أحوالهما من الندامة على فعليهما.
(ندا) : النداء رفع الصوت وظهوره ، وقد يقال ذلك للصوت المجرد وإياه قصد بقوله تعالى : وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً أي لا يعرف إلا الصوت المجرد دون المعنى الذي يقتضيه تركيب الكلام. ويقال للمركب الذي يفهم منه المعنى ذلك ، قال تعالى : وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى وقوله : وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ أي دعوتم وكذلك : إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ونداء الصلاة مخصوص فى الشرع بالألفاظ المعروفة وقوله : أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ فاستعمال النداء فيهم تنبيها على بعدهم عن الحق فى قوله : وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ - وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وقال : فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ وقوله : إِذْ

(1/3651)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 551
نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا فإنه أشار بالنداء إلى اللَّه تعالى لأنه تصور نفسه بعيدا منه بذنوبه وأحواله السيئة كما يكون حال من يخاف عذابه ، وقوله : رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ فالإشارة بالمنادى إلى العقل والكتاب المنزل والرسول المرسل وسائر الآيات الدالة على وجوب الإيمان باللَّه تعالى. وجعله مناديا إلى الإيمان لظهوره ظهور النداء وحثه على ذلك كحث المنادى. وأصل النداء من الندى أي الرطوبة ، يقال صوت ندى رفيع ، واستعارة النداء للصوت من حيث أن من يكثر رطوبة فمه حسن كلامه ولهذا يوصف الفصيح بكثرة الريق ، ويقال ندى وأنداء وأندية ، ويسمى الشجر ندى لكونه منه وذلك لتسمية المسبب باسم سببه وقول الشاعر :
كالكرم إذ نادى من الكافور
أي ظهر ظهور صوت المنادى وعبر عن المجالسة بالنداء حتى قيل للمجلس النادي والمنتدى والندى وقيل ذلك للجليس ، قال فَلْيَدْعُ نادِيَهُ ومنه سميت دار الندوة بمكة وهو المكان الذي كانوا يجتمعون فيه. ويعبر عن السخاء بالندى فيقال فلان أندى كفا من فلان وهو يتندى على أصحابه أي يتسخى ، وما نديت بشىء من فلان أي ما نلت منه ندى ، ومنديات الكلم المخزيات التي تعرف.
(نذر) : النذر أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر ، يقال نذرت للَّه أمرا ، قال تعالى : إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً وقال وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ والإنذار إخبار فيه تخويف كما أن التبشير إخبار فيه سرور ، قال : فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى - أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ - وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ - وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ - لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ - لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ والنذير المنذر ويقع على كل شىء فيه إنذار إنسانا كان أو غيره إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ - إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ - وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ - وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ - نَذِيراً لِلْبَشَرِ والنذر جمعه ، قال : هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى أي من جنس ما أنذر به الذين تقدموا قال : كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ - وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ - فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ وقد نذرت أي علمت ذلك وحذرت.

(1/3652)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 552
(نزع) : نزع الشيء جذبه من مقره كنزع القوس عن كبده ويستعمل ذلك فى الأعراض ، ومنه نزع العداوة والمحبة من القلب ، قال تعالى : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ وانتزعت آية من القرآن فى كذا ونزع فلان كذا أي سلب قال : تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وقوله : وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً قيل هى الملائكة التي تنزع الأرواح عن الأشباح ، وقوله : إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ وقوله : تَنْزِعُ النَّاسَ قيل تقلع الناس من مقرهم لشدة هبوبها. وقيل تنزع أرواحهم من أبدانهم ، والتنازع والمنازعة المجاذبة ويعبر بهما عن المخاصمة والمجادلة ، قال : فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ - فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ والنزع عن الشيء الكف عنه والنزوع الاشتياق الشديد ، وذلك هو المعبر عنه بإمحال النفس مع الحبيب ، ونازعتنى نفسى إلى كذا وأنزع القوم نزعت إبلهم إلى مواطنهم أي حنت ، ورجل أنزع زال عنه شعر رأسه كأنه نزع عنه ففارق ، والنزعة الموضع من رأس الأنزع ويقال امرأة زعراء ولا يقال نزعاء ، وبئر نزوع قريبة القعر ينزع منها باليد ، وشراب طيب المنزعة أي المقطع إذا شرب كما قال : خِتامُهُ مِسْكٌ.
(نزغ) : النزغ دخول فى أمر لإفساده ، قال : مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي.
(نزف) : نزف الماء نزحه كله من البئر شيئا بعد شىء ، وبئر نزوف نزف ماؤه ، والنزفة الغرفة والجمع النزف ، ونزف دمه أو دمعه أي نزع كله ومنه قيل سكران نزيف نزف فهمه بسكره ، قال تعالى : لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ وقرىء : يُنْزَفُونَ من قولهم أنزفوا إذا نزف شرابهم أو نزعت عقولهم وأصله من قولهم أنزفوا أي نزف ماء بئرهم ، وأنزفت الشيء أبلغ من نزفته ، ونزف الرجل فى الخصومة انقطعت حجته وفى مثل : هو أجبن من المنزوف ضرطا.
(نزل) : النزول فى الأصل هو انحطاط من علو ، يقال نزل عن دابته ونزل فى مكان كذا حط رحله فيه ، وأنزله غيره ، قال : أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ونزل بكذا وأنزله بمعنى ، وإنزال اللَّه تعالى نعمه ونقمه على الخلق وإعطاؤهم إياها وذلك إما بإنزال الشيء نفسه كإنزال القرآن وإما بإنزال

(1/3653)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 553
أسبابه والهداية إليه كإنزال الحديد واللباس ، ونحو ذلك ، قال : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ - اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ - وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ - وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ - وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ - وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً - وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً - أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ - أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ - أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ومن إنزال العذاب قوله : إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ والفرق بين الإنزال والتنزيل فى وصف القرآن والملائكة أن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرقا ومرة بعد أخرى ، والإنزال عام ، فمما ذكر فيه التنزيل قوله : نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ وقرىء نزل وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا - إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ - لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ - وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ - ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ - وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها - لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ - فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ - فإنما ذكر فى الأول نزل وفى الثاني أنزل تنبيها أن المنافقين يقترحون أن ينزل شىء فشىء من الحث على القتال ليتولوه وإذا أمروا بذلك مرة واحدة تحاشوا منه فلم يفعلوه فهم يقترحون الكثير ولا يفون منه بالقليل.
و قوله : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ - شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ - إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وإنما خص لفظ الإنزال دون التنزيل ، لما روى أن القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا ، ثم نزل نجما فنجما. وقوله : الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ فخص لفظ الإنزال ليكون أعم ، فقد تقدم أن الإنزال أعم من التنزيل ، قال : لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ ولم يقل لو نزلنا تنبيها أنا لو خولناه مرة ما خولناك مرارا لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً. وقوله : قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ فقد قيل أراد بإنزال الذكر هاهنا بعثة النبي عليه الصلاة والسلام وسماه ذكرا كما سمى عيسى عليه السلام كلمة ، فعلى هذا يكون قوله رسولا بدلا من قوله ذكرا ، وقيل بلى أراد إنزال ذكره فيكون رسولا مفعولا لقوله ذكرا أي ذكرا رسولا وأما التنزل فهو كالنزول به ، يقال نزل الملك بكذا وتنزل ولا يقال نزل اللَّه بكذا ولا تنزل ، قال : نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ وقال : تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ - وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ - يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ولا يقال فى المفترى والكذب وما كان من الشيطان إلا التنزل وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ

(1/3654)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 554
الشَّياطِينُ
- عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ الآية. والنزل ما يعد للنازل من الزاد ، قال : فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا وقال : نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وقال فى صفة أهل النار : لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ إلى قوله : هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ - فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وأنزلت فلانا أضفته. ويعبر بالنازلة عن الشدة وجمعها نوازل ، والنزال فى الحرب المنازلة ، ونزل فلان إذا أتى منى ، قال الشاعر :
أ نازلة أسماء أم غير نازلة
و النزالة والنزل يكنى بهما عن ماء الرجل إذا خرج عنه ، وطعام نزل وذو نزول له ريع وحظ ، ونزل مجتمع تشبيها بالطعام النزل.
(نسب) : النسب والنسبة اشتراك من جهة أحد الأبوين وذلك ضربان : نسب بالطول كالاشتراك من الآباء والأبناء ، ونسب بالعرض كالنسبة بين بنى الإخوة وبنى الأعمام قال : فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وقيل : فلان نسيب فلان : أي قريبه ، وتستعمل النسبة فى مقدارين متجانسين بعض التجانس يختص كل واحد منهما بالآخر ، ومنه النسيب وهو الانتساب فى الشعر إلى المرأة بذكر العشق ، يقال نسب الشاعر بالمرأة نسبا ونسيبا.
(نسخ) : النسخ إزالة شىء بشىء يتعقبه كنسخ الشمس الظل ، والظل الشمس ، والشيب الشباب. فتارة يفهم منه الإزالة وتارة يفهم منه الإثبات ، وتارة يفهم منه الأمران. ونسخ الكتاب إزالة الحكم بحكم يتعقبه ، قال تعالى :
ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها قيل معناه ما نزيل العمل بها أو نحذفها عن قلوب العباد ، وقيل معناه ما نوجده وننزله من قوله نسخت الكتاب ، وما ننسؤه أي نؤخره فلم ننزله ، فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ونسخ الكتاب نقل صورته المجردة إلى كتاب آخر ، وذلك لا يقتضى إزالة الصورة الأولى بل يقتضى إثبات مثلها فى مادة أخرى كاتخاذ نقش الخاتم فى شموع كثيرة ، والاستنساخ التقدم بنسخ الشيء والترشح للنسخ وقد يعبر بالنسخ عن الاستنساخ ، قال : إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ والمناسخة فى الميراث هو أن يموت ورثة بعد ورثة والميراث قائم لم يقسم ، وتناسخ الأزمنة والقرون مضى قوم بعد قوم يخلفهم. والقائلون بالتناسخ قوم ينكرون البعث على ما أثبتته الشريعة ، ويزعمون أن الأرواح تنتقل إلى الأجسام على التأبيد.

(1/3655)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 555
(نسر) : اسم صنم فى قوله : وَنَسْراً والنسر طائر ومصدر نسر الطائر الشيء بمنسره أي نقره ، ونسر الحافر لحمة ناتئة تشبيها به ، والنسران نجمان طائر وواقع ، ونسرت كذا تناولته قليلا قليلا ، تناول الطائر الشيء بمنسره.
(نسف) : نسفت الريح الشيء اقتلعته وأزالته ، يقال نسفته وانتسفته ، قال يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً ونسف البعير الأرض بمقدم رجله إذا رمى بترابه ، يقال ناقة نسوف ، قال تعالى : ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً أي نطرحه فيه طرح النسافة وهى ما تثور من غبار الأرض. وتسمى الرغوة نسافة تشبيها بذلك ، وإناء نسفان امتلأ فعلاه نسافة ، وانتسف لونه أي تغير عما كان عليه نساقه كما يقال اغبر وجهه والنسفة حجارة ينسف بها الوسخ عن القدم ، وكلام نسيف أي متغير ضئيل.
(نسك) : النسك العبادة والناسك العابد واختص بأعمال الحج ، والمناسك مواقف النسك وأعمالها ، والنسيكة مختصة بالذبيحة ، قال : فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ - فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ - مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ.
(نسل) : النسل الانفصال عن الشيء ، يقال نسل الوبر عن البعير والقميص عن الإنسان ، قال الشاعر :
فسلى ثيابى عن ثيابك تنسلى
و النسالة ما سقط من الشعر وما يتحات من الريش ، وقد أنسلت الإبل حان أن ينسل وبرها ، ومنه نسل إذا عدا ينسل نسلانا إذا أسرع ، قال : وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ والنسل الولد لكونه ناسلا عن أبيه ، قال : وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وتناسلوا توالدوا ، ويقال أيضا إذا طلبت فضل إنسان فخذ ما نسل لك منه عفوا.
(نسى) : النسيان ترك الإنسان ضبط ما استودع إما لضعف قلبه ، وإما عن غفلة وإما عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره ، يقال نسيته نسيانا ، قال وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً - فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ - فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ - لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ - فَنَسُوا حَظًّا

(1/3656)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 556
مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ
- ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ - سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إخبار وضمان من اللَّه تعالى أنه يجعله بحيث لا ينسى ما يسمعه من الحق ، وكل نسيان من الإنسان ذمه اللَّه تعالى به فهو ما كان أصله عن تعمد وما عذر فيه نحو ما
روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان»
فهو ما لم يكن سببه منه ، وقوله : فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ هو ما كان سببه عن تعمد منهم وتركه على طريق الإهانة ، وإذا نسب ذلك إلى اللَّه فهو تركه إياهم استهانة بهم ومجازاة لما تركوه ، قال : فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا - نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ وقوله : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ فتنبيه أن الإنسان بمعرفته بنفسه يعرف اللَّه ، فنسيانه للَّه هو من نسيانه نفسه ، وقوله تعالى : وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ قال ابن عباس : إذا قلت شيئا ولم تقل إن شاء اللَّه فقله إذا تذكرته ، وبهذا أجاز الاستثناء بعد مدة ، قال عكرمة : معنى نسيت ارتكبت ذنبا ، ومعناه اذكر اللَّه إذا أردت وقصدت ارتكاب ذنب يكن ذلك دافعا لك ، فالنسى أصله ما ينسى كالنقض لما ينقض وصار فى المتعارف اسما لما يقل الاعتداد به ، ومن هذا تقول العرب احفظوا أنساءكم أي ما من شأنه أن ينسى قال الشاعر.
كأن لها فى الأرض نسيا تقصه
و قوله تعالى : نَسْياً مَنْسِيًّا أي جاريا مجرى النسى القليل الاعتداد به وإن لم ينس ولهذا عقبه بقوله منسيا لأن النسى قد يقال لما يقل الاعتداد به وإن لم ينس ، وقرىء نسيا وهو مصدر موضوع موضع المفعول نحو عصى عصيا وعصيانا. وقوله : ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها فإنساؤها حذف ذكرها عن القلوب بقوة إلهية. والنساء والنسوان والنسوة جمع المرأة من غير لفظها كالقوم فى جمع المرء ، قال تعالى : لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ إلى قوله : وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ - نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ - يا نِساءَ النَّبِيِّ - وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ - ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ والنسا عرق وتثنيته نسيان وجمعه أنساء.
(نسأ) : النسء تأخير فى الوقت ، ومنه نسئت المرأة إذا تأخر وقت حيضها فرجى حملها وهى نسوء ، يقال نسأ اللَّه فى أجلك ونسأ اللَّه أجلك والنسيئة بيع الشيء بالتأخير ومنها النسيء الذي كانت العرب تفعله وهو تأخير

(1/3657)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 557
بعض الأشهر الحرم إلى شهر آخر ، قال : إِنَّمَا النَّسِي ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ وقرىء : ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها أي نؤخرها إما بإنسائها وإما بإبطال حكمها. والمنسأ عصا ينسأ به الشيء أي يؤخر ، قال : تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ونسأت الإبل فى ظمئها يوما أو يومين أي أخرت ، قال الشاعر :
و عنس كألواح الإران نسأتها إذا قيل للمشبوبتين هما هما
و النسوء الحليب إذا أخر تناوله فحمض فمد بماء.
(نشر) : النشر ، نشر الثوب والصحيفة والسحاب والنعمة والحديث بسطها ، قال : وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ وقال : وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ - وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وقوله : وَالنَّاشِراتِ نَشْراً أي الملائكة التي تنشر الرياح أو الرياح التي تنشر السحاب ، ويقال فى جمع الناشر نشر وقرىء نَشْراً فيكون كقوله والناشرات ومنه سمعت نشرا حسنا أي حديثا ينشر من مدح وغيره ، ونشر الميت نشورا ، قال : وَإِلَيْهِ النُّشُورُ - بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً - وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً ، وأنشر اللَّه الميت فنشر ، قال : ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ - فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وقيل نشر اللَّه الميت وأنشره بمعنى ، والحقيقة أن نشر اللَّه الميت مستعار من نشر الثوب ، قال الشاعر :
طوتك خطوب دهرك بعد نشر كذاك خطوبه طيا ونشرا
و قوله : وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً أي جعل فيه الانتشار وابتغاء الرزق كما قال : وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ الآية ، وانتشار الناس تصرفهم فى الحاجات ، قال : ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ - فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا - فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وقيل نشروا فى معنى انتشروا وقرىء :
(وإذا قيل انشروا فانشروا) أي تفرقوا. والانتشار انتفاخ عصب الدابة ، والنواشر عروق باطن الذراع وذلك لانتشارها ، والنشر الغيم المنتشر وهو للمنشور كالنقض للمنقوض ومنه قيل اكتسى البازي ريشا نشرا أي منتشرا واسعا طويلا ، والنشر الكلأ اليابس ، إذا أصابه مطر فينشر أي يحيا فيخرج منه شىء كهيئة الحلمة وذلك داء للغنم ، يقال منه نشرت الأرض فهى ناشرة ونشرت

(1/3658)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 558
الخشب بالمنشار نشرا اعتبارا بما ينشر منه عند النحت ، والنشرة رقية يعالج المريض بها.
(نشز) : النشز المرتفع من الأرض ، ونشز فلان إذا قصد نشزا ومنه نشز فلان عن مقره نبا وكل ناب ناشز ، قال : وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ويعبر عن الإحياء بالنشز والإنشاز ارتفاعا بعد اتضاع ، قال : وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ، وقرىء بضم النون وفتحها وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ ونشوز المرأة بغضها لزوجها ورفع نفسها عن طاعته وعينها عنه إلى غيره وبهذا النظر قال الشاعر :
إذا جلست عند الإمام كأنها ترى رفقة من ساعة تستحيلها
و عرق ناشز أي ناتىء.
(نشط) : قال تعالى : وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً قبل أراد بها النجوم الخارجات من الشرق إلى الغرب بسير الفلك ، أو السائرات من المغرب إلى المشرق بسير أنفسها من قولهم ثور ناشط خارج من أرض إلى أرض ، وقيل الملائكة التي تنشط أرواح الناس أي تنزع ، وقيل الملائكة التي تعقد الأمور من قولهم نشطت العقدة ، وتخصيص النشط وهو العقد الذي يسهل حله تنبيها على سهولة الأمر عليهم ، وبئر أنشاط قريبة القعر يخرج دلوها بجذبة واحدة ، والنشيطة ما ينشط الرئيس لأخذه قبل القسمة وقيل النشيطة من الإبل أن يجدها الجيش فتساق من غير أن يحدى لها ، ويقال نشطته الحية : نهشته.
(نشأ) : النشىء والنشأة إحداث الشيء وتربيته ، قال : وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى يقال : نشأ فلان والناشئ يراد به الشاب ، وقوله : إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً يريد القيام والانتصاب للصلاة ، ومنه نشأ السحاب لحدوثه فى الهواء وتربيته شيئا فشيئا ، قال : وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ والإنشاء إيجاد الشيء وتربيته وأكثر ما يقال ذلك فى الحيوان ، قال : هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ. وقال : هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ.
وقال : ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ وقال : ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ - وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ
- يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ فهذه كلها فى الإيجاد

(1/3659)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 559
المختص باللَّه ، وقوله : أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ فلتشبيه إيجاد النار المستخرجة بإيجاد الإنسان ، وقوله : أَوَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ أي يربى تربية كتربية النساء ، وقرىء : ينشأ ، أي يتربى.
(نصب) : نصب الشيء وضعه وضعا ناتئا كنصب الرمح والبناء والحجر ، والنصيب الحجارة تنصب على الشيء ، وجمعه نصائب ونصب وكان للعرب حجارة تعبدها وتذبح عليها ، قال : كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وقد يقال فى جمعه أنصاب ، قال :
وَ الْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ والنصب والنّصب التعب ، وقرىء : بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ونصب وذلك مثل : بخل وبخل ، قال : لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وأنصبنى كذا أي أتعبنى وأزعجنى ، قال الشاعر :
تأوبنى هم مع الليل منصب
و هم ناصب قيل هو مثل عيشة راضية ، والنصب التعب ، قال : لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً وقد نصب فهو نصب وناصب ، قال تعالى :
عامِلَةٌ ناصِبَةٌ والنصيب الحظ المنصوب أي المعين ، قال : أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ - أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ - فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ويقال ناصبه الحرب والعداوة ونصب له وإن لم يذكر الحرب جاز ، وتيس أنصب ، وشاة أو عنزة نصباء منتصب القرن ، وناقة نصباء منتصبة الصدر ، ونصاب السكين ونصبه ، ومنه نصاب الشيء أصله ، ورجع فلان إلى منصبه أي أصله ، وتنصب الغبار ارتفع ، ونصب الستر رفعه ، والنصب فى الإعراب معروف ، وفى الغناء ضرب منه.
(نصح) : النصح تحرى فعل أو قول فيه صلاح صاحبه ، قال : لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ وقال :
وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ - وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ وهو من قولهم نصحت له الود أي أخلصته ، وناصح العسل خالصه أو من قولهم نصحت الجلد خطته ، والناصح الخياط والنصاح الخيط ، وقوله :
تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً فمن أحد هذين : إما الإخلاص ، وإما الإحكام ، ويقال نصوح ونصاح نحو ذهوب وذهاب ، قال :

(1/3660)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 560
أحببت حبا خالطته نصاحة
(نصر) : النصر والنصرة العون ، قال : نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ - إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ - وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ - إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ - وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ - كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا - وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ - وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً - ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ - فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ إلى غير ذلك من الآيات ، ونصرة اللَّه للعبد ظاهرة ، ونصرة العبد للَّه هو نصرته لعباده والقيام بحفظ حدوده ورعاية عهوده واعتناق أحكامه واجتناب نهيه ، قال : وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ - إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ - كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ والانتصار والاستنصار طلب النصرة وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ - وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ - وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ - فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ وإنما قال فانتصر ولم يقل انصر تنبيها أن ما يلحقنى يلحقك من حيث إنى جئتهم بأمرك ، فإذا نصرتنى فقد انتصرت لنفسك ، والتناصر التعاون ، قال : ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ والنصارى قيل سموا بذلك لقوله : كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ وقيل سموا بذلك انتسابا إلى قرية يقال لها نصران ، فيقال نصرانى وجمعه نصارى ، قال : وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى الآية ، ونصر أرض بنى فلان أي مطر ، وذلك أن المطر هو نصرة الأرض ، ونصرت فلانا أعطيته إما مستعار من نصر الأرض أو من العون.
(نصف) : نصف الشيء شطره ، قال : وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ - وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ - فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وإناء نصفان بلغ ما فيه نصفه ، ونصف النهار وانتصف بلغ نصفه ، ونصف الإزار ساقه ، والنصيف مكيال كأنه نصف المكيال الأكبر ، ومقنعة النساء كأنها نصف من المقنعة الكبيرة ، قال الشاعر :
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد
و بلغنا منصف الطريق. والنصف المرأة التي بين الصغيرة والكبيرة ،

(1/3661)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 561
و المنصف من الشراب ما طبخ فذهب منه نصفه ، والإنصاف فى المعاملة العدالة وذلك أن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلا مثل ما يعطيه ، ولا ينيله من المضار إلا مثل ما يناله منه ، واستعمل النصفة فى الخدمة فقيل للخادم ناصف وجمعه نصف وهو أن يعطى صاحبه ما عليه بإزاء ما يأخذ من النفع. والانتصاف ، والاستنصاف : طلب النصفة.
(نصا) : الناصية قصاص الشعر ونصوت فلانا وانتصيته وناصيته أخذت بناصيته ، وقوله : ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها أي متمكن منها ، قال تعالى : لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ وحديث عائشة رضى اللَّه عنها : «ما لكم تنصون ميتكم» أي تمدون ناصيته. وفلان ناصية قومه كقولهم رأسهم وعينهم ، وانتصى الشعر طال ، والنصى مرعى من أفضل المراعى. وفلان نصية قوم أي خيارهم تشبيها بذلك المرعى.
(نضج) : يقال نضج اللحم نضجا ونضجا إذا أدرك شيه ، قال تعال
ً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى
و يكنى عن اللؤلؤة بالنطفة ومنه صبى منطف إذا كان فى أذنه لؤلؤة ، والنطف الدلو الواحدة نطفة ، وليلة نطوف يجىء فيها المطر حتى الصباح ، والناطف السائل من المائعات ومنه الناطف المعروف ، وفلان منطف المعروف وفلان ينطف بسوء كذلك كقولك يندى به.
(نطق) : النطق فى المتعارف الأصوات المقطعة التي يظهرها اللسان وتعيها الآذان قال : ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ولا يكاد يقال إلا للإنسان ولا يقال لغيره إلا على سبيل التبع نحو الناطق والصامت فيراد بالناطق ماله صوت وبالصامت ما ليس له صوت ، ولا يقال للحيوانات ناطق إلا مقيدا وعلى طريق التشبيه كقول الشاعر :
عجبت لها أنى يكون غناؤها فصيحا ولم تفغر لمنطقها فما
و المنطقيون يسمون القوة التي منها النطق نطقا وإياها عنوا حيث حدوا الإنسان فقالوا هو الحي الناطق المائت ، فالنطق لفظ مشترك عندهم بين القوة الإنسانية التي يكون بها الكلام وبين الكلام المبرز بالصوت ، وقد يقال الناطق لما يدل على شىء وعلى هذا قيل لحكيم : ما الناطق الصامت؟ فقال : الدلائل المخبرة والعبر الواعظة. وقوله : لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ إشارة إلى أنهم ليسوا من جنس الناطقين ذوى العقول ، وقوله : قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ فقد قيل أراد الاعتبار فمعلوم أن الأشياء كلها ليست تنطق إلا من حيث العبرة وقوله : عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ فإنه سمى أصوات الطير نطقا اعتبارا بسليمان الذي كان يفهمه ، فمن فهم من شىء معنى فذلك الشيء بالإضافة إليه ناطق وإن كان صامتا ، وبالإضافة إلى من لا يفهم عنه صامت وإن كان ناطقا.
وقوله : هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ فإن الكتاب ناطق لكن نطقه تدركه العين كما أن الكلام كتاب لكن يدركه السمع. وقوله : وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ

(1/3662)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 563
شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ
فقد قيل إن ذلك يكون بالصوت المسموع وقيل يكون بالاعتبار واللَّه أعلم بما يكون فى النشأة الآخرة.
وقيل حقيقة النطق اللفظ الذي هو كالنطاق للمعنى فى ضمه وحصره والمنطق والمنطقة ما يشد به الوسط وقول الشاعر :
و أبرح ما أدام اللَّه قومى بحمد اللَّه منتطقا مجيدا
فقد قيل منتقطا جانبا أي قائدا فرسا لم يركبه ، فإن لم يكن فى هذا المعنى غير هذا البيت فإنه يحتمل أن يكون أراد بالمنتطق الذي شد النطاق كقوله من يطل ذيل أبيه ينتطق به ، وقيل معنى المنتطق المجيد هو الذي يقول قولا فيجيد فيه.
(نظر) : النظر تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته ، وقد يراد به التأمل والفحص ، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص وهو الروية ، يقال نظرت فلم تنظر أي لم تتأمل ولم تترو ، وقوله : قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ أي تأملوا. واستعمال النظر فى البصر أكثر عند العامة ، وفى البصيرة أكثر عند الخاصة ، قال تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ويقال نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه رأيته أو لم تره ، ونظرت فيه إذا رأيته وتدبرته ، قال : أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ نظرت فى كذا تأملته ، قال : فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ وقوله تعالى : أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فذلك حث على تأمل حكمته فى خلقها. ونظر اللَّه تعالى إلى عباده : هو إحسانه إليهم وإفاضة نعمه عليهم ، قال تعالى : وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وعلى ذلك قوله :
كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ والنظر الانتظار ، يقال نظرته وانتظرته وأنظرته أي أخرته ، قال تعالى : وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ وقال : فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ - قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ وقال : انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ - وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ - قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ - قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ وقال : فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ وقال : لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ وقال :
فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ فنفى الإنظار عنهم إشارة إلى ما نبه عليه بقوله : فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً

(1/3663)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 564
وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ
و قال : إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ أي منتظرين وقال :
فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ - هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وقال : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وقال : ما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً وأما قوله : رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ فشرحه وبحث حقائقه يختص بغير هذا الكتاب. ويستعمل النظر فى التحير فى الأمور نحو قوله : فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وقال :
وَ تَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وقال : وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ - وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ فكل ذلك نظر عن تحير دال على قلة الغناء. وقوله : وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ قيل مشاهدون ، وقيل تعتبرون ، وقول الشاعر :
نظر الدهر إليهم فابتهل
فتنبيه أنه خانهم فأهلكهم ، وحي نظر أي متجاورون يرى بعضهم بعضا
كقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم : «لا يتراءى ناراهما»
و النظير المثيل وأصله المناظر وكأنه ينظر كل واحد منهما إلى صاحبه فيباريه وبه نظرة ، إشارة إلى قول الشاعر :
و قالوا به من أعين الجن نظرة
و المناظرة المباحثة والمباراة فى النظر واستحضار كل ما يراه ببصيرته ، والنظر البحث وهو أعم من القياس لأن كل قياس نظر وليس كل نظر قياسا.
(نعج) : النعجة الأنثى من الضأن والبقر الوحش والشاة الجبلي وجمعها نعاج ، قال تعالى : إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ ونعج الرجل إذا أكل لحم ضان فأتخم منه ، وأنعج الرجل سمنت نعاجه ، والنعج الابيضاض ، وأرض ناعجة سهلة.
(نعس) : النعاس النوم القليل ، قال تعالى : إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً - نُعاساً وقيل النعاس هاهنا عبارة عن السكون والهدوء وإشارة إلى
قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم : «طوبى لكل عبد نومة».
(نعق) : نعق الراعي بصوته ، قال تعالى : كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً.

(1/3664)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 565
(نعل) : النعل معروفة ، قال تعالى : فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ وبه شبه نعل الفرس ونعل السيف وفرس منعل فى أسفل رسغه بياض على شعره ، ورجل ناعل ومنعل ويعبر به عن الغنى كما يعبر بالحافى عن الفقير.
(نعم) : النعمة الحالة الحسنة وبناء النعمة بناء الحالة التي يكون عليها الإنسان كالجلسة والركبة ، والنعمة التنعم وبناؤها بناء المرة من الفعل كالضربة والشتمة ، والنعمة للجنس تقال للقليل والكثير ، قال تعالى : وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها - اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ - وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي - فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ إلى غير ذلك من الآيات. والإنعام إيصال الإحسان إلى الغير ، ولا يقال إلا إذا كان الموصل إليه من جنس الناطقين فإنه لا يقال أنعم فلان على فرسه. قال تعالى : أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ - وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ والنعماء بإزاء الضراء ، قال : وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ والنعمى نقيض البؤسى ، قال : إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ والنعيم النعمة الكثيرة ، قال : فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وقال : جَنَّاتِ النَّعِيمِ وتنعم تناول ما فيه النعمة وطيب العيش ، يقال نعمه تنعيما فتنعم أي جعله فى نعمة أي لين عيش وخصب ، قال : فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ وطعام ناعم وجارية ناعمة. والنعم مختص بالإبل ، وجمعه أنعام وتسميته بذلك لكون الإبل عندهم أعظم نعمة ، لكن الأنعام تقال للإبل والبقر والغنم ، ولا يقال لها أنعام حتى يكون فى جملتها الإبل قال : وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ - وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً ، وقوله : فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ فالأنعام هاهنا عام فى الإبل وغيرها.
و النعامى الريح الجنوب الناعمة الهبوب ، والنعامة سميت تشبيها بالنعم فى الخلقة ، والنعامة المظلة فى الجبل ، وعلى رأس البئر تشبيها بالنعامة فى الهيئة من البعد ، والنعائم من منازل القمر تشبيها بالنعامة وقول الشاعر :
و ابن النعامة عند ذلك مركبى
فقد قيل أراد رجله وجعلها ابن النعامة تشبيها بها فى السرعة ، وقيل النعامة باطن القدم ، وما أرى قال ذلك من قال إلا من قولهم ابن النعامة. وقولهم تنعم فلان إذا مشى مشيا خفيفا فمن النعمة. ونعم كلمة تستعمل فى المدح بإزاء بئس فى الذم ،

(1/3665)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 566
قال تعالى : نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ - فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ - نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ - وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ - إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وتقول إن فعلت كذا فيها ونعمت أي نعمت الخصلة هي ، وغسلته غسلا نعما ، يقال فعل كذا وأنعم أي زاد وأصله من الإنعام ، ونعم اللَّه بك عينا. ونعم كلمة للإيجاب من لفظ النعمة ، تقول نعم ونعمة عين ونعمى عين ونعام عين ، ويصح أن يكون من لفظ أنعم منه ، أي ألين وأسهل.
(نغض) : الإنغاض تحريك الرأس نحو الغير كالمتعجب منه ، قال تعالى :
فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ يقال نغض نغضانا إذا حرك رأسه ونغض أسنانه فى ارتجاف ، والنغض الظليم الذي ينغض رأسه كثيرا ، والنغض غضروف الكتف.
(نفث) : النفث قذف الريق القليل وهو أقل من التفل ، ونفث الراقي والساحر أن ينفث فى عقده ، قال تعالى : وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ ومنه الحية تنفث السم ، وقيل لو سألته نفاثة سواك ما أعطاك أي ما بقي فى أسنانك فنفثت به ، ودم نفيث نفثه الجرح ، وفى المثل : لا بد للمصدور أن ينفث.
(نفح) : نفح الريح ينفح نفحا وله نفحة طيبة أي هبوب من الخير وقد يستعار ذلك للشر ، قال تعالى : وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ ونفحت الدابة رمت بحافرها ، ونفحة بالسيف ضربه به ، والنفوح من النوق التي يخرج لبنها من غير حلب ، وقوس نفوح بعيدة الدفع للسهم ، وإنفحة الجدى معروفة.
(نفخ) : النفخ نفخ الريح فى الشيء ، قال : يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ - وَنُفِخَ فِي الصُّورِ - ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى وذلك نحو قوله : فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ومنه نفخ الروح فى النشأة الأولى ، قال : وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي يقال انتفخ بطنه ، ومنه استعير انتفخ النهار إذا ارتفع ، ونفخة الربيع حين أعشب ، ورجل منفوخ أي سمين.
(نفد) : النفاد الفناء ، قال تعالى : إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ يقال نفد ينفد ، قال تعالى : قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ

(1/3666)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 567
قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ
- ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ وأنفدوا فنى زادهم ، وخصم منافد إذا خاصم لينفد حجة صاحبه ، يقال نافدته فنفدته.
(نفذ) : نفذ السهم فى الرمية نفوذا ونفاذا والمثقب فى الخشب إذا خرق إلى الجهة الأخرى ، ونفذ فلان فى الأمر نفاذا وأنفذته ، قال تعالى : إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ونفذت الأمر تنفيذا ، والجيش فى غزوه ، وفى الحديث : «نفذوا جيش أسامة» والمنفذ الممر النافذ.
(نفر) : النفر الانزعاج عن الشيء وإلى الشيء كافزع إلى الشيء وعن الشيء ، يقال نفر عن الشيء نفورا ، قال تعالى : ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً - وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً ونفر إلى الحرب ينفر وينفر نفرا ومنه يوم النفر ، قال :
انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا - إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً - ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ والاستنفار حث القوم على النفر إلى الحرب ، والاستنفار حمل القوم على أن ينفروا أي من الحرب ، والاستنفار أيضا طلب النفار ، وقوله : كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ قرىء بفتح الفاء وكسرها ، فإذا كسر الفاء فمعناه نافرة ، وإذا فتح فمعناه منفرة. والنفر والنفير والنفرة عدة رجال يمكنهم النفر. والمنافرة المحاكمة فى المفاخرة ، وقد أنفر فلان إذا فضل فى المنافرة ، وتقول العرب نفر فلان إذا سمى باسم يزعمون أن الشيطان ينفر عنه ، قال أعرابى قيل لأبى لما ولدت : نفر عنه ، فسمانى قنفذا وكنانى أبا العدا. ونفر الجلد ورم ، قال أبو عبيدة : هو من نفار الشيء عن الشيء أي تباعده عنه وتجافيه.
(نفس) : النفس الروح فى قوله تعالى : أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ قال :
وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وقوله : تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ وقوله : وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ فنفسه ذاته وهذا وإن كان قد حصل من حيث اللفظ مضاف ومضاف إليه يقتضى المغايرة وإثبات شيئين من حيث العبارة فلا شىء من حيث المعنى سواه تعالى عن الاثنوية من كل وجه.
وقال بعض الناس إن إضافة النفس إليه تعالى إضافة الملك ، ويعنى بنفسه نفوسنا الأمارة بالسوء ، وأضاف إليه على سبيل الملك. والمنافسة مجاهدة النفس للتشبيه

(1/3667)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 568
بالأفاضل واللحوق بهم من غير إدخال ضرر على غيره ، قال تعالى : وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ وهذا كقوله : سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ والنفس الريح الداخل والخارج فى البدن من الفم والمنخر وهو كالغذاء للنفس وبانقطاعه بطلانها ويقال للفرج نفس ومنه ما
روى : «إنى لا أجد نفس ربكم من قبل اليمن»
و
قوله عليه الصلاة والسلام «لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن»
أي مما يفرج بها الكرب ، يقال اللهم نفس عنى ، أي فرج عنى. وتنفست الريح إذا هبت طيبة ، قال الشاعر :
فإن الصبا ريح إذا ما تنفست على نفس محزون تجلت همومها
و النفاس ولادة المرأة ، تقول وهى نفساء وجمعها نفاس ، وصبى منفوس ، وتنفس النهار عبارة عن توسعه ، قال تعالى : وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ ونفست بكذا ضنت نفسى به ، وشىء نفيس ومنفوس به ومنفس.
(نفش) : النفش نشر الصوف ، قال تعالى : كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ونفش الغنم انتشارها ، والنفش بالفتح الغنم المنتشرة ، قال تعالى : إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ والإبل النوافش المترددة ليلا فى المرعى بلا راع.
(نفع) : النفع ما يستعان به فى الوصول إلى الخيرات وما يتوصل به إلى الخير فهو خير ، فالنفع خير وضده الضر ، قال تعالى : وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وقال : قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا وقال : لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ - وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ - وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إلى غير ذلك من الآيات.
(نفق) : نفق الشيء مضى ونفد ، ينفق إما بالبيع نحو نفق البيع نفاقا ومنه نفاق الأيم ، ونفق القوم إذا نفق سوقهم. وإما بالموت نحو نفقت الدابة نفوقا ، وإما بالفناء نحو نفقت الدراهم تنفق وأنفقتها. والإنفاق قد يكون فى المال وفى غيره وقد يكون واجبا وتطوعا ، قال تعالى : وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ وقال : لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ - وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ - وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ - لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ إلى غير ذلك من الآيات. وقوله : قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ

(1/3668)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 569
خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ
أي خشية الإقتار ، يقال أنفق فلان إذا نفق ماله فافتقر فالإنفاق هاهنا كالإملاق فى قوله : وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ والنفقة اسم لما ينفق ، قال تعالى : وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ - وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً والنفق الطريق النافذ والسرب فى الأرض النافذ فيه قال : فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ ومنه نافقاء اليربوع ، وقد نافق اليربوع ونفق ، ومنه النفاق وهو الدخول فى الشرع من باب والخروج عنه من باب وعلى ذلك نبه بقوله تعالى : إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ أي الخارجون من الشرع ، وجعل اللَّه المنافقين شرا من الكافرين. فقال تعالى : إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ونيفق السراويل معروف.
(نفل) : النفل قيل هو الغنيمة بعينها لكن اختلفت العبارة عنه لاختلاف الاعتبار ، فإنه إذا اعتبر بكونه مظفورا به يقال له غنيمة ، وإذا اعتبر بكونه منحة من اللَّه ابتداء من غير وجوب يقال له نفل ، ومنهم من فرق بينهما من حيث العموم والخصوص فقال الغنيمة ما حصل مستغنما بتعب كان أو غير تعب ، وباستحقاق كان أو غير استحقاق ، وقبل الظفر كان أو بعده. والنقل ما يحصل للإنسان قبل القسمة من جملة الغنيمة ، وقيل هو ما يحصل للمسلمين بغير قتال وهو الفيء ، وقيل هو ما يفصل من المتاع ونحوه بعد ما تقسم الغنائم وعلى ذلك حمل قوله : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الآية ، وأصل ذلك من النفل أي الزيادة على الواجب ، ويقال له النافلة ، قال تعالى : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ وعلى هذا قوله : وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وهو ولد الولد ، ويقال نفلته كذا أي أعطيته نفلا ، ونفله السلطان أعطاه سلب قتيله نفلا أي تفضلا وتبرعا ، والنوفل الكثير العطاء ، وانتفلت من كذا انتقيت منه.
(نقب) : النقب فى الحائط والجلد كالثقب فى الخشب ، يقال نقب البيطار سرة الدابة بالمنقب وهو الذي ينقب به ، والمنقب المكان الذي ينقب ونقب الحائط ، ونقب القوم ساروا ، قال تعالى : فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ وكلب نقيب نقبت غلصمته ليضعف صوته والنقبة أول الجرب يبدو وجمعها نقب ، والناقبة قرحة ، والنقبة ثوب كالإزار سمى بذلك لنقبة تجعل فيها تكة ، والمنقبة طريق منفذ فى الجبال ، واستعير لفعل الكريم إما لكونه تأثيرا له أو

(1/3669)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 570
لكونه منهجا فى رفعه ، والنقيب الباحث عن القوم وعن أحوالهم وجمعه نقباء ، قال تعالى : وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً.
(نقذ) : الإنقاذ التخليص من ورطة ، قال تعالى : وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها والنقذ ما أنقذته ، وفرس نقيذ مأخوذ من قوم آخرين كأنه أنقذ منهم وجمعه نقائذ.
(نقر) : النقر قرع الشيء المفضى إلى النقب والمنقار ما ينقر به كمنقار الطائر والحديدة التي ينقر بها الرحى ، وعبر به عن البحث فقيل نقرت عن الأمر ، واستعير للاغتياب فقيل نقرته ، وقالت امرأة لزوجها : مربى على بنى نظر ولا تمر بي على بنات نقر ، أي على الرجال الذين ينظرون إلى لا على النساء اللواتى يغتبننى. والنقرة وقبة يبقى فيها ماء السيل ، ونقرة القفا : وقبته ، والنقير وقبة فى ظهر النواة ويضرب به المثل فى الشيء الطفيف ، قال تعالى : وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً والنقير أيضا خشب ينقر وينبذ فيه ، وهو كريم النقير أي كريم إذا نقر عنه أي بحث ، والناقور الصور ، قال تعالى : فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ونقرت الرجل إذا صوت له بلسانك ، وذلك بأن تلصق لسانك بنقرة حنكك ، ونقرت الرجل إذا خصصته بالدعوة كأنك نقرت له بلسانك مشيرا إليه ويقال لتلك الدعوة النقرى.
(نقص) : النقص الخسران فى الحظ والنقصان المصدر ونقصته فهو منقوص ، قال تعالى : وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وقال : وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ - ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً.
(نقض) : النقض انتثار العقد من البناء والجبل والعقد هو ضد الإبرام ، يقال نقضت البناء والحبل والعقد ، وقد انتقض انتقاضا ، والنّقض المنقوض وذلك فى الشعر أكثر والنّقض كذلك وذلك فى البناء أكثر ، ومنه قيل للبعير المهزول نقض ، ومنتقض الأرض من الكمأة نقض ، ومن نقض الحبل والعقد استعير نقض العهد ، قال تعالى : الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ - الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ - وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها ومنه المناقضة في الكلام وفى الشعر كنقائض جرير والفرزدق والنقيضان من الكلام ما لا يصح أحدهما مع الآخر نحو هو كذا وليس

(1/3670)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 571
بكذا فى شىء واحد وحال واحدة ، ومنه انتقضت القرحة وانتقضت الدجاجة صوتت عند وقت البيض ، وحقيقة الانتقاض ليس الصوت إنما هو انتقاضها فى نفسها لكى يكون منها الصوت فى ذلك الوقت فعبر عن الصوت به ، وقوله تعالى : الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ أي كسره حتى صار له نقيض ، والإنقاض صوت لزجر القعود ، قال الشاعر :
أعلمتها الإنقاض بعد القرقرة
و نقيض المفاصل صوتها.
(نقم) : نقمت الشيء ونقمته إذا نكرته إما باللسان وإما بالعقوبة. قال تعالى : وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ - وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ - هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا الآية والنقمة العقوبة. قال : فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ - انْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا
- فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ.
(نكب) : نكب عن كذا أي مال. قال تعالى : عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ والمنكب مجتمع ما بين العضد والكتف وجمعه مناكب ومنه استعير للأرض. قال تعالى : فَامْشُوا فِي مَناكِبِها واستعارة المنكب لها كاستعارة الظهر لها فى قوله تعالى : ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ ومنكب القوم رأس العرفاء مستعار من الجارحة استعارة الرأس للرئيس ، واليد للناصر ، ولفلان النكاية فى قومه كقولهم النقابة. والأنكب المائل المنكب ومن الإبل الذي يمشى فى شق.
والنكب داء يأخذ فى المنكب. والنكباء ريح ناكبة عن المهب ، ونكبته حوادث الدهر أي هبت عليه هبوب النكباء.
(نكث) : النكث نكث الأكسية والغزل قريب من النقض واستعير لنقض العهد قال تعالى : وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ - إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ والنكث كالنقض ، والنكيثة كالنقيضة ، وكل خصلة ينكث فيها القوم يقال لها نكيثة ، قال الشاعر :
متى يك أمر للنكيثة أشهد
(نكح) : أصل النكاح للعقد ، ثم استعير للجماع ومحال أن يكون فى

(1/3671)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 572
الأصل للجماع ، ثم استعير للعقد لأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه ، ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستقظعونه لما يستحسنونه ، قال تعالى : وَأَنْكِحُوا الْأَيامى - إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ إلى غير ذلك من الآيات.
(نكد) : النكد كل شىء خرج إلى طالبه يتعسر ، يقال رجل نكد ونكد وناقة نكداء طفيفة الدر صع
عن الشيء ، قال تعالى : نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ.
(نكف) : يقال نكفت من كذا واستنكفت منه أنفت. قال تعالى :
ْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ
- وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وأصله من نكفت الشيء نحيته ومن النكف وهو تنحيه الدمع عن الخد بالإصبع ، وبحر لا ينكف أي لا ينزح ، والانتكاف الخروج من أرض إلى أرض.
(نكل) : يقال نكل عن الشيء ضعف. وعجز ، ونكلته قيدته ، والنكل قيد الدابة وحديدة اللجام لكونهما مانعين والجمع الأنكال ، قال تعالى :
إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً ونكلت به إذا فعلت به ما ينكل به غيره واسم ذلك الفعل نكال ، قال تعالى : فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وقال : جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ و
فى الحديث : «إن اللَّه يحب النكل على النّكل»
أي الرجل القوى على الفرس القوى.
(نم) : النم إظهار الحديث بالوشاية ، والنميمة الوشاية ، ورجل نمام ، قال تعالى : هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ وأصل النميمة الهمس والحركة الخفيفة ومنه أسكت اللَّه نامته أي ما ينم عليه من حركته ، والنمام نبت ينم عليه رائحته ، والنمنمة خطوط متقاربة وذلك لقلة الحركة من كاتبها فى كتابته.
(نمل) : قال تعالى : قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ وطعام منمول فيه النمل ، والنملة قرحة تخرج بالجنب تشبيها بالنمل في الهيئة ، وشق فى الحافر ومنه فرس نمل القوائم خفيفها. ويستعار النمل للنميمة تصورا لدبيبه فيقال هو نمل وذو نملة ونمال أي نمام ، وتنمل القوم تفرقوا للجمع تفرق النمل ، ولذلك يقال هو أجمع من نملة ، والأنملة طرف الأصابع ، وجمعه أنامل.

(1/3672)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 574
(نهج) : النهج الطريق الواضح ونهج الأمر وأنهج وضح ومنهج الطريق ومنهاجه ، قال تعالى : لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ومنه قولهم : نهج الثوب وأنهج بان فيه أثر البلى ، وقد أنهجه البلى.
(نهر) : النهر مجرى الماء الفائض وجمعه أنهار ، قال تعالى : وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً - وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلًا وجعل اللَّه تعالى ذلك مثلا لما يدر من فيضه وفضله فى الجنة على الناس ، قال : إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ - وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً - جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ والنهر السعة تشبيها بنهر الماء ، ومنه أنهرت الدم أي أسلته إسالة ، وأنهر الماء جرى ، ونهر نهر كثير الماء ، قال أبو ذؤيب :
أقامت به فابتنت خيمة على قصب وفرات نهر
و النهار الوقت الذي ينتشر فيه الضوء ، وهو فى الشرع ما بين طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس ، وفى الأصل ما بين طلوع الشمس إلى غروبها ، وقال تعالى : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً وقال : أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً وقابل به البيات فى قوله : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ورجل نهر صاحب نهار ، والنهار فرخ الحبارى ، والمنهرة فضاء بين البيوت كالموضع الذي تلقى فيه الكناسة ، والنهر والانتهار الزجر بمغالظة ، يقال نهره وانتهره ، قال تعالى : فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما - وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ.
(نهى) : النهى الزجر عن الشيء ، قال تعالى : أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى وهو من حيث المعنى لا فرق بين أن يكون بالقول أو بغيره ، وما كان بالقول فلا فرق بين أن يكون بلفظة افعل نحو اجتنب كذا ، أو بلفظة لا تفعل ، ومن حيث اللفظ هو قولهم : لا تفعل كذا ، فإذا قيل لا تفعل كذا فنهى من حيث اللفظ والمعنى جميعا نحو قوله تعالى : وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ولهذا قال :
ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ وقوله : وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فإن لم يعن أن يقول لنفسه لا تفعل كذا ، بل أراد قمعها عن شهوتها ودفعها عما نزعت إليه وهمت به ، وكذا المنهي عن المنكر يكون تارة باليد وتارة باللسان وتارة بالقلب ، قال تعالى : أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وقوله : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ - إلى قوله - وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ أي يحث على فعل

(1/3673)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 575
الخير ويزجر عن الشر ، وذلك بعضه بالعقل الذي ركبه فينا ، وبعضه بالشرع الذي شرعه لنا ، والانتهاء الانزجار عما نهى عنه ، قال تعالى : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وقال : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا وقال : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ - فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ - فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ أي بلغ به نهايته. والإنهاء فى الأصل إبلاغ النهى ، ثم صار متعارفا فى كل إبلاغ فقيل أنهيت إلى فلان خبر كذا أي بلغت اليه النهاية ، وناهيك من رجل كقولك حسبك ، ومعناه أنه غاية فيما تطلبه وينهاك عن تطلب غيره ، وناقة نهية تناهت سمنا ، والنهية العقل الناهي عن القبائح جمعها نهى ، قال : إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى وتنهية الوادي حيث ينتهى إليه السيل ، ونهاء النهار ارتفاعه وطلب الحاجة حتى نهى عنها أي انتهى عن طلبها ظفر بها أو لم يظفر.
(نوب) : النوب رجوع الشيء مرة بعد أخرى ، يقال ناب نوبا ونوبة ، وسمى النحل نوبا لرجوعها إلى مقارها ، ونابته نائبة أي حادثة من شأنها أن تنوب دائبا ، والإنابة إلى اللَّه تعالى الرجوع إليه بالتوبة وإخلاص العمل ، قال :
وَ خَرَّ راكِعاً وَأَنابَ - وَإِلَيْكَ أَنَبْنا - وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ - مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وفلان ينتاب فلانا أي يقصده مرة بعد أخرى.
(نوح) : نوح اسم نبى ، والنوح مصدر ناح أي صاح بعويل ، يقال ناحت الحمامة نوحا وأصل النوح اجتماع النساء فى المناحة ، وهو من التناوح أي التقابل ، يقال جبلان يتناوحان ، وريحان يتناوحان ، وهذه الريح نيحة تلك أي مقابلتها ، والنوائح النساء ، والمنوح المجلس.
(نور) : النور الضوء المنتشر الذي يعين على الإبصار ، وذلك ضربان دنيوى وأخروى ، فالدنيوى ضربان : ضرب معقول بعين البصيرة وهو ما انتشر من الأمور الإلهية كنور العقل ونور القرآن. ومحسوس بعين البصر ، وهو ما انتشر من الأجسام النيرة كالقمرين والنجوم والنيرات. فمن النور الإلهى قوله تعالى :
قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ وقال : وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها وقال : ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وقال :

(1/3674)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 576
أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ وقال : نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ ومن المحسوس الذي بعين البصر نحو قوله : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وتخصيص الشمس بالضوء والقمر بالنور من حيث إن الضوء أخص من النور ، قال : وَقَمَراً مُنِيراً أي ذا نور. ومما هو عام فيهما قوله : وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ وقوله : وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ - وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ومن النور الأخروى قوله :
يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ - وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا - انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ - فَالْتَمِسُوا نُوراً ويقال أنار اللَّه كذا ونوره وسمى اللَّه تعالى نفسه نورا من حيث أنه هو المنور ، قال :
اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وتسميته تعالى بذلك لمبالغة فعله. والنار تقال للهيب الذي يبدو للحاسة ، قال : أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ وقال :
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً وللحرارة المجردة ولنار جهنم المذكورة فى قوله : النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا - وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ - نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ وقد ذكر ذلك في غير موضع. ولنار الحرب المذكورة فى قوله :
كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ وقال بعضهم : النار والنور من أصل واحد وكثيرا ما يتلازمان لكن النار متاع للمقوين فى الدنيا والنور متاع لهم فى الآخرة ، ولأجل ذلك استعمل فى النور الاقتباس فقال تعالى : نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ وتنورت نارا أبصرتها ، والمنارة مفعلة من النور أو من النار كمنارة السراج أو ما يؤذن عليه ومنار الأرض أعلامها والنور النفور من الريبة وقد نارت المرأة تنور نورا ونوارا ونور الشجر ونواره تشبيها بالنور ، والنور ما يتخذ للوشم يقال نورت المرأة يدها وتسميته بذلك لكونه مظهرا لنور العضو.
(نوس) : الناس قيل أصله أناس فحذف فاؤه لما أدخل عليه الألف واللام ، وقيل قلب من نسى وأصله إنسيان على إفعالان ، وقيل أصله من ناس ينوس إذا اضطرب ، ونست الإبل سقتها ، وقيل ذو نواس ملك كان ينوس على ظهره ذؤابة فسمى بذلك وتصغيره على هذا نويس ، قال تعالى : قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ والناس قد يذكر ويراد به الفضلاء دون من يتناوله اسم الناس تجوزا وذلك إذا اعتبر معنى الإنسانية وهو وجود الفضل والذكر وسائر الأخلاق الحمدة والمعاني المختصة به ، فإن كل شى عدم فعله المختص به لا يكاد يستحق اسمه

(1/3675)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 577
كاليد فإنها إذا عدمت فعلها الخاص بها فإطلاق اليد عليها كإطلاقها على يد السرير ورجله ، فقوله تعالى : آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ أي كما يفعل من وجد فيه معنى الإنسانية ولم يقصد بالإنسان عينا واحدا بل قصد المعنى وكذا قوله : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ أي من وجد فيه معنى الإنسانية أي إنسان كان ، وربما قصد به النوع كما هو وعلى هذا قوله أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ.
(نوش) : النوش التناول ، قال الشاعر :
تنوش البرير حيث طاب اهتصارها
البرير ثمر الطلح والاهتصار الإمالة ، يقال هصرت الغصن إذا أملته ، وتناوش القوم كذا تناولوه ، قال : وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ أي كيف يتناولون الإيمان من مكان بعيد ولم يكونوا يتناولونه عن قريب فى حين الاختيار والانتفاع بالإيمان إشارة إلى قوله : يَوْمَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها الآية ومن همز فإما أنه أبدل من الواو همزة نحو ، أقتت فى وقتت ، وأدؤر فى أدور ، وإما أن يكون من النأش وهو الطلب.
(نوص) : ناص إلى كذا التجأ إليه ، وناص عنه ارتد ينوص نوصا والمناص الملجأ ، قال : وَلاتَ حِينَ مَناصٍ.
(نيل) : النيل ما يناله الإنسان بيده ، نلته أناله نيلا ، قال : لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ - وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا - لَمْ يَنالُوا خَيْراً والنول التناول يقال نلت كذا أنول نولا وأنلته أوليته وذلك مثل عطوت كذا تناولت وأعطيته أنلته ونلت أصله نولت على فعلت ، ثم نقل إلى فلت. ويقال ما كان نولك أن تفعل كذا أي ما فيه نوال صلاحك ، قال الشاعر :
جزعت وليس ذلك بالنوال
قيل معناه بصواب. وحقيقة النوال ما يناله الإنسان من الصلة وتحقيقه ليس ذلك مما تنال منه مرادا ، وقال تعالى : لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ.

(1/3676)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 578
(نوم) : النوم فسر على أوجه كلها صحيح بنظرات مختلفة ، قيل هو استرخاء أعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد إليه ، وقيل هو أن يتوفى اللَّه النفس من غير موت ، قال : اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الآية ، وقيل النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل ، ورجل نؤوم ونومة كثير النوم ، والمنام : النوم ، قال :
وَ مِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ - وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً - لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ والنومة أيضا خامل الذكر ، واستنام فلان إلى كذا اطمأن إليه ، والمنامة الثوب الذي ينام فيه ، ونامت السوق كسدت ، ونام الثوب أخلق أو حلق معا ، واستعمال النوم فيهما على التشبيه.
(نون) : النون الحرف المعروف ، قال تعالى : ن وَالْقَلَمِ والنون الحوت العظيم وسمى يونس ذا النون فى قوله : وَذَا النُّونِ لأن النون كان قد التقمه ، وسمى سيف الحارث ابن ظالم : ذا النون.
(ناء) : يقال ناء بجانبه ينوء ويناء ، قال أبو عبيدة : ناء مثل ناع أي نهض ، وأنأته أنهضته. قال لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ وقرىء : (ناء) مثل ناع أي نهض به عبارة عن التكبر كقولك شمخ بأنفه وازور جانبه.
(نأى) : قال أبو عمرو : نأى مثل نعى أعرض ، وقال أبو عبيدة :
تباعد ، ينأى وانتأى افتعل منه والمنتأى الموضع البعيد ، ومنه النؤى لحفيرة حول الخباء تباعد الماء عنه وقرىء : (ناء بجانبه) أي تباعد به. والنية تكون مصدرا واسما من نويت وهى توجه القلب نحو العمل وليس من ذلك بشىء.

(1/3677)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 579
الواو
(وبل) : الوبل والوابل المطر الثقيل القطار ، قال تعالى : فَأَصابَهُ وابِلٌ - كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ ولمراعاة الثقل قيل للأمر الذي يخاف ضرره وبال ، قال تعالى : فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ ، ويقال طعام وبيل ، وكلأ وبيل يخاف وباله ، قال فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا.
(وبر) : الوبر معروف وجمعه أوبار ، قال : وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وقيل سكان الوبر لمن بيوتهم من الوبر ، وبنات أوبر للكمء الصغار التي عليها مثل الوبر ، ووبرت الأرنب غطت بالوبر الذي على زمعاتها أثرها ، ووبر الرجل فى منزله أقام فيه تشبيها بالوبر الملقى ، نحو تلبد بمكان كذا ثبت فيه ثبوت اللبد ، ووبار قيل أرض كانت لعاد.
(وبق) : وبق إذا تثبط فهلك ، وبقا وموبقا ، قال : وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً وأوبقه كذا ، قال : أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا.
(وتن) : الوتين عرق يسقى الكبد وإذا انقطع مات صاحبه ، قال : ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ والموتون المقطوع الوتين ، والمواتنة أن يقرب منه قربا كقرب الوتين وكأنه أشار إلى نحو ما دل عليه قوله تعالى : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ واستوتن الإبل إذا غلظ وتينها من السمن.
(وتد) : الوتد وقد وتدته أتده وتدا ، قال : وَالْجِبالَ أَوْتاداً وكيفية كون الجبال أوتادا يختص بما بعد هذا الباب وقد يسكن التاء ويدغم فى الدال فيصير ودا ، والوتدان من الأذن تشبيها بالوتد للنتو فيهما.
(وتر) : الوتر فى العدد خلاف الشفع وقد تقدم الكلام فيه فى قوله :
وَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وأوتر فى الصلاة. والوتر والوتر ، والترة : الذحل ، وقد وترته إذا أصبته بمكروه ، قال : وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ والتواتر تتابع الشيء وترا وفرادى وجاءوا تترى : ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا ولا وتيرة فى كذا ولا غميزة ولا غيرة ، والوتيرة السجية من التواتر ، وقيل للحلقة التي يتعلم عليها الرمي الوتيرة وكذلك للأرض المنقادة ، والوتيرة الحاجز بين المنخرين.

(1/3678)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 580
(وثق) : وثقت به أثق ثقة : سكنت اليه واعتمدت عليه ، وأوثقته شددته ، والوثاق والوثاق اسمان لما يوثق به الشيء ، والوثقى تأنيث الأوثق. قال تعالى : وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ - حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ والميثاق عقد مؤكد بيمين وعهد ، قال : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ - وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ - وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً والموثق الاسم منه قال : حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ إلى قوله : مَوْثِقَهُمْ والوثقى قريبة من الموثق ، قال :
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وقالوا رجل ثقة وقوم ثقة ويستعار للموثوق به ، وناقة موثقة الخلق محكمته.
(وثن) : الوثن واحد الأوثان وهو حجارة كانت تعبد ، قال : إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وقيل أوثنت فلانا أجزلت عطيته ، وأوثنت من كذا أكثرت منه.
(وجب) : الوجوب الثبوت. والواجب يقال على أوجه : الأول فى مقابلة الممكن وهو الحاصل الذي إذا قدر كونه مرتفعا حصل منه محال نحو وجود الواحد مع وجود الاثنين فإنه محال أن يرتفع الواحد مع حصول الاثنين. الثاني :
يقال فى الذي إذا لم يفعل يستحق به اللوم ، وذلك ضربان : واجب من جهة العقل كوجوب معرفة الوحدانية ومعرفة النبوة ، وواجب من جهة الشرع كوجوب العبادات الموظفة. ووجبت الشمس إذا غابت كقولهم سقطت ووقعت ، ومنه قوله تعالى : فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها ووجبت القلب وجيبا كل ذلك اعتبار بتصور الوقوع فيه ، ويقال فى كله أوجب. وعبر بالموجبات عن الكبائر التي أوجب اللَّه عليها النار. وقال بعضهم الواجب يقال على وجهين ، أحدهما : أن يراد به اللازم الوجوب فإنه لا يصح أن لا يكون موجودا كقولنا فى اللَّه جل جلاله واجب وجوده. والثاني : الواجب بمعنى أن حقه أن يوجد. وقول الفقهاء الواجب ما إذا لم يفعله يستحق العقاب وذلك وصف له بشىء عارض له لا بصفة لازمة له ويجرى مجرى من يقول الإنسان الذي مشى مشى برجلين منتصب القامة.
(وجد) : الوجود أضرب : وجود بإحدى الحواس الخمس نحو :
وجدت زيدا ، ووجدت طعمه. ووجدت صوته ، ووجدت خشونته ، ووجود بقوة الشهوة نحو : وجدت الشبع ووجود بقوة الغضب كوجود الحزن

(1/3679)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 581
و السخط. ووجود بالعقل أو بواسطة العقل كمعرفة اللَّه تعالى ومعرفة النبوة :
و ما ينسب إلى اللَّه تعالى من الوجود فبمعنى العلم المجرد إذ كان اللَّه منزها عن الوصف بالجوارح والآلات نحو : وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ - وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ وكذلك المعدوم يقال على هذه الأوجه. فأما وجود اللَّه تعالى للأشياء فبوجه أعلى من كل هذا ويعبر عن التمكن من الشيء بالوجود نحو : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ أي حيث رأيتموهم ، وقوله : فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ أي تمكن منهما وكانا يقتتلان ، وقوله : وَجَدْتُ امْرَأَةً إلى قوله :
يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ فوجود بالبصر والبصيرة فقد كان منه مشاهدة بالبصر واعتبار لحالها بالبصيرة ، ولو لا ذلك لم يكن له أن يحكم بقوله : وَجَدْتُها وَقَوْمَها الآية ، وقوله : فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فمعناه فلم تقدروا على الماء ، وقوله : مِنْ وُجْدِكُمْ أي تمكنكم وقدر غناكم ، ويعبر عن الغنى بالوجدان والجدة ، وقد حكى فيه الوجد والوجد والوجد ، ويعبر عن الحزن والحب بالوجد ، وعن الغضب بالموجدة ، وعن الضالة بالوجود. وقال بعضهم الموجودات ثلاثة أضرب : موجود لا مبدأ له ولا منتهى ، وليس ذلك إلا الباري تعالى ، وموجود له مبدأ ومنتهى كالناس فى النشأة الأولى وكالجواهر الدنيوية ، وموجود له مبدأ وليس له منتهى ، كالناس فى النشأة الآخرة.
(وجس) : الوجس الصوت الخفي والتوجس التسمع والإيجاس وجود ذلك فى النفس ، قال : فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً فالوجس قالوا هو حالة تحصل من النفس بعد الهاجس لأن الهاجس مبتدأ التفكير ثم يكون الواجس الخاطر.
(وجل) : الوجل استشعار الخوف ، يقال وجل يوجل وجلا فهو وجل ، قال : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ - إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ - قالُوا لا تَوْجَلْ - وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ.
(وجه) : أصل الوجه الجارحة ، قال : فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ - وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ولما كان الوجه أول ما يستقبلك ، وأشرف ما فى ظاهر البدن استعمل فى مستقبل كل شىء وفى أشرفه ومبدئه فقيل وجه كذا ووجه النهار. وربما عبر عن الذات بالوجه فى قول اللَّه : وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ قيل ذاته وقيل أراد بالوجه هاهنا التوجه إلى اللَّه تعالى بالأعمال

(1/3680)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 582
الصالحة. وقال : فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ - كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ - يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ - إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ قيل إن الوجه فى كل هذا ذاته ويعنى بذلك كل شىء هالك إلا هو ، وكذا فى أخواته. وروى أنه قيل ذلك لأبى عبد اللَّه بن الرضا فقال سبحان اللَّه لقد قالوا قولا عظيما إنما عنى الوجه الذي يؤتى منه.
ومعناه كل شىء من أعمال العباد هالك وباطل إلا ما أريد به اللَّه ، وعلى هذا الآيات الأخر ، وعلى هذا قوله : يُرِيدُونَ وَجْهَهُ - يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وقوله :
وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فقد قيل أراد به الجارحة واستعارها كقولك فعلت كذا بيدي ، وقيل أراد بالإقامة تحرى الاستقامة ، وبالوجه التوجه ، والمعنى أخلصوا العبادة للَّه فى الصلاة. وعلى هذا النحو قوله : فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وقوله : وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى - وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وقوله : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فالوجه فى كل هذا كما تقدم ، أو على الاستعارة للمذهب والطريق. وفلان وجه القوم كقولهم عينهم ورأسهم ونحو ذلك. وقال : وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى وقوله : آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ أي صدر النهار.
ويقال واجهت فلانا جعلت وجهى تلقاء وجهه. ويقال للقصد وجه ، وللمقصد جهة ووجهة وهى حيثما نتوجه للشىء ، قال : لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها
إشارة إلى الشريعة كقوله شرعة ، وقال بعضهم : الجاه مقلوب عن الوجه لكن الوجه يقال فى العضو والحظوة ، والجاه لا يقال إلا فى الحظوة. ووجهت الشيء أرسلته فى جهة واحدة فتوجه وفلان وجيه ذو جاه ، قال : وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وأحمق ما يتوجه به : كناية عن الجهل بالتفرط ، وأحمق ما يتوجه ، بفتح الياء وحذف به عنه ، أي لا يستقيم فى أمر من الأمور لحمقه والتوجيه فى الشعر الحرف الذي بين ألف التأسيس وحرف الروى.
(وجف) : الوجيف سرعة السير ، وأوجفت البعير أسرعته ، قال :
فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وقيل أدل فأمل ، وأوجف فأعجف أي حمل الفرس على الإسراع فهزله بذلك ، قال : قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ أي مضطربة كقولك طائرة وخافقة ، ونحو ذلك من الاستعارات لها.

(1/3681)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 583
(وحد) : الوحدة الانفراد والواحد فى الحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له البتة ، ثم يطلق على كل موجود حتى أنه ما من عدد إلا ويصح أن يوصف به فيقال عشرة واحدة ومائة واحدة وألف واحد ، فالواحد لفظ مشترك يستعمل على خمسة أوجه : الأول ما كان واحدا فى الجنس أو فى النوع كقولنا الإنسان والفرس واحد فى الجنس ، وزيد وعمرو واحد فى النوع. الثاني : ما كان واحدا بالاتصال إما من حيث الخلقة كقولك شخص واحد وإما من حيث الصناعة كقولك حرفة واحدة. الثالث : ما كان واحدا لعدم نظيره إما فى الخلقة كقولك الشمس واحدة وإما فى دعوى الفضيلة كقولك فلان واحد دهره ، وكقولك نسيج وحده.
الرابع : ما كان واحدا لامتناع التجزى فيه إما لصغره كالهباء ، وإما لصلابته كالألماس ، الخامس : للمبدأ إما لمبدأ العدد كقولك واحد اثنان ، وإما لمبدأ الخط كقولك النقطة الواحدة. والوحدة فى كلها عارضة ، وإذا وصف اللَّه تعالى بالواحد فمعناه هو الذي لا يصح عليه التجزى ولا التكثر ، ولصعوبة هذه الوحدة قال تعالى : وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ، والوحد المفرد ويوصف به غير اللَّه تعالى ، كقول الشاعر :
على مستأنس وحد
و أحد مطلقا لا يوصف به غير اللَّه تعالى. وقد تقدم فيما مضى ، ويقال فلان لا واحد له ، كقولك هو نسيج وحده ، وفى الذم يقال هو عيير وحده وجحيش وحده ، وإذا أريد ذم أقل من ذلك قيل
: أصل الوحى الإشارة السريعة ولتضمن السرعة قيل أمر وحي وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض ، وقد يكون بصوت مجرد

(1/3682)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 584
عن التركيب وبإشارة ببعض الجوارح ، وبالكتابة ، وقد حمل على ذلك قوله تعالى عن زكريا : فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا فقد قيل رمز وقيل اعتبار وقيل كتب ، وعلى هذه الوجوه قوله :
وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وقوله : وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ فذلك بالوسواس المشار إليه بقوله : مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ و
بقوله عليه الصلاة والسلام : «و إن للشيطان لمة الخير»
و يقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه وحي وذلك أضرب حسبما دل عليه قوله : وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً - إلى قوله - بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ وذلك إما برسول مشاهد ترى ذاته ويسمع كلامه كتبليغ جبريل عليه السلام للنبى فى صورة معينة ، وإما بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى كلام اللَّه ، وإما بإلقاء فى الروع كما
ذكر عليه الصلاة والسلام : «إن روح القدس نفث فى روعى»
، وإما بالإلهام نحو : وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ وإما بتسخير نحو قوله : وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أو بمنام كما
قال عليه الصلاة والسلام : «انقطع الوحى وبقيت المبشرات رؤيا المؤمن فالإلهام والتسخير والمنام»
دل عليه قوله : إِلَّا وَحْياً وسماع الكلام معاينة دل عليه قوله : أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ وتبليغ جبريل فى صورة معينة دل عليه قوله :
أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ وقوله : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ فذلك لمن يدعى شيئا من أنواع ما ذكرناه من الوحى أي نوع ادعاه من غير أن حصل له ، وقوله : وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ الآية فهذا الوحى هو عام فى جميع أنواعه وذلك أن معرفة وحدانية اللَّه تعالى ومعرفة وجوب عبادته ليست مقصورة على الوحى المختص بأولى العزم من الرسل بل يعرف ذلك بالعقل والإلهام كما يعرف بالسمع. فإذا القصد من الآية تنبيه أنه من المحال أن يكون رسول لا يعرف وحدانية اللَّه ووجوب عبادته ، وقوله تعالى : وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ فذلك وحي بوساطة عيسى عليه السلام ، وقوله : وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ فذلك وحي إلى الأمم بوساطة الأنبياء. ومن الوحى المختص بالنبي عليه الصلاة والسلام : اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ - قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ وقوله : وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ فوحيه إلى موسى بوساطة جبريل ، ووحيه تعالى إلى هرون بوساطة جبريل وموسى ، وقوله : إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ

(1/3683)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 585
فذلك وحي إليهم بوساطة اللوح والقلم فيما قيل ، وقوله :
وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها فإن كان الوحى إلى أهل السماء فقط فالموحى إليهم محذوف ذكره كأنه قال أوحى إلى الملائكة لأن أهل السماء هم الملائكة ، ويكون كقوله : إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ وإن كان الموحى إليه هى السموات فذلك تسخير عند من يجعل السماء غير حى ، ونطق عند من جعله حيا ، وقوله : بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها فقريب من الأول وقوله : وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ فحث على التثبت فى السماع وعلى ترك الاستعجال فى تلقيه وتلقنه.
(ودد) : الود محبة الشيء وتمنى كونه ، ويستعمل فى كل واحد من المعنيين على أن التمني يتضمن معنى الود لأن التمني هو تشهى حصول ما توده ، وقوله : وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً وقوله : سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا فإشارة إلى ما أوقع بينهم من الألفة المذكورة فى قوله : لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ الآية. وفى المودة التي تقتضى المحبة المجردة فى قوله : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وقوله : وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ - إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ فالودود يتضمن ما دخل فى قوله : فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وتقدم معنى محبة اللَّه لعباده ومحبة العباد له ، قال بعضهم : مودة اللَّه لعباده هى مراعاته لهم.
روى أن اللَّه تعالى قال لموسى : أنا لا أغفل عن الصغير لصغره ولا عن الكبير لكبره ، وأنا الودود الشكور
فيصح أن يكون معنى :
سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا معنى قوله : فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ومن المودة التي تقتضى معنى التمني : وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وقال : رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ وقال :
وَدُّوا ما عَنِتُّمْ - وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ - وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ - وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا - يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وقوله : لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فنهى عن موالاة الكفار وعن مظاهرتهم كقوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ إلى قوله : بِالْمَوَدَّةِ أي بأسباب المحبة من النصيحة ونحوها : كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ وفلان وديد فلان :
مواده ، والود صنم سمى بذلك إما لمودتهم له أو لاعتقادهم أن بينه وبين الباري

(1/3684)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 586
مودة تعالى اللَّه عن القبائح. والود الوتد وأصله يصح أن يكون وتد فأدغم وأن يكون لتعلق ما يشد به أو لثبوته فى مكانه فتصور منه معنى المودة والملازمة.
(ودع) : الدعة الخفض يقال ودعت كذا أدعه ودعا نحو تركته وادعا وقال بعض العلماء ، لا يستعمل ماضيه واسم فاعله وإنما يقال يدع ودع ، وقد قرىء : ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وقال الشاعر :
ليت شعرى عن خليلى ما الذي غاله فى الحب حتى ودعه
و التودع ترك النفس عن المجاهدة ، وفلان متدع ومتودع وفى دعة إذا كان فى خفض عيش وأصله من الترك أي بحيث ترك السعى لطلب معاشه لعناء ، والتوديع أصله من الدعة وهو أن تدعو للمسافر بأن يتحمل اللَّه عنه كآبة السفر وأن يبلغه الدعة ، كما أن التسليم دعاء له بالسلامة فصار ذلك متعارفا فى تشييع المسافر وتركه ، وعبر عن الترك به فى قوله : ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ كقولك ودعت فلانا نحو خليته ، ويكنى بالمودع عن الميت ومنه قيل استودعتك غير مودع ، ومنه قول الشاعر :
ودعت نفسى ساعة التوديع
(ودق) : الودق قيل ما يكون من خلال المطر كأنه غبار وقد يعبر به عن المطر ، قال : فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ ويقال لما يبدو فى الهواء عند شدة الحر وديقة ، وقيل ودقت الدابة واستودقت ، وأتاق وديق وودوق إذا أظهرت رطوبة عند إرادة الفحل ، والمودق المكان الذي يحصل فيه الودق وقول الشاعر :
تعفى بذيل المرط إذ جئت مودقى
تعفى أي تزيل الأثر ، والمرط لباس النساء فاستعارة وتشبيه لأثر موطىء القدم بأثر موطىء المطر.
(ودى) : قال : إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ أصل الوادي الموضع الذي يسيل فيه الماء ، ومنه سمى المفرج بين الجبلين واديا ، وجمعه أودية ، نحو ناد وأندية وناج وأنجية ، ويستعار الوادي للطريقة كالمذهب والأسلوب فيقال فلان فى واد

(1/3685)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 587
غير واديك ، قال : أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ فإنه يعنى أساليب الكلام من المدح والهجاء والجدل والغزل وغير ذلك من الأنواع قال الشاعر :
إذا ما قطعنا واديا من حديثنا إلى غيره زدنا الأحاديث واديا
و
قال عليه الصلاة والسلام : «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا»
، وقال تعالى : فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها أي بقدر مياهها. ويقال ودى يدى وكنّى بالودى عن ماء الفحل عند الملاعبة وبعد البول فيقال فيه أودى نحو أمدى وأمنى. ويقال ودى وأودى ومنى وأمنى ، والودي صغار الفسيل اعتبارا بسيلانه فى الطول ، وأوداه أهلكه كأنه أسال دمه ، ووديت القتيل أعطيت ديته ، ويقال لما يعطى فى الدم دية ، قال تعالى : فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ.
(وذر) : يقال فلان يذر الشيء أي يقذفه لقلة اعتداده به ولم يستعمل ماضيه ، قال تعالى : قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا - وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ - فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ - وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إلى أمثاله وتخصيصه فى قوله : وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ولم يقل يتركون ويخلفون فإنه يذكر فيما بعد هذا الكتاب إن شاء اللَّه. والوذرة قطعة من اللحم وتسميتها بذلك لقلة الاعتداد بها نحو قولهم فيما لا يعتد به هو لحم على وضم.
(ورث) : الوراثة والإرث انتقال قنية إليك عن غيرك من غير عقد ولا ما يجرى مجرى العقد ، وسمى بذلك فقلبت عن الميت فيقال للقنية الموروثة ميراث وإرث. وتراث أصله وراث فقلبت الواو ألفا وتاء ، قال : وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ و
قال عليه الصلاة والسلام : «اثبتوا على مشاعركم فإنكم على إرث أبيكم»
أي أصله وبقيته ، قال الشاعر :
فينظر فى صحف كالربا ط فيهن إرث كتاب محى
و يقال ورثت مالا عن زيد ، وورثت زيدا ، قال : وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ - وَوَرِثَهُ أَبَواهُ - وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ويقال أورثنى الميت كذا ، وقال : وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً وأورثنى اللَّه كذا ، قال : وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ - وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ - وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ - وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الآية وقال : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ويقال لكل من حصل له شىء من غير

(1/3686)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 588
تعب قد ورث كذا ، ويقال لمن خول شيئا مهنئا أورث ، قال تعالى : وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها - أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ وقوله : وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ فإنه يعنى وراثة النبوة والعلم والفضيلة دون المال ، فالمال لا قدر له عند الأنبياء حتى يتنافسوا فيه ، بل قلما يقتنون المال ويملكونه ، ألا ترى أنه
قال عليه الصلاة والسلام «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة»
نصب على الاختصاص فقد قيل ما تركناه هو العلم وهو صدقة تشترك فيها الأمة ، وما
روى عنه عليه الصلاة والسلام من قوله : «العلماء ورثة الأنبياء»
فإشارة إلى ما ورثوه من العلم. واستعمل لفظ الورثة لكون ذلك بغير ثمن ولا منة ، و
قال لعلى رضى اللَّه عنه : «أنت أخى ووارثي ، قال : وما أرثك؟ قال. ما ورثت الأنبياء قبلى ، كتاب اللَّه وسنتى»
و وصف اللَّه تعالى نفسه بأنه الوارث من حيث إن الأشياء كلها صائرة إلى اللَّه تعالى ، قال اللَّه تعالى : وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وقال : وَنَحْنُ الْوارِثُونَ وكونه تعالى وارثا لما
روى : «أنه ينادى لمن الملك اليوم؟ فيقال للَّه الواحد القهار»
و يقال ورثت علما من فلان أي استفدت منه ، قال تعالى : وَرِثُوا الْكِتابَ - أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ - ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ - يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ فإن الوراثة الحقيقية هى أن يحصل للإنسان شىء لا يكون عليه فيه تبعة ولا عليه محاسبة ، وعباد اللَّه الصالحون لا يتناولون شيئا من الدنيا إلا بقدر ما يجب وفى وقت ما يجب وعلى الوجه الذي يجب ومن تناول الدنيا على هذا الوجه لا يحاسب عليها ولا يعاقب بل يكون ذلك له عفوا صفوا كما
روى أنه : «من حاسب نفسه فى الدنيا لم يحاسبه اللَّه فى الآخرة».
(ورد) : الورود أصله قصد الماء ثم يستعمل فى غيره يقال وردت الماء أرد ورودا ، فأنا وارد والماء مورود ، وقد أوردت الإبل الماء ، قال : وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ والورد الماء المرشح للورود ، والورد خلاف الصدر ، والورد يوم الحمى إذا وردت واستعمل فى النار على سبيل الفظاعة ، قال : فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ - إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً - أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ - ما وَرَدُوها والوارد الذي يتقدم القوم فيسقى لهم ، قال : فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ أي ساقيهم من الماء المورود ، ويقال لكل من يرد الماء وارد ، وقوله : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها فقد قيل منه وردت ماء كذا إذا حضرته وإن لم تشرع فيه ، وقيل بل يقتضى ذلك الشروع ولكن من كان من أولياء اللَّه الصالحين لا يؤثر فيهم بل يكون حاله فيها كحال إبراهيم عليه السلام حيث قال : قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ والكلام فى هذا الفصل إنما هو لغير هذا النحو الذي نحن بصدده الآن ويعبر عن المحموم بالمورود ، وعن إتيان الحمى بالورد ، وشعر وارد

(1/3687)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 589
قد ورد العجز أو المتن ، والوريد عرق يتصل بالكبد والقلب وفيه مجارى الدم والروح ، قال تعالى : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ أي من روحه.
والورد قيل هو من الوارد وهو الذي يتقدم إلى الماء وتسميته بذلك لكونه أول ما يرد من ثمار السنة ، ويقال لنور كل شجرة ورد ، ويقال ورد الشجر خرج نوره ، وشبه به لون الفرس فقيل فرس ورد وقيل فى صفة السماء إذا احمرت احمرارا كالورد أمارة للقيامة ، قال تعالى : فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ.
(ورق) : ورق الشجر جمعه أوراق الواحدة ورقة ، قال تعالى :
وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها ، وورقت الشجرة : أخذت ورقها ، والوارقة الشجرة الخضراء الورق الحسنة ، وعام أورق لا مطر له ، وأورق فلان إذا أخفق ولم ينل الحاجة كأنه صار ذا ورق بلا ثمر ، ألا ترى أنه عبر عن المال بالثمر فى قوله : وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ قال ابن عباس رضى اللَّه عنه : هو المال وباعتبار لونه فى حال نضارته قيل بعير أورق إذا صار على لونه ، وبعير أورق :
لونه لون الرماد ، وحمامة ورقاء. وعبر به عن المال الكثير تشبيها فى الكثرة بالورق كما عبر عنه بالثرى وكما شبه بالتراب وبالسيل كما يقال : له مال كالتراب والسيل والثرى ، قال الشاعر :
و اغفر خطاياى وثمّر ورقى
و الورق بالكسر الدراهم ، قال تعالى : فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ وقرىء : (بورقكم وبورقكم) ، ويقال ورق وورق ، نحو كبد وكبد.
(ورى) : يقال واريت كذا إذا سترته ، قال تعالى : قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وتوارى استتر ، قال : حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ و
روى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد غزوا ورى بغيره ، وذلك إذا ستر خبرا وأظهر غيره.
والورى ، قال الخليل : الورى الأنام الذين على وجه الأرض فى الوقت ، ليس من مضى ولا من يتناسل بعدهم ، فكأنهم الذين يسترون الأرض بأشخاصهم ، ووراء إذا قيل وراء زيد كذا فإنه يقال لمن خلفه نحو قوله : وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ - ارْجِعُوا وَراءَكُمْ - فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ ويقال لما كان قدامه نحو قوله : وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ وقوله :

(1/3688)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 590
أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ فإن ذلك يقال فى أي جانب من الجدار ، فهو وراءه باعتبار الذي فى الجانب الآخر. وقوله : وَراءَ ظُهُورِهِمْ أي خلفتموه بعد موتكم وذلك تبكيت لهم فى أن لم يتوصولا بما لهم إلى اكتساب ثواب اللَّه تعالى به وقوله : فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ فتبكيت لهم أي لم يعملوا به ولم يتدبروا آياته ، وقوله : فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ أي من ابتغى أكثر مما بيناه وشرعناه من تعرض لمن يحرم التعرض له فقد تعدى طوره وخرق ستره : وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ اقتضى معنى ما بعده ، ويقال ورى الزند يرى وريا إذا خرجت ناره وأصله أن يخرج النار من وراء المقدح كأنما تصور كمونها فيه كما قال :
ككمون النار فى حجره
يقال ورى يرى مثل ولى يلى ، قال تعالى : أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ويقال فلان وارى الزند إذا كان منجحا ، وكابى الزند إذا كان مخفقا ، واللحم الواري السمين. والوراء ولد الولد وقولهم وراءك للإغراء ومعناه تأخر ، يقال وراءك أوسع لك ، نصب بفعل مضمر أي ائت وقيل تقديره يكن أوسع لك أي تنح ، وائت مكانا أوسع لك. والتوراة الكتاب الذي ورثوه عن موسى وقد قيل هو فوعلة ولم يجعل تفعلة لقلة وجود ذلك والتاء بدل من الواو نحو تيقور لأن أصله ويقور ، التاء بدل الواو من الوقار وقد تقدم.
(وزر) : الوزر الملجأ الذي يلتجأ إليه من الجبل ، قال تعالى : كَلَّا لا وَزَرَ إِلى رَبِّكَ والوزر الثقل تشبيها بوزر الجبل ويعبر بذلك عن الإثم كما يعبر عنه بالثقل ، قال : لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً الآية ، كقوله : وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وحمل وزر الغير فى الحقيقة هو على نحو ما
أشار إليه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله : «من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجره شىء ، ومن سن سنة سيئة كان له وزرها ووزر من عمل بها»
أي مثل وزر من عمل بها. وقوله تعالى : وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أي لا يحمل وزره من حيث يتعرى المحمول عنه ، وقوله : وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ أي ما كنت فيه من أمر الجاهلية فأعفيت بما خصصت به عن تعاطى ما كان عليه قومك ، والوزير المتحمل ثقل أميره وشغله ، والوزارة على بناء الصناعة. وأوزار الحرب واحدها وزر : آلتها من السلاح. والموازرة المعاونة ، يقال وازرت فلانا موازرة أعنته على أمره ، قال : وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي - وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ.

(1/3689)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 591
(وزع) : يقال وزعته عن كذا كففته عنه ، قال تعالى : وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ إلى قوله : فَهُمْ يُوزَعُونَ فقوله : يُوزَعُونَ إشارة إلى أنهم مع كثرتهم وتفاوتهم لم يكونوا مهملين ومبعدين كما يكون الجيش الكثير المتأذى بمعرتهم بل كانوا مسوسين ومقموعين. وقيل فى قوله : يُوزَعُونَ أي حبس أولهم على آخرهم وقوله : وَيَوْمَ يُحْشَرُ إلى قوله : فَهُمْ يُوزَعُونَ فهذا وزع على سبيل العقوبة كقوله : وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ وقيل لا بد للسلطان من وزعة ، وقيل الوزوع الولوع بالشيء ، يقال أوزع اللَّه فلانا إذا ألهمه الشكر وقيل هو من أوزع بالشيء إذا أولع به كأن اللَّه تعالى يوزعه بشكره ، ورجل وزوع وقوله : رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ قيل معناه ألهمنى وتحقيقه أولعنى ذلك واجعلنى بحيث أزع نفسى عن الكفران.
(وزن) : الوزن معرفة قدر الشيء ، يقال وزنته وزنا وزنة ، والمتعارف فى الوزن عند العامة ما يقدر بالقسط والقبان. وقوله : وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ - وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ إشارة إلى مراعاة المعدلة فى جميع ما يتحراه الإنسان من الأفعال والأقوال. وقوله تعالى : وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ فقد قيل هو المعادن كالفضة والذهب ، وقيل بل ذلك إشارة إلى كل ما أوجده اللَّه تعالى وأنه خلقه باعتدال كما قال تعالى : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ وقوله : وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فإشارة إلى العدل فى محاسبة الناس كما قال : وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ وذكر فى مواضع الميزان بلفظ الواحد اعتبارا بالمحاسب وفى مواضع بالجمع اعتبارا بالمحاسبين ويقال وزنت لفلان ووزنته كذا ، قال تعالى : وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ، ويقال قام ميزان النهار إذا انتصف.
(وسوس) : الوسوسة الخطرة الرديئة وأصله من الوسواس وهو صوت الحلي والهمس الخفي ، قال تعالى : فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ وقال : مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ ويقال لهمس الصائد وسواس.
(وسط) : وسط الشيء ماله طرفان متساويا القدر ويقال ذلك فى الكمية المتصلة كالجسم الواحد إذا قلت وسطه صلب وضربت وسط رأسه بفتح السين ، ووسط بالسكون. يقال فى الكمية المنفصلة كشىء يفصل بين جسمين

(1/3690)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 592
نحو وسط القوم كذا والوسط تارة يقال فيما له طرفان مذمومان يقال هذا أوسطهم حسبا إذا كان فى واسطة قومه ، وأرفعهم محلا وكالجود الذي هو بين البخل والسرف فيستعمل استعمال القصد المصون عن الإفراط والتفريط ، فيمدح به نحو السواء والعدل والنصفة ، نحو قوله : وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً وعلى ذلك : قالَ أَوْسَطُهُمْ وتارة يقال فيما له طرف محمود وطرف مذموم كالخير والشر ويكنى به عن الرذل نحو قولهم فلان وسط من الرجال تنبيها أنه قد خرج من حد الخير. وقوله : حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى فمن قال الظهر فاعتبار بالنهار ومن قال المغرب فلكونها بين الركعتين وبين الأربع اللتين بنى عليهما عدد الركعات ، ومن قال الصبح فلكونها بين صلاة الليل والنهار ، قال ولهذا قال : أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ الآية أي صلاته وتخصيصها بالذكر لكثرة الكسل عنها إذ قد يحتاج إلى القيام إليها من لذيذ النوم ولهذا زيد فى أذانه :
الصلاة خير من النوم ، و
من قال صلاة العصر فقد روى ذلك عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
فلكون وقتها فى أثناء الأشغال لعامة الناس بخلاف سائر الصلوات التي لها فراغ إما قبلها وإما بعدها ولذلك توعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليها
فقال : «من فاته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله».
(وسع) : السعة تقال فى الأمكنة وفى الحال وفى الفعل كالقدرة والجود ونحو ذلك ، ففى المكان نحو قوله : إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ
- أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً وفى الحال قوله تعالى : لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وقوله : عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ والوسع من القدرة ما يفضل عن قدر المكلف ، قال :
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها تنبيها أنه يكلف عبده دوين ما ينوء به قدرته ، وقيل معناه يكلفه ما يثمر له السعة أي جنة عرضها السموات والأرض كما قال :
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وقوله : وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً فوصف له نحو قوله : أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً وقوله : وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ - وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً فعبارة عن سعة قدرته وعلمه ورحمته وإفضاله كقوله : وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً - وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وقوله :
وَ إِنَّا لَمُوسِعُونَ فإشارة إلى نحو قوله : الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ووسع الشيء اتسع والوسع الجدة والطاقة ، ويقال ينفق على قدر وسعه. وأوسع فلان إذا كان له الغنى ، وصار ذا سعة ، وفرس وساع الخطو شديد العدو.

(1/3691)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 593
(وسق) : الوسق جمع المتفرق ، يقال وسقت الشيء إذا جمعته ، وسمى قدر معلوم من الحمل كحمل البعير وسقا ، وقيل هو ستون صاعا ، وأوسقت البعير حملته حمله ، وناقة واسق ونوق مواسيق إذا حملت. ووسقت الحنطة جعلتها وسقا ووسقت العين الماء حملته ، ويقولون لا أفعله ما وسقت عينى الماء. وقوله :
وَ اللَّيْلِ وَما وَسَقَ قيل وما جمع من الظلام ، وقيل عبارة عن طوارق الليل ، ووسقت الشيء جمعته ، والوسيقة الإبل المجموعة كالرفقة من الناس ، والاتساق الاجتماع والاطراد ، قال اللَّه تعالى : وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ.
(وسل) : الوسيلة التوصل إلى الشيء برغبة وهى أخص من الوصيلة لتضمنها لمعنى الرغبة ، قال تعالى : وَابْتَغُوا إِلَيْهِ ا
(وسم) :
ن يقال لتصور النوم منه لا لتصور الغشيان.

(1/3692)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 594
(وسى) : موسى من جعله عربيّا فمنقول عن موسى الحديد ، يقال أوسيت رأسه حلقته.
(وشى) : وشيت الشيء وشيا جعلت فيه أثرا يخالف معظم لونه ، واستعمل الوشي فى الكلام تشبيها بالمنسوج ، والشية فعلة من الوشي ، قال تعالى :
مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها وثور موشى القوائم. والواشي يكنى به عن النمام ، ووشى فلان كلامه عبارة عن الكذب نحو موهه وزخرفه.
(وصب) : الوصب السقم اللازم ، وقد وصب فلان فهو وصب وأوصبه كذا فهو يتوصب نحو يتوجع ، قال تعالى : وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ - وَلَهُ الدِّينُ واصِباً فتوعد لمن اتخذ إلهين ، وتنبيه أن جزاء من فعل ذلك عذاب لازم شديد ، ويكون الدين هاهنا الطاعة ، ومعنى الواصب الدائم أي حق الإنسان أن يطيعه دائما فى جميع أحواله كما وصف به الملائكة حيث قال : لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ويقال : وصب وصوبا دام ، ووصب الدين وجب ، ومفازة واصبة بعيدة لا غاية لها.
(وصد) : الوصيدة حجرة تجعل للمال فى الجبل ، يقال أوصدت الباب وآصدته أي أطبقته وأحكمته ، وقال تعالى : عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ وقرىء بالهمز مطبقة ، والوصيد المتقارب الأصول.
(وصف) : الوصف ذكر الشيء بحليته ونعته ، والصفة الحالة التي عليها الشيء من حليته ونعته كالزنة التي هى قدر الشيء ، والوصف قد يكون حقا باطلا ، قال تعالى : وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ تنبيها على كون ما يذكرونه كذبا ، وقوله عز وجل : رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ تنبيه على أن أكثر صفاته ليس على حسب ما يعتقده كثير من الناس لم يتصور عنه تمثيل وتشبيه وأنه يتعالى عما يقول الكفار ، ولهذا قال عزّ وجلّ : وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى ويقال اتصف الشيء فى عين الناظر إذا احتمل الوصف ، ووصف البعير وصوفا إذا أجاد السير ، والوصيف الخادم والوصيفة الخادمة ، ويقال وصف الجارية.
(وصل) : الاتصال اتحاد الأشياء بعضها ببعض كاتحاد طرفى الدائرة ، ويضاد الانفصال ويستعمل الوصل فى الأعيان وفى المعاني ، يقال وصلت فلانا ،

(1/3693)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 595
قال اللَّه تعالى : وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ فقوله : إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أي ينسبون ، يقال فلان متصل بفلان إذا كان بينهما نسبة أو مصاهرة ، وقوله عز وجل : وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ أي أكثرنا لهم القول موصولا بعضه ببعض ، وموصل البعير كل موضعين حصل بينهما وصلة نحو ما بين العجز والفخذ ، وقوله : وَلا وَصِيلَةٍ وهو أن أحدهم كان إذا ولدت له شاته ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلا يذبحون أخاها من أجلها ، وقيل الوصيلة العمارة والخصب والوصيلة الأرض الواسعة ، ويقال هذا وصل هذا أي صلته.
(وصى) : الوصية التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ من قولهم أرض واصية متصلة النبات ، ويقال أوصاه ووصاه ، قال تعالى : وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ وقرىء : (وأوصى) قال اللَّه عزّ وجلّ : وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ - وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ - مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها - حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ووصى أنشأ فضله وتواصى القوم إذا أوصى بعضهم إلى بعض ، قال : وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ - أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ.
(وضع) : الوضع أعم من الحط ومنه الموضع ، قال تعالى : يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ويقال ذلك فى الحمل والحمل ويقال وضعت الحمل فهو موضوع ، قال تعالى : وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ - وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ فهذا الوضع عبارة عن الإيجاد والخلق ، ووضعت المرأة ، الحمل وضعها ، قال : فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ فأما الوضع والتضع فأن تحمل فى آخر طهرها فى مقبل الحيض. ووضع البيت بناؤه ، قال اللَّه تعالى :
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ - وَوُضِعَ الْكِتابُ هو إبراز أعمال العباد نحو قوله : وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً ووضعت الدابة تضع فى سيرها أسرعت ودابة حسنة الموضوع وأوضعتها حملتها على الإسراع ، قال اللَّه عزّ وجلّ : وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ والوضع فى السير استعارة كقولهم ألقى باعه وثقله ونحو ذلك ، والوضيعة الحطيطة من رأس المال ، وقد وضع الرجل فى تجارته يوضع إذا خسر ، ورجل وضيع بين الضعة فى مقابلة رفيع بين الرفعة.
(وضن) : الوضن نسج الدرع ، ويستعار لكل نسج محكم ، قال تعالى : عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ومنه الوضين وهو حزام الرحل وجمعه وضن.

(1/3694)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 596
(وطر) : الوطر النهمة والحاجة المهمة ، قال اللَّه عزّ وجلّ : فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً.
(وطأ) : وطؤ الشيء فهو وطئ بين الوطاءة والطاة والطئة ، والوطاء ما توطأت به ، ووطأت له بفراشه. ووطأته برجلي أطؤه وطأ ووطاءة ووطأة وتوطأته ، قال اللَّه تعالى : إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وقرىء وطاء و
فى الحديث : «اللهم اشدد وطأتك على مضر»
أي ذللهم. ووطئ امرأته كناية عن الجماع ، صار كالتصريح للعرف فيه ، والمواطأة الموافقة وأصله أن يطأ الرجل برجله موطىء صاحبه ، قال اللَّه عزّ وجلّ : إِنَّمَا النَّسِي ءُ إلى قوله :
لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ.
(وعد) : الوعد يكون فى الخير والشر ، يقال وعدته بنفع وضر وعدا وموعدا وميعادا ، والوعيد فى الشر خاصة يقال منه أوعدته ويقال واعدته وتواعدنا ، قال اللَّه عزّ وجلّ : إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ - أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً - وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ - وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا إلى غير ذلك. ومن الوعد بالشر. وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وكانوا إنما يستعجلونه بالعذاب ، وذلك وعيد ، قال تعالى : قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا - إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ - فَأْتِنا بِما تَعِدُنا - وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ - فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ - الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ومما يتضمن الأمرين قول اللَّه عزّ وجلّ : أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فهذا وعد بالقيامة وجزاء العباد إن خيرا فخير وإن شرا فشر. والموعد والميعاد يكونان مصدرا واسما ، قال تعالى : فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً - لْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
- مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ - بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ - قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ - وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ - إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي البعث : إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ - بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ومن المواعدة قوله : وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا - وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً - وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وأربعين وثلاثين مفعول لا ظرف أي انقضاء ثلاثين وأربعين ، وعلى هذا قوله :
وَ واعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ - وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وإشارة إلى القيامة كقوله عزّ وجلّ : لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ومن الإيعاد قوله : وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وقال : ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي

(1/3695)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 597
وَ خافَ وَعِيدِ
- فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ - لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ورأيت أرضهم واعدة إذا رجى خيرها من النبت ، ويوم واعد حر أو برد ، وعيد الفحل هديره ، وقوله عز وجل : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا إلى قوله : لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ وقوله : لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ تفسير لوعد كما أن قوله عزّ وجلّ : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ تفسير الوصية. وقوله : وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ فقوله : أَنَّها لَكُمْ بدل من قوله إحدى الطائفتين ، تقديره وعدكم اللَّه أن إحدى الطائفتين لكم ، إما طائفة العير وإما طائفة النفير.
والعدة من الوعد ويجمع على عدات ، والوعد مصدر لا يجمع. ووعدت يقتضى مفعولين الثاني منهما مكان أو زمان أو أمر من الأمور نحو وعدت زيدا يوم الجمعة ، ومكان كذا ، وأن أفعل كذا ، فقوله أربعين ليلة لا يجوز أن يكون المفعول الثاني من : واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لأن الوعد لم يقع فى الأربعين بل انقضاء الأربعين وتمامها لا يصح الكلام إلا بهذا.
(وعظ) : الوعظ زجر مقترن بتخويف. قال الخليل هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب والعظة والموعظة الاسم ، قال تعالى : يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ - قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ - ذلِكُمْ تُوعَظُونَ - قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ - وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى - وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ - وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا - فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ.
(وعى) : الوعى حفظ الحديث ونحوه ، يقال وعيته فى نفسه ، قال تعالى : لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ
و الإيعاء حفظ الأمتعة فى الوعاء ، قال تعالى : وَجَمَعَ فَأَوْعى ، قال الشاعر :
و الشر أخبث ما أوعيت من زاد
و قال تعالى : فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ ولا وعى عن كذا أي لا تماسك للنفس دونه ومنه مالى عنه وعى أي بدّ ، ووعى الجرح يعى وعيا جمع المدة ، ووعى العظم اشتد وجمع القوة ، والواعية الصارخة ، وسمعت وعى القوم أي صراخهم.
(وفد) : يقال وفد القوم تفد وفادة وهم وفد ووفود وهم الذين

(1/3696)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 598
يقدمون على الملوك مستنجزين الحوائج ومنه الوافد من الإبل وهو السابق لغيره ، قال تعالى : يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً.
(وفر) : الوفر المال التام ، يقال وفرت كذا تممته وكملته ، أوفره وفرا ووفورا وفرة ووفرته على التكثير ، قال تعالى : فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً ووفرت عرضة إذا لم تنتقصه ، وأرض فى نبتها وفرة إذا كان تامّا ، ورأيت فلانا ذا وفارة أي تام المروءة والعقل ، والوافر ضرب من الشعر.
(وفض) : الإيفاض الإسراع ، وأصله أن يعدو من عليه الوفضة وهى الكنانة تتخشخش عليه وجمعها الوفاض ، قال تعالى : كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ أي يسرعون ، وقيل الأوفاض الفرق من الناس المستعجلة ، يقال لقيته على أوفاض أي على عجلة ، الواحد وفض.
(وفق) : الوفق المطابقة بين الشيئين ، قال تعالى : جَزاءً وِفاقاً يقال وافقت فلانا ووافقت الأمر صادفته ، والاتفاق مطابقة فعل الإنسان القدر ويقال ذلك فى الخير والشر ، يقال اتفق لفلان خير ، واتفق له شر. والتوفيق نحوه لكنه يختص فى المتعارف بالخير دون الشر ، قال تعالى : وما توفاقى إلا بالله ، ويقال أتانا لتيفاق الهلال وميفاقه أي حين اتفق إهلاله.
(وفى) : الوافي الذي بلغ التمام يقال درهم واف وكيل واف وأوفيت الكيل والوزن ، قال تعالى : وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وفى بعهده يفى وفاء وأوفى إذا تمم العهد ولم ينقض حفظه ، واشتقاق ضده وهو الغدر يدل على ذلك وهو الترك والقرآن جاء بأوفى ، قال تعالى : وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ - وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ - بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى - وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا - يُوفُونَ بِالنَّذْرِ - وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ وقوله : وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى فتوفيته أنه بذل المجهود فى جميع ما طولب به مما أشار إليه فى قوله تعالى :
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ من بذل ماله بالإنفاق فى طاعته ، وبذل ولده الذي هو أعز من نفسه للقربان ، وإلى ما نبه عليه بقوله :
(وفى) أشار بقوله تعالى : وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ وتوفية الشيء بذله وافيا واستيفاؤه تناوله وافيا ، قال تعالى : وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وقال : وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ - ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ - إِنَّما يُوَفَّى

(1/3697)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 599
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ
- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها - وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ - فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وقد عبر عن الموت والنوم بالتوفى ، قال تعالى : اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها - وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ - قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ - اللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ - الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ - تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا - أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ - وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ - وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ - تَوَفَّنِي مُسْلِماً - يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ. وقد قيل توفى رفعة واختصاص لا توفى موت. قال ابن عباس : توفى موت لأنه أماته ثم أحياه.
(وقب) : الوقب كالنقرة فى الشيء ووقب إذا دخل فى وقب ومنه وقبت الشمس غابت ، قال تعالى : وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ تغييبه ، والوقيب صوت قنب الدابة وقببة وقبه.
(وقت) : الوقت نهاية الزمان المفروض للعمل ولهذا لا يكاد يقال إلا مقدرا نحو قولهم وقت كذا جعلت له وقتا ، قال تعالى : إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً - وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ والميقات الوقت المضروب للشىء والوعد الذي جعل له وقت ، قال عز وجل : إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ - إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً - إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وقد يقال الميقات للمكان الذي يجعل وقتا للشىء كميقات الحج.
(وقد) : يقال وقدت النار تقد وقودا ووقدا ، والوقود ، يقال للحطب المجعول للوقود ولما حصل من اللهب ، قال تعالى : وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ - أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ - النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ واستوقدت النار إذا ترشحت لإيقادها ، وأوقدتها ، قال تعالى : مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً - وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ - فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ - نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ومنه وقدة الصيف أشد حرا ، واتقد فلان غضبا. ويستعار وقد واتقد للحرب كاستعارة النار والاشتغال ونحو ذلك لها ، قال تعالى : كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وقد يستعار ذلك للتلألؤ ، فيقال اتقد الجوهر والذهب.
(وقذ) : قال تعالى : وَالْمَوْقُوذَةُ أي المقتولة بالضرب.
(وقر) : الوقر الثقل فى الأذن ، يقال وقرت أذنه تقر وتوقر ، قال أبو

(1/3698)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 600
زيد : وقرت توقر فهى موقورة ، قال تعالى : وَفِي آذانِنا وَقْرٌ - وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً والوقر الحمل للحمار وللبغل كالوسق للبعير ، وقد أوقرته ونخلة موقرة وموقرة ، والوقار السكون والحلم ، يقال هو وقور ووقار ومتوقر ، قال تعالى :
ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً وفلان ذو وقرة ، وقوله : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ قيل هو من الوقار. وقال بعضهم هو من قولهم وقرت أقر وقرأ أي جلست ، والوقير القطيع العظيم من الضأن كأن فيها وقارا لكثرتها وبطء سيرها.
(وقع) : الوقوع ثبوت الشيء وسقوطه ، يقال وقع الطائر وقوعا ، والواقعة لا تقال إلا فى الشدة والمكروه ، وأكثر ما جاء فى القرآن من لفظ وقع جاء فى العذاب والشدائد نحو قوله : إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ. لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ وقال : سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ - فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ووقوع القول حصول متضمنه ، قال تعالى : وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا أي وجب العذاب الذي وعدوا لظلمهم ، فقال عز وجل : وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ أي إذا ظهرت أمارات القيامة التي تقدم القول فيها. قال تعالى : قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ وقال : أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ وقال : فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ واستعمال لفظة الوقوع هاهنا تأكيد للوجوب كاستعمال قوله تعالى : كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
- كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ وقوله عز وجل : فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فعبارة عن مبادرتهم إلى السجود ، ووقع المطر نحو سقط ، ومواقع الغيث مساقطه ، والمواقعة فى الحرب ويكنى بالمواقعة عن الجماع ، والإيقاع يقال فى الإسقاط وفى شن الحرب بالوقعة ووقع الحديد صوته. يقال وقعت الحديدة أوقعها وقعا إذا حددتها بالميقعة ، وكل سقوط شديد يعبر عنه بذلك ، وعنه استعير الوقيعة فى الإنسان. والحافر الوقع الشديد الأثر ، ويقال للمكان الذي يستقر الماء فيه الوقيعة ، والجمع الوقائع ، والموضع الذي يستقر فيه الطير موقع ، والتوقيع أثر الدبر بظهر البعير ، وأثر الكتابة فى الكتاب ، ومنه استعير التوقيع فى القصص.
(وقف) : يقال وقفت القوم أقفهم وقفا وواقفوهم وقوفا ، قال تعالى :
وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ومنه استعير وقفت الدار إذا سبلتها ، والوقف سوار من عاج ، وحمار موقف بأرساغه مثل الوقف من البياض كقولهم فرس محجل إذا كان به مثل الحجل ، وموقف الإنسان حيث يقف ، والمواقفة أن يقف كل واحد

(1/3699)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 601
أمره على ما يقفه عليه صاحبه ، والوقيفة الوحشية التي يلجئها الصائد إلى أن تقف حتى تصاد.
(وقى) : الوقاية حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره ، يقال وقيت الشيء أقيه وقاية ووقاء ، قال تعالى : فَوَقاهُمُ اللَّهُ - وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ - وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ
- ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ - قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً والتقوى جعل النفس فى وقاية مما يخاف ، هذا تحقيقه ، ثم يسمى الخوف تارة تقوى ، والتقوى خوفا حسب تسمية مقتضى الشيء بمقتضيه والمقتضى بمقتضاه ، وصار التقوى فى تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثم ، وذلك بترك المحظور ، ويتم ذلك بترك بعض المباحات لما
روى : «الحلال بين ، والحرام بين ، ومن رتع حول الجمى فحقيق أن يقع فيه»
قال اللَّه تعالى : فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ - إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا - وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً ولجعل التقوى منازل قال تعالى : وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ - وَ - اتَّقُوا رَبَّكُمُ - وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ - وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ - اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وتخصيص كل واحد من هذه الألفاظ له ما بعد هذا الكتاب. ويقال اتقى فلان بكذا إذا جعله وقاية لنفسه ، وقوله تعالى :
أَ فَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ تنبيه على شدة ما ينالهم ، وإن أجدر شىء يتقون به من العذاب يوم القيامة هو وجوههم ، فصار ذلك كقوله :
وَ تَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ - يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ.
(وكد) : وكدت القول والفعل وأكدته أحكمته ، قال تعالى :
وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها والسير الذي يشد به القربوس يسمى التأكيد ، ويقال توكيد ، والوكاد حبل يشد به البقر عند الحلب ، قال الخليل : أكدت فى عقد الأيمان أجود ، ووكدت فى القول أجود ، تقول إذا عقدت : أكدت ، وإذا حلفت وكدت ووكد وكده إذا قصد قصده وتخلق بخلقه.
(وكز) : الوكز الطعن والدفع والضرب بجميع الكف ، قال تعالى :
فَوَكَزَهُ مُوسى .
(وكل) : التوكيل أن تعتمد على غيرك وتجعله نائبا عنك ، والوكيل فعيل بمعنى المفعول ، قال تعالى : وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا أي اكتف به أن يتولى

(1/3700)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 602
أمرك ويتوكل لك وعلى هذا : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ - وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ أي بموكل عليهم وحافظ لهم كقوله : لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى فعلى هذا قوله تعالى : قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ وقوله : أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا - أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
أي من يتوكل عنهم؟ والتوكل يقال على وجهين ، يقال توكلت لفلان بمعنى توليت له ، ويقال وكلته فتوكل لى : وتوكلت عليه بمعنى اعتمدته ، قال عز وجل :
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ - وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ - رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا - وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا - وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا - وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ - وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وواكل فلان إذا ضيع أمره متكلا على غيره. وتواكل القوم إذا اتكل كل على الآخر ، ورجل وكلة تكلة إذا اعتمد غيره فى أمره ، والوكال فى الدابة أن لا يمشى إلا بمشى غيره ، وربما فسر الوكيل بالكفيل ، والوكيل أعم لأن كل كفيل وكيل ، وليس كل وكيل كفيلا.
(ولج) : الولوج الدخول فى مضيق ، قال تعالى : حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وقوله : يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ فتنبيه على ما ركب اللَّه عز وجل عليه العالم من زيادة الليل فى النهار وزيادة النهار فى الليل وذلك بحسب مطالع الشمس ومغاربها. والوليجة كل ما يتخذه الإنسان معتمدا عليه وليس من أهله ، من قولهم فلان وليجة فى القوم إذا لحق بهم وليس منهم إنسانا كان أو غيره ، قال تعالى : وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وذلك مثل قوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ ورجل خرجة ولجة : كثير الخروج والولوج.
(وكأ) : الوكاء رباط الشيء وقد يجعل الوكاء اسما لما يجعل فيه الشيء فيشد به ومنه أو كأت فلانا جعلت له متكأ ، وتوكأ على العصا اعتمد بها وتشدد بها ، قال تعالى : هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها ، و
فى الحديث : «كان يوكى بين الصفا والمروة»
قال معناه يملأ ما بينهما سعيا. كما يوكى السقاء بعد الملء ، ويقال أوكيت السقاء ولا يقال أو كأت.
(ولد) : الولد المولود يقال للواحد والجمع والصغير والكبير ، قال اللَّه تعالى : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ - أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ ويقال للمتبنى ولد ، قال

(1/3701)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 603
تعالى : أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وقال : وَوالِدٍ وَما وَلَدَ قال أبو الحسن : الولد الابن والابنة والولد هم الأهل والولد. ويقال ولد فلان. قال تعالى : وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ - وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ
و الأب يقال له والد والأم والدة ويقال لهما والدان ، قال : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ والوليد يقال لمن قرب عهده بالولادة وإن كان فى الأصل يصح لمن قرب عهده أو بعد كما يقال لمن قرب عهده بالاجتناء جنى فإذا كبر الولد سقط عنه هذا الاسم وجمعه ولدان ، قال : يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً والوليدة مختصة بالإماء فى عامة كلامهم ، واللدة مختصة بالترب ، يقال فلان لدة فلان ، وتربه ، ونقصانه الواو لأن أصله ولدة ، وتولد الشيء من الشيء حصوله عنه بسبب من الأسباب وجمع الولد أولاد قال : أَنَّما أَمْوا
مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ.
(ولق) : الولق الإسراع ، ويقال ولق الرجل يلق كذب ، وهوج ورجل مألوق ومؤلق وناقة ولقى سريعة ، والوليقة طعام يتخذ من السمن ، والولق أخف الطعن.
(وهب) : الهبة أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض ، يقال وهبته هبة وموهبة وموهبا ، قال تعالى : وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ - الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ - إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا
فنسب الملك إلى نفسه الهبة لما كان سببا فى إيصاله إليها ، وقد قرىء : (ليهب لك) فنسب إلى اللَّه تعالى فهذا على الحقيقة والأول على التوسع. وقال تعالى :
فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً - وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ - وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ - وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا - فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي - رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ - هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً - هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ويوصف اللَّه تعالى بالواهب والوهاب بمعنى أنه يعطى كلا على استحقاقه ، وقوله : إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها والاتهاب قبول الهبة ، و
فى الحديث : «لقد هممت أن لا أتهب إلا من قرشى أو أنصارى أو ثقفى».

(1/3702)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 604
(وهج) : الوهج حصول الضوء والحر من النار ، والوهجان كذلك وقوله تعالى : وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً أي مضيئا وقد وهجت النار توهج ووهج يهج ، ويوهج وتوهج الجوهر تلألأ.
(ولى) : الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما ، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ومن حيث النسبة ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد ، والولاية النصرة ، والولاية تولى الأمر ، وقيل الولاية والولاية نحو الدلالة والدلالة ، وحقيقته نولى الأمر.
والولي والمولى يستعملان فى ذلك كل واحد منهما يقال فى معنى الفاعل أي الموالي ، وفى معنى المفعول أي الموالي ، يقال للمؤمن هو ولى اللَّه عز وجل ولم يرد مولاه ، وقد يقال : اللَّه تعالى ولى المؤمنين ومولاهم ، فمن الأول قال اللَّه تعالى :
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا - إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ - وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ - ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا - نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ - وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى قال عز وجل : قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ - وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ - ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ والوالي الذي فى قوله : وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ بمعنى الولي ونفى اللَّه تعالى الولاية بين المؤمنين والكافرين فى غير آية ، فقال تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ - إلى قوله - وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ - لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ - وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ - ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ - تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا - إلى قوله - وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وجعل بين الكافرين والشياطين موالاة فى الدنيا ونفى بينهم الموالاة فى الآخرة ، قال اللَّه تعالى فى الموالاة بينهم فى الدنيا : الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وقال : إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ - إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ - فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ فكما جعل بينهم وبين الشيطان موالاة جعل للشيطان فى الدنيا عليهم سلطانا فقال : إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ و
نفى الموالاة بينهم فى الآخرة فقال فى موالاة الكفار بعضهم بعضا : يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً - يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ - قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا الآية ، وقولهم

(1/3703)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 605
تولى إذا عدى بنفسه اقتضى معنى الولاية وحصوله فى أقرب المواضع منه يقال وليت سمعى كذا ووليت عينى كذا ووليت وجهى كذا أقبلت به عليه ، قال اللّه عزّ وجلّ : فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها - فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وإذا عدى بعن لفظا أو تقديرا اقتضى معنى الإعراض وترك قربه ، فمن الأول قوله تعالى : وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ - وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ومن الثاني قوله : فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ - إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ - فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا - وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ - فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ - وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ - فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ والتولي قد يكون بالجسم وقد يكون بترك الإصغاء والائتمار ، قال اللَّه عزّ وجلّ : وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ أي لا تفعلوا ما فعل الموصوفون بقوله : وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً ولا ترتسموا قول من ذكر عنهم : وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ويقال ولاه دبره إذا انهزم. وقال تعالى :
وَ إِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ - وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ وقوله : فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا أي أبناء يكون من أوليائك ، وقوله : خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي قيل ابن العم وقيل مواليه. وقوله : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ فيه نفى الولي بقوله عزّ وجلّ : مِنَ الذُّلِّ إذ كان صالحو عباده هم أولياء اللَّه كما تقدم لكن موالاتهم ليستولى هو تعالى بهم وقوله : وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا والولي المطر الذي يلى الوسمى ، ى المولى يقال للمعتق والمعتق والحليف وابن العم والجار وكل من ولى أمر الآخر فهو وليه ، ويقال فلان أولى بكذا أي أحرى ، قال تعالى : النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ - إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ - فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما - وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ وقيل :
أَوْلى لَكَ فَأَوْلى من هذا ، معناه العقاب أولى لك وبك ، وقيل هذا فعل المتعدى بمعنى القرب معناه انزجر. ويقال ولى الشيء الشيء وأوليت الشيء شيئا آخر أي جعلته يليه ، والولاء فى العتق هو ما يورث به ونهى عن بيع الولاء وعن هبته ، والموالاة بين الشيئين المتابعة.
(وهن) : الوهن ضعف من حيث الخلق أو الخلق ، قال تعالى : قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي - فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ - وَهْناً عَلى وَهْنٍ أي كلما

(1/3704)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 606
عظم فى بطنها زادها ضعفا على ضعف : وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ - وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا - ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ.
(وهى) : الوهي شق فى الأديم والثوب ونحو هما ومنه يقال وهت عزالى السحاب بمائها ، قال تعالى : وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ وكل شىء استرخى رباطه فقد وهى.
(وى) : وى كلمة تذكر للتحسر والتندم والتعجب ، تقول وى لعبد اللَّه ، قال تعالى : وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ - وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ وقيل وى لزيد ، وقيل ويك كان ويلك فحذف منه اللام.
(ويل) : قال الأصمعي : ويل قبح ، وقد يستعمل على التحسر ، وويس استصغار ، وويح ترحم. ومن قال ويل واد فى جهنم فإنه لم يرد أن ويلا فى اللغة هو موضوع لهذا ، وإنما أراد من قال اللَّه تعالى ذلك فيه فقد استحق مقرا من النار وثبت ذلك له : فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ - وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ - وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ - فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا - فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا - وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ - وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ - يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا - يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ - يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ.

(1/3705)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 607
الهاء
(هبط) : الهبوط الانحدار على سبيل القهر كهبوط الحجر ، والهبوط بالفتح المنحدر ، يقال هبطت أنا وهبطت غيرى ، يكون اللازم والمتعدى على لفظ واحد ، قال تعالى : وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ يقال هبطت وهبطته هبطا ، وإذا استعمل فى الإنسان الهبوط فعلى سبيل الاستخفاف بخلاف الإنزال ، فإن الإنزال ذكره تعالى فى الأشياء التي نبه على شرفها كإنزال الملائكة والقرآن والمطر وغير ذلك. والهبط ذكر حيث نبه على الغض نحو قوله : وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ - فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها - اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وليس فى قوله : فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ تعظيم وتشريف ، ألا ترى أنه تعالى قال : وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وقال جل ذكره : قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً ويقال هبط المرض لحم العليل حطه عنه ، والهبيط الضامر من النوق وغيرها إذا كان ضمره من سوء غذاء وقلة تفقد.
(هبا) : هبا الغبار يهبو ثار وسطع ، والهبوة كالغبرة والهباء دقاق التراب وما نبت فى الهواء فلا يبدو إلا فى أثناء ضوء الشمس فى الكوة ، قال تعالى :
فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً - فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا.
(هجد) : الهجود النوم والهاجد النائم ، وهجدته فتهجد أزلت هجوده نحو مرضته. ومعناه أيقظته فتيقظ ، وقوله تعالى : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ أي تيقظ بالقرآن وذلك حث على إقامة الصلاة فى الليل المذكور فى قوله : قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ والمتهجد المصلى ليلا ، وأهجد البعير ألقى جرانه على الأرض متحريا للهجود.
(هجر) : الهجر والهجران مفارقة الإنسان غيره إما بالبدن أو باللسان أو بالقلب ، قال تعالى : وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ كناية عن عدم قربهن ، وقوله تعالى : إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً فهذا هجر بالقلب أو بالقلب واللسان. وقوله : وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا يحتمل الثلاثة ومدعو إلى أن يتحرى أي الثلاثة إن أمكنه مع تحرى المجاملة ، وكذا قوله تعالى : وَاهْجُرْنِي

(1/3706)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 608
مَلِيًّا
و قوله تعالى : وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ فحث على المفارقة بالوجوه كلها.
والمهاجرة فى الأصل مصارمة العير ومتاركته من قوله عزّ وجلّ : وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا وقوله : لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ وقوله : وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ - فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فالظاهر منه الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان كمن هاجر من مكة إلى المدينة ، وقيل مقتضى ذلك هجران الشهوات والأخلاق الذميمة والخطايا وتركها ورفضها ، وقوله : إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي أي تارك لقومى وذاهب إليه. وقوله : أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها وكذا المجاهدة تقتضى مع العدى مجاهدة النفس كما
روى فى الخبر : «رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»
و هو مجاهدة النفس ، و
روى : «هاجروا ولا تهجروا»
أي كونوا من المهاجرين ولا تتشبهوا بهم فى القول دون الفعل ، والهجر الكلام القبيح المهجور لقبحه.
وفى الحديث «و لا تقولوا هجرا»
و أهجر فلان إذا أتى بهجر من الكلام عن قصد ، وهجر المريض إذا أتى ذلك من غير قصد وقرىء :
مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ وقد يشبه المبالغ فى الهجر بالمهجر فيقال أهجر إذا قصد ذلك ، قال الشاعر :
كما جدة الأعراق قال ابن ضرة عليها كلاما جار فيه وأهجرا
و رماه بها جرات كلامه أي فضائح كلامه ، وقوله فلان هجيراه كذا إذا أولع بذكره وهذى به هذيان المريض المهجر ، ولا يكاد يستعمل الهجير إلا فى العادة الذميمة اللهم إلا أن يستعمله فى ضده من لا يراعى مورد هذه الكلمة عن العرب. والهجير والهاجر الساعة التي يمتنع فيها من السير كالحر كأنها هجرت الناس وهجرت لذلك ، والهجار حبل يشد به الفحل فيصير سببا لهجرانه الإبل ، وجعل على بناء العقال والزمام ، وفحل مهجور أي مشدود به ، وهجار القوس وترها وذلك تشبيه بهجار الفحل.
(هجع) : الهجوع : النوم ليلا ، قال تعالى : كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وذلك يصح أن يكون معناه كان هجوعهم قليلا من أوقات الليل ، ويجوز أن يكون معناه لم يكونوا يهجعون والقليل يعبر به عن النفي والمشارف لنفيه لقلته ، ولقيته بعد هجعة أي بعد نومة وقولهم رجل هجع كقولك نوم للمستنيم إلى كل شىء.

(1/3707)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 609
(هدد) : الهد هدم له وقع وسقوط شىء ثقيل ، والهدة صوت وقعه ، قال تعالى : وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا وهددت البقرة إذا أوقعتها للذبح ، والهد المهدود كالذبح للمذبوح ويعبر به عن الضعيف والجبان ، وقيل مررت برجل هدك من رجل كقولك حسبك وتحقيقه يهدك ويزعجك وجود مثله ، وهددت فلانا وتهددته إذا زعزعته بالوعيد ، والهدهدة تحريك الصبى لينام ، والهدهد طائر معروف ، قال تعالى : ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ وجمعه هداهد ، والهداهد بالضمّ واحد قال الشاعر :
كهداهد كسر الرماة جناحه يدعو بقارعة الطريق هديلا
(هدم) : الهدم إسقاط البناء ، يقال هدمته هدما ، والهدم ما يهدم ومنه استعير دم هدم أي هدر ، والهدم بالكسر كذلك لكن اختص بالثوب البالي وجمعه أهدام ، وهدمت البناء على التكثير ، قال تعالى : لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ.
(هدى) : الهداية دلالة بلطف ومنه الهدية وهوادى الوحش أي متقدماتها الهادية لغيرها ، وخص ما كان دلالة بهديت وما كان إعطاء بأهديت نحو أهديت الهدية وهديت إلى البيت إن قيل كيف جعلت الهداية دلالة بلطف وقد قال اللَّه تعالى : فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ - وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ قيل ذلك استعمل فيه استعمال اللفظ على التهكم مبالغة فى المعنى كقوله : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وقول الشاعر :
تحية بينهم ضرب وجيع
و هداية اللَّه تعالى للإنسان على أربعة أوجه ، الأول : الهداية التي عم بجنسها كل مكلف من العقل والفطنة والمعارف الضرورية التي أعم منها كل شىء بقدر فيه حسب احتماله كما قال تعالى : رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى الثاني : الهداية التي جعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك وهو المقصود بقوله تعالى : وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا الثالث :
التوفيق الذي يختص به من اهتدى وهو المعنى بقوله تعالى : وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وقوله : مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وقوله : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ وقوله : وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا - وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً - فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا - وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ

(1/3708)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 610
يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
، الرابع : الهداية فى الآخرة إلى الجنة المعنى بقوله :
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ - وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إلى قوله :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وهذه الهدايات الأربع مترتبة فإن من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثانية بل لا يصح تكليفه ، ومن لم تحصل له الثانية لا تحصل له الثالثة والرابعة ، ومن حصل له الرابع فقد حصل له الثلاث التي قبلها ، ومن حصل له الثالث فقد حصل له اللذان قبله. ثم ينعكس فقد تحصل الأولى ولا يحصل له الثاني ولا يحصل الثالث ، والإنسان لا يقدر أن يهدى أحدا إلا بالدعاء وتعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات وإلى الأول أشار بقوله :
وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ - يَهْدُونَ بِأَمْرِنا - وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ أي داع ، وإلى سائر الهدايات أشار بقوله تعالى : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وكل هداية ذكر اللَّه عزّ وجلّ أنه منع الظالمين والكافرين فهى الهداية الثالثة وهى التوفيق الذي يختص به المهتدون ، والرابعة التي هى الثواب فى الآخرة وإدخال الجنة نحو قوله عزّ وجلّ : كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً إلى قوله : وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ وكقوله : ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ وكل هداية نفاها اللَّه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن البشر ، وذكر أنهم غير قادرين عليها فهى ما عدا المختص من الدعاء وتعريف الطريق ، وذلك كإعطاء العقل والتوفيق وإدخال الجنة ، كقوله عز ذكره : لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ - وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى - وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ - إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ - وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ - وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ - إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وإلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى : أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وقوله : مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ أي طالب الهدى ومتحريه هو الذي يوفقه ويهديه إلى طريق الجنة لا من ضاده فيتحرى طريق الضلال والكفر كقوله : وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ وفى أخرى : الظَّالِمِينَ وقوله : إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ الكاذب الكفار هو الذي لا يقبل هدايته ، فإن ذلك راجع إلى
هذا وإن لم يكن لفظه موضوعا لذلك ، ومن لم يقبل هدايته لم يهده ، كقولك من لم يقبل هديتى لم أهد له ومن لم يقبل عطيتى لم أعطه ، ومن رغب عنى لم أرغب فيه ، وعلى هذا النحو قوله تعالى : وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ وفى أخرى : الْفاسِقِينَ وقوله : أَفَمَنْ يَهْدِي

(1/3709)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 611
إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى
و قد قرىء : (يهدى إلى أن يهدى) أي لا يهدى غيره ولكن يهدى أي لا يعلم شيئا ولا يعرف أي لا هداية له ولو هدى أيضا لم يهتد لأنها موات من حجارة ونحوها ، وظاهر اللفظ أنه إذا هدى اهتدى لإخراج الكلام أنها أمثالكم كما قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ وإنما هى أموات. وقال فى موضع آخر : وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ وقوله عزّ وجلّ :
إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ - وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ - وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فذلك إشارة إلى ما عرف من طريق الخير والشر وطريق الثواب والعقاب بالعقل والشرع.
و كذا قوله : فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ - إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ - وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ فهو إشارة إلى التوفيق الملقى فى الروع فيما يتحراه الإنسان وإياه عنى بقوله عزّ وجلّ : وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وعدى الهداية فى مواضع بنفسه وفى مواضع باللام وفى مواضع بإلى ، قال تعالى : وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ - وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وقال تعالى : أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ وقال : هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى ، وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى وما عدى بنفسه نحو : وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً - وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ - اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ - أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ - وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً - أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ - وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً.
ولما كانت الهداية والتعليم يقتضى شيئين : تعريفا من المعرف ، وتعرفا من المعرف ، وبهما تم الهداية والتعليم فإنه متى حصل البذل من الهادي والمعلم ولم يحصل القبول صح أن يقال لم يهد ولم يعلم اعتبارا بعدم القبول وصح أن يقال هدى وعلم اعتبارا ببذله ، فإذا كان كذلك صح أن يقال إن اللَّه تعالى لم يهد الكافرين والفاسقين من حيث إنه لم يحصل القبول الذي هو تمام الهداية والتعليم ، وصح أن يقال هداهم وعلمهم من حيث إنه حصل البذل الذي هو مبدأ الهداية.
فعلى الاعتبار بالأول يصح أن يحمل قوله تعالى : وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ - وَالْكافِرِينَ وعلى الثاني قوله عزّ وجلّ : وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى والأولى حيث لم يحصل القبول المفيد فيقال : هداه اللَّه فلم يهتد كقوله :
وَ أَمَّا ثَمُودُ الآية ، وقوله : لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إلى قوله :
وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فهم الذين قبلوا هداه واهتدوا به وقوله

(1/3710)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 612
تعالى : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ - وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً فقد قيل عنى به الهداية العامة التي هى العقل وسنة الأنبياء وأمرنا أن نقول ذلك بألسنتنا وإن كان قد فعل ليعطينا بذلك ثوابا كما أمرنا أن نقول اللهم صل على محمد وإن كان قد صلى عليه بقوله :
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ وقيل إن ذلك دعاء بحفظنا عن استغواء الغواة واستهواء الشهوات ، وقيل هو سؤال للتوفيق الموعود به فى قوله : وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وقيل سؤال للهداية إلى الجنة فى الآخرة وقوله عزّ وجلّ : وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فإنه يعنى به من هداه بالتوافق المذكور فى قوله عزّ وجلّ : وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً.
والهدى والهداية فى موضوع اللغة واحد لكن قد خص اللَّه عزّ وجلّ لفظة الهدى بما تولاه وأعطاه واختص هو به دون ما هو إلى الإنسان نحو قوله تعالى :
هُدىً لِلْمُتَّقِينَ - أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ - وَهُدىً لِلنَّاسِ - فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ - قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى - وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ - وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى - إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ - أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى .
والاهتداء يختص بما يتحراه الإنسان على طريق الاختيار إما فى الأمور الدنيوية أو الأخروية قال تعالى : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها وقال : إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا ي
و يقال المهتدى
مشت مشى الهدى.
(هرع) : يقال هرع وأهرع ساقه سوقا بعنف وتخويف ، قال اللَّه تعالى : وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وهرع برمحه فتهرع إذا أشرعه سريعا ، والهرع السريع المشي والبكاء ، قيل والهريع والهرعة القملة الصغيرة.
(هرت) : قال تعالى : وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ قيل هما الملكان وقال بعض المفسرين هما اسما شيطانين من الإنس أو الجن وجعلهما نصبا بدلا من قوله تعالى : وَلكِنَّ الشَّياطِينَ بدل البعض من الكل كقولك القوم قالوا إن كذا زيد وعمرو. والهرت سعة الشدق ، يقال فرس هريت الشدق وأصله من هرت ثوبه إذا مزقه ويقال الهريت المرأة المفضاة.
(هرن) : هرون اسم أعجمى ولم يرد فى شىء من كلام العرب.
(هزز) : الهز التحريك الشديد ، يقال هززت الرمح فاهتز وهززت فلانا للعطاء ، قال تعالى : وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ - فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ واهتز

(1/3711)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 614
النبات إذا تحرك لنظارته ، قال تعالى : فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ واهتزت الكوكب فى انقضاضه وسيف هزهز وماء هزهز ورجل هزهز خفيف.
(هزل) : قال تعالى : إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَما هُوَ بِالْهَزْلِ الهزل كل كلام لا تحصيل له ولا ريع تشبيها بالهزال.
(هزؤ) : الهزء مزح فى خفية وقد يقال لما هو كالمزح ، فما قصد به المزح قوله : اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً - وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً - وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً - وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً - أَتَتَّخِذُنا هُزُواً - وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً ، فقد عظم تبكيتهم ونبه على خبثهم من حيث إنه وصفهم بعد العلم بها ، والوقوف على صحتها بأنهم يهزءون بها ، يقال هزئت به واستهزأت ، والاستهزاء ارتياد الهزؤ وإن كان قد يعبر به عن تعاطى الهزؤ ، كالاستجابة فى كونها ارتيادا للإجابة ، وإن كان قد يجرى مجرى الإيجاب. قال تعالى : قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ - وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ - ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ - إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها - وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ والاستهزاء من اللَّه فى الحقيقة لا يصح كما لا يصح من اللَّه اللهو واللعب ، تعالى اللَّه عنه.
و قوله : اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ أي يجازيهم جزاء الهزء. ومعناه أنه أمهلهم مدة ثم أخذهم مغافصة فسمى إمهاله إياهم استهزاء من حيث إنهم اغتروا به اغترارهم بالهزء ، فيكون ذلك كالاستدراج من حيث لا يعلمون ، أو لأنهم استهزءوا فعرف ذلك منهم ، فصار كأنه يهزأ بهم كما قيل من خدعك وفطنت له ولم تعرفه فاحترزت منه فقد خدعته.
وقد روى : أن المستهزئين فى الدنيا يفتح لهم باب من الجنة فيسرعون نحوه فإذا انتهوا إليه سد عليهم
فذلك قوله : فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ وعلى هذه الوجوه قوله عزّ وجلّ : سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
(هزم) : أصل الهزم غمز الشيء اليابس حتى ينحطم كهزم الشن ، وهزم القثاء والبطيخ ومنه الهزيمة لأنه كما يعبر عنه بذلك يعبر عنه بالحطم والكسر ، قال تعالى : فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ - جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ وأصابته هازمة الدهر أي كاسرة كقولهم : فاقرة ، وهزم الرعد

(1/3712)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 615
تكسر صوته ، والمهزام عود يجعل الصبيان فى رأسه نارا فيلعبون به كأنهم يهزمون به الصبيان. ويقولون للرجل الطبع هزم واهتزم.
(هشش) : الهش يقارب الهز فى التحريك ويقع على الشيء اللين كهش الورق أي خبطه بالعصا. قال تعالى : وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وهش الرغيف فى التنور يهش وناقة هشوش لينة غزيرة اللبن ، وفرس هشوش ضد الصلود ، والصلود الذي لا يكاد يعرق. ورجل هش الوجه طلق المحيا ، وقد هششت ، وهش للمعروف يهش وفلان ذو هشاش.
(هشم) : الهشم كسر الشيء الرخو كالنبات قال تعالى : فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ - فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ يقال هشم عظمه ومنه هشمت الخبز قال الشاعر :
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف
و الهاشمة الشجة تهشم عظم الرأس ، واهتشم كل ما فى ضرع الناقة إذا احتلبه ويقال تهشم فلان على فلان تعطف.
(هضم) : الهضم شدخ ما فيه رخاوة ، يقال هضمته فانهضم وذلك كالقصبة المهضومة التي يزمر بها ومزمار مهضم ، قال تعالى : وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ أي داخل بعضه في بعض كأنما شدخ ، والهاضوم ما يهضم من الطعام وبطن هضوم وكشح مهضم وامرأة هضيمة الكشحين واستعير الهضم للظلم ، قال تعالى : فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً.
(هطع) : هطع الرجل ببصره إذا صوبه ، وبعير مهطع إذا صوب عنقه ، قال تعالى : مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ - مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ.
(هلل) : الهلال القمر في أول ليلة والثانية ، ثم يقال له القمر ولا يقال له هلال وجمعه أهلة ، قال اللَّه تعالى : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وقد كانوا سألوه عن علة تهلله وتغيره. وشبه به فى الهيئة السنان الذي يصاد به وله شعبتان كرمى الهلال ، وضرب من الحيات والماء المستدير القليل في أسفل الركي وطرف الرحا ، فيقال لكل واحد منهما هلال ، وأهل الهلال رؤى ،

(1/3713)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 616
و استهل طلب رؤيته. ثم قد يعبر عن الإهلال بالاستهلال نحو الإجابة والاستجابة ، والإهلال رفع الصوت عند رؤية الهلال ثم استعمل لكل صوت وبه شبه إهلال الصبى ، وقوله : وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ أي ما ذكر عليه غير اسم اللَّه وهو ما كان يذبح لأجل الأصنام ، وقيل الإهلال والتهلل أن يقول لا إله إلا اللَّه ، ومن هذه الجملة ركبت هذه اللفظة كقولهم التبسمل والبسملة ، والتحولق والحوقلة إذا قال بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه ، ومنه الإهلال بالحج ، وتهلل السحاب ببرقة تلألأ ويشبه فى ذلك بالهلال ، وثوب مهلل سخيف النسج ومنه شعر مهلهل.
(هل) : هل حرف استخبار ، إما على سبيل الاستفهام وذلك لا يكون من اللَّه عزّ وجلّ قال تعالى : قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا وإما على التقرير تنبيها أو تبكيتا أو نفيا نحو قوله تعالى : هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً. وقوله : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا - فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ كل ذلك تنبيه على النفي. وقوله تعالى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ - هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ - هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ - هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ - هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ قيل ذلك تنبيه على قدرة اللَّه ، وتخويف من سطوته.
(هلك) : الهلاك على ثلاثة أوجه : افتقاد الشيء عنك وهو عند غيرك موجود كقوله تعالى : هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ وهلك الشيء باستحالة وفساد كقوله : وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ويقال هلك الطعام. والثالث : الموت كقوله : إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ وقال تعالى مخبرا عن الكفار : وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ولم يذكر اللَّه الموت بلفظ الهلاك حيث لم يقصد الذم إلا فى هذا الموضع وفى قوله : وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا وذلك لفائدة يختص ذكرها بما بعد هذا الكتاب. والرابع : بطلان الشيء من العالم وعدمه رأسا وذلك المسمى فناء المشار إليه بقوله : كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ويقال للعذاب والخوف والفقر والهلاك وعلى هذا قوله : وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ - وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ - وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها - فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها - أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ - أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا. وقوله : فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ

(1/3714)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 617
الْفاسِقُونَ
و هو الهلاك الأكبر الذي دل
النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله : «لا شر كشر بعده النار»
، وقوله تعالى : ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ والهلك بالضم الإهلاك ، والتهلكة ما يؤدى إلى الهلاك ، قال تعالى : وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وامرأة هلوك كأنها تتهالك فى مشيها كما قال الشاعر :
مريضات أوبات التهادي كأنما تخاف على أحشائها أن تقطعا
و كنى بالهلوك عن الفاجرة لتمايلها ، والهالكى كان حدادا من قبيلة هالك فسمى كل حداد هالكيا ، والهلك الشيء الهالك.
(هلم) : هلم دعاء إلى الشيء وفيه قولان : أحدهما أن أصله هالم من قولهم لممت الشيء أي أصلحته فحذف ألفها فقيل هلم ، وقيل أصله هل أم كأنه قيل هل لك فى كذا أمه أي قصده فركبا ، قال عز وجل : وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا فمنهم من تركه على حالته فى التثنية والجمع وبه ورد القرآن ، ومنهم من قال هلما وهلموا وهلمى وهلممن.
(همم) : الهم الحزن الذي يذيب الإنسان ، يقال هممت الشحم فانهم والهم ما هممت به فى نفسك وهو الأصل ولذا قال الشاعر :
و همك ما لم تمضه لك منصب
قال اللَّه تعالى : إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا - وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها - إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ - لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ
- وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا - وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ - وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ وأهمنى كذا أي حملنى على أن أهم به ، قال اللَّه تعالى : وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ويقال هذا رجل همك من رجل ، وهمتك من رجل كما تقول ناهيك من رجل. والهوام حشرات الأرض ، ورجل هم وامرأة همة أي كبير ، قد همه العمر أي أذابه.
(همد) : يقال همدت النار طفئت ومنه أرض هامدة لا نبات فيها ونبات هامد يابس ، قال تعالى : وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً والإهماد الإقامة بالمكان كأنه صار ذا همد ، وقيل الإهماد السرعة فإن يكن ذلك صحيحا فهو كالإشكاء فى كونه تارة لإزالة الشكوى وتارة لإثبات الشكوى.
(همر) : الهمر صب الدمع والماء ، يقال همره فانهمر قال تعالى :
فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وهمر ما فى الضرع حلبه كله ، وهمر الرجل

(1/3715)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 618
فى الكلام ، وفلان يهامر الشيء أي يجرفه ، ومنه همر له منه همر له من ماله أعطاه ، والهميرة العجوز.
(همز) : الهمز كالعصر ، يقال همزت الشيء فى كفى ومنه الهمز فى الحرف وهمز الإنسان اغتيابه ، قال تعالى : هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ يقال رجل هامز وهماز وهمزة ، قال تعالى : وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ وقال الشاعر :
و إن اغتيب فأنت الهامز اللمزة
و قال تعالى : وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ.
(همس) : الهمس الصوت الخفي وهمس الأقدام أخفى ما يكون من صوتها ، قال تعالى : فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً.
(هنا) : هنا يقع إشارة إلى الزمان والمكان القريب ، والمكان أملك به ، يقال هنا وهناك وهنالك كقولك ذا وذاك وذلك ، قال اللَّه تعالى : جُنْدٌ ما هُنالِكَ - إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ - هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ - هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ - هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ - فَغُلِبُوا هُنالِكَ.
(هن) : هن كناية عن الفرج وغيره مما يستقبح ذكره وفى فلان هنات أي خصال سوء وعلى هذا ما روى : «سيكون هنات» ، قال تعالى : إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ.
(هنأ) : الهنيء كل مالا يلحق فيه مشقة ولا يعقب وخامة وأصله فى الطعام يقال هنىء الطعام فهو هنىء ، قال عز وجل : فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً - كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ - كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، والهناء ضرب من القطران ، يقال هنأت الإبل فهى مهنوءة.
(هود) : الهود الرجوع برفق ومنه التهويد وهو مشى كالدبيب وصار الهود فى التعارف التوبة. قال تعالى : إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ أي تبنا ، قال بعضهم :
يهود فى الأصل من قولهم هدنا إليك ، وكان اسم مدح ثم صار بعد نسخ شريعتهم لازما لهم وإن لم يكن فيه معنى المدح كما أن النصارى في الأصل من قوله تعالى :
مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ ثم صار لازما لهم بعد نسخ شريعتهم. ويقال هاد فلان إذا تحرى طريقة اليهود فى الدين ، قال اللَّه عزّ وجلّ : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ

(1/3716)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 619
هادُوا
و الاسم العلم قد يتصور منه معنى ما يتعاطاه المسمى به أي المنسوب إليه ثم يشتق منه نحو قولهم تفرعن فلان وتطفل إذا فعل فعل فرعون فى الجور ، وفعل طفيل فى إتيان الدعوات من غير استدعاء ، وتهود فى مشيه إذا مشى مشيا رفيقا تشبيها باليهود فى حركتهم عند القراءة ، وكذا هود الرائض الدابة سيرها برفق ، وهود فى الأصل جمع هائد أي تائب وهو اسم نبى عليه السلام.
(هار) : يقال هار البناء وتهور إذا سقط نحو انهار ، قال تعالى : عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وقرىء : هار يقال بئر هائر وهار وهار ، ومهار ، ويقال انهار فلان إذا سقط من مكان عال ، ورجل هار وهائر ضعيف فى أمره تشبيها بالبئر الهائر ، وتهور الليل اشتد ظلامه ، وتهور الشتاء ذهب أكثره ، وقيل تهير ، وقيل تهيره فهذا من الياء ، ولو كان من الواو لقيل تهوره.
(هيت) : هيت قريب من هلم وقرىء : هَيْتَ لَكَ : أي تهيأت لك ، ويقال هيت به وتهيت إذا قالت هيت لك ، قال اللَّه تعالى : وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ.
(هات) : يقال هات وهاتيا وهاتوا ، قال تعالى : قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ قال الفراء : ليس فى كلامهم هاتيت وإنما ذلك فى ألسن الخبرة ، قال ولا يقال لا تهات. وقال الخليل المهاتاة والهتاء مصدر هات.
(هيهات) : هيهات كلمة تستعمل لتبعيد الشيء ، يقال هيهات هيهات وهيهاتا ومنه قوله عزّ وجلّ : هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ قال الزجاج : البعد لما توعدون ، وقال غيره غلط الزجاج واستهواه اللام فإن تقديره بعد الأمر والوعد لما توعدون أي لأجله ، وفى ذلك لغات : هيهات وهيهات وهيهاتا وهيها ، وقال الفسوي : هيهات بالكسر ، جمع هيهات بالفتح.
(هاج) : يقال هاج البقل يهيج اصفر وطاب ، قال عزّ وجلّ : ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا وأهيجت الأرض صار فيها كذلك ، وهاج الدم والفحل هيجا وهياجا وهيجت الشر والحرب والهيجاء الحرب وقد يقصر ، وهيجت البعير : أثرته.

(1/3717)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 620
(هيم) : يقال رجل هيمان وهائم شديد العطش ، وهام على وجهه ذهب وجمعه هيم ، قال تعالى : فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ والهيام داء يأخذ الإبل من العطش ويضرب به المثل فيمن اشتد به العشق ، قال تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ أي فى كل نوع من الكلام يغلون فى المدح والذم وسائر الأنواع المختلفات ، ومنه الهائم على وجهه المخالف للقصد الذاهب على وجهه ، وهام ذهب فى الأرض واشتد عشقه وعطش ، والهيم الإبل العطاش وكذلك الرمال تبتلع الماء ، والهيام من الرمل اليابس ، كأن به عطشا.
(هون) : الهوان على وجهين ، أحدهما تذلل الإنسان فى نفسه لما لا يلحق به غضاضه فيمدح به نحو قوله : وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ونحو ما
روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم : «المؤمن هين لين»
الثاني : أن يكون من جهة متسلط مستخف به فيذم به. وعلى الثاني قوله تعالى : فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ - فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ - وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ - وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ - فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ - وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ويقال هان الأمر على فلان سهل. قال اللَّه تعالى : هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ - وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ - وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً والهاوون فاعول من الهون ولا يقال هاون لأنه ليس فى كلامهم فاعل.
(هوى) : الهوى ميل النفس إلى الشهوة. ويقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة ، وقيل سمى بذلك لأنه يهوى بصاحبه فى الدنيا إلى كل داهية وفى الآخرة إلى الهاوية ، والهوى سقوط من علو إلى سفل ، وقوله عزّ وجلّ : فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ قيل هو مثل قولهم هوت أمه أي ثكلت وقيل معناه مقره النار والهاوية هى النار ، وقيل : وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ أي خالة كقوله : وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً وقد عظم اللَّه تعالى ذم اتباع الهوى فقال تعالى : أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ - وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى - وَاتَّبَعَ هَواهُ وقوله : وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ فإنما قاله بلفظ الجمع تنبيها على أن لكل واحد هوى غير هوى الآخر ، ثم هوى كل واحد لا يتناهى ، فإذا اتباع أهوائهم نهاية الضلال والحيرة ، وقال عزّ وجلّ : وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ - كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ أي حملته على اتباع الهوى : وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا - قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ - وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ - وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ

(1/3718)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 621
بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ
و الهوى ذهاب فى انحدار ، والهوى ذهاب فى ارتفاع ، قال الشاعر :
يهوى محارمها هوى الأجدل
و الهواء ما بين الأرض والسماء ، وقد حمل على ذلك قوله : وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ إذ هى بمنزلة الهواء فى الخلاء ، ورأيتهم يتهاوون فى المهواة أي يتساقطون بعضهم فى إثر بعض ، وأهواه أي رفعه فى الهواء وأسقطه ، قال تعالى : وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى .
(هيأ) : الهيئة الحالة التي يكون عليها الشيء محسوسة كانت أو معقولة لكن فى المحسوس أكثر ، قال تعالى : أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ والمهايأه ما يتهيأ القوم له فيتراضون عليه على وجه التخمين ، قال تعالى :
وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً - وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً وقيل هياك أن تفعل كذا بمعنى إياك ، قال الشاعر :
هياك هياك وحنواء العنق
(ها) : ها للتنبيه فى قولهم هذا وهذه وقد ركب مع ذا وذه وأولاء حتى صار معها بمنزلة حرف منها ، وها فى قوله تعالى : ها أَنْتُمْ استفهام ، قال تعالى : ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ - ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ - هؤُلاءِ جادَلْتُمْ
- ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ - لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وها كلمة فى معنى الأخذ وهو نقيض هات أي أعط ، يقال هاؤم وهاؤما وهاؤموا وفيه لغة أخرى : هاء وهاآ ، وهاؤا ، وهائى ، وهأن ، نحو خفن وقيل هاك ، ثم يثنى الكاف ويجمع ويؤنث قال تعالى : هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ وقيل هذه أسماء الأفعال ، يقال هاء يهاء نحو خاف يخاف ، وقيل هانى يهانى مثل نادى ينادى ، وقيل إهاء نحو إخال.

(1/3719)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 622
الياء
(يبس) : يبس الشيء ييبس ، واليبس يابس النبات وهو ما كان فيه رطوبة فذهبت ، واليبس المكان يكون فيه ماء فيذهب ، قال تعالى : فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً والأيبسان ما لا لحم عليه من الساقين إلى الكعبين.
(يتم) : اليتم انقطاع الصبى عن أبيه قبل بلوغه وفى سائر الحيوانات من قبل أمه ، قال تعالى : أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى - وَيَتِيماً وَأَسِيراً وجمعه يتامى :
وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ - إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى - وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى وكل منفرد يتيم ، يقال درة يتيمة تنبيها على أنه انقطع مادتها التي خرجت منها وقيل بيت يتيم تشبيها بالدرة اليتيمة.
(يد) : اليد الجارحة ، أصله يدى لقولهم فى جمعه أيد ويدى. وأفعل فى جمع فعل أكثر نحو أفلس وأكلب ، وقيل يدى نحو عبد وعبيد ، وقد جاء فى جمع فعل نحو أزمن وأجبل ، قال تعالى : إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ - أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها وقولهم يديان على أن أصله يدى على وزن فعل ، ويديته ضربت يده ، واستعير اليد للنعمة فقيل يديت إليه أي أسديت إليه ، وتجمع على أياد ، وقيل يدى. قال الشاعر :
فإن له عندى يديا وأنعما
و للحوز والملك مرة يقال هذا فى يد فلان أي فى حوزه وملكه ، قال تعالى :
إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وقولهم وقع فى يدى عدل.
وللقوة مرة ، يقال لفلان يد على كذا ومالى بكذا يد ومالى به يدان. قال الشاعر :
فاعمد لما تعلو فما لك بالذي لا تستطيع من الأمور يدان
و شبه الدهر فجعل له يد فى قولهم يد الدهر ويد المسند وكذلك الريح فى قول الشاعر :
بيد الشمال زمامها
لما له من القوة ، ومنه قيل أنا يدك ويقال وضع يده فى كذا إذا شرع فيه. ويده مطلقة عبارة عن إيتاء النعيم ، ويد مغلولة عبارة عن إمساكها. وعلى ذلك قيل :

(1/3720)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 623
وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ - غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ ويقال نفضت يدى عن كذا أي خليت ، وقوله عزّ وجلّ : إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ أي قويت يدك ، وقوله : فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ فنسبته إلى أيديهم تنبيه على أنهم اختلقوه وذلك كنسبة القول إلى أفواههم فى قوله عزّ وجلّ : ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ تنبيها على اختلافهم.
وقوله : أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها وقوله : أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ إشارة إلى القوة الموجودة لهم. وقوله : وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ أي القوة.
و قوله : حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ أي يعطون ما يعطون عن مقابلة نعمة عليهم فى مقارتهم. وموضع قوله : عَنْ يَدٍ فى الإعراب حال وقيل بل اعتراف بأن أيديكم فوق أيديهم أي يلتزمون الذل. وخذ كذا أثر ذى يدين ، ويقال فلان يد فلان أي وليه وناصره ، ويقال لأولياء اللَّه هم أيدى اللَّه وعلى هذا الوجه قال عزّ وجلّ : إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فإذا يده عليه الصلاة والسلام يد اللَّه وإذا كان يده فوق أيديهم فيد اللَّه فوق أيديهم ، ويؤيد ذلك ما روى : «لا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها» وقوله تعالى : مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا وقوله : لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فعبارة عن توليه لخلقه باختراعه الذي ليس إلا له عزّ وجلّ. وخص لفظ اليد ليتصور لنا المعنى إذ هو أجل الجوارح التي يتولى بها الفعل فيما بيننا ليتصور لنا اختصاص المعنى لا لنتصور منه تشبيها ، وقيل معناه بنعمتي التي رشحتها لهم ، والباء فيه ليس كالباء فى قولهم قطعته بالسكين بل هو كقولهم خرج بسيفه أي معه سيفه ، معناه خلقته ومعه نعمتاى الدنيوية والأخروية اللتان إذا رعاهما بلغ بهما السعادة الكبرى. وقوله : يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ أي نصرته ونعمته وقوته ، ويقال رجل يدى وامرأة يدية أي صناع وأما قوله تعالى : وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِي
فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ أي كفوا عما أمروا بقبوله من اا أيدى الأنبياء فى أفواههم أي قالوا ضعوا أناملكم على أفواهكم واسكتوا ، وقيل ردوا نعم اللَّه بأفواههم بتكذيبهم.

(1/3721)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 624
(يسر) : اليسر ضد العسر ، قال تعالى : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ - سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً - وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً - فَالْجارِياتِ يُسْراً وتيسر كذا واستيسر أي تسهل ، قال تعالى : فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ - فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ أي تسهل وتهيأ ، ومنه أيسرت المرأة وتيسرت فى كذا أي سهلته وهيأته ، قال تعالى : وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ - فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ واليسرى السهل ، وقوله : فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى - فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى فهذا وإن كان أعاره لفظ التيسير فهو على حسب ما قال عزّ وجلّ : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ واليسير والميسور : السهل قال تعالى : فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً واليسير يقال فى الشيء القليل ، فعلى الأول يحمل قوله : يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً وقوله : إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ وعلى الثاني يحمل قوله : وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً والميسرة واليسار عبارة عن الغنى. قال تعالى : فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ واليسار أخت اليمين ، وقيل اليسار بالكسر ، واليسرات القوائم الخفاف ، ومن اليسر الميسر.
(يأس) : اليأس انتفاء الطمع ، يقال يئس واستيأس مثل عجب واستعجب وسخر واستسخر ، قال تعالى : فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا - حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ - قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ - إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ وقوله : أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا قيل معناه أفلم يعلموا ولم يرد أن اليأس موضوع فى كلامهم للعلم وإنما قصد أن يأس الذين آمنوا من ذلك يقتضى أن يحصل بعد العلم بانتفاء ذلك فإذا ثبوت يأسهم يقتضى ثبوت حصول علمهم.
(يقن) : اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتها ، يقال علم يقين ولا يقال معرفة يقين ، وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم ، وقال علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين وبينها فروق مذكورة فى غير هذا الكتاب ، يقال استيقن وأيقن ، قال تعالى : إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ - وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ - لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وقوله عزّ وجلّ : وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً أي ما قتلوه قتلا تيقنوه بل إنما حكموا تخمينا ووهما.
(اليم) : اليم البحر ، قال تعالى : فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ويممت كذا

(1/3722)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 625
و تيممته قصدته ، قال تعالى : فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً وتيممته برمحى قصدته دون غيره. واليمام طير أصغر من الورشان ، ويمامة اسم امرأة وبها سميت مدينة اليمامة.
(يمن) : اليمين أصله الجارحة واستعماله فى وصف اللَّه تعالى فى قوله :
وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ على حد استعمال اليد فيه وتخصيص اليمين فى هذا المكان والأرض بالقبضة حيث قال جل ذكره : وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ يختص بما بعد هذا الكتاب. وقوله : إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ أي عن الناحية التي كان منها الحق فتصرفوننا عنها ، وقوله : لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ أي منعناه ودفعناه فعبر عن ذلك الأخذ باليمين كقولك خذ بيمين فلان عن تعاطى الهجاء ، وقيل معناه بأشرف جوارحه وأشرف أحواله ، وقوله جل ذكره :
وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ أي أصحاب السعادات والميامن وذلك على حسب تعارف الناس فى العبارة عن الميامن باليمين وعن المشائم بالشمال. واستعير اليمين للتيمن والسعادة ، وعلى ذلك : وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ - فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ ، وعلى هذا حمل :
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
و اليمين فى الحلف مستعار من اليد اعتبارا بما يفعله المعاهد والمحالف وغيره قال تعالى : أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ - وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ - لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ - وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ - إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ وقولهم يمين اللَّه فإضافته إليه عزّ وجلّ هو إذا كان الحلف به. ومولى اليمين هو من بينك وبينه معاهدة ، وقولهم ملك يمينى أنفذ وأبلغ من قولهم فى يدى ، ولهذا قال تعالى : مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ و
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم : «الحجر الأسود يمين اللَّه»
أي به يتوصل إلى السعادة المقربة إليه. ومن اليمين تنوول اليمن ، يقال هو ميمون النقيبة أي مبارك ، والميمنة : ناحية اليمين.
(ينع) : ينعت الثمرة تينع ينعا وينعا وأينعت إيناعا وهى يانعة ومونعة ، قال

(1/3723)


الموسوعة القرآنية ، ج 8 ، ص : 626
تعالى : انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ وقرأ ابن أبى اسحق وَيَنْعِهِ ، وهو جمع يانع ، وهو المدرك البالغ.
(يوم) : اليوم يعبر به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها. وقد يعبر به عن مدة من الزمان أي مدة كانت ، قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ - وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وقوله عزّ وجلّ : وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ فإضافة الأيام إلى اللَّه تعالى تشريف لأمرها لما أفاض اللَّه عليهم من نعمه فيها. وقوله عزّ وجلّ : قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ الآية ، فالكلام فى تحقيقه يختص بغير هذا الكتاب. ويركب يوم مع إذ فيقال يومئذ نحو قوله عزّ وجلّ : فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ وربما يعرب ويبنى ، وإذا بنى فللإضافة إلى إذ.
(يس) : يس قيل معناه يا إنسان ، والصحيح أن يس هو من حروف التهجي كسائر أوائل السور.
(ياء) : يا حرف النداء ، ويستعمل فى البعيد وإذا استعمل فى اللَّه نحو يا رب فتنبيه للداعى أنه بعيد من عون اللَّه وتوفيقه.

(1/3724)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 3
الجزء التاسع
الباب الثالث عشر التفسير والمفسرون
(ا) التفسير

(1/3725)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 4

(1/3726)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 5
التفسير والتأويل
التفسير ، تفعيل من الفسر ، وهو البيان والكشف.
ويقال : هو مقلوب السفر ، تقول : أسفر الصبح ، إذا أضاء.
وقيل : مأخوذ من التفسرة ، وهى اسم لما يعرف به الطبيب المرض.
والتأويل : أصله من الأول ، وهو الرجوع. فكأنه صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني.
وقيل : من الإيالة ، وهى السياسة ، كأن المؤوّل للكلام ساس الكلام ووضع المعنى فيه موضعه.
واختلف فى التفسير والتأويل.
فقال أبو عبيد وطائفة : هما بمعنى.
وقيل : التفسير أعم من التأويل ، وأكثر استعماله فى الألفاظ ومفرداتها ، وأكثر استعمال التأويل فى المعاني والجمل ، وأكثر ما يستعمل فى الكتب الإلهية ، والتفسير يستعمل فيها وفى غيرها.
وقيل : التفسير بيان لفظ لا يحتمل إلا وجها واحدا ، والتأويل : توجيه لفظ متوجه إلى معان مختلفة إلى واحد منها بما ظهر من الأدلة.
وقيل : التفسير القطع على أن المراد من اللفظ هذا ، والشهادة على اللّه أنه عنى باللفظ هذا ، فإن قام دليل مقطوع به فصحيح ، وإلا فتفسير بالرأى ، وهو المنهي عنه.
والتأويل : ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على اللّه.
وقيل : التفسير بيان وضع اللفظ ، إما حقيقة أو مجازا ، كتفسير الصراط بالطريق ، والصيب بالمطر.
والتأويل : تفسير باطن اللفظ ، مأخوذ من الأول ، وهو الرجوع لعاقبة الأمر.

(1/3727)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 6
فتأويل : إخبار عن حقيقة المراد ، والتفسير إخبار عن دليل المراد ، لأن اللفظ يكشف عن المراد والكاشف دليل ، مثاله قوله تعالى : إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ.
تفسيره : أنه من الرصد ، يقال : رصدته : رقبته ، والمرصاد ، مفعال منه.
وتأويله : التحذير من التهاون بأمر اللّه ، والغفلة عن الأهبة والاستعداد للعرض عليه.
وقواطع الأدلة تقتضى بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ فى اللغة.
وقيل : إن التفسير فى عرف العلماء كشف معانى القرآن ، وبيان المراد أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره ، وبحسب المعنى الظاهر وغيره ، والتأويل أكثره فى الجمل. والتفسير إما أن يستعمل فى غريب الألفاظ ، نحو البحيرة والسائبة والوصيلة ، أو فى وجيز تبيين لشرح. نحو : أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ، وإما فى كلام متضمن لقصة لا يمكن تصويره إلا بمعرفتها ، كقوله :
إِنَّمَا النَّسِي ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ وقوله : وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها.
وأما التأويل فإنه يستعمل مرة عاما ومرة خاصا ، نحو الكفر المستعمل تارة فى الجحود المطلق ، وتارة فى الجحود بالباري عز وجل خاصة ، والإيمان المستعمل فى التصديق المطلق تارة ، وفى تصديق الحق أخرى.
وإما فى لفظ مشترك بين معان مختلفة ، نحو لفظ ، وجد : المستعمل فى الجدة والوجد والوجود.
وقيل : التفسير يتعلق بالرواية ، والتأويل يتعلق بالدراية.
وقيل : التفسير ، مقصود على الاتباع والسماع والاستنباط مما يتعلق بالتأويل.
وقال قوم : ما وقع مبينا فى كتاب اللّه ومعينا فى صحيح السنة سمى تفسيرا ، لأن معناه قد ظهر ووضح ، وليس لأحد أن يتعرض إليه باجتهاد ولا غيره ، بل يحمله على المعنى الذي ورد لا يتعداه.

(1/3728)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 7
و التأويل : ما استنبطه العلماء العاملون لمعانى الخطاب الماهرون فى آلات العلوم. وقال قوم منهم البغوي والكواشي : التأويل : صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها تحتمله الآية ، غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط.
و قال بعضهم : التفسير فى الاصطلاح : علم نزول الآيات وشؤونها وأقاصيصها والأسباب النازلة فيها ، ثم ترتيب مكيها ومدنيها ، ومحكمها ومتشابهها ، وناسخها ومنسوخها ، وخاصها وعامها ، ومطلقها ومقيدها ، ومجملها ومفسرها ، وحلالها وحرامها ، ووعدها ووعيدها ، وأمرها ونهيها ، وعبرها وأمثالها.
وقال أبو حيان : التفسير : علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية ، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك.
ثم قال : فقولنا : علم ، جنس.
وقولنا : يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن. هو علم القراءة.
وقولنا : ومدلولاتها : أي مدلولات تلك الألفاظ ، وهذا متن علم اللغة الذي يحتاج إليه فى هذا العلم.
وقولنا : أحكامها الإفرادية والتركيبية ، هذا يشمل على التصريف والبيان والبديع :
و قولنا : ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب ، يشمل ما دلالته بالحقيقة وما دلالته بالمجاز. فإن التركيب ، قد يقتضى بظاهره شيئا. ويصدّ عن الحمل عليه صاد ، فيحمل على غيره ، وهو المجاز.
وقولنا : وتتمات لذلك ، هو مثل معرفة النسخ وسبب النزول وقصة توضح بعض ما أبهم فى القرآن ، ونحو ذلك.
وقال الزركشي : التفسير : علم يفهم به كتاب اللّه المنزل على نبيه محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وبيان معانيه ، واستخراج أحكامه وحكمه ، واستمداد ذلك من علم اللغة ، والنحو ، والتصريف ، وعلم البيان ، وأصول الفقه والقراءات ، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ.

(1/3729)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 8
ثم اعلم أن من المعلوم أن اللّه إنما خاطب خلقه بما يفهمونه ، ولذلك أرسل كل رسول بلسان قومه ، أنزل كتابه على لغتهم.
ولكى تعلم لم احتيج إلى التفسير ، فاعلم أن كل من وضع من البشر كتابا فإنما وضعه ليفهم بذاته من غير شرح ، وإنما احتيج إلى الشروح لأمور ثلاثة :
أحدها : كمال فضيلة المصنف ، فإن لقوّته العلمية يجمع المعاني الدقيقة فى اللفظ الوجيز ، فربما عسر فهم مراده فقصد بالشرح ظهور تلك المعاني الخفية ، ومن هنا كان شرح بعض الأئمة تصنيفه أدل على المراد من شرح غيره له.
وثانيها : إغفاله بعض تتمات المسألة أو شروط لها اعتمادا على وضوحها ، أو لأنها من علم آخر فيحتاج الشارح لبيان المحذوف ومراتبه.
وثالثها : احتمال اللفظ لمعان. كما فى المجاز والاشتراك ودلالة الالتزام ، فيحتاج الشارح إلى بيان غرض المصنف وترجيحه. وقد يقع فى التصانيف ما لا يخلو عنه بشر من السهو والغلط ، أو تكرار الشيء أو حذف المبهم وغير ذلك ، فيحتاج الشارح للتنبيه على ذلك.
لهذا إن القرآن إنما نزل بلسان عربى فى زمن أفصح العرب ، وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه ، أما دقائق باطنه فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر مع سؤالهم النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم فى الأكثر ،
كسؤالهم لما نزل قوله : وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ فقالوا : وأينا لم يظلم نفسه ، ففسره النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم بالشرك ، واستدل عليه بقوله : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.
وكسؤال عائشة عن الحساب اليسير فقال : ذلك العرض.
وكقصة عدىّ بن حاتم فى الخيط الأبيض والأسود ، غير ذلك مما سألوا عن آحاد منه.
ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه وزيادة على ذلك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلم ، فنحن أشد الناس احتياجا إلى التفسير. ومعلوم أن تفسير بعضه يكون من قبل الألفاظ الوجيزة وكشف معانيها ، وبعضه من قبل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض.

(1/3730)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 9
و علم التفسير عسر يسير.
أما عسره فظاهر من وجوه : أظهرها أنه كلام متكلم لم تصل الناس إلى مراده بالسماع منه ولا إمكان الوصول إليه ، بخلاف الأمثال والأشعار ونحوها ، فإن الإنسان يمكن علمه منه إذا تكلم بأن يسمع منه أو ممن سمع منه.
وأما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلا بأن يسمع من الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وذلك متعذر إلا فى آيات قلائل.
فالعلم بالمراد يستنبط بأمارات ودلائل ، والحكمة فيه أن اللّه تعالى أراد أن يتفكر عباده فى كتابه فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد فى جميع آياته.
وأما شرفه فلا يخفى ، قال تعالى : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً فعن ابن عباس فى قوله تعالى : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ قال : المعرفة بالقرآن ، ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ، ومتشابهه ، ومقدمه ومؤخره ، وحلاله وحرامه ، وأمثاله. وعنه : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ قال : يعنى تفسيره ، فإنه قد قرأه البرّ والفاجر.
وعن أبى الدرداء : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ قال : قراءة القرآن والفكرة فيه.
وعن عمرو بن مرة قال : ما مررت بآية فى كتاب اللّه لا أعرفها إلا أحزنتني ، لأنى سمعت اللّه يقول : وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ.
وعن الحسن قال : ما أنزل اللّه آية إلا وهو يحبّ أن تعلم فيما أنزلت وما أراد بها.
وعن ابن عباس قال : الذي يقرأ القرآن ولا يحسن تفسيره كالأعرابى يهذ الشعر هذا وعن أبى هريرة : «أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه» وعن أبى بكر الصديق قال : لأن أعرب آية من القرآن أحبّ إلىّ من أن أحفظ آية.
وعن رجل من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم قال : لو أنى أعلم إذا سافرت أربعين ليلة أعربت آية من كتاب اللّه لفعلت.
و قال عمر : من قرأ القرآن فأعربه كان له عند اللّه أجر شهيد. ومعنى هذه إرادة البيان والتفسير ، لأن إطلاق الإعراب على الحكم النحوي اصطلاح حادث ، ولأنه كان فى سليقتهم لا يحتاجون إلى تعلمه.

(1/3731)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 10
و قد أجمع العلماء أن التفسير من فروض الكفايات وأجلّ العلوم الثلاثة الشرعية.
وقيل أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن. فإن شرف الصناعة :
إما بشرف موضوعها مثل الصياغة فإنها أشرف من الدباغة ، لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة ، وهما أشرف من موضوع الدباغة الذي هو جلد الميتة.
وإما بشرف غرضها ، مثل صناعة الطب ، فإنها أشرف من صناعة الكناسة ، لأن غرض الطب إفادة الصحة وغرض الكناسة تنظيف المستراح.
وإما بشدة الحاجة إليها كالفقه ، فإن الحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الطب ، إذ ما من واقعة فى الكون فى أحد من الخلق إلا وهى مفتقرة إلى الفقه ، لأن به انتظام صلاح أحوال الدنيا والدين ، بخلاف الطب فإنه يحتاج إليه بعض الناس فى بعض الأوقات.
وإذا عرف ذلك فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثلاث :
أما من جهة الموضوع فلأن موضوعه كلام اللّه تعالى الذي هو ينبوع كل حكمة ومعدن كل فضيلة ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، لا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضى عجائبه.
وأما من جهة الغرض ، فلأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى السعادة الحقيقة التي لا تفنى.
وأما من جهة شدة الحاجة. فلأن كل كمال دينى أو دنيوى عاجلى أو آجلى مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية ، وهى متوقفة على العلم بكتاب اللّه تعالى.
وقد اشترطوا فى المفسر شروطا وألزموه بآداب.
قال العلماء : من أراد تفسير الكتاب العزيز طلبه أولا من القرآن ، فما أجمل منه فى مكان فقد فسر فى موضع آخر ، وما اختصر فى مكان فقد بسط فى موضع آخر منه. فإن أعياه ذلك طلبه من السنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له.

(1/3732)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 11
و قد قال الشافعي رضى اللّه عنه : كل ما حكم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم فهو مما فهمه من القرآن ، قال تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ فى آيات أخر.
وقال صلّى اللّه عليه وآله وسلم : ألا إنى أتيت القرآن ومثله معه ، يعنى السنة.
فإن لم يجده من السنة رجع إلى أقوال الصحابة ، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله ولما اختصوا به من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح.
ومما ألزموا المفسر به من آداب : صحة الاعتقاد أولا ولزوم سنة الدين ، فإن من كان مغموصا عليه فى دينه لا يؤتمن على الدنيا فكيف على الدين؟ ثم لا يؤتمن فى الدين على الأخبار عن عالم فكيف يؤتمن فى الأخبار عن أسرار اللّه تعالى؟ ولأنه لا يؤمن إن كان متهما بالإلحاد أن يبغى الفتنة ويغرّ الناس بليه وخداعه كدأب الباطنية وغلاة الرافضة.
وإن كان متهما بهوى لم يؤمن أن يحمله هواه كلما يوافق بدعته كدأب القدرية ، فإن أحدهم يصنف الكتاب فى التفسير ومقصوده منه الإيضاح الساكن ليصدّهم عن اتباع السلف ولزوم طريق الهدى.
ويجب أن يكون اعتماده على النقل عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم وعن أصحابه ومن عاصرهم ويتجنب المحدثات ، وإذا تعارضت أقوالهم وأمكن الجمع بينها فعل ، نحو أن يتكلم على الصراط المستقيم.
و أقوالهم فيه ترجع إلى شىء واحد فيدخل منها ما يدخل فى الجمع ، فلا تنافى بين القرآن وطريق الأنبياء ، فطريق السنة وطريق النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم وطريق أبى بكر وعمر ، فأىّ هذه الأقوال أفرده كان محسنا. وإن تعارضت ردّ الأمر إلى ما ثبت فيه السمع ، فإن لم يجد سمعا وكان للاستدلال طريق إلى تقوية أحدهما رجح ما قوى الاستدلال فيه ، كاختلافهم فى معنى حروف الهجاء ، يرجح قول من قال : إنها قسم.
وإن تعارضت الأدلة فى المراد علم أنه قد اشتبه عليه فيؤمن بمراد اللّه تعالى ، ولا يتهجم على تعيينه ، وينزله منزلة المجمل قبل تفصيله ، والمتشابه قبل تبيينه.

(1/3733)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 12
و من شروط صحة المقصد فيما يقول ليلقى التسديد ، فقد قال تعالى :
وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وإنما يخلص له القصد إذا زهد فى الدنيا لأنه إذا رغب فيها لم يؤمن أن يتوسل به إلى غرض يصده عن صواب قصده ويفسد عليه صحة علمه.
وتمام هذه الشرائط أن يكون ممتلئا من عدّة الإعراب لا يلتبس عليه اختلاف وجوه الكلام ، فإنه إذا خرج بالبيان عن وضع اللسان إما حقيقة أو مجازا فتأويله تعطيله ، ويجب أن يعلم أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم بين لأصحابه معانى القرآن كما بين لهم ألفاظه ، فقوله تعالى : لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ يتناول هذا وهذا. وقد قال أبو عبد الرحمن السلمى : حدثنا الذين كانوا يقرءون القرآن. كعثمان بن عفان. وعبد اللّه بن مسعود ، وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا. ولهذا كانوا يبقون مدة فى حفظ السورة.
وقال أنس : كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فى أعيننا.
ولقد أقام ابن عمر على حفظ البقرة ثمان سنين. وذلك أن اللّه تعالى قال :
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وقال : أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن.
وأيضا فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا فى فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحونه ، فكيف بكلام اللّه الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم؟
و لهذا كان النزاع بين الصحابة فى تفسير القرآن قليلا جدا ، وهو إن كان بين التابعين أكثر منه بين الصحابة فهو قليل بالنسبة إلى من بعدهم ، ومن التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة. وربما تكلموا فى بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال.
والخلاف بين السلف فى التفسير قليل ، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوّع لا اختلاف تضادّ ، وذلك صنفان :
أحدهما : أن يعبر واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى ، فى المسمى ، غير المعنى الآخر ، مع اتحاد المسمى ، كتفسيرهم الصراط

(1/3734)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 13
المستقيم : بعض بالقرآن ، أي اتباعه ، وبعض بالإسلام ، فالقولان متفقان لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن ، ولكن كل منهما نبه على وصف غير الوصف الآخر ، كما أن لفظ صراط يشعر بوصف ثالث.
وكذلك قول من قال : هو السنة والجماعة ، وقول من قال : هو طريق العبودية ، وقول من قال : هو طاعة اللّه ورسوله ، وأمثال ذلك.
فهؤلاء كلهم أشاروا إلى ذات واحدة لكن وصفها كل منهم بصفة من صفاتها.
الثاني : أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل ، وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود فى عمومه وخصوصه ، مثاله ما نقل فى قوله تعالى : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا الآية ، فمعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيع للواجبات والمنتهك للحرمات ، والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرمات ، والسابق يدخل فيه من سبق فتقرّب بالحسنات مع الواجبات. فالمقتصدون أصحاب اليمين ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ.
ثم إن كلا منهم يذكر هذا فى نوع من أنواع الطاعات كقول القائل :
السابق الذي يصلى فى أول الوقت ، والمقتصد الذي يصلى فى أثنائه ، والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار.
أو يقول : السابق المحسن بالصدقة مع الزكاة ، والمقتصد الذي يؤدى الزكاة المفروضة فقط ، والظالم مانع الزكاة.
وهذان الصنفان اللذان ذكرنا هما فى تنوع التفسير تارة لتنوّع الأسماء والصفات ، وتارة لذكر بعض أنواع المسمى ، وهو الغالب فى تفسير سلف الأمة الذي يظن أنه مختلف.
ومن التنازع الموجود منهم ما يكون اللفظ فيه محتملا للأمرين :
إما لكون مشتركا فى اللغة كلفظ القصورة ، الذي يراد به الرامي ويراد به الأسد ، ولفظ عسعس الذي يراد به إقبال الليل وإدباره.
وإما لكونه متواطئا فى الأصل لكن المراد به أحد النوعين أو أحد

(1/3735)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 14
الشخصين ، كالضمائر فى قوله : ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى الآية ، وكلفظ الفجر ، والشفع ، والوتر ، وليال عشر ، وأشباه ذلك.
فمثل ذلك قد يجوز أن يراد به كل المعاني التي قالها السلف ، وقد لا يجوز ذلك.
فالأول إما لكون الآية نزلت مرتين فأريد بها هذا تارة وهذا تارة.
وإما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معنياه.
وإما لكون اللفظ متواطئا فيكون عاما إذا لم يكن لمخصصه موجب.
فهذا النوع إذا صح فيه القولان كان من الصنف الثاني.
و من الأقوال الموجودة عنهم ويجعلها بعض الناس اختلافا ، أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة ، كما إذا فسر بعضهم تبسل بتحبس ، وبعضهم بترتهن ، لأن كلا منهما قريب من الآخر.
والاختلاف فى التفسير على نوعين :
منه ما مستنده النقل فقط.
ومنه ما يعلم بغير ذلك.
والمنقول إما عن المعصوم أو غيره.
ومنه ما يمكن معرفة الصحيح منه من غيره.
ومنه ما لا يمكن ذلك.
وهذا القسم الذي لا يمكن معرفة صحيحه من ضعيفه عامته مما لا فائدة فيه ولا حاجة بنا إلى معرفته ، وذلك كاختلافهم فى لون كلب أصحاب الكهف واسمه ، وفى البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة ، وفى قدر سفينة نوح وخشبها ، وفى اسم الغلام الذي قتله الخضر ، ونحو ذلك.
فهذه الأمور طريق العلم بها النقل ، فما كان منه منقولا نقلا صحيحا عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم قبل ، وما لا ، بأن نقل عن أهل الكتاب ، ككعب ووهب ، وقف عن تصديقه وتكذيبه
لقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم : «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم».

(1/3736)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 15
و كذا ما نقل عن بعض التابعين.
وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب ، فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض ، وما نقل فى ذلك عن الصحابة نقلا صحيحا فالنفس إليه أسكن مما ينقل عن التابعين ، ولأن احتمال أن يكون سمعه من النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، أو من بعض من سمعه منه أقوى ، ولأن نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين ، ومع جزم الصحابي بما يقوله كيف يقال إنه أخذه عن أهل الكتاب ، وقد نهوا عن تصديقهم.
وأما القسم الذي يمكن معرفة الصحيح منه ، فهذا موجود كثير.
وأما ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين :
أحدها : قوم اعتقدوا معانى ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها.
و الثاني : قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده من كان من الناطقين بلغة العرب من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن والمنزل عليه والمخاطب به.
فالأولون راعوا المعنى الذي رآوه من غير نظر إلى ما بستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان.
والآخرون راعوا مجرد اللفظ وما يجوز أن يراد به العربي من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم وسياق الكلام.
ثم هؤلاء كثيرا ما يغلطون فى احتمال اللفظ لذلك المعنى فى اللغة كما يغلط فى ذلك الذين قبلهم.
كما أن الأولين كثيرا ما يغلطون فى صحة المعنى الذي فسروا به القرآن كما يغلط فى ذلك الآخرون.
وإن كان نظر الأولين إلى المعنى أسبق ونظر الآخرين إلى اللفظ أسبق.
والأولون صنفان :
تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به.
وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه ولم يرد به.
وفى كلا الأمرين قد يكون ما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى باطلا فيكون خطؤهم فى الدليل والمدلول.

(1/3737)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 16
و قد يكون حقا فيكون خطؤهم فى الدليل لا فى المدلول.
فالذين أخطئوا فيهما مثل طوائف من أهل البدع اعتقدوا مذاهب باطلة وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على رأيهم ، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لا فى رأيهم ولا فى تفسيرهم ، فإن من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا فى ذلك بل مبتدعا ، لأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه ، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث اللّه به رسوله.
وأما الذين أخطئوا فى الدليل لا فى المدلول كمثل كثير من الصوفية والوعاظ والفقهاء يفسرون القرآن بمعان صحيحة فى نفسها لكن القرآن لا يدل عليها ، فإن كان فيما ذكروه معان باطلة دخل فى القسم الأول.
وللناظر فى القرآن لطلب التفسير مآخذ كثيرة ، أمهاتها أربعة :
الأول : النقل عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وهذا هو الطراز المعلم ، لكن يجب الحذر من الضعيف منه والموضوع فإنه كثير ، ولهذا قال أحمد : ثلاث كتب لا أصل لها : المغازي ، والملاحم ، والتفسير : يعنى أن الغالب أنه ليس لها أسانيد صحاح متصلة ، وإلا فقد صح من ذلك كثير كتفسير الظلم بالشرك فى آية الأنعام ، والحساب اليسير بالعرض ، والقوة بالرمي فى قوله : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ.
الثاني : الأخذ بقول الصحابي ، فإن تفسيره عندهم بمنزلة المرفوع إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وفى الرجوع إلى قول التابعي روايتان ، واختار ابن عقيل المنع ، لكن عمل المفسرين على خلافه ، فقد حكوا فى كتبهم أقوالهم لأن غالبها تلقوها من الصحابة ، وربما يحكى عنهم عبارات مختلفة الألفاظ فيظن من لا فهم عنده أن ذلك اختلاف محقق فيحكيه أقوالا وليس كذلك ، بل يكون كل واحد منهم ذكر معنى من الآية لكونه أظهر عنده أو أليق بحال السائل.

(1/3738)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 17
و قد يكون بعضهم يخبر عن الشيء يلازمه ونظيره والآخر بمقصوده وثمرته ، والكل يؤول إلى معنى واحد غالبا.
فإن لم يمكن الجمع فالمتأخر من القولين عن الشخص الواحد مقدم إن استويا فى الصحة عنه ، وإلا فالصحيح المقدم.
الثالث : الأخذ بمطلق اللغة ، فإن القرآن نزل بلسان عربىّ ، وهذا قد ذكره جماعة ونص عليه أحمد فى مواضع.
لكن نقل الفضل بن زياد عنه أنه سئل عن القرآن يمثل له الرجل ببيت من الشعر فقال : ما يعجبنى ، فقيل : ظاهره المنع. ولهذا قال بعضهم فى جواز تفسير القرآن بمقتضى اللغة روايتان عن أحمد.
وقيل : الكراهة تحمل على من صرف الآية عن ظاهرها إلى معان خارجة محتملة يدل عليها القليل من كلام العرب ، ولا يوجد غالبا إلا فى الشعر ونحوه ويكون المتبادر خلافها.
وعن مالك قال : لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب اللّه إلا جعلته نكالا.
الرابع : التفسير بالمقتضى من معنى الكلام والمقتضب من قوّة الشرع ، وهذا هو الذي
دعا به النّبى صلّى اللّه عليه وآله وسلم لابن عباس حيث قال : اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل
، و
الذي عناه علىّ بقوله : إلا فهما يؤتاه الرجل فى القرآن.
ومن هنا اختلف الصحابة فى معنى الآية ، فأخذ كل برأيه على منتهى نظره. ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأى والاجتهاد من غير أصل ، قال تعالى :
وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وقال : وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ وقال : لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ أضاف البيان إليه.
وقال صلّى اللّه عليه وآله وسلم : «من تكلم فى القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ».
وقال : «من قال فى القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار».
وتأويله أن من تكلم فى القرآن بمجرد رأيه ولم يعرج على سوى لفظه وأصاب الحق فقد أخطأ الطريق وإصابته اتفاق ، إذ الغرض أنه مجرد رأى لا شاهد له ، و
فى الحديث : «القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه»
، فقوله : ذللول : يحتمل معنيين :

(1/3739)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 18
أحدهما أنه مطيع لحامليه تنطق به ألسنتهم.
والثاني : أنه موضح لمعانيه حتى لا يقصر عنه أفهام المجتهدين.
وقوله : ذو وجوه : يحتمل معنيين :
أحدهما : أن من ألفاظه ما يحتمل وجوها من التأويل.
والثاني : قد جمع وجوها من الأوامر والنواهي والترغيب والترهيب والتحريم.
وقوله : فاحملوه على أحسن وجوهه ، يحتمل معنيين :
أحدهما : الحمل على أحسن معانيه.
والثاني : أحسن ما فيه من العزائم دون الرخص والعفو دون الانتقام.
وفيه دلالة ظاهرة على جواز الاستنباط والاجتهاد فى كتاب اللّه تعالى.
و النهى إنما انصرف إلى المتشابه منه لا إلى جميعه كما قال تعالى : فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ لأن القرآن إنما نزل حجة على الخلق فلو لم يجب التفسير لم تكن الحجة بالغة.
فإذا كان كذلك لجاز لمن عرف لغات العرب وأسباب النزول أن يفسره.
وأما من لم يعرف وجوه اللغة فلا يجوز أن يفسره إلا بمقدار ما سمع ، فيكون ذلك على وجه الحكاية لا على وجه التفسير ، ولو أنه يعلم التفسير وأراد أن يستخرج من الآية حكما أو دليل الحكم فلا بأس. ولو قال المراد كذا من غير أن يسمع فيه شيئا فلا يحل ، وهو الذي نهى عنه.
وقيل فى الحديث الأول : حمله بعض أهل العلم على أن الرأى معنى به الهوى. فمن قال فى القرآن قولا يوافق هواه فلم يأخذه عن أئمة السلف وأصاب فقد أخطأ ، لحكمه على القرآن بما لا يعرف أصله ولا يقف على مذاهب أهل الأثر والنقل فيه.
وقيل فى الحديث الثاني : له معنيان :
أحدهما : من قال فى مشكل القرآن بما لا يعرف من مذاهب الأوائل من الصحابة والتابعين فهو متعرّض لسخط اللّه تعالى.

(1/3740)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 19
و الآخر وهو الأصح : من قال فى القرآن قولا يعلم أن الحق غيره فليتبوأ مقعده من النار.
وقال البغوي : التأويل : صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وبعدها ، تحتمله الآية غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط. غير محظور على العلماء بالتفسير كقوله تعالى : انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا قيل : شبابا وشيوخا ، وقيل : أغنياء وفقراء ، وقيل : عزابا ومتأهلين ، وقيل : نشاطا وغير نشاط ، وقيل : أصحاء ومرضى ، وكل ذلك سائغ والآية تحتمله.
وأما التأويل المخالف للآية والشرع فمحظور لأنه تأويل الجاهلين مثل تأويل الروافض ، قوله تعالى : مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ إنهما علىّ وفاطمة. يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ يعنى الحسن والحسين.
و قد اختلف فى تفسير القرآن : هل يجوز لكل أحد الخوض فيه؟.
فقال قوم : لا يجوز لأحد أن يتعاطى تفسير شىء من القرآن وإن كان عالما أديبا متسعا فى معرفة الأدلة والفقه والنحو والأخبار والآثار ، وليس له إلا أن ينتهى إلى ما روى عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم فى ذلك.
ومنهم من قال : يجوز تفسيره لمن كان جامعا للعلوم التي يحتاج المفسر إليها ، وهى خمسة عشر علما :
أحدها : اللغة ، لأن بها يعرف شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الوضع ، قال مجاهد : لا يحل لأحد يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يتكلم فى كتاب اللّه إذا لم يكن عالما بلغات العرب. ولا يكفى فى حقه معرفة اليسير منها فقد يكون اللفظ مشتركا وهو يعلم أحد المعنيين والمراد الآخر.
الثاني : النحو ، لأن المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإعراب فلا بد من اعتباره. وعن الحسن أنه سئل عن الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن النطق ويقيم بها قراءته ، فقال : حسن فتعلمها ، فإن الرجل يقرأ الآية فيعيا بوجهها فيهلك فيها.
الثالث : التصريف ، لأن به تعرف الأبنية والصيغ. ومن فاته علمه فاته المعظم ، لأن وجد مثلا كلمة مبهمة فإذا صرفناها اتضحت بمصادرها.
وقال الزمخشري : من بدع التفاسير قول من قال : إن الإمام فى قوله

(1/3741)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 20
تعالى : يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ جمع أم ، وإن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم.
قال : وهذا غلط أوجبه جهله بالتصريف ، فإنا أما لا تجمع على إمام.
الرابع : الاشتقاق ، لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين مختلفتين اختلف باختلافهما ، كالمسيح هل هو من السياحة أو المسح.
الخامس ، والسادس ، والسابع : المعاني ، والبيان ، والبديع ، لأنه يعرف بالأول خواص تراكيب الكلام من جهة إفادتها المعنى ، وبالثاني خواصها من حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وخفائها ، وبالثالث وجوه تحسين الكلام.
و هذه العلوم الثلاثة هى علوم البلاغة ، وهى من أعظم أركان المفسر لأنه لا بد له من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز ، وإنما يدرك بهذه العلوم.
وقال السكاكي : اعلم أن شأن الإعجاز عجيب ، يدرك ولا يمكن وصفه ، كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها وكالملاحة ، ولا طريق إلى تحصيله لغير ذوى الفطرة السليمة إلا التمرّن على علمى المعاني والبيان.
وقال ابن الحديد : اعلم أن معرفة الفصيح والأفصح والرشيق والأرشق من الكلام أمر لا يدرك إلا بالذوق ، ولا يمكن إقامة الدلالة عليه ، وهو بمنزلة جاريتين إحداهما بيضاء مشربة بحمرة دقيقة الشفتين نقية الثغر كحلاء العين أسيلة الخد دقيقة الأنف معتدلة القامة ، والأخرى دونها فى هذه الصفات والمحاسن لكنها أحلى فى العيون والقلوب منها ، ولا يدرى سبب ذلك ولكنه يعرف بالذوق والمشاهدة ولا يمكن تعليله ، وهكذا الكلام ، نعم يبقى الفرق بين الوصفين أن حسن الوجوه وملاحتها وتفضيل بعضها على بعض يدركه كل من له عين صحيحة. وأما الكلام فلا يدرك إلا بالذوق ، وليس كل من اشتغل بالنحو واللغة والفقه يكون من أهل الذوق وممن يصلح لانتقاد الكلام ، وإنما أهل الذوق هم الذين اشتغلوا بعلم البيان وراضوا أنفسهم بالرسائل والخطب والكتابة والشعر وصارت لهم بذلك دراية وملكة تامة ، فإلى أولئك ينبغى أن يرجع فى معرفة الكلام وفضل بعضه على بعض.
وقال الزمخشري : من حق مفسر كتاب اللّه الباهر وكلامه المعجز أن يتعاهد بلقاء النظم على حسنه والبلاغة على كمالها وما وقع به التحدي سليما من القادح.

(1/3742)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 21
و قال غيره : معرفة هذه الصناعة بأوضاعها هى عمدة المفسر المطلع على عجائب كلام اللّه تعالى ، وهى قاعدة الفصاحة وواسطة عقد البلاغة.
الثامن : علم القراءات ، لأنه به يعرف كيفية النطق بالقرآن ، وبالقراءات يترجح بعض الوجوه المحتملة على بعض.
التاسع : أصول الدين بما فى القرآن من الآية الدالة بظاهرها على ما لا يجوز على اللّه تعالى ، فالأصولى يؤول ذلك ويستدل على ما يستحيل وما يجب وما يجوز.
العاشر : أصول الفقه ، إذ به يعرف وجه الاستدلال على الأحكام والاستنباط.
الحادي عشر : أسباب النزول والقصص ، إذ بسبب النزول يعرف معنى الآية المنزلة فيه بحسب ما أنزلت فيه.
الثاني عشر : الناسخ والمنسوخ ليعلم المحكم من غيره.
الثالث عشر : الفقه.
الرابع عشر : الأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم.
الخامس عشر : علم الموهبة ، وهو علم يورثه اللّه تعالى لمن عمل بما علم ، وإليه الإشارة
بحديث : «من عمل بما علم ورثه اللّه علم ما لم يعلم».
قال ابن أبى الدنيا : وعلوم القرآن وما يستنبطه منه بحر لا ساحل له.
قال : فهذه العلوم التي هى كالآلة للمفسر لا يكون مفسرا إلا بتحصيلها ، فمن فسر بدونها كان مفسرا بالرأى المنهي عنه ، وإذا فسر مع حصولها لم يكن مفسرا بالرأى المنهي عنه.
قال : والصحابة والتابعون كان عندهم علوم العربية بالطبع لا بالاكتساب ، واستفادوا العلوم الأخرى من النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
قال فى البرهان : اعلم أنه لا يحصل للناظر فهم معانى الوحى ولا يظهر له أسراره وفى قلبه بدعة أو كبر أو هوى أو حبّ الدنيا أو وهو مصرّ على ذنب أو غير متحقق بالإيمان أو ضعيف التحقيق أو يعتمد على قول مفسر ليس عنده علم أو راجع إلى معقوله ، وهذه كلها حجب وموانع بعضها آكد من بعض.

(1/3743)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 22
و فى هذا المعنى قوله تعالى : سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ.
قال سفيان بن عيينة : يقول أنزع عنهم فهم القرآن.
وعن ابن عباس قال : التفسير أربعة أوجه :
وجه تعرفه العرب من كلامها.
وتفسير لا يعذر أحد بجهالته.
وتفسير تعرفه العلماء.
وتفسير لا يعلمه إلا اللّه تعالى.
و فى الحديث : «أنزل القرآن على أربعة أحرف : حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير تفسره العرب ، وتفسير تفسره العلماء ، ومتشابه لا يعلمه إلا اللّه تعالى ، ومن ادعى علمه سوى اللّه تعالى فهو كاذب».
قال الزركشي فى البرهان فى قول ابن عباس : هذا تقسيم صحيح.
فأما الذي تعرفه العرب ، فهو الذي يرجع فيه إلى لسانهم ، وذلك اللغة والإعراب.
فأما اللغة فعلى المفسر معرفة معانيها ومسميات أسمائها ، ولا يلزم ذلك القارئ ، ثم إن كان ما يتضمنه ألفاظها يوجب العمل دون العلم كفى فيه خبر الواحد والاثنين والاستشهاد بالبيت والبيتين. وإن كان يوجب العلم لم يكف ذلك ، بل لا بد أن يستفيض ذلك اللفظ وتكثر شواهده من الشعر.
وأما الإعراب فما كان اختلافه محيلا للمعنى وجب على المفسر والقارئ تعلمه ليوصل المفسر إلى معرفة الحكم ويسلم القارئ من اللحن ، وإن لم يكن محيلا للمعنى وجب تعلمه على القارئ ليسلم من اللحن ، ولا يجب على المفسر لوصوله إلى المقصود بدونه.
وأما ما لا يعذر أحد بجهله فهو ما تتبادر الأفهام إلى معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع الأحكام ودلائل التوحيد ، وكل لفظ أفاد معنى واحدا جليا يعلم أنه مراد اللّه تعالى.
فهذا القسم لا يلتبس تأويله إذ كل أحد يدرك معنى التوحيد من قوله تعالى : فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وأنه لا شريك له فى الإلهية ، وإن لم يعلم أن

(1/3744)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 23
لا موضوعة فى اللغة للنفى وإِلَّا للإثبات ، وأن مقتضى هذه الكلمة الحصر ، ويعلم كل أحد بالضرورة أن مقتضى : أقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، ونحوه ، طلب إيجاد المأمور به ، وإن لم يعلم أن صيغة أفعل للوجوب.
فما كان من هذا القسم لا يعذر أحد يدعى الجهل بمعاني ألفاظه لأنها معلومة لكل أحد بالضرورة.
و أما ما لا يعلمه إلا اللّه تعالى فهو ما يجرى مجرى الغيوب ، نحو الآي المتضمنة لقيام الساعة وتفسير الروح والحروف المقطعة ، وكل متشابه فى القرآن عند أهل الحق ، فلا مساغ للاجتهاد فى تفسيره ، ولا طريق إلى ذلك إلا بالتوقيف بنص من القرآن أو الحديث أو إجماع الأمة على تأويله.
وأما ما يعلمه العلماء ويرجع إلى اجتهادهم فهو الذي يغلب عليه إطلاق التأويل ، وذلك استنباط الأحكام وبيان المجمل وتخصيص العموم.
وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدا فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه ، وعليهم اعتماد الشواهد والدلائل دون مجرد الرأى.
فإن كان أحد المعنيين أظهر وجب الحمل عليه إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو الخفي.
وإن استويا والاستعمال فيهما حقيقة لكن فى أحدهما حقيقة لغوية أو عرفية وفى الآخر شرعية ، فالحمل على الشرعية أولى إلا أن يدل دليل على إرادة اللغوية كما فى : وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ.
ولو كان فى أحدهما عرفية والآخر لغوية فالحمل على العرفية أولى وإن اتفقا فى ذلك أيضا.
فإن تنافى اجتماعهما ولم يمكن إرادتهما باللفظ الواحد كالقرء للحيض والطهر. اجتهد فى المراد منهما بالأمارات الدالة عليه ، فما ظنه فهو مراد اللّه تعالى فى حقه وإن لم يظهر له شىء ، فهل يتخير فى الحمل على أيهما شاء ويأخذ بالأغلظ حكما أو بالأخف؟ أقوال ، وإن لم يتنافيا وجب الحمل عليهما عند المحققين ويكون ذلك أبلغ فى الإعجاز والفصاحة ، إلا إن دلّ دليل على إرادة أحدهما ، إذا عرف ذلك فينزل حديث : «من تكلم بالقرآن برأيه» على قسمين من هذه الأربعة :

(1/3745)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 24
أحدهما : تفسير اللفظ لاحتياج المفسر له إلى التبحر فى معرفة لسان العرب.
والثاني : حمل اللفظ المحتمل على أحد معنييه لاحتياج ذلك إلى معرفة أنواع من العلوم والتبحر فى العربية واللغة.
و من الأصول ما يدرك به حدود الأشياء وصيغ الأمر والنهى والخبر والمجمل والمبين والعموم والخصوص والمطلق والمقيد والمحكم والمتشابه والظاهر والمؤول والحقيقة والمجاز والصريح والكناية.
ومن الفروع ما يدرك به الاستنباط.
هذا أقل ما يحتاج إليه ، ومع ذلك فهو على خطر ، فعليه أن يقول ، يحتمل كذا : ولا يجزم إلا فى حكم اضطر إلى الفتوى به فأدى اجتهاده إليه فيجزم مع تجويز خلافه.
وقال ابن النقيب : جملة ما تحصل فى معنى حديث التفسير بالرأى خمسة أقوال :
أحدهما : التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير.
الثاني : تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلا اللّه.
الثالث : التفسير المقرر للمذهب الفاسد بأنه يجعل المذهب أصلا والتفسير تابعا فيرد إليه بأيّ طريق أمكن وإن كان ضعيفا.
الرابع : التفسير أن مراد اللّه كذا على القطع من غير دليل.
الخامس : التفسير بالاستحسان والهوى.
وعلوم القرآن ثلاثة أقسام :
الأول : علم لم يطلع اللّه عليه أحدا من خلقه وهو ما استأثر به من علوم أسرار كتابه من معرفة كنه ذاته وغيوبه التي لا يعلمها إلا هو ، وهذا لا يجوز لأحد الكلام فيه بوجه من الوجوه إجماعا.
الثاني : ما أطلع اللّه عليه نبيه من أسرار الكتاب واختصه به ، وهذا لا يجوز الكلام فيه إلا له صلّى اللّه عليه وآله وسلم أو لمن أذن له. وأوائل السور من هذا القسم ، وقيل من القسم الأول.
الثالث : علوم علمها اللّه نبيه مما أودع كتابه من المعاني الجلية والخفية وأمره بتعليمها.

(1/3746)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 25
و هذا ينقسم إلى قسمين :
منه ما لا يجوز الكلام فيه إلا بطريق السمع ، وهو أسباب النزول والناسخ والمنسوخ والقراءات واللغات وقصص الأمم الماضية وأخبار ما هو كائن من الحوادث وأمور الحشر والمعاد.
ومنه ما يؤخذ بطريق النظر والاستدلال والاستنباط والاستخراج من الألفاظ ، وهو قسمان :
قسم اختلفوا فى جوازه ، وهو تأويل الآيات المتشابهات فى الصفات.
وقسم اتفقوا عليه ، وهو استنباط الأحكام الأصلية والفرعية والإعرابية ، لأن مبناها على الأقيسة.
وكذلك فنون البلاغة وضروب المواعظ والحكم والإرشادات لا يمتنع استنباطها منه واستخراجها لمن له أهلية.
وقال الزركشي : الحق أن علم التفسير منه ما يتوقف على النقل ، كسبب النزول والنسخ وتعيين المبهم وتبيين المجمل.
ومنه ما لا يتوقف ويكفى فى تحصيله الثقة على الوجه المعتبر.
قال : وكان السبب فى اصطلاح كثير على التفرقة بين التفسير والتأويل التمييز بين المنقول والمستنبط ليحيل على الاعتماد فى المنقول وعلى النظر فى المستنبط.
قال : واعلم أن القرآن قسمان :
قسم ورد تفسيره بالنقل.
وقسم لم يرد.
والأول إما أن يرد عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم أو الصحابة أو رؤوس التابعين.
فالأول يبحث فيه عن صحة السند.
والثاني ينظر فى تفسير الصحابي.
فإن فسره من حيث اللغة فهم أهل اللسان ، فلا شك فى اعتماده ، أو بما شاهده من الأسباب والقرائن فلا شك فيه.
وحينئذ إن تعارضت أقوال جماعة من الصحابة ، فإن أمكن الجمع فذاك ، وإن تعذر قدّم ابن عباس ، لأن
النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم بشره بذلك حيث قال : اللهم علمه

(1/3747)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 26
التأويل.
وأما ما لم يرد فيه نقل فهو قليل وطريق التوصل إلى فهمه النظر إلى مفردات الألفاظ من لغة العرب ومدلولاتها واستعمالها بحسب السياق.
وأما كلام الصوفية فى القرآن فليس بتفسير.
قال النسفي فى عقائده : النصوص على ظاهرها والعدول عنها إلى معان يدعيها أهل الباطن إلحاد.
قال التفتازانيّ فى شرحه : سميت الملاحدة باطنية لادّعائهم أن النصوص ليست على ظاهرها بل لها معان باطنية لا يعرفها إلا المعلم ، وقصدهم بذلك نفى الشريعة بالكلية.
قال : وأما ما يذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص على ظواهرها ومع ذلك فيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة فهو من كمال الإيمان ومحض العرفان.
وعن الحسن قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم : «لكل آية ظهر وبطن ، ولكل حرف حدّ ، ولكل حدّ مطلع»
و عن عبد الرحمن بن عوف : «القرآن تحت العرش له ظهر وبطن يحاج العباد».
وعن ابن مسعود : إن هذا القرآن ليس منه حرف إلا له حدّ ، ولكل حدّ مطلع.
وقيل : اما الظهر والبطن ففى معناه أوجه :
أحدها : أنك إذا بحثت عن باطنها وقسته على ظاهرها وقفت على معناها.
والثاني : أن ما من آية إلا عمل بها قوم ولها قوم سيعلمون بها.
الثالث : أن ظاهرها لفظها وباطنها تأويلها.
الرابع : أن القصص التي قصها اللّه تعالى عن الأمم الماضية وما عاقبهم به ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين إنما هو حديث حدّث به عن قوم ، وباطنها وعظ الآخرين وتحذيرهم أن يفعلوا كفعلهم فيحل بهم مثل ما حلّ بهم.
وقيل : إن ظهرها ما ظهر من معانيها لأهل العلم بالظاهر ، وبطنها ما تضمنته من الأسرار التي أطلع اللّه عليها أرباب الحقائق.
ومعنى قوله : «و لكل حرف حدّ» أي منتهى فيما أراد اللّه من معناه.
وقيل : لكل حكم مقدار من الثواب والعقاب.
ومعنى قوله : «و لكل حدّ مطلع» : الكل غامض من المعاني والأحكام مطلع يتوصل به إلى معرفته ويوقف على المراد به.

(1/3748)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 27
و قيل : كل ما يستحقه من الثواب والعقاب يطلع عليه فى الآخرة عند المجازاة.
وقال بعضهم : الظاهر التلاوة ، والباطن الفهم ، والحدّ أحكام الحلال والحرام ، والمطلع : الإشراف على الوعد والوعيد.
و يؤيد هذا ما روى عن ابن عباس قال : إن القرآن ذو شجون وفنون وظهور وبطون ، لا تنقضى عجائبه ، ولا تبلغ غايته ، فمن أو غل فيه برفق نجا ، ومن أوغل فيه بعنف هوى : أخبار وأمثال وحلال وحرام وناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وظهر وبطن ، فظهره التلاوة ، وبطنه التأويل ، فجالسوا به العلماء ، وجانبوا به السفهاء.
وورد عن أبى الدرداء أنه قال : لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يجعل للقرآن وجوها.
وقال ابن مسعود : من أراد علم الأولين والآخرين فليثوّر القرآن.
وقال بعض العلماء : لكل آية ستون ألف فهم.
فهذا يدل على أن فهم معانى القرآن مجالا رحبا ومتسعا بالغا ، وأن المنقول من ظاهر التفسير ليس ينتهى الإدراك فيه بالنقل والسماع لا بد منه فى ظاهر التفسير لينتفى به مواضع الغلط ، ثم بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط ، ولا يجوز التهاون فى حفظ التفسير الظاهر بل لا بد منه أولا ، إذ لا يطمع فى الوصول إلى الباطن قبل أحكام الظاهر ، ومن ادّعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن ادّعى البلوغ إلى صدر البيت قبل أن يجاوز الباب.
وقيل : اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام اللّه وكلام رسوله بالمعاني الغريبة ليس إحالة للظاهر عن ظاهره ، ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جلبت الآية له ودلت عليه فى عرف اللسان ، وثم أفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث لمن فتح اللّه قلبه ، وقد جاء
فى الحديث : «لكل آية ظهر وبطن»
، فلا يصدنك عن تلقى هذه المعاني منهم. وأن يقول لك ذو جدل معارضة هذا إحالة لكلام اللّه وكلام رسوله ، فليس ذلك بإحالة وإنما يكون إحالة لو قالوا لا معنى للآية إلا هذا. وهم لم يقولوا ذلك بل يقرءون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها ، ويفهمون عن اللّه تعالى ما أفهمهم.
و يجب على المفسر أن يتحرّى فى التفسير مطابقة المفسر ، وأن يتحرز فى ذلك من نقص لما يحتاج إليه فى إيضاح المعنى أو زيادة لا تليق بالغرض ، ومن

(1/3749)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 28
كون المفسر فيه زيغ عن المعنى وعدول عن طريقه ، وعليه بمراعاة المعنى الحقيقي والمجازى ومراعاة التأليف والغرض الذي سيق له الكلام ، وأن يؤاخى بين المفردات. ويجب عليه البداءة بالعلوم اللفظية.
وأول ما يجب البداءة به منها تحقيق الألفاظ المفردة فيتكلم عليها من جهة اللغة ثم التصريف ثم الاشتقاق ، ثم يتكلم عليها بحسب التركيب ، فيبدأ بالإعراب ثم بما يتعلق بالمعاني ثم البيان ثم البديع ، ثم يبين المعنى المراد ثم الاستنباط ثم الإشارة.
وقال الزركشي فى أوائل البرهان : قد جرت عادة المفسرين أن يبدءوا بذكر سبب النزول ، ووقع البحث فى أنه أيما أولى بالبداءة به لتقدم السبب على المسبب أو بالمناسبة لأنها المصححة لنظم الكلام وهى سابقة على النزول.
قال : والتحقيق. التفصيل بين أن يكون وجه المناسبة متوقفا على سبب النزول كآية : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها فهذا ينبغى فيه تقديم ذكر السبب لأنه حينئذ من باب تقديم الوسائل على المقاصد ، وإن لم يتوقف على ذلك فالأولى تقديم وجه المناسبة.
وقال فى موضع آخر : جرت عادة المفسرين ممن ذكر فضائل القرآن أن يذكرها فى أول كل سورة لما فيها من الترغيب والحثّ على حفظها.
وقال كثير من الأئمة : لا يقال كلام محكى ولا يقال حكى اللّه ، لأن الحكاية الإتيان بمثل الشيء وليس لكلامه مثل. وتساهل قوم فطلقوا لفظ الحكاية بمعنى الإخبار ، وكثيرا ما يقع فى كلامهم إطلاق الزائد على بعض الحروف.
وعلى المفسر أن يتجنب ادعاء التكرار ما أمكنه.
وقال الزركشي فى البرهان : ليكن محط نظر المفسر مراعاة نظم الكلام الذي سيق له وإن خالف أصل الوضع اللغوي لثبوت التجوّز.
و قال فى موضع آخر : على المفسر مراعاة مجازى الاستعمالات فى الألفاظ التي يظن بها الترادف والقطع بعدم الترادف ما أمكن ، فإن للتركيب معنى غير معنى الإفراد ، ولهذا منع كثير من الأصوليين وقوع أحد المترادفين موقع الآخر فى التركيب وإن اتفقوا على جوازه فى الإفراد.

(1/3750)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 29
و قال أبو حيان : كثيرا ما يشحن المفسرون تفاسيرهم عند ذكر الإعراب بعلل النحو ودلائل مسائل أصول الفقه ودلائل مسائل الفقه ودلائل أصول الدين وكل ذلك مقرر فى تأليف هذه العلوم ، وإنما يؤخذ ذلك مسلما فى علم التفسير دون استدلال عليه ، وكذلك أيضا ذكروا ما لا يصح من أسباب النزول وأحاديث فى الفضائل وحكايات لا تناسب وتواريخ إسرائيلية ، ولا ينبغى ذكر هذا فى علم التفسير.
وعن علىّ رضى اللّه عنه أنه قال : لو شئت أن أوقر سبعين بعيرا من تفسير أم القرآن لفعلت.
وبيان ذلك أنه إذا قال : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يحتاج تبيين معنى الحمد وما يتعلق به الاسم الجليل الذي هو اللّه وما يليق به من التنزيه ، ثم يحتاج إلى بيان العالم وكيفيته على جميع أنواعه وأعداده وهى ألف عالم : أربعمائة فى البرّ ، وستمائة فى البحر ، فيحتاج إلى بيان ذلك كله.
فإذا قال : الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يحتاج إلى بيان الاسمين الجليلين وما يليق بهما من الجلال وما معناهما.
ثم يحتاج إلى بيان جميع الأسماء والصفات.
ثم يحتاج إلى بيان الحكمة فى اختصاص هذا الموضع بهذين الاسمين دون غيرهما.
فإذا قال : مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. يحتاج إلى بيان ذلك اليوم وما فيه من المواطن والأهوال وكيفية مستقره. فإذا قال : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يحتاج إلى بيان المعبود من جلالته والعبادة وكيفيتها وصفتها وأدائها على جميع أنواعها والعابد فى صفته والاستعانة وأدائها وكيفيتها.
فإذا قال : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ، إلى آخر السورة يحتاج إلى بيان الهداية ما هى والصراط المستقيم وأضداده ، وتبيين المغضوب عليهم والضالين وصفاتهم وما يتعلق بهذا النوع ، وتبيين المرضىّ عنهم وصفاتهم وطريقتهم.
فعلى هذه الوجوه يكون ما قاله علىّ من هذا القبيل.

(1/3751)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 31
بسم اللّه الرحمن الرحيم
(ب) المفسرون
و هؤلاء هم من اشتغلوا بالتفسير على مر العصور :
مرتبة أسماؤهم على حروف الهجاء.
1 - إبراهيم بن أحمد بن محمد (496 ه).
2 - إبراهيم بن على بن الحسين (523 ه).
3 - أحمد بن إسماعيل بن يوسف (590 ه).
4 - أحمد بن على بن أحمد (542 ه).
5 - أحمد بن على بن أبى جعفر (544 ه).
6 - أحمد بن فارس بن زكريا (395 ه) وله :
ا - جامع التأويل فى تفسير القرآن.
ب - غريب إعراب القرآن.
7 - أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، (427 ه).
صاحب التفسير المشهور.
8 - أحمد بن محمد بن عبد اللّه (429 ه).
9 - أحمد بن عمارة المهدوى ، (430 ه).
صاحب التفسير.
10 - أحمد بن فرج بن جبريل (303 ه).
11 - أحمد بن محمد بن أيوب الفارسي (364 ه).
12 - أحمد بن محمد بن شارك الهروي (355 ه).
13 - أحمد بن محمد بن برد الأندلسى (440 ه) وله :
ا - التحصيل فى تفسير القرآن.
ب - التفصيل فى تفسير القرآن.
14 - أحمد بن محمد بن عمر ، وله تفسير القرآن (586 ه).

(1/3752)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 32
15 - أحمد بن محمد بن محمد الأندلسى (562 ه).
16 - أحمد بن موسى بن أبى عطاء (325 ه).
17 - أحمد بن مغيث بن أحمد (459 ه).
18 - أحمد بن يوسف بن أصبغ (479 ه).
19 - أحمد بن إسماعيل بن عيسى (520 ه).
20 - أحمد بن ناصر بن ظاهر ، (686 ه).
وله : تفسير فى سبعة مجلدات.
21 - إسماعيل بن أحمد بن عبد اللّه (430 ه).
22 - إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد (449 ه).
23 - إسماعيل بن محمد بن الفضل (535 ه) وله :
ا - الإيضاح فى التفسير ، أربعة مجلدات.
ب - الموضح فى التفسير ، ثلاثة مجلدات.
ج - المعتمد فى التفسير ، عشرة مجلدات.
د - التفسير باللسان الأصبهانى ، عدة مجلدات.
و- إعراب القرآن.
24 - بشير بن حامد بن سليمان ، (646 ه).
وله تفسير فى عدة مجلدات.
25 - بقي بن مخلد بن يزيد الأندلسى ، (276 ه).
وله تفسير.
26 - بكير بن معروف (176 ه).
27 - بيبش بن محمد بن على (582 ه).
28 - جعفر بن محمد بن الحسن (279 ه).
29 - الحسن بن عبد اللّه بن سهل ، أبو هلال العسكري ، (400 ه).
وله تفسير فى خمس مجلدات.
30 - الحسن بن الفتح بن حمزة (500 ه) وله :
البديع فى البيان عن غوامض القرآن.
31 - الحسن بن على بن خلف (484 ه).
وله : المقنع فى تفسير القرآن.

(1/3753)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 33
32 - الحسن بن محمد بن حبيب ، (406 ه).
وله تفسير.
33 - الحسين بن الفضل بن عمير (282 ه).
34 - الحسين بن محمد بن على ، (369 ه).
وله تفسير.
35 - الحسين بن مسعود بن محمد (516 ه).
وله : معالم التنزيل فى التفسير.
36 - الخضر بن نصر بن عقيل ، (567 ه).
وله تفسير.
37 - سلمان بن عبد اللّه بن محمد (493 ه). وله :
تفسير القرآن.
38 - سلمان بن ناصر بن عمران (511 ه).
39 - سليمان بن خلف بن سعد (474 ه) وله :
تفسير القرآن.
40 - سليمان بن عبد اللّه بن يوسف (613 ه).
41 - عبد اللّه بن عبد الكريم بن هوزان (477 ه).
42 - عبد اللّه بن طلحة بن محمد (516 ه).
43 - عبد اللّه بن عطية بن عبد اللّه (383 ه).
44 - عبد اللّه بن يوسف بن عبد اللّه (438 ه). وله :
التفسير الكبير.
45 - عبد اللّه بن محمد بن على (481 ه).
46 - عبد الجبار بن عبد الخالق بن محمد (681 ه). وله :
مشكاة البيان فى تفسير القرآن.
47 - عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار ، (415 ه).
وله تفسير.
48 - عبد الجليل بن موسى بن عبد الجليل (608 ه).
وله : تفسير القرآن.
49 - عبد الحق بن غالب بن عبد الملك (541 ه).
50 - عبد الرحمن بن على بن محمد (القرن السادس).

(1/3754)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 34
51 - عبد الرحمن بن عمرو (684 ه). وله :
جامع العلوم فى التفسير.
52 - عبد الرحمن بن محمد بن إدريس (327 ه) وله :
التفسير المسند اثنا عشر مجلدا.
53 - عبد الرحمن بن محمد بن أميرويه (543 ه).
54 - عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن (413 ه). وله :
مختصر تفسير القرآن ، لابن سلام.
55 - عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوزان (514 ه).
56 - عبد الرزاق بن رزق اللّه ، (661 ه).
له تفسير.
57 - عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار (488 ه) وله :
التفسير الكبير.
58 - عبد السلام بن عبد الرحمن بن محمد (536 ه) وله :
تفسير القرآن.
59 - عبد الصمد بن عبد الرحمن (619 ه) وله :
60 - عبد الغنى بن القاسم بن الحسن (582 ه) وله :
اختصار تفسير سليم الرازي.
61 - عبد الكريم بن محمد بن عيسى (617 ه) وله :
تفسير ، جمع فيه بين تفسير ابن عطية وتفسير الزمخشري.
62 - عبد الكريم بن الحسن بن المحسن (525 ه).
63 - عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم.
64 - عبد الكريم بن هوزان بن عبد الملك (465 ه) وله :
التفسير الكبير.
65 - عبيد اللّه بن محمد بن جرو (387 ه) وله :
تفسير القرآن.
66 - عبد اللّه بن إبراهيم (550 ه).
67 - عبيد اللّه بن محمد بن مالك (460 ه).
68 - على بن أحمد بن الحسن (630 ه) وله :
تفسير القرآن.

(1/3755)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 35
69 - على بن عبد اللّه بن أحمد (458 ه) وله :
ا - التفسير الكبير فى ثلاثين مجلدا.
ب - التفسير الأوسط ، عشرة مجلدات.
ج - التفسير الصغير ، ثلاث مجلدات.
70 - على بن أحمد بن محمد (468 ه) وله التفاسير الثلاثة :
ا - البسيط.
ب - الوسيط.
ج - الوجيز.
71 - على بن عبد اللّه بن خلف (567 ه) وله :
رى الظمآن فى تفسير القرآن ، وهو كبير.
72 - على بن عبد اللّه بن المبارك ، (625 ه).
وله تفسير.
73 - على بن عبد اللّه بن وهب (532 ه) وله :
تفسير القرآن.
74 - على بن عيسى الرماني ، (384 ه).
وله تفسير.
75 - على بن فضال بن على (479 ه) وله :
ا - برهان العميدي ، فى التفسير ، عشرون مجلدا.
ب - الإكسير فى علم التفسير ، خمسة وثلاثون مجلدا.
76 - على بن إبراهيم بن سعيد (430 ه) وله :
ا - تفسير القرآن.
ب - إعراب القرآن ، عشرة مجلدات.
77 - على بن محمد بن حبيب (450 ه) وله :
النكت ، فى تفسير القرآن.
78 - على بن محمد بن عبد الصمد (643 ه) وله :
تفسير القرآن ، وصل فيه إلى الكهف.
79 - على بن المسلم بن محمد ، (533 ه).
وله تفسير.

(1/3756)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 36
80 - على بن موسى بن يزداد (350 ه) وله :
أحكام القرآن.
81 - عمر بن إبراهيم بن محمد (539 ه).
82 - عمر بن محمد بن أحمد ، (537 ه).
وله تفسير.
83 - عمر بن عثمان بن الحسين (550 ه).
قيل إنه شرع فى إملاء تفسير لو تم لم يوجد مثله.
84 - القاسم بن الفتح بن يوسف (451 ه).
85 - قتيبة بن أحمد بن شريح (316 ه) وله :
التفسير الكبير.
86 - محمد بن إبراهيم بن المنذر (318 ه) وله :
التفسير ، يقول السيوطي : وقفت عليه.
87 - محمد بن أحمد بن الحسن (480 ه).
88 - محمد بن أحمد بن أبى فرح القرطبي (671 ه) وله :
التفسير المشهور.
89 - محمد بن أسعد بن محمد ، (567 ه).
وله تفسير.
90 - محمد بن الحسين بن الحسن (533 ه).
91 - محمد بن الحسن بن على (460 ه) وله :
تفسير كبير ، عشرون مجلدا.
92 - محمد بن الحسن بن محمد (351 ه) وله :
ا - شفاء الصدور ، تفسير.
ب - الإشارة فى غريب القرآن.
ج - الموضح فى معانى القرآن.
د - القراءات ، بعللها.
93 - محمد بن جرير بن يزيد الطبري (310 ه) وله :
ا - تفسير القرآن.
ب - القراءات.
94 - محمد بن الحسين بن موسى (412 ه) وله :
حقائق التفسير.

(1/3757)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 37
95 - محمد بن على بن محمد (459 ه) وله :
التفسير ، فى عشرين مجلدا.
96 - محمد بن الخضر بن محمد ، (622 ه).
كان إماما فى التفسير.
97 - محمد بن سليمان بن الحسن ابن النقيب (698 ه) وله :
تفسير ، فى نحو مائة مجلد.
98 - محمد بن طيفور الغزنوي ، وله :
ا - تفسير.
ب - علل القراءات.
ج - الوقف والابتداء.
99 - محمد بن عبد اللّه بن جعفر (380 ه) وله :
كتاب فى التفسير لم يتمه.
100 - محمد بن عبد الوهاب بن سلام (321 ه) وله :
تفسير ، قال السيوطي ، رأيت منه جزءا.
101 - محمد بن عبد اللّه بن سليمان ، وله :
ا - مجتنى التفسير ، جمع فيه الصغير والكبير والقليل والكثير ، مما أمكنه.
ب - الجامع الصغير فى مختصر التفسير.
ج - المهذب فى التفسير.
102 - محمد بن عبد اللّه بن عيسى بن أبى زمتين (399 ه) وله :
مختصر تفسير ابن سلام.
103 - محمد بن عبد اللّه بن محمد ، ابن العربي (543 ه) وله :
ا - التفسير.
ب - أحكام القرآن.
104 - محمد بن عبد اللّه بن محمد المرسى ، وله :
تفسير القرآن.
105 - محمد بن عبد الحميد بن الحسين ، (552 ه).
وكان يملى التفسير.
106 - محمد بن عبد الرحمن بن موسى ، (519 ه).
كان إماما فى التفسير.

(1/3758)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 38
107 - محمد بن عبد الرحمن بن أحمد أبو عمر النسوى (470 ه).
صنف كتابا فى التفسير.
108 - محمد بن عبد الرحمن بن أحمد البخاري (546 ه) :
صنف كتابا فى التفسير أكثر من ألف جزء.
109 - محمد بن على بن إسماعيل القفال (365 ه).
نقل عنه الإمام الرازي فى تفسيره كثيرا مما يوافق مذهب المعتزلة.
110 - محمد بن على بن شهر آشوب (588 ه).
تقدم فى علوم القرآن : التفسير ، والقراءات.
111 - محمد بن عبد اللّه بن عمر (381 ه).
له تفسير.
112 - محمد بن إبراهيم ، أبو الفرج الشنبوذى.
كان عالما بالتفسير.
113 - محمد بن على بن أحمد الأدفوى (388 ه) وله :
تفسير القرآن ، فى مائة وعشرين مجلدا.
114 - محمد بن المفضل الرواس (415 ه).
صنف التفسير الكبير.
115 - محمد بن على بن محمد الأندلسى (638 ه).
116 - محمد بن على بن يحيى النسفي (510 ه).
كان خبيرا بالتفسير.
117 - محمد بن على بن ممويه الحمال (414 ه).
118 - محمد بن أبى على بن أبى نصر (592 ه) :
كانت له يد طول فى التفسير.
119 - محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين الرازي : (606 ه) وله :
ا - التفسير الكبير.
ب - إعجاز القرآن.
120 - محمد بن عمر بن يوسف بن مغايظ (631 ه) :
له يد طولى فى التفسير.

(1/3759)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 39
121 - محمد بن أبى القاسم بن بابجوك (562 ه) وله :
ا - تفسير القرآن.
ب - مفتاح التنزيل.
122 - محمد بن موسى الواسطي (320 ه).
كان عالما بالتفسيسر.
123 - محمد بن النضر بن مر (341 ه) :
كان عارفا بالتفسير ، وعلل القراءات أخذ عنه عبد اللّه بن عطية المفسر.
124 - محمد بن عبد الرحمن بن الفضل (360 ه).
صاحب التفاسير والقراءات.
125 - محمود بن أحمد بن عبد المنعم (536 ه).
إمام مفسر.
126 - محمود بن أحمد بن الفرج (555 ه).
إمام فى التفسير.
127 - محمود بن عمر الزمخشري (538 ه) وله :
الكشاف فى التفسير.
128 - محمود بن محمد بن داود (671 ه).
129 - مسعود بن محمود بن أحمد (576 ه).
كان إماما فى التفسير.
130 - منصور بن الحسين محمد النيشابوري (422 ه).
131 - منصور بن سررا بن عيسى (654 ه).
صنف تفسيرا.
132 - هبة اللّه بن سلامة (420 ه).
كان من أحفظ الناس لتفسير القرآن.
133 - يحيى بن مجاهد بن عوانة (366 ه).
عنى بعلمي التفسير والقراءات.
341 - يحيى بن محمد بن موسى (654 ه).
صنف التفسير.

(1/3760)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 40
135 - يحيى بن محمد بن عبد اللّه.
مفسر.
136 - يحيى بن الربيع بن سليمان (606 ه).
كان عالما بالتفسير.
وقرأ بالعشرة على ابن تركان.

(1/3761)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 41
الباب الرابع عشر تفسير القرءان الكريم

(1/3762)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 42

(1/3763)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 43
هذا التفسير
مستسقى من جميع أمهات كتب التفسير ويجمع كل ما هو جوهرى دون ما هو عرضى ويجد فيه المقبل على كتاب اللّه تعالى كل ما يعنيه ويغنى به عن الرجوع إلى غيره ويتميز بعرض ينفرد به عن كتب التفسير مطولها وموجزها فهو قد جمع بين اللغة والإعراب والأحكام ، وهو لم يترك آية دون أن يتوفيها بيانا ، وهو قد ساق هذا البيان فى إيجاز غير مخل حتى يكون القارئ على بينة من كل لفظ من ألفاظ الآية!.

(1/3764)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 44

(1/3765)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 45
(1) سورة الفاتحة
و تسمى :
1 - سورة الحمد ، لأن فيها ذكر الحمد.
2 - فاتحة الكتاب ، لأنه تفتتح قراءة القرآن بها لفظا.
3 - أم الكتاب ، لأنها أوله.
4 - أم القرآن ، لأنها أوله.
5 - المثاني ، لأنها تثنى فى كل ركعة.
6 - القرآن العظيم لتضمنها جميع علوم القرآن ، إذ هى تشتمل على الثناء على اللّه عز وجل ، وعلى الأمر بالعبادات ، وعلى الابتهال إليه تعالى فى الهداية إلى الصراط المستقيم.
7 - الشفاء ،
لقوله ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم : فاتحة الكتاب شفاء من كل داء.
8 - الرقية ، لما جاء فى الأثر أنه رقى بها.
9 - الأساس ، لقول الشعبي لرجل شكا خاصرته : عليك بأساس القرآن فاتحة الكتاب.
10 - الوافية ، لأنها لا تحتمل الاختزال.
11 - الكافية ، لأنها تكفى عن سواها ولا يكفى سواها عنها.
والإجماع على أنها سبع آيات.
وهى مكية.
وقيل : مدينية.
وقيل : نزل نصفها بمكة ونصفها بالمدينة.
وقراءتها فى الصلاة متعينة للإمام والمنفرد فى كل ركعة.

(1/3766)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 46
و يسن لقارىء القرآن أن يقول بعد الفراغ من الفاتحة بعد سكتة على (نون) (ولا الضالين) : آمين.
ومعنى (آمين) : اللهم استجب لنا ، وضع موضع الدعاء.
وفى (آمين) لغتان :
1 - المد ، على وزن (فاعيل) مثل : ياسين.
2 - القصر ، على وزن (يمين).
[سورة الفاتحة (1) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
1 - (بسم اللّه الرحمن الرحيم) :
قسم أنزله تعالى عند رأس كل سورة ، يقسم لعباده : أن هذا حق.
وعن العلماء :
1 - أنها ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها ، وهو قول مالك.
2 - أنها آية من كل سورة ، وهو قول عبد اللّه بن المبارك.
3 - أنها ليست بآية الا فى الفاتحة وحدها ، وهو قول الشافعي.
ولا خلاف بينهم فى أنها آية من سورة النمل.
ويقال لمن قال : (بسم اللّه) : بسمل ، وبسمل الرجل ، إذا قال :
بسم اللّه ، ومعنى (بسم اللّه) ، أي بالله ، ومعنى بالله ، أي بعون اللّه وتوفيقه وبركته ، وعلى هذا فاسم ، صلة زائدة ، وزيدت لإجلال ذكره تعالى وتعظيمه.
ودخول الباء على (اسم) ، اما :
1 - على معنى الأمر ، ويكون التقدير : ابدأ بسم اللّه.
2 - على معنى الخبر ، ويكون التقدير : ابتدأت بسم اللّه.
وقيل : المعنى :
1 - ابتدائى بسم اللّه ، فهى فى موضع رفع خبر الابتداء.
2 - أو ابتدائى مستتر ، فيكون الخبر محذوف.

(1/3767)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 47
و هى تكتب بغير ألف ، استغناء عنها بباء الإلصاق ، فى اللفظ والخط ، لكثرة الاستعمال ، بخلاف قوله تعالى : (اقرأ باسم ربك) لقلة الاستعمال.
واختصت باء الجر بالكسر :
1 - ليناسب لفظها عملها.
2 - لأنها لا تدخل إلا على الأسماء التي خصت بالخفض.
3 - للتفرقة بينها وبين ما يكون من الحروف اسما ، مثل الكاف.
و(اسم) ، وزنه : افع ، والذاهب منه الواو ، لأنه من : سموت.
وجمعه : أسماء : وتصغيره : سمى.
وألفه ، ألف وصل ، وقد تقطع فى الشعر.
(اللّه) هذا الاسم الأكبر من أسمائه تعالى وأجمعها ، لذا قيل :
انه اسم اللّه الأعظم ، ولم يسم به غيره ، لذلك لم يثن ولم يجمع.
و الأكثرون على أنه مشتق ، لا علم موضوع للذات (إلاه) فأدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة. وقيل : انه مشتق من إله الرجل ، إذا تعبد ، واللّه سبحانه ، على هذا ، معناه : المقصود بالعبادة ، والألف واللام لازمة له لا يجوز حذفهما منه ، وبدليل دخول حرف النداء عليه ، تقول : يا اللّه وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام للتعريف ، وهذا يعنى أنه علم موضوع للذات.
(الرحمن) : قيل : لا اشتقاق له ، لأنه من الأسماء المختصة به سبحانه ، ولو كان مشتقا من الرحمة ، لا تصل بذكر المرحوم ، وجاز أن يقال : اللّه رحمن بعباده.
وقيل : انه مشتق من الرحمة ، يعنى على المبالغة ، ومعناه ذو الرحمة الذي لا نظير له فيها. وهو لا يثنى ولا يجمع ، كما يثنى (الرحيم) ويجمع.

(1/3768)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 48
و أكثر العلماء على أن الرَّحْمنِ مختص بالله عز وجل لا يجوز أن يسمى به غيره.
الرَّحِيمِ صفة مطلقة للمخلوقين ، ولما فى الرَّحْمنِ من العموم قدم على الرَّحِيمِ.
وقيل : الرحيم ، أي بالرحيم ، يعنى محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، والتقدير : بسم اللّه الرحمن وبالرحيم ، أي وبمحمد ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وصلتم الى ، أي باتباعه.
وقد وصفه اللّه تعالى بهذا الوصف ، وذلك حيث يقول تعالى لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ.
[سورة الفاتحة (1) : آية 2]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)
2 - الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، الحمد : الثناء الكامل ، والألف واللام لاستغراق الجنس من المحامد ، فهو سبحانه يستحق الحمد بأجمعه.
والفرق بين الحمد والشكر :
أن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان.
والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان.
وأجمع القراء على رفع الدال من الْحَمْدُ لِلَّهِ.
و روى عن سفيان بن عيينة : الحمد للّه بنصب الدال ، على إضمار فعل.
وروى عن الحسن بن أبى الحسن ، وزيد بن على : الحمد للّه ، بكسر الدال ، على اتباع الأول الثاني.
رَبِّ الْعالَمِينَ أي مالكهم ، وكل من ملك شيئا فهو ربه ، فالرب :
المالك.

(1/3769)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 49
و الرب : اسم من أسماء اللّه تعالى ، ولا يقال فى غيره الا بالاضافة.
والعالمون ، بفتح اللام ، جمع عالم ، بفتح اللام أيضا ، وهو كل موجود سوى اللّه تعالى ، ولا واحد له من لفظه.
[سورة الفاتحة (1) : الآيات 3 الى 4]
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
3 - الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وصف نفسه تعالى بعد رَبِّ الْعالَمِينَ بأنه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لأنه لما كان فى اتصافه برب العالمين ترهيب قرنه بالرحمن الرحيم لما تضمن من الترغيب ، ليجمع فى صفاته بين الرهبة منه ، والرغبة اليه ، ليكون أعون على طاعته وأمنع.
4 - مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، وقرأ محمد بن السميقع بنصب مالِكِ.
وفى مالك لغات أربع : مالك ، وملك بفتح فكسر ، وملك بفتح فسكون ، ومليك.
وقرىء : مالك ، وملك ، بفتح فكسر.
وقيل : ان ملك ، أعم وأبلغ من مالِكِ ، إذ كل ملك مالك ، وليس كل مالك ملكا.
واليوم : عبارة عن وقت طلوع الفجر الى وقت غروب الشمس ، فاستعير فيما بين مبتدأ القيامة الى وقت استقرار أهل الدارين فيهما.
والدين : الجزاء على الأعمال والحساب بهما.
ورب قائل يقول : كيف قال : مالك يوم الدين ، ويوم الدين لم يوجد بعد ، فكيف وصف نفسه بملك ما لم يوجده؟
قيل : ان مالكا ، اسم فاعل ، من ملك يملك ، واسم الفاعل فى كل العرب قد يضاف الى ما بعده ، وهو بمعنى الفعل المستقبل.
وقد يكون تأويل المالك راجعا الى القدرة ، أي انه قادر فى يوم الدين ، أو على يوم الدين واحداثه.

(1/3770)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 50
وخص يوم الدين ، وهو مالك له ولغيره ، لأنه فى الدنيا ثمة من ينازع فى الملك ، وفى ذلك اليوم لا ينازعه أحد فى ملكه ، وكلهم خضعوا له.
[سورة الفاتحة (1) : الآيات 5 الى 7]
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)
5 - إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ :
إِيَّاكَ نَعْبُدُ رجع من الغيبة الى الخطاب على التلوين.
ونعبد : نطيع ، والعبادة : الطاعة والتذلل.
وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أي نطلب العون والتأييد والتوفيق.
وقرىء : نستعين ، بكسر النون ، وهى لغة تميم وأسد وقيس وربيعة.
6 - اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ :
اهدنا ، دعاء ورغبة من المربوب الى الرب ، والمعنى : دلنا على الصراط المستقيم وأرشدنا إليه.
والصراط المستقيم : دين اللّه الذي لا يقبل من العباد غيره.
والصراط : الطريق ، وقرىء : السراط ، بالسين ، من الاستراط ، وهو الابتلاع ، كأن الطريق يسترط من يسلكه.
والمستقيم ، صفة للصراط ، أي الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف.
7 - صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ :
صراط ، بدل من الأول ، بدل الشيء من الشيء.
ولغة القرآن الَّذِينَ فى الرفع والنصب والجر. وهذيل تقول :
اللذون فى الرفع.
وأنعمت عليهم ، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ :
المغضوب عليهم ، هم اليهود ، والضالون : النصارى.
وقيل : المغضوب عليهم : المشركون. والضالون : المنافقون.
وعليهم ، فى موضع رفع ، لأن المعنى : غضب عليهم.

(1/3771)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 51
و الضلال : الذهاب عن سنن القصد وطريق الحق.
والأصل فى الضَّالِّينَ الضالين ، حذفت حركة اللام الأولى ، ثم أدغمت اللام فى اللام.
و قرأ أيوب السختياني (الضألين) بهمز غير ممدود ، كأنه فر من التقاء الساكنين ، وهى لغة.
(2) سورة البقرة
سورة البقرة مدنية ، نزلت فى مدد شتى.
[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)
1 - ، 2 - الم. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ :
الم الحروف التي فى أوائل السور فيها أقوال :
قيل : هى سر اللّه فى القرآن.
وقيل : هى من التشابه الذي انفرد اللّه تعالى بعلمه.
وقيل : هى من المكتوم الذي لا يفسر.
وقيل : هى أسماء للسور.
وقيل : هى أقسام أقسم اللّه تعالى بها لشرفها وفضلها ، وموضع القسم لا رَيْبَ فِيهِ ، وتكون لا جواب القسم.
ذلِكَ الْكِتابُ : أي هذا الكتاب ، وذلِكَ قد تستعمل فى الاشارة الى حاضر ، وإن كان موضوعا للاشارة الى غائب ، فالاسم ذلِكَ اشارة الى القرآن ، موضوع موضع : هذا. وقد جاء هذَا بمعنى ذلِكَ.
وقيل : هو على بابه ، اشارة الى غائب.
الْكِتابُ أي القرآن.
لا رَيْبَ فِيهِ نفى عام ، ولذلك نصب الريب به.
والريب : الشك والارتياب.

(1/3772)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 52
أي إنه حق وإنه منزل من عند اللّه.
فِيهِ : الضمير فى موضع خفض بفي.
هُدىً لِلْمُتَّقِينَ :
الهدى : الرشاد والبيان ، أي فيه كشف لأهل المعرفة ورشد وزيادة بيان.
والهدى هديان :
هدى دلالة ، وهو الذي تقدر عليه الرسل وأتباعهم.
وهدى تأييد وتوفيق ، وهو الذي تفرد به سبحانه.
والهدى : مؤنث ، وقيل : مذكر.
لِلْمُتَّقِينَ خص اللّه تعالى المتقين بهدايته ، وان كان هدى للخلق أجمعين ، تشريفا لهم ، لأنهم آمنوا وصدقوا بما فيه.
[سورة البقرة (2) : الآيات 3 الى 4]
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
3 - الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ :
وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ معطوف جملة على جملة. واقامة الصلاة :
أداؤها بأركانها وسننها وهيئاتها فى أوقاتها.
وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ :
رزقناهم : أعطيناهم. والرزق : ما صح الانتفاع به.
والرزق ، بالكسر ، الاسم ، وبالفتح : المصدر.
ينفقون : يخرجون. والانفاق : إخراج المال من اليد.
والمراد بالنفقة هنا الزكاة لمقارنتها الصلاة ، وقيل : نفقة الرجل على أهله.
4 - وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ :
يُؤْمِنُونَ المراد : مؤمنو أهل الكتاب.

(1/3773)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 53
بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ يعنى القرآن.
وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يعنى الكتب السالفة.
وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ، أي وبالبعث والنشر هم عالمون.
واليقين : العلم دون الشك.
[سورة البقرة (2) : الآيات 5 الى 6]
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6)
5 - أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ :
مِنْ رَبِّهِمْ فيه رد على القدرية فى قولهم : يختلقون ايمانهم وهداهم.
وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ :
هم ، يجوز أن يكون مبتدأ ثانيا وخبره الْمُفْلِحُونَ ، والثاني وخبره خبر الأول. ويجوز أن تكون هُمُ زائدة ، ويسميها البصريون فاصلة ، والكوفيون عمادا. والمفلحون ، خبر أُولئِكَ.
و المفلحون ، أي الفائزون بالجنة والباقون فيها.
6 - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ :
لما ذكر تعالى المؤمنين وأحوالهم ذكر الكافرين ومآلهم.
والكفر ، ضد الايمان.
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أي معتدل عندهم الانذار وتركه. وجىء بالاستفهام.
من أجل التسوية.
أَ أَنْذَرْتَهُمْ الانذار : الإبلاغ والاعلام ، ولا يكاد يكون الا فى تخويف يتسع زمانه للاحتراز. فإن لم تتسع زمانه للاحتراز كان اشعارا ولم يكن انذارا.
لا يُؤْمِنُونَ ، موضعه رفع ، خبر إِنَّ ، أي ان الذين كفروا لا يؤمنون.
وقيل : خبر إِنَّ سواء ، وما بعده يقوم مقام الصلة.

(1/3774)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 54
[سورة البقرة (2) : الآيات 7 الى 9]
خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9)
7 - خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ :
بيّن اللّه سبحانه فى هذه الآية المانع لهم من الايمان بقوله خَتَمَ اللَّهُ.
والختم : التغطية على الشيء والاستيثاق منه حتى لا يدخله شىء.
والختم يكون محسوسا ، كما سبق ، ومعنى ، كما فى هذه الآية ، فالختم على القلوب : عدم الوعى عن الحق سبحانه. وعلى السمع :
عدم فهمهم للقرآن إذا تلى عليهم ، أو دعوا الى وحدانيته. وعلى الأبصار : عدم هدايتها للنظر فى مخلوقاته وعجائب مصنوعاته.
عَلى قُلُوبِهِمْ فيه دليل على فضل القلب على جميع الجوارح.
وَ عَلى سَمْعِهِمْ فيه دليل على فضل البصر لتقدمه عليه.
و جمع الأبصار ووحد السمع ، لأنه مصدر يقع للقليل والكثير.
وَ لَهُمْ أي للكافرين المكذبين.
عَذابٌ عَظِيمٌ :
العذاب ، أي لون من ألوان الإيذاء ، وسمى العذاب عذابا لأن صاحبه يحبس ويمنع عنه جميع ما يلائم الجسد من الخير ، ويهال عليه أضدادها. وفى المثل لألجمنك لجاما معذبا ، أي مانعا عن ركوب الناس.
8 - وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ :
وَ مِنَ النَّاسِ أي من المنافقين. والناس ، اسم جنس ، واسم الجنس لا يخاطب به الأولياء. والناس ، اسم من أسماء الجموع ، جمع انسان ، وانسانة ، على غير اللفظ.
والايمان معرفة بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالأركان.
9 - يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ :

(1/3775)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 55
يُخادِعُونَ اللَّهَ أي يخادعونه عند أنفسهم وعلى ظنهم.
وقيل : فى الكلام حذف ، تقديره : يخادعون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، جعل خداعهم لرسوله خداعا له.
ومخادعتهم : ما أظهروه من الايمان خلاف ما أبطنوه من الكفر.
وقيل : يخادعون اللّه ، أي يفسدون ايمانهم وأعمالهم فيما بينهم وبين اللّه تعالى بالرياء ، إذ أصل الخدع : الفساد.
وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ نفى وإيجاب ، أي ما تحل عاقبة الخدع إلا بهم.
وَ ما يَشْعُرُونَ أي يفطنون أن وبال خدعهم راجع إليهم ، فيظنون أنهم قد نجوا بخدعهم وفازوا ، وانما ذلك فى الدنيا ، لا فى الآخرة.
[سورة البقرة (2) : آية 10]
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10)
10 - فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ :
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ابتداء وخبر ، أي بسكونهم الى الدنيا ، وغفلتهم عن الآخرة.
و المرض عبارة مستعارة للفساد الذي فى عقائدهم.
والمعنى : قلوبهم مرضى لخلوها عن العصمة والتوفيق والرعاية والتأييد.
فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً ، قيل : هو دعاء عليهم ، ويكون المعنى :
زادهم اللّه شكا ونفاقا.
وقيل : هو : إخبار من اللّه تعالى عن زيادة مرضهم ، أي فزادهم اللّه مرضا الى مرضهم ، أي وكلهم الى أنفسهم ، وجمع عليهم هموم الدنيا ، فلم يتفرغوا عن ذلك الى اهتمام بالدين.
وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي مؤلم موجع.
وأليم ، أي مؤلم موجع.
بِما كانُوا يَكْذِبُونَ ، ما ، مصدرية ، أي بتكذيبهم للرسل.

(1/3776)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 56
[سورة البقرة (2) : الآيات 11 الى 12]
وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12)
11 - وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ :
إِذا فى موضع النصب على الظرفية ، والعامل فيها قالُوا ، وهى تؤذن بوقوع الفعل المنتظر. وهى اسم يدل على زمن مستقبل ، ولم تستعمل الا مضافة الى جملة.
قِيلَ من القول ، وأصلها : قول ، نقلت كسرة الواو الى القاف فانقلبت الواو ياء.
لا تُفْسِدُوا لا ، نهى. والفساد : ضد الصلاح ، وحقيقته العدول عن الاستقامة الى ضدها.
فِي الْأَرْضِ الأرض ، اسم جنس ، مؤنثة.
مُصْلِحُونَ اسم فاعل من : أصلح.
وانما قالوا ذلك على ظنهم.
12 - أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ :
ردا عليهم وتكذيبا لقولهم ، وكسرت إن لأنها مبتدأة.
وهم ، يجوز أن يكون مبتدأ ، والمفسدون ، خبره ، والمبتدأ وخبره خبر ان.
ويجوز أن تكون هم توكيدا للهاء والميم فى إنهم ، والتقدير ألا إنهم المفسدون.
وَ لكِنْ لا يَشْعُرُونَ : لكن ، حرف تأكيد وا ستدراك ، ولا بد فيه من نفى واثبات ، ان كان قبله نفى كان بعده إيجاب ، وان كان قبله إيجاب كان بعده نفى ، ولا يجوز الاقتصار بعده على اسم واحد إذا تقدم الإيجاب ولكن تذكر جملة مضادة لما قبلها ، كما فى هذه الآية.
والمعنى : أنهم كانوا يعملون الفساد سرا ويظهرون الصلاح ، وهم لا يشعرون أن أمرهم يظهر عند النبي ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم.

(1/3777)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 57
أو أن يكون فسادهم عندهم صلاحا وهم لا يشعرون أن ذلك فساد.
[سورة البقرة (2) : الآيات 13 الى 15]
وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)
13 - وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ :
وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ يعنى المنافقين.
آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ يعنى المنافقين. أي صدقوا بمحمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم وشرعه ، كما صدق المهاجرون والمحققون من أهل يثرب.
قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ يعنى مؤمنى أهل الكتاب ، أو أصحاب محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم. وهذا القول من المنافقين ، انما كانوا يقولونه فى خفة واستهزاء.
والسفه : الخفة والرقة ، والسفهاء ، أي الجهال والخرقاء.
وَ لكِنْ لا يَعْلَمُونَ للرّين الذي على قلوبهم.
14 - وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ.
وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا ، أصل لَقُوا : لقيوا ، نقلت الضمة الى القاف وحذفت الياء لالتقاء الساكنين.
وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ، خلوا ، هنا بمعنى :
ذهبوا وانصرفوا من أجل هذا عديت بحرف الجر إِلى ، ولو كانت بمعنى : انفردوا ، لعديت بالباء.
والشياطين ، جمع شيطان ، على التكثير. والمراد بشياطينهم :
رؤساؤهم فى الكفر.
إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ أي مكذبون بما ندعى اليه. وقيل :
ساخرون. والهزء : السخرية واللعب.
15 - اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ :
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ أي ينتقم منهم ويعاقبهم ، ويجازيهم على استهزائهم ، فسمى العقوبة باسم الذنب.

(1/3778)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 58
وَ يَمُدُّهُمْ : أي يطيل لهم المدة ويمهلهم ويملى لهم.
فِي طُغْيانِهِمْ أي كفرهم وضلالهم ، وأصل الطغيان : مجاوزة الحد. أي يمدهم بطول العمر حتى يزيدوا فى الطغيان فيزيدهم فى عذابه.
يَعْمَهُونَ : يعمهون ، أي يترددون متحيرين فى الكفر ، يقال عمه الرجل إذا حار.
[سورة البقرة (2) : الآيات 16 الى 17]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17)
16 - أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ :
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى ، ضمت الواو فى اشْتَرَوُا فرقا بينها وبين الواو الأصلية ، والضمة فى الواو أخف من غيرها لأنها من جنسها.
واشتروا ، من الشراء ، والشراء ، هنا مستعار ، والمعنى : استحبوا الكفر على الايمان ، فعبر عنه بالشراء ، لأن الشراء يكون فيما يحبه مشتريه ، يعنى : أخذوا الضلالة وتركوا الهدى ، أي استبدلوا واختاروا الكفر على الايمان ، وجاء بلفظ الشراء توسعا ، لأن الشراء والتجارة راجعان الى الاستبدال.
وأصل الضلالة : الحيرة ، ويسمى النسيان ضلالة ، لما فيه من الحيرة.
فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ أسند تعالى الربح الى التجارة ، على عادة العرب فى قولهم : ربح بيعك ، والمراد : فما ربحوا فى تجارتهم.
وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ فى اشترائهم الضلالة.
17 - مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ :
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً مثلهم ، رفع بالابتداء ، والخبر

(1/3779)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 59
فى (الكاف) فهى اسم. ويجوز أن يكون الخبر محذوفا ، تقديره : مثلهم مستقر كمثل ، فالكاف هنا ، حرف.
والمثل : الشبيه.
الَّذِي يقع للواحد والجمع ، ومن العرب من يأتى بالجمع بلفظ الواحد. والمعنى : كمثل الذين استوقدوا نارا ، ولذلك قال : ذهب اللّه بنورهم ، فحمل أول الكلام على الواحد ، وآخره على الجمع.
واستوقد نارا ، بمعنى : أوقد.
فَلَمَّا جوابها محذوف ، وهو : طفئت ، وقيل : جوابها : ذهب.
بِنُورِهِمْ الضمير للمنافقين ، والاخبار بهذا عن حال تكون فى الآخرة.
وقيل : الضمير يعود على الَّذِي وعلى هذا يتم تمثيل المنافق بالمستوقد ، لأن بقاء المستوقد فى ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق فى حيرته وتردده.
ناراً النار ، مؤنثة ، وهى من النور والاشراق.
ما حَوْلَهُ ما ، زائدة مؤكدة ، وقيل : مفعولة للفعل : أضاءت.
و حوله ، ظرف مكان ، والهاء ، فى موضع خفض بإضافته إليها.
ذَهَبَ وأذهب ، لغتان ، من الذهاب ، وهو زوال الشيء.
وَ تَرَكَهُمْ أي أبقاهم.
فِي ظُلُماتٍ جمع ظلمة.
وقرأ الأعمش : ظلمات ، بإسكان اللام ، على الأصل ، ومن قرأها بالضم ، فللفرق بين الاسم والنعت.
لا يُبْصِرُونَ فعل مستقبل فى موضع الحال ، كأنه قال : غير مبصرين ، وعلى هذا فلا يجوز الوقف على ظُلُماتٍ.

(1/3780)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 60
[سورة البقرة (2) : الآيات 18 الى 19]
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19)
18 - صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ :
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ أي هم صم ، خبر ابتداء مضمر.
وفى قراءة (صما بكما عميا) بالنصب على الذم.
والصمم : الانسداد ، فالأصم : من انسدت خروق مسامعه.
والأبكم : الذي لا ينطق ولا يفهم ، فاذا فهم فهو الأخرس.
وقيل : الأخرس والأبكم واحد.
والعمى : ذهاب البصر ، وقد عمى ، فهو أعمى ، وقوم عمى.
وليس الغرض فى هذا كله نفى الإدراكات عن حواسهم جملة ، وانما الغرض نفيها من جهة ما.
فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ أي الى الحق ، لسابق علم اللّه تعالى فيهم.
19 - أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ :
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ أو ، بمعنى الواو. وقيل : هى للتخيير ، أي مثلوهم بهذا أو بهذا ، لا على الاقتصار على أحد الأمرين ، والمعنى :
أو كأصحاب صيب.
والصيب : المطر.
والسماء : ما علا ، والأرض : ما سفل.
فِيهِ ظُلُماتٌ ابتداء وخبر.
وَ رَعْدٌ وَبَرْقٌ معطوف عليه.
و قال : ظلمات ، بالجمع ، اشارة الى ظلمة الليل ، وظلمة الدجن ، وهو الغيم ، وجمعت من حيث تتراكب وتتزايد.
والرعد : اسم الصوت السموع من اصطكاك السحب ، والبرق :
ما ينقدح من اصطكاكها.

(1/3781)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 61
يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ جعلوا أصابعهم فى آذانهم لئلا يسمعوا القرآن فيؤمنوا به وبمحمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
مِنَ الصَّواعِقِ أي من أجل الصواعق. والصواعق ، جمع صاعقة ، وهى نار تسقط من السماء.
شبه اللّه تعالى أحوال المنافقين بما فى الصيب من الظلمات والرعد والبرق والصواعق ، فالظلمات مثل لما يعتقدونه من الكفر ، والرعد والبرق والصواعق مثل لما يخوفون به.
حَذَرَ الْمَوْتِ حذر ، منصوب لأنه موقوع له ، أي مفعول من أجله.
وَ اللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ ابتداء وخبر ، أي لا يفوتونه ، يقال : أحاط السلطان بفلان ، إذا أخذه أخذا حاصرا له من كل جهة.
وقيل : محيط بالكافرين ، أي عالم بهم.
وقيل : مهلكهم وجامعهم.
[سورة البقرة (2) : آية 20]
يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
20 - يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ :
يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ يكاد : يقارب ، يقال : كاد يفعل كذا ، إذا قارب ولم يفعل. وقد يقترن الفعل بعدها بأن ، والأجود عدم الاقتران ، لأنها لمقاربة الحال ، وإِنَّ تصرف الكلام الى الاستقبال.
يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ الخطف : الأخذ بسرعة. ويخطف ، بفتح عينه وكسرها ، لغتان قرىء بهما ، والأولى هى اللغة الجيدة.
أَبْصارَهُمْ جمع بصر ، وهى حاسة الرؤية. والمعنى : تكاد حجج القرآن وبراهينه الساطعة تبهرهم.
ومن جعل البرق مثلا للتخويف ، فالمعنى : أن خوفهم مما ينزل بهم يكاد يذهب أبصارهم.

(1/3782)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 62
كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ كلما ، منصوب ، لأنه ظرف.
وأضاء ، بمعنى : ضاء.
والمعنى : أنهم كلما سمعوا القرآن وظهرت لهم الحجج أنسوا ومشوا معه ، فاذا نزل من القرآن ما يعمون فيه ويضلون به ، أو يكلفونه ، قاموا.
وقاموا ، أي ثبتوا على نفاقهم.
وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ لو : حرف تمن ، وفيه معنى الجزاء ، وجوابه اللام ، والمعنى : لو شاء اللّه لأطلع المؤمنين عليهم فذهب منهم عز الإسلام.
إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عموم.
والقدير ، أبلغ من القادر.
والاقتدار على الشيء ، القدرة عليه.
[سورة البقرة (2) : آية 21]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)
21 - يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ :
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ يا أيها ، يا ، حرف نداء ، وأي منادى مفرد مبنى على الضم ، وها ، حرف تنبيه ، والناس مرفوع ، صفة لأى.
والناس ، اما أنه عام فى جميع الناس فيكون خطابه للمؤمنين باستدامة العبادة ، وللكافرين بابتدائها.
واما أن يراد به الكفار الذين لم يعبدوه.
واعبدوا ، أمر بالعبادة ، والعبادة هنا : عبارة عن توحيده والتزام شرائع دينه.
وأصل العبادة : الخضوع والتذلل.
الَّذِي خَلَقَكُمْ خص اللّه تعالى خلقه لهم من بين سائر صفاته لأن الجميع مقرين به.

(1/3783)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 63
وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وإذ قد ثبت لهم أنه خلقهم ثبت لهم كذلك أنه خلق من قبلهم ، ولكن الأمر على التذكير ، ليكون أبلغ فى العظة ، وليعلموا أن الذي أمات من قبلهم يميتهم.
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لعل ، متصلة بقوله اعْبُدُوا لا بقوله خَلَقَكُمْ لأن من ذرأه اللّه لجهنم لم يخلقه ليتقى.
ولعل ، على بابها من الترجي والتوقع ، انما هو فى حيز البشر ، فكأنه قيل لهم : افعلوا ذلك على الرجاء منكم والطمع أن تعقلوا وأن تذكروا وأن تتقوا.
[سورة البقرة (2) : الآيات 22 الى 23]
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23)
22 - الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ :
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ : الذي صير ، لتعديه الى مفعولين.
فِراشاً أي وطاء يفترشونها ويستقرون عليها.
وَ السَّماءَ بِناءً السماء للأرض كالسقف للبيت.
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ الثمرات ، جمع ثمرة ، أي أخرج لكم ألوانا من الثمرات.
رِزْقاً لَكُمْ طعاما لكم وعلفا لدوابكم.
فَلا تَجْعَلُوا نهى.
لِلَّهِ أَنْداداً أي أكفاء وأمثالا ونظراء ، الواحد : ند ، بالكسر.
وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ابتداء وخبر ، والجملة فى موضع الحال ، والخطاب للكافرين والمنافقين ، أي وأنتم تعلمون أنه هو المنعم عليكم دون الأنداد.
أو : وأنتم تعلمون وحدانيته بالقوة والإمكان لو تدبرتم ونظرتم.
23 - وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

(1/3784)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 64
فِي رَيْبٍ أي فى شك.
مِمَّا نَزَّلْنا يعنى القرآن ، والمراد المشركون الذين تحدوا ، فإنهم لما سمعوا القرآن قالوا : ما يشبه هذا كلام اللّه ، وإنا لفى شك منه.
عَلى عَبْدِنا يعنى محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
فَأْتُوا بِسُورَةٍ الفاء جواب الشرط. وأتوا ، أمر معناه التعجيز ، لأنه تعالى علم عجزهم عنه. والسورة ، واحدة السور.
مِنْ مِثْلِهِ من ، زائدة. والضمير فى مِثْلِهِ عائد على القرآن.
وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ الشهداء : الأعوان والأنصار ، أي استعينوا بمن وجدتموهم من علمائكم وأحضروهم ليشهدوا ما تأتون به.
مِنْ دُونِ اللَّهِ أي من غيره.
إِنْ كُنْتُم ْ صادِقِينَ
فيما قلتم من أنكم تقدرون على المعارضة.
والصدق ، خلاف الكذب.
[سورة البقرة (2) : آية 24]
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24)
24 - فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ :
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا يعنى فيما مضى. وان ، هنا ، غير عاملة فى اللفظ ، لهذا دخلت على لم.
وَ لَنْ تَفْعَلُوا أي تطيقوا ذلك فيما يأتى.
فَاتَّقُوا النَّارَ جواب : فإن لم تفعلوا ، أي اتقوا النار بتصديق النبي ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وطاعة اللّه تعالى.
الَّتِي من نعتها.
وَقُودُهَا الوقود ، بالفتح : الحطب ، وبالضم : التوقد.
النَّاسُ عموم ، ومعناه الخصوص فيمن سبق عليه القضاء بأن يكون حطبا لها.

(1/3785)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 65
وَ الْحِجارَةُ أي الأصنام.
أُعِدَّتْ حال للنار ، على معنى : معدة ، وأضمرت معه (قد).
لِلْكافِرِينَ ظاهر أن غير الكافرين لا يدخلها ، وليس الأمر كذلك ، بدليل ما ذكر فى غير موضع من الوعيد للمذنبين.
[سورة البقرة (2) : آية 25]
وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25)
25 - وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ :
وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا التبشير بما يظهر أثره على البشرة لتغيرها بأول خبر يرد عليها ، ثم غلب فيما يجلب السرور ، ولا يستعمل فى الشر إلا مقيدا منصوصا فيه على الشر المبشر به.
وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ هذه تقضى أن الايمان وحده لا يقتضى الطاعات لأنه لو كان كذلك ما أعادها.
أَنَّ لَهُمْ فى موضع نصب بالفعل بَشِّرِ ، والمعنى : وبشر الذين آمنوا بأن لهم ، أو لأن لهم.
جَنَّاتٍ فى موضع نصب اسم أَنَّ ، وأن وما عملت فيه فى موضع المفعول الثاني.
تَجْرِي فى موضع النعت لجنات ، وهى مرفوع لأنه فعل مستقبل.
مِنْ تَحْتِهَا أي من تحت أشجارها.
الْأَنْهارُ أي ماء الأنهار ، فنسب الجري الى الأنهار توسعا ، وانما يجرى الماء وحده ، فحذف اختصارا.
كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ من وصف الجنات.
رِزْقاً مصدره.

(1/3786)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 66
مِنْ قَبْلُ يعنى فى الدنيا ، أي هذا الذي وعدنا به فى الدنيا ، أو هذا الذي رزقنا فى الدنيا.
وَ أُتُوا أي أعطوا ، بالبناء للمجهول.
بِهِ مُتَشابِهاً متشابها. حال من الضمير فى بِهِ. والمتشابه :
الذي يشبه بعضه بعضا فى المنظر ويختلف فى الطعم.
وَ لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ ابتداء وخبر. وأزواج ، جمع زوج. والمرأة :
زوج الرجل ، والرجل : زوج المرأة.
مُطَهَّرَةٌ نعت للأزواج. والمطهرة ، أجمع وأبلغ من طاهرة ، أي ليست فيهن شائبة من شائبات الدنيا.
وَ هُمْ فِيها خالِدُونَ هم ، مبتدأ ، وخالدون ، خبره ، والظرف ملغى. والخلود : البقاء.
[سورة البقرة (2) : آية 26]
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (26)
26 - إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ :
لا يَسْتَحْيِي الاستحياء : الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفا من مواقعة القبيح ، وهذا محال على اللّه تعالى ، والمعنى : لا يترك.
أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا يضرب : يبين. وأن مع الفعل فى موضع نصب بتقدير حذف (من). ومثلا ، منصوب بالفعل : يضرب.
لما ضرب اللّه تعالى المثلين السابقين للمنافقين ، يعنى مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً وقوله أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ قالوا : اللّه أجل وأعلى من أن يضرب الأمثال. فنزلت هذه الآية.
ما بَعُوضَةً ما ، زائدة. وبعوضة ، بدل من مَثَلًا.

(1/3787)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 67
و قيل : ما ، نكرة فى موضع نصب على البدل من قوله مَثَلًا.
وبعوضة ، نعت لما ، فوصفت ما بالجنس المنكر لابهامها ، لأنها بمعنى قليل.
وقيل : نصبت على تقدير إسقاط الجار ، ويكون المعنى : أن يضرب مثلا ما بين بعوضة ، فحذفت (بين) وأعربت بَعُوضَةً باعرابها.
فَما فَوْقَها الفاء بمعنى : الى ، أي : الى ما فوقها. وما فوقها ، أي ما دونها ، أي انها فوقها فى الصغر.
ويصح أن يكون يَضْرِبَ بمعنى : يجعل ، فتكون بَعُوضَةً المفعول الثاني.
أَنَّهُ الْحَقُّ أنه ، عائد على المثل ، أي ان المثل حق. والحق ، خلاف الباطل.
ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا ماذا ، بمنزلة اسم واحد ، بمعنى :
أي شىء أراد اللّه ، فيكون فى موضع نصب بالفعل أَرادَ.
وقيل : ما ، اسم تام فى موضع رفع بالابتداء. وذا ، بمعنى : الذي ، وهو خبر الابتداء ، ويكون التقدير : ما الذي أراده اللّه بهذا مثلا.
والمعنى : الإنكار بلفظ الاستفهام. ومثلا ، منصوب على القطع ، والتقدير : أراد مثلا.
وقيل : هو منصوب على التمييز الذي وقع موقع الحال.
يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً :
قيل : هو قول الكافرين ، أي ما مراد اللّه بهذا المثل الذي يفرق بين الناس الى ضلالة والى هدى.
وقيل : بل هو خبر من اللّه عز وجل. ويكون المعنى : قل يضل اللّه به كثيرا ، ويهدى به كثيرا ، أي يوفق ويخذل.

(1/3788)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 68
وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الفاسقين ، نصب بوقوع الفعل عليهم ، والتقدير : وما يضل به أحدا إلا الفاسقين الذين سبق فى علمه أنهم لن يهتدوا. والفسق : الخروج من طاعة اللّه عز وجل.
[سورة البقرة (2) : آية 27]
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27)
27 - الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ :
الَّذِينَ فى موضع نصب على النعت للفاسقين ، وان شئت جعلته فى موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هم الذين.
يَنْقُضُونَ النقض : إفساد ما أبرمته من عهد.
مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ الميثاق : العهد المؤكد باليمين.
وَ يَقْطَعُونَ القطع معروف.
ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ما ، فى موضع نصب بالفعل يَقْطَعُونَ.
وأن ، بدل من ما ، أو من الهاء فى بِهِ. ويجوز أن يكون : لئلا يوصل ، أي كراهة أن يوصل.
وما أمر به أن يوصل ، هو صلة الأرحام.
وقيل : أن يوصل القول بالعمل.
وقيل : أن يوصل التصديق بجميع أنبيائه.
وقيل : الاشارة الى دين اللّه وعبادته فى الأرض ، واقامة شرائعه ، وحفظ حدوده ، فهى عامة فى كل ما أمر اللّه تعالى به أن يوصل.
وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أي يعبدون غير اللّه ويجورون فى الأفعال إذ هى بحسب شهواتهم وهذا غاية الفساد.
أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ابتداء وخبر ، وهم زائدة ، ويجوز أن تكون هُمُ ابتداء ثان ، والْخاسِرُونَ خبره.
والخاسر : الذي نقص نفسه حظها من الفلاح والفوز.

(1/3789)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 69
[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 30]
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30)
28 - كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ :
كَيْفَ سؤال عن الحال ، وهى اسم فى موضع نصب بالفعل تَكْفُرُونَ ، وهى مبنية على الفتح.
وقيل : كيف ، لفظة الاستفهام وليس به ، بل هو تقرير وتوبيخ ، أي كيف تكفرون نعمه عليكم وقدرته هذه.
وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً الواو واو الحال. وقد ، مضمرة ، والتقدير :
و قد كنتم ، ثم حذفت (قد).
فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ هذا وقف التمام.
ثُمَّ يُحْيِيكُمْ أي كنتم أمواتا معدومين قبل أن تخلقوا فأحياكم ، أي خلقكم ، ثم يميتكم عند انقضاء آجالكم ، ثم يحييكم يوم القيامة.
ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أي الى عذابه مرجعكم لكفركم.
29 - هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ :
خَلَقَ أوجد بعد العدم.
لَكُمْ من أجلكم.
ثُمَّ اسْتَوى ثم ، لترتيب الاخبار لا لترتيب الأمر فى نفسه.
والاستواء : الارتفاع والعلو على الشيء.
فَسَوَّاهُنَّ : سوى سطوحهن بالاملاس.
وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي بما خلق ، وهو خالق كل شىء ، فوجب أن يكون عالما بكل شىء.
30 - وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ :

(1/3790)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 70
وَ إِذْ إذ ، وإذا ، حرفا توقيت ، وإذ للماضى ، وإذا للمستقبل ، وقد توضع إحداهما موضع الأخرى.
لِلْمَلائِكَةِ الملائكة ، واحدها : ملك ، بفتحتين ، والهاء فى (الملائكة) تأكيد لتأنيث الجمع.
إِنِّي جاعِلٌ ، جاعل ، أي خالق.
خَلِيفَةً يكون بمعنى فاعل ، أي يخلف من كان قبله ، كما قد يكون بمعنى مفعول ، أي مخلف.
مَنْ يُفْسِدُ من ، فى موضع نصب على المفعولية للفعل تَجْعَلُ.
والمفعول الثاني يقوم مقامه فِيها.
وَ يَسْفِكُ عطف عليه. والسفك : السفح.
وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ أي ننزهك عما لا يليق بصفاتك.
بِحَمْدِكَ أي وبحمدك نخلط التسبيح بالحمد ونصله بك.
وَ نُقَدِّسُ لَكَ أي نعظمك ونمجدك ونطهر ذكرك عما لا يليق بك مما نسبك اليه الملحدون.
إِنِّي أَعْلَمُ أعلم ، فعل مستقبل ، وقيل انه اسم بمعنى فاعل ، كما يقال : اللّه أكبر ، بمعنى : كبير.
ما لا تَعْلَمُونَ مما كان ، ومما يكون ، ومما هو كائن.
[سورة البقرة (2) : آية 31]
وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31)
31 - وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ :
وَ عَلَّمَ وعرف.
آدَمَ هو أبو البشر.
الْأَسْماءَ كُلَّها أي العبارات كلها ، فالاسم قد يطلق ويراد به المسمى.

(1/3791)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 71
ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ أي عرض الأشخاص.
هؤُلاءِ لفظ مبنى على الكسر.
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ شرط ، والجواب محذوف ، تقديره : ان كنتم صادقين أن بنى آدم يفسدون فى الأرض فأنبئونى. وصادقون : عالمون.
[سورة البقرة (2) : الآيات 32 الى 34]
قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34)
32 - قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ :
سُبْحانَكَ أي تنزيها لك عن أن يعلم الغيب أحد سواك ، منصوب على المصدر ، وقيل : منصوب على أنه نداء.
الْعَلِيمُ فعيل ، للمبالغة والتكثير فى المعلومات فى خلق اللّه تعالى.
الْحَكِيمُ أي الحاكم ، وقيل : المحكم. والمراد : المانع من الفساد.
33 - قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ :
أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ أمره اللّه تعالى أن يعلمهم بأسمائهم بعد أن عرضهم على الملائكة ليعلموا أنه أعلم بما سأله عنه تنبيها على فضله وعلو شأنه.
إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ دليل على أن أحدا لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه اللّه كالأنبياء ، أو من أعلمه من أعلمه اللّه تعالى.
وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ أي من قولهم أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها.
وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يعنى ما كتمه إبليس فى نفسه من الكبر والمعصية ، وجاء تَكْتُمُونَ للجماعة ، والكاتم واحد ، على التجوز والاتساع.
34 - وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ :

(1/3792)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 72
وَ إِذْ قُلْنا أي : واذكر : إذ قلنا.
اسْجُدُوا السجود : الخضوع.
فَسَجَدُوا أي امتثلوا.
إِلَّا إِبْلِيسَ نصب على الاستثناء المتصل ، لأنه كان من الملائكة.
أَبى : امتنع من فعل ما أمر به.
وَ اسْتَكْبَرَ : واستعظم ، إذ كره السجود فى حقه واستعظمه فى حق آدم.
وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ أي صار. وقيل : المعنى : أي كان فى علم اللّه تعالى أنه سيكفر.
[سورة البقرة (2) : الآيات 35 الى 36]
وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (36)
35 - وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ :
اسْكُنْ أي اتخذها مسكنا. والسكنى لا تكون ملكا ، بل الى مدة ثم تنقطع ، فدخولهما الجنة كان دخول سكنى لا دخول اقامة.
أَنْتَ تأكيد للمضمر الذي فى الفعل.
وَ زَوْجُكَ لغة القرآن : زوج ، بغير هاء.
رَغَداً الرغد : العيش الدّار الهنى الذي لا عناء فيه ، وهو نعت لمصدر محذوف ، أي أكلا رغدا.
وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ أي لا تقرباها بأكل. والاسم المبهم ينعت بما فيه الألف واللام لا غير.
فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ فتكونا ، عطف على تَقْرَبا ولذلك حذفت النون. والظلم : وضع الشيء فى غير موضعه.
36 - فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ :

(1/3793)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 73
فَأَزَلَّهُمَا من الزلة ، وهى الخطيئة ، أي استنزلهما وأوقعهما فيها.
وقرأ حمزة (فأزالهما) أي نحاهما ، أي صرفهما عما كانا عليه من الطاعة الى المعصية.
فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ من رغد.
وَ قُلْنَا اهْبِطُوا الهبوط : النزول من فوق الى أسفل.
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ بعضكم ، مبتدأ. وعدو ، خبره ، والجملة فى موضع نصب على الحال ، والتقدير : وهذا حالكم ، وحذفت الواو من بَعْضُكُمْ لأن فى الكلام عائدا. والعدو خلاف الصديق ، وهو من عدا ، إذا ظلم. وقال عَدُوٌّ ولم يقل : أعداء ، لأن بعضا وكلا يخبر عنهما بالواحد على اللفظ والمعنى.
وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ابتداء وخبر ، أي موضع استقرار.
وَ مَتاعٌ المتاع : ما يستمتع به من أكل ولبس وحياة.
إِلى حِينٍ ، أي الى أجل ، والحين : الوقت البعيد ، والمدة.
[سورة البقرة (2) : الآيات 37 الى 38]
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
37 - فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ :
فَتَلَقَّى أي فهم وفطن. وقيل : قبل وأخذ.
كَلِماتٍ أي أدعية واستغفار واستغاثة.
فَتابَ عَلَيْهِ أي قبل توبته ، أو وفقه للتوبة.
إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وصف نفسه تعالى بأنه التواب ، يعنى كثرة قبوله توبة عباده ، لكثرة من يتوب عليهم.
38 - قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ :
قُلْنَا اهْبِطُوا كرر الأمر على جهة التغليظ وتأكيده. وقيل :

(1/3794)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 74
كرر الأمر لما علق بكل أمر حكما غير حكم الآخر ، فعلق بالأول العداوة ، وبالثاني إتيان الهدى.
جَمِيعاً نصب على الحال.
فَإِمَّا ما ، زائدة على (ان) التي للشرط ، وجواب الشرط الفاء مع الشرط الثاني.
هُدىً أي توفيق للهداية. وقيل : كتاب اللّه.
فَمَنْ تَبِعَ من ، فى موضع رفع بالابتداء. وتبع فى موضع جزم بالشرط.
فَلا خَوْفٌ جواب الشرط. والشرط الثاني وجوابه هما جواب الأول ، والخوف هو الذعر ، ولا يكون إلا فى المستقبل.
وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ الحزن ضد السرور ، ولا يكون إلا على ماض.
[سورة البقرة (2) : الآيات 39 الى 40]
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (39) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)
39 - وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ :
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي أشركوا.
أَصْحابُ النَّارِ الصحبة : الاقتران بالشيء فى حالة ما ، فى زمان ما ، فان كانت الملازمة والخلطة فهى كمال الصحبة ، وهكذا هى صحبة أهل النار لها.
40 - يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ :
يا بَنِي إِسْرائِيلَ نداء مضاف ، علامة النصب فيه الياء. وحذفت منه النون للاضافة. وإسرائيل ، هو يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليهم السلام. وإسرائيل ، اسم أعجمى ، ولذلك لم ينصرف.
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الذكر ، اسم مشترك ، فالذكر بالقلب ، ضد

(1/3795)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 75 النسيان. والذكر باللسان ضد الإنصات ، وما كان بالضمير فهو مضموم ، وما كان باللسان فهو مكسور الذال ، وقيل : هما لغتان. والنعمة ، اسم جنس ، فهى مفردة بمعنى الجمع.
والمعنى فى الآية : اذكروا شكر نعمتى ، فحذف الشكر اكتفاء بذكر النعمة.
وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ أمر وجوابه ، أي أوفوا بعهدي الذي عهدت إليكم فى التوراة من اتباع محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، .
أُوفِ بِعَهْدِكُمْ أي بما ضمنت لكم على ذلك ، ان أوفيتم به فلكم الجنة.
وَ إِيَّايَ فَارْهَبُونِ ، أي خافون. وسقطت الياء بعد النون لأنها رأس آية.
[سورة البقرة (2) : آية 41]
وَ آمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)
41 - وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ :
وَ آمِنُوا أي صدقوا.
بِما أَنْزَلْتُ يعنى القرآن.
مُصَدِّقاً حال من الضمير فى أَنْزَلْتُ ، والتقدير : بما أنزلته مصدقا ، والعامل فيه : أنزلت.
ويجوز أن يكون حالا من (ما) ، والعامل فيه : آمنوا ، والتقدير :
آمنوا بالقرآن مصدقا.
ويجوز أن تكون (ما) مصدرية ، والتقدير : آمنوا بانزال.
لِما مَعَكُمْ يعنى التوراة.
وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ الضمير فى (به) عائد على محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
وقيل : هو عائد على القرآن ، إذ تضمنه قوله بِما أَنْزَلْتُ. وقيل :
على التوراة ، إذ تضمنها قوله لِما مَعَكُمْ.

(1/3796)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 76
و قيل : كافر ، ولم يقل كافرين ، إذ التقدير : أول فريق كافر به.
وقيل : هو محمول على المعنى ، إذ المعنى : أول من كفر به.
وَ لا تَشْتَرُوا معطوف على قوله وَلا تَكُونُوا. نهاهم عن أن يكونوا أول من كفر به ، وألا يأخذوا على آيات اللّه ثمنا.
[سورة البقرة (2) : الآيات 42 الى 44]
وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (44)
42 - وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ :
وَ لا تَلْبِسُوا اللبس : الخلط.
بِالْباطِلِ الباطل : خلاف الحق ، ومعناه : الزائل ، وما يذهب ضياعا.
وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ معطوف على تَلْبِسُوا ، ولهذا يصح جزمه ، كما يصح أن يكون منصوبا بإضمار (أن).
وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ جملة فى موضع الحال. وليس فى الأمر شهادة لهم بعلم ، انما هو نهى عن كتمان ما علموا.
43 - وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ :
وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ أمر معناه الوجوب.
وَ آتُوا الزَّكاةَ أمر يقتضى الوجوب والإيتاء والإعطاء.
والزكاة ، هى الزكاة المفروضة لمقارنتها بالصلاة.
وَ ارْكَعُوا أي صلوا ، عبر عن الكل بالركن ، فالركوع ركن من أركان الصلاة.
مَعَ الرَّاكِعِينَ مع ، تقتضى المعية والجمعية.
44 - أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ :
أَ تَأْمُرُونَ استفهام معناه التوبيخ.
بِالْبِرِّ أي بالطاعة والعمل الصالح.

(1/3797)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 77
وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ أي تتركون.
وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ توبيخ. وتتلون : تقرءون. والكتاب ، يعنى التوراة.
أَ فَلا تَعْقِلُونَ أي أفلا تمنعون أنفسكم من مواقعة هذه الحال الردية لكم. والعقل : المنع.
[سورة البقرة (2) : الآيات 45 الى 46]
وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46)
45 - وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ :
بِالصَّبْرِ أي بالصبر على الطاعة ، لغة : الحبس. وقيل : الصوم.
وَ الصَّلاةِ خص الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات تنويها بذكرها.
وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ وانها ، الضمير يعود على الصلاة وحدها. وقيل :
عليهما ، ولكنه كنى عن الأغلب ، وهو الصلاة.
عَلَى الْخاشِعِينَ الخاشعون ، جمع خاشع ، وهو المتواضع.
والخشوع : هيئة فى النفس يظهر منها فى الجوارح سكون وتواضع.
والخاشعون هم المؤمنون حقا.
46 - الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ :
الَّذِينَ فى موضع خفض على النعت للخاشعين. ويجوز الرفع على القطع.
يَظُنُّونَ الظن ، هنا بمعنى اليقين.
مُلاقُوا رَبِّهِمْ أي جزاء ربهم.
إِلَيْهِ أي الى ربهم.
راجِعُونَ اقرار بالبعث والجزاء والعرض على الملك الأعلى.

(1/3798)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 78
[سورة البقرة (2) : الآيات 47 الى 49]
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
47 - يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ :
الْعالَمِينَ أي عالمى زمانهم ، وأهل كل زمان عالم.
وقيل : على كل العالمين ، بما جعل فيهم من الأنبياء ، وهذه خاصة لهم وليست لغيرهم.
48 - وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ :
وَ اتَّقُوا أمر معناه الوعيد.
يَوْماً يريد عذابه وهوله ، وهو يوم القيامة ، وهو منصوب على المفعولية.
لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً أي لا تؤاخذ نفس بذنب أخرى ولا تدفع عنها شيئا.
وَ لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ الشفاعة : ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك.
وقرئت : ولا تقبل ، بالتاء ، على التأنيث ، لأن الشفاعة مؤنثة ، وعى التذكير ، تكون (الشفاعة) بمعنى : الشفيع.
وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ أي فداء.
وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ أي يعانون. والنصر : العون.
49 - وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ.
وَ إِذْ إذ ، فى موضع نصب عطف على اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ. وهذا وما بعده تذكير ببعض النعم التي كانت له عليهم.
مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ أي من قومه وأتباعه.
وفرعون هو اسم ذلك الملك بعينه ، وهو فى الأصل لكل ملك من ملوك مصر.

(1/3799)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 79
يَسُومُونَكُمْ يذيقونكم.
سُوءَ الْعَذابِ مفعول ثان للفعل يَسُومُونَكُمْ. وسوء العذاب :
أشده.
يُذَبِّحُونَ بغير واو على البدل من قوله يَسُومُونَكُمْ.
وقرىء : يذبحون ، بفتح الياء.
أَبْناءَكُمْ أي أطفالكم.
وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ أي يبقونهن أحياء ، فلقد كان فرعون يبقى البنات ، وعبر عنهم باسم النساء بالمئال.
وَ فِي ذلِكُمْ اشارة الى جملة الأمر ، إذ هو خبر فهو كفرد حاضر ، أي وفى فعلهم ذلك بكم.
بَلاءٌ أي امتحان واختبار.
[سورة البقرة (2) : الآيات 50 الى 51]
وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (51)
50 - وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ :
إِذْ فى موضع نصب.
فَرَقْنا : فلقنا.
بِكُمُ أي لكم ، فالباء ، هنا بمعنى اللام.
وقيل : الباء ، فى مكانها ، أي فرقنا البحر بدخولكم إياه ، أي صاروا بين الماءين ، فصار الفرق بهم.
فَأَنْجَيْناكُمْ أي أخرجناكم منه.
وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ جملة فى موضع الحال.
51 - وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ :
واعَدْنا وعدنا ، وهو من باب الموافاة.

(1/3800)


الموسوعة القرآنية ، ج 9 ، ص : 80
مُوسى اسم أعجمى لا ينصرف ، وهو ابن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب بن إسرائيل بن إسحاق بن ابراهيم.
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً نصب على المفعول الثاني. وفى الكلام حذف ، والتقدير : وإذ واعدنا موسى تمام أربعين ليلة.
و الأربعون ، هى فيما يقال : ذو القعدة وعشر من ذى الحجة ، وكان ذلك بعد أن جاوز البحر وسأله قومه أن يأتيهم بكتاب من عند اللّه ، فخرج الى الطور فى سبعين من خيار بنى إسرائيل ، وصعدوا الجبل ، وواعدهم الى تمام أربعين ليلة ، فعدوا عشرين يوما وعشرين ليلة ، وقالوا قد أخلفنا موعده ، فاتخذوا العجل ، وقال لهم السامري : هذا إلهكم وإله موسى.
ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ أي اتخذتموه إلها من بعد موسى.
وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ جملة فى موضع الحال.
[سورة البقرة (2) : الآيات 52 الى 53]
ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)
52 - ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ :
ثُمَّ عَفَوْنا العفو : عفو اللّه عز وجل عن خلقه ، وقد يكون بعد العقوبة وقبلها ، بخلاف الغفران ، فانه لا تكون معه عقوبة البتة ، وكل من استحق عقوبة فتركت له فقد عفى عنه. فالعفو : محو الذنب ، أي محونا ذنوبكم وتجاوزنا عنكم.
مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي من بعد عبادتكم العجل.
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي : كى تشكروا عفو اللّه عنكم. والشكر :
الثناء على الإنسان بمعروف يوليه.
53 - وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ :
إِذْ اسم للوقت الماضي ، وإذا ، اسم للوقت المستقبل.
آتَيْنا : أعطينا. ==

==

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جلد 3. الحيوان للجاحظ /الجزء الثالث

  الجزء الثالث بسم الله الرحمن الرحيم فاتحة استنشاط القارئ ببعض الهزل وإن كنَّا قد أمَلْلناك بالجِدِّ وبالاحتجاجاتِ الصحيحة والم...